سعد السّعود

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

سعد السّعود

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات دار الذخائر للمطبوعان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٣

والملائكة وصالح المؤمنين إن هذا لأجل شرب العسل وهل شرب المغافير وإظهاره سره فيه ما يقتضي لفظ (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) وهل هذا يقتضي أن يكون تأويل ذلك إلا بما يناسب الوعيد المشار إليه وقد روت الشيعة عن أهل البيت روايات متظاهرة أن الذي أسر النبي إليهما كان غير هذا مما يليق بالتهديد الواقع عليهما وكيف يتهدد أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وأحكم الحاكمين على شرب عسل عند زوجة دون زوجة من الزوجات إلى هذه الغايات ويقال للجبائي عن قوله إن ذكر الله مولاه وغيره يقتضي إبطال مذهب الرافضة لأنهم ليسوا أئمة كيف بلغت العصبية على العترة الهاشمية إلى هذه الغاية من العقل الدنيوية إذا قالت لك الذين سميتهم رافضة إذا كان الله تعالى مولاه بمعنى أولى به والملائكة وصالح المؤمنين كان ذلك موافقا لقول النبي لعلي يوم الغدير من كنت مولاه فعلي مولاه وحسبهم في الدلالة أن النبي (ص) جعل لعلي (ع) ما جعل الله لنفسه من جميع صفات لفظ مولى في قوله (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ) أقول للجبائي أما قولك إن هؤلاء ما كانوا أئمة أتريد أن الله ما كان إماما أو تريد الملائكة أو صالح المؤمنين فإن أردت جل جلاله فهو جهل بمعنى الإمامة وجهل بالله تعالى لأن كل لفظ فإنه يصرف معناه إلى ما يحتمله ويقتضيه والذي يقتضيه من الله تعالى أولى بالنبي من سائر الجهات كاف في الدلالات وإن أردت جبرئيل والملائكة فالذي يحتمله حالهم من هذا الوصف يكفي في الدلالة وهو عصمتهم وأنهم أولى بالنبي ونصرته وهو كاف في الإشارات وللملائكة بالنسبة إليهم من المراتب ما هو أعظم من الإمامة وإن أردت صالح المؤمنين فقد روى من يعتمد عليه من رجال المخالف والمؤالف أن المراد من صالح المؤمنين علي بن أبي طالب قد ذكرنا بعض الروايات في كتاب الطرائف وهل كانت الشيعة يحسن أن يتمنى أن يجعل الله تعالى ورسوله (ص) لمولانا علي (ع) من الرئاسة والولاية والتعظيم والتحكيم بل جعل الله لذاته المقدسة وجبرئيل والملائكة المعصومين المكرمين.

١٨١

فصل فيما نذكره من الجزء العشرين من تفسير الجبائي وهو الثاني من المجلد العاشر من الكراس الثالث بعضه من الوجهة الثانية من القائمة الأولى منها وبعضه من الوجهة الأولة من القائمة الثانية منها بلفظ نذكره منه من تفسير قوله تعالى ـ (وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً) مع طيبه ولذاذته أراد من طعم الزنجبيل لذعة اللسان فلما كان في ذلك الشراب ما يلذع اللسان على سبيل أثر زنجبيل وصفه بأنه زنجبيل.

