سعد السّعود

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

سعد السّعود

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات دار الذخائر للمطبوعان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٣

يكون مسرورا ومتفرغا لنظر هلاك عدوه ويقال أيضا إن أصحاب فرعون لما نزلوا خلف أصحاب موسى جعل طرف البحر والماء الذي بينهم كالشباك الذي ينظر منه بعضهم إلى بعض فعلى هذه الرواية كانوا ناظرين لهلاكهم ومسرورين به ويقال وإن كان هلاك فرعون وأصحابه بعد أن صار موسى وأصحابه على ساحل البحر وأيقنوا بالسلامة فكيف لا يكونون ناظرين إليهم ومشغولين بالسرور بانطباق البحر عليهم وهل يكون لهم عند تلك الحال وفي ذلك الوقت شغل إلا مشاهدتهم ونظرهم كيف يهلكون.

فصل فيما نذكره من الجزء الثاني من كتاب الفراء من الوجهة الأولة من القائمة الثانية من الكراس الثاني منه بلفظه ـ (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) يعني مبينات من الأصل للحرام والحلال ولم ينسخن الثلاث الآيات في الأنعام أولها (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) والإتيان بعدها قوله (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) يقول هن الأصل ـ (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) وهن (المص) و (المر) أو (الر) متشابهات على اليهود لأنهم أرادوا أن يعرفوا مدة الإسلام وأكل هذه الأمة من حساب الجمل فلما لم يأتهم على ما يريدون قالوا خلط محمد وكفروا بمحمد.

يقول علي بن موسى بن طاوس من أين عرف الفراء أن مراد الله تعالى بالآيات المحكمات الثلاث ومن أين ذكر أنهن محكمات وقد وقع تحريم كثير في غيرهن وفي الشريعة وخصص عمومهن وظاهر قوله تعالى (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) أن الضمير راجع إلى الكتاب كله والكتاب يشتمل على محكم كثير يعرف من ظاهر المراد به فكيف عدل عن ذلك كله وأما تعينه الآيات المتشابهات بالحروف فهو أيضا تحكم عظيم وليس في ظاهرها ما يقتضي ذلك ولا إجماع على ما ذكره ولا حجة من عقل ولا نقل والقرآن فيه من المتشابه التي قد صنف المسلمون فيه المجلدات ما لا يخفى والإجماع على أنه متشابه.

أقول وأما قوله عند اليهود فإذا كان القرآن قد تضمن أنهم (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) يعني حديث النبي (ص) فيكون قد

٢٦١

عرفوا أنه (ص) خاتم الأنبياء ودولته مستمرة إلى القيامة وذلك كاف لهم وأما ما حكاه عنهم من الطعن فيكون الطعن من سفهائهم ومن لا حكم لطعنه حتى يجعل القرآن المتشابه قد اقتصر عليه لأنهم كانوا عارفين ولأنه ما كان يلزم عند علمائهم من ستر رسول الله (ص) لمدة نبوته ورسالته عنهم ما طعنوا به لأن الملوك عادتهم ستر مثل هذه الأمور بل كان ينبغي أن يعتقدوا ستر ذلك من حساب الجمل وجها من وجوه حكمة الآيات ثم يقال للفراء فقد وجدنا كثيرا من المفسرين قد ذكروا تأويلات لهذه الحروف وما يكون متشابها.

فصل فيما نذكره من الجزء الثالث من كتاب الفراء من وجهة من ثالث قائمة من الكراس الثاني منه بلفظه قوله (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) لا إله إلا الله والسيئة الشرك.

أقول هذا تأويل غريب غير مطابق للمعقول والمنقول لأن لفظ لا إله إلا الله يقع من الصادق والمنافق ولأن اليهود تقول لا إله إلا الله وكل فرق الإسلام تقول ذلك وواحدة منها ناجية واثنتان وسبعون في النار وهذه الآية وردت مورد الأمان لمن جاء بالحسنة فكيف يتأولها على ما يقتضيه ظاهرها.

أقول وقد رأيت النقل متظاهرا أن الحسنة معرفة الله ورسوله ومعرفة الذين يقومون مقامه وهذا مطابق للعقول وللبشارة لأن هذه الصفات ناجون على اختلاف الفرق واختلاف التأويلات.

فصل فيما نذكره من الجزء الرابع من كتاب الفراء من وجهة أولة من رابع عشر سطر منها بلفظه قوله (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) ولم يقل البرد وهي تقى الحر والبرد فنقول لأن معناه معلوم والله أعلم كما قال الشاعر :

وما أدري إذا يممت وجها

أريد الخير أيهما يليني

يريد أن الخير والشر يليني لأنه إذا أراد الخير فهو يتقي الشر يقال للفراء كيف قلت إن ما يقي الحر يقي الحر والبرد ومن المعلوم خلاف هذا ـ

٢٦٢

فإن الحر يتوقى بالثوب الواحد وليس كذلك البرد ولعل معنى الآية أن الله تعالى لما ضم إلى الحر البأس بقوله جل جلاله ـ (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) والبأس مناسب الحر واقتصر على ما يناسبه أو لعل أهل تلك البلاد الغالب عليها الحر وهذا مروي عن عطاء أو لعل المراد أنه تعالى لما ذكر الأصواف والأوبار والأشعار التي تقي البرد ذكر هاهنا ما يقي الحر من السراويل فقد ذكره قتادة أن المعنى سراويل لباس القطن والكتان وقول الفراء يريد أن الخير والشر يليه لا يقتضيه قول الشاعر لأنه قال أيهما يليني وأيهما أي أحدهما ومن المعلوم أن الذي يلي الإنسان أحدهما.

