سعد السّعود

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

سعد السّعود

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات دار الذخائر للمطبوعان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٣

بلفظه نذكر أنهم أخذوه إلى رئيس الكهنة وأحضروا شهود زور عليه فشهدوا بما أرادوا وبصقوا في وجهه ولطموه وضربوه ومنه بلفظه أن بطرس كان جالسا في الدار خارجا فجاءت إليه جارية وقالت له وأنت كنت مع يسوع الناصري الجليل فأنكر قدام الجمع وقال ليس أدري ما تقولين وخرج إلى الباب ورأته أخرى قالت للذي هناك وهذا مع يسوع الناصري كان وأيضا أنكر وأحلف أني ليس أعرف الإنسان وبعد قليل جاء إلي القيام وقالوا لتصيرن حقا أنك منهم وكلامك يدل عليك قد يحرم ويحلف أني لا أعرف الإنسان وللوقت صاح الديك فذكر بطرس كلام يسوع الذي قال له من قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاثا فخرج خارجا وبكى بكاء ومنه بلفظه بمعناه وبعض لفظه ثم ذكر كيف أوقفوا عيسى وكيف لم ينصره الله جل جلاله وأنهم نزعوا ثيابه وألبسوه لباسا أحمر وظفروا له إكليلا من شوك وتركوه على رأسه وجعلوا قصبته في عينيه وجعلوا يستهزءون به وصاروا يضربون على رأسه بقصبة معهم وينقلبون عليه ثم أعادوا ثيابه عليه ثم صلبوه وعادوا ونزعوها عنه واقتسموها وصلبوا عنده الصبي وأمروا من يحرسه لئلا تأخذه النصارى ثم تجددت ظلمة على الأرض نحو تسع ساعات وتشققت صخور وتفتحت قبور وإن يهوذا عرف خطاءه وأعاد القصة ثم خنق نفسه بعد ذلك. ومنه بلفظه فلما كان المساء جاء إنسان غني من الرامة يسمى يوسف هذا تلميذ يسوع جاهد إلى قنلاطس وأرسله ليرى جسد يسوع فعند ذلك أمر قنلاطس أن يعطوه وأخذ يوسف الجسد ولفه بلفائف لفة وتركه في قبر له حديد كان تحته في صخرة ثم دحرج حجرا عظيما على باب القبر ثم مضى ومنه بمعناه بلفظه ثم ذكر أنه خرج من القبر بعد ثلاثة أيام ولقيه تلامذته وسجدوا له ومنهم من شك وفارقهم فقال في الإنجيل الثالث في ثامن قائمة منه إن عمر عيسى (ع) كان قد صار ثلاثين سنة وقال في القائمة الستين من هذا الإنجيل إن يوم دفن الجسد كان في يوم وقال في آخر قائمة منه عند

٦١

ذكر خروجه من القبر على ظنهم أنه عيسى أنه رفع يده وباركهم وبينما هو مباركهم انفرد عنهم وصعد إلى السماء

فصل فيما نذكره من بشارة عيسى بمحمد (ص) من القائمة الثانية والثلاثين من الإنجيل الرابع من الوجهة الثانية بلفظه فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط ليثبت معكم إلى الأبد روح الحق

فصل فيما نذكره من بشارة أخرى من عيسى بمحمد نبينا (ص) من القائمة الثالثة والثلاثين من الإنجيل الرابع من أواخر الوجهة الأولة من القائمة المذكورة بلفظه فيا سيدي ما معنى قولك أنك تقول بأن يظهر لنا ولاء العالم أجاب يسوع وقال له أن من يحبني يحفظ كلمتي وأبي يحبه وإليه يأتي وعنده يتخذ المنزل ومن لا يحبني ليس يحفظ كلامي والكلمة التي تسمعونها ليست لي بل للأب الذي أرسلني أكلمكم بهذا لأني عندكم مقيم والفارقليط روح القدس الذي يرسله أبي باسمي هو يعلمكم كل شيء وهو يذكركم كما قلته لكم.

يقول علي بن موسى بن طاوس هذه بشارة صحيحة بالنبي (ص) الذي علم كل شيء كما ذكرناه فيما تقدم من بشارة عيسى بمحمد (ص) وذكرهم كما قاله عيسى للنصارى ولقد تكرر في الإنجيل المذكور من اعتراف عيسى بالله وأنه أرسله عدة مواضع كثيرة يشهد بتصديق ما أخبر به نبينا (ص) أنه عرفهم به ومن العجب شهادتهم أنه أكل الطعام وصلب وعملت به اليهود ما قدمنا بعضه ودفن وعاد وخرج من القبر ومع هذا كيف يقول عاقل إنه الله تعالى علوا كبيرا.

فصل فيما نذكره من القائمة الرابعة والثلاثين من الوجهة الثانية من الإنجيل الرابع من بشارة عيسى (ع) بمحمد (ص) بلفظه فإذا جاء الفارقليط الذي أنا أرسله إليكم عن روح الحق الذي من أبي يأتي وهو يشهد لي وأنتم تشهدون معي من الابتداء بكلمتكم بهذا لكي لا تشكوا.

فصل فيما نذكره من بشارة أخرى من عيسى بمحمد (ص) من الوجهة

٦٢

الأولة من القائمة الخامسة والثلاثين من الإنجيل الرابع بلفظه وليس لأحد منكم يسألني إلى أين أذهب لأني قلت لكم هذا وحلت الكآبة فملت قلوبكم ولكني أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أمضي إلى أبي لأني إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط فإن انطلقت أرسلته إليكم فإذا جاء فهو يوبخ العالم على الخطيئة وعلى البر وعلى الحكم.