يقول علي بن موسى بن طاوس من أين عرف الجبائي أن الله سمى ذلك الشراب بالزنجبيل من طريق أنه يلذع اللسان وكيف أقدم على تخصيص المشابهة من هذا الوجه دون سائر أوصاف الزنجبيل وكيف تعثر الجبائي حتى جوز أن شراب دار الثواب يلذع اللسان نعوذ بالله من الخذلان وهلا جوز الجبائي أن يكون اسم الزنجبيل يقع على أجناس من الشراب فالذي في الدنيا صفته بأنه يلذع اللسان والذي من عين تسمى سلسبيلا ما يعلم وصف لذته إلا الله ومن يسقيه لأن الله تعالى قد ذكر هذا الشراب في معرض المنة على من يشربه وعلى تعظيم قدرهم وقدره فكيف يكون مما يلذع اللسان وكيف يكون على وصف زنجبيل الدنيا لو لا الغفلة عن معاني تأويل القرآن أقول وأما ما نذكره من القائمة الثانية فهو من تفسير قول الله تعالى ـ (وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) فقال الجبائي ما هذا لفظه وقد طعن بعض الملحدين في هذا فقال وأي حسن يكون الرجال عليهم أساور الفضة وأي قدر للفضة حتى جعلوا ذلك مما يرغب فيه الناس لأن ينالوه في الجنة فقيل له إن هذه الأساور هي للنساء لا للرجال وليس التزيين يجب أن يكون بما له قيمة في الدنيا لأن المراد بذلك إنما هو حسنه في الجنة لا قيمة له لأنه ليس ثم بيع ولا شراء ولا ثمن هناك للأشياء ولا قيمة فيقال للجبائي ما أجبت الملحدين عن سؤال الضلال لأن الآية تضمنت حلية للرجال فقال تعالى ـ (وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) والآيات قبلها وبعدها ما فيها ذكر النساء ولو كانت الحلية هاهنا للنساء لقال وحلين بلفظ المؤنث أفهكذا يكون جواب العلماء ولو قيل

١٨٢

إن عادة ملوك الدنيا إذا زينوا ملكا عظيما جعلوا له سوارا فلعل هذا على ذلك النحو ولعل المراد أن الحلية تختلف حال لبسها وحال لابسها على قدر المكان والزمان والسلطان فلكل وجه من هذه الوجوه في التعظيم عرف يختص به يعرف به وجوه التكريم فيمكن أن تكون فضة الجنة تخالف فضة الدنيا ويكون لون جسم الذين يحلون بالفضة ومراتبهم يكون هناك في المملكة هذا شعارهم وهذا جمالهم أو لعل المراد أن الحلية للرجال هناك بالفضة علامة على أنهم قد بلغوا عند الله تعالى منزلة من القرب والحب ما لم يبلغها وما يكون المقصود منها مجرد الزينة ولا القيمة بل التعريف لأهل الجنة بأن هذه الحلية لأخص الخواص مثلا ولأهل الاختصاص.

يقول علي بن موسى بن طاوس وقد تركت ما وجدت من الغلط والتغير فيما ذكره الجبائي من التفسير لأنه كان يحتاج إلى مجلدات وإنما اتفق وقوع خاطري عند لمح كتابه على ما ذكرته من الآيات فلم أسحر قول الكشف عنها لئلا يقلده أحد فيما غلط فيها وأحذر من وقف على كتابه أن يقلده في شيء من أشيائه ولا ينظر إلى من قال بل إلى ما قال ويعتبر في ذلك بقول غيره من أهل الورع في المقال وذوي العقل والعدل في شرح الأحوال وهذا آخر ما أردنا ذكره في هذا الباب بحسب ما رجونا أن يكون خالصا لرب الأرباب وهذا تفسير الجبائي من نسخة عتيقة لعلها كتبت في حياته أو قرب وفاته وقفنا منها ما وافق الحق من تأويلاته.

فصل فيما نذكره من تفسير عبد الجبار بن محمد الهمداني الذي كان يقول قضاء القضاة واسم كتابه فرائد القرآن وأدلته حصل لنا منه عدة مجلدات واعلم أن هذا عبد الجبار ممن كان مشتهرا بطلب الدنيا والرئاسات والحرص على الادخار وذخائر أهل الغفلات فهو أخذ في تصانيفه في التعصب على الإمامية والعترة النبوية الذين لم يكن لهم دولة نبوته فعذره فيه أنه كان طالبا للدنيا فسعى فيما يحصلها به فلا يقلد في العقائد والأديان وذكر هلال بن عبد المحسن بن إبراهيم الصبابي في الجزء الثالث من تاريخه ـ

١٨٣

وهو نسخة عتيقة عليها قراءة قديمة لعلها بخط ولد المصنف في حوادث خمس وثمانين وثلاثمائة قبض فخر الدولة على القاضي عبد الجبار أمر أحمد المذكور وعزله عن القضاء ومصادرة أسبابه بثلاثة ألف ألف درهم وباع عبد الجبار في جملة ما باعه ألف طيلسان وألف ثوب صوف مصري.