فصل فيما نذكره من الجزء الخامس من كتاب الفراء من وجهة ثانية من عاشر سطر منها بلفظه قوله (الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) المعنى إلا من أزواجهم اللاتي أحل الله لهم من الأربع لا يجاوزوا (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) ما في موضع خفض يقول ليس عليهم في الإماء وقت ينكحون ما شاءوا فذلك قوله حفظوا فروجهم إلا من هذين ـ (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) فيه غير مذنبين يقال للفراء هلا احتمل أن يكون ـ (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) على ظاهره لأن الله تعالى لما قال (غَيْرُ مَلُومِينَ) فكأنه قال غير ملومين على أزواجهم وما ملكت أيمانهم لأن الملامة إنما يعبر عنها بنحو هذا اللفظ ويقال للفراء من أين قلت إن الملامة معنى في الذم ويقال يلام الإنسان على ما لا يكون ذنبا شرعا من الغلط في تدبر الأمور ولأن رفع اللوم عنهم أعم من الذنب فلأي حال عدل عن عموم اللفظ إلى ما يقتضي تخصيصه ولم يذكر حجة على ذلك.

فصل فيما نذكره من الجزء السادس من كتاب الفراء من وجهة ثانية من سادس عشر سطر منها بلفظه قوله (أَتَيْنا طائِعِينَ) جعل السماوات والأرضين اثنين كقوله ـ (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) ولم يقل ما بينهن ولو كان بينهن لكان صوابا يقال للفراء هلا قلت إن المقتضي للتثنية دون الجمع لعل الله جل جلاله أراد تثنية الجمعين ولم يرد ذكر أفرادها كما يقال جاءني فريقان وهما جمعان وأما قول الفراء لو كان بينهن كان صوابا أتراه

٢٦٣

أراد في مجرد العربية أو هذه الآية فإن كان أراد مجرد العربية من أين عرف أن مراد الله تعالى في هذه الآية مجرد العربية دون معنى غيرها زائد عليها وإن كان أراد هذه الآية فتهكم وتهجم على الله تعالى ولعل المراد بذكر ما بينهما ولم يقل ما بينهن أن الحديث في هذا القرآن الشريف مع بني آدم وهم بين السماوات والأرضين وليسوا ساكنين بين طبقاتها فكان لفظ بينهما أبلغ في المراد وأحق بالتأويل.

فصل فيما نذكره من الجزء السابع من كتاب الفراء من سادس عشر سطر وجهة ثانية بلفظه ـ (قَدَّرُوها) يريد قدر الكأس على ري أحده لا فضل فيه ولا عجز عن ربه وهو ألذ الشراب وقد روى بعضهم عن الشعبي (قَدَّرُوها تَقْدِيراً) والمعنى والله أعلم وأجل قدره لهم وقدروا لها يقال للفراء من أين عرفت أن الله تعالى يريد تقدير الشراب بل الكأس ولو كان المقصود بتقدير الشراب.

يقول قدروه تقديرا والتأنيث الحقيقي في اللفظ يقتضي أنها الكأس دون الشراب. يقول وليس المراد من تقدير الكأس مجرد الشرب منه فإن النظر للكأس إذا كان جميلا في التقدير ومكملا في التحرير كان أطيب للشرب منه فإن عين الشارب تقع على الكأس قبل الشراب ولو قال الفراء يحتمل أن يكون تقدير الكأس على قدر ذلك المقام وعلى قدر الإنعام والإكرام كان أليق بالأفهام وقال الفراء في ثاني سطر من الوجهة الثانية في بعض تفسيره ما هذا لفظه (شَراباً طَهُوراً) يقول هو طهر ليس بنجس لما كانت في الدنيا مذكورة بالنجاسة فيقال للفراء أنت قدوة في اللغة والعربية فهلا قلت طهورا بلفظ المبالغة تقتضي أبلغ صفات الطهارة في نفسه ويطهر من يشربه بأن يزيدهم طهورا إلى طهورهم ولا يحوجهم إلى بول ولا طهارة منه لأن شراب الدنيا يصير بولا نجسا وكان هذا موضع المنة عليهم دون ما ذكره الفراء ولو أردنا ذكر ما في كتابه من الأخذ عليه كنا قد خرجنا عما قصدنا إليه لكن هذا بحسب ما يقع اختيارنا عليه.

٢٦٤

فصل فيما نذكره من مجلد آخر تصنيف الفراء فيه ستة أجزاء أوله الجزء العاشر فمن الوجهة الأولة من القائمة الثالثة من الجزء الأول من المجلدة وهو العاشر بلفظه وقوله تعالى (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) قد اختلف فيه القراء فقال بعضهم هذا لحن ولكنا نمضي عليه لئلا نخالف الكتاب حدثنا أبو الجهم قال حدثنا الفراء قال وحدثني أبو معاوية عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة أنها سألت عن قوله تعالى في النساء (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) وعن قوله تعالى في المائدة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) وعن قوله (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) فقالت يا ابن أخي هذا كان خطأ من الكاتب وقرأ أبو عمر إن هذين لساحران واحتج بأن قال بلغني عن بعض أصحاب / ط محمد (ص) أنه قال في المصحف لحنا وستقيمه العرب ولست أشتهي أن أخالف الكتاب وقرأ بعضهم إن مخففة هذان ساحران وفي قراءة عبد الله وأسروا النجوى إن هذان ساحران وفي قراءة أبي إن ذان إلا ساحران فقرأ بتشديد إن وبالألف على جهتين إحداهما على لغة بني الحرث بن كعب ومن جاورهم وهم يجعلون الاثنين في رفعها ونصبها وخفضها بالألف أنشدني رجل من الأسد عنهم ـ

فأطرق إطراق الشجاع ولو ترى

مساعا لنا باه الشجاع لصمها

وحكى هذا الرجل عنهم هذا خط يد آخر أعونه وذلك وإن كان قليلا فليس لأن العرب قد قالوا مسلمين فجعلوا الواو تابعة للضمة لأن الواو لا يعرف به قالوا رأيت المسلمين فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم فلما رأوا لباس الاثنين لا يمكنهم كسروا ما قبلها وثبت مفتوحا وتركوا الألف في كلا الرجلين في الرفع والنصب والخفض وهما اثنان ... كنانة فإنهم يقولون رأيت كلا الرجلين ومررت بكلي الرجلين وهي نتيجة قليلة مضوا على القياس والوجه الآخر أن يقول وجدت الألف من هذا دعامة وليست بلام فعل فلما ثبت ردت عليها نونا ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول في كل حال كما قالت العرب الذي ثم زاد وإلا يدل على الجمع فقالوا الذين في

