زبدة الأصول - ج ١

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-34-9
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٥٤٣

الانقضاء أبداً بداهة أن الشيء بعد وقوعه لا ينقلب عما هو عليه فصدق المشتق حال تلبسه وانقضائه على نحو واحد.

إذ يرد عليه أولا : النقض باسم الفاعل ، فانه موضوع لمن صدر عنه الفعل ، ولازم البرهان المذكور عدم انقضاء المبدأ فيه.

وثانيا : بالحل وهو انه لم يوضع اسم المفعول لعنوان من وقع عليه الفعل ، بل هو موضوع لمن يكون نسبة المبدأ إليه نسبة الوقوع وهذا المعنى يتصور فيه التلبس ، وعدم التلبس ، والانقضاء كما لا يخفى.

بيان المراد من الحال في العنوان

الخامس : قد ذكروا في عنوان البحث ، إن المشتق هل هو حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدإ في الحال أو الأعم منه ومن المنقضي عنه ، وبما أن الحال صار قيدا لمحل النزاع لزم بيان معناه ليتضح محل البحث ، ولذلك وقع الكلام فيه.

فعن جماعة أن المراد به حال النطق.

وعن آخرين إن المراد به حال التلبس وستعرف انه الأظهر.

وقد استدل للأول بوجهين :

الأول : ما ادعاه العضدي من الاتفاق ، على أن مثل زيد ضارب غدا ، مجاز.

٢٦١

وأجاب عنه في الكفاية : بان الظاهر انه فيما إذا كان الجري في الحال كما هو قضية الإطلاق والغد إنما يكون لبيان زمان التلبس فيكون الجري والاتصاف في الحال والتلبس في الاستقبال انتهى (١).

وفيه : أن الظاهر من القيد رجوعه إلى ثبوت المحمول للموضوع ، وعليه فيتحد مفاد هذه الجملة مع مفاد ـ زيد سيكون ضاربا غدا ـ التي لا شبهة في كونها حقيقة ، وعلى فرض القرينة على عدم رجوعه إلى ذلك يتعين رجوعه إلى الموضوع ، فيكون الموضوع زيد المقيد بكونه في الغد ، أي قطعة من قطعات استمرار وجوده الملازم لتقيد المحمول والنسبة ، أو إلى المحمول ، فيكون المفاد حينئذ أن زيدا هو الضارب المقيد بكونه في الغد الملازم ذلك لتقيد النسبة ، وعلى التقديرين أيضا يكون هذا المثال حقيقة ، وأما رجوع القيد إلى جزء المحمول ـ أي المبدأ فيكون المفاد ، زيد ضارب فعلا بالضرب المقيد بكونه في الغد الذي ذكره المحقق الخراساني فالظاهر عدم صحته.

فالصحيح في الجواب عنه أن هذا اشتباه من العضدي.

الثاني : انه إذا حمل المشتق على شيء لا ريب في ظهوره في كونه متلبسا بمبدئه حال النطق ، فيعلم من ذلك أخذه فيه.

وفيه : أن هذا إنما يكون من جهة ظهور الحمل الشائع الصناعي الذي ملاكه الاتحاد في التحقق ، في اتحاد زماني التلبس والجري اللفظي ولا ربط له بما هو محل الكلام من تعيين مفهوم المشتق في نفسه.

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٤٤.

٢٦٢

ولعل هذا هو مراد المحقق الخراساني من قوله ، انهم في هذا العنوان بصدد تعيين ما وضع له المشتق لا تعيين ما يراد منه بالقرينة.

ثم أن المراد من الحال ليس هو زمان التلبس لعدم اخذ الزمان ، في مفهومه ، لوجوه :

الأول : اتفاق أهل العربية على عدم دلالة الاسم على الزمان.

الثاني : انه قد تسند المشتقات بما لها من المعاني بلا تجريد إلى من لا يعقل إحاطة الزمان به ، مثلا : يقال انه تعالى عالم ، خالق إلى غير ذلك من الأوصاف.

الثالث : أن المشتق مركب من مادة وهيئة ، والأولى موضوعة لذلك المعنى الحدثي ، والثانية موضوعة لانتساب ذلك الحدث إلى الذات ولم يؤخذ في شيء من ذلك الزمان ، بل المراد من الحال في العنوان ليس إلّا فعلية التلبس الملازمة ذلك لزمان التلبس في الزمانيات.

