زبدة الأصول - ج ١

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-34-9
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٥٤٣

الثاني : ما يحمل على الذات باعتبار اتصافها بالمبدإ المنتزع من مقام الذات ولا يحاذيه شيء في الخارج كعنوان العلية.

الثالث : ما يحمل على الشيء ويكون المبدأ فيه من الأعراض التسعة.

الرابع : ما يحمل عليه باعتبار اتصافه بأمر انتزاعي كالسابقية والاشدية.

الخامس : ما يحمل على الذات باعتبار اتصافها بأمر اعتباري كالمالكية.

لا إشكال ولا كلام في دخول الأقسام الثلاثة الأخيرة في محل النزاع.

وأما القسم الأول والثاني : فقد ذهب جمع منهم المحقق النائيني (ره) (١) إلى خروجهما من محل النزاع.

واستدل للأول : بان شيئية الشيء إنما تكون بصورته النوعية ، فإذا تبدل الإنسان بالتراب فما هو ملاك الإنسانية وهي الصورة النوعية قد زالت ، وأما المادة المشتركة الباقية التي هي القوة الصرفة فهي غير متصفة بالإنسانية ، فالمتصف زال والباقي غير متصف.

واستدل للثاني : بان المحمولات فيه تتبع نفس العناوين الذاتية.

وقد عرفت خروجها عن محل الكلام.

ولكن يرد عليهما أن الهيئة في مثل الناطق والممكن ونحوهما لم توضع بوضع خاص ، بل لها وضع واحد ، في جميع الموارد ، ومع جميع المواد.

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٥٣ (المقدمة الثانية) عند قوله لا إشكال في خروج القسم الأول عن النزاع ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٧٩.

٢٤١

ومحل الكلام أنها ، هل وضعت للمتلبس ، أو للأعم منه ، ومما انقضى عنه المبدأ؟

وعدم معقولية الانقضاء في بعض الموارد لخصوصية في المادة ، لا يوجب خروجه عن محل البحث ، فان شئت فاختبر ذلك من لفظ (سيال) فان له فردين ، أحدهما ما يمكن فرض عدم سيلانه كالماء ، ثانيهما ما لا يمكن فيه ذلك كالزمان ، فهل يتوهم اختصاص النزاع بالأول ولا يشمل الثاني.

فتحصل أن الأظهر دخول جميع الأقسام في محل النزاع.

ومما ذكرناه ظهر أن تعميم ـ المحقق الخراساني (ره) (١) ـ محل الكلام للعرض والعرضي في محله ، إذ مراده بالعرضي على ما صرح به في الاستصحاب هي الأمور الاعتبارية لا المبادئ ، التي لا يحاذيها شيء في الخارج (٢).

__________________

(١) راجع كفاية الأصول ص ٣٩ ، حيث عمم النزاع لمطلق ما كان مفهومه ومعناه جاريا على الذات ومنتزعا منها ، بملاحظة اتصافها بعرض أو عرضي ولو كان جامدا ، كالزوج والزوجة والرق والحر .. ثم عاد وأكد شمول النزاع لذلك في ص ٤٠ عند قوله فعليه كلما كان مفهومه منتزعا .. الخ

(٢) إن ما ذكره المصنف دام ظله من أن مراد الآخوند من العرضي الأمور الاعتبارية لا المبادئ فهو الظاهر من كلامه ص ٤١٦ من الكفاية عند قوله كما أن العرضي كالملكية والغصبية ونحوهما لا وجود له إلا بمعنى وجود منشأ انتزاعه .. نعم صرح بذلك في درر الفوائد ط الجديدة ص ٣٣١ فراجع.

٢٤٢

كي يرد عليه ما أورده المحقق النائيني (ره) (١) من عدم انطباقه على الأمثلة المذكورة في الكفاية من الزوجية وما شابهها.

وأما ما ذكره هو من كونه الزوجية من مقولة الإضافة المعدودة من الأعراض التسعة (٢).

فغير تام : إذ هي من الأمور الاعتبارية ذات الإضافة لا من مقولة الإضافة التي هي من جملة المقولات التسع.