٢٦٥

لم يكن مدنية في قول ابن عباس وقال الضحاك مدنية وهي ثمان آيات في الكوفي والمدنيين وتسع آيات في البصري سورة الزلزلة مدنية في قول ابن عباس وقال الضحاك مكية وهي ثمان آيات في الكوفي والمدني الأول وتسع آيات في البصري والمدني الأخير سورة النصر مدنية في قول ابن عباس والضحاك وهي ثلاث آيات بلا خلاف.

يقول علي بن موسى بن طاوس واعلم أن عبد الله بن عباس كان تلميذ مولانا علي بن أبي طالب (ع) ولعل أكثر الأحاديث التي رواها عن النبي (ص) كانت عن مولانا علي عن النبي (ص) فلم يذكر ابن عباس مولانا عليا (ع) لأجل ما رأى من الحسد له والحيف عليه فخاف أن لا تنقل الأخبار عنه إذا أسندها إليه وإنما احتمل الحال مثل هذا التأويل لأن مصنف كتاب الإستيعاب ذكر ما كنا أشرنا إليه أن عبد الله بن عباس قال توفي رسول الله (ص) وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم يعني المفصل وهو أعرف بعمره وروي عن غيره أنه كان له عند وفاة النبي (ص) ثلاث عشرة سنة فهل ترى ابن عشر سنين وابن ثلاث عشرة سنة ممن يدرك كل ما أسنده عبد الله بن عباس عن النبي (ص) يحفظ ألفاظه وتفاصيله بغير واسطة ممن يجري قوله مجرى قول رسول الله (ص).

أقول وأما ابن عباس كان تلميذ مولانا أمير المؤمنين علي (ع) فهو من الأمور المشهورة بين الإسلام وقد ذكر محمد بن عمر الرازي في كتاب الأربعين ما هذا لفظه ومنها علم التفسير وابن عباس رئيس المفسرين وهو كان تلميذ علي بن أبي طالب.

أقول والظاهر في الروايات التي أطبق على نقلها المخالف والمؤالف أنه ما كان سبب هذا الاختلاف والضلال بعد مفارقة الثقل الذين قرنهم النبي (ص) بكتاب الله إلا منع النبي (ص) من الصحيفة التي أراد أن يكتبها عند وفاته ـ فإنهم رووا في صحيح البخاري ومسلم ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي وفي الحديث الرابع من المتفق عليه من مسند عبد الله

٢٦٦

قوله تعالى (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) هو المعلوم من الحال بالضرورة لأنهم سبقوا أعمالهم بالمعرفة أو بالذي كلفهم إياها وبالرسول الذي دلهم عليها وبمعرفة تلك الأعمال الصالحة وكانوا سابقين لها وهي متأخرة عمن سبقهم وهو أبلغ في مدحهم.

فصل فيما نذكره من الجزء الثاني عشر من هذه المجلدة من تفسير الفراء من عاشر سطر من الوجهة الأولة وقوله (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ) ولم يقل فيفزع فجعل فعل مردودة على يفعل وذلك أنه في المعنى وإذا نفخ في الصور ففزع ألا ترى أن قولك أقوم يوم يقوم كقولك أقوم إذا يقوم فأحببت أن يفعل لأن فعل ويفعل يصلحان مع إذا فإن قلت فأين جواب قوله ـ (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) مع إذا قلت قد يكون في فعل مضمر مع الواو كأنه قال وذلك يوم ينفخ في الصور فإن شئت قلت جوابه متروك كما قال (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) قد ترك جوابه لأنه كلام معروف والله أعلم يقال للفراء هلا جوزوا أن تكون بمعنى ففزع لعل المراد منه سرعة فزعهم من النفخة وتعجيل انزعاجهم مع النفخة لأنه لو قال جل جلاله بلفظ الاستقبال فيفزع كما ذكره الفراء عسى أن يكون يجوز أحد أن الفزع ما يتعقب النفخة أو يحتمل السامع بهذا إنما ... أو صبرا فأتى بلفظ الفعل الماضي إشارة إلى سرعة فزعهم وانزعاجهم ويقال للفراء عن قوله أين جواب (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) أن نحمله في تمام الآية كاف في الجواب وما يحتاج أن يقال متروك ولا فعل مضمر مع الواو.

فصل فيما نذكره من الجزء الثالث عشر منه من الوجهة الثانية من القائمة الثانية منه بلفظه قوله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) وفي قراءة عبد الله وأبي النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وكذلك كل نبي وجرى ذلك لأن المسلمين كانوا متواخين وكان الرجل إذا مات عن أخيه الذي آخاه ورثه دون عصبته وقرابته فأنزل الله تعالى النبي من المسلمين بهذه المنزلة وليس يرثهم فكيف يرث المواخي أخاه ـ

٢٦٧

فأنزل الله تعالى ـ (أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) أي ذلك في اللوح المحفوظ عند الله.

يقول علي بن موسى بن طاوس وكيف ترك ظاهر هذه الآية الشريفة في ولاية النبي على المؤمنين كافة وأنه أولى بهم من أنفسهم وهي قد وردت مورد التخصيص له والتعظيم ما أورد فيها من كتاب الزوجات أنهن كالأمهات في التحريم لهن على المؤمنين ويقال مثل هذا الذي ذكره الفراء من خلاف الظاهر الواضح وهل في الآية ما يدل على أن هذه الأولوية للنبي على المؤمنين على سبيل المثل كما زعم الفراء وهل ذكر زوجاته يقتضي حديث ميراث أو معطوف على ما يدل على الإرث ثم من العجب قول الفراء إن معنى كتاب الله أنه اللوح المحفوظ وما الذي صرفه عن أن يكون المراد في القرآن وهو المتضمن لذلك تصريحا وتحقيقا وعيانا ووجدانا أو أي حجة تدل من ظاهر هذه الآية على أنه اللوح المحفوظ فهلا ذكر شبهة أو ما يقارن الحجة.