وقد يقال كما عن بعض أكابر المحققين (١) : بان عنوان البحث بهذا النحو الذي في الكلمات ، وهو الوضع للمتلبس أو الأعم ، غلط واشتباه.

إذ اللفظ لم يوضع لشيء منهما وإنما وضع للماهية : إذ النزاع على الوجه المزبور مستلزم لفرض اخذ التحقق الخارجي في الموضوع له كي ينازع في أن الموضوع له هو خصوص التلبس أو الأعم ولم يؤخذ التحقق الخارجي فيه ، وإنما الموضوع له هي الطبيعة من حيث هي القابلة لحمل الوجود والعدم عليها ،

__________________

(١) لم نعثر على قائله إلا ما يظهر من بعض المعاصرين.

٢٦٣

ولذا يصح استعمال القائم في معناه ولو لم يكن له مصداق خارجي ، فالموضوع له في القائم مثلا إنما هو الذات المنتسب إليها القيام.

بل النزاع لا بد وان يكون في مصداق هذا المفهوم ، وانه ، هل يصدق من انتسب إليه القيام سابقا أو ينتسب إليه فيما بعد ، أم يختص بمن نسب إليه فعلا ، ثم اختار هو صدقه على الجميع.

ثم أورد على نفسه : بان ذلك ينافي اتفاق الأصوليين على أن المشتق لا يصدق حقيقة على من لم يلتبس بالمبدإ وان كان يتلبس به فيما بعد.

وأجاب عنه : بأنه بعد مساعدة الدليل المؤيد بما نرى استعمال المشتق في المتلبس به في المستقبل ، كاستعمال ـ محيى السنن ومميت البدع ـ في ولى العصر روحي له الفداء ، والمعذب بالنار في الله تعالى ، لا يعتني بمخالفة القوم.

ثم قال : إن هذا الاشتباه لا يختص بالأصوليين بل الفلاسفة أيضا وقعوا في الاشتباه من هذه الجهة ، إذ لو كان الموضوع له هي الطبيعة ، لا معنى للنزاع المعروف بين المعلم الثاني والشيخ الرئيس في الأوصاف ، حيث أن الأول اكتفى بإمكان التلبس والثاني زاد قيد الفعلية ، ولذا قد يحمل عليه الممتنع ، فإذا كان الإمكان أو الفعلية مأخوذا في الموضوع له لما أمكن حمل الممتنع عليه.

أقول : ما ذكره (قدِّس سره) من أن الموضوع له هي الطبيعة والماهية ، متين ومما لا كلام فيه.

ولكن إشكاله ـ على الفلاسفة كإشكاله على الأصوليين مبتنيا على ذلك ـ غير تام.

٢٦٤

أما الأول : فلان النزاع المعروف ، ليس في تعيين الموضوع له ، بل صرح الجميع بالوضع للماهية ، وإنما يكون كلامهم في القضايا الحقيقية التي رتب الأحكام والمحمولات على المصاديق ، وعلم من الخارج عدم إرادة الماهيات من حيث هي من الأوصاف المجعولة موضوعات في تلك القضايا مثل ، النار محرقة ، فوقع النزاع في أن المحمولات في هذه القضايا مترتبة على الأفراد الفعلية ، أم ثابتة للأفراد الممكنة أيضا.

وأما الثاني : فلان محل النزاع بينهم بعد تسليم الوضع للماهية ، أن الموضوع له هي الطبيعة الصادقة على خصوص المتلبس ، أم ما يكون أوسع من ذلك ولها مصداق آخر وهو المنقضي عنه المبدأ.

وما ذكره من أن النزاع إنما يكون في المصداق لا المفهوم ، اشتباه.

إذ النزاع في المصداق يتصور على وجهين :

الأول : فيما كان حدود المفهوم معلوما وكان الشك في المصداق من جهة الأمور الخارجية ، ومثل ذلك لا يليق بالأصولي أن يبحث عنه.

الثاني : أن يكون الشك في المصداق لأجل إجمال المفهوم كما في الغناء ، وفي مثل ذلك لو انعقد البحث للتعيين ، لا بد وان يكون في المفهوم وتعيين حدوده ، وبه يرفع الشك في المصداق.

ثم لو تنزلنا عن ذلك وسلمنا تعين المفهوم في المقام وهو الذات التي بينها وبين المبدأ نسبة ، وفرض الشك والنزاع في المصداق ، لا نسلم صدق هذا المفهوم على من لم يتلبس بالمبدإ وإنما يتلبس به فيما بعد ، والاستعمال في

٢٦٥

الأمثلة المذكورة في كلامه إنما يكون بلحاظ حال التلبس وإلا لما صح.

