سعد السّعود

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

سعد السّعود

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات دار الذخائر للمطبوعان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٣

أن اختياري لهم خير من اختيارهم لأنفسهم ثم ردهم إلى أعمارهم فماتوا بآجالهم قال فلذلك كثرت الروم حتى يقال إن الدنيا دارهم خمسة أسداسها الروم وسموا روما لأنهم نسبوا إلى جدهم روم بن عميص بن إسحاق بن إبراهيم قال وهب وكان بشر بن أيوب الذي يسمى ذا الكفل مقيما بالشام عمره حتى مات وكان عمره خمسا وسبعين سنة.

أقول وقيل إنه تكفل لله تعالى أن لا يعصيه قومه فسمي ذا الكفل وقيل تكفل لنبي من الأنبياء ألا يغضب فاجتهد إبليس أن يغضبه بكل طريق فلم يقدر فسمي ذا الكفل لأجل وفائه لنبي زمانه أنه لا يغضب.

فصل فيما نذكره من الوجهة الثانية من القائمة الأولة من الكراس الرابع من كتاب الرد على الجبرية والقدرية فيما تعلقوا به من متشابه القرآن تأليف أحمد بن محمد بن جعفر الخلال من عاشر سطر من الوجهة بمعناه واختصار طول لفظه ومما تعلقوا به.

قوله تعالى في قصة إبراهيم (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) قالوا رغب إليه أن يجعلهما مسلمين فإذا جعلهما مسلمين فيكون الله هو فاعل الإسلام فيهم فقال ما نذكر بعض معناه ونزيده أن العقل والنقل والعادة والحس قضى أن السلطان إذا مكن له عبدا له من ولاية أو بناء دور أو بلوغ سرور قال الناس سيده جعل له هذه الولاية والعقار والمسار وإن كان السيد ما تولى ذلك بنفسه ولم يكن جعل للعبد غير تمكينه هكذا حكم دعاء إبراهيم ثم يقال للجبرية لو كان الأمر كما تقولون إن العباد مقهورون وإن إسلامهم وكفرهم من الله وهم منه يؤتون أي فائدة كانت في دعاء إبراهيم ولأي معنى كان يكون تخصيصه بالدعاء لنفسه وذريته بذلك ثم يقال لهم أيضا أما علمتم وكل مسلم أن إبراهيم قال هذا الدعاء وولده وهما مسلمان ولو كان المراد إسلاما مقهورا عليه ظاهرا وهو حاصل له ولولده قبل الدعاء أي فائدة كانت تكون في طلب ما هو حاصل كما قدمناه لو لا أنه أراد زيادة التوفيق من الله وزيادة التمكين والقوة على

٢٤١

استمرار الإسلام الذي طلبه وسأله فكأنه قال إننا مسلمان ولكنا نسأل أن نكون مسلمين لك بأن يكون إسلامنا بالكلية ولا يكون لأجل طلب غيرك من المطالب الدنيوية والأخروية لأن هذا مطلوب زائد على حصول الإسلام المطلق الأول.

فصل فيما نذكره من كتاب النكت في إعجاز القرآن تأليف علي بن عيسى الرماني النحوي من الوجهة الأولة من ثاني قائمة منه من باب الإيجاز من ثاني سطر منه بلفظه ومنه حذف الأجوبة وهو أبلغ من الذكر وما جاء منه في القرآن كثير كقوله جل ثناؤه ـ (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) فكأنه قيل لكان هذا.

يقول علي بن موسى بن طاوس ولعل حذف الجواب هاهنا أن كان يمكن أن الله تعالى لو قال لكان هذا القرآن كان قد وقع هذا الأمر الذي أخبر به من تسيير الجبال وتقطيع الأرض وكلام الموتى وكان يحصل بذكر الجواب وقوع هذا التقدير ولم تقض الحكمة ذلك أو لعل المراد أن الله تعالى لو قال الجواب كان كل من قرأ هذه الآية من الأولياء بخوانها الذي يذكره الله تهيأ له أن تسير بها الجبال ويقطع الأرض ويحيي الموتى فأمسك الله تعالى عن ذكر الجواب لما يكون من الأسباب التي لا يليق ذكرها عنده جل جلاله بالصواب

فصل فيما نذكره من نسخة وقفتها أخرى في النكت في إعجاز القرآن لعلي بن عيسى الرماني من القائمة الثامنة في تشبيهات القرآن وإخراج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بالبديهة وإخراج ما لا قوة له في الصفة إلى ما له قوة في الصفة فنذكر من لفظه فمن ذلك قوله جل جلاله ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) فهذا بيان قد أخرج ما لا يقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه وقد اجتمعا في بطلان المتوهم مع شدة الحاجة وعظم الفاقة ولو قيل يحسبه الرائي له ماء ثم يظهر أنه على خلاف ما قدر لكان بليغا وأبلغ منه لفظ القرآن لأن الظمآن

٢٤٢

أشد حرصا عليه وتعلقا به قلبا ثم بعد هذه الحس حمل على الحساب الذي يصيره إلى عذاب الأبد في النار نعوذ بالله من هذه.