يقول علي بن موسى بن طاوس وهذه بشارات صريحة لو كانت عقولهم وقلوبهم سليمة صحيحة وكنت أسمع أن البارقليط بالباء المنقطة من تحتها واحدة وإنما وجدته أنا في هذا الإنجيل كما ذكرته الفارقليط بالفاء بعده الألف.

فصل يتضمن بشارة بمحمد (ص) عن عيسى (ع) من القائمة المذكورة أيضا وأن لي كلام كثير أريد أقوله لكم ولكنكم لستم تطيقون حمله الآن إذا جاء روح الحق ذاك فهو مرشدكم إلى جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم تكليما يسمع ويخبركم بما يأتي وهو يمجدني.

يقول علي بن موسى بن طاوس وجدت على حاشية الإنجيل ما هذا لفظه سربال ومشيخا تفسيره محمد (ص) وقوله إنهم لا يطيقون حمله الآن من عيسى (ع) ينبه على أن روح الحق الذي يرشدهم إلى جميع الحق أعظم من عيسى ولم يأت أحد من الأنبياء من يدعي له عليهم هذه القوة غير محمد (ص) وقوله ليس من عنده بل يتكلم تكلما يسمع موافقة لكتاب الله المجيد ـ (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) وقوله ويخبركم بما يأتي وما جاء بعد عيسى (ع) من أخبر بالحادثات على التفصيل كما جاء به محمد (ص) وقوله وهو يمجدني وما جاء بعد عيسى (ع) من مجده ونزهه عن دعوى الربوبية وعن أنه قتل وغير ذلك مثل محمد (ص).

٦٣

الباب الثاني

فيما وقفناه من كتب تفاسير القرآن الكريم وما يختص به من

تصانيف التعظيم وفيه فصول

فيما نذكره من مجلده الأول من كتاب التبيان تفسير جدي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي وهذا المجلد قالبه نصف الورقة الكبيرة وفيه خمسة أجزاء من قالب الربع فمما نذكره من القائمة الأولة من الكراس الرابع قوله تعالى ـ (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

قال جدي أبو جعفر الطوسي واستدل بهذه الآية قوم من أصحابنا على جواز الرجعة فإن استدل بها على جوازها كان ذلك صحيحا لأن من منع منه وأحاله فالقرآن يكذبه وإن استدل بها على وجوب الرجعة وحصولها فلا يصح لأن إحياء قوم في وقت ليس بدلالة على إحياء قوم آخرين في وقت آخر بل ذلك يحتاج إلى دلالة أخرى.

يقول علي بن موسى بن طاوس اعلم أن الذين قال رسول الله فيهم إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض لا يختلفون في إحياء الله جل جلاله قوما بعد مماتهم في الحياة الدنيا من هذه الأمة تصديقا لما روى المخالف والمؤالف عن صاحب النبوة (ص) أما المخالف فروى الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم في الحديث الحادي والعشرين من مسند أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (ص) لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن ، ومن

٦٤

ذلك ما روى الحميدي في الحديث التاسع والأربعين من مسند أبي هريرة أنه قال قال النبي (ص) لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي ما أخذ القرون شبرا بشبر وذراعا بذراع فقيل يا رسول الله كفارس والروم قال ومن الناس إلا أولئك ومن ذلك ما ذكرناه الزمخشري في كتاب الكشاف في تفسير قوله (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) ما هذا لفظه ـ وعن حذيفة أنتم أشبه الأمم سمتا ببني إسرائيل لتركبن طريقتهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى إني لا أدري أتعبدون العجل أم لا.

أقول فإذا كانت هذه بعض رواياتهم في متابعة الأمم الماضية وبني إسرائيل واليهود فقد نطق القرآن الشريف والأخبار المتواترة أن خلقا من الأمم الماضية واليهود لما قالوا (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) فأماتهم الله ثم أحياهم فيكون على هذا في أمتنا من يحييهم الله في الحياة الدنيا كما جرى في القرون السالفة وفي بني إسرائيل.

أقول ولقد رأيت في أخبار المخالفين زيادة على ما تقول الشيعة من الإشارة إلى أن مولانا عليا (ع) يعود إلى الدنيا بعد ضرب ابن ملجم وبعد وفاته كما رجع ذو القرنين فمن الروايات في ذلك ما ذكره الزمخشري في كتاب الكشاف في حديث ذي القرنين فقال ما هذا لفظه وعن علي (ع) سخر له السحاب ومدت له الأسباب وبسط له النور وسئل عنه فقال أحب الله فأحبه وسأله ابن الكواء ما ذو القرنين أملك أم نبي فقال ليس بملك ولا نبي لكن كان عبدا صالحا ضرب على قرنه الأيمن في طاعة الله فمات ثم بعثه الله فضرب على قرنه الأيسر فمات فبعثه الله وسمي ذو القرنين وفيكم مثله.

أقول قول مولانا علي (ع) وفيكم مثله إشارة إلى ضرب ابن ملجم له وأنه على هذه رواية الزمخشري بعد الممات وهذا أبلغ من رواية بعض الشيعة في الرجعة المذكورة في الروايات.

أقول رواية أيضا في كتب أخبار المخالفين عن جماعة من المسلمين ـ

٦٥

أنهم رجعوا بعد الممات قبل الدفن وبعد الدفن وتكلموا وتحدثوا ثم ماتوا فمن الروايات عنهم فيمن عاش بعد الدفن ما ذكره الحاكم النيسابوري في تاريخه في المجلد الثاني منه في حديث حسام بن عبد الرحمن النيشابوري عن أبيه عن جده وكان قاضي نيشابور ودخل عليه رجل فقيل له إن عند هذا حديثا عجيبا فقال يا هذا ما هو فقال اعلم أني كنت رجلا نباشا أنبش القبور فماتت امرأة فذهبت لأعرف قبرها فصليت عليها فلما جن الليل قال ذهبت لأنبش عنها وضربت يدي إلى كفنها لأسلبها فقالت سبحان الله رجل من أهل الجنة تسلب امرأة من أهل الجنة ثم قالت ألم تعلم أنك ممن صليت علي وأن الله عزوجل قد غفر لمن صلى علي.

