زبدة الأصول - ج ١

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-34-9
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٥٤٣

فانه يقال : هذا إشكال يرد على الأعمّي بأي نحو تصور الجامع.

والجواب عنه : انه لا بد من الالتزام بأحد أمرين : اما عدم كونها صلاة بل هو عمل خاص به يستوفى مصلحة الصلاة في ذلك الوقت ، أو الاشتراك اللفظي في لفظ الصلاة ولا محذور في شيء منهما.

فتحصل أن الصلاة اسم لجملة من الأجزاء والشرائط الخاصة لا بشرط من الزيادة ، بمعنى أن كل ما زيد عليها يدخل في المسمّى ، وعدم الإتيان به لا يضر في الصدق.

ومما يؤيد ما اخترناه إفتاء الأصحاب بصحة صلاة الوتر ممن تطهّر ثم كبّر فنسي القراءة فركع وكذلك نسي بقية الأجزاء سوى السجود والتسليم ، فان ذلك يؤيد ما اخترناه من تقوّم الصلاة بتلكم الأمور الخاصة ، وبذلك يظهر الحال في الحج وغيره من العبادات.

الوجه الثاني لتصوير الجامع على الأعم

ثانيها : أن يكون الجامع هو معظم الأجزاء ، فتكون الصلاة مثلا موضوعة لمعظم الأجزاء التي تدور مدارها التسمية عرفا ، فصدق الاسم عليها كذلك يكشف عن وجود المسمّى وعدم صدقه عن عدمه.

١٨١

وقد نَسب الشيخ الأعظم ذلك إلى المشهور (١).

وأورد عليها المحقق الخراساني بإيرادات.

١ ـ أن لازم ذلك كون استعمال الصلاة في مجموع الأجزاء والشرائط مجازا.

٢ ـ انه عليه يتبادل ما هو المعتبر في المسمّى فكان شيء واحد داخلا فيه تارة وخارجا عنه أخرى. بل مرددا بين أن يكون هو الخارج أو غيره عند اجتماع تمام الأجزاء.

٣ ـ مع ما عليه العبادات من الاختلاف الفاحش بحسب الحالات.

والحق : انه مع قطع النظر عمّا ذكرناه في تصوير الجامع ، هذا الوجه احسن الوجوه ولا يرد عليه شيء مما ذكر وغيره مما لم نذكره : إذ لو التزمنا بان الموضوع له هو معظم الأجزاء ، لا بمعنى مفهوم معظم الأجزاء ، بل المراد أن الموضوع له عدّة من الأجزاء معتنى بها.

وبعبارة أخرى اغلب الأجزاء والشرائط فصاعدا بالتقريب المتقدم.

يندفع الإيرادان الأولان ، فانه عند الاجتماع يكون كل جزء داخلا في المسمّى فلا مجاز ، ولا يتردد أمر كل جزء بين أن يكون هو الخارج أو غيره ،

__________________

(١) قال : الشيخ الأعظم (قدِّس سره) في كتاب مطارح الأنظار ص ٨ (قيل وهو المعروف بينهم أن لفظ الصلاة موضوعة لمعظم الأجزاء وهو ما يقوم به الهيئة العرفيّة ومعها لا يصلح سلب الاسم عنها .. ثم عاد وأورد على هذا التصوير. فراجع.

١٨٢

وعرفت انه لا مانع من كون أحد أمور على البدل داخلا في المسمّى.

وأما الإيراد الثالث فالجواب عنه وعن سائر ما أورد على هذا الوجه يظهر بعد بيان أمر ، وهو انه لأغلب الماهيات والمفاهيم البسيطة ، أو المركبة بالتركيب الحقيقي ، أو بالتركيب الاعتباري ـ مع تبين المفهوم عند الشخص في عالم المفهومية مصاديق مشكوك فيها ، مثلا : الماء الذي يكون مفهومه من أوضح المفاهيم ، له مصاديق يشك في أنها من مصاديق الماء أولاً؟.

وعلى ذلك ، فالمدّعى أن مفهوم الصلاة ، واضح معين ، وهو معظم الأجزاء ولهذا المفهوم مصاديق متيقنة كمعظم أجزاء صلاة الظهر ، ومصاديق مشكوك فيها كمعظم أجزاء صلاة الوتر مثلا ، وهذا لا يوجب عدم معلومية المفهوم عند المتشرعة وتردده حتى في عالم المفهومية.