أقول فهل ترى من يكون له ألف طيلسان وألف ثوب من صفات العلماء العاملين بالله الذين يؤتمنون على دين الله ويصدقون على أولياء الله وقد ذكرنا لك بعض أقوال طلبه للدنيا ومنافسته عليها بحيث إذا وجدت في تفسيره وغيره من تصانيفه تعصبا على الدين فلا تعتمد عليها وهو متأخر عن أبي علي الجبائي وكالتابع له والمتعلق به.

أقول فمنها ما ذكره عبد الجبار في الجزء الثاني من فرائد القرآن لأن الأول منه ما وجدناه من الوجهة الأولة من القائمة التاسعة من الكراس الخامس منه بلفظه وقوله تعالى ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) يدل على أن النفاق والرياء يصحان في الدين ويدل على أن الرسول يجب ألا يعتبر بظاهر القول وإن وجب أن يحكم فيه بما يكون فيه شبيه ذلك الظاهر فيلزم الحكم له بالإسلام وإن جوز في الباطن خلافه ويدل على أنه (ص) لم يكن يعلم بالبواطن ولا الغيب بخلاف ما ارتكبه طائفة في الإمام والنبي (ص).

يقول علي بن موسى بن طاوس وجدت حديثه في تفسيره أقرب من تفسير الجبائي وأقل إقداما على الجرأة على الله تعالى وأما قوله إن النفاق والرياء يصحان في الدين فلعله قصد أنهما يقعان في الدين فغلط هو أو ناسخه أو لعله قصد بقوله يصحان أي يصح وقوعهما أي بأنه ممكن وإلا فكيف يصح النفاق والرياء في حكم الشريعة النبوية أو يقع منه شيء موافق للتراضي الإلهية وقد وقع الوعيد للمنافقين أعظم من الكافرين ـ (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) وأما قوله يدل على أن الرسول (ص) يجب ألا يعتبر بظاهر القول فكيف جاز الاعتماد بالظاهر إلى الاختيار لمقام النبوة والرسالة وهل

١٨٤

يكون اغترار أعظم من اختيار من يحكم على صاحب الشريعة حكما يزيد فيه عليه بغير نص بإطلاق الاختيار على وجهه معتمد عليه وإنما قلت يزيد فيه عليه لأن الله تعالى قال لمحمد (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) وما قال بما رأيت وهذا الذي يذكره عبد الجبار في الاختيار يحكم بما يرى فهو زيادة عما بلغ حال محمد (ص) إليه وأما قول عبد الجبار إنه يدل على أنه لم يكن يعلم البواطن ولا الغيب بخلاف ما ارتكبه طائفة في الإمام والنبي.

أقول إن هذا مما اتهم به بعض الشيعة الإمامية وهو كذب تلقاه أهل الخلاف ممن حكاه بغير حجة وبينة وإنما يقول بعض العلماء من شيعة أهل بيت النبوة إن الله تعالى عرف أنبياءه وخاصته ما كانوا يحتاجون إليه إن شاء أطلعهم عليه وإن شاء ستره عنهم على ما يراه تعالى من المصالح بالعنايات وكيف يقول ذو بصيرة إن بشرا يعلم الباطن والغيب لذاته ويحل تصديق من يدعي هذا على أدنى مسلم سليم في عقله وعلومه وتصرفاته وقد شهد العقل والنقل والقرآن باطلاع كثير من الأنبياء والأوصياء والأولياء على كثير من مغيباته.

أقول وكيف ادعى عبد الجبار أن هذه الآية تدل على أن الذي يعجب النبي (ص) قوله في الحياة الدنيا لا يفهم منه خلاف ظاهره وقد قال الله تعالى له (ص) عن المنافقين ـ (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) وليس كل من أعجب الإنسان بعمومه قوله يدل على أنه ما يعرف فساد قوله ومخالفته لباطنه وقد جرت العادات أن كثيرا من أهل العداوات يتوصل بعلمه أو فصاحته أو حيلته ويستحسن عدوه لفظه وهو يعلم باطنه وعداوته ويقال لعبد الجبار إذا كان الحال في الصحابة مع النبي ما ذكرت من الحكم بالظاهر فهلا كان كل حديث رويته في مدح من ظهر منه بعد وفاته خلاف ما كان في حياته تلك إن المدائح كانت مشروطة بالظاهر الذي كان يعامل أصحابها به وإنها لم تبق حجة يدفع بها ما وقع منهم من ظاهر يخالف ما كانت حالهم عليه وإن كل من كان مظهرا منهم الزهد في الدنيا وسعى بعد النبي (ص)