أقول أنا فإذا كان هذا قد رووه ودونوه عن نباش القبور فهلا كان لعلماء أهل البيت أسوة به ولأي حال تقابل روايتهم (ع) بالنفور وهذه المرأة المذكورة دون الذين يرجعون لمهمات الأمور ولو ذكرت كل ما وقفت عليه من رواياتهم خرج كتابنا عن الغرض الذي قصدنا إليه والرجعة التي تعتقدها علماؤنا أهل البيت وشيعتهم تكون من جملة آيات النبي (ص) معجزاته ولأي حال يكون منزلته عند الجمهور دون موسى وعيسى ودانيال وقد أحيا الله جل جلاله على أيديهم أمواتا كثيرة بغير خلاف عند العلماء بهذه الأمور.

فصل فيما نذكره من الوجهة الأولى من القائمة الرابعة من الكراس العاشر من أصل المجلد الأول من الجزء الثاني من التبيان قوله تعالى ـ (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ). ذكر الطوسي أن الذين صبروا مع طالوت على القنوع بغرفة واحدة ثلاثمائة وبضعة عشر عدة أهل بدر وسنذكره من غير التبيان جملة من قصة طالوت فيقال إن الله تعالى أوحى إلى (أشموئيل) من بني إسرائيل أن يأمر (طالوت) بالمسير إلى (جالوت) من بيت المقدس بالجنود لم يتخلف

٦٦

عنه إلا كبير لهرمه أو مريض لمرضه أو ضرير لضرره أو معذور لعذره وذلك أنهم لما رأوا التابوت قالوا قد أتانا التابوت وهو النصر لا شك فيه فتسارعوا إلى الجهاد فقال طالوت لا حاجة لي في كلما أرى لا يخرج معي رجل يأتينا لم يفرغ منه ولا صاحب تجارة يشتغل بها ولا رجل عليه دين ولا رجل تزوج بامرأة لم يبن بها ولا أبتغي إلا البسيط الفارغ فإذا جمع ثمانون ألفا على شرطه يخرج بهم وكان في حر شديد فشكوا قلة المياه بينهم وبين عدوهم وقالوا إن المياه لا تحملنا وادع الله أن يجري لنا نهرا فقال لهم طالوت بأمر أشموئيل إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ يختبركم ليرى طاعتكم وهل علم بِنَهَرٍ وهو نهر بين الأردن وفلسطين عذب فكان الذين قنعوا بالغرفة الواحدة ثلاثمائة وثلاثة عشر وكفت كل واحد منهم غرفته لشربه وحمله ودوابه والذين خالفوا وشربوا اسودت شفاههم وغلبهم العطش وجنبوا عن لقاء العدو ورجعوا على شط النهر ولم يدركوا الفتح وانصرفوا عن طالوت وحضر داود وقال أنا أقتل جالوت وكان الأمر كذلك فإنه رماه بحجر فقتله.

أقول ليس من العجب أن قوما خرجوا بعد أن شاهدوا تابوت النصر وقد عزموا على الجهاد والحرب والصبر وانحل ذلك العزم إلى زيادة على غرفة من الماء ولم يكن لهم أسوة بسلطانهم ولا قوة بآية التابوت ملائكة السماء قد كانت الجاهلية والذين يحاربون من الكفار ما عندهم تصديق بدار القرار ولا عذاب النار وإنما يطلبون مجرد الحياة الفانية وهم يخاطرون بأنفسهم ورءوسهم لأجل ذكر جميل أو مال وهيبة فيا عجباه لمن يدعي أنه على تحقيق ويقين ويضعف عن حال ضعيف معول على ظن ضعيف وتخمين.

فصل فيما نذكره من الوجهة الثانية من القائمة الخامسة من الكراس السادس عشر من أصل المجلد الأول أيضا من الجزء الثالث من التبيان بلفظه قوله (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) ـ آية واحدة بلا خلاف معنى قوله (وَما ذا عَلَيْهِمْ) الآية ـ

٦٧

الاحتجاج على المتخلفين عن الإيمان بالله واليوم الآخر بما عليهم فيه ولهم وذلك يجب على الإنسان أن يحاسب نفسه فيما عليه وله فإذا ظهر له ما عليه في فعل المعصية من استحقاق العقاب اجتنبها وما له في تركها من استحقاق الثواب عمل في ذلك من الاختيار له والانصراف عنه وفي ذلك دلالة على بطلان قول المجبرة في أن الكافر لا يقدر على الإيمان لأن الآية نزلت على أنه لا عذر للكفار في ترك الإيمان ولو كانوا غير قادرين لكان فيه أوضح العذر لهم ولما جاز أن يقال (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ) لأنهم لا يقدرون عليه كما لا يجوز أن يقال لأهل النار ما ذا عليهم لو خرجوا منها إلى الجنة من حيث لا يقدرون عليه ولا يجدون السبيل إليه وكذلك لا يجوز أن يقال للعاجز ما ذا عليه لو كان صحيحا وللفقير ما ذا عليه أن يكون غنيا.