نعم يرد على هذا الوجه انه أمر ممكن إلا انه يحتاج في البناء عليه إلى دليل في مقام الإثبات وهو مفقود.

الوجه الثالث والرابع لتصوير الجامع على الأعم

ثالثها : أن يكون وضعها كوضع الأعلام الشخصية كزيد فكما لا يضر في التسمية فيها تبادل الحالات المختلفة من الصغر والكبر ونقص بعض الأجزاء

١٨٣

وزيادته كذلك في المقام (١).

وأورد عليه المحقق الخراساني (ره) (٢) بان الأعلام موضوعة للأشخاص ، والتشخص إنما يكون بالوجود الخاص ويكون الشخص حقيقة باقيا ما دام وجوده باقيا وان تغيّرت عوارضه ، وأما ألفاظ العبادات فهي موضوعة للمركبات ولا يكاد تكون موضوعة لها إلا ما كان جامعا لشتاتها وحاويا لمتفرقاتها.

ويمكن توجيه هذا الوجه بنحو يرجع إلى ما اخترناه في تصوير الجامع ولا يرد عليه ما ذكر ، بان يقال أن من وضع له لفظ زيد ، إنما يكون مركبا من نفس وبدن.

__________________

(١) هذا الوجه ذكره غير واحد راجع كفاية الأصول ص ٢٦ (ثالثها). وقد ذكره الشيخ الأعظم (قدِّس سره) بقوله : (الثالث أن يكون اللفظ موضوعا للمركب من جميع الأجزاء لكن لا من حيث هو بل من حيث كونه جامعاً لجملة أجزاء هي ملاك التسمية ومناطها فإذا فقد بعض الأجزاء ، وصدق الاسم عرفا يعلم منه أن مناط التسمية باق نظير الأعلام الشخصية التي توضع للأشخاص فإن زيدا إذا سمي بهذا الاسم في حال صغره كان الموضوع له هذه الهيئة الحاصلة ، لكن لا من حيث إنها تلك الهيئة الخاصة ولذلك لا يفترق في التسمية مع طريان حالات عديدة وهيئات غير متناهية بين الرضاع والشيخوخة ، وليس ذلك بأوضاع جديدة بل تلك الاستعمالات في تلك المراتب من وضع الأول ولا وجه لما قد يتخيل من أن الأعلام الشخصية ليست موضوعة للمركبات بل إنما هي موضوعة للنفوس الناطقة المتعلقة بالأبدان .. الخ راجع مطارح الأنظار ص ٨.

(٢) كفاية الأصول ص ٢٦.

١٨٤

ولا يكون الموضوع له هو النفس ، لما نرى بالوجدان من صحة استناد الرؤية والضرب وغيرهما مما يعرض على البدن إلى زيد. ولان لازمه عدم صحة استناد الموت إلى زيد فان النفس تكون باقية بعد تفاوتها من البدن ويكون ذلك من قبيل خلع اللباس. مع أن هذا مما لا يفهمه أهل العرف الذين هم الواضعون للأعلام الشخصية.

كما انه لا يكون الموضوع له هو البدن ، لما نرى من صحة استناد العلم وما شابهه من عوارض النفس إلى زيد ، مضافا إلى القطع بدخالة النفس في المسمّى. بل الموضوع له هو النفس مع عدّة من أجزاء البدن فصاعدا ، وان شئت قلت الموضوع له هي الأجزاء التي تقوم بها الحياة : ولذا ما دام لم تقطع رِجْلُ زيد تكون جزءا له ، ولو قطعت لا يضر بالصدق ، وتكون الصلاة مثلا كذلك كما مر تقريبه ، فينطبق هذا الوجه على ما اخترناه فيكون وضع الأعلام مؤيداً للمختار.

رابعها : أن ما وضعت له الألفاظ ابتداءً هو الصحيح التام الواجد لجميع الأجزاء والشرائط إلا أن العرف يتسامحون ويطلقون تلك الألفاظ على الفاقد للبعض تنزيلا له منزلة الواجد (١) ثم يصير حقيقة فيه بعد الاستعمال فيه كذلك دفعة أو دفعات للأنس الحاصل من جهة المشابهة في الصورة أو المشاركة في الأثر.

__________________

(١) ولا يعتبر ذلك مجازا كما حكاه الآخوند (ره) عن السكاكي ، مفتاح العلوم ص ١٥٦ ، الفصل الثالث في الاستعارة.