١٨٥

بقدميه إلى طلب الدنيا فقد سقطت مدائح النبي (ص) التي ذكروا أنها قالها في حياته.

فيما نذكره من الجزء الثالث من تفسير عبد الجبار من الوجهة الأولة من القائمة الثانية من الكراس السادس بلفظه قوله تعالى (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) وهذا مما أظهره الله تعالى لرسوله من علم الغيب لأنه عرفهم أن فيهم من يؤدي الأمانة إلا في الأميين الذين هم العرب وأصحاب محمد (ص) أنهم كالمستحلين لأموالهم لا يعدون ترك الأمانة فيه خيانة لأن مثل ذلك لا يعرف من اعتقادهم إلا من تعريفه تعالى فصار كالمعجز لرسوله من هذا الوجه.

يقول علي بن موسى بن طاوس أما ترى عبد الجبار اعترف بأن الله تعالى أظهر لرسوله علم الغيب وهكذا قول الطائفة الإمامية مع أن الذي ادعاه أنه علم غيب ومعجز ما هو من الوجه الذي ذكره الله تعالى عرفه من حال أهل الكتاب ما في العقول تصديقه من كون العدو يستبيح مال عدوه وإنما الغيب والمعجز أن مع عداوتهم ـ (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) وكان الغيب والمعجز من هذا الوجه وأما قول عبد الجبار مطلقا وأنهم لا يعدون ترك الأمانة فيه خيانة فالقرآن الشريف قسمهم قسمين وعبد الجبار ذكرهم قسما واحدا وهو غلط ظاهر.

فصل فيما نذكره من الجزء الرابع من تفسير عبد الجبار المسمى بالفرائد عن الكراس الآخر من الوجهة الأولة والوجهة الثانية من القائمة الثانية منها بلفظه وقوله تعالى ـ (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) دليل على أن القتل والصلب فيه لم يكن ومتى قيل كيف تصح إقامة الدليل على خلاف ما تواترت به الأخبار عن القوم فجوابنا أن خبرهم لو كان حقا لوجب وقوع العلم بصحته ونحن نعلم من أنفسنا اعتقاد خلافه والمعتبر في التواتر أن يكون صفة المخبرين في كل

١٨٦

زمان وعددهم يتفق ولا يختلف وذلك غير ممكن في تواترهم لأن مآله إلى عدد يسير اعتقدوا أو قلدوا.

يقول علي بن موسى بن طاوس قد جعل هذا الجواب للنصارى طريقا على النبي (ص) وعلى المسلمين بأن يقولوا ونحن أيضا ما نعلم تواتركم بالمعجزات وحجج النبوة وأن عددكم في مبتدأ الإسلام قليل ومن أين اعتقد هو وأهل الخلاف أنه يلزم في كل خبر متواتر أن يعلمه كل واحد ومن أين اعتقدوا أن عدد المتواترين معتبر في كل زمان أقدم على أن كل خبر كان أصله من عدد يسير لا يثبت تواتره وإنما قلنا هذا لأن العقل قضى أن التواتر يحصل العلم لمخبره على الوجه الذي يثمر العلم به وكل من يعتقد وجوب تكذيب المخبرين كيف يحصل له العلم بخبرهم وقد كان يكفي في الجواب أن يقال إن التواتر بالقلب لصورة يشبه عيسى ابن مريم صحيح كما نطق القرآن الشريف من كونه شبه لهم فإن الله تعالى قادر على إلقاء شبه عيسى (ع) على غيره حتى لا يفرق كل ما رآهما بينهما وإنما قلنا من أين اعتقد اعتبار العدد لأن العلم المخبر والأخبار المتواترة يحصل بغير اختيار العالم به وبغير شرط العلم بعدد أو معرفة من أخبر به ومن جحد مثل هذا كان فإننا نعلم بلاد كثيرة ضرورة بالأخبار المتواترة فلو تكلفنا معرفة من أخبرنا بها تعذر علينا من يقوم به صفات المخبرين به فاعتبار العدد بعيد من المعقول والمنقول وإنما قلنا من أين اعتقد أنه إذا كان الأصل في الخبر المتواتر عددا يسيرا ثم لا يصح به العلم فلأن كل نبوة وشريعة كان العدد بمعرفتها ونقل أخبارها أولا عددا يسيرا ثم كثر وهل يجوز جحود مثل هذا العلم ولعل عبد الجبار يحامي من ثبوت النص على مولانا علي (ع) وذلك لا ينفعه فيما يقصد إليه لأن كل دعوى يدعيها اليهود والنصارى في جحود نص موسى وعيسى على محمد ويجبهم عبد الجبار عنها فجوابه لهم هو جواب الشيعة له مع أنني أقول إن الإمامية نقلوا متواترين على كل واحد من أئمتهم معجزات خارقات على مرور الأوقات لو خالطهم عبد الجبار وأمثاله ـ

