زبدة الأصول - ج ١

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-34-9
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٥٤٣

التمامية من جهة دون اخرى.

الثاني : في انه على فرض كون المراد هو التام من جميع ما يعتبر في المأمور به ، هل الصحة والفساد وصفان اضافيان ، كما افاده في الكفاية ام هما وصفان حقيقيان.

اما المورد الأول : فلا اشكال في انه ليس المراد من التمامية ، التمامية من حيث اسقاط القضاء ، أو من حيث موافقة الامر : لان الشيء لا يتصف بأحد العنوانين الا بعد الامر به وإتيانه ، ومثله لا يمكن ان يقع في حيز الامر ، بل الظاهر ان المراد منها هو التمامية من حيث الاستجماع للاجزاء والشرائط والخصوصيات المعتبرة في المأمور به ولعله الظاهر من الكفاية وصريح غيرها (١).

والحق انه لا يصح دعوى الوضع للتام من جميع الجهات.

توضيح ذلك : ان التمامية ، تارة تلاحظ بالاضافة إلى الاجزاء خاصة.

واخرى باضافة الشرائط إليها.

وثالثة باضافة عدم المزاحم الموجب لعدم الامر فيكون الصحيح هو المركب من الاجزاء والشرائط مع عدم كونه مزاحما بواجب آخر.

ورابعة باضافة عدم النهي إلى ما ذكر.

__________________

(١) كما صرح المحقق النائيني في دفع إشكال تصوير الجامع ، بأنه يمكن الالتزام أن الموضوع له أولاً هي المرتبة العليا ، الواجدة لتمام الأجزاء والشرائط .. ولم يرتضه السيد الخوئي (قدِّس سره) في حاشيته ، راجع أجود التقريرات ج ١ ص ٣٦ ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٥٣.

١٦١

اما الاخيران فهما خارجان عن المسمّى قطعا : لأنهما فرع المسمّى حتى ينهى عنه أو يسقط امره بوجود المزاحم.

واما الشرائط فقد يقال بخروجها عن محل النزاع لانها لا تعتبر في المسمّى قطعا ، إذ الشرط متاخر عن المشروط رتبة فكيف يدخل في المسمّى المستلزم ذلك لتساويهما.

ولكنه مردود بان تسمية المتقدم والمتأخر باسم واحد لا توجب تساويهما رتبة حتى لا تكون ممكنة ، نعم الشرط الذي يأتي من قبل الامر كقصد الامر المعتبر في التعبديات لا يكون داخلا في المسمّى وإلا لزم عدم استعمال اللفظ في معناه عند الامر به ولو في مورد ، وهو كما ترى ، وستاتى تتمة البحث في ذلك عند البحث في تصوير الجامع على القول بالوضع للصحيح.

واما المورد الثاني : فالحق ان الصحة بمعنى التمامية من حيث الاستجماع لجميع ما يعتبر في المأمور به وما يقابلها وصفان حقيقيان ، وما افاده المحقق الخراساني (١) من انهما امران اضافيان ، لا يتم لانه علله بانه يختلف شيء واحد صحة وفسادا بحسب الحالات فيكون تاما بحسب حالة وفاسدا بحسب اخرى.

ويرده : انه من الخصوصيات المعتبرة في المأمور به حالات المكلف فما يكون واجدا لجميع الخصوصيات لا يتصف بالفساد ابدا ، مثلا صلاة الحاضر وان كانت فاسدة بالنسبة إلى المسافر ، الا انه انما يكون لفقد خصوصية من الخصوصيات المعتبرة كما هو واضح.

__________________

(١). كفاية الأصول ص ٢٤.

١٦٢

فالحق انهما وصفان حقيقيان لا امران اضافيان.

الاحتياج إلى تصوير الجامع

الجهة الثالثة ، انه لا بدَّ على كلا القولين من تصوير جامع يشترك فيه جميع الافراد ، حتى يكون هو القدر المشترك الذي وضع اللفظ بازائه ، أو استعمل فيه مجازا في لسان الشارع ، وعلى نحو الحقيقة في لساننا وذلك : لعدم كون هذه الألفاظ من قبيل المشترك اللفظي بين الافراد وهو بديهي.