فصل فيما نذكره من الجزء الرابع عشر منه من الوجهة الأولة بلفظه قوله تعالى (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) أو هاهنا بمعنى بل كذلك في التفسير مع صحته في العربية يقال للفراء هذا تأويل كأنه من شاك في صحة التفسير وفي صحته في العربية فهلا ذكر له وجها أو كان ترك الآية بالكلية ولا يوهم بهذا الشك الطعن على المفسرين وأنها مخالفة للعربية وهلا قال كما قال جدي أبو جعفر الطوسي في التأدب مع الله في تأويل هذه الآية في معنى أو ثلاثة أقوال أن يكون بمعنى الواو وتقديره إلى مائة ألف وزيادة عليهم والثاني أن يكون بمعنى بل على ما قال ابن عباس الثالث أن يكون بمعنى الإيهام على المخاطبين فإنه قال أرسلناه إلى القريتين.

أقول فهذه وجوه تصور عن الذي ذكره الفراء وإن كان يمكن أن يكون (أَوْ يَزِيدُونَ) على معنى قوله تعالى ـ (إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) فيكون معناه أنهم يزيدون على مائة ألف أو يزيدون

٢٦٨

فصل فيما نذكره من الجزء الخامس عشر منه من الوجهة الأولة منه بلفظه قوله عزوجل (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) وفي قراءة عبد الله وأمددناهم بعيس والعيس البيضاء والحوراء.

أقول وما أدري كيف ذكر قراءة عبد الله واختلاف اللفظين على اختلاف الصحف وكذا يتضمن تأويل القرآن اختلافا كثيرا وكيف احتمل المسلمون نحو من صحة هذا والطعن على لفظ المصحف الشريف ومن هذه الوجهة طعناه وقوله تعالى (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى).

يقول القائل كيف استثنى موتا في الدنيا قد مضى من موت في الآخرة ثم ذكر أن إلا بمعنى سوى.

أقول واعلم أن السؤال على الفراء باق بحاله لأنه يقال له إذا قدرنا أن الأمر كما ذكرت لا يذوقون فيها الموت سوى الموتة الأولى وقد قال جل جلاله قبلها (لا يَذُوقُونَ فِيهَا) والموتة الأولى ما كانت فيها فأي معنى لقول الفراء إنهم لا يذوقون في الجنة موتة سوى الموتة في الدنيا وأقول أنا لعل المراد أن هذا الوصف لما كان عن المتقين وكانوا أيام حياة الدنيا مشغولين بعمارة الآخرة فلما حضرهم الموت في الدنيا كان ذلك في وقت اشتغالهم بعمارة آخرتهم فكان ذلك الموت كأنه في الدار الآخرة لأن الإنسان إذا جاءه الموت وهو مشغول بعمارة دار وقائم في بنائها وبنى أبوابها لمعنى قصوره جاز أن يقال مات فيها أو لعل حال المتقين لما كانوا مكاشفين بالآخرة فكأنهم كانوا في الدنيا وأرواحهم ساكنة في الجنان وحاضرة في ذلك المكان فلما جاءهم موت الدنيا كان كأنه وهم في دار الآخرة ـ وقد قال مولانا علي (ع) في وصف المتقين إن أرواحهم معلقة بالمحل الأعلى وقال الشاعر :

جسمي بقي غير أن الروح عندكم

فالروح في غربة والجسم في وطني

فصل فيما نذكره من الجزء السادس عشر من كتاب الفراء من أول وجهة منه بلفظه وقوله تعالى (بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ) الكوب ما لا أذن له ولا عروة له والأباريق ذات الآذان والعرى هذا آخر لفظه في المعنى فهلا

٢٦٩

ذكر ما يحتمله خلق الأكواب والمنة بها على عباده في كثير من كتابه فإنه ربما احتمل أن الله تعالى لما كان الناس في الحياة الدنيا يستعملون الأباريق ويتكلفون رفعها بأيديهم احتاجوا إلى عروة لها ولما كان أهل الجنة إذا أرادوا شيئا كان فإن شاءوا أن يصعد الأكواب إلى أفواههم ليشربوا منها بغير إمساك منهم لها كان ذلك فجعل في الجنة ما ليس له عروة لمن يريد الشرب منه بغير إمساكه.

أقول وذكر الفراء في تفسير (قُلْ أُوحِيَ) من السطر الثامن بلفظه أن الشياطين لما رجمت وحرست منها السماء قال إبليس هذا شيء قد حدث فبث جنوده في الآفاق وبعث تسعة منهم من اليمن إلى مكة فأتوا النبي فوجدوه وهو ببطن نخلة قائما يصلي ويتلو فأعقبهم ورقوا له وأسلموا فكان من قولهم ما قصه الله تعالى في هذه السورة.