١٨٧

واطلع على ما أخفي عنه التواتر بها لعلم بمخبرها ولكنه اعتقد بوجوب التكذيب والعصبية عليهم كما اعتقدت الفرق المخالفة للإسلام فأظلمت عليه الطريق وبعد عنه التوفيق والتصديق وهو وأصحابه محجوجون بالحجج التي يحتج بها كافة المسلمين على اليهود والنصارى وأعداء الدين في جحودهم لنصوص الله تعالى على سيد المرسلين.

فيما نذكره من الجزء الخامس من تفسير عبد الجبار المسمى بالفرائد من أول قائمة منه من الوجهة الثانية منها بلفظه سورة الفرقان وهي مكية قوله تعالى ـ (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) يدل على أمور منها أن عند ذكر نعمة في الدين والدنيا يستحب تقديم تعظيمه بأسمائه الحسنى لأن (تَبارَكَ) مبالغة في البقاء والدوام لم يزل ولن يزال ومنها وصف القرآن بأنه فرقان من حيث يعرف به الحق من الباطل ولن يكون كذلك إلا مع كونه دلالة على جميع ذلك فدل من هذا الوجه على أن الاستدلال به ممكن وعلى أنه يعرف بظاهره المراد به ولو كان كما قال قوم من أنه لا يعرف المراد إلا بتفسير أو بقول إمام لخرج من أين يكون يفرق بين الحق والباطل ومنها أن المعارف مكتسبة إذ لو كانت ضرورية لما عرف بها الحق من الباطل وكانت لا تكون فرقانا.

يقول علي بن موسى بن طاوس قول عبد الجبار إنه يدل على تقديم تعظيم أسمائه الحسنى من أين دل على ذلك وليس في لفظه صورة أمر وإن كان من حيث إن الله تعالى قدم لفظ (تَبارَكَ) يفهم منه الإرادة لمثل ذلك فهلا قال إنه واجب ومن أين عدل عن ظاهر مفهومه عنده إلى أنه مستحب ولأي حال خص عبد الجبار التعظيم لله تعالى بأسمائه الحسنى دون غيرها من وجوه التعظيم له تعالى وليس في لفظ (تَبارَكَ) ولا معناها معنى أسماء الحسنى وهلا قال إنه جل جلاله تعظيم ذكر أسمائه الحسنى ووصفه بها.

أقول وأما قوله إن (تَبارَكَ) معناها البقاء والدوام فهذا ما هو في ظاهر اللفظ فأين الشاهد عليه من العربية والعرف وهل يفهم ذو بصيرة من

١٨٨

لفظ (تَبارَكَ) الدوام.