يقول علي بن موسى بن طاوس ولعل في التشبيه غير ما ذكره الرماني لأن الله تعالى لو قال كسراب بروضة أو لم يذكر بقيعة ما كان التشبيه على المبالغة التي ذكرها لأنه لما كانت أجساد الكفار الذين يعملون أعمالا كالسراب كالسعة في الجواب الخالية من النبات واستعمال فوائد الألباب صارت كالسعة حقيقة ولعل معنى التشبيه أن يحسبه الظمآن ماء إن الكفار لما ادعوا في الحياة أن أعمالهم تنفعهم وحكى الله تعالى عنهم في القيامة ـ (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) يدل على أنهم يعولون على أعمالهم التي صاروا يعتقدونها تخلصهم من الأهوال والهوان كما حسب الظمآن السراب يزيل ما عنده من الظمأ فحصل في الخيبة وذهاب الحياة والتلف بالعيان وكذلك خاف الكفار في أعمالهم وحصلوا في تلك النفوس عذاب الطغيان

فصل فيما نذكره من نسخة أخرى بكتاب النكت في إعجاز القرآن من باب الاستعارة من الوجهة الثانية من القائمة الرابعة عشرة بلفظه قال الله تعالى ـ (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) حقيقة قدمنا هنا عمدنا إلى ما عملوا وقدمنا أبلغ منه لأنه يدل على أنه عاملهم معاملة القادم من سفره لأنه من أجل إمهاله فيهم كمعاملة الغائب عنهم ثم قدم فرآهم على خلاف ما أمرهم وفي هذا تحذير من الاغترار بالإمهال والمعنى الذي يجمعهما العدل لأن العمد إلى إبطال الفاسد عدل والقدوم إلى إبطال الفاسد عدل والقدوم أبلغ لما بينا وأما (هَباءً مَنْثُوراً) فبيان قد أخرج ما لا تقع عليه حاسة إلى ما تقع عليه.

يقول علي بن موسى بن طاوس ويحتمل في الآية من النكت ما لم يذكره الرماني وهو أن الله جل جلاله لما شبه أعمالهم فيما قدمنا مثل هذا السراب الذي يرى ظاهره لم يبق بد من أن يشاهدونه أعمالهم يجعله

٢٤٣

بمحضرهم ومشاهدتهم وهم ينظرون هباء منه منثورا تلفا لا أصل له فإن إتلاف ما يعتقده الإنسان ملكا له ونافعا له بمحضره ومشاهدته أوقع في عذابه وهوانه من إتلافه بغير حضوره.

أقول ولو أردنا أن نذكر لكل ما ذكره الرماني وجوها في الفصاحة والبلاغة أحسن مما ذكره رجونا أن يأتي بذلك من بحار مكارم مالك الجلالة والأعراق المتصلة بيننا وبين صاحب الرسالة إن شاء الله تعالى.

فصل فيما نذكره من كتاب اسمه متشابه القرآن لعبد الجبار بن أحمد الهمداني وكانت النسخة كتبت في حياته من الوجهة الثانية من القائمة الثانية من الكراس التاسع بلفظه قوله تعالى ـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) إلى قوله (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) يدل على أشياء منها وصف المؤمن بذلك على طريق التعظيم في الشرع لأنه لو جرى على طريقة اللغة لم يصح أن يجعل تعالى المؤمن هو الذي يفعل ما ليس بتصديق كما لا يجوز أن يجعل الضارب هو الذي يفعل ما ليس بضرب به ومنها أن الإيمان ليس هو القول باللسان واعتقاد القلب على ما ذهب المخالف إليه وأنه كل واجب وطاعة لأن الله تعالى ذكر في صفة المؤمن ما يختص بالقلب وما يختص بالجوارح لما اشترك الكل في أنه من الطاعات والفرائض ومنها ما يدل على أن الإيمان يزيد وينقص على ما تقول الآية إذا كان عبارة عن هذه الأمور التي يختلف التعبد فيها على المكلفين فيكون اللازم لسعيهم ما يلزم المعنى فيجب صحة الزيادة والنقصان فيه وإنما كان يمتنع ذلك لو كان الإيمان خصلة واحدة وهو القول باللسان واعتقادات مخصوصة بالقلب ومنها أنه يدل على أن الرزق هو الحلال لأنه تعالى جعل من صفات المؤمن ومن جملة ما مدحه عليه أن ينفق مما رزق ولو كان ما ليس بحلال يكون رزقا لم يصح ذلك ومنها أن الواجب على من سمع ذكر الله تعالى والقرآن أن يتدبر معناه وهذا هو الغرض فيه لأن وجل القلوب والخوف والحذر لا يكون بأن يسمع الكلام فقط من غير تدبر

٢٤٤

معناه وإنما يقع بالتدبر والفكر فيجب أن يلزم الأمر الذي معه أن يصح وجل القلب والخوف والخشية فيدل على وجوب النظر والتدبر في الأمور والأدلة لأنه يقتضي ما ذكرناه من الوجل والخشية هذا آخر لفظ عبد الجبار.

يقول علي بن موسى بن طاوس قول عبد الجبار إن الآية تدل على أن الإيمان ما هو باللسان واعتقاد بالقلب وأنه كل واجب وطاعة من أين عرف أنه كل واجب وطاعة وليس في الآية معنى كل واجب وطاعة ولا لفظ يدل عليه وأما قوله إن الله تعالى ذكره في صفة المؤمن ما يختص بالقلب والجوارح فيقال له إذا كنت عاملا على ظاهر هذه الآية كما زعمت فهل يخرج من الإيمان كل من لم يحصل عنده وجل عند تلاوة القرآن عليه فإن قال نعم كان بخلاف إجماع الأمة وإن اعتذر عن هذا بأنه إنما أراد الله الأفضل من المؤمنين خرج ظاهر الآية منه.

أقول وأما قوله إن الخوف في الوجه الآخر أنه كان يمنع الزيادة والنقصان في الإيمان إذا كان باللسان والقلب فيعجب منه لأن أفعال اللسان وأحوال القلوب تزيد وتنقص ضرورة وكيف استحسن جحود مثل هذا المعلوم فهل بلغ به التعصب للعقيدة وحب المنشأ وطلب الرئاسة إلى هذا وأما قوله إن الخوف والخشية وما تحصل إلا بتدبر كلام الله تعالى والتفكر فيه فإن ظاهر الآية يقتضي أن التلاوة توجب وجل قلوبهم وزيادة إيمانهم وهو يعرف وكل عارف أن كلام السلطان العظيم إذا سمع بالقلوب والآذان أذهل السامع واقتضى خوفه قبل أن يتدبره وخاصة إذا كان ظاهر لفظه وعيد أو تهديد على أن في القرآن ما لا يحتاج سامعه إلى تدبر وتفكر من الألفاظ المحكمة التي يفهم باطنها من ظاهرها وكيف أطلق عبد الجبار القول في دعواه أقول بل لو أنصف عبد الجبار لقال إنه متى شرع سامع القرآن في التفكر والتدبر الذي يشغله من لفظ التلاوة صار إلى حال ربما زال الخوف عنه في كثير من الآيات والتلاوات.