يقول علي بن موسى بن طاوس إن من العجب أن يكون الكفار يصدقون بما يسمعون من أخبار البلاد ولو كان المخبر بها من الآحاد ويصدقون من يخبرهم بخوف ضرر عليهم من أضعف الظنون ويتحرزون من ذلك ويتحفظون ويصدقون الكهنة والقافة وأصحاب الزجر والفأل ويرجعون إلى قولهم من مهمات الأحوال ويكون محمد (ص) والأنبياء (ع) في الدلالة على مخرجهم من العدم إلى الوجود ومن يرون تصرفه جل جلاله فيهم باهرا ظاهرا بالحياة والموت والشباب والهرم والصحة والسقم والغنى والفقر والنوم واليقظة وكلما يعجزون عن دفعه عنهم ويعلمون أنه ما هو منهم ولا يلتفتون إلى محمد (ص) وسائر الأنبياء وشواهد تصديقهم حاضرة فيهم من العقول والأحلام ويحذرهم محمد (ص) مما لا طاقة لهم بأهواله ولا صبر على احتماله من العذاب الدائم في النيران ومن أعظم الهوان فلا يأخذون بالحزم والاستظهار وقد تحرزوا مما هو دونه من الأخطار ودون منه (ع) من أهل الأخبار وكيف صار عندهم دون كاهن ضعيف وقائف سخيف وزاجر بالأوهام وصاحب فأل ومنام.

أقول وكم قد دخلوا فيما يغلب ظنهم بغرره أو يعلمون بخطره لأجل

٦٨

بعض الشهوات وقدموا على قتل أنفسهم في الحروب لأجل الثناء يكون بعد الممات فهلا كان الكف عن محاربة محمد (ص) وعداوته كبعض ما دخلوا لوعوده العاجلة والآجلة برسالته وما كان قد جاءهم بالجنود والعساكر في مبدأ أمره حتى تنفر النفوس من أصلابه وقهره وإنما جاء وحيدا فريدا باللطف والعطف وحسن التوسل والكشف فهلا تبعوه أو تركوه فلا يؤذوه.

فصل فيما نذكره من الوجهة الثانية من القائمة الثانية من الكراس الحادي والعشرين من أصل المجلد الأول من التبيان قوله (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) فذكر جدي أبو جعفر الطوسي عن الباقر والصادق (ع) إن الله تعالى لما أوحى إلى النبي (ص) أن يستخلف عليا كان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه قال الله بعده تشجيعا له على القيام بما أمره بأدائه.

يقول علي بن طاوس وقد رويت ذلك أيضا من طرق الجمهور في كتاب الطرائف والجزء الأول من كتاب الإقبال فمن أراد الوقوف على ما حررناه وذكرناه فلينظره من حيث دللنا عليه واعلم أن كل قول يقال فيها غير هذا المعنى المشار إليه فهو بعيد مما يدل العقل عليه لأن هذه الآية يقتضي ظاهرها أن الذي أمر الله جل جلاله النبي (ص) كالرسالة على ... وأنه لو لم يبلغه ما كان صنع شيئا ولا قام بالرسالة عن مالك الأرض والسماء فهو شاهد أن الأمر الذي يراد منه يجري مجرى نفسه الشريفة الذي لا عوض عنه وهذه صفة من يكون قائما مقامه في العباد والبلاد وحافظا لكل ما دعا إليه ودل عليه إلى يوم المعاد وذكرنا في كتاب الإقبال أنه راجع الله جل جلاله في تأخير خلافة علي (ع) والنص عليه كما راجع موسى في النبوة وهي أعظم من الإمامة وقال (إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) وكان عليا (ع) قد قتل نفوسا كثيرة فإذا كان بقتل نفس واحدة يجوز المراجعة في تبليغ النبوات فهو عدم فيما يتضمنه هذه الآية من تعظيم النص

٦٩

وضمان السلامة من المخافات وأشرنا إلى كتب المجلدات وكثير من الروايات في الطرائف من طرق المخالف بالنص الصريح عن مولانا علي بن أبي طالب (ع) يوم الغدير وما جرى من النفوذ وقد تضمن كتاب المعرفة لإبراهيم بن محمد بن إسحاق الثقفي شرحا واضحا لتلك الأمور وكيف وقع معاقدة جماعة على النفر بناقة النبي (ص) بعد نصه على مولانا علي (ع) ليقتل قبل وصوله المدينة الشريفة وشرحنا ذلك شرحا بالطرق المحققة المنيفة.

أقول ويحسن أن نذكر هنا بعض الروايات بتأويل قوله جل جلاله ـ (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) فمن ذلك من الخزانة الحافظية من الجزء الأول فيما نزل من القرآن في رسول الله (ص) وعلي (ع) وأهل البيت ما هذا لفظه. محمد بن إسحاق بن إبراهيم البغدادي قال حدثنا أحمد بن القسم قال حدثنا يعقوب عن الحكم بن سليمان عن يحيى بن سعيد عن القاسم الشيباني قال سمعت عبد الله بن العباس يقول لما أمر الله نبيه (ص) بأن يقوم بغدير خم فيقول في علي ما قال قال أي رب إن قريشا حديثو عهد بالجاهلية ومتى أفعل هذا يقولوا فعل بابن عمه كذا كذا فلما قضى حجه رجع إليه جبرائيل فقال ـ (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) فقام رسول الله وأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وجاء هذا الخبر من طرق كثيرة هذا آخر لفظه من أصله ومن ذلك ما رواه أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الفقيه القزويني في كتابه كتاب (التفسير) قال حدثنا علي بن سهل قال حدثنا أحمد بن محمد الكوفي وأجاز لي أحمد بن محمد فيما كتب إلي حدثنا أحمد بن محمد العلقمي قال حدثنا كثير بن عياش عن زياد بن المنذر عن محمد بن علي بن الحسين قال قوله عزوجل (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ) الآية وذلك أن الله تبارك وتعالى لما أنزل ـ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ

٧٠

وَهُمْ راكِعُونَ) ـ في ولاية علي بن أبي طالب (ع) أمر رسول الله أن يقوم فينادي بذلك في ولاية علي بن أبي طالب وكان الناس فيهم بعد ما فيهم فضاق برسول الله بذلك ذرعا واشتد عليه أن يقوم بذلك كراهية فساد قلوبهم فأنزل الله جل جلاله ـ (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) فلما نزلت هذه الآية قام رسول الله وذلك بغدير خم فقال يا أيها الناس إن الله أمرني بالوصف فقالوا سمعنا وأطعنا فقال اللهم اشهد ثم قال إن الأمة لا تحل شيئا ولا تحرم شيئا ألا كل مسكر حرام ألا ما أسكر كثيره فقليله وكثيره حرام أسمعتم قالوا سمعنا وأطعنا قال أيها الناس من أولى الناس بكم قالوا الله ورسوله قال يا علي قم فقام علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه أسمعتم قالوا سمعنا وأطعنا قال (ص) فليبلغ الشاهد الغائب الخبر ومن ذلك أبو العباس بن عقدة وقد زكاه الخطيب في تاريخ بغداد في كتاب تفسيره في سورة المائدة برجاله وأسانيده جماعة أنه أنزلت هذه الآية ـ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) شق ذلك على رسول الله وخشي أن يكذبه قريش فأنزل الله (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) الآية فقام بذلك في غدير خم ورواه من طريق آخر فزاد فيه فلما شرط العصمة أخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ومن ذلك ما رواه مسعود بن ناصر السجستاني في كتاب الدراية بإسناده إلى ابن عباس بنحو ما قدمناه ولو ذكرنا كل ما وقفنا عليه طال على من يريد أقصاه وقد رواه محمد بن العباس بن مروان عن أحد وثلاثين طريقا

فصل فيما نذكره من الجزء الخامس من التبيان من الكراس الثلاثين من أصل المجلد من الوجهة الثانية من القائمة السابعة سورة براءة ذكر فيما زكاه عن الرد أن سبب ترك (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) من أول هذه السورة لأنها نزلت لدفع الأمان. واعلم أن هذا القول إن كان يستند إلى حجة

٧١

أو رواية يعمل عليها في تفسير القرآن يوجب الاعتماد عليها وإن كان لمجرد الاستحسان فإنه قد قال الله جل جلاله ـ (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) ولم يسقط من أولها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وأنما كان يمكن أن علم الله جل جلاله أن المسلمين يختلفون في البسملة هل هي آية من كل سورة أو أنها زائدة في كتابه المجيد فأسقط جل جلاله البسملة من سورة براءة ليدل على أنه لو كان ذكر (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) من غير قرآن لأجل افتتاح السورة كان قد كتبت في براءة فلما كان وجود المصحف الشريف قد تضمن إثبات البسملة في كل سورة وأسقط من براءة كان ذلك دالا واضحا على أن البسملة آية من كل سورة كتبت في أولها ثم ولو كان إثباتها زيادة كان يتهيب أن يسقطها أحد من العلماء في مصحف قديما أو حديثا ولا يجعل مع القرآن آيات ليست منه كما ادعاه الجاهلون بفضلها ومحلها ورويت حديث براءة وولاية علي (ع) أمير المؤمنين بها عن محمد بن العباس بن مروان بأسانيد في كتابه من مائة وعشرين طريقا (فصل) فيما نذكره من المجلد الثاني من التبيان من الوجهة الثانية من القائمة الثالثة من أول كراس من الجزء الأول قوله تعالى ـ (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) فذكر جدي الطوسي أن بعض المفسرين قال الشاهد منه جبرئيل وقال آخر الشاهد منه لسان النبي (ص) وقال آخر الإنجيل وربما قيل القرآن.

يقول علي بن موسى بن طاوس وإن كل ما وجدته قد حكاه عنهم بعيد من مفهوم الآية أما من قال جبرائيل فإن جبرئيل ما كان يتلوه بل كان قبل النبي ولم يكن منه وأما من قال لسانه فبعيد لأن لفظ يتلوه ما كان يقتضيه وأما من قال الإنجيل فالذي يتلو يكون بعده والإنجيل قبله والقرآن فليس هو منه (ص) وإنما روينا من عدة جهات من الثقات ومنها من طريق الجمهور عن الثعلبي في تفسيره عن الفقيه الشافعي والمغازلي في كتاب المناقب أن الشاهد منه هو علي بن أبي طالب (ع) وبنيه على

٧٢

صحة هذا الحال قوله تعالى (يَتْلُوهُ) وهو أول ذكر تبعه على تصديق الرسالة فكان تاليا له (ع) وهو أخوه يوم المؤاخاة والأخ كالتالي لأخيه وهو بمنزلة هارون من موسى (ع) كان هارون تاليا لموسى وهو يتلوه بعد وفاته في حفظ شريعته وإظهار آياته وإسرار مهماته وعند ما يتلوه في مقام خلافته على أمته وأما كونه منه فإن الروايات متظاهرات ذكرنا بعضها في الطرائف قال (ص) علي مني وأنا منه وأنهما من نور واحد ويوم سورة براءة أن الله تعالى أوحى إليه لا يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك ورويناه عن أحمد بن حنبل وغيره وروى ابن المغازلي في تفسير قوله تعالى ـ (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) قال رسول الله (ص) على بينة من ربه وعلي الشاهد ـ ورويناه أيضا عن المتخدم بالمنتصرية أبي النجار بإسناده إلى ابن مردويه بإسناده إلى النبي (ص) في الحديث الثالث والعشرين من خطي أن الشاهد منه علي وروى جدي أبو جعفر الطوسي في وجوه تفسيرها أن الشاهد منه في الرواية عن محمد بن علي بن الحسين وعن الرماني هو علي بن أبي طالب وذكر الطبري بإسناده عن جابر مسندا.