أقول وأما قول عبد الجبار إن لفظ تسميته فرقانا يقتضي أنه يعرف به جميع الحق من الباطل فقد كابر الضرورة وهل يعلم من نفسه وغيره أن حجج العقول عرف بها كثير من الحق والباطل قبل القرآن وأن كثيرا من تفصيل الشرائع والأحكام عرف من غير القرآن وأنه التجأ وأصحابه إلى القياس والاجتهاد حيث ادعوا خلو القرآن من حجة فكيف غفل مما يعتقده هو وأصحابه وناقضه هاهنا.

أقول وأما قوله لو كان لا يعرف المراد إلا بتفسير أو بقول إمام لخرج من أن يكون مفرقا بين الحق والباطل فهو جهل عظيم منه وغفلة شديدة صدرت عنه ويحه أتراه يعتقد أن القرآن مستغن عن صاحب النبوة في تفسيره أو تفسير شيء منه غفلة أو غفل عن قول الله تعالى ـ (ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) أما هذا تصريح أن فيه ما لا يعلم تأويله إلا الله وإذا كان لا يحتاج إلى تفسير فلأي حال نقلوا أخبار من فسره من النبي والصحابة والتابعين وكان على قوله كل من وقف على القرآن عرف من ظاهره تفسيره وهلا جوز أن يكون معنى قوله تعالى القرآن أنه فرق بين الحق والباطل في كل ما فرق بينهما فيه.

أقول وأما قول عبد الجبار إن المعارف مكتسبة إذ لو كانت ضرورية لما عرف بها الحق من الباطل فهو أيضا طريق عجيب أما يعلم كل عاقل أن العلوم منها ضروري ومنها المكتسب أو ما يعرف هو أن المعرفة بالعقل ضرورية وهو أصل العلوم كلها وبه حصلت المعرفة بالفرق بين الحق والباطل.

فصل فيما نذكره من الجزء السابع من تفسير عبد الجبار المسمى بالفرائد من الوجهة الثانية من القائمة السابعة من الكراس الثالث منه بلفظه وقوله تعالى (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) يدل على أن في اليهود من كان يقول هذا القول إذ لا يمكن حمل ذلك على

١٨٩

كل اليهود ولعلمنا بخلافه.

يقول علي بن موسى بن طاوس أما الآية فليس فيها ما ذكره عبد الجبار أن فيهم من يقول هذا دون جميعهم وهلا قال إن الذين كانوا زمن عزير وعند القول عن عيسى كانوا قائلين بذلك ثم اختلفوا فيما بعد فإن الآية تضمنت عن قوم قالوا على صفة قوم ماض كما أن المسلمين كان قولهم واحدا في حياة النبي وكان اختلافهم بعد وفاته ثم يتجدد من الاختلاف ما لم يكن في ذلك الزمان.

فصل فيما نذكره من الجزء التاسع من تفسير عبد الجبار من الوجهة الثانية من القائمة السابعة من الكراس الثالث بلفظه وقوله (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) هو الأصل في الكتابة وعليه بنى الفقهاء كتاب المكاتب وشرط تعالى في ذلك الابتغاء من جهة العبد وأن يعلم فيه خيرا واختلفوا في وجوب ذلك فحكى إسماعيل بن إسحاق عن عطا أنه رآه واجبا وحكى أن عمر أمر أنس بن مالك أن يكاتب أبا محمد بن سيرين فأبى فضربه بالدرة حتى كاتبه وروي عن جماعة كثيرة أنه ندب وهو قول الحسن وغيره ومتى قيل أيدل الظاهر على أحد القولين فجوابنا أن تعليق ذلك بابتغاء العبد كالدلالة على أنه غير واجب إذ لو كان واجبا لكان حقا له عليه إذا تمكن ولو كان كذلك للزمه وإن لم يبتغه خصوصا وهذا العقد يتضمن إزالة ملك وذلك لا يجب في الأصول.

يقول علي بن موسى بن طاوس أين حكاية هذا الاختلاف وكلما حكاه ويحكيه من اختلاف المفسرين من قوله إن القرآن يدل بظاهره على جميع الفرقان بين الحق والباطل ولو كان الأمر كما ذكره فعلام اختلاف الأوائل والأواخر في تفسيره ما أقبح المكابرة وخاصة ممن يدعي تحصيل العلم وتحريره.

