سعد السّعود

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

سعد السّعود

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات دار الذخائر للمطبوعان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٣

عادة الملوك في لفظ التغلب والقهر أو لعل المراد أنه لما كان الحال حال انتقام كان الخبر بها بلفظ قيل المبني بوصف كامل الرحمة والإنعام ولعل المراد أن هذا مما يريده جل جلاله عظمته وإجلاله إذا قال قلت فقال تعالى فقيل على سبيل أن هذا الأمر كان عندنا يسيرا في المقدور أو غير ما ذكرناه من الأمور ومنها أن (ابْلَعِي ماءَكِ) وكان الماء بعضه من الأرض وبعض من السماء فإنه لما صار في الأرض فقد اختص بها ولم يبق مضافا إلى غيرها ومنها أن أمرها ببلعه ولم يذهبه بنسف الرياح ولا بقوة حر الشمس ونحو ذلك من غير بلع فإن في ذلك تهديد لبني آدم فيما بعد أن يغرقوا إن الأرض تبلع ما يريد الله جل جلاله بلعه وإتلافه وأخذه فهي كالعبد الأسود ومنها أن إمساك السماء للماء بعد فتح أبوابه برهان عظيم على أنه جل جلاله قادر لذاته في الإتيان به وإذهابه ومنها أن لفظ (وَغِيضَ الْماءُ) بعد استفحاله وعلوه على كل عال ومنخفض بعد رحاله على وجه واحد وذهاب متعاضد من غير تدريج ولا تأخير عظيم في كريم وصف القدرة وكمال التدريج ومنها (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) وأن تحت هذه اللفظة من كيفية هلاكهم ومن العجائب الكثيرة ما قد امتلأت الأوراق بوصفه فأتى به جل جلاله بهذه اللفظة الواحدة واحتوت على كشفه ومنها استوت السفينة على الجودي ومن عادة السفن عند الأمواج أنها لا تقف مع الاستواء بل هي أقرب إلى الاضطراب والاعوجاج فكان استواؤها من الآيات الباهرات حيث لم يضرها ما كانت من المياه المختلفات ومنها في (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وما فيه من تهديد لمن سلك سبلهم في الهوى بالمرسلين وأنهم ما كفاهم الهلاك وشدة البوار والدمار حتى كانوا في باطن الأمر مطرودين عن باب يتبعه الراحم والبار بما فعلوه من الإصرار والاستكبار.

فصل فيما نذكره من الجزء الثالث من جمع الجوامع للطبرسي من أواخر الوجهة الأولى من القائمة السابعة من الكراس الحادي عشر ـ (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ

٨١

يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ).

قال الطبرسي ما هذا لفظه ـ (الْأَيْدِ) القوة على العبادة المضطلع بأعباء النبوة وقيل ذو القوة على الأعداء لأنه رمى بحجرة من مقلاعه صدر الرجل فأنفذها من ظهره فأصاب آخر فقتله يقال فلان أيد وذو أيد وذو آد وأياد كل شيء ما يتقوى به إنه أواب رجاع عن كل ما يكره الله إلى ما يحب وقيل سبح مطيع يسبحن حال واختير على مسبحات وإن كان في معناه ليدل على حدوث التسبيح من الجبال حالا بعد حال وكان داود إذا سبح جاوبه الجبال والطير بالتسبيح واجتمعت الطير مسبحة بذلك حشرها كل واحد من الجبال والطير له لأجل داود أي لأجل تسبيحه تسبح لأنها كانت تسبح بتسبيحه.

يقول علي بن موسى بن طاوس إن قيل إن أواب معناه كثير الرجوع وقد قال الطبرسي في تفسيره رجاع عن كل ما يكره الله إلى ما يحب فهل يتصرف من هذا ما يؤخذ على داود والجواب أن كل من قبل عنه أنه رجع عن شيء مما يلزم أنه دخل فيه فإن الرجوع الذي يتضمنه المدح لداود يقتضي أن يكون معصوما منزها عن الدخول فيما يكرهه الله أبدا ولو كان رجاعا بمعنى كثير الرجوع عما دخل فيه لكان ذلك متناقضا لمراد الله جل جلاله بمدحه وجواب آخر لعل معناه أنه ما عرض له غير الله إلا تركه ورجع إلى الله والعوارض لا تحصى للإنسان وجواب آخر لعله ما عورض له مندوبان أحدهما أرجح من الآخر إلا ترك المرجوح ورجع إلى الراجح وجواب آخر لعل المراد أن داود لما رأى أن الله جل جلاله لما انفرد بتدبيره قبل أن يجعل لداود اختيارا كان التدبير محكما وداود سليم من وجوه المعاتبات فلما جعل لداود اختيارا مع اختيار الله خاف داود من معارضة اختياره لاختيار الله تعالى كما جرى لآدم فكان سأل الله عزوجل الرجوع إلى تسليم اختياره إلى الله جل جلاله ليكون الاختيار لله تعالى فيكون تصرفاته صادرة إلهاما عن الله تعالى

٨٢

وتدبيره كما أنعم الله على سيدنا رسول الله (ص) في قوله جل جلاله ـ (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى).

أقول : وأما قوله عن الجبال والطير وتسبيحها فإني وقفت على كلام جماعة من علماء المتكلمين تنكر ذلك ويقولون إن معناه المراد به بلسان الحال وهذا الشيخ الطوسي كلامه يقتضي أنها كانت تسبح تسبيحا حقيقة خفيا واعلم أن الله جل جلاله قادر أن يجعل للجبال والطير تسبيحا على التحقيق إذ هو قادر لذاته ولا معنى لإنكار ذلك عند أهل التحقيق وظاهر لفظ المدح لداود بهذه الآيات وإفراده بها عن غيره من الأنبياء وذوي المقامات دلالة على أنها كانت تسبح على الحقيقة كما يلزم أن الحصى سبح في كف سيدنا رسول الله (ص) على الحقيقة ولعل قد سمعنا من الطيور كالببغاء وغيرها كلاما واضح البيان وما يجوز أن ننكر ما قد شهد صريح القرآن ولو كان المراد لسان الحال كان كل مسبح من العباد فإن لسان حال الحمار يسبح معه بهذا التفسير وما كان ينبغي لداود زيادة فضيلة في هذا المدح الكبير ولو كان أيضا المراد أن من رأى الجبال والطير يسبح الله وينزهه وتكون الإشارة إلى المسبحين حيث إن الجبال والطير سبب للتسبيح من المكلفين وهذا تكلف ممن قاله خارج من التأويل مع إمكان حمله على حقيقته وحيف على كلام الله المقدس الجليل.