تعيين ما يقتضيه الأصل

السادس : قال صاحب الكفاية لا اصل في نفس هذه المسألة يعول عليه عند الشك (١).

ما أفاده متين إذ لا اصل يتوهم كونه مرجعا عند الشك ، إلا أصالتي عدم لحاظ الخصوصية وعدم الوضع للخاص ، وهما معارضتان مع أصالة عدم لحاظ العموم ، وعدم الوضع للعام.

ودعوى عدم جريان أصالة عدم الوضع للخاص للوضع له على أي تقدير.

كما انه لا تجرى أصالة عدم لحاظ العموم للحاظه ، إما مستقلا ، أو في ضمن لحاظ الخاص.

مندفعة : بأن العموم والخصوص إنما هما في الصدق على الخارج ، وأما في المفهوم والمدرك العقلاني ، فكل مفهوم يباين مفهوما آخر وان كان بينهما عموم مطلق في المصاديق ، فعند دوران الأمر بين لحاظ العام ، أو الخاص ، لا متيقن في البين ، كما انه لا متيقن عند الدوران بين الوضع للعام أو الخاص ، وان شئت فقل إن لحاظ العام في ضمن الخاص لا يفيد في الوضع للعام ، بل المفيد إنما هو لحاظه مستقلا.

__________________

(١) كفاية الأصول ص ص ٤٥ (سادسها).

٢٦٦

أضف إلى ذلك أن الأصلين المزبورين بعد عدم كونهما من الأصول العقلائية ، لا يجريان في أنفسهما ، إذ لا يثبت بهما الوضع للخاص كما هو واضح فلا بد من الرجوع إلى الأصل في المسألة الفقهية.

والكلام فيه في مقامين :

الأول : فيما يقتضيه الأصل اللفظي.

الثاني : في مقتضى الأصول العملية.

أما المقام الأول : فإذا ورد عام مثل قوله تعالى : (وَلا يَغْتَب بَعْضُكُم بَعْضاً) (١) وخصص ذلك بما اخذ في موضوعه عنوان اشتقاقي مثل ما دل على جواز غيبة المعلن بالفسق ، فبالطبع بعد الشك في كون المشتق حقيقة في الأعم يشك في أن من كان متلبسا سابقا بهذا الوصف وانقضى عنه المبدأ هل يكون باقيا تحت العام أو هو مشمول لدليل الخاص والفرض كون الشبهة مفهومية ، فحينئذ إن كان المخصص متصلا يصير العام مجملا ، ففي مورد الشك لا يمكن التمسك بالعام ولا بالخاص ، وان كان منفصلا كما في المثال ، ففي المقدار المتيقن دخوله تحت عنوان الخاص يؤخذ بالخاص ، وفي الزائد منه يرجع إلى العام كما حقق في محله.

وأما المقام الثاني : فعن جماعة منهم المحقق الخراساني ، انه يرجع إلى

__________________

(١) سورة الحجرات الآية ١٢.

٢٦٧

الاستصحاب إذا كان الانقضاء بعد فعلية الجواز ، وإلا البراءة إذا كان قبله (١).

ولكن الأظهر عدم جواز الرجوع إلى الاستصحاب في الفرض الأول أيضا ، وذلك لوجهين :

أحدهما : عدم جريان الاستصحاب في الأحكام ، لكونه محكوما لاستصحاب عدم الجعل ، كما حققناه في هذا الكتاب في مبحث الاستصحاب.

ثانيهما : ما ذكرناه في ذلك المبحث تبعا للشيخ الأعظم ، من انه إذا تردد الموضوع بين الزائل والباقي ، كما لو انقلب الكلب واستحال ملحا ، وشك في نجاسته ، من جهة الشك في أن معروض النجاسة ، المادة المشتركة الباقية ، أو الصورة النوعية الزائلة ، لا يجرى استصحاب بقاء الحكم ، حتى على القول بجريانه في الأحكام الكلية الشرعية ، ولا استصحاب بقاء الموضوع.

أما عدم جريان استصحاب الحكم فللشك في بقاء موضوعه.

وأما عدم جريان الاستصحاب الموضوعي فلعدم الشك في الموجود الخارجي ، وتمام الكلام في محله.

وعلى ذلك فلا يجرى الاستصحاب في المقام حتى فيما كان الإيجاب قبل الانقضاء ، لا الاستصحاب الحكمي ولا الموضوعي.