أقول في هذه القصة عبرة أن يكون رسل إبليس سعادتهم في طي شقاوتهم وسعادة الغلمان والاتباع لشقاوة سلطانهم المطاع وإن الجن تطيع مع قوتها وكثير من بني آدم مع ضعفهم ماتوا على الكفر والامتناع وإن إبليس مع قوة معرفته وحيلته اختار لطاعته من كان لمعصية فكيف يصلح الثقة باختيار من هو دونه في بصيرته

فصل فيما نذكره من كتاب قطرب في تفسير ما ذهب إليه الملحدون عن معرفته من معاني القرآن من نسخة عتيقة تاريخها سنة تسع وأربعمائة من رابع كراس من رابع قائمة من الوجهة الثانية بلفظه ومن سأل عن قوله (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) فكيف جاز أن يقول (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) قبل خلقهم وتصويرهم وثم إنما يصير الثاني بعد الأول إذا قلت أكلت رطبة ثم ثمرة كانت الثمرة المأكولة آخرا فيما يجاز ذلك قلنا جوازه على شيئين أحدهما خلقناكم خلقنا أباكم آدم لأنه أصلهم الذي منه كانوا فيكون خلقه آدم هو خلقه لولده كما يقول فضحناكم وقتلناكم وهزمناكم يوم

٢٧٠

ذي قار ويوم حيلة ويوم النسار ويوم الجفار ويوم كذا ويوم كذا وأنت لم تدرك ذلك اليوم كأنك قلت قتلت آباؤنا آباءكم وسادتكم فكان ذلك قتلا لهم وإهلاكا فهذا وجه حسن والوجه الثاني أن يكون في معنى الواو كما جاز هذا في الفاء أن يكون قالوا وهي أختها وقد سمعنا ذمهم في بيت شعر قالت ـ

سمعت ربيعة من خيرها أبا

ثم أما فقالت له المراد أبا وأما

وأما الفاء فقول إمرئ القيس

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

كأنه يريد بين الدخول وبين حومل ولو لا ذلك لفسد المعنى لأنه لم يرد أن سيرة بين الدخول أولا ثم بين حومل.

وقول الله في (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) فإنه قال وكان من الذين آمنوا الآن ثم هاهنا لا يسهل معناه على البعيد أن يقول فك رقبة كذا وكذا قبل أن يكون من الذين آمنوا لأنه قال وكان من الذين آمنوا مع هذا فجمعهما ويكون على (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) قالوا ولا يوجب أن يكون آخر بعد الأول ولكن أنت بالخيار في ذلك إذا قلت ركبت فرسا أو حمارا جاز أن المبدوء به في اللفظ الآخر ويجوز أن يكون أولا وكذلك قوله (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ).

يقول علي بن موسى بن طاوس ما المانع أن يكون معنى قوله تعالى ـ (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) أن تكون إشارة بهذا الخلق والتصوير إلى ما خلقه في اللوح المحفوظ من صورة خلقهم وتصويرهم وكان السجود لآدم بعده بأوقات يحتمل اللفظ ثم التي معناها المهملة فإن قيل لو كان كذلك كان الخلق والتصوير في اللوح المحفوظ معا فلا يحتمل بينهما ثم يقال بل الخلق المفردة في كتابتها في اللوح المحفوظ قبل التصوير ويحتمل أن يكون بينهما بمهملة وأما قول قطرب

٢٧١

في الآية الأخرى ـ (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) فربما لا يكون هذه الآية محتاجة إلى تأويلها بالمجاز لأن الله تعالى وصف الذي يفك الرقبة ويطعم اليتيم والمسكين بأنهم بعد الإيمان المتقدم ـ (تَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) وهذه الوصايا منهم يمكن أن يقع بعد الإيمان السابق وبعد العتق والإطعام ولا يحتاج إلى تقديرها بالواو وأما قول قطرب عن الآية الثالثة ـ (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) فلا يحتاج أيضا إلى تقدير المجاز الذي ذكره لأن مفهوم الاستغفار السؤال لله تعالى في طلب المغفرة والتوبة مفهومها الندم على ما فات والعزم على ترك العود في عرف الشارع فأين هذا من ذلك بل يحتمل أن يراد منهم السؤال للمغفرة أولا ثم التوبة ثانيا ولا يحتاج إلى تأويله بالمجاز.

فصل فيما نذكره من كتاب تصنيف عبد الرشيد بن الحسين بن محمد الأسترآبادي في تأويل آيات تعلق بها أهل الضلال قد سقط أوله من الكراس السابع عشر من الوجهة الثانية من القائمة السابعة فيما نذكر معناه وبعض لفظه ومما تعلقوا به قوله تعالى ـ (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) فقالوا كيف يكون والفرقان هو القرآن ولم يؤت موسى القرآن وإنما اختص به محمد قال الأسترآبادي فيها وجوه منها أن يكون المراد بالفرقان الكتاب وإذا اختلف اللفظ جاز العطف كما يقال النأي والبعد وهما واحد ومنها أن يراد بالفرقان فرق البحر بينه وبين فرعون وكلما كان فرقانا ومنها أن يكون آتينا موسى الإيمان والتصديق بكتابه وهو التوراة وبفرقان محمد أن يكون آتينا موسى الكتاب ومحمدا الفرقان وأورد الأسترآبادي على كل وجه ما يقتضي جوازه.

يقول علي بن موسى بن طاوس إن قول الله تعالى في آية أخرى ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً) فإنه يقتضي أن يكون الفرقان حقيقة عن التوراة وعما آتاهما وعن كل ما يسمى فرقانا ولا يحتاج إلى تأويله بالمجاز وما كانت إشارة إلى القرآن

٢٧٢

فصل فيما نذكره من المجلد المذكور من مناقب النبي (ص) والأئمة تأليف الأسترآبادي ومنه آيات واختار من الوجهة الأولة من ثاني قائمة من الكراس الرابع بلفظه ـ وقد روى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عن الريان بن الصلت قال حضر الرضا علي بن موسى عند المأمون بمرو وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء العراق وخراسان فقال الرضا أخبروني عن قول الله تعالى ـ (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) فمن عنى بقوله (يس) فقالت العلماء (يس) محمد لم يشك فيه أحد قال أبو الحسن فإن الله تعالى أعطى محمدا وآل محمد من ذلك فضلا لا يبلغ أحد كنه وصفه إلا من عقله وذلك أن الله تعالى لم يسلم على أحد إلا الأنبياء فقال تعالى (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) وقال (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) وقال (سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) ولم يقل سلام على آل نوح ولم يقل سلام على آل إبراهيم ولم يقل سلام على آل موسى وهارون وقال سلام على آل يس بمعنى آل محمد (ص).