ثمرة هذا البحث

قال : المحقق الخراساني (ره) بعد اختياره جريان النزاع في هذا القسم من الجوامد كما يشهد به ما عن الإيضاح (٣) في باب الرضاع في مسألة من كانت له

__________________

(١) راجع فوائد الأصول للنائيني ج ١ ص ٨٩ (الأمر الثالث) قوله : وممّا ذكرنا من تعريف المحمول بالضّميمة ظهر : أن جعل مثل الزّوجيّة من خارج المحمول ، كما يظهر من صاحب الكفاية (قدِّس سره) «حيث أمّ بالتّعميم إدراج مثل الزّوجيّة كما يشهد بذلك سياق كلامه ممّا لاوجه له ، إذ الزّوجيّة من المحمول بالضّميمة ، لا خارج المحمول ، حيث أنّ الزّوجيّة من مقولة النّسبة الّتي هي من المقولات التّسع ، فتكون من المحمول بالضّميمة ، على ما بيّناه من ضابط المحمول بالضّميمة.

(٢) نفس المصدر السابق والحاشية السابقة.

(٣) إيضاح الفوائد ج ٣ ص ٥٢.

٢٤٣

زوجتان كبيرتان أرضعتا زوجته الصغيرة ما هذا لفظه :

" تحرم المرضعة الأولى والصغيرة مع الدخول بالكبيرتين وأما المرضعة الآخرة ففي تحريمها خلاف ، فاختار والدي المصنف (ره) (١) وابن إدريس (٢) تحريمها لان هذه يصدق عليها أم زوجته لأنه لا يشترط في المشتق بقاء المشتق منه". انتهى (٣).

وحيث أن هذه ثمرة متفرعة على هذا المبحث فلا باس ببيانها إجمالا.

ومحصله انه :

تارة يفرض عدم الدخول بالكبيرتين.

وأخرى يفرض الدخول بالمرضعة الأولى.

وثالثة يفرض الدخول بالثانية.

وأما حكم صورة الدخول بهما فهو يظهر من بيان حكم هذه الفروض.

أما في الفرض الأول ، فقد يقال أنه يبطل عقد المرضعة الأولى ، وعقد الرضيعة : إذ الجمع بين الأم والنبت كما لا يجوز حدوثا لا يجوز بقاء والمفروض تحقق الأمومة للمرضعة ، والبنتية للمرتضعة فلا يمكن بقاء زوجيتهما وحيث لا يمكن الالتزام ببقاء زوجية إحداهما دون الأخرى ، وإلا لزم الترجيح بلا مرجح ،

__________________

(١) العلامة الحلى في كتاب قواعد الأحكام.

(٢) السرائر ج ٢ ص ٥٥٦.

(٣) انتهى ما ذكره صاحب الكفاية عن الإيضاح ، كفاية الأصول ص ٣٩.

٢٤٤

فلا مناص من البناء على بطلان زوجيتهما معا.

ولكن الحق انه بعد عدم إمكان بقاء زوجيتهما معا ، يتعين البناء على التخيير : فان الضرورات تتقدر بقدرها ، فبالرضاع لا يمكن بقاء زوجيتهما ، ولا مانع من بقاء زوجية إحداهما بنحو التخيير لإمكانه ثبوتا ، وتعينه في مقام الإثبات على ما حققناه في كتابنا فقه الصادق في مسألة الجمع بين الأختين (١).

وأما ما أفاده في الكفاية من احتمال الرجوع إلى القرعة (٢).

فغير تام لأنه إنما يرجع إليها فيما إذا كان هناك واقع معين عند الله مشتبه عندنا لا مثل المقام.

وأما المرضعة الثانية ، فبطلان زوجيتها مبنى على مسألة المشتق. فلو بنينا على أن المشتق حقيقة في المتلبس لا تبطل زوجيتها ، ولو بنينا على كونه حقيقة في الأعم ، بطلت لأنه يصدق عليها أنها أم الزوجة هذا في بطلان الزوجية.

وأما الحرمة الأبدية فلا إشكال في عدم حرمة الرضيعة ، إذا كان اللبن من الغير لاشتراط حرمة الربيبة حينئذ بالدخول بأمها.

وان كان اللبن من الزوج تحرم البنت مؤبدا وان لم يدخل بأمها كما دلت عليه النصوص ، وتصويره إنما يكون ، بأن وطأها بشبهة ، فحملت منه ، وولدت ، ثم تزوجها ولم يدخل بها حتى أرضعت الصغيرة.

__________________

(١) فقه الصادق ج ٢١ ص ٤١٣ ـ ٤١٤.

(٢) راجع كفاية الأحكام للسبزواري ص ١٦٢.

٢٤٥

وأما حرمة المرضعة الأولى ، فهي تتوقف على كون المشتق حقيقة في الأعم ليصدق عليها أم الزوجة وإلا فلا تحرم : فانه في آن تحقق البنتية والأمومة إما أن تبطل زوجية كلتيهما كما هو المشهور أو زوجية إحداهما كما هو المختار ، وعلى أي تقدير لا يتحقق زمان تكون البنت زوجة ، والمرضعة أمها.