ولا من قبيل الموضوع له الخاص : لاستعمالها في الجامع بلا عناية : ولأنّا لا نتوقف عند سماع لفظ الصلاة بلا قرينة ، بل ينتقل ذهننا إلى تلك العبادة المخترعة من دون دخل الخصوصيات فيها : ولانه لا سبيل إلى شيء منهما ان كان وضعها تعيُّناً ، أو تعيينياً بالاستعمال كما لا يخفى ، وان كان وضعها تعيينيا بالتصريح فهي كسائر اسماء الاجناس ، فتكون من قبيل المشترك المعنوي ، فلا بد من تصوير الجامع لكونه الموضوع له والمستعمل فيه.

وللمحقق النائيني في المقام كلام وهو انه لا بد من تصوير الجامع (١) وان كان الموضوع له خاصا إذ لا بد من قدر جامع به يشار إلى الموضوع له.

وفيه : ما مرَّ منا في مبحث الوضع انه إذا لاحظ الواضع القدر المشترك بين

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٣٥ ، بعد قوله : (الخامس) بأسطر وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٥٢.

١٦٣

الافراد لا يصح وضع اللفظ للافراد إذ الجامع لا يكون مرآتا للخصوصيات وحاكيا عن الافراد ، بل لا بد في الوضع للافراد من لحاظها تفصيلا أو لحاظ عنوان منتزع عن الخصوصيات.

وعليه فبناء على كون الموضوع له خاصا ، لا يكون القدر المشترك لازما.

ثم انه قال المحقق النائيني (ره) (١) بعد ان اشكل على تصوير الجامع :

ويمكن دفع الاشكال بالالتزام بان الموضوع له هي المرتبة العليا الواجدة لتمام الاجزاء والشرائط ، والاستعمال في غيرها من المراتب الصحيحة على قول الصحيحي أو الاعم منها على قول الاعمي ، من باب الادعاء والتنزيل.

ثم قال وهذا يوجب بطلان نزاع الصحيحي والأعمي رأسا.

وفيه : اولا : ان المرتبة العليا ليست عبارة عن عدّة اجزاء وشرائط معينة بحيث لا يختلف قلّة وكثرة ، بل هي تختلف بحسب اختلاف أقسام الصلاة ، مثل صلاة الصبح ، وصلاة الظهر ، وصلاة العيدين ، والآيات ، والصلوات المستحبة ، فالالتزام بوضعها للمرتبة العليا يتوقف ايضا على تصوير جامع لجميع الاقسام.

وثانيا : انا نرى بالوجدان ان اطلاق الصلاة على المراتب النازلة كاطلاقها على المرتبة العليا انما يكون من دون مسامحة وبلا تنزيل وتصرف في امر عقلي.

وثالثا : ان المرتبة العليا لو سلم كونها قسما واحدا بما انها تكون صحيحة بالنسبة إلى بعض المكلفين وفاسدة بالنسبة إلى آخرين ، فيمكن النزاع في ان

__________________

(١) أجود التقريرات ، ج ١ ص ٣٦ ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٥٣.

١٦٤

الموضوع له ، هي تلك المرتبة اعم من ان تكون صحيحة أو فاسدة.

ورابعا : ان ما ذكره (ره) (١) فليكن احد الاحتمالات أي احتمالا ثالثا : وهذا لا يوجب بطلان النزاع.

تصوير الجامع بين الأفراد الصحيحة

ثم إن تنقيح القول بالبحث في مقامين :

الأول : في العبادات. الثاني : في المعاملات.

أما الأول : فالكلام فيه في موردين :

١ ـ في تصوير الجامع.

٢ ـ في أدلة الطرفين.

أما تصوير الجامع فالكلام فيه في موضعين :

أحدهما في تصوير الجامع بين الأفراد الصحيحة.

ثانيهما في تصويره بين الأفراد الأعم من الصحيحة ، والفاسدة.

__________________

(١) أي ما ذكره المحقق النائيني (قدِّس سره) من بطلان النزاع في الصحيح والأعم ، ليكن بنظر المصنف حفظه المولى وجهاً ثالثاً مقابل من قال بالصحيح ، ومقابل من قال بالأعم ، ويكون هذا الوجه غير ما ذكروه من وجود ثمرة للصحيح والأعم أو لا.

١٦٥

أما الأول : فقد ذكر المحققون من الأصحاب لتصويره وجوها :

منها ما أفاده المحقق صاحب الكفاية ، قال فيها : لا إشكال في وجوده بين الأفراد الصحيحة ، وإمكان الإشارة إليه بخواصه وآثاره فان الاشتراك في الأثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد يؤثر الكل فيه بذاك الجامع فيصح تصوير المسمّى بلفظ الصلاة مثلا بالناهية عن الفحشاء وما هو معراج المؤمن (١) انتهى.