٢٤٥

أقول وأما قول عبد الجبار يدل على وجوب النظر والتدبر في الأمور والأدلة أفتراه يعتقد أنها تدل على النظر الواجب قبل بعثة الرسول وقبل القرآن لأنه قد أطلق القول بأنها تدل على النظر في الأمور وليس في الآية ما يقتضي ذلك العموم وهب أنها تقتضي نظر السامع للتلاوة في المعنى الذي تسمعه وتفكره من أين لزم من ظاهر هذا وجوب النظر والتفكر في الأمور والأدلة والخوف والخشية في الآية مختصان بالذي يسمع التلاوة فيما يسمع.

فصل فيما نذكره من متشابه القرآن تأليف أبي عمر أحمد بن محمد البصري الجلال من الوجهة الثانية من القائمة التاسعة بما نذكره من لفظه وزيادة قال ومما تعلقوا به قوله سبحانه ـ (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) قالوا فهلا قد تضمن أنه يضل بالقرآن ويهدي به فقال الجلال ما معناه أن هذه الآية تدل على بطلان قولهم لأنه لو كان القرآن إضلالا ما كان قد سماه هدى ورحمة وبيانا في مواضع كثيرة.

أقول والجواب يحتمل زيادات وهو أنه لعل الحكاية في أنه (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) عن قول الذين قالوا (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) يعنون أن هذا المثل يضل به ويهدي به كثيرا وتكون الكناية بقوله به إلى المثل ويقال للمجبرة لو كان المعنى مثلا أن الله تعالى قال يضل بالقرآن كثيرا ويهدي به كثيرا (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) فهل يبقى بعد تخصيصه أن الضلال مختص بأعدائه الفاسقين سؤال السائل أو شبهة المعترض والعقل والعدل يقضي أن العدو إذا طرد عن أبواب عدوه وأضل عنها كان ببعض ما يستحقه بعداوته بل إذا قنع منه بالإضلال دون تعجيل الاستئصال كان ذلك عدلا ورحمة وفضلا ويقال أيضا إن هذه الآية إذا حملناها على ظاهر ما ذكرتم وإن الضمير راجع إلى القرآن الشريف فهو أيضا خلاف دعواكم وخلاف عقيدتكم لأنكم تزعمون أن الضلال من الله

٢٤٦

تعالى بغير واسطة القرآن ولا واسطة من غيره ومتى جعلتم لغير الله تعالى شركة وأصلا في الضلال فقد نقضتم ما ادعيتموه من أن الله تعالى فاعل لجميع أفعال العباد ولكلما وقع منهم من الضلال والفساد.

فصل فيما نذكره من مجلد لطيف ثمن القالب اسمها ياقوتة الصراط من الوجهة الأولة من القائمة الثالثة بلفظه ومن سورة آل عمران (الْقَيُّومُ) القيام والمدبر واحد و ـ (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) الحفاظ المتذاكرون.

أقول وقال المقريزي القيوم القائم الدائم الذي لا يزال وليس من قيام على رجل واعلم أن في القيوم زيادة على ما ذكره فإنه يتضمن المبالغة في القيام بما يقتضيه وصفه تعالى من كلما يختص به قدرته لذاته وإرادته لذاته وغير ذلك مما لا نعلمه نحن فإنه لو كان غير لفظ قيوم من الألفاظ التي لا تقتضي المبالغة لعل كان يحتمل القيام بأمر دون أمر فعسى يكون المراد صرف خواطر الخلائق إليه وتوكلهم في كل شيء عليه لأنه جل جلاله القيوم القادر لذاته وأما قوله والراسخون الحفاظ الذاكرون فإن كان المراد أنه لا يعلمه إلا الله وهم فيما يقتضي أنهم متذاكرون به بل هو مستور عنهم وإن كان المراد بالراسخين أنهم (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) فقد وصفهم الله بهذا الوصف بما أغنى عن شرح حالهم.

فصل فيما نذكره من نسخة عتيقة في تفسير غريب القرآن على حروف المعجم تأليف محمد بن عزيز السجستاني من الوجهة الأولة من القائمة الرابعة بلفظه ذكر الصاد المكسورة صراط مستقيم واضح قد يكون الطريق واضحا وهو يعود إلى ضلال كما قال جل جلاله (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) فجعل الجميع بينا واضح الحق فإن لفظ واضح محتمل ولعل معنى الكلمتين أنه طريق يهدي إلى الحق والصدق ليس فيه اضطراب ولا اعوجاج بسبب من الأسباب

فصل فيما نذكره من نسخة أخرى وقفتها أيضا بالكتاب غريب القرآن للعزيزي من وجهة ثانية من رابع وخامس سطر منها بلفظ الميم

٢٤٧

المضمومة مؤمن مصدق والله عزوجل مؤمن أي مصدق ما وعد ويكون من الأمان أي لا تأمن الأرض منه أقول اعلم أن تحقيق المراد بلفظ مؤمن في اللغة على ما حكاه أهلها التصديق وتحقيق معناه في عرف الإسلام والشريعة المصدق لله تعالى ولرسوله (ص) في كلما أراد التصديق به وأما وصف الله تعالى بالمؤمن فيحتاج من يذكر تأويله على اليقين إلى تفسير ذلك من رب العالمين فإنه يبعد أن يكون على لفظ اللغة مطلقا وعلى عرف الشريعة محققا وأما تفسيره بالتجويز وهو خطر فهلا قال العزيزي يحتمل أنه المؤمن المصدق لكل من صدق والمزكي لكل من زكاه فإن هذا التأويل أعم مما ذكره من التصديق بما وعد ولو كان المراد المصدق بما وعد لعل اللفظ كان يعني الصادق فيما وعد.