ودعوى ان مرتبة سقوط الزوجية متأخرة عن مرتبة سقوط الأمومة والبنتية ، ففي المرتبة الأولى تصدق أم الزوجة على الأم فتحرم.

مندفعة بان الأحكام الشرعية مترتبة على الموجودات الزمانية دون الرتبة.

وقد استدل فخر المحققين (ره) لحرمتها بوجهين (١) :

أحدهما : أن أم الزوجة كبنت الزوجة تحرم إن اتصفت بالأمومة بعد خروج البنت عن الزوجية ، وظاهر المحقق النائيني (٢) ارتضائه.

وفيه : أن ظاهر الآية الكريمة" وأمهات نسائكم" والنصوص أن المحرم هي أم الزوجة ، وفي النسب لا يتصور تحقق الأمومة بعد الخروج عن الزوجية بخلاف بنت الزوجة ، فدليل محرمية الرضاع لا يصلح لإثبات حرمة من اتصف بالأمومة بعد خروج البنت عن الزوجية.

ثانيهما : انه يكفي في الحرمة صدق المشتق ، وتحقق الزوجية في زمان فتدخل

__________________

(١) راجع الإيضاح ج ٣ ص ٥٢.

(٢) راجع أجود التقريرات ج ١ ص ٥٦ في نهاية المقدمة الثانية. وفي الطبعة الجديدة ص ٨٣.

٢٤٦

في عموم قوله تعالى" وأمهات نسائكم (١) ".

وفيه : انه إن أريد به كون المشتق حقيقة في الأعم فهذا الذي أشرنا إليه وسيأتي الكلام في المبنى ، وان أريد به أن صدق الزوجة على البنت في زمان ما كاف في حرمة أمها أبداً : إذ لم تقيد حرمة أم الزوجة في الآية بكونها أم الزوجة الفعلية فيكفى في الحرمة كونها أم الزوجة السابقة ، فيرد عليه أن ذلك خلاف ظاهر الدليل فان ظاهر كل عنوان مأخوذ في الموضوع دخله في فعلية الحكم ودوران الحكم بقاء وارتفاعا مدار بقائه وارتفاعه.

وأما خبر علي بن مهزيار عن أبى جعفر (ع) الوارد في المسألة" تحرم عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أولا فأما الأخيرة فلم تحرم عليه كأنها أرضعت ابنته" (٢) فمع الإغماض عن سنده (٣) ، يكون مختصا بصورة الدخول وتمام الكلام في كتاب النكاح.

وأما المرضعة الثانية فقد استدل الشهيد الثاني (٤) لحرمتها ـ بعد ما نسبها

__________________

(١) سورة النساء آية ٢٣.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٩٣ ، والوسائل ج ٢٠ ، ط الجديدة باب ١٤ من أبواب ما يحرم بالرضاع كتاب النكاح ح ٢٥٩٣٨.

(٣) فإن في سندها صالح بن أبي حمّاد ، وأمره مشكل ، إضافة إلى ما وصفه الشهيد الثاني بالإرسال لعدم إدراك ابن مهزيار للباقر (ع) وعدم روايته عن الجواد (ع) إلا بالواسطة ، فالإرسال متحقق على كل حال ، راجع المسالك ج ٧ ص ٢٦٩.

(٤) مسالك الأفهام ج ٧ ص ٢٦٩ ، بتصرف.

٢٤٧

إلى الحلي (١) والمحقق في النافع (٢) واكثر المتأخرين (٣).

أولا : بصدق أم الزوجة عليها لعدم اشتراط بقاء المعنى في صدق المشتق.

ثانيا : وبمساواة الرضاع للنسب وهو يحرم سابقا ولاحقا.

والأول سيأتي الكلام في مبناه.

والثاني يندفع بان ظاهر الآية الكريمة كون الموضوع أم الزوجة الفعلية ولا تشمل أم من كانت زوجته ، اضف إليه انه لا نظير لها في النسب كي يحرم مثلها في الرضاع ، وأم الزوجة ، وأم الزوجة المطلقة إنما تحرم لصدق أم الزوجة الفعلية قبل الطلاق عليها فتحرم أبداً.