وحاصله : أن الجامع هو الذي يترتب عليه النهي عن الفحشاء الذي هو الغرض من الصلاة المأمور بها فان وحدة الغرض تكشف عن وحدة المؤثر لان الواحد لا يصدر إلّا عن الواحد.

وأورد عليه بإيرادات :

الأول : ما أفاده المحقق النائيني (ره) (٢) وحاصله أن العبادات بالنسبة إلى الأغراض المترتبة عليها من قبيل العلل المعدّة وهي ما يتوسط بينها وبين المعلول أمر آخر كان ذلك أمرا اختياريا أم غير اختياري ، وليست من قبيل الأسباب التوليدية ، وذلك يستكشف من تعلق الأمر بها بأنفسها لاما يترتب عليها من الأغراض إذ لو كانت من قبيل الأسباب التوليدية كان الأولى تعلق الأمر بالأغراض كما هو الشأن في جميع ما هو من هذا القبيل ، نظير الطهارة الخبيثة لا بنفس الأجزاء والشرائط ، فلا يعقل أن يكون هناك جامع يكون عنوانا للمصاديق في مقام التسمية وتعلق الخطاب ، والغرض تصوير الجامع في هذا

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٢٤.

(٢) أجود التقريرات ج ١ ص ٣٩ ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٥٨ ـ ٥٩.

١٦٦

المقام.

وبعبارة أخرى انه كما لا يصح الأمر بالأغراض كذلك لا يصح أخذها قيداً للمأمور به لفرض خروجها عن تحت قدرة المكلف ، ولا كاشفا عن المسمّى بداهة انه بعد ما كانت الملاكات من باب الدواعي وكان تخلف الداعي عن الأفعال الاختيارية بمكان من الإمكان فكيف يصح أخذها معرفا للمسمى.

وفيه : أن الغرض المترتب على المأمور به أمران :

الأول : الغرض الأعلى الذي يكون بالنسبة إلى المأمور به من قبيل المعلول بالنسبة إلى العلة المعدّة.

الثاني : الغرض الإعدادي المترتب عليه الذي يكون بالنسبة إليه من قبيل المعلول بالنسبة إلى العلة التامة أو الجزء الأخير منها ، والذي يكون ملاكا للأمر هو الغرض الثاني ، لا الأول ، وهو قابل لتعلق التكليف به بنفسه ، أو بجعله قيدا له ، لكونه تحت اختيار المكلف بالواسطة وإنما لم يؤمر به وأمر بمحصله لأجل كونه من الأمور الذي لا يفهمه العرف.

الثاني : ما ذكره المحقق النائيني (ره) أيضا ، وهو انه لو سلم كونها من قبيل الأسباب التوليدية فلازمه أنه لا يمكن التمسك بالبراءة عند الشك في الأجزاء والشرائط لرجوع الشك إلى الشك في المحصل (١).

وفيه : ما حققناه في محله من مبحث الأقل والأكثر ، من أن الغرض إذا كان

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٤٠ ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٥٩.

١٦٧

مما لا يفهمه العرف ولا يعرفون محصّله ، والمولى لم يأمر به وأمر بمحصله ، كان الواجب على المكلف هو الإتيان بالمحصّل الذي أمر به المولى ، وأما تحصيل الغرض حتى بإتيان ما لم يأمر به فلا يحكم العقل بلزومه ، وعليه فالغرض بالمقدار الذي قام عليه من المولى بيان يجب تحصيله ، وفي غير ذلك يكون مورد لأصالة البراءة وتمام الكلام في محله.

الثالث : ما ذكره الأستاذ الأعظم (قدِّس سره) (١) وهو أن الصلاة مركبة من مقولات متباينة ، وقد ثبت في محله أنها أجناس عالية ولا يمكن تصوير الجامع الحقيقي بين فردين منها.

أضف إليه أن الصحة في صلاة الصبح مثلا متوقفة على إيقاع التسليمة في الركعة الثانية ، وفي صلاة المغرب متوقفة على إيقاعها في الثالثة وعدم إيقاعها في الثانية ، فكيف يمكن تصوير الجامع بين المشروط بشيء والمشروط بعدمه.