فصل فيما نذكره من المجلد الأول من تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم من الوجهة الثانية من القائمة السادسة من الكراس الثالث وقوله (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) فقال العالم هو الذي ابتلاه الله به مما أراه الله في نومه بذبح ابنه فأتمها إبراهيم وعزم عليها فلما عزم وسلم الأمر لله قال الله (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ) إبراهيم (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ) الله (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أي لا يكون بعدي إمام ظالم ثم أنزل عليه الحنيفية وهي الطهارة عشرة أشياء خمسة منها في الرأس وخمسة منها في البدن فأما التي في الرأس فقص الشارب وإعفاء اللحية

٨٣

وطم الشعر والسواك والخلال وأما التي في البدن فحلق الشعر من البدن والختان وتقليم الأظفار والغسل من الجنابة والطهور بالماء فهي الحنيفية التي جاء بها إبراهيم فلم تنسخ ولا تنسخ إلى يوم القيامة وهو قول رسول الله (ص) (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً).

يقول علي بن موسى بن طاوس الأخبار وردت مختلفة في هذه العشرة فذكر أبو جعفر محمد بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه الخمس التي في الرأس المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب والفرق لمن طول شعر رأسه وأما التي في الجسد الاستنجاء والختان وحلق العانة وقص الأظفار ونتف الإبطين ذكر ذلك في باب السواك من أوائل الجزء الأول وأما قوله جل جلاله (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فإن قيل إذا كان العهد الإمامة فقد نالها معاوية بن أبي سفيان ويزيد وبنو أمية وهم ظالمون :

والجواب أن عهد الله جل جلاله وإمامته ما نالها ظالم أبدا وليس من كان ملجأ بالتغلب يكون قد نال عهد الله فإن ملوك الأكاسرة والقياصرة وغيرهم من الكفار وقد ملكوا أكثر مما ملك كثير من أئمة المسلمين وهم في مقامهم منازعين لله تعالى ومحاربين فكذا كل ظالم يكون عهد الله وإمامته ممنوعة منه منزهة عنه وفيه إشارة باهرة إلى أن الإمامة تكون من اختيار الله تعالى دون اختيار العباد لأن العباد إنما يختارون على ظاهر الحال ولعل باطن من يختارونه يكون فيه ظلم وكثير من سوء الأعمال فإذا كان الظلم مطلقا مانعا من عهد الله تعالى وإمامته فلم يبق طريق إلى معرفة الذي ينال عهد الله تعالى إلا بمن يطلع على سريرته أو يطلعه الله تعالى على سلامته من الظلم في سره وعلانيته

فصل فيما نذكره من الجزء الثاني من تفسير علي بن إبراهيم وهو من جملة المجلد الأول في ثاني الوجهة من القائمة الأولى من الكراس التاسع عشر بلفظه وأما قوله (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ

٨٤

مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) حدثني علي بن إبراهيم عن أبيه عن حسنان عن أبيه عن أبي جعفر قال قال رسول الله (ص) إن مقامي بين أظهركم خير لكم ومفارقتي إياكم خير لكم فقام رجل فقال يا رسول الله أما مقامك بين أظهرنا فهو خير لنا فكيف يكون مفارقتك لنا خيرا لنا فقال (ص) أما مقامي بين أظهركم خير لكم فإن الله يقول (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) وأما مفارقتي لكم خير لكم فإن أعمالكم تعرض علي كل إثنين وكل خميس فما كان من حسنة حمدت الله عليها وما كان من سيئة استغفرت الله لكم.

يقول علي بن موسى بن طاوس ولعل للكلام بعض التمام فإن السيئات التي يصح أن يستغفر عنها (ص) لأمته بعد الوفاة لعلها لو كانت في الحياة كالردة لأجل حضوره ولأجل المواجهة له بنقض تدبيره فلما وقعت في حال انتقاله إلى كرم الله صارت وقائعها دون المجاهرة لجلالتها وأمكن الاستغفار له من أمته وإنما قلت لمن يصح الاستغفار من فرق المسلمين لأن فيهم من يكفر بعضهم بعضا ويمنعون الاستغفار له ولا يجيزون العفو عنه على أحكام الكافرين ولأن بعض المعتزلة يذهب إلى أن من مات فاسقا من هذه الأمة فهو مخلد في النار أبد الآبدين واعلم أن الاستغفار على ظاهر هذه الآية الشريفة كالأمان المحقق من عذاب الاستئصال وهي عناية من الله لنبيه (ص) أو جعل لأمته ذريعة بعد فقده إلى مثل هذه الآمال والإقبال وللاستغفار شروط يعرفها من عرف عيوب الذنوب الأعمال من أسرها أن تكون عنده ما يستغفر من الذنوب أو من الخوف على قدر الذنب وعلى قدر جلالة علام الغيوب ويكون كالمذهول المرعوب

فصل فيما نذكره من الجزء الثالث من تفسير علي بن إبراهيم وهو أول المجلد الثاني من الوجهة الثانية من القائمة العاشرة من الكراس الثامن عشر من أصل المجلد وتقصر على المراد منه وقوله (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) فإنها نزلت بمكة بعد أن نبئ رسول