فصل فيما نذكره من كتاب غريب القرآن تأليف عبد الله بن أبي أحمد اليزيدي من الوجهة الأولة من القائمة العاشرة بلفظه ـ (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) ملة واحدة يعني على عهد آدم كانوا على الإسلام.

أقول تخصيصه أن هذا من هذه الأمة التي على عهد آدم من أين عرفه وقوله إنهم كانوا على الإسلام من أين ذكره وهذا لفظ الإسلام قد تضمن القرآن الشريف عن إبراهيم أنه قال ـ (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) فكأنها في ظاهر هذه الآية مختصة بتسمية إبراهيم بعد آدم باسم كثيرة ولو كان المراد عهد آدم كيف يقول العزيزي إنهم كانوا أمة واحدة وقد حكى الله تعالى عن قابيل وما صنع بهابيل ما يدل على الافتراق وحكى أصحاب التفاسير من اختلاف أولاد قابيل وأولاد شيث وغيرهم من الاختلاف بينهم ما يقتضي تعذر من تأويله العزيزي وهلا قال العزيزي لعل المراد أن الناس كانوا أمة واحدة لا يعرفون الله منهم ـ (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ).

فصل فيما نذكره من كتاب تعليق معاني القرآن لأبي جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النجاشي ووجدته بصيرا في كثير مما ذكر فمما ذكره من

٢٤٨

الوجهة الثانية من القائمة الرابعة من الكراس التي قبل آخر كراس من الكتاب بلفظه (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) نزلت في ابن أم مكتوم إلى النبي فقال أسيد وعند النبي رجل من عظماء الكفار فجعل النبي يعرض عنه ويقبل على المشرك فيقول يا فلان هل ترى لما أقول بأسا فيقول لا فأنزلت عبس.

يقول علي بن موسى بن طاوس هذا قول كثير من المفسرين ولعل المراد معاتبة من كان على الصفة التي تضمنها السورة على معنى إياك أعني واسمعي يا جارة وعلى معنى قوله تعالى في آيات كثيرة يخاطب به النبي والمراد بها أمته دون أن تكون هذه المعاتبة للنبي (ص) لأن النبي إنما كان يدعو المشرك بالله بأمر الله إلى طاعة الله وإنما كان يعبس لأجل ما يمنعه من طاعة الله وأين تقع المعاتبة على من هذه صفته وإلا فأين وصف النبي الكامل من قول الله جل جلاله ـ (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) فهل هذا أقيم عنه تعالى ـ (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) وهل كان النبي أبدا يتصدى للأغنياء ويتلهى عن أهل الخشية من الفقراء والله تعالى يقول عنه (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)

فصل فيما نذكره من كتاب تفسير غريب القرآن لأبي عبد الرحمن بن محمد بن هاني من وجهة أولة من سادس عشر سطر من تفسير سورة الحج بلفظه قوله (إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) يقول إذا قرأ ألقى الشيطان في قراءته.

يقول علي بن موسى بن طاوس وكذا يقول كثير من المفسرين وهو مستبعد من أوصاف المرسلين والنبيين لأنه جل جلاله قال ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) فكيف تقبل العقول أن المراد ما ذكره المفسرون من أن كل رسول أو كل نبي كان يدخل الشيطان عليه في قراءته وأنه ما سلم منهم واحد من الشيطان ـ

٢٤٩

أو لعل المراد أنه ما كان رسول ولا نبي إلا يتمنى صلاح قومه واتباعهم الأمانيا فيلقي الشيطان في أمته أماني له ما يخالف أمنيته فينسخ الله تعالى أماني الشيطان بكثرة الحجج والآيات و (يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) وبيناته ويظهر النبي والرسول على الشيطان أو نحو هذا التأويل مما يليق بتعظيم الأنبياء وخذلان الشيطان.

فصل فيما نذكره من الجزء الأول من تفسير علي بن عيسى النحوي الرماني من الوجهة الأولة من القائمة التاسعة من الكراس الثاني بلفظه أقول في (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) يقال له كرر ذكر (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) والجواب عن ذلك للمبالغة والتأكيد وللدلالة على أن لله من النعم ما لا يفي به نعم منعم فجرى على كلام العرب إذا أرادوا الدلالة على المبالغة كما قال الشاعر :

هلا سألت جموع كندة

يوم ولوا أين أينا

قال الآخر

كم نعمة كانت لكم

كم نعمة وكم وكم

وقال الآخر

حطامه الصلب حطوما

محطما أنصف الأسد

وأنت تقول في الكلام اذهب اذهب اعجل اعجل ليدل على الغاية والمبالغة ووجه آخر وهو أنه لما دل بالإلهية على وجوب العبادة للنعمة التي بها تستحق العبادة وكأنه قيل وجوب العبادة للنعمة التي ليس فوقها نعمة ثم ذكر عزوجل الحمد يوصله بذكر ما به يستحق الحمد ليدل على أنه يستحق الحمد بالنعمة كما يستحق العبادة بالنعمة.

يقول علي بن موسى بن طاوس يقال لعلي بن عيسى الرماني كان معنى (الرَّحْمنِ) هو معنى (الرَّحِيمِ) كان لتأويلك أنه للتكرار تجويز وغيرك يعرف أن لفظ الرحمن فيه من المبالغة والعموم ما ليس في لفظ الرحيم وما جرت العادة أن الكلام يذكر بلفظة المبالغة أولا ثم يذكر بلفظة دونها ويكون المراد مجرد التأكيد وهلا قال الرماني لعل المراد بلفظ (الرَّحْمنِ) على وجه العموم والمبالغة أنه جل جلاله رحمان للمطيع والعاصي ولكل حيوان ـ

٢٥٠

و (الرَّحِيمِ) لما يختص به أنبياءه وخواصه مما لا يعطيه من لا يجري مجراهم فإنه إذا احتمل الكلام معنيين كان أليق بالفصاحة والكمال من أن يكون للتكرار والتأكيد أو يقال لعل معنى (الرَّحْمنِ) بخواصه بالعنايات الزائدة و (الرَّحِيمِ) بمن دونهم من المخلوقات بدون تلك العنايات وأما تشبيه الرماني بأين أينا وكم وكم وكلما ذكره فإنه ما أورد لفظين مختلفي الصيغة حتى يكون احتجاجه بهما على تكرار (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مع اختلاف صفاتهما.