أقول : هذان الإيرادان كجملة من الإيرادات الأخر التي أوردوها عليه ، مبنيان على أن يكون المحقق الخراساني مدعيا لوجود جامع حقيقي مقولي بين الأفراد كما صرح دام ظله به.

لكن الظاهر من كلماته انه (قدِّس سره) يدّعي وجود جامع عنواني بسيط منطبق على كل واحد من أفراد الصلاة الصحيحة الذي هو ملزوم عنوان المطلوب المساوي له ، لاحظ قوله إن الجامع إنما هو مفهوم واحد منتزع عن هذه المركبات

__________________

(١) في حاشيته على أجود التقريرات ج ١ ص ٣٨ ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٥٦.

١٦٨

المختلفة زيادة ونقيصة بحسب اختلاف الحالات متحد معه بنحو اتحاد (١).

توضيح ذلك : أن العنوان غير الذاتي يمكن أن يتحد مع كل واحدة من الحقائق المختلفة ، مثلا : عنوان التعظيم ، قد ينطبق على القيام ، وقد ينطبق على الإيماء ، وقد ينطبق على الكيف المسموع ، ومعلوم انه لا جامع مقولي بين هذه العناوين.

وعليه فيصح تصوير المسمّى بلفظ الصلاة مثلا بالناهية عن الفحشاء وما هو معراج المؤمن ونحوهما من العناوين الاعتبارية المنطبقة على هذه المركبات المختلفة زيادة ونقيصة بحسب اختلاف الحالات المتحدة معها نحو اتحاد ، وان شئت قلت : إن الصلاة مثلا عنوان جعلي اعتباري ينطبق على كل فرد من أفراد الصلاة الصحيحة بما لها من الاختلاف بحسب الأجزاء والشرائط.

الرابع : إن اتحاد البسيط مع المركب محال ، ولا يعقل أن يكون المركب فرداً للبسيط (٢).

وفيه : أن انطباق عنوان بسيط جعلي اعتباري غير ذاتي على المركب لا استحالة فيه ، بل هو واقع كما في التعظيم وما ماثله من العناوين.

الخامس : إن الغرض المترتب على الصلاة واحد نوعي لا شخصي : إذ يترتب على كل فرد من أفراد الصلاة فرد من الغرض ، غير ما يترتب على

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٢٥.

(٢) هذا الإيراد مبني على القول إن الجامع مقولي ذاتي. وقد أورده المحقق الأصفهاني ، راجع نهاية الدراية ج ١ ص ٦١ ـ ٦٢.

١٦٩

غيرها. والبرهان المزبور أي" الواحد لا يصدر إلا عن الواحد" على تقدير تماميته إنما يتم في الواحد الشخصي دون النوعي (١).

ويرد عليه : ما ذكرناه في أول الكتاب من جريان البرهان المزبور في الواحد النوعي أيضا (٢).

السادس : ما ذكره هو (قدِّس سره) في الكفاية وهو : أن لازم ذلك عدم جريان البراءة مع الشك في أجزاء العبادات وشرائطها لعدم الإجمال في المأمور به حينئذ بل فيما يتحقق به (٣).

والجواب عنه هو الذي ذكره بقوله إن الجامع إنما هو مفهوم واحد الخ (٤). وحاصله أن هناك مسائل ثلاث :

الأولى : أن يكون متعلق التكليف بنفسه مرددا بين الأقل والأكثر ، كما إذا كان المأمور به في الصلاة نفس الأجزاء والشرائط المرددة بين الأقل والأكثر ، وفي هذا القسم أكثر المحققين اختاروا جريان البراءة.

الثانية : ما إذا كان المأمور به عنوانا مسببا عن مركب مردد بين الأقل والأكثر وله وجود منحاز عن ذلك المركب نظير الطهارة المسببة عن الغسل ،

__________________

(١) هذا الإيراد من إيرادات السيد الخوئي (قدِّس سره) في حاشيته على أجود التقريرات عند الحديث عن موضوع العلم ج ١ ص ٤ تتمة الحاشية ٢ من ص ٣.

(٢) زبدة الأصول ج ١ ص ٦ من الطبعة الأولى وفي الطبعة الجديدة ص ٣٢.

(٣) كفاية الأصول ص ٢٥.

(٤) كفاية الأصول ص ٢٥.

١٧٠

وفي هذا القسم الأكثر على عدم جريان البراءة ، وان كان المختار عندنا جريانها في بعض موارد هذا القسم.