٨٥

الله بثلاث سنين وذلك أن رسول الله (ص) نبئ يوم الإثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء ثم أسلمت خديجة بنت خويلد زوجة النبي ثم أسلم جعفر بن أبي طالب وزيد وكان يصلي رسول الله بعلي وجعفر وزيد وخديجة خلفهم وقال المستهزءون برسول الله خمسة الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وهو أبو ربيعة ومن بني زهرة الأسود بن عبد يغوث والحرث بن الطلاطلة الخزاعي فأشار جبرئيل وهو عند النبي إلى الوليد بن المغيرة فانفجر جرح كان في قدمه فنزف الدم حتى مات وأما الأسود فكان رسول الله قد دعا عليه بعمى بصره فأشار إليه جبرئيل فعمي بصره ومات وأشار جبرئيل إلى أسود بن عبد يغوث فاستسقى وانشق بطنه ومات ومر العاص بن وائل بجبرئيل فأشار إلى قدمه فدخل فيها شيء فورمت ومات ومر ابن الطلاطلة بجبرئيل فتفل جبرئيل في وجهه فأصابته السماء فاحترق واسود وجهه حتى رجع إلى أهله فقالوا لست صاحبنا وطردوه فأصابه العطش حتى مات ثم ذكر دعوة النبي (ص) لقريش والعرب ونفورهم عنه وحفظ أبي طالب له وحمايته عنه.

يقول علي بن موسى بن طاوس وقال جدي الطوسي في التبيان إن المستهزءين خمسة نفر من قريش الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأبو ربيعة وأسود بن عبد يغوث والحرب بن عبطلة في قول سعيد بن جبير وقيل أسود بن عبد المطلب واعلم أن هذا مما يتعجب منه ذوو الألباب أن يكون قوم من العقلاء عاكفين على عبادة الأحجار والأخشاب مما لا ينفع ولا يدفع وهم قد صاروا بعبادتها ضحكة لكل عاقل وموضع الاستهزاء لكل جاهل فيأتي رسول الله فيقول اعبدوا خالق هذه الأحجار والأخشاب وهم يعلمون أنها ما خلقت نفوسها لأنهم يحكمون عليها بما يريدون من عمارة وخراب فيضحكون منه ويستهزءون به وينفرون عنه ويسمعون أيضا لسان حالها أنها تقول لهم إن كنت آلهة لكم فاقبلوا مني فأنتم تروني محتاجة إلى من يحفظني ومحتاجة إلى من ينقلني ومحتاجة

٨٦

إلى كل شيء يحتاج مثلي إليه فاعبدوا من أنا وأنتم محتاجون إليه ومن خلقنا وهو يتصرف فينا وما نقدر على الامتناع عليه فلا يقبلون أيضا من هذه الإشارات العقلية وقد كان ينبغي العقل أنه لمن قال لهم النبي (ص) اتركوا عبادتها بالكلية واستريحوا من العبادة واشتغلوا باللذات الدنيوية أن يقبلوا منه ويشهد عقولهم أن الحق فيما قاله وإلا نفروا عنه فيه بالسعادة الدائمة الصافية التي لا تشهد العقول باستحالتها وترجى على أقل المراتب رجاء يحتمل أن يكون صاحبه ظافرا بالمطالب فلا ينفع معهم في الانتقال عما لا ينفع على اليقين بل هو جنون لا تبلغ إليه الدواب ولا غير المكلفين فإنها جميعها ما تقصد إلا ترجوا نفعه أو دفعه فاحذر أيها العاقل هذه العثرة الهائلة التي كان منشؤها حب النشء والتقليد للآباء وطلب الرئاسة حتى عمي العقل منهم البصر والقلب وصاروا في ظلمات ذاهلة وهلكات هائلة.

فصل فيما نذكره من الجزء الرابع من تفسير علي بن إبراهيم وهو الجزء الثاني من المجلد الثاني وجميع الكتاب أربعة أجزاء في مجلدين والذي ننقله من الوجهة الثانية من القائمة الثالثة من الكراس السابع والثلاثين من الكتاب بلفظه وأما قوله (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) فإنه حدثني جدي علي بن إبراهيم عن أبيه عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث قال قال أبو عبد الله يا حفص والله ما أنزلت الدنيا من نفسي إلا منزلة الميتة إذا اضطررت إليها أكلت منها يا حفص إن الله تبارك وتعالى علم ما العباد عليه عاملون وإلى ما هم صائرون فحلم عنهم عند أعمالهم السيئة لعلمه السابق فيهم وإنما يعجل من لا يعلم فلا يغررك حسن الطلب ممن لا يخاف الفوت ثم تلى قوله (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) وجعل يبكي ويقول ذهبت الأماني عند هذه الآية ثم قال فاز والله الفائزون الأبرار أتدري من هم هم الذين لا يؤذون الذر كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا ـ

٨٧

يا حفص إن الله يغفر للجاهلين سبعين ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنبا واحدا من تعلم وعلم وعمل بما علم دعي في ملكوت السماوات عظيما فقيل تعلم لله وعمل لله وعلم لله قلت جعلت فداك فما حد الزهد في الدنيا فقال حد الله ذلك في كتابه فقال ـ (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) إن أعلم الناس بالله أخوفهم لله وأخوفهم له وأعلمهم به وأعلمهم به أزهدهم فيها فقال له رجل يا ابن رسول الله أوصني فقال (ع) اتق الله حيث كنت فإنك لا تستوحش.

يقول علي بن موسى بن طاوس رأيت في تفسير الطبرسي عند ذكر هذه الآية قال وروي عن أمير المؤمنين أنه قال إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها واعلم أن في هذا الحديث الذي رواه علي بن إبراهيم والآية الشريفة أمورا ينبغي للعاقل الاستظهار لمهجته في السلامة منها بغاية طاقته.