ولا يخفى انه على فرض جريان الاستصحاب الموضوعي لا فرق بين الصورتين فيجرى فيما إذا كان الإيجاب بعد الانقضاء أيضا بناء على ما هو

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٤٥ (وأما الأصل العملي).

٢٦٨

الحق من انه لا يعتبر في جريان الاستصحاب سوى ترتب الأثر حين الشك ، ولا يعتبر كون المستصحب ذا اثر شرعي حين ما كان متيقنا.

وبذلك يظهر أن مراد المحقق الخراساني من الاستصحاب هو الاستصحاب الحكمي ، وعليه فيرد عليه الإيرادان.

فالمتحصل أن المتعين هو الرجوع إلى البراءة في الموردين.

ما يدل على المختار في وضع المشتق

ثم انه يقع الكلام بعد تمهيد هذه الأمور في اصل المسألة وفيها أقوال :

إلا انه كما أفاده المحقق الخراساني أنها حدثت بين المتأخرين ، وإلا فالمسألة في الأصل ذات قولين بين المتقدمين (١) ، الوضع مطلقا لخصوص المتلبس ، أو للأعم منه ومن المنقضي عنه المبدأ.

والأظهر تبعا للمحققين من المتأخرين ، انه موضوع لخصوص المتلبس.

وذلك بناء على كون مفهوم المشتق بسيطا ، وانه نفس المبدأ المأخوذ لا بشرط ، فواضح ، إذ عليه لا يتصور الجامع بين المتلبس ، والمنقضي عنه ، فان المشتق حينئذ ملازم لصدق نفس المبدأ ومع انتفائه ينتفي العنوان الاشتقاقي ، فأي جامع يتصور بين وجود الشيء وعدمه ، كي يقال انه الموضوع له.

__________________

(١) راجع كفاية الأصول ص ٤٥.

٢٦٩

فان قيل على هذا لا بد من الالتزام بعدم جواز استعمال المشتق في المنقضي عنه المبدأ مجازا ، إذ أي علاقة تتصور بين وجود الشيء وعدمه ، مع انه يجوز بلا كلام ، فيستكشف من ذلك عدم تمامية هذا البرهان.

اجبنا عنه ، بان وجه صحة الاستعمال حينئذ بقاء الذات المتصفة بالعنوان الاشتقاقي حين الاتصاف ، وهذا هو الفارق بين المشتق ، والعنوان الذاتي كالإنسان ، حيث انه يصح استعمال المشتق في المنقضي عنه المبدأ مجازا ، ولا يصح استعمال العنوان الذاتي بعد زوال الصورة النوعية.

وأما على القول بالتركب وان المشتق موضوع للذات مع المبدأ.

فقد يقال كما عن المحقق النائيني بلزوم الالتزام بالوضع للأعم (١) ، لان الركن الوطيد في المفهوم الموضوع له هو الذات ، وانتساب المبدأ إليها كأنه جهة تعليلية لصدق المشتق عليها ، وعليه فحيث انه من المعلوم انه لم يؤخذ الزمان قيدا في المفهوم الموضوع له ، والذات تكون باقية بعد الانقضاء. فلا محالة يصدق المشتق عليها بحسب اقتضاء طبع المعنى ، وهذا بخلاف من لم يتلبس به بعد ، فانه لأجل عدم تحقق الانتساب لا يصدق المشتق على الذات.

ولكنه (قدِّس سره) (٢) رجع عن ذلك وبنى على أن الموضوع له خصوص المتلبس

__________________

(١) راجع أجود التقريرات ج ١ ص ٧٥ عند قوله وتوضيح ذلك أنه إن قلنا بالوضع للمركب .. الخ ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١١٢.

(٢) راجع أجود التقريرات ج ١ ص ٧٦ (المقدمة السابعة) قوله : وحاصل ما ذكرنا أن البراهين الدالة على بساطة المعنى تدل على الوضع لخصوص المتلبس وفاقا لمتأخري

٢٧٠

على هذا القول أيضا ولنعم ما أفاد.