فان قيل أن المراد بالنساء في الآية الشريفة بقرينة السياق ما يعم من كانت زوجة ولو في زمان سابق بقرينة قوله تعالى وَرَبَائِبُكم اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِن نِسَائِكُمُ (٤) حيث أن المراد من النساء في هذه الجملة أعم من الزوجة الفعلية فكذلك النساء في قوله تعالى" وأمهات نسائكم" توجه عليه أن إرادة الأعم من النساء في الآية الأولى إنما استفيدت من الخارج لا من نفس الآية.

وأما في الفرض الثاني فعن المحقق النائيني (٥) انه لا إشكال في تحريم

__________________

(١) في السرائر ج ٢ ص ٥٥٦.

(٢) المختصر النافع ص ١٧٦.

(٣) كفخر المحققين في الإيضاح ج ٣ ص ٥٢ ، والمحقق الكركي في جامع المقاصد ج ١٢ ص ٢٣٨.

(٤) سورة النساء الآية ٢٣.

(٥) أجود التقريرات ج ١ ص ٥٥ (المقدمة الثانية) وفي الطبعة الجديدة ص ٨٢.

٢٤٨

الرضيعة وأمها وبطلان زوجيتهما لكون الرضيعة بنت الزوجة المدخول بها ، وكون الأم أم الزوجة ، وتحريم المرضعة الثانية مبتنٍ على النزاع في المشتق.

أقول : إما بطلان زوجية الرضيعة وحرمتها أبداً فلا ريب فيهما : لان بنت الزوجة المدخول بها محرمة أبداً حتى البنت التي توجد بعد خروجها عن حبالته.

فان قيل لا دليل على حرمة بنت الزوجة الرضاعية.

أجبنا عنه بورود النص بها (١) أضف إليه ما حققناه في محله من أن العنوان المتولد من النسب والمصاهرة يوجب التحريم إذا كان الحاصل بالرضاع العنوان النسبي كما في المقام.

مع انه في صورة كون اللبن له تكون الرضيعة بنتا رضاعية له فتحرم.

وأما المرضعة الأولى فلا أرى وجها لبطلان نكاحها (غير خبر على بن مهزيار المتقدم) فانه عند تحقق الرضاع تخرج الصغيرة عن حبالته وفي ذلك الآن تتحقق الأمومة فليس هناك زمان خارجي تتصف فيه الكبيرة بأنها أم الزوجة.

فقول المحقق النائيني (ره) كون الأم أم الزوجة ، غير تام.

وغاية ما قيل في وجه خروجها عن زوجيته وبطلان نكاحها

__________________

(١) الوسائل ج ٢٠ باب ١٠ من أبواب ما يحرِّم الرضاع ص ٣٩٩ ، ح ٢٥٩٣٠ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَال : «لَوْ أَنَّ رَجُلا تَزَوَّجَ جَارِيَةً رَضِيعَةً فَأَرْضَعَتْهَا امْرَأَتُهُ فَسَدَ النِّكَاحُ» وما بعده.

٢٤٩

١ ـ إن أم الزوجة كبنت الزوجة كما أن الثانية تحرم وان وجدت بعد خروج الأم عن الزوجية كذلك الأولى فالكبيرة أم من كانت زوجته.

٢ ـ إن المشتق اعم من المتلبس ومن المنقضي عنه المبدأ فيصدق عليها أم الزوجة بهذا الاعتبار.

٣ ـ انه لمكان اتصال آخر زمان زوجية الصغيرة بأول زمان أمومة الكبيرة ، تكون كالمجتمع معها زمانا فيصدق على المرضعة بعد هذه المسامحة العرفية أنها صارت أم الزوجة حقيقة.

٤ ـ إن بطلان زوجية البنت في طول حصول الأمومة والبنتية ، ففي تلك المرتبة يصدق عليها أم الزوجة فتحرم.

والكل كما ترى :

أما الأول : فلما مر من أن ظاهر الآية الكريمة والنصوص أن المحرّم هي أم الزوجة وفي النسب لا يتصور تحقق الأمومة بعد الخروج عن الزوجية بخلاف بنت الزوجة ، فدليل محرمية الرضاع لا يصلح لإثبات حرمة من اتصفت بالأمومة بعد خروج البنت عن الزوجية.

وأما الثاني : فسيأتي الكلام في المبنى.

وأما الثالث : فلان المسامحات العرفية في تطبيق المفاهيم على المصاديق تضرب على الجدار.

وأما الرابع : فلان الأحكام الشرعية مترتبة على الموجودات الزمانية دون الرتبية

٢٥٠

فالأظهر أن مقتضى القاعدة عدم خروجها عن الزوجية ولا يبطل نكاحها ، ولا يلزم منه الترجيح بلا مرجح.