منها قوله تعالى (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) فقد صار الحرمان من الجنان متعلقا بإرادة العلو والعصيان قبل مباشرته بالجنان أو الأركان وهذا حال خطر عظيم الشأن فليحفظ الإنسان بالله جل جلاله سرائر قلبه وتطهيره بالله والتوبة والاستغفار من مهالك دينه ومنها قوله (ع) أنه نزل الدنيا منزلة الميتة يأكل منها كل مضطر وهذا حال عظيم يدل عليه العقل المستقيم لأنها شاغلة عن الله وعليه وعد الآخرة فإذا لم يعرف الإنسان قدر ما يريد الله أن يأخذ منها فلتكن كالميتة عنده فهو يسير في طلب السعادة الدائمة الباهرة أو حفظ حرمة الله القاهرة فإن لم يعرف العبد ما ذكر (ع) فليستعن الإنسان بالله تعالى في تعريفه بمراده أما بالإلهام أو طريق من طرق إرشاده ومنها أن قوله (ع) إن الله علم ما هم إليه صائرون فحلم عنهم وهو معنى شريف لأن الله تعالى أحاط علما بالذنب وعقوبته فهو يرى من أفق علم الغيوب أهل الذنوب في المعنى وهم في العذاب والنيران وأنهم ساعون إلى الهلاك والهوان والغائب عنه كالحاضر

٨٨

في علمه لذاته فحلم عن المعاجلة إذ هو محيط بها والعبد محجوب عن خطر ذنوبه بغفلاته ومنها قوله (ع) ذهبت الأماني عند هذه الآية وكيف لا تذهب الأماني صريحة بذكر شرط استحقاق المقام بدار النعيم ومن هذا يسلم ركوب هذا الخطر العظيم وكيف تسلم القلوب من إرادة مخالفة للمطلع عليها ومزيدة لما لا يريد هو جل جلاله صرف الإرادة إليها أعان الله تعالى على قوة تطهير القلوب من سواه وتحميها أن تحرز منها ما لا يرضاه ومنها أن الأبرار لا يؤذون الذرة كيف يكون حال من لا يخلو من أذى نفسه وهي ملك الله وأذى غيره مما فوق الذرة والتهوين بالله المطلع على سره ونجواه ومثل على التحقيق لأن أذى الذر وغيرها لغير مراد الله المالك الشفيق عبث وفساد وخلاف سبيل التوفيق ومنها قوله (ع) إنه يغفر للجاهل سبعين ذنبا قبل الغفران للعالم ذنب واحد فهو واجب للعقول لأن الجاهل ما جاهر الله في حفرة ذكره ولا عرفه جيدا ولا عرف قدر الذنب جيدا فهو يعصي من وراء ستارة جهله والعالم بالله العامل بالمجاهرة بمعصية الله كالمستخف والمستهزئ بالمطلع علم الذاكر أنه بين يديه وكم بين من يعصي سلطانا خلف بابه وبين من يعصيه مواجهة غير مكترث لغضبه وعقابه ومستخف بحضرته وأذاه لا حول ولا قوة إلا بالله ومنها قوله (ع) إن حد الزهد أن (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) وهذا شرط هائل وخطر ذاهل وما أرى هذا يصح إلا لمن لا يكون له إرادة مع مولاه بل يكون متصرفا في الدنيا كالخازن والوكيل وإنما يتصرف به جل جلاله ولله تعالى ومنفذ أوامره الشريفة فيما يرضاه وهو يحتاج إلى قوة ربانية ورحمة إلهية ومنها قوله (ع) اتق الله حيث كنت فإنك لا تستوحش وللأمر على هذه الوصية لأن المتقي للعظمة الإلهية قوى بها غريزتها مستغن بها مستأنس بها جليس لها محمي بها فمن ذا يقدر أو يقوى عليها حتى توحش من انضم بقلبه وقالبه إليها وكيف يستوحش من ظفر بإقبال الله تعالى عليها وهو يريد المخلوق من التراب بدلا أو جلسا

٨٩

أو مؤنسا أخرى مع وجود كلما يريد من رب الأرباب واسعوه من هو به تعالى من ذوي الألباب.

فصل فيما نذكره من المجلد الأول من تأويل ما أنزل من القرآن الكريم في النبي (ص) تأليف أبي عبد الله محمد بن العباس بن علي بن مروان المعروف بالحجام وهو مجلد قالب النصف فيه خمسة أجزاء مما نقله من الوجهة الأولى من القائمة التاسعة من الكراس الرابع من الجزء الأول بلفظه حدثنا محمد بن القاسم بن عبد بن سالم البخاري قال حدثنا جعفر بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب قال حدثنا يحيى بن هاشم عن جعفر بن سليمان عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال أهديت إلى رسول الله (ص) قطيفة منسوجة بالذهب أهداها له ملك الحبشة فقال رسول الله (ص) لأعطيها رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فمد أصحاب محمد رسول الله أعناقهم إليها فقال رسول الله (ص) أين علي قال عمار بن ياسر فلما سمعت ذلك وثبت حتى أتيت عليا (ع) فأخبرته فجاء فدفع رسول الله القطيفة إليه فقال أنت لها فخرج بها إلى سوق المدينة فنقضها سلكا سلكا فقسمها في المهاجرين والأنصار ثم رجع (ع) إلى منزله وما معه منها دينار فلما كان من غد استقبله رسول الله (ص) فقال يا أبا الحسن أخذت أمس ثلاثة آلاف مثقال من ذهب فأنا والمهاجرون والأنصار نتغدى غدا عندك فقال علي (ع) نعم يا رسول الله فلما كان الغد أقبل رسول الله (ص) في المهاجرين والأنصار حتى قرعوا الباب فخرج إليهم وقد عرق من الحياء لأنه ليس في منزله قليل ولا كثير فدخل رسول الله (ص) ودخل المهاجرون والأنصار حتى جلسوا ودخل علي وفاطمة فإذا هم بجفنة مملوءة ثريدا عليها عراق يفور منها ريح المسك الأذفر فضرب علي (ع) بيده عليها فلم يقدر على حملها فعاونته فاطمة على حملها حتى أخرجها فوضعها بين يدي رسول الله فدخل (ص) على فاطمة فقال أي بنية (أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ) يا أبت (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ

٩٠

حِسابٍ) فقال رسول الله والحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى رأيت في ابنتي ما رأى زكريا في مريم بنت عمران فقالت فاطمة يا أبت أنا خير أم مريم فقال رسول الله أنت في قومك ومريم في قومها.