أقول ومن وقف على ما نقله أهل الصدق هو علي بن أبي طالب ما زال شاهدا لمحمد فعلا وقولا من البداية إلى النهاية ولم يختلف آخره إلى آخر الغاية وقد روى محمد بن العباس بن مروان في كتابه من ستة وستين طريقا بأسانيدها أن المقصود بقوله جل جلاله (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) هو علي بن أبي طالب ع

فصل فيما نذكره من الوجهة الأولى من القائمة السادسة من الجزء الثاني من الكراس الثامن من أصل المجلد الثاني من كتاب التبيان قوله جل جلاله (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) فقال جدي أبو جعفر الطوسي أمر الله جل جلاله نبيه (ص) بالصبر على المؤمنين الذين يدعون الله بالغداة والعشي والصبر على ثلاثة أقسام صبر واجب مفروض وهو

٧٣

ما كان على أداء الواجبات التي تشق على النفس ويحتاج إلى التكليف والثاني ما هو مندوب فإن الصبر عليه مندوب إليه والثالث مباح جائز وهو الصبر على المباحات التي ليست بطاعة الله.

يقول علي بن موسى بن طاوس اعلم أن ظاهر هذه الآية يقتضي تعظيم الدعاء لله بالغداة والعشي وتعظيم الذين يعملون ذلك خالصا لوجه الله تعالى فإن مقام الرسالة من أبلغ غايات الجلالة فإذا أمر الله تعالى رسوله وهو السلطان الأعظم (ص) أن يصبر نفسه الشريفة المشغولة بالله مع الدعاة بالعشي والغداة وصار المتبوع المقتدى به كالتابع والجليس والملازم لها ولا بطريق ما خصهم بين إخلاص الدعاء في الصباح والمساء فقد بالغ جل جلاله في تعظيم هذا المقام بما يقصر عن شرحه لسان الأقلام والأفهام.

أقول وأما قول جدي الطوسي إن الصبر ثلاثة أقسام كما ذكرناه عنه فإذا كان الصبر كما فسره أنه على ما يشق فأي مشقة في المباح حتى يدخل تحت لفظ الصبر عليه وكيف يكون كما ذكره غير طاعة ويشتمل أمر الشرع بالصبر عليه وهل إذا اشتمل عليه حكم الشرع يبقى له حكم الإطاعة أما واجبا أو ندبا وقد كنت ذكرت في عدة مواضع من تصانيفي أن هذا القسم الذي ذكره كثير من المسلمين أنه مباح للمكلفين وخال من أدب الله عليه نعمة لله فيه وتدبير الله في بعض معانيه إنني ما وجدت هذا القسم بالكلية للعقلاء المكلفين بالتكاليف العقلية والشرعية وإنما يصح وجوده لمن هو غير مكلف من البشر ومن الدواب وربما لا يتوجه إليهم أيضا تحقيق الإباحة في الخطاب بل يكون لفظ الإباحة لغير العقلاء المكلفين مجازا لأنهم غير مخاطبين وإلا فجميع ما جعل الله جل جلاله لعباده ذوي الألباب عليه شيء من الأوامر والآداب وهو يخرجه عن حد المباح العاري من الخطاب المطلق الذي لا يفيد بشيء من الأسباب لأن الله جل جلاله حاضر مع العبد في كل ما يتقلب فيه ويطلع عليه والعبد لا يخلو أبدا أنه بين يدي مولاه ومحتاج إلى الآداب بين يديه فأين الفرار من المطلع

٧٤

على الأسرار حتى يصير العبد المكلف مستمرا يتصرف تصرف الحمار

فصل فيما نذكره من الجزء الثالث من التبيان من الوجهة الثانية من القائمة الأولى من أول كراس من الجزء السادس والعشرين من أصل المجلد الثاني منه قوله جل جلاله ـ (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) قال (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) أي ألهمناها وقذفنا في قلبها وليس بوحي نبوة في قول قتادة وغيره وقال الجبائي كان الوحي منام عبر عنه من يثق به من علماء بني إسرائيل وقوله (أَنْ أَرْضِعِيهِ) أي ألهمناها إرضاع موسى (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) فالخوف توقع ضرر لا يؤمن منه وقال الزجاج معنى (أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) أعلمناها وقوله (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) أمر من الله تعالى لأم موسى أنها خافت على موسى من فرعون أن ترضعه وتطرحه في اليم واليم البحر يعني به النيل (وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي) نهي من الله لها عن الخوف والحزن فإنه تعالى أزال خوف أم موسى بما وعدها من سلامته على أعظم الأمور في إلقائه في البحر الذي هو سبب الهلاك في ظاهر التقدير لو لا لطف الله بحفظه حتى يرده إلى أمه ووعدها أنه تعالى يرده عليها بقوله (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) ووعدها أيضا أن يجعله من جملة الأنبياء المرسلين بقوله (وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).