أقول وأما قول الرماني إنما دل بالإلهية على وجوب العبادة وصله بذكر النعمة التي يستحق بها العبادة فيقال له إن في لفظ (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ذكر النعم المختصة بمفهوم (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وليست شاملة للنعم التي يستحق بها العبادة فإن وصفه تعالى بالمنعم غير وصفه بالرحمن الرحيم وهلا جوز الرماني أن يكون معنى قوله (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) بعد قوله جل جلاله (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أنه تعالى كما ذكر ربوبيته للعالمين وما يجب له من الحمد له على عباده وعرف منهم التقصير في القيام لحق الربوبية وتحقيقه ما يستحق من المحامد قال (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) كأنه يريد أنه يرحمهم مع تقصيرهم فيما يستحقه عليهم من دليل ولا يكلفهم بها ما يستحقه من حق الربوبية وحق نعمة.

فصل فيما نذكره مما حصل عندنا من تفسير القرآن لعلي بن عيسى الرماني وهو من قبل آخر سورة البراءة إلى سورة يونس وآخر القرآن نذكر منه من أول وجهة قوله تعالى ـ (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) إنما فصل الكفر من النفاق مع أن كل نفاق كفر ليبين الوعيد على كل واحد من الصنفين إذ قد يتوهم أن الوعيد عليه من أحد الوجهين دون الآخر ومعنى (هِيَ حَسْبُهُمْ) هي كافيتهم في استفراغ العذاب لهم وتقديره هي كافية ذنوبهم ووفاء لجزاء أعمالهم.

يقول علي بن موسى بن طاوس أرى كان المهم من الآية ما تعرض له لأنه كل ينبغي أن يذكر كيف ورد لفظ الوعد في موضع الوعيد ـ

٢٥١

والوعد حقيقة لما ينفع الموعود به وكثيرة ولهذا قال الشاعر ـ

فإنك إن أوعدتني ووعدتني

لتخليص إيعادي وتنجيز موعدي

أقول لعل المراد أنه لما كان هذا القول من الله تعالى لهم في الحياة الدنيا ليردعهم بذلك عن الكفر والنفاق فقد صار نفعا لهم باطنا وسعادة لهم إن قبلوها باطنا وظاهرا لأن الوعيد إذا أخرجه صاحبه ليخرج من يوعده مما يستحق به الوعد فقد صار باطنه وعدا وإن كان ظاهره وعيدا.

أقول وأما قول الرماني إن كل نفاق كفر فعجيب فإن النفاق قد يكون كفرا وقد يكون فسقا وأما لعل المراد أنه جل جلاله يكشف بذلك أن النفاق المقتضي للكفر أعظم من الكفر بغير نفاق فإن المنافق مستهزئا بالله تعالى وبرسوله فقد جمع كفره بالله استهزاء زائد على كفره ولعله هو أعظم من الكفر ف (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ).

أقول وفي ذكر المنافقات مع المنافقين وإقراره الكفر للرجال لعل المراد به معنى زائد أو قال إن النفاق يدخل فيه النفاق لضعفهن وعجزهن في الغالب عن المجاهرة بإظهار الكفر وإن إظهار الكفر والمجاهرة له في الغالب يكون من الرجال وهم الذين يقوون النساء على الكفر فكان ذكر الرجال بالكفر دون النساء أشبه بظاهر أحوالهم.

أقول ولعل لقوله تعالى (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) بعد تقديم خلودهم في النار معنى زائد أو دال على أن الخلود في جهنم قد يحتمل أن يكون أهلها بعضهم أخف عذابا من بعض وفي القرآن والسنة شاهد على ذلك فلما قال جل جلاله (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) فكأنه قد آيسهم من تخفيف العذاب عنهم

فصل فيما نذكره من كتاب معاني القرآن تصنيف علي بن سليمان الأخفش من الوجهة الأولة من سورة النور من خامس عشر سطر منها بلفظه ـ (دُرِّيٌ) مضيء كالدر.

أقول من أين قال إن المقصود بالتشبيه الإضاءة وليس الدر في إضاءته مقصودا حتى يقع التشبيه به وهلا قال إن الكوكب صافي البياض

٢٥٢

والنقاء كالدر فيكون على هذا المقصود إن أمكن اللون لا الضوء ولعل معناه شبيه الكوكب في نفسه الزهر عليها في السماء من اللون والضوء دون الذي نشاهده نحن منه وذلك أبلغ في التشبيه فإننا إذا لم نشاهده بالأبصار فقد عرفناه بالنقل والآثار والاعتبار.

فصل فيما نذكره من كتاب مجاز القرآن تأليف أبي عبيدة معمر بن المثنى من الوجهة الأولة من القائمة السادسة بلفظه ـ (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) أي مقر بأنه عبد له بأنه عبده (قانِتاتٌ) مطيعات.

(أقول) لو قال (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) إشارة إلى لسان الحال بأن يشهد عليهم حاجتهم إلى إيجاده لهم وآثار صنعه فيهم بأنهم أذلاء له خاضعون مستسلمون له عسى أن يكون أقرب إلى الحق من قوله أي أنهم كلهم مقرون أنهم عبيد فإن هذا الإقرار بحر موجود في الكل ثم قال أبي عبيدة بعد هذا (قانِتاتٌ) مطيعات فقد صار تفسير قانت هو مطيع إلا أن يقول يحتمل أنه عبد ويحتمل أنه مطيع وظاهر مدحه جل جلاله لذاته له يقتضي زيادة على لفظ عبد ولفظ مطيع يشتمل على من دخل في لفظ عموم قوله في القرآن جل جلاله (قانِتُونَ) وأما الجوهري في الصحاح فقال القنوت الطاعة.