١٨٥

ويرد عليه ـ مضافا إلى ما أوردناه على المحقق النائيني في أول هذا المبحث ـ أن الاستعمال في غير تلك المرتبة العليا ، إن كان في الأفراد ، فمضافا إلى انه خلاف الفرض وهو تصوير الجامع ، لا يوجب صيرورته حقيقة فيها كما لا يخفى ، وان كان في الجامع فلا بد من تصويره أولاً : ، ثم الالتزام بذلك.

مع أن لازم ذلك كونها من قبيل المشترك اللفظي ، إذ هذا النحو من الوضع لا يوجب هجر المعنى الأول. وعليه فيلزم الاشتراك اللفظي في ألفاظ العبادات بين الصحيح والأعم. وهو خلاف ما يدّعيه الأعمّي كما لا يخفى.

بيان ثمرة المسألة

ثم انه وقع الخلاف في انه هل لهذه المسألة ثمرة أم لا؟

وقد ذكر جماعة لها ثمرتين :

الثمرة الأولى :

ما ذكره جماعة منهم المحقق الخراساني (١) وهو انه يجوز التمسك بالإطلاق أو العموم على القول بالأعم عند الشك في اعتبار شيء جزءا أو شرطا ، ولا يجوز التمسك به على القول بالصحيح ، بل يكون الخطاب مجملا ولا بد فيه من الرجوع إلى الأصول العملية.

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٢٨ (ومنها : أن ثمرة النزاع إجمال الخطاب على القول الصحيحي ..).

١٨٦

توضيح ذلك أن التمسك بالإطلاق يتوقف على تمامية مقدمات :

الأولى : ورود الحكم على المقسم بان يكون له قابلية الانطباق على نوعين أو أنواع.

الثانية : كون المتكلم في مقام البيان.

الثالثة : عدم نصب قرينة على التعيين.

فإذا تمت المقدمات يصير الكلام مطلقا ويصح التمسك به لنفى اعتبار ما شك في اعتباره في المأمور به ، وان شئت قلت انه يعتبر في التمسك بالإطلاق إحراز صدق ما تعلق الأمر به ويكون الشك في اعتبار أمر زيدا على المسمّى ، فلو كان صدقه مشكوكا فيه على الفاقد لما شك في اعتباره لم يصح التمسك بالإطلاق.

وعليه فعلى القول بالوضع للأعم يتم المقدمات الثلاث لو تمت الأخيرتان أي كان الدليل في مقام البيان ، ولم ينصب قرينة على التعيين لان المقدمة الأولى التي هي الأساس تامة على هذا المسلك لان الحكم حينئذ تعلق بالطبيعي الجامع بين الأفراد الصحيحة والفاسدة ، فيصح التمسك بالإطلاق لدفع ما شك في اعتباره جزءا أو قيدا لأنه شك في اعتبار شيء زائدا على صدق اللفظ.

بخلاف القول بالوضع للصحيح فان المقدمة الأولى على هذا المسلك مفقودة إذ الحكم ورد على الواجد لجميع الأجزاء والشرائط ، فلو شك في جزئية شيء أو شرطيته ، لا محالة يؤول الشك إلى الشك في صدق اللفظ على الفاقد للمشكوك فيه لاحتمال دخله في المسمّى ومعه لا يصح التمسك

١٨٧

بالإطلاق.

وأورد على هذه الثمرة بإيرادين (١) :

الأول : أن الخطابات المتعلقة بالعبادات الواردة في الكتاب والسنة ، إما أن لا تكون في مقام البيان كما هو الغالب فلا يصح التمسك بإطلاقها ولو على الأعم ، واما أن تكون في مقام بيان تعداد الأجزاء والشرائط كصحيح حمّاد ، فالصحيحي أيضا يتمسك بالإطلاق كالأعمّي لعدم جزئية المشكوك فيه للسكوت عنها في مقام البيان ، وان شئت فاختبر ذلك من حال المقلدين في مراجعة كتب الفتاوى حيث أن المجتهد إذا كان في مقام بيان تعداد الأجزاء والشرائط ولم يبين جزئية المشكوك فيه يتمسكون بالإطلاق لنفى اعتباره ، وكذلك عند مراجعة المريض إلى الطبيب فانه إذا كان في مقام بيان المعجون الفلاني يتمسك المريض بالإطلاق لنفى ما يحتمل اعتباره إذا لم يصرح به الطبيب.