الثالثة : أن يكون المأمور به عنوانا بسيطا منطبقا على ذلك المركب المردد بين الأقل والأكثر ، وفي هذا القسم مختار الشيخ الأعظم (ره) عدم جريان البراءة ، والمحقق الخراساني على ما صرح به في تعليقته على الفرائد في المسألة الرابعة من مسائل الأقل والأكثر ، اختار جريان البراءة ، وعليه فالمقام بما انه من القسم الثالث لا الثاني ، فتجري فيه البراءة.

فالصحيح أن يُورَد عليه بان ذلك بخلاف ما ارتكز في أذهان المتشرعة ، وخلاف النصوص الواردة عن مخترعها الذي هو المرجع في ذلك ، فإنها صريحة في كونها اسما للأجزاء والشرائط أنفسها.

ومن مطاوي ما ذكرناه ظهر عدم إمكان تصوير الجامع المقولي الحقيقي.

كما ظهر مما ذكرناه أن ما نسب إلى الشيخ الأعظم (ره) (١) ، من تصوير الجامع في خصوص الصلاة التي استكشفنا من أدلة القواطع وجود هيئة اتصالية معتبرة فيها ، فيكون لفظ الصلاة موضوعا لتلك المادة الحافظة لهذه الوحدة الاتصالية.

غير تام : إذ تلك المادة سواء ، أريد بها ، الجامع المقولي ، أو العنواني لا

__________________

(١) استظهر الشيخ الأعظم وجود هيئة اتصالية للصلاة في موردين من فرائد الأصول في المسألة الثانية في زيادة الجزء عمداً وسهواً ج ٢ ص ٤٨٩ وفي الأمر الثاني ج ٢ ص ٦٧١ فراجع.

١٧١

تكون الصلاة اسما لها ، أما على الأول : فلعدم معقوليته ، وأما على الثاني : فلما مر فلا نعيد ، ولان لازمه عدم جريان البراءة عند الشك في الأجزاء والشرائط على مسلكه كما تقدم.

وقد يقال في تصوير الجامع كما في تعليقة المحقق الأصفهاني (ره) (١) بما حاصله أن في المعاني والماهيات الموضوع له في جميع الموارد معيّن من جهة ومبهم من سائر الجهات ، مثلا : الخمر إنما وضعت للمائع المسكر المعين من هذه الجهة المبهم من حيث اتخاذه من العنب والتمر وغيرهما ، ومن حيث اللون والطعم وغيرهما من الخصوصيات وتكون بحيث إذا أراد المتصور تصورها ، لم يوجد في ذهنه إلا المائع المسكر المبهم من جميع الجهات ، وعليه فالموضوع له للفظ الصلاة مع هذا الاختلاف الفاحش بين مراتبها كما وكيفا ، سنخ عمل معين من جهة وهي النهي عن الفحشاء والمنكر أو غيرها من المعرفات المبهم من سائر الجهات ، فالموضوع له للفظ الصلاة ، هو الناهي عن الفحشاء والمنكر.

ثم قال (ره) : أن هذا البيان يجدي للأعمّي أيضا ، بدعوى : أن تلك الجهة المعينة كالناهي عن الفحشاء والمنكر ، إن اخذ الناهي الفعلي معرِّفا للمسمّى فهو الجامع بين الأفراد الصحيحة ، وان وضع بإزاء العمل المبهم إلا من حيث اقتضاء النهي عن الفحشاء دون الفعلية عمّ الوضع وكان الموضوع له هو الأعم : إذ كل مرتبة من مراتب الصلاة لها اقتضاء النهي عن الفحشاء لكن

__________________

(١) راجع نهاية الدراية ص ٦٢ ـ ٦٥ حيث أطال الكلام (قدِّس سره) في النقض والإبرام ، فإن فيها فوائد ، والمصنف نقل كلامه هنا في المعنى ملخصا.

١٧٢

فعلية التأثير موقوفة على صدورها من أهلها لا ممن هو أهل لمرتبة أخرى.

وفي كل من تصويري الجامع على الصحيحي ، وعلى الأعمّي ، نظر.

أما على الأول : فلان العنوان المعلوم الذي هو الموضوع له أو المعرف لما وضع له ، إما أن يكون ذاتيا للأفراد ، أو عرضيا :

وعلى الأول : فإما أن يكون تمام الذاتي لها" كالإنسان" الموضوع للحيوان الناطق ، أو جزء ذاتها" كالحيوان".