أقول يقال (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) ما هاهنا أن يكون له مطيعون فلا بد من تقدير ما ذكرناه أو تأويلا يحتمل اشتراك الجميع

فصل فيما نذكره من مجلد قالب الطالبي يتضمن أنه إعراب القرآن أوله من سورة القصص لم يذكر اسم مصنفه بلفظه (فِي إِمامٍ مُبِينٍ) قال مجاهد إمام مبين في اللوح المحفوظ وقوله (مُبِينٍ) إن كان يريد المفسر بمبين عند الله فعلم الله جل جلاله أحق بالوصف بذلك من اللوح المحفوظ وإن كان يراد بالتشبيه الثناء أنه مبين لنا فأين نحن واللوح المحفوظ ولعل غير مجاهد قال قل إنه القرآن على معنى الآية والأخرى تبيان كل شيء وقوله تعالى (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) واعلم أن علم التأويل بأن القرآن إمام مبين وأن اللوح المحفوظ يحتاج الجميع إلى من يكشف عنهما العبارة المحتاجين

٢٥٣

إلى هذا التعيين من رسول مخبر عن الله تعالى ومن يقوم مقامه حتى يرفع الاختلاف واحتمال التأويلات بحيث يصير الوصف بأنه إمام مبين من جميع وجوهه وإلا كان مبينا من وجه غير مبين من وجه أو مبينا لبعض دون بعض فليس كل واحد نعرفه من ظاهره.

فصل فيما نذكره من الجزء الثاني من غريب القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى وهو من كتاب المجاز بلفظه ـ (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى) القريب ـ (وَالْجارِ الْجُنُبِ) الغريب لأنه قد يكون الغريب جارا قريبا والنسخة التي عندنا عتيقة لعلها كتبت في حياته

فصل فيما نذكره من الجزء الثالث من كتاب أبي عبيدة معمر بن المثنى بلفظه من الوجهة الثانية من ثاني عشر سطر منها وعن سورة الأعراف (المص) ابتداء كلام.

أقول لو قال أبو عبيدة ما أعرف تفسير (المص) كان أحسن من قوله ابتداء كلام فإنه ما زاد في تفسيره على ما كان وإن أراد أن مراد الله تعالى بالمص ابتداء كلام فليس في اللفظ الشريف الرباني ما يدل على أن المراد من تقطيع هذه الحروف ابتداء الكلام أو غيره فهلا احتج أبو عبيدة على هذا فإن كتابه قد ادعى أنه صنفه لكشف هذه الأمور.

فصل فيما نذكره من الجزء الرابع من كتاب أبو عبيدة بن المثنى من السطر الحادي عشر من الوجهة الأولة بلفظه ـ (يَوْمَ الْفُرْقانِ) يوم النصر والتي في البقرة وقوله (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ) يعني النصر.

أقول تفسير أبي عبيدة خلاف ما قدمناه من عبد الجبار الهمداني أن القرآن الشريف فرقان كل شيء وهذا معمر بن المثنى عندهم كالإمام لهم في علم اللغة والقرآن وهو كالحجة عليهم وهلا قال أحد منهم أنه يحتمل أن يكون ـ (نَزَّلَ الْفُرْقانَ) أنه اسم من أسماء القرآن فتارة يسمى قرآنا وتارة فرقانا فإن المعنيين له حاصلان فيه فإذا كان القرآن بمعنى الجمع فكذلك هو وإن كان فارقا فهو كذلك أيضا

٢٥٤

فصل فيما نذكره من الجزء الخامس من تفسير معمر بن المثنى أيضا من القائمة الثانية بلفظه ـ (أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) أي خوف لا عقول لهم والخوف أفئدة لا عقول لأربابها قال الشاعر ـ

إن بني قوم خوف

لا كرم فيهم ولا معروف

يقال لأبي عبيدة معمر بن المثنى قد أنشدت البيت على معنى خوف إنما كانت الحاجة إلى إنشاء شاهد على أن معنى (أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) بمعنى خوف ولم يذكر ذلك وأن الهواء ثم يقال له كيف نفهم من الأفئدة العقول وكيف نفهم من أنها هواء أنهم لا عقول لهم فهلا قال عسى يحتمل أن يكون لما غلب الخوف والأهوال على الذين حكى عنهم أن أفئدتهم هواء جاز أن يقال إنها اضطربت الأفئدة حتى صارت كالهواء المضطربة بالأمواج أو لعل إن كان يحتمل أن يكون المراد أن المقصود بالأفئدة الفكر واستحضار المعاني ولما غلب على هؤلاء الخوف ما بقي لها قدرة على فكرة فكان الأفئدة خرجت من أماكنها كما قال في موضع آخر (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) فتكون قد صارت كالهواء الذي لا يستقر في مكان واحد.

أقول وعسى يحتمل كما كانت الأفئدة والقلوب عند الأمن ـ (كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) في الكثافة جاز أن تكون عند خوفها تصير كالهواء في اللطافة وغير ذلك مما لا نطول بذكره.

فصل فيما نذكره من الجزء السادس منه من ثالث قائمة من الوجهة الثانية منها بلفظه ومن سورة مريم (إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) أي من قدامي أي من بني العم. وقال بني الفضل ـ

مهلا بني عمنا مهلا موالينا

لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا

يقال لأبي عبيدة إنك ادعيت أن معنى ورائي قدامي فكان ينبغي أن تستشهد ببيت يقتضي ذلك أو بحجة غير هذا البيت وما نرى هذا يقتضي الحجة ولا شبهة على ما ذكرت وهلا ذكر أبو عبيدة فإن قول الله تعالى (مِنْ

٢٥٥

وَرائِي) حقيقة غير مجاز لأن بني العم يتخلفون وراء الميت أي بعده فكأنهم وراءه فكيف زعم أبو عبيدة أن معناه قدامه

فصل فيما نذكره من الجزء السابع من كتاب معمر بن المثنى من الوجهة الأولة من القائمة الثانية منه بلفظه ـ (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) أي جمعنا والحجة فيه يقال ليلة الجمع وليلة المزدلفة وذكروا عن الحسن (وَأَزْلَفْنا) أهلكنا.