وفيه : أن هناك صورة ثالثة ، غير ما ذكر ، وهي : ما إذا كان الدليل وارداً في مقام بيان وجوب ما يصدق عليه الصلاة مثلا مع ما يعتبر في المأمور به : فانه حينئذ يتمسك الأعمّي بعد إحراز صدق الصلاة بالاطلاق لدفع ما شك في اعتباره ، وأما الصحيحي فحيث أن الشك في اعتبار أمر في المأمور به عنده

__________________

(١) هذان الإيرادان ذكرهما المحقق النائيني بقوله : «وقد أورد عليه بوجهين ، راجع أجود التقريرات ج ١ ص ٤٥ الإيراد الأول وص ٤٦ (الوجه الثاني) ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٦٧ و ٦٩.

١٨٨

موجب للشك في صدق الصلاة على فاقده فليس له التمسك بالإطلاق.

وان شئت قلت : إن محل الكلام هو التمسك بالإطلاق اللفظي لا المقامي.

وما ذكر في تقريب استدلال الصحيحي بالإطلاق ، إنما هو تمسك بالإطلاق المقامي والفرق بينهما ظاهر.

الإيراد الثاني : أن الصحيحي وان كان لا يمكن له التمسك بالإطلاق إلا أن الأعمّي أيضا ليس له ذلك فان المأمور به ليس هو الفاسد ولا الجامع بينه وبين الصحيح بل هو الصحيح ، فالمأمور به مقيد بقيد ، صدقه على الفاقد لما شك في اعتباره ، مشكوك فيه ، فلا يمكن التمسك بالإطلاق.

وفيه : انه للصحة المستعملة في كلمات القوم في المقام معان :

أحدها : ما يقوله الصحيحي في الوضع ، وهو العنوان البسيط الملزوم للمطلوب المنطبق على مجموع الأجزاء والشرائط ، أو غيره مما قيل في وجوه تصوير الجامع على الصحيح الذي يدّعي الصحيحي انه الموضوع له.

الثاني : ترتب الأثر ، فالصحيح هو ما يترتب عليه الأثر ، ويكون وافيا بالغرض.

الثالث : مطابقة المأتي به للمأمور به.

وشيء منها لا يكون دخيلا في المأمور به على الأعم.

أما الأول : فلأن دخل عنوان بسيط منطبق على مجموع الأجزاء والشرائط في المأمور به بنفسه مما لا دليل عليه ، بل الدليل ظاهر في تعلقه بنفس الأجزاء والشرائط.

١٨٩

وأما الثاني : فلأن المأمور به ليس هو المحصل للغرض بعد فرض كون بيان المحصل وظيفة الشارع ، وعلى أي تقدير لا دليل على تقيد المأمور به.

وأما الثالث : فلأنه مما لا يتأتى إلا من قبل الأمر فكيف يمكن أخذه في المتعلق ، وهل هذا إلا تقدم ما هو متأخر وهو محال.

فتحصل انه كما لا يكون الفاسد مأمورا به لا يكون الصحيح مأمورا به بل المتعلق هو الأجزاء والشرائط الخارجية ، وبعد تعيين ما هو دخيل في المأمور به بالدليل الخاص أو بالإطلاق لو أتى به المكلف يتصف ما أتى به بالصحة ، وعليه فعلى الأعم إذا أمر بالصلاة مثلا المفروض أنها اسم لعدّة أجزاء خاصة وشك في اعتبار أمر آخر غير تلك الأجزاء في المأمور به كجلسة الاستراحة ، يتمسك بالإطلاق لنفي اعتباره وببركته تنصف الصلاة الخارجية الفاقدة لها بالصحة ، وهذا بخلاف القول بالوضع للصحيح ، فان المأمور به إنما هو عنوان يشك صدقه على الفاقد لما شك في اعتباره لفرض كون المسمّى هو الواجد لجميع الأجزاء والشرائط ، ومع الشك في صدق الموضوع لا مجال للتمسك بالإطلاق.

وبما ذكرناه ظهر ما في كلمات المحقق العراقي (ره) في المقام ، حيث أورد على هذا الجواب ـ أي عدم معقولية اخذ الصحة في المأمور به على الأعم ـ بأنه كما أن الصحّة لم تؤخذ في المسمّى على الصحيح ، بل الموضوع له واستعمل فيه ، هي الحصة الخاصة المقارنة للصحة.

كذلك يكون المأمور به على الأعم هي تلك الحصة الخاصة ، فالأعمّي والصحيحي سواء في التمسك بالإطلاق وعدمه.