وحاصله انه لا بد من القول بالوضع لخصوص المتلبس حتى على هذا القول لأنه لا يتصور الجامع حتى بناء على التركب : فان مفهوم المشتق على هذا القول ليس هي الذات المطلقة مع المبدأ بل هي الذات المتقيدة به والمتصفة بوصف ما ، وبعبارة أخرى الذات مع المبدأ ، وبما انه لا جامع بين الذات الواجدة لصفة ، والذات الفاقدة له إلا من ناحية الزمان والمفروض انه لم يؤخذ في مفهوم المشتق وليس شيء آخر جامع بين المتلبس والمنقضي عنه مأخوذا فيه ، فيتعين كونه موضوعا لخصوص المتلبس ، بعد عدم كونه موضوعا لخصوص المنقضي عنه ، ولا لهما بالاشتراك اللفظي.

وأورد على هذا ، المحقق العراقي (قدِّس سره) ، بأنه على القول بوضع المشتق للذات والمبدأ والنسبة فإن تصوير الجامع في غاية الوضوح إذ عليه يكون مفهوم المشتق هي الذات المنتسب إليها المبدأ نسبة ما ، ولا ريب في انه قدر جامع بين الفردين ، وينطبق على كل منهما بلا عناية (١).

وفيه : أن المفهوم المركب من شيئين أو أزيد ينعدم بانعدام أحد جزئية أو أجزائه.

__________________

الأصحاب والأشاعرة. ولكن يستحسن مراجعة المقدمة السابعة كلها خاصة ص ٧٥ ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١١٣.

(١) نهاية الأفكار ج ١ ص ٨٦ (الثاني).

٢٧١

وعليه فان كان المراد من نسبة ما ، اعم من النسبة الفعلية والسابقة فيرجع ذلك إلى اخذ الزمان في مفهوم المشتق والمفروض عدمه ، وان كان المراد ذلك مع عدم اخذ الزمان فهو لا يرجع إلى محصل.

وان كان المراد هي النسبة الفعلية ، فهو لا يصدق على المنقضي عنه ، وبالجملة المفهوم المركب من الذات والمبدأ والنسبة بلا اعتبار شيء آخر لا يصدق إلا في صورة فعلية المبدأ.

فالأظهر انه لا جامع بين المتلبس والمنقضي عنه ، فالوضع للأعم مما لا معنى له ، وحيث أن الوضع لخصوص المتلبس مما لا ريب فيه ، والوضع الآخر لخصوص المنقضي عنه مفروض العدم ، فلا محالة يكون الموضوع له خصوص المتلبس ، فالاستعمال في المنقضي عنه يكون مجازا.

وقد استدل للوضع لخصوص المتلبس بوجوه أخر غير ما قدمناه.

الأول : ما في الكفاية قال ويدل عليه تبادر خصوص المتلبس بالمبدإ في الحال (١).

ويرده انه لو أريد إثبات الوضع للمتلبس فهو ليس محل الخلاف ، وان أريد به انه لا يتبادر منه المنقضي عنه المبدأ فيكون ذلك آية عدم كونه الموضوع له فهو يتوقف على كون عدم التبادر علامة المجاز ، وقد مر انه ليس كذلك.

الثاني : صحة السلب عما انقضى عنه المبدأ كالمتلبس به في الاستقبال ،

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٤٥.

٢٧٢

لوضوح أن مثل القائم والعالم والضارب وما يرادفها من سائر اللغات لا يصدق على من تلبس بها قبل الجري والانتساب ولم يكن متلبسا بها حينه ويصح سلبها عنه.

ولا يخفى أن هذا الوجه يتم لو أريد من صحة السلب باعتبار الحمل الشائع ، بان يقال انه يصح سلب عنوان المشتق مثل العالم بما له من المعنى المرتكز عما انقضى عنه المبدأ وذلك علامة عدم الوضع للأعم إذ لو كان للأعم لما صح سلبه عما هو بعض مصاديقه ، وصحة السلب بهذا المعنى علامة للمجازية سواء كان القيد أي زمان الحال قيداً للسلب ، أو المسلوب ، أو المسلوب عنه.

أما الأول فلأنه حينئذ علامة عدم الوضع للجامع وإلا لما صح سلبه عن مصداقه في حين من الأحيان.

وأما الثاني فلأنه إذا لوحظ المسلوب في حال الانقضاء وسلب عن الذات مطلقا يكون ذلك منافيا للوضع للأعم فان المادة المقيدة كعدم كون زيد ضاربا بضرب اليوم وان لم تكن منافية للوضع للأعم ، لعدم منافاته لكونه ضاربا فعلا بضرب الأمس ، إلا أن الهيئة المقيدة تكون منافية له كما هو واضح.

وأما الثالث فلأنه إذا قيد الذات بحال الانقضاء وسلب عنها مطلقا مطلق الوصف كان ذلك إمارة عدم الوضع للجامع.