أقول وإن يجب قوله (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) شهادة من الله بأن تسليمه جل جلاله عليهم جزاء حسناتهم ومكافأة على علو شأنهم فهو زيادة على إطلاق لفظ التسليم وإشارة إلى المراد بالتعظيم

فصل فيما نذكره من كتاب الوجيز في شرح آراء القراء الثمانية المشهورين تأليف الحسن بن علي بن إبراهيم الأهوازي ذكر في الوجهة الأولة ما هذا لفظه عبد الله بن كثير المكي ونافع بن عبد الرحمن المدني وعبد الله بن عامر الشامي وأبو عمر بن العلاء البصري وعاصم بن أبي النجود الأسدي وحمزة بن حبيب الزيات السميلي وعلي بن حمزة الكسائي ويعقوب بن إسحاق الحضرمي.

أقول ثم ذكر من اختلافهم ما لا أؤثر الكشف عنه وأصون سمع من يقف على كتابي عنه

فصل فيما نذكره من الكتاب المنسوب إلى علي بن عيسى بن داود بن

٢٧٣

الجراح واسمه تأريج القرآن بالجيم المنقطة من تحتها نقطة واحدة وذكر اثنين وستين بابا في كل باب ما وقع له أنه يليق بها فذكر في الوجهة الأولة من القائمة الثانية من الكراس الرابع ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).

أقول قال لي قائل هل رويت لأي حال كان من الحسنة الواحدة عشرا قلت ما على خاطري الآن ذلك ولكن إن كان يمكن أنه لما كان في صدر الإسلام قد كلف المؤمن أن يجاهد عشرة من الكفار اقتضى العدل والفضل أن يكون عوض الحسنة عشرا فلما نسخ الله جل جلاله ما له تعالى من التكليف أبقى جل جلاله من التضعيف والتشريف إن كان هذا التأويل.

أقول وانظر إلى أن الآية الأولى فيها الواحدة لعشرة خالية من لفظ تقوية قلوبهم بقوله (بِإِذْنِ اللهِ) والآية التي خفف عنهم ذكر فيها (بِإِذْنِ اللهِ) وأن الله جل جلاله مع الصابرين وجعل علة ذلك ما علم فيهم من الضعف ولعل تأويل هذا أنهم لما كانوا في بداية الإسلام قليلين كان ملوك الدنيا يستضعفونهم أن يقصدوهم بالمحاربة وكان أعدادهم أضعافهم ولما شاع الإسلام قوي أصحابه وصار أعدادهم أضعافهم من قبل فاحتاجوا إلى ترغيب وضمان النصرة لهم وأراهم أنني خففت عن كثرة العدد لأرينكم أنني أنا القيم بنصرة رسولي وديني فيطيب قلوبهم كما قال موسى لبني إسرائيل لما قالوا (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) فقال (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) فسكنت القلوب وفرجت الكروب.

فصل فيما نذكره من الجزء الأول من إعراب القرآن تصنيف أبي إسحاق إبراهيم السري الزجاج من الوجهة الأولة من القائمة الثالثة من السطر السادس والعشرين بلفظه قوله عزوجل (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ (الْحَمْدُ)

٢٧٤

رفع بالابتداء وقوله (لِلَّهِ) إخبار عن الحمد والإخبار في الكلام الرفع فأما القرآن فلا يقرأ إلا بالرفع لأن السنة سبع في القرآن ولا يلتفت فيه إلى غير الرواية الصحيحة التي أقر بها المشهورون بالضبط والثقة.

أقول هذا الزجاج قد ذكر المنع من العمل باحتمالات الإعراب في القرآن واقتصر على ما نقل بالطرق الصحيحة من جهة صاحب الشريعة وهذا هو الأحوط في دين الإسلام وهو خلاف ما قدمناه عن كثير ممن صنف تفسير القرآن.

فصل فيما نذكره من الجزء الثاني من كتاب الزجاج من أول وجهة وأول قائمة منه من ثاني سطر بلفظه (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) إن خففت الهمزة ألقيت حركتها على السين وأسقطها وقراءة سعد بن أبي وقاص (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) يكون على التفسير وتعدت يسألونك إلى مفعولين وآخر نقل حكيناه هو أول كلمة في السطر الثالث.

أقول قد كان شرط الزجاج ما قدمناه عنه وأراه في هذا الجزء الثاني قد ذكر قراءة ابن أبي وقاص وهي خلاف لفظ القرآن الشريف فهلا أطرحها أو أنكرها فهل يعتقد أن القراء الذين نقلوا الرواية الصحيحة يكونون أشهر من القرآن الشريف وحفظ ألفاظه وعددها وضبطها عند العلماء وإطراح القراءة بها الآن بين القراء

فصل فيما نذكره من كتاب المسمى بغريبي القرآن والسنة تأليف أحمد بن محمد بن أبي عبيد العبدي الأزهري وهو عندنا خمس مجلدات نبدأ بما نذكره من المجلد الأول من تاسع كراس منه من الوجهة الأولة من القائمة الخامسة بلفظه قوله تعالى (هؤُلاءِ بَناتِي) أراد بنات قومه وكل نبي كالأب لقومه وأراد النكاح يقال للأزهري قولك إن كل نبي كالأب لقومه يحتاج إلى حجة في هذا الحال فإنما ساغ ذلك في نبينا محمد (ص) حيث كانت أزواجه أمهات المؤمنين كان الأب لهم وحيث روي عنه (ص) أنا وعلي أبوا هذه الأمة وغير ذلك مما يدل عليه وأما قول الجوهري إنهن

٢٧٥

بنات قومه فهو خلاف ظاهر القرآن وكان يحتاج إلى حجة وبرهان وليس في عرض بناته (ع) منقصة حتى يعدل بلفظ بناته إلى بنات قومه والأخبار متظاهرة من الجهات المتفقة والمختلفة أنهن كن بناته على اليقين فيما نذكره من الجزء الثاني من الغريبين للأزهري من الوجهة الأولة من القائمة الثانية من ثامن سطر منها بلفظه ـ (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) يعني نبأ محمد (ص) ومن عاش علمه بظهوره تمام أمره ومن مات علمه يقينا يقال للجوهري لو كان المراد محمد (ص) لكان ليعلمن نبأه بعد حين لأن في القرآن (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) فالضمير في النبأ يعود على ظاهر الكلام إلى من عاد إليه ضمير عليه وضمير إن هو وهذه الضمائر في ظاهرها البلاء لعلها عائدة جميعها إلى القرآن الشريف فيكون المعنى على هذا وليعلمن صدق أخبار القرآن ووعوده ووعيده بعد حين فكيف جاز العدول عن هذا الظاهر الباهر بغير دليل قاهر.