١٩٠

وجه عدم تمامية ذلك ما تقدم من أن الصحيحي لا يمكن له التمسك بالإطلاق لأجل الشك في صدق المسمّى ، هذا بخلاف القول بالأعم.

فالمتحصل تمامية هذه الثمرة.

الثمرة الثانية :

ما ذكره جماعة منهم المحقق القمي (ره) (١) وسيد الرياض (٢) من أن :

الأعمّي يتمسك بالبراءة عند الشك في جزئية شيء أو شرطيته للمأمور به.

والصحيحي يتمسك بالاشتغال ، فلو شك في دخل شيء في المأمور به ولم يكن هناك إطلاق يتمسك به يلزم على الصحيحي الرجوع إلى قاعدة الاشتغال لرجوع شكه ، إلى الشك في الامتثال ، وأما الأعمّي فهو يرجع إلى البراءة.

وأورد عليه الشيخ الأعظم الأنصاري (ره) (٣) بان الرجوع إلى البراءة أو الاشتغال على القولين يبتني على انحلال العلم الإجمالي وعدمه.

__________________

(١) راجع قوانين الأصول ج ١ ص ٤٠ (والثمرة في هذا النزاع) إلى أن قال في نهاية ص ٤١ : «فعلى القول بكونها اسما للأعم يتم المقصود ، وعلى القول بكونها اسما للصحيحة التامة الأجزاء الجامعة للشرائط فلا ، لعدم معلومية الأجزاء حينئذٍ وجامعيته لشرائط الصحة من الحيثية الذي قدمنا ذكرها.

(٢) راجع رياض المسائل ج ١ ص ١٨٣ حيث قال : في معرض الحديث عن شرائط صلاة الجمعة (الأول) ثم قال : ونفيه باصالة البراءة انما يتجه على القول بكونها اسامي للأعم من الصحيحة والفاسدة. الطبعة القديمة مؤسسة أهل البيت (ع).

(٣) مطارح الأنظار ص ٩ (هداية في ثمرة النزاع).

١٩١

إذ على الأول يرجع إلى البراءة على القولين.

وعلى الثاني يرجع إلى الاشتغال كذلك.

وأجاب عنه المحقق النائيني (ره) (١) ، بان الوضع للصحيح لا يمكن ، إلا بتقييد المسمّى إما من ناحية المعلولات ، أو من ناحية العلل ، كما تقدم.

وعليه فحيث أن تعلق التكليف بذلك القيد معلوم ، وحصوله بإتيان الأجزاء المعلومة مشكوك فيه ، فلا بدَّ من الرجوع إلى الاشتغال حتى مع انحلال العلم الإجمالي ، وأما الأعمّي فهو لا يرى تعلق التكليف بأمر خارج عن المأتي به ، فهو على الانحلال يرجع إلى البراءة.

أقول : هذا الجواب وان كان متينا على مبنى العلامة الأنصاري من الرجوع إلى قاعدة الاشتغال فيما إذا كان المأمور به أمرا منطبقا على الأجزاء المرددة بين الأقل والأكثر الذي يصرح به في المسألة الرابعة من مسائل الأقل والأكثر ويكون حكم هذه المسألة حكم ما إذا تعلق التكليف بأمر حاصل منها.

إلا انه بناء على ما هو الحق عندنا من جريان البراءة فيها لا يتم كما لا يخفى.

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٤٤ ، (الثاني ربما يذكر للنزاع المذكور ثمرات.) ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٦٦.

١٩٢

الثمرة الثالثة

بقي في المقام أمران :

الأول : انه هل يترتب على هذه المسألة ثمرة فقهية غير ما ذكر أم لا؟

والحق ترتبها عليها ، وهو حمل الألفاظ الواقعة في لسان الشارع المأخوذة موضوعا لحكم آخر على الصحيح على القول به ، وعلى الأعم على القول به ، مثلا ، دل الدليل على مرجوحية صلاة الرجل ، إذا كانت امرأة تصلى بحياله أو قدّامه ، فلو كانت صلاتها فاسدة على القول بالصحيح لا مرجوحية في صلاة الرجل بخلافه على الأعم.

وكذلك دل الدليل على أن المسافر إذا قصد إقامة عشرة أيام وصلى صلاة رباعية ثم عدل عن قصده يتم ما دام في ذلك المحل وإلا فيقصر ، وحينئذٍ لو صلى صلاة رباعية فاسدة ، فعلى الأعم يتم ، وعلى الصحيح يقصر.