يقول علي بن موسى بن طاوس وروي في هذا الجزء عقيب هذا الحديث حديث نزول الجفنة الإلهية من خمس طرق غير ما ذكرناه وذكرها أيضا الزمخشري في تفسيره المسمى بالكشاف ورويناه في كتاب الطرائف من غيرهما واعلم أن الذي وهب الله من المعرفة لهم به والعمل له والمباهلة والتطهير لهم أعظم من هذا الجفنة عند أهل الإنصاف.

فصل فيما نذكره من المجلد الأول من الجزء الثاني منه وفي آية المباهلة بمولانا علي وفاطمة والحسن والحسين (ع) لنصارى نجران رواه من أحد وخمسين طريقا عمن سماه من الصحابة وغيرهم رواه عن أبي الطفيل عامر بن وائلة وعن جرير بن عبد الله السجستاني وعن أبي قيس المدني وعن أبي إدريس المدني وعن الحسن بن مولانا علي وعن عثمان بن عفان وعن سعد بن أبي وقاص وعن بكر بن مسمار [سمال] وعن طلحة بن عبد الله وعن الزبير بن العوام وعن عبد الرحمن بن عوف وعن عبد الله بن العباس وعن أبي رافع مولى رسول الله (ص) وعن جابر بن عبد الله وعن البراء بن عازب وعن أنس بن مالك وعن المنكدر بن عبد الله عن أبيه وعن علي بن الحسين (ع) وعن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق وعن الحسن البصري وعن قتادة وعن علباء بن أحمر وعن عامر بن شراحيل الشعبي وعن يحيى بن نعمان وعن مجاهد بن جبير المكي وعن شهر بن حوشب ونحن نذكر حديثا واحدا فإنه أجمع وهو من أول الوجهة الأولى من القائمة السادسة من الجزء الثاني بلفظه ـ المنكدر بن عبد الله عن أبيه حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن سعيد البزاز قال حدثنا محمد بن الفيض بن فياض أبو الحسن بدمشق قال حدثني عبد الرزاق بن همام الصنعاني قال حدثنا عمر بن راشد قال حدثنا

٩١

محمد المنكدر عن أبيه عن جده قال لما قدم السيد والعاقب أسقف نجران في سبعين راكبا وفدا على النبي (ص) كنت معهم وكرز يسير وكرز صاحب نفقاتهم فعثرت بغلتهم فقال تعس من تأتيه يريد بذلك النبي (ص) فقال له صاحبه وهو العاقب بل تعست وانتكست فقال ولم ذلك قال لأنك أتعست النبي الأمي أحمد قال وما علمك بذلك قال أما تقرأ المصباح الرابع من الوحي إلى المسيح أن قل لبني إسرائيل ما أجهلكم تتطيبون بالطيب لتطيبوا به في الدنيا عند أهلها وإخوانكم عندي جيف كجيفة الميتة يا بني إسرائيل آمنوا برسولي النبي الأمي الذي يكون في آخر الزمان صاحب الوجه الأقمر والجمل الأحمر المشرب بالنور ذي الجناب الثبات الحسن والثياب الخشن سيد الماضين عندي وأكرم الباقين علي المستن بسنتي والصابر في ذات نفسي دار جنتي والمجاهد بيده المشركين من أجلي فبشر به بني إسرائيل ومر بني إسرائيل أن يعزروه وينصروه قال عيسى قدوس قدوس من هذا العبد الصالح الذي أحبه قلبي ولم تره عيني قال هو منك وأنت منه وهو صهرك على أمك قليل الأولاد كثير الأزواج يسكن مكة من موضع أساس وطء إبراهيم نسله من مباركة وهي ضرة أمك في الجنة له شأن من الشأن تنام عيناه ولا ينام قلبه يأكل الهدية ولا يقبل الصدقة له حوض من شفير زمزم إلى مغرب الشمس حيث يغرف فيه شرابان من الرحيق والتسنيم فيه أكاويب عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا وذلك بتفضيلي إياه على سائر المرسلين يوافق قوله فعله وسريرته علانيته فطوباه وطوبى أمته الذين على ملته يحيون وعلى سنته يموتون ومع أهل بيته يميلون آمنين مطمئنين مباركين يكون يظهر في زمن قحط وجدب فيدعوني فيرخي السماء يوعز إليها حتى يرى أثر بركاتها في أكنافها ويبارك فيما يضع يده فيه قال إلهي سمه قال نعم هو أحمد وهو محمد رسولي إلى الخلق كافة أقربهم مني منزلة وأخصصهم مني شفاعة لا يأمر إلا بما أحب ولا ينهى إلا عما أكره قال له صاحبه فأين تقدم على من هذه صفته بنا قال

٩٢

نشهد أقواله وننظر آياته فإن يكون هو ساعدناه بالمسالمة بأموالنا عن أهل ديننا من حيث لا يشعر بنا وإن يكن كذابا كفيناه بكذبه على الله قال له صاحبه ولم إذا رأيت العلامة لا تتبعه قال أما رأيت ما فعل بنا هؤلاء القوم مكرمونا ومولونا ونصبوا كنائسنا وأعلوا فيها ذكرنا فكيف تطيب النفس بدين يستوي فيه الشريف والوضيع فلما قدموا المدينة قال من يراهم من أصحاب رسول الله (ص) ما رأينا وفدا من وفود العرب كانوا أجمل من هؤلاء لهم شعور وعليهم ثياب الحبر وكان رسول الله (ص) متنائي عن المسجد فحضرت صلاتهم فقاموا يصلون في مسجد رسول الله تلقاء المشرق فهم رجال من أصحاب رسول الله (ص) بمنعهم فأقبل رسول الله فقال دعوهم فلما قضوا صلاتهم جلسوا إليه وناظروه فقالوا يا أبا القاسم حاجنا في عيسى فقال عبد الله ورسوله وكلمة (أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) فقال أحدهم بل هو ولده وثاني اثنين وقال آخر بل ثالث ثلاثة أب وابن وروح قدس وقد سمعناه في قرآن نزل عليك يقول فعلنا وجعلنا وخلقنا ولو كان واحدا لقال خلقت وجعلت وفعلت فتغشى النبي الوحي ونزل عليه صدر سورة آل عمران إلى قوله رأس الستين منها ـ (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) فقص عليهم رسول الله القصة وتلا عليهم القرآن فقال بعضهم لبعض قد والله أتاكم بالفصل من خبر صاحبكم وقال لهم رسول الله إن الله قد أمرني بمباهلتكم فقالوا إذا كان غدا باهلناك فقال القوم بعضهم لبعض حتى ننظر بمن يباهلنا غدا بكثرة أتباعه من أوباش الناس أم بأهله من أهل الصفوة والطهارة فإنهم وشيج الأنبياء وموضع بهلهم فلما كان من غد غدا رسول الله بيمينه علي وبيساره الحسن والحسين ومن ورائهم فاطمة عليهم الحلل النجرانية وعلى كتف رسول الله كساء قطواني رقيق خشن ليس بكثيف ولا لين فأمر بشجرتين بعضهن فكسح ما بينهما ونشر الكساء عليهما وأدخلهم تحت