فصل فيما نذكره من الجزء الثالث من الغريبين للأزهري من القائمة الثالثة من الوجهة الأولة منها من رابع سطر بلفظه ـ وفي حديث علي (ع) لنا حق إن نعطه نأخذه وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى قال السبق أعجاز الإبل ما خيرها جمع عجز وهو مركب شاق ومعناه إن منعنا حقنا ركبنا مركب المشقة صابرين عليه قال الأزهري لم يرد على ركوب المشقة ولكنه ضرب أعجاز الإبل مثلا لتقدم غيره عليه وتأخيره عن الحق الذي كان يراه له فيقول إن قدمنا للإمامة تقدمنا وإن أخرنا عنه صبرنا على الأثرة وإن طالت الأيام.

يقول علي بن موسى بن طاوس الحديث عن مولانا علي (ع) وإنما أحتمل التأويل الذي ذكره الأزهري في أنه يصبر على التقدم عليه وإن كان ذلك شاقا وقوله وإن طال السرى فيه تنبيه على أنه كان يعلم تطاول الدهور على منعه ومنع أهل بيته واعلم أن تصديق الأزهري لمثل

٢٧٦

ذلك حجة عليه وعلى من يعرف فضله ومحله بأن مولانا علي (ع) كان مفارقا لمن ادعى أن الاختيار سبب للإمامة وأنه كان يعرف أنه كان منصوص عليه وأحق بالإمامة من غيره لأن الأمة اتفقت إما على الاختيار أو على النص وفيه تنبيه على أنه ممنوع من دينه بغير اختياره

فصل فيما نذكره من الجزء الرابع من الغريبين للأزهري من القائمة السادسة من الكراس الثاني منه في ثالث سطر بلفظه وقوله (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) أي لكم مستقر في الأرحام أي وقت موقت لكم ومستودع في الأصلاب لم يخلق بعد وقوله (يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها) قيل مستقرها مأواها على الأرض ومستودعها مدفنها بعد موتها وقيل مستقرها في الأصلاب ومستودعها في الأرحام وقوله (ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) القرار المكان المطمئن الذي يستقر فيه الماء ويقال للروضة المنخفضة القرارة ومنه حديث ابن عباس وذكر علي (ع) فقال علمي إلى علمه كالقرارة في المنفجر أي كالغدير في البحر.

يقول علي بن موسى بن طاوس إن كان تفسير المستقر والمستودع بالاحتمال في الظاهر فإنه في الأصلاب مستودع وفي الأرحام مستودع وعلى الأرض مستودع وفي القبور مستودع والقرار إنما يكون في دار المقامة وما أستبعد أني وقفت على أن المستقر ما تم خلقه والمستودع ما ذهب قبل تمامه ويجوز ذلك في وصف الإنسان أنه مستقر ومستودع فالمستقر ما دام صاحبه عليه والمستودع ما أزيل عنه وإن كان المرجع النقل المقطوع به فإن وجد ذلك فالاعتماد عليه وقد وجدت في التبيان اختلافا كثيرا في معنى مستقر ومستودع لا فائدة في ذكره لأنه غير مستند إلى حجة

فصل فيما نذكره من الجزء الخامس من الغريبين للأزهري من الكراس السادس من القائمة الثانية من الوجهة الثانية منها بلفظه في الحديث النظر إلى وجه علي عبادة ـ حدثنا أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد البر المقري بالبصرة قال حدثنا أبو مسلم بن إبراهيم بن عبد الله بن مسلم قال حدثنا

٢٧٧

أبو نجد عمران بن خالد بن طليق عن أبيه عن جده عن عمران بن حصين قال قال رسول الله (ص) النظر إلى وجه علي بن أبي طالب عبادة قال ابن الأعرابي تأويله أن عليا (ع) كان إذا برز قال الناس لا إله إلا الله ما أشرف هذا الفتى لا إله إلا الله ما أشجع هذا الفتى لا إله إلا الله ما أعلم هذا الفتى لا إله إلا الله ما أكرم هذا الفتى قال الشيخ أراد بأكرم أتقى.

أقول أنا وظاهر الحديث يحتمل النظر إلى علي (ع) مطلقا سواء قال الناس أو لم يقولوا أو لعل معناه النظر إليه كما يريد الله تعالى من المعرفة بحقه وتعظيم أمره وامتثال طاعته ومحبته عبادة

فصل فيما نذكره من كتاب عليه جزء فيه اختلاف المصاحف تأليف أبي جعفر محمد بن منصور رواية محمد بن زيد بن مروان قال في السطر الخامس من الوجهة الأولة منه ما نذكره يتفق لنا ذكره من معانيه وهو أن القرآن جمعه على عهد أبي بكر زيد بن ثابت وخالفه في ذلك أبي وعبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة ثم عاد عثمان جمع المصحف برأي مولانا علي بن أبي طالب وأخذ عثمان مصحف أبي وعبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة فغسلها غسلا وكتب عثمان مصحفا لنفسه ومصحفا لأهل المدينة ومصحفا لأهل مكة ومصحفا لأهل الكوفة ومصحفا لأهل البصرة ومصحفا لأهل الشام