وقد استدل لحرمتها بالوجهين المتقدمين في الفرض الأول الذين استدل بهما لحرمتها وقد عرفت الجواب عنهما.

وأما الإجماع ، فلا يكون تعبديا كاشفا عن حجة.

نعم خبر علي بن مهزيار دال على حرمة نكاحها ، والخدشة في سنده لو تمت ينجبر بالعمل.

وأما المرضعة الثانية : فحكمها حكم المرضعة الأولى في المسألة المتقدمة وعرفت عدم حرمتها ويدل على عدم حرمتها خبر علي بن مهزيار (١).

وأما في الفرض الثالث : فحكم الرضيعة ، والمرضعة الأولى ، حكمهما في الفرض الأول.

وأما المرضعة الثانية ففي فرض خروج الرضيعة عن الزوجية لا تحرم ولا تبطل نكاحها.

وقد استدل لبطلان نكاحها بوجوه ولحرمتها بوجهين : تقدم الجميع في الفرضين السابقين مع أجوبتها ، ومع بقائها على زوجيتها ، يكون حكم المرضعة الثانية ، حكم المرضعة الأولى المتقدم في الفرض السابق.

__________________

(١) وبعبارة أخرى : فإن المرضعة الثانية بعد أن صارت أماً لابنته حلّت عليه بالامومة فحرم نكاحها لذلك ، وهذا ما دلّت عليه الرواية.

٢٥١

ثم إن هذه إحدى ثمرات هذا البحث فمن رجع إلى الفقه يقف على كثير من المسائل المبتنية على هذه المسألة ، كما لا يخفى على المتتبع في الفقه.

النزاع عام لاسم الزمان

الثاني : ربما يتوهم خروج اسم الزمان عن حريم النزاع.

واستدل له : بان الذات فيه وهي الزمان بنفسه ينقضي وينصرم فكيف يصح النزاع في انه إذا بقى الذات المتصفة وزال الوصف هل يصح استعمال المشتق وإطلاقه عليه ، وأجيب عنه بأجوبة.

الأول : ما في الكفاية : قال إن انحصار مفهوم عام بفرد كما في المقام لا يوجب أن يكون وضع اللفظ بإزاء الفرد ، وإلا لما وقع الخلاف فيما وضع له لفظ الجلالة ، مع أن الواجب موضوع للمفهوم العام مع انحصار فرده فيه تبارك وتعالى (١).

ويتوجه عليه :

أولا : أن الأولى كان تبديل التنظير بالواجب بالإله : فانه ، لا خلاف في وضعه للمعبود بالحق المنحصر هذا المفهوم فيه تبارك وتعالى ، وأما الواجب ، فهو عام له تعالى ولغيره مما وجب بالشرع أو بغيره. نعم ، واجب الوجود بالذات منحصر فيه تعالى ولكن ليس له وضع خاص.

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٤٠ (ثانيها).

٢٥٢

وثانيا : أن ما ذكر من إمكان وضع لفظ لمفهوم ينحصر فرده ومصداقه في فرد واحد ، حق وواقع كما عرفت ، بل يمكن وضع اللفظ لمفهوم يمتنع وجود جميع أفراده ومصاديقه كشريك الباري لو كان له وضع خاص ، إلا أن ذلك إنما يتم فيما إذا فرض للوضع فائدة بان يوجد مورد يستعمل فيه ، كلفظ الإله : حيث انه يستعمل فيه ، في" لا إله إلا الله" وأما اسم الزمان فوضعه لمفهوم عام شامل للمتلبس والمنقضي عنه المبدأ لا يترتب عليه فائدة لعدم الحاجة إلى استعماله فيه في مورد.

وان شئت قلت : أن ثمرة هذا النزاع ، يظهر فيما انقضى عنه المبدأ ، وأما في المتلبس فلا فارق بين الطرفين فحيث لا مصداق لما انقضى عنه المبدأ في اسم الزمان ولا حاجة إلى استعمال اللفظ فيه أو إطلاقه عليه ، فيلغو هذا البحث.

الثاني : ما ذكره المحقق النائيني (ره) وهو انه كما في لفظ السبت وأول الشهر وغيرهما من أسماء الأزمنة يكون الموضوع لها معان كلية ، لها أفراد تدريجية كذلك أسماء الأزمنة المصطلحة تكون موضوعة لزمان كلى له أفراد تدريجية متصف بالوصف مثلا ، المقتل موضوع لزمان كلي كيوم العاشر من المحرم الذي وقع فيه القتل ، وعليه فيكون الذات باقية مع انقضاء الوصف (١).