يقول علي بن موسى بن طاوس واعلم أن من أسرار الله جل جلاله في هذه الآية أنه أرانا جل جلاله أنه قوى قلب امرأة ضعيفة وهي أم شفيقة وليس لها إلا هذا الولد الواحد على أن تلقي ما هو أعز عندها من مهجتها في البحر ووثقها من وعده الشريف حتى سمعت وبذلت قطعة كبدها وسويداء قلبها وروح روحها في هول البحر العنيف وأرانا جل جلاله أن يعقوب يكون له اثنا عشر ابنا ذكرا فقد واحدا منهم وهو أصغرهم وقد كان عنده علم من سلامته ونبوته يقول يعقوب (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) فجرى ل يعقوب من الحزن والجزع وذهاب البصر حتى

٧٥

صار مثلا لمن بقي وغبر إن في ذلك والله لعبرة لذوي النظر فينبغي أن لا ييأس الضعيف من فضل الله البر اللطيف إذا رأى القوي وعاجزا عن حال من الأحوال إن الله تعالى يعطي الضعيف من القوة ما لا يعطي أهل المقامات العاليات في الأعمال وهذه المرأة المعظمة أم موسى حجة على من كلف بمثل تكليفها أو دونه أظهر العجز عنه وحجة على من وعده الله جل جلاله بوعود فلم يثق بها ولم يفعل كما فعلت أم موسى في الثقة بالوعد أنه يعيد ولدها إليها وفيه توبيخ وتعنيف أن يكون الرجال القوامون على النساء دون امرأة ذات برقع وخمار في طاعة سلطان الأرض والسماء

فصل فيما نذكره من الجزء الرابع من الوجهة الأولى من القائمة الثالثة من الكراس الثالث والعشرين من المجلد الثاني منه قوله جل جلاله (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) ذكر جدي الطوسي أن القريتين مكة والطائف وأن الرجلين اللذين وصفهما الكفار بالعظمة في قول ابن عباس الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي من مكة وحبيب بن عمرو بن عمير الثقفي وقال مجاهد يعني بالذي من أهل مكة عتبة بن ربيعة والذي من أهل الطائف ابن عبد ياليل وقال قتادة الذي من مكة يريد الوليد بن المغيرة والذي من أهل الطائف كنانة بن عمر وإنما قالوا ذلك لأن الرجلين كانا عظيمي قومهما وذوي أموال جسيمة فيهما فدخلت الشبهة عليهم واعتقدوا أن كل من كان كذلك كان أولى بالنبوة وهذا غلط لأن الله تعالى يقسم الرحمة بالنبوة بين الخلق كما قسم الرزق في المعيشة على حسب ما يعلم من مصالح عباده فليس لأحد أن يحكم في شيء من ذلك فقال تعالى على وجه الإنكار عليهم والتهجين لقولهم ـ (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) أي ليس لهم ذلك.

يقول علي بن طاوس لو كان التعظيم بكثرة الأموال وكانت أموال

٧٦

المعادن في خزائن الملوك المذخورة فيها أصول الأموال أحق بالتعظيم من الرجال ولو كان التعظيم لأجل أنهم خزان لها لكان كل خازن للذهب أعظم من سلطانه وإن كان لأجل أنهم يخرجونها في مراد من وهبها فكان ينبغي أن يكون هذان العظيمان عندهم من أحقر من ألبسها لأنهم يعلمون أنهما خرجا إلى الدنيا من بطون الأمهات فقراء إلى أبعد الغايات وجاءت هذه الأموال إليهم بعد تلك الحال وما عرفنا أنهم قضوا حتى من أوصلها إليهم على اعتقادنا ولا اعتقادهم ولا حصلوا أنها صفات الكمال بل أنفقوها في خراب العقول والألباب وفيما لا يقع بمثله كثير من الدواب بعبادة الأحجار والأخشاب والدابة لا تفعل مع الإمكان إلا مواضع النفع والإحسان ولما جاءهم من عرفهم في الغلط والعكوف كان جزاء العداوة منهم والزيادة في الدعوة إليها.

أقول من لا يحسن أن يرعى نفسه في تدبيرها ونفعها ولا يفرق بين رفعها ووضعها كيف دخلت الشبهة على من ينظر بالتحقيق إليه أنه يصلح أن يكون رئيسا ورسولا إلى جميع الخلائق ويكونون رعية بين يديه ولو نظروا إلى نظر الله جل جلاله إلى أحد من الموضعين عنه لرأوه أقبح من الميت ونفروا منه ووجدوا كله عيبا وحقيرا وصغيرا وأعرضوا عنه.

أقول وأما التعظيم بعد الإسلام بمجرد حصول الأموال فهو أعجب من غلط الكفار وأقبح من المحال لأن كل ما في الموجود لمالك الرحمة والجود وكل من أخذ من مولاه شيئا وأنفقه في غير رضاه فهو كالسارق السالب وأحق بالذم والمعايب ولأن من رجح حجرا على خالقه وتعرض لمعاليه سلك مسالكه وقاهره الذي هو محتاج إليه في أول أمره ووسطه وآخره وباطنه وظاهره كيف يكون ممدوحا بل كيف يكون سليما وهل يكون إلا ذميما ولأن من عرف الدنيا لا تبقى عليه فكيف يتركها أن يقدمها لنفسه بين يديه ويجعلها بعده لمن لا يحملها إليه ولأن المال كالعدو الشاغل والقاتل ـ

٧٧

إذا لم يعالجه صاحبه بإخراجه إلى مالكه وعمارة ما يحتاج إليه من المنازل ولأن من أحب المال لذاته فهو ميت العقل سكران بجهالته وما هو إلا حجر كبعض الأحجار وإن لم يبادر صاحبه في نفاقه في المسار وإلا كسد وصار كالتراب وكبعض الجدار.

فصل فيما نذكره من الجزء الخامس من التبيان من الوجهة الأولى من رابع قائمة من الكراس السابع والعشرين من أصل المجلد الثاني قوله جل جلاله ـ (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) قال جدي الطوسي وفي الآية دلالة على النبوة لأنه أخبر بأنهم لا يتمنون الموت أبدا وما تمنوه فكان ذلك إخبارا بالصدق قبل كون الشيء وذلك لا يعلمه إلا الله تعالى.

يقول علي بن طاوس اعلم أن هذه الآية من أقوى الآيات الباهرات على صدق النبي (ص) وهي كالمباهلة التي جرت مع نصارى نجران كالتحدي بالقرآن بل ربما كانت أظهر في الحجة والنكت لأن بعضهم عند التحدي التجأ إلى البهت وقال لو نشاء لقلنا مثل هذا ولم ينقل ناقل وما ادعى عارف فاضل أنهم تمنوا الموت وباهتوه بذلك عند نزول هذه الآية.