وكذلك دل الدليل على صحة الاقتداء بصلاة العادل فعلى الصحيح لا بد من إحراز صحة صلاته بخلافه على الأعم. إلى غير ذلك مما يجده المتتبع في الفقه ، وهذه ثمرة مهمة مترتبة على هذه المسألة ولا ينقضي تعجبي عن الأساطين كيف غفلوا عن ذلك ولم يذكروها.

الثاني : لو شك في الوضع للصحيح أو الأعم ولم يحرز شيء منهما ، هل يكون حكم الشاك في هذه الثمرات حكم الصحيحي ، أو الأعمّي ، أم يفصّل بينها؟ وجوه :

١٩٣

أقواها الأخير : وذلك لأنه بالنسبة إلى جريان البراءة أو الاشتغال يكون ملحقا بالأعمّي ، عند من شك في الوضع للصحيح أو الأعم وكان عالما بان في

ترك الأجزاء المعلومة عقاب ، وأما في ترك المشكوك فيه فلا يكون ذلك محرزا لأن المأمور به هو ذوات الأجزاء والشرائط ، أو العنوان البسيط المنطبق على المجموع فيجري البراءة ويحكم بعدم العقاب عليه.

وان شئت قلت انه يجرى البراءة عن وجوب ذلك العنوان البسيط كما تجرى عن وجوب الجزء المشكوك فيه.

وأما التمسك بالإطلاق فهو يشارك الصحيحي إذ الشاك لا يكون محرِزا لصدق المسمّى على الأجزاء المعلومة كما لا يخفى.

وأما بالنسبة إلى الثمرة الأخيرة ، فان أخذت الصلاة شرطا كما في الاقتداء ، فهو يشارك الصحيحي.

وان أخذت مانعا ، كما في مثال الصلاة خلف امرأة فهو يشارك الأعمّي.

أدلة القول بالصحيح

الجهة الرابعة : في أدلة القولين ، وقد استدل للصحيحي بوجوه :

أحدها : التبادر.

ويرده انه لا يتصور الجامع بين الأفراد الصحيحة ، سوى ما أفاده المحقق

١٩٤

الخراساني (١) ، وهو الالتزام بعنوان بسيط منطبق على مجموع الأجزاء والشرائط ، ولا مورد لادعاء تبادر ذلك المعنى ، لما عرفت من انه لا يخطر ببال عامة الناس وانه خلاف ما ارتكز في أذهان المتشرعة من معاني هذه الألفاظ ، ومعه كيف يدّعى تبادره من لفظ الصلاة مثلا.

ثانيها : صحة السلب عن الفاسد ، والمراد به ما يقابل الحمل الشائع الصناعي ، إذ صحته على نحو الحمل الأولي الذاتي ، لا تكون علامة كما تقدم ، ولذلك هي ثابتة عند الأعمّي ، لأنه يدّعى الوضع للجامع بين الصحيح والفاسد ، لا لخصوص الفاسد ولو بنحو المشترك اللفظي.

ولكن يرد عليه انه بعد ملاحظة موارد إطلاق هذه الألفاظ بما لها من المفاهيم ، في لسان الشارع والمتشرعة وإرادة الأفراد الفاسدة التي هي كثيرة جدا ، لا سبيل إلى هذه الدعوى.

مع انه لو اخبر شخص بان زيدا يصلى مع عدم علمه بصحة صلاته ، فهل تراه كاذبا في هذا الخبر؟ وهذه آية قطعية على عدم صحة السلب.

ثالثها : الأخبار الظاهرة في إثبات بعض الخواص والآثار للمسميات مثل" الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" (٢) ، أو" عمود الدين" (٣) ، أو" معراج

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٢٦ (رابعها)

(٢) سورة العنكبوت آية ٤٥.

(٣) وسائل الشيعة ج ٤ ص ٢٧ ح ٤٤٢٤ باب ٦ (تحريم الاستخفاف بالصلاة).

١٩٥

المؤمن" (١) وما شاكل.

فإن هذه النصوص بمقتضى الإطلاق تدل على أن كل صلاة يترتب عليها هذه الآثار ، فلازمه بمقتضى عكس النقيض أن ما لا يترتب عليه هذه الآثار ليس بصلاة ، وبديهي عدم ترتبها على الصلاة الفاسدة فتدل على أن الفاسدة ليست بصلاة ، وهكذا سائر العبادات.