وفيه : أولا : أن المتصف بالوصف فرد من ذلك الزمان الكلي المفروض ، والمفروض انه انعدم ، وحدث فرد آخر وهو غير متصف فلا موقع لهذا النزاع ، فهل يتوهم أحدٌ ـ جريان هذا النزاع فيما لو كان زيد متصفا بالعلم فزال عنه

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٥٦ (المقدمة الثالثة) وفي الطبعة الجديدة ص ٨٣ بتصرف.

٢٥٣

هذا الوصف ومات وتحقق فرد آخر من الإنسان كعمرو ، فيقال إن طبيعي الإنسان كان متصفا بالعلم فقد زال عنه الوصف ، وهو بذاته باق ـ كلا.

وثانيا : أن الزمان الكلي المدّعى دخوله في الموضوع له يتصور على وجوه مثلا في المقتل يتصور مفاهيم كليّة من الأزمنة بحسب أفراد القتل الخارجي ، ففرد منه واقع في يوم السبت ، وآخر في يوم الأحد ، وهكذا فأيها يؤخذ في الموضوع له فتدبر حتى لا تبادر بالإشكال.

الثالث : ما ذكره المحقق العراقي (ره) في مقالاته (١) بما حاصله : إن ماهية الزمان كغيرها من التدريجات كالتكلم ماهية خاصة في قبال الماهيات القارة ، وقد اخذ فيها التصرم والتدرج ، فإذا انبسط عليها الوجود يظهرها بما هي عليه من التدرج فما دام ذلك الأمر التدريجي في سير وجوده يكون ذلك شخصا خاصا من أفراد الطبيعة ، وعليه فإذا وقع في أول هذا الوجود الخاص حدث وانعدم ، صح أن يقال إن هذا الوجود الخاص كان متصفا بهذا الوصف وانقضى عنه ذلك.

وفيه : أن ما ذكر من أن للزمان وحدة اتصالية ، وبهذه الجهة يصح أن يقال ، أن هذا الزمان هو الذي وقع فيه هذا الأمر مع انه وقع في جزء منه.

متين إلا أن الوصف لا يكون منقضيا بهذا الاعتبار ، ألا ترى انه يصح أن يقال إن قتل سيد الشهداء عليه‌السلام وقع في هذا الدهر : فانه في مثل ذلك كما لا يكون الظرف منقضيا ، لا يكون المظروف منقضيا ، ومحل الكلام إنما هو

__________________

(١) مقالات الأصول ج ٢ ص ٣٩٤ (الاستصحاب في الأمور التدريجية).

٢٥٤

إسناد ذلك العنوان إلى الزمان المتأخر الذي انقضى المبدأ بالقياس إليه ، الملازم ذلك لفرض كل جزء من الزمان بحياله ، ولا ريب في انه إذا لوحظ هكذا يكون كل جزء من الزمان مباينا مع الجزء الآخر.

ولذا ترى انه لا يصح أن يقال وقع قتل ابن بنت رسوله الله (ص) في ليلة العشرين من المحرم ، مع انه يصح أن يقال وقع قتله في المحرم ، ونظيره انه لو ضرب زيد بيده يصح إسناد الضرب إلى زيد باعتبار صدوره من يده ، ولا يصح إسناده إلى رجله ، ويقال ضرب برجله.

الرابع : ما ذكره الأستاذ الأعظم (١) ، وحاصله أن هذا الإشكال يبتني على أن تكون هيئات أسماء الأزمنة موضوعة مستقلة ، في قبال هيئات أسماء الأمكنة ، ولكن بما أن الوضع فيها واحد ، مثلا هيئة" مفعل" وضعت لظرف الفعل أعم من كونه زمانا أو مكانا فلا يتم ذلك ، فانه قد تقدم منا أن المفهوم إذا كان بالقياس إلى بعض أصنافه أو أفراده يتصور فيه الانقضاء ، وبالقياس إلى بعضها الآخر لا يتصور كالعالم : فانه بالنسبة إلى الباري تعالى لا يتصور فيه الانقضاء ، وبالقياس إلى غيره يتصور ، فيجرى النزاع في ذلك المفهوم ، وعليه ففي المقام بما أن بعض أصناف هذه الهيئة يتصور فيه الانقضاء ، وبعضها لا يتصور فيه ذلك يجرى النزاع فيه.

وهذا هو القول الفصل في المقام.