وعلى الثاني : فإما أن يؤخذ العنوان المزبور معرفا للذات الموضوع له أو يكون الموضوع له نفس ذلك العنوان.

فان كان مراده من العنوان هو العنوان الذاتي.

فيرد عليه : أن الجامع الذاتي بين أفراد الصلاة غير معقول لأنها مركبة من مقولات متباينة وقد ثبت في محله أنها أجناس عالية ليس فوقها جنس.

وان كان مراده هو العنوان العرضي بالنحو الأول.

فيرد عليه : انه إنكار لوجود الجامع ، ويلزم أن يكون الموضوع له خاصا وهو خلاف الفرض.

وان كان مراده العنوان العرضي بالنحو الثاني.

فهو يرجع إلى ما ذكره المحقق الخراساني والكلام فيه هو الذي أوردناه عليه.

وأما على الثاني : فلأنه لو تم هذا الجامع على الصحيحي لا يتم على الأعمّي ، لان ما ذكره إنما يفيد بالنسبة إلى بعض الصلوات الفاسدة ولا يتم

١٧٣

بالنسبة إلى جميعها ، مثلا : الصلاة خمس ركعات ليس فيها اقتضاء النهي عن الفحشاء ولا تصح ولو من شخص واحد.

وأفاد المحقق العراقي (قدِّس سره) (١) في تصوير الجامع وجها آخر.

وحاصله : أن الجامع لا ينحصر بالجامع المقولي والعنواني ، بل هناك جامع آخر وهو الجامع الوجودي والصلاة موضوعة له.

بيان ذلك أن الصلاة مثلا وان كانت مركبة من الماهيات المتباينة ولكن بينها اشتراك وجودي وحصة خاصة من الوجود الجامع بين تلك المقولات المتباينة ماهية فتكون الصلاة أمرا بسيطا خاصا يصدق على الكثير والقليل والضعيف والقوي.

وبعبارة أخرى هي موضوعة لمرتبة من الوجود الساري في جملة من المقولات المحدود من طرف القلة بعدد أركان الصلاة مثلا ومن طرف الكثرة لوحظ لا بشرط بنحو يصح حمله على الفاقد لها والواجد.

وفيه : مضافا إلى أن المنسبق إلى الذهن من ألفاظ العبادات ليس مرتبة من الوجود المقترنة بالمقولات الخاصة ، بل نفس تلك المقولات : إذ الوجود من دون الإضافة يكون جامعا ووجوديا بين جميع الموجودات ، ومع الإضافة يكون وجودا خاصا ، وليس بين الوجودات جامع وجودي.

__________________

(١) مقالات الأصول ج ١ ص ١٤٣ ـ ١٤٥ وبعد أن قدّم لمقالته قال : «ويكفي في تصوره ملاحظة الجامع الوجودي المحفوظ بين جميع المراتب المختلفة زيادة ونقيصة.

١٧٤

فالمتحصل عدم تمامية شيء مما ذُكر في تصوير الجامع بين الأفراد الصحيحة ليكون هو الموضوع له.

تصوير الجامع على الأعم

وأما الموضع الثاني : فقد ذكر الأصحاب في تصوير الجامع على الأعم وجوها :

أحدها : ما ذهب إليه المحقق القمي (ره) (١) وهو أن يكون عبارة عن جملة من الأجزاء كالأركان في الصلاة مثلا وكان الزائد عليها معتبرا في المأمور به لا في المسمّى.

وأورد عليه المحقق الخراساني (ره) (٢) في الكفاية بإيرادات ثلاثة :

١ ـ التسمية بها حقيقة لا تدور مدارها ضرورة صدق الصلاة مع الإخلال ببعض الأركان.

٢ ـ عدم الصدق عليها مع الإخلال بسائر الأجزاء والشرائط عند الأعمّي.

٣ ـ انه يلزم أن يكون الاستعمال فيما هو المأمور به بأجزائه وشرائطه مجازا عنده وكان من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل ولا يلتزم به

__________________

(١) قوانين الأصول ج ١ ص ٤٤ في الصحيح والأعم ، ثم عاد وأكد ذلك في ص ٥١.

(٢) كفاية الأصول ص ٢٥.

١٧٥

القائل بالأعم.