٩٣

الكساء وأدخل منكبه الأيسر معهم تحت الكساء معتمدا على قوسه اليقع [النبع] ورفع يده اليمنى إلى السماء للمباهلة وأشرف الناس ينظرون واصفر لون السيد والعاقب وزلزلا حتى كاد أن يطيش عقولهما فقال أحدهما لصاحبه أنباهله قال أوما علمت أنه ما باهل قوم قط نبيا فنشأ صغيرهم وبقي كبيرهم ولكن أره أنك غير مكترث وأعطه من المال والسلاح ما أراد فإن الرجل محارب وقل له أبهؤلاء تباهلنا لئلا يرى أنه قد تقدمت معرفتنا بفضله وفضل أهل بيته فلما رفع النبي يده إلى السماء للمباهلة قال أحدهما لصاحبه وأي رهبانية دارك الرجل فإنه إن فتح فاه ببهلة لم نرجع إلى أهل ولا مال فقالا يا أبا القاسم أبهؤلاء تباهلنا قال (ص) نعم هؤلاء أوجه من على وجه الأرض بعدي إلى الله وجهة وأقربهم إليه وسيلة قال فبصبصا يعني ارتعدا وكرا قالا يا أبا القاسم نعطيك ألف سيف وألف درع وألف جحفة وألف دينار في كل عام على أن الدرع والسيف والجحف عندك إعارة حتى نأتي شيء من ورائنا من قومنا فنعلمهم بالذي رأينا وشاهدنا فيكون الأمر على ملإ منهم فأما الإسلام أو الجزية والمقاطعة في كل عام فقال النبي (ص) قد قبلت منكما أما والذي بعثني بالكرامة لو باهلتموني بمن تحت الكساء لأضرم الله عليكم الوادي نارا تأججا ثم يساقها إلى من وراءكم في أسرع من طرف العين فيحرقهم فهبط عليه جبرئيل الأمين فقال يا محمد إن الله يقرئك السلام ويقول لك وعزتي وجلالي لو باهلت بمن تحت الكساء أهل السماء وأهل الأرض لتساقطت عليهم السماء كسفا متهافتة ولتقطعت الأرضون زبرا سابحة فلم يستقر عليها بعد ذلك فرفع النبي يديه حتى رئي بياض إبطيه ثم قال على من ظلمكم حقكم بحكم الأجر الذي افترضه الله عليهم فيكم بهلة تتابع إلى يوم القيامة.

يقول علي بن موسى بن طاوس قد مضى هذا الحديث لأن يبدأ رسول الله غدا بيمينه علي وبيساره الحسن والحسين ومن ورائهم فاطمة (ع) وروي من عدة طرق أنه أخذ بيمينه الحسن وبيساره الحسين وفاطمة

٩٤

وراءه ومولانا علي وراءها والحديثان صحيحان فإنه (ص) خرج ذلك اليوم ضاحي النهار عن منزله وكان بين منزله وبين الموضع الذي باهله فيه تباعد يحتمل أنه كان من يصحبهم في طريقه ومحارسته على صفات مختلفات بحسب ما تدعو له الحاجة في المخاطبات منه لهم وخلو الطرقات فحكى كل راو ما رواه.

أقول ومضى في الحديث أن السيد والعاقب عرفا أنه نبي صادق وخالفاه وربما تعجب أحد كيف تقع المخالفة مع المعرفة على اليقين وهذا كثير في القرآن بشهادة رب العالمين قال جل جلاله (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) وقال تعالى ـ (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا).

أقول ومضى في الحديث أنه (ع) قال بهلة الله على من ظلمهم وبخسهم إلى آخره وربما يقال إن الذين ظلموهم ما هلكوا واعلم أن المباهلي إلى أن قال (ص) فقال له جبرائيل إنها تقتضي الهلاك وإنما كانت تكون بين اثنين مباهل له (ص) ويباهلهم هو ليقع الهلاك العاجل والذين ظلموهم كانوا مباهلين له وكانوا في خفارهم أنهم آخر الأمم وأن في أصلاب كثير منهم ذرية مرضية فتأخر عنهم استئصال المعاجلة الإلهية أقول واعلم إن حصل إنصاف لهؤلاء الذين اختصت بهم مباهلة رب العالمين وسيد المرسلين ولو عرف كل مطلع على أخبارهم كيف نزل الله ورسوله عند ضيق الحجة والبرهان جميع القرابة والصحابة وأهل العلم منهم والجهاد والإيمان ولم يكن إلا واحد يدخل مع هؤلاء في مباهلة لكان في ذلك من التعظيم لهم والتمسك بهم ما يظفر كل إنسان بعد ذلك بسعادة في دنياه وآخرته

فصل فيما نذكره من الجزء الثالث من الكتاب المذكور من الوجهة الثانية من أول قائمة منه قوله جل وعز (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ).