وبما ذكرناه اندفع الإيراد على هذا الوجه :

بأنه إن أريد بصحة السلب صحته مطلقا ، فغير سديد ، وان أريد مقيدا

٢٧٣

فغير مفيد ، لان علامة المجاز هي صحة السلب المطلق (١).

فانه يرده أن غير المقيد هو تقيد المادة لا الهيئة.

كما ظهر أن ما أجاب به المحقق الخراساني (ره) (٢) من انه لو أريد تقييد المسلوب الذي يكون سلبه اعم من سلب المطلق ، فصحة سلبه وان لم تكن علامة على كون المطلق مجازا فيه ، إلا أن تقييده ممنوع.

فانه قد عرفت انه وان أريد تقييد المسلوب ، بمعنى تقييد الهيئة ، لا المادة ، يكون ذلك علامة على المجاز.

ويمكن تقريب علامية صحة السلب بنحو الحمل الذاتي للمجازية بان صحة سلب المشتق بما له من المعنى المرتكز في الأذهان عن المفهوم الأعم لا عن خصوص المنقضي عنه المبدأ ، يكشف عن عدم الوضع للجامع.

ولكن يرد عليه ما تقدم من عدم الجامع بين خصوص المتلبس وما انقضى عنه المبدأ فتأمل جيدا.

الثالث : انه لا ريب في انه كما يكون التضاد بين المبادئ المتضادة ، كالسواد

__________________

(١) الظاهر أن هذا الإيراد لصاحب بدائع الأفكار فقد ذكره بعد ذكر الأقوال في المسألة ص ١٨٠ بقوله (ره): «وربما أورد على صحة السلب ، وحاصله : أنه إن أريد بصحة السلب صحته مطلقا فممنوع ، وإن أريد صحته مقيدا بالحال فغير مجد لأن علامة المجاز صحة السلب المطلق».

(٢) كفاية الأصول ص ٤٧ ـ ٤٨.

٢٧٤

والبياض ، والقيام والقعود ، والحركة والسكون ، وما شاكل ، كذلك يكون بين مشتقاتها أيضا مضادة ، فالقائم يضاد القاعد ، والأسود يضاد الأبيض ، والمتحرك يضاد الساكن ، وعليه فلو كانت الذات متصفة بأحدها وانقضى عنه المبدأ ـ كمن كان قائما فقعد ـ يصدق عليه ما يضاد العنوان الأول أي يصدق عليه القاعد ، فحيث يكون هذا العنوان مضادا للقائم فلا يصدق عليه القائم حينئذ فلو كان المشتق حقيقة في الأعم لما كان بينهما مضادة بل مخالفة لتصادق العنوانين على من كان قائما فقعد.

وأورد عليه بأن التضاد بين المبادئ وان كان لا ينكر ، إلا انه يمكن أن يكون وضع الهيئة بنحو يوجب ارتفاع التضاد. بمعنى أن التضاد إنما يكون بين المبادئ ، وهذا لا يلازم التضاد بين المشتقات ، والمدّعي للوضع للأعم يدّعي ذلك (١).

وأجاب عنه المحقق الخراساني (ره) بثبوته بين المشتقات أيضا بحسب ما ارتكز لها من المعاني في الأذهان كما في مباديها (٢).

وأيده بعض المحققين (ره) (٣) بانا نرى بالوجدان انه لو اخبر شخص ، بان زيدا قائم ، واخبر آخر بأنه قاعد ، يرى العرف بحسب ما ارتكز لهما من المعنى في أذهانهم التنافي والتضاد بينهما.

__________________

(١) الظاهر ان الإيراد لصاحب البدائع راجع ص ١٨١ ، وقد نقله في اجود التقريرات ص ٧٩. وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١١٧ وأورد عليه بما حاصله.

(٢). كفاية الأصول ص ٤٥. بتصرف.

(٣) الظاهر أنه المحقق النائيني ، أجود التقريرات ج ١ ص ٧٩ ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١١٨.

٢٧٥

أقول أن هذا التضاد أيضا لا ينكر ، إلا انه يمكن أن يكون من جهة أن ظاهر الحمل الشائع اتحاد زماني الجري والنسبة مع زمان التلبس ، لا من جهة ظهور المشتق في نفسه في ذلك.

أدلة القول بالوضع للأعم

وقد استدل للقول بالوضع للأعم بوجوه :

أحدها : التبادر : وقد مر الكلام فيه.