أقول إن الظاهر ما حكاه صاحب الصحاح فقال إن معنى أزلفه أي قربه والمزلفة والزلفى القربة والمنزلة ومنه قوله تعالى ـ (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) وهو اسم المصدر كأنه قال بالذي يقربكم عندنا ازدلافا هذا لفظ الجوهري في الصحاح.

أقول وأما احتجاج معمر بن المثنى بأنه يقال ليلة الجمع وليلة المزدلفة لفظان بمعنى واحد وإلا إذا جاز أن يكون كل واحد لمعنى غير الآخر فلا حجة له فيه وقد قال الجوهري في صحاحه وازدلفوا أي تقدموا وإذا كان بمعنى تقدموا فهذه صفة المزدلفة لأن الحاج يتقدمون إليها من عرفات قبل أن يصلوا صلاة العشاء المغرب وصلاة العشاء الآخرة وقال الجوهري الزلفى الطائفة من أول الليل ولأن عرفات آخر منازل الحج وأبعدها من الكعبة فأول منازل يقرب بعد عرفات من مكة والكعبة المزدلفة فجاز أن يسمى بذلك لأنه أول منازل القريب وأما ما حكاه عن البصري وأزلفنا أهلكنا فلم يذكر حجة له على ذلك ولا ذكره صاحب الصحاح فيما رأيناه من صحاحنا ولعل المراد ب (أَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) أي قربناهم من البحر لهلاكهم فصاروا فيه وأقرب قريب إليه وسيأتي في الجزء التاسع عن أبي عبيدة موافقة لما ذكرناه في قول الله تعالى ـ (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) قال دنت القيامة.

فصل فيما نذكره من الجزء الثامن من كتاب معمر بن المثنى من القائمة الخامسة من أول وجهة منها بلفظه ـ (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) الأسباب والسبب الحبل والمسبب ما تسبب به من رحم أو دين ـ قال النبي كل سبب أو نسب

٢٥٦

منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وإذا تقرب الرجل إلى الرجل وليس بينهما نسب فالإسلام أقوى سبب وأقرب نسب.

أقول ما أنصف معمر بن المثنى فإن عمر لما طلب التزويج عند مولانا علي بن أبي طالب (ع) اعتذر عن طلب ذلك مع كبر سنه واشتغاله بالولاية بهذا الحديث في أنه أراد التعلق ينسب النبي فلو كان الإسلام أقوى سبب وأقرب نسب ما احتاج إلى هذا والصدر الأول أعرف من معمر بن المثنى بمراد النبي على أن قوله من أن الإسلام أقرب نسب مكابرة قبيحة لا تليق بأهل العلم كيف يكون الإسلام وهو سبب وأقصى ما حصل من هذا السبب الإخوة التي جمعت في هذا اللفظ بين الأعداء فقال الله تعالى (قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ) و (أَخُوهُمْ هُودٌ) و (أَخُوهُمْ صالِحٌ) وكان عدوهم وهم أعداء فيكون هذا السبب المحتمل للعداوة والصداقة أقوى من كل سبب بل لو قال قائل إن معنى ـ قول النبي كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي أن المفهوم منه السبب الذي بينه وبين الله كأنه قال إن السبب الذي بيني وبين الله والنسب الذي بيني وبين الله من ينسب إلي ما كان هذا التأويل بعيدا ولعل معناه ما روي أنه من اصطنع إلى أحد من أهل بيتي معروفا كافيته يوم القيامة فلعله أيضا من جملة السبب لأجل الرواية فيما نذكره من الجزء التاسع من كتاب أبو عبيدة المذكور من القائمة الثالثة من الوجهة الأولة منها بلفظه وفي القرآن (لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) أي على أقول هكذا وجدت كثيرا من المفسرين يذكرون أن في هاهنا بمعنى على ولعمري إن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض ولكن هذا إنما يخرج إليه إذا لم يكن حمل اللفظ على حقيقته ـ (فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) يحتمل أن يكون قريبا من الحقيقة لأن المصلوب لا يكون غالبا على رأس الجذع وإنما يكون نازلا عن أعلاه وكان قوله (فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) إلى صورة حال المصلوب أو لعل قد كان لفظ فرعون في جذوع النخل أو بهذا المعنى فحكى الله تعالى ما ذكره فرعون كما حكى كلمات

٢٥٧

الكفر عمن ذكرها عنه بصورة لفظها

فصل فيما نذكره من الجزء العاشر لأبي عبيدة المذكور من السطر الرابع من الوجهة الثانية من أول تفسير الذاريات بلفظه ـ (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) إذا كان السبب في بطنها فهو ثقل عليها وإذا كانت فهي عليه فهو ثقل عليه فأقول قد كان ينبغي أن يأتي بحجة على هذا مثاله أن يقول جل جلاله قال عن الحامل ـ (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما) فكان هذا شاهدا أن الثقل الحمل في البطن وإلا فلولا هذا ما عرف القرآن كان الإنسان ثقلا عليها سواء كان على بطنها أو ظهرها بل كان إذا صار في بطن الأرض فكأنه قد خف عن بعضها وصار ثقلا على بعضها ولو كان يحتمل أن يقال إن المكلفين لما كانوا حاملين لأثقال الأوزار حاملين لأثقال الحساب وحاملين لأثقال التكليف جاز أن يسموا أثقالا للأرض فإن في الحديث أن الأرض تثقل العصاة لله تعالى مجازا لأنها محمولة بالله والله الحامل لها ولهم وهو يبغضهم ويمقتهم وكل ممقوت ثقيل.