يقول علي بن موسى بن طاوس إنما ذكرت هذه الآية الشريفة مع شهرتها أنها نزلت في مولانا علي لأني وجدت صاحب هذا الكتاب ـ

٩٥

قد رواها بزيادات عما كنا وقفنا عليه وهو أنه رواها من تسعين طريقا بأسانيد متصلة كلها أو جلها من رجال المخالفين لأهل البيت.

أقول : وممن سمى صاحب الكتاب من رواة هذا الحديث مولانا علي وعمر بن لخطاب وعثمان بن عفان وزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبد الله وعبد الله بن العباس وأبو رافع مولى رسول الله وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبو ذر والخليل بن مرة وعلي بن الحسين وأبو جعفر محمد بن علي وجعفر بن محمد وأبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ومجاهد بن جبير المكي ومحمد بن السري وعطاء بن السائب وعبد الرزاق ومن يذكر من التسعين طريقا لأنه أحاديث كل حديث غير الآخر فالحديث الأول أوله من الوجهة الثانية من القائمة الخامسة من أول الجزء الثالث بلفظه ـ أبي رافع مولى رسول الله (ص) حدثنا علي بن أحمد قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق الراشدي قال حدثنا يحيى بن هاشم المعالي حدثني محمد بن عبد الله بن علي بن أبي رافع عن عون بن عبد الله عن أبيه عن جده إلى أبي رافع قال دخلت على رسول (ص) وهو نائم أو يوحى إليه فإذا حية في جانب البيت فكرهت أن أقتلها فأيقظته وظننت أنه يوحى إليه فاضطجعت بينه وبين الحية لئن كان منها سوء يكون إلى دونه قال فاستيقظ النبي وهو يتلو هذه الآية ـ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) ثم قال الحمد لله الذي أكمل لعلي نعمة وهنيئا لعلي بتفضيل الله قال ثم التفت إلي فقال ما يضجعك هاهنا فأخبرته الخبر فقال لي قم إليها فاقتلها قال فقتلتها ثم أخذ رسول الله بيدي فقال يا أبا رافع ليكونن علي منك بمنزلتي غير أنه لا نبي بعدي إنه سيقاتل قوما يكون حق في الله جهادهم فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه فمن لم يستطع بلسانه فجاهدهم بقلبه ليس وراء ذلك شيء وهو على الحق وهم على الباطل قال ثم خرج وقال أيها الناس من كان يحب أن ينظر إلى أميني يعني أبا رافع قال محمد بن عبيد الله فلما بويع علي بن أبي طالب وسار

٩٦

طلحة والزبير إلى البصرة وخالفه معاوية وأهل الشام قال أبو رافع هذا قول رسول الله (ص) إنه سيقاتل قوما يكون حقا في الله جهادهم فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه ليس وراء ذلك فباع أبو رافع داره وأرضه بخيبر ثم خرج مع علي (ع) بقبيلته وعياله وهو شيخ كبير ابن خمس وثمانين سنة ثم قال الحمد لله لقد أصبحت وما أعلم أحدا بمنزلتي لقد بايعت البيعتين بيعة العقبة وبيعة الرضوان ولقد صليت القبلتين وهاجرت الهجر الثلاث فقيل وما الهجر الثلاث قال هجرة مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي إذ بعثه رسول الله وهجرة إلى المدينة مع رسول الله وهذه هجرة مع علي بن أبي طالب إلى الكوفة ثم لم يزل معه حتى استشهد أمير المؤمنين ورجع أبو رافع مع الحسن إلى المدينة ولا دار له ولا أرض فقسم له الحسن (ع) دار علي بن أبي طالب نصفين وأعطاه بينبع أرضا أقطعها إياه فباعها عبيد الله بن أبي رافع بعد من معاوية بمائتي ألف درهم وستين ألفا وأما الحديث الثاني من الكتاب المذكور من الجزء الثالث منه فهو من الوجهة الثانية من القائمة الخامسة عشر من الجزء المذكور بلفظه ما روي في نقش الخاتم الذي تصدق به علي (ع) وهو راكع حدثنا علي بن زهر الصيرفي قال حدثنا أحمد بن منصور قال حدثنا عبد الرزاق قال كان خاتم علي (ع) الذي تصدق به وهو راكع حلقة فضة فيها مثقال عليها منقوش الملك لله. وأما الحديث من الجزء الثالث المذكور بلفظه حدثنا الحسن بن محمد بن يحيى العلوي قال حدثنا جدي يحيى بن الحسن قال حدثنا أبو بريد أحمد بن يزيد قال حدثنا عبد الوهاب بن حازم عن مخلد بن الحسن قال قال عمر بن الخطاب أخرجت من مالي صدقة يتصدق بها علي وأنا راكع أربعا وعشرين مرة على أن ينزل في ما نزل في علي فما نزل.

فصل فيما نذكره من الجزء الرابع منه من الوجهة الأولى من القائمة التاسعة والثلاثين من الجزء المذكور قوله جل وعز ـ (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى

٩٧

اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) روي من اثني عشر طريقا أن الأعمال تعرض على رسول الله (ص) بعد وفاته وفي عدة روايات منها أن المؤمنين المذكورين في الآية الذين تعرض الأعمال عليهم هم الأئمة من آل محمد (ص) ونحن نذكر من طرقه طريقا واحدا بلفظها ـ أخبرنا عبد الله بن العلاء الأرجاني عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أن عمار بن ياسر قال لرسول الله (ص) وددت أنك عمرت فينا عمر نوح فقال رسول الله يا عمار حياتي خير لكم ووفاتي ليس بشر لكم أما في حياتي فتحدثون وأستغفر الله لكم وأما بعد وفاتي فاتقوا الله وأحسنوا الصلاة علي وعلى أهل بيتي وإنكم تعرضون علي بأسمائكم وقبائلكم فإن يكن خيرا حمدت الله وإن يكن سوى [سوء] ذلك استغفرت الله لذنوبكم فقال المنافقون والشكاك والذين في قلوبهم مرض يزعم أن الأعمال تعرض عليه بعد وفاته بأسماء الرجال وأسماء آبائهم وأنسابهم إلى قبائلهم إن هذا لهو الإفك فأنزل الله عزوجل ـ (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) فقيل له ومن المؤمنون قال عامة وخاصة أما الذي قال الله عزوجل والمؤمنون منهم فهم آل محمد الأئمة قال (وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من طاعة الله وتفريضه [ومعصيته].