أقول إنه لو انصرفت همم المسلمين والمتكلمين إلى الاحتجاج بها على الكافرين وبآية المباهلة التي عجز الأعداء عنها بأطباق سائر الناقلين لكان ذلك أقرب مخرجا وأوضح منهجا وأسرع إلى فهم القلوب والألباب وأقطع لتأويل أهل الارتياب فإنهم كلفوا في هذه الآية وفي آية المباهلة ذكر كلمات يسيرة ما كانت تتعذر على من يريد مغالبة عدوه ودفع حروب وأخطار كبيرة كثيرة فعجزوا عنها وهربوا منها بل كان في نفس الثقة النبوية والحجة المحمدية بدعواهم إلى هذا المقدار برهان باهر أنه على أعظم يقين من حقه القاهر وسلطانه جل جلاله العزيز الناصر وربما كان الصارف عن الاحتجاج بآية المباهلة كونها كانت بأهل البيت ـ

٧٨

لأن كثيرا من الناس يحسدونهم ويكرهون صرف القلوب إليهم ولقد كشف الزمخشري في كتاب الكشاف من فضل أهل المباهلة وما جمع الله تعالى لهم بها من الأوصاف والألطاف مع أنه من أهل الانحراف ما فيه كفاية لذوي الإنصاف.

فصل فيما نذكره من المجلد الأول من كتاب (جوامع الجامع) في تفسير القرآن تأليف الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي الرضوي من الوجهة الثانية من القائمة الخامسة من الكراس العاشر منه بلفظه ـ (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) آل إبراهيم إسماعيل وإسحاق وأولادهما وآل عمران موسى وهارون أبناء عمران بن يصهر وقيل عيسى ابن مريم بنت عمران بن ثامان وبين العمرانين ألف وثمانمائة سنة وذرية بدل من آل إبراهيم وآل عمران ـ (بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) يعني أن الأولين ذرية واحدة متسلسلة بعضها من بعض وفي قراءة أهل البيت وآل محمد على العالمين وقيل إن آل إبراهيم هم آل محمد الذين هم أهل البيت ومن اصطفاه واختاره من خلقه لا يكون إلا معصوما مطهرا عن القبائح وعلى هذا يجب أن يكون الاصطفاء مخصوصا بمن يكون معصوما من آل إبراهيم وآل عمران نبيا كان أو إماما.

يقول علي بن طاوس وجدت كثيرا من الأخبار وقد ذكرت بعضها في كتاب البهجة متضمنة أن قوله تعالى ـ (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) إن المراد بهذه الآية جميع ذرية النبي (ص) وإن الظالم لنفسه هو الجاهل بإمام زمانه والمقتصد هو العارف به والسابق بالخيرات هو إمام الوقت فمن روينا ذلك عنه الشيخ أبو جعفر بن بابويه من كتاب الفرق بإسناده إلى الصادق (ع) ورويناه من كتاب محمد بن مسعود بن عياش في تفسير القرآن ورويناه من الجامع الصغير ـ

٧٩

ليونس بن عبد الرحمن ورويناه من كتاب عبد الله بن حماد الأنصاري ورويناه من كتاب إبراهيم الجزار وغيرهم ممن لم يحضرني ذكر أسمائهم والإشارة إليهم ولعل الاصطفاء للظالم لنفسه في طهارة ولادته وبأن جعله من ذرية خاصة أو غير ذلك مما يليق بلفظ اصطفائه جل جلاله ورحمته تأويل آخر وسيأتي عند ذكر هذه الآية من كتاب (محمد بن العباس) المعروف بابن الحجام من الكراس السابع

فصل فيما نذكره من المجلد الثاني من كتاب (جوامع الجامع) للفضل بن (علي الطبرسي) من الوجهة الأولى من القائمة الثانية من ثامن كراس منه ـ (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) قال الطبرسي نادى الأرض والسماء بما ينادي به العقلاء مما يدل على كمال العزة والاقتدار وإن هذه الأجرام العظيمة منقادة لتكوينه فيما يشاء غير ممتنعة عليه كأنها عقلاء مميزون قد عرفوا جلالته وعظمته فهم ينقادون له ويمتثلون أمره على الفور من غير ريث والبلع عبارة عن النشف والإقلاع الإمساك ـ (وَغِيضَ الْماءُ) من غاضه إذا نقصه ـ (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) أنجز الموعود في إهلاك القوم ـ (وَاسْتَوَتْ) استقرت السفينة (عَلَى الْجُودِيِ) وهو جبل بالموصل (وَقِيلَ بُعْداً) يقال أبعد بعدا وبعدا إذا أرادوا البعيد من حيث الهلاك والموت ونحو ذلك وكذلك اختص بدعاء السوء ويجيء إخباره عن اسمه على الفعل المبني للمفعول للدلالة على الجلال والعظمة وإن تلك الأمور العظام لا تكون إلا بفعل قاهر قادر لا يشارك في أفعاله فلا يذهب الوهم إلى أن غيره يقول يا أرض ويا سماء وأن أحدا سواه يقضي ذلك لذلك.

يقول علي بن موسى بن طاوس اعلم أن في هذه الآية محتملات في العبارة العجيبة والإشارة الغريبة غير ما ذكره وأشار إليه منها وقيل ولم يقل قلت جل جلاله وقلنا فلعل المراد لما كان هذا الأمر لا يقدر عليه سواه كان لفظ قيل مثل قلت أو قلنا أو لعل المراد تحتم الأمر وتعظيم القدر على

٨٠