وفيه : انه لو سلم استعمال هذه الألفاظ في الصحاح لا يصح الاستدلال بها : لان أصالة الحقيقة إنما يرجع إليها لتشخيص المراد بعد العلم بالمعنى الحقيقي والشك في انه المراد أو غيره ، ولا يرجع إليها لتشخيص المعنى الحقيقي بعد العلم بالمراد والشك في الموضوع له

كما أن أصالة العموم أو الإطلاق تكون حجة فيما أحرز المصداقية وشك في الحكم لا فيما إذا شك في المصداقية وأحرز الحكم والأثر كما في المقام.

أضف إلى ذلك انه لو سلِّم انه يرجع إلى أصالة الحقيقة وكذا أصالة العموم لتشخيص المعنى الحقيقي ، وثبت أن الاستعمال في المقام إنما يكون في

__________________

(١) الصلاة معراج المؤمن" من الأحاديث التي تداولها العلماء كثيرا سيما في كتب الأصول عند التعرض للصحيح والأعم بحيث لا يخلو كتاب تعرض لهذا الفصل لم يورد الحديث ، إلا أننا لم نجده في مصدر روائي عن إمام (ع) عدا ما رواه مستدرك سفينة البحار ج ٦ ص ٣٤٣ مرسلا عن رسول الله (ص) وما نسب إلى جامع أحاديث الشيعة ج ٤ باب فضل الصلاة ، أما ما ورد في البحار وغيره فلم يورد نص الرواية بل أورده بالشرح في ثلاث مواطن أحدها عن والده لسانها : كقوله لما كانت الصلاة معراج المؤمن.

١٩٦

الموضوع له ، لا يثبت مدّعي الوضع للصحيح : إذ الأعمّي إنما يدّعي الوضع للجامع بين الصحيح والفاسد ، وعليه فيمكن أن يكون إرادة الصحيح منها بتعدد الدال والمدلول ، ولا دليل على أن هذه الألفاظ إنما استعملت وحدها في الصحيحة حتى يثبت مدّعي الصحيحي.

وأجاب المحقق الأصفهاني (ره) عن هذا الدليل بجواب آخر وهو أنّ ظاهر هذه التراكيب الواردة في مقام إفادة الخواص كالقضايا غير الشرعية المتضمنة لذلك كقولنا السنا مسهل ، والسم قاتل ، وغيرهما ، سوقها لبيان الاقتضاء لا الفعلية ، ويؤيده أن الظاهر اتحاد المراد من الصلاة عقيب الأمر والصلاة المؤثرة في النهي عن الفحشاء والمنكر مع أن فعلية النهي عن الفحشاء موقوفة على قصد الامتثال الذي لا يمكن أخذه فيما وقع في حيّز الأمر ، وعليه فهذه الأخبار دليل للأعمّي : إذ المقتضي لتلك الآثار هو نفس تلك المراتب المتداخلة ، وحيثية الصدور غير دخيلة في الاقتضاء (١).

وفيه : أن ذلك يتم إذا لم يلاحظ المصلى وقصّرنا النظر على ذات الفعل ، وأما إذا لوحظ المصلى ولو صدور الفعل من شخص خاص كالمسافر والحاضر والمختار والمضطر وغير ذلك من العناوين الدخيلة في المسمّى على الصحيحي ، فلا يتم إذ كل ما فيه اقتضاء ـ لترتب هذه الآثار ـ هي الصلاة الصحيحة لا الفاسدة لأنها لا اقتضاء فيها لها أصلا كما لا يخفى ، فالصحيح ما ذكرناه.

__________________

(١) نهاية الدراية ج ١ ص ٨٣ ـ ٨٤ (أدلة الصحيحي) بتصرف.

١٩٧

رابعها : ما في الكفاية (١) ، وهو ما تضمّن نفي ماهية المسميات وطبائعها مثل" لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" (٢) ونحوه مما كان ظاهرا في نفي الحقيقة ، بمجرد فقد ما يعتبر في الصحة شطرا أو شرطا.

ولكن الاستدلال بهذه الأخبار لكون الموضوع له هو الصحيح بالمعنى الذي اختاره ، ينبغي أن يعدّ من سهو القلم إذ مقتضى هذه الأخبار عدم صدقها على الفاقد للشرط أو الشطر وان صدر العمل ممن لا يجب عليه ذلك.

مع أن الجامع الذي تصوره ، هو الجامع بين الواجد لذلك القيد وفاقده.

ولأحد الشخصين الاستدلال بها لمختاره :

١ ـ من يدّعي الوضع للمرتبة العليا الواجدة لتمام الأجزاء والشرائط

٢ ـ من يدّعي الوضع لعدّة أجزاء فصاعدا كما اخترناه.