يقول علي بن موسى بن طاوس إن استبعاد المنافقين لعرض الأعمال عليه (ص) في غير موضع الاعتراض عليه لأنهم يرون الأرواح تفارق الأجساد على العيان والأجساد باقية كما كانت ما تغير منها شيء في ظاهر الوجدان فهلا جوزوا عرض الأعمال على الأرواح كما يرون أن النائم كالميت وهو مع هذه الحالة يرى في منامه الأمور العظيمة التي يحتاج إلى زمان طويل في أوقات قليلة ولقد كان لهم في ظهور صدقه (ع) على تطاول الأزمان ما يقتضي التجويز وإلا تقدموا على الطعن بما يجوز فيما يجوز في الإمكان واعلم أن كل من صدق بأن الأعمال تعرض عليه يلزمه من الأدب معه (ع) بعد وفاته كما يلزمه الأدب لو كان بين يديه وكما يلزمه

٩٨

إذا علم أن حديثه ينتهي إليه وكما يلزمه على أقل المراتب إذا كان حديثه يبلغ إلى صديق يعز عليه أو إلى سلطان بلده مما يأخذ عليه أو عالم من علماء البلد إذا كان محتاجا إليه أو إلى عبد في داره يحفظ قلبه أن يتغير عليه فإذا سقطت حرمة ملك الجلالة فصاحب الرسالة عن هذه المراتب مع التصديق بعرض الأعمال عليه (ص) كان ذلك من جملة المصائب التي ينبغي أن يلبس العارف عليها ثياب السواد ويجلس على الرماد خوفا أن يكون دعواه للإيمان إنما تكون بمجرد اللسان كما قال الله جل جلاله ـ (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) وربما تطرق الأمة في الأخطار فإنه إذا لم يراع اطلاع رسول الله (ص) بعد اطلاع العالم بالأسرار إلى أن العقل والقلب والأذن قد عميت وصمت بالإصرار وصار صاحب هذه الأسباب يعتقد أنه حي وهو كبعض الدواب

فصل فيما نذكره من الجزء الخامس من المجلدة الأولى من الكتاب المذكور من الجهة الثانية من القائمة الخامسة عشرة منه قوله عزوجل ـ (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ).

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن طاوس وإنما ذكرنا هذه الآية مع ظهور أن المراد بالهادي مولانا علي (ع) وقد ذكرنا في الطرائف من طريق المخالف في ذلك ما يعتمد عليه لأن صاحب هذا الكتاب روى أن الهادي علي (ع) روى ذلك من خمسين طريقا ونحن نذكر منها طريقا واحدا بلفظه ـ حدثنا علي بن أحمد قال حدثنا الحسن بن عبد الواحد حدثنا الحسن بن الحسين عن محمد بن بكر ويحيى بن مساور عن أبي الجارود الهمداني عن أبي داود السبيعي عن أبي بردة الأسلمي عن النبي (ص) (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) قال فوضع يده على منكب علي (ع) فقال هذا الهادي من بعدي.

يقول علي بن موسى بن طاوس كان ظاهر رجوع الصحابة إلى مولانا علي (ع) فيما يشكل عليهم بعد النبي (ص) كاشفا عن أن الهادي

٩٩

هو مولانا علي (ع) وإظهاره على رءوس الأشهاد وعلى المنابر بين الأضداد والحساد سلوني قبل أن تفقدوني ومعرفته بكل جواب شاهد صريح بما تضمنه صريح الكتاب وتعريفه تأييد الخلائق وصفات الملائكة والسماوات والأرضين [وأثار] وأثاب الله في المغارب والمشارق وشرحه ما ألقى رسول الله إليه من الحوادث التي جرت عليه والحوادث التي جرت في الإسلام والمسلمين وتسمية الملوك والوقائع التي جرت بين المختلفين شهود عدول أنه هو المقصود بالهداية بعد النبي (ص) وأما قوله (لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) فكل من عرف أنه هو الهادي على اليقين عرف أن الهداية في عترته الطاهرين.

فصل فيما نذكره من الجزء الخامس أيضا من الوجهة الأولى من القائمة الخامسة والخمسين من الجزء المذكور في تأويل قوله تعالى ـ (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) الآية وهو مما رواه عن رجال المخالفين وهو غريب في فضل مولانا أمير المؤمنين (ع) بلفظ إسناده ولفظ ما نذكر من معناه ـ حدثنا الحسين بن محمد بن سعيد المطبقي قال حدثنا محمد بن الفيض بن الفياض حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن همام حدثنا عبد الرزاق معمر عن ابن هماد عن أبيه عن جده قال قال رسول الله بينما أنا في الحجر أتاني جبرئيل فنهرني برجلي فاستيقظت فأخذ بضبعي فوضعني في شيء كوكر الطير فلما أطرقت ببصري طرفة فرجعت إلي وأنا في مكاني فقال أتدري أين أنت فقلت لا يا جبرئيل فقال هذا بيت المقدس بيت الله الأقصى فيه المحشر والنشر ثم قام جبرئيل فوضع سبابته اليمنى في أذنه فأذن مثنى مثنى يقول في آخرها حي على خير العمل حتى إذا قضى أذانه أقام الصلاة مثنى مثنى وقال في آخرها قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فبرق نور في السماء ففتحت به قبور الأنبياء فأقبلوا من كل أوب يلبون دعوة جبرئيل فوافى أربعة آلاف وأربعمائة وأربعة عشر نبي فأخذوا مصافهم ولا شك أن جبرئيل سيقدمنا فلما استووا على مصافهم أخذ جبرئيل بضبعي ثم قال يا محمد تقدم فصل بإخوانك فالخاتم أولى من المختوم ـ

١٠٠