وأورد المحقق النائيني (ره) (١) عليه بإيرادين :

أحدهما : إن الأركان مختلفة بحسب الموارد من القادر ، والعاجز وأمثالها ، فلا بد من تصوير جامع آخر بين تلك المراتب فيعود الإشكال.

ثانيهما : إن بقية الأجزاء إن كانت خارجة عن المسمّى دائما فهو ينافي الوضع للأعم فان المفروض صدقها على الصحيحة أيضا ، وان كانت خارجة عند عدمها خاصة فيلزم دخول شيء في الماهية عند وجوده وخروجه عنها عند عدمه ، وهو محال :

إذ التشكيك في الماهية وان كان معقولا إلا انه في الماهيات البسيطة كالسواد والبياض وغيرهما ، ولكنه لا يعقل في الماهيات المركبة كما حقق في محله.

والحق : أن الصحيح في تصوير الجامع هو هذا الوجه بعد إصلاحه بان الموضوع له جملة من الأجزاء الخاصة لا الأركان ، وان بقية الأجزاء على فرض وجودها داخلة في المسمّى.

وتنقيح القول فيه يقتضي البحث في مقامين :

الأول في مقام الثبوت ، وبعبارة أخرى في إمكانه.

والثاني في مقام الإثبات وإقامة الدليل عليه.

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٤١ (أما الأولى) ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٦٠ ـ ٦١.

١٧٦

أما المقام الأول : فحق القول فيه بنحو يندفع جميع الإيرادات المتقدمة يقتضي تقديم مقدمات :

الأولى : انه لا مانع من ضم ماهيات مختلفة التي لا جامع بينها وتسميتها باسم واحد ، وتصير بذلك مركبا اعتباريا كما نرى ذلك بالوجدان في المركبات الاعتبارية لاحظ الأطعمة والأشربة.

الثانية : انه لا بد في المركب الاعتباري عند إرادة تعيين الموضوع له من الرجوع إلى مخترعه سواء كان المخترع هو الشارع أو غيره.

الثالثة : انه في المركب الاعتباري يمكن أن يكون شيء على تقدير وجوده جزءا وعلى تقدير عدمه غير مضر ، إن كان ما اخذ مقوِّما مأخوذا فيه لا بشرط ، وهذا لا يستلزم التشكيك في الماهية ، وغير مربوط به.

والدليل على ذلك وقوعه كما في لفظ البستان فانه موضوع لما اشتمل على ساحة وحيطان وعدة أشجار ، وإذا زيد على ذلك عدّة أشجار أخر أو حوض أو غيره ، فهي من أجزاء البستان وإلا فلا ، وما اشتهر من أن المركب ينتفي بانتفاء أحد الأجزاء فإنما هو في المركب الحقيقي لا الاعتباري.

الرابعة : انه في المركب الاعتباري يمكن أن يكون المقوم أحد أمور على سبيل البدلية ، مثلا : المعجون في اللغة موضوع للمركب من العسل وغيره أي شيء كان ، والحلو ، اسم لما طبخ من شكر أو غيره من الحلويات وغيره سواء كان ذلك أيضا حنطة أو أرز أو غيرهما ، ولا يلزم في ذلك تصوير جامع بين تلك الأمور.

١٧٧

إذا عرفت هذه الأمور ، فاعلم انه يمكن أن يقال إن الصلاة مثلا اسم لجملة من الأجزاء والشرائط (وهي كما ستعرف في المقام الثاني ، الطهارة ، والتكبيرة ، والركوع ، والتسليمة) ، وان شئت فعبر عن هذه بالأركان بهذا الاعتبار ، وغيرهما من الأجزاء والشرائط حتى الفرد الثاني من الركوع ، والسجود دخيلة في المأمور به ، خارجة عن حقيقتها ، ولكنه عند الإتيان بها تدخل في المسمّى.

ولا يرد على ذلك شيء من الإشكالات المتقدمة.

أما الأولان : فلأنه لا سبيل إلى دعواهما بعد ورود الدليل من المخترع على ذلك.

وأما الثالث : فلما عرفت في المقدمة الثالثة ، من أن بقية الأجزاء داخلة في المسمّى على تقدير وجودها. فإطلاق الصلاة واستعمالها في مجموع الأجزاء والشرائط ، لا يكون مجازا ، وأما الرابع : فلما عرفت في المقدمة الرابعة ، وأما الخامس فلما ذكرناه في المقدمة الثالثة ، هذا كله بحسب مقام الثبوت.