فصل فيما نذكره من كتاب اسمه تنزيه القرآن من المطاعين تصنيف عبد الجبار بن أحمد من سابع عشرة قائمة أوله من الوجهة الثانية منها بلفظه مسألة وسألوا عن قوله ـ (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) قالوا ولو عرف كل أهل الكتاب نبوته لما صح مع كثرتهم أن ينكروا ذلك ويجحدوه فكيف يصح ما أخبره تعالى وجوابنا أن المراد من كان يعرف ذلك منهم وهم طبقة من علمائهم دون العوام منهم ولذلك قال (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ولا يجوز ذلك على جميعهم لعلمنا باعتقاداتهم وتجويزه على ما ذكرناه يصح.

يقول علي بن موسى بن طاوس هذا جواب الشيعة لعبد الجبار في دعواه أنه لو كان النبي قد نص على مولانا لما أنكره عبد الجبار وأصحابه فيقال لهم في الجواب ما أجابه أهل الكتاب بينهم واحدة وقد قلنا غيرها هنا أنه ليس كل منصوص عليه بالغ الظهور وأوضح الأمور لا يقع

٢٥٨

جحوده أو الشبهة فيه لأسباب تتفق لأن الله تعالى نص على ذاته لجميع مقدوراته التي لا يقدر عليها سواه وما رفع ذلك الخلاف فيه حتى عبدت الأحجار والأخشاب دونه ولم يكن ذلك لعدم النصوص المعلومة على وجوبه تعالى.

فصل فيما نذكره من الوجهة الثانية من تاسع عشرة قائمة من كتاب إعراب ثلاثين سورة من القرآن تأليف أبي عبد الله الحسين بن خالويه النحوي بلفظ ما وجدناه و (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) هم الأنبياء والأصل في عليهم بضم الهاء وهي لغة رسول الله وقد قرأ بذلك حمزة وإنما كسر الهاء من كسرها لمجاورة الياء وأما أهل المدينة ومكة فيصلون الميم بواو في اللفظ فيقولون عليهموا قالوا الواو علامة الجمع كما كانت الألف في عليهما علامة التثنية.

يقول علي بن موسى بن طاوس ما الجواب لمن يقول إذا كانت لغة رسول الله (ص) ضم الهاء والقرآن أحق ما نزل بلغته (ص) وعلام كان ظاهر قراءة أهل الإسلام في الصلوات وغيرها بكسر الهاء ولأي حال صار مجاورة الهاء للياء حجة على قراءة رسول الله وهو أفصح العرب وإذا اختلفت لغاتهم كان هو الحجة عليهم وأعجب من ذلك أن يكون أهل المدينة وأهل مكة البلدين اللذين أقام فيهما على خلاف قراءته وأن يقدم أحد بذكر هذا عنهم أو عن مسلم من المسلمين كيف جاز ذكر مثل هذا من العلماء العارفين.

فصل فيما نذكره من كتاب اسمه كتاب الزوائر وفوائد البصائر في وجوه القرآن والنظائر تأليف الحسين بن محمد الدامغاني في آخر القائمة الرابعة من الكراس العاشر منه بلفظه تفسير (السَّاقُ) على وجهين بوجه منها الساق يعني الشدة كقوله في القيامة (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) يعني الشدة بالشدة ووجه الثاني السوق جمع الساق نعم قوله في سورة (ص) (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) يعني الساق المعروف.

٢٥٩

يقول علي بن موسى بن طاوس رأيت في صحاح الجوهري ما هذا لفظه والساق نزع الروح يقال رأيت فلانا يسوق أي ينزع عند الموت.

أقول فإذا كان السوق اسم النزع في عرف اللغة فهلا مثل قوله تعالى (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) على معنى التفت النزع بالنزع للموت بعضه ببعض ويكون معناه منفردا عن الذي فسره بالشدة.

فصل فيما نذكره من وجهة أولة من خامسة قائمة من الكراس الثالث من كتاب سماه كتاب ثواب القرآن وفضائله تأليف أحمد بن شعيب بن علي السامي بلفظه ـ أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن أبي عجلان عن سعيد المقري عن عقبة بن عامر قال كنت أمشي مع رسول الله فقال يا عقبة قل فقلت ما ذا أقول فسكت عني ثم قال يا عقبة قل فقلت اللهم اردده علي فقال يا عقبة قل فقلت ما ذا أقول فقال (ع) فقل (أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) فقرأتها حتى أتيت على آخرها ثم قال قل قلت ما ذا أقول يا رسول الله قال قل (أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) فقرأتها حتى أتيت على آخرها ثم قال رسول الله عند ذلك ما سأل سائل بمثلها ولا استعاذ مستعيذ بمثلها.

فصل فيما نذكره من كتاب يحيى بن زياد المعروف بالفراء وهو مجلد فيه سبعة أجزاء قال رواية مسلمة بن عاصم عن ثعلب وعليه إجازة تاريخها سنة تسع وأربعمائة نذكر من الجزء الأول ومن الوجهة الثانية من القائمة الخامسة بلفظه ـ (فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) يقال قد كانوا في شغل من أن ينظروا مستورين بما أكنهم من البحر أن يروا فرعون وغرقه لكنه في الكلام كقولك قد ضربت وأهلك ينظرون فما أتوك ولا أعانوك يقول وهم قريب بمسمع ومرأى ويراد مسمع.

يقول علي بن موسى بن طاوس وإذا كان قد عرف أصحاب موسى أن فلق البحر لنجاتهم وهلاك فرعون وأصحابه فكيف لا يكونون متفرغين لنظرهم ومسرورين بهلاكهم كما لو قيل لإنسان ادخل هذه الدار ليدخل عدوك وراءك فإذا خرجت من الدار وقعت الدار على عدوك فإنه

٢٦٠