ثانيها : عدم صحة السلب في مضروب ومقتول عمن انقضى عنه المبدأ.

وأورد عليه المحقق الخراساني بان عدم صحته في مثلهما إنما هو لأجل انه أريد من المبدأ معنى يكون التلبس به باقيا في الحال ولو مجازا (١).

وفيه : مضافا إلى أنَّا لا نتعقل إرادة معنى من الضرب أو القتل يكون باقيا بعد انقضاء المعنى الحدثي : انه بالوجدان لا يتصرف في مادتي الضرب والقتل إذا هيئتا بهيئة المفعول بل الظاهر انه أريد بهما في ضمنهما ، ما يراد منهما إذا كانتا بهيئة الفاعل.

فاختصاص اسم المفعول بعدم صحة السلب ، دون اسم الفاعل ، مع انهما متضائفان ، غير سديد.

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٤٨ (الثاني : عدم صحة السلب).

٢٧٦

فالصحيح في الجواب أن يقال إن كثرة استعمال اسم المفعول فيما انقضى عنه المبدأ ولو بلحاظ حال التلبس ، أوجب عدم ظهوره في اتحاد زمان النسبة والتلبس عند لإطلاق والحمل وأوجب ذلك توهم عدم صحة السلب ، وذلك لا ينافي وضعه لخصوص المتلبس.

ثالثها : استدلالهم (ع) بقوله تعالى : لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١) على عدم لياقة من عبد صنما أو وثنا للخلافة تعريضا بمن تصدى لها ممن عبد الصنم. ومن الواضح توقف ذلك على كون المشتق موضوعا للأعم ، وإلا لما صح التعريض لانقضاء تلبسهم بالظلم وعبادتهم للصنم حين التصدي للخلافة.

تنقيح القول في المقام أن الظاهر كون استدلال الإمام (ع) بظاهر الآية ، فلا يصح أن يقال انه استدلال بباطنها ، وأيضا المفروض في الاستدلال أن المراد بالعهد هو الإمامة والخلافة لا النبوة كما عن جماعة من المفسرين (٢) ، وأيضا المفروض في الآية شمول الظلم للظلم بالنفس وان من ليس بمعصوم فهو ظالم إما لنفسه أو لغيره وهو كذلك.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٢٤.

(٢) وعلى ذلك مشهور المفسرين ، كتفسير القمِّي ص ٥٩ ، والعيَّاشي ص ٥٨ ، والتبيان ج ١ ص ٤٤٥ ، وجوامع الجامع ، وعن مجمع البيان قال : قال مجاهد العهد : الإمامة وهو المروي عن أبي عبد الله (ع) أي لا يكون الظالم إماما للناس ، وفي عدّة تفاسير كالوجيز ج ١ ص ١٣٧ ، وكنز الدقائق ج ٢ ص ١٣٣ وغيرهما : لا يكون السفيه إمام التقي.

٢٧٧

ثم أن القوم أجابوا عن الاستدلال بها على الوضع للأعم بوجوه :

١ ـ ما في الكفاية وهو انه يمكن أن يكون استعمال المشتق بلحاظ حال التلبس فيكون معنى الآية : إن من كان ظالما ولو آنا ما في الزمان السابق لا ينال عهدي أبداً (١).

وفيه : أن الظاهر من إطلاق المشتق إن التلبس حاصل حال النسبة لا قبلها ، وبعبارة أخرى أن الظاهر اتحاد زماني التلبس والنسبة الحملية أو إسناد الحكم إليه فالظاهر من الآية عدم نيل الخلافة في حال الظلم.

٢ ـ ما فيها أيضا ، قال : إن الآية الشريفة في بيان جلالة قد الإمامة والخلافة وعظم خطرها ورفعة محلها وان لها خصوصية من بين المناصب الإلهية ، ومن المعلوم أن المناسب لذلك هوان لا يكون المتقمص بها متلبسا بالظلم أصلا انتهى (٢).

ويرده انه مجرد استحسان لا يصلح أن يكون صارفا عما هو المستفاد من ظاهر الآية.

٣ ـ ما أفاده المحقق النائيني (ره) (٣) أن استدلال الإمام (ع) بالآية مبتن على أن يكون حدوث الظلم ولو آنا ما علة لعدم نيل الخلافة حدوثا وبقاءً ، وحيث أن هذه القضية قضية حقيقية ففعلية موضوعه فمن اتصف بالظلم في زمان ما

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٥٠.