__________________

(١) في حاشيته على أجود التقريرات ج ١ ص ٥٦ ـ ٥٧ ، (المقدمة الثالثة) ، وفي الطبعة الجديدة ٨٤ ، عند قوله (قدِّس سره) والتحقيق في الجواب أن يقال ، نقله المصنف دام ظله بتصرف.

٢٥٥

عدم دلالة الأفعال على الزمان

الثالث : قد مر أن المصادر والأفعال خارجة عن محل النزاع : لأنها غير جارية على الذوات ، لان المصادر وضعت للدلالة على المبادئ التي تغاير الذات ولا يقبل الحمل عليها ، والأفعال وضعت للدلالة على نسبة المادة إلى الذات على أنحائها المختلفة ومعلوم أن معانيها هذه تأبى عن الحمل على الذوات.

ثم أن المشهور بين النحويين دلالة الأفعال على الزمان (١) ولذا زادوا في حدِّ الفعل الاقتران بإحدى الأزمنة الثلاثة.

ولكن الظاهر أن مراد النحويين من دلالة الفعل على الزمان ، ليس ما هو ظاهره من أن فعل الماضي ما دل على وقوع الحدث في الزمان الماضي ، وفعل المضارع ما دل على وقوع الفعل في الحال أو المستقبل.

كي يرد عليهم : بان الفعل قد يسند إلى الزمان ، مثل مضى شهر رمضان ، وقد يسند إلى المحيط بالزمان كما يقال أن الله تعالى تكلم مع موسى (ع) ، أو خلق الله الأرواح وما شاكل ذلك ، فيلزم منه حينئذ القول بالمجاز أو التجريد عند الإسناد في هذه الموارد.

بل المراد أن فعل الماضي موضوع لإفادة النسبة التحققية السبقية ، والمضارع

__________________

(١) كما نسبه السيد الخوئي (قدِّس سره) في المحاضرات إلى المشهور ج ١ ص ٢٣٣ ، ولكنه اختار خلافه ص ٧٥ ـ ٧٦.

٢٥٦

وضع لإفادة النسبة التحققية السبقية ، والمضارع وضع لافادة النسبة التحقيقية المعيّة ، أو الآتية ، وهو حق لا ريب فيه.

توضيح ذلك انه لكل فعل مادة وهيئة ولكل منهما وضع خاص ، فالمادة موضوعة للطبيعة في ضمن أي هيئة كانت ، والهيئة موضوعة لمعنى خاص مع أي مادة كانت ، أما المادة فهي موضوعة لنفس الطبيعة الخاصة المهملة ، ولم يؤخذ فيها التحقق ولا عدمه ، ولا كونها متعلقة لاعتبار من الاعتبارات وعدمه ، وأما الهيئة فقد وضعت لإفادة فعلية ما للمادة من القابلية لعروض التحقق أو عدمه عليها ، ولعل هذا هو المراد مما في الخبر الشريف : " الفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى" (١) ، أي ما يكون مظهر الحركة المادة من القوة إلى الفعلية.

فان قيل أن هذا أمر يشترك فيه الأفعال والجمل الاسمية فهذا التعريف للفعل لا يكون مانعا؟

اجبنا عنه أن المقسم هي الكلمة ، والجمل خارجة عنه.

ثم أن هيئة فعل الماضي تدل على تحقق المادة في الخارج قبل التكلم ، والقبلية في كل شيء بحسبه ، ولازم ذلك فيما نسب إلى الزماني وقوعه في الزمان الماضي ، وهيئة فعل المضارع موضوعة لإفادة أن الحدث يتحرك من القوة إلى الفعلية حين التكلم أو بعده.

وبعبارة أخرى تدل على أن الحدث لم يتحقق سابقا بل يخرج من القوة إلى

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٤٠ ص ١٦٢ ، او الفصول المختارة ص ٩١.

٢٥٧

الفعلية بعده ، لازم ذلك انه إذا اسند إلى الزماني وقوعه في الزمان الحال أو المستقبل.

لا يقال : أن لازم ما ذكرت عدم صحة أن يقال ، جاءني زيد في العام الماضي ، وكان يأكل ويجيء زيد بعد عام ، وقد حج قبله بشهر.

فانه يقال : إن هذين الاستعمالين صحيحان ، ويعبر عن الأول بالحكاية عن حال الماضي ، وعن الثاني بالحكاية عن حال المستقبل ، بمعنى أن المتكلم في المثال الأول يفرض نفسه في الزمان الماضي فكأنه يتكلم في ذلك الزمان ، وفي المثال الأول يفرض نفسه في الزمان المستقبل.