وحيث عرفت فساد المسلك الأول ، فهذه الأخبار من الأدلة ما اخترناه.

غاية الأمر بالنسبة إلى بعض ما في تلك الأخبار من الأجزاء كفاتحة الكتاب بالنسبة إلى الصلاة ، حيث دل الدليل على عدم دخلها في المسمّى ولذا تصح الصلاة مع نسيانها وتستعمل الصلاة في فاقدها بلا عناية ، فتحمل تلك الأخبار على كونها مسوقة لبيان أهمية هذا الجزء وان الفاقد له كأنه ليس

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٢٩ (ثالثها).

(٢) فقه القرآن ج ١ ص ١٠٢ ، نهج الحق ص ٤٢٤ وقد عبر عنه بالمتواتر عند الجميع ، عوالي اللئالي ج ١ ص ١٩٦ ح ١٣ وج ٢ ص ٢١٨ ح ١٣ وج ٣ ص ٨٢ ح ٦٥ ، وعنه المستدرك.

١٩٨

بصلاة مثلا.

خامسها : دعوى القطع بان طريقة الواضعين وديدنهم وضع الألفاظ للمركبات التامة ، والظاهر أن الشارع لم يتخط عن هذه الطريقة فيستنتج من المقدمتين أن الشارع وضع ألفاظ مخترعاته من العبادات لخصوص ما كان تام الأجزاء والشرائط.

وفي كلتا المقدمتين ، والنتيجة نظر :

أما الأولى : فلأنّا لا نسلّم أن طريقة الواضعين ذلك ، بل مقتضى الحكمة الداعية إلى الوضع ، هو الوضع للأعم ، لان الغرض قد يتعلق بالحكم على الناقص كالحكم على الصحيح التام ، فهذا العرف ببابك لاحظ المركبات المخترعة لهم ، مثلا إذا اخترع معجونا لرفع وجع الرأس ، وكان شرط تأثيره أكله قبل الطعام ، فهل يتوهم أحد أن الواضع المخترع وضع اللفظ لخصوص الواجد للشرط ، وكذلك بالنسبة إلى الأجزاء.

وأما الثانية : فلأنه لم يدل دليل قطعي على عدم تخطى الشارع الأقدس عن هذه الطريقة ، والظن لا يغني من الحق شيئا.

وأما الثالثة : فلأنه لو تمت المقدمتان كانت النتيجة هو الوضع للمرتبة العليا الواجدة لجميع الأجزاء والشرائط ، ولا تكون النتيجة الوضع للقدر الجامع بين الواجد لتلكم الأجزاء ، وفاقدها.

فالمتحصل أن شيئاً مما استدل به للوضع للصحيح لا يدل عليه ، بل بعضها يشهد بالوضع للأعم.

١٩٩

وجوه القول بالوضع للأعم

وقد استدل للأعمّي بوجوه.

منها : تبادر الأعم : وقد مر عند تصوير الجامع على القول بالوضع للأعم الدليل على أن الموضوع له هو الجامع الذي تصورناه ، وأنه المتبادر عند الإطلاق.

ومنها : صحة التقسيم إلى الصحيح والسقيم.

ومحصل هذا الوجه بتوضيح منا أنّ صحة تقسيم الصلاة إلى الصحيح والسقيم بما لها من المعنى المرتكز في الأذهان آية كونها حقيقة في الأعم إذ لا ريب في كاشفية ذلك عن كون الجامع هو الموضوع له.

ودعوى أن صحة التقسيم بهذا النحو وان كانت كاشفة عن وجود الجامع بين الصحيح والفاسد ، وليس التقسيم من باب تقسيم ما يطلق عليه اللفظ ولو مجازا كما هو كذلك في قولنا ، الإنسان إما له روح وجسم وصورة ، أو يكون نقشا في الجدار ، وكاشفة عن كونها حقيقة في الجامع في هذا العصر ، إلا أنها لا تكون كاشفة عن كونها حقيقة في الجامع في عصر الشارع الأقدس.

مندفعة بأنه إن ثبت كونها حقيقة في الجامع في هذا العصر ثبت كونها كذلك في عصر الشارع ، بواسطة أصالة عدم النقل التي عليها بناء العقلاء كما مرَّ في مبحث الحقيقة الشرعية ، وعرفت انه لولاها لانسد باب الاستظهار من النصوص بالمرّة.

٢٠٠