(٢) كفاية الأصول ص ٥٠.

(٣) أجود التقريرات ج ١ ص ٨١ ـ ٨٢ ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١٢١.

٢٧٨

يشمله الحكم قطعا وهو أن عهد الله لا يناله أبداً.

وفيه : إن كون القضية حقيقية يقتضي خلاف ما أفاده فإن الظاهر من القضية الحقيقية بضميمة ظهور العنوان المأخوذ في الموضوع في كون فعليته مدار فعلية الحكم حدوثا وبقاء ، إن عدم النيل بالخلافة إنما يكون ما دام كون المتقمص بها متلبسا بالظلم ، وكفاية التلبس بالظلم آنا ما في عدم النيل بالخلافة خلاف الظاهر.

٤ ـ ما أفاده المحقق العراقي (ره) (١) ، وحاصله انه لا ريب في عدم اختصاص الحكم في الآية الكريمة بخصوص الكافر ، بل تشمل كل ظالم ، وحيث أن بعض أفراد الظلم آني الوجود ولا دوام له كضرب اليتيم ، فيدور الأمر بين أن يكون الموضوع عنوان الظالم ، وبين أن يكون هو نفس فاعل الظلم ويكون الظلم علة لطرو الحكم عليه ولكن جعل العنوان هو الموضوع متوقف على وضعه للأعم من المتلبس وحيث لا ترجيح لأحد الاحتمالين على الآخر فلا يصح الاستدلال.

وفيه : أن ظاهر القضية كون العنوان المأخوذ في الموضوع مما يدور الحكم مداره ولا يتوقف ذلك على وضع المشتق للأعم ، بل هذا الظهور قرينة على اختصاص الآية ببعض أفراد الظلم ولا تشمل جميعها ، لان ظهور القرينة مقدم على ظهور ذي القرينة.

٥ ـ ما أفاده شيخ الطائفة من أن من تلبس بالظلم تناولته الآية في حال كونه ظالما فإذا نفى أن يناله فقد حكم عليه بأنه لا ينالها ولم يقيد أنه لا ينالها في

__________________

(١) راجع نهاية الأفكار ج ١ ص ١٣٩ نقله بتصرف.

٢٧٩

هذه الحال دون غيرها فيجب أن تحمل الآية على عموم الأوقات في ذلك ولا ينالها وان تاب فيما بعد (١).

وإلى ذلك نظر الفخر الرازي (٢) فانه لما تعرض لتفسير هذه الآية الشريفة وذكر استدلال الشيعة بها على عدم لياقة الخلفاء الثلاثة للخلافة الإلهية لأنهم كانوا عابدين للصنم مدة مديدة ، أجاب عنه بان استدلالهم إنما يتم بناء على كون المشتق حقيقة في الأعم من المنقضي عنه والمتلبس به وهو ممنوع.

قال ـ إيرادا على نفسه ـ انهم فيما كانوا متلبسين بالظلم شملهم قوله تعالى لا ينال عهدي الظالمين فدلت الآية الكريمة على عدم لياقتهم للخلافة أبداً ، فان تم ذلك وإلا فيتعين الالتزام بان الإمام (ع) فسرها بما هو عالم بالمراد منها واقعا وان لم تكن الآية ظاهرة فيه ، وليس في الروايات على كثرتها حتى ما روى عن النبي (ص) ما يشهد بكون الاستدلال بظاهر الآية الشريفة.

ثم إن تمام الكلام في تفسير هذه الآية الكريمة واستفادة اعتبار العصمة في الإمام (ع) منها سيما بقرينة ما قبلها من الآية ودلالتهما على انفصال الإمامة عن النبوة ، وان النبي ربما يكون إماما وقد لا يكون إماما ، وان منزلة الإمامة ارفع من رتبة النبوة ، وغيره ذلك من الدقائق والمعارف الحقة موكول إلى محله.

الرابع : إن آية حد السارق والسارقة ، وآية حد الزاني والزانية تدلان على

__________________

(١) راجع تفسير التبيان ، تفسير الآية ١٢٤ من سورة البقرة ج ١ ص ٤٤٥ ، ونقله أيضا العلامة المجلسي في البحار ج ٢٥ ص ١٩١ باب ٦ عصمتهم ولزوم عصمة الإمام (ع).

(٢) راجع التفسير الكبير ج ٣ ص ٤٥ المسألة الرابعة ، الطبعة الثالثة ، مكتب الإعلام الإسلامي.

٢٨٠