وأما المقام الثاني وهو إقامة الدليل عليه في مقام الإثبات ، فنتعرض للدليل على ذلك في خصوص الصلاة التي هي العمدة في الباب ، وبه يظهر الحال في بقية العبادات ، وملخص القول فيها ، أن لنا دعويين :

الأولى : كون الموضوع له للفظ الصلاة ، هي الطهارة ، والتكبيرة ، والركوع ، والسجود ، والتسليمة ، والموالاة.

الثانية : أن بقية الأجزاء والشرائط على فرض تحققها داخلة في المسمّى.

١٧٨

أما الأولى : فيشهد لها : النصوص الكثيرة المتضمنة أن التكبيرة افتتاح الصلاة ، والتسليمة اختتامها ، وانه لا صلاة إلا بطهور ، وان الصلاة ثلاثة أثلاث ، ثلث الطهور ، وثلث الركوع ، وثلث السجود فمفاد هذه النصوص كون الأجزاء الخمسة الأولى داخلة في المسمّى ، وأما الموالاة فيشهد لاعتبارها في مسمى الصلاة الارتكاز العرفي : إذ لا يشك أحد في أن من كبر في أول الصبح ، وركع في الظهر ، وسجد في الليل ، لا يصدق انه صلى.

فالمتحصل انه إذا رجعنا إلى الشارع المخترع يظهر لنا أن الأمور الستة المشار إليها داخلة في المسمّى ومن أتى بها يصدق على ما فعله" صلاة" ولا يتوقف صدق الصلاة على شيء آخر.

وأما الثانية : فيشهد لها : استعمال الصلاة عند المتشرعة في مجموع الأجزاء والشرائط بلا عناية وتجوز ، بل في لسان الشارع الأقدس وحافظي شريعته وأيضا التعبير عن غير الستة المذكورة في ألسنتهم بأجزاء الصلاة وقيودها وما يعتبر ، فان ذلك كاشف عن صدقها على المجموع المركب من الستة المذكورة وغيرها حين وجود بقية الأجزاء والشرائط.

ويشهد به أيضا النصوص المتضمنة : أن من زاد في صلاته فعليه الاعادة (١) :

فان كل زيادة لا شبهة في عدم مبطليتها كحك الرأس ، بل الزيادة المبطلة هي ما لو أتى بشيء بما انه من أجزاء الصلاة ومبطليته حينئذ ليست من جهة التشريع بل من جهة الزيادة نفسها ، فيستكشف من ذلك أن كل ما أتي به

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ٣٥٤ باب من سها في الاربعة والخمس ... ح ٥.

١٧٩

بعنوان انه من الصلاة يصير جزءا للصلاة وداخلا في المسمّى مع ان عدمه لا يضر بالصدق ، ومما يشهد لذلك التعبير بكلمة (في) لا (على) فان ذلك آية صيرورته جزءاً للصلاة.

لا يقال : أن ما تضمن أن التكبير افتتاح الصلاة ، ينافي ما دل على دخالة الطهور الذي يكون مقدما عليها : إذ لو كان دخيلا كان هو افتتاحها.

فانه يقال : أن الطهور من شرائط الصلاة لا أجزائها وفي الشرائط إنما يكون المعتبر تقيد الأجزاء بها وليست بأنفسها دخيلة في المأمور به والمسمى كما سيأتي تنقيح القول في ذلك في مبحث الشرط المتأخر.

لا يقال : انه في حديث" لا تعاد الصلاة إلا من خمس" أطلقت الصلاة على الفاقدة للطهارة والركوع والسجود فيعلم من ذلك عدم دخلها بالخصوص في المسمّى.

فانه يقال : أولاً : أن الاستعمال اعم من الحقيقة وأصالة الحقيقة إنما يرجع إليها مع الشك في المراد لامع معلوميته.

وثانيا : يمكن الالتزام بعدم دخالة الطهور فيها ، وعدم جريان الحديث في الصلاة غير الواجدة لطبيعي الركوع والسجود ، وانه مختص بما إذا أتى ولو بفرد واحد من الركوع مثلا ولم يأت بغيره من الأفراد وأما إذا لم يأت ولو بفرد واحد فهو باطل من جهة عدم كونه صلاة لا للحديث.

لا يقال : إن لازم ما ذكرت عدم كون صلاة الغرقى صلاة ، مع انه يطلق عليها الصلاة.

١٨٠