وأما ما أفاده المحقق النائيني (ره) من أن فعل المضارع ، وضع للدلالة على مبدئية الذات للحدث فعلا فلا بد من دلالته على الاستقبال من إلحاق كلمة سين أو سوف (١).

ففيه : مضافا إلى ما نرى من كثرة استعمال المضارع في المستقبل في القرآن والأخبار وغيرهما بلا قرينة : أن لازم ذلك الالتزام بالاشتراك اللفظي بمعنى أن فعل المضارع وضع مرّة مع كلمة سين أو سوف ، وأخرى وحده ، وإلا فيقع التهافت بين مفاد سين أو سوف وبين مفاد الفعل.

وأما فعل الأمر والنهى فسيأتي الكلام فيهما في الأوامر فانتظر.

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٦٢ (المقدمة السادسة) وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٩٣ (ومنه يظهر فساد ما عليه المشهور).

٢٥٨

اختلاف المشتقات في المبادئ

الرابع : قال في الكفاية إن اختلاف المشتقات في المبادئ وكون المبدأ في بعضها حرفة وصناعة ، وفي بعضها قوة وملكة ، وفي بعضها فعليا لا يوجب تفاوتا في دلالتها بحسب الهيئة ولا في بالجهة المبحوث عنها (١) انتهى.

والظاهر أن غرضه (قدِّس سره) من بيان اختلاف المبادئ ، هو رد ما توهم من انه من التسالم على كون بعض المشتقات حقيقة في الأعم ، كما في التاجر ، والصائغ ، والمجتهد فإنها تصدق بعد انقضاء المبدأ بلا كلام ، يستكشف الوضع للأعم.

ومحصل جوابه أن المبدأ في هذه الموارد لم يؤخذ فيه التلبس ، بل في بعض الموارد يكون حرفة وصناعة كما في التاجر والصائغ وفي بعضها قوة وملكة كالمجتهد ، وذلك سبب الاختلاف في المتلبس والانقضاء فما دام لم تزل ملكة الاستنباط يكون التلبس فعليا كما أن الصائغ ما لم يعرض عن شغله يكون متلبسا به ، ولو لم يكن متلبسا بالصياغة أو الاستنباط.

ويرد عليه انه لو كان ذلك من ناحية المبدأ لزم الالتزام به في الأفعال المشتقة من تلك المبادئ مع انه لا يصح أن يقال اجتهد ، أو اتجر ، أو صاغ مثلا ، بمعنى صار ذا ملكة في الاستنباط أو ذا حرفة في التجارة أو الصياغة ، فيعلم من

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٤٣ (رابعها).

٢٥٩

ذلك انه ليس ذلك من باب التفاوت في نفس المعنى.

والحق أن يقال انه قد شاع استعمال هذه العناوين في من صار الاستنباط ملكة له ، واتخذ التجارة أو الصياغة حرفة ، ولعله في بعض الموارد من جهة أن العرف لا يرون الفترات المتخللة بين تلك الأعمال موجبة لانقطاعها لينتفي التلبس ، وفي بعض الموارد تكون الهيئة موضوعة لإفادة صلاحية الموضوع لقيام المبدأ به ، كما في اسم الآلة كالمفتاح ، وفي بعض الموارد شاع استعمال المادة المتهيئة بهيئة خاصة في من له القوة والملكة ، كما في المجتهد ، وعلى كلٍّ ، الانقضاء في هذه الموارد إنما يكون بانتفاء الصلاحية ، وزوال الملكة ، والأعراض عن الحرفة.

وبما ذكرناه يظهر عدم تمامية ما أفاده من خروج اسم الآلة عن محل النزاع ، معللا بان الهيئة فيه موضوعة لإسناد المبدأ إلى ما يقوم به بالتهيؤ والاستعداد بمعنى أنها موضوعة لإفادة صلاحية الموضوع لقيام المبدأ به فلا يشترط فيه التلبس بالمبدإ أصلا ، بداهة صدق المفتاح مع عدم التلبس بالفتح به في زمان من الأزمنة.

فان الانقضاء في مثل ذلك إنما يكون بخروجه عن الصلاحية والقابلية.

وأوضح من ذلك إيراداً ما أفاده من خروج اسم المفعول عن حريم النزاع (١) ، بدعوى انه موضوع لمن وقع عليه الفعل ، وهذا المعنى مما لا يعقل فيه

__________________

(١) كما أفاده المحقق النائيني في أجود التقريرات راجع ج ١ ص ٨٣ (الأمر الثاني) وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١٢٣ ـ ١٢٤.

٢٦٠