فصل فيما نذكره من جزء في المجلدة التي فيها اختلاف المصاحف منفردا عنه اسمه جنود فيه عدد سور القرآن وعدد آياته وعدد كلماته وحروفه ونصفه وأثلاثه وأخماسه وأسداسه وأسباعه وأثمانه وأتساعه وأعشاره وأجزاء سليم وأجزاء ثلاثين تأليف محمد بن منصور بن يزيد المقري قال في أول وجهة منه يأتي سطر القرآن قال أربع عشرة ومائة سورة وعدد آي القرآن في الكوفي ستة آلالف آية ومائتا آية وست وثلاثون آية وفي المدني سبع عشرة آية يزيد الكوفي على المدني وفي البصري تسع آيات بالقرآن سبعة وسبعون ألف كلمة وأربعمائة كلمة وتسع وثلاثون كلمة والقرآن ثلاثمائة

٢٧٨

ألف حرف وواحد وعشرون ألف حرف ومائة حرف وخمسون حرفا.

أقول ووجدت في آخر كتاب التبيان لأبي جعفر الطوسي ما هذا لفظه جميع آي القرآن في البصري ستة آلاف آية ومائتا آية وأربع آيات وفي المدني الأخير ستة آلاف ومائتان وأربع عشرة وفي الكوفي ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية وجميع ما نزل بمكة خمس وثمانون سورة على الاختلاف في ذلك وبالمدينة تسع وعشرون سورة على الخلاف في ذلك فذلك مائة وأربع عشرة سورة وعلى ما رويناه على أصحابنا أو عن جماعة متقدمين مائتان واثنتا عشرة سورة وجميع عدد كلمات القرآن تسع وسبعون ألفا ومائتان وسبع وسبعون كلمة ويقال سبع وثمانون كلمة ويقال تسع وثلاثون كلمة وجميع عدد حروفه ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألفا وخمسة عشر حرفا

فصل فيما نذكره عن محمد بن بحر الرهني من الجزء الثاني من مقدمات علم القرآن من التفاوت في المصاحف التي بعث عثمان إلى الأمصار من ثالث كراس منه من الوجهة الأولة منها في أول قائمة من آخر سطر بلفظه اتخذ عثمان سبع نسخ فحبس منها مصحفا بالمدينة وبعث إلى أهل مكة مصحفا وإلى أهل الشام مصحفا وإلى أهل الكوفة مصحفا وإلى أهل البصرة مصحفا وإلى أهل اليمن مصحفا وإلى أهل البحرين مصحفا فالخلاف بين مصحف المدينة ومصحف البصرة أربعة عشر حرفا وقيل بل أحد وعشرون حرفا منها في البقرة وأوصى بها إبراهيم بزيادة ألف وفي آل عمران لعلكم ترحمون سارعوا بغير واو وفي المائدة في أنفسهم نادمين يقول بغير واو وقوله من يرتدد منكم عن دينه بزيادة دال وفي براءة عليم حكيم الذين اتخذوا بغير واو وفي الكهف لعله لأجدن خيرا منهما منقلبا بزيادة ميم وفي المؤمنين سيقولون لله لله لله ثلثهن وفي الشعراء فتوكل على العزيز الرحيم بالفاء وفي مصحف البصريين بالواو وفي مصحف المدينة أن يبدل دينكم وأن يظهر بحذف الألف وفي عسق من مصيبة بما كسبت

٢٧٩

بغير فاء وفي الزخرف (ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ) بزيادة هاء وفي الحديد فإن الله الغني الحميد بنقصان هو وفي الشمس فلا يخاف عقباها بالفاء وهو عند البصريين بالواو فهذه أربعة عشر حرفا وزعم آخرون أن في مصحف أهل المدينة في يوسف (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) وفي بني إسرائيل قال سبحان ربي وفي الكهف ما مكنني فيه بنونين وعند البصريين بنون واحدة وفي الملائكة (مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً) بزيادة ألف وفي الزخرف يا عبادي لا خوف عليكم وفي هل أتى (قَوارِيرَا قَوارِيرَا) بزيادة ألف في الثانية وفي قل أوحي (قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي) بنقصان ألف وعند البصريين قال إنما أدعوا ربي وهو تمام أحد وعشرين حرفا ثم ما بين مصحف أهل مكة والبصرة حرفان ويقال خمسة عند أهل مكة في آخر النساء فآمنوا بالله ورسوله وعند البصريين (وَرُسُلِهِ) وفي براءة تجري من تحتها الأنهار وعندهم (تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ) بغير من وما مكنني ربي خيرا أو ليأتني بسلطان مبين بزيادة نون وفيه وأن يظهر في الأرض الفساد بغير ألف ثم ما بين مصحف أهل الكوفة والبصرة عشرة أحرف ويقال أحد عشر حرفا في مصحف أهل الكوفة في يس وما عملت أيديهم بغير هاء وفي الأحقاف (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) وفي الأنعام (لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ) بالألف وعند البصريين لئن أنجيتنا وفي بني إسرائيل نقرأه قال بالألف وفي الأنبياء (قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ) وفي آخرها (قالَ رَبِّ احْكُمْ) وهي ثلثهن عند البصريين قل قل قل وفي المؤمنين (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) الثانية والثالثة فحذف ألفين وفي الملائكة (وَلُؤْلُؤاً) بالألف وفي سورة الإنسان (قَوارِيرَا قَوارِيرَا) بزيادة ألف في الثانية ثم جاء في مصحف أهل حمص الذي بعث عثمان إلى أهل الشام وما خالف المصاحف تسعة عشر حرفا ويقال أحد وعشرون حرفا في مصحفهم في البقرة واسع عليم قالوا اتخذ بنقصان الواو وفي آل عمران بالبينات بزيادة باء وفي النساء ما فعلوه إلا قليلا وفي الأنعام ولدار الآخرة بلام واحدة وفي مصحف البصريين (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ) وفي الأنعام زين

٢٨٠