أقول إن في حكايته عن عمر أنه ضرب أنس بن مالك حتى كاتب

١٩٠

مملوكه ينسخ لذكر الصحابة وطعن أنس وهو أصل في أحاديثهم العظيمة وكيف رأى عبد الجبار أن الآية دالة على الندب وظاهر ما حكاه عن عمر يدل على أنه كان يعتقد ذلك واجبا والصحابة أعرف بتأويل القرآن فإنهم عرفوه من صاحب النبوة وممن عرفه منه فهلا قلد لعمر في هذه المسألة كما قلده في الأمور الكلية الكثيرة ونصوص القرآن الشريف هو يسقط الاجتهاد الذي يدعيه.

فصل فيما نذكره من الجزء العاشر من تفسير عبد الجبار المسمى بالفرائد من تفسير قوله تعالى (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) فقال عبد الجبار في الوجهة الثانية من القائمة الثالثة من الكراس الأول منه حيث روى أن الحرب تضع أوزارها عند نزول عيسى ابن مريم قال بلفظه وبعد فقد بينا أن نزول عيسى على وجه لا يعرف لا يجوز والتكليف ثابت وإنما يجوز عند زواله فيكون من أشراط الساعة لأنه لا يجوز أن ينقض الله العادات في غير أزمان الأنبياء مع ثبات التكليف وإن جاز ذلك مع زواله.

يقول علي بن موسى بن طاوس كيف ننكر نزول عيسى على وجه يعرف وهو الظاهر من مذهب المسلمين وأنه يقتل الدجال ويصلي خلف المهدي (ع) من ذرية سيد المرسلين وقد روى ذلك الهمداني أبو العلاء الحافظ العظيم الشأن عندهم المعروف بابن العطار واسمه الحسن بن أحمد المشهور له أنه ما كان في عصره مثله وأبو نعيم الحافظ والقضاعي في كتاب الشهاب وأن من ذكرناهم من علمائهم طال الكتاب وكيف يدعي عبد الجبار أن نقض العادات في غير أزمان الأنبياء لا يجوز ومن المعلوم من التواريخ من العقل والنقل والوجدان وجود خرق عادات من جهة السماوات ومن جهة الأرض والنبات والحيوان وحدوث آيات لم يذكر مثلها في ما مضى من الأوقات وإن عصبية أو جهلا بلغ بقائله أو معتقده إلى هذه الغايات لعظيم ويكاد أن يكون صاحبه في جانب أهل الغفلات.

١٩١

أقول وأن يجوز عند عبد الجبار نزول عيسى (ع) عند زوال التكليف من الاعتقاد الطريف لأنه إذا جوز نزول عيسى في وقت من الأوقات أتراه يعتقد أن عيسى (ع) يكون في الدنيا فهو خال من التكليف من الواجبات والمندوبات فهل ذهب أحد من المسلمين إلى أن أحدا من العقلاء البالغين الأصحاء السالمين يكون في الحياة الدنيا بين أهلها عاريا من التكليف وأخذ عدل عبد الجبار عن موافقة المعلوم من السنة المحمدية فوقع في هذه العقيدة الردية وما يستبعد من عبد الجبار أن يكون إنما حمل على إنكار نزول عيسى في زمان التكليف إن الأخبار وردت أنه يكون في دولة المهدي (ع) ويصلي خلفه فلعله أراد التشكيك في ذلك بإظهار هذا القول الضعيف

فصل فيما نذكره من تفسير عبد الله بن أحمد بن محمد بن محمود المعروف بأبي القاسم البلخي الذي سمى تفسيره جامع علم القرآن ذكر الخطيب في تاريخ بغداد أنه قدم بغداد وصنف بها كتبا كثيرة في علم الكلام ثم عاد إلى بلخ فقام بها إلى أن توفي في أول شعبان سنة تسع عشرة وثلاثمائة وهذا يقتضي أنه بقي بعد وفاة الجبائي فمما نذكره من الجزء الأول منه في أن النبي (ص) جمع القرآن قبل وفاته وأنكر البلخي قول من قال إن القرآن جمعه أبو بكر وعثمان بعد وفاة النبي فقال البلخي في إنكار ذلك من الوجهة الثانية من القائمة السادسة من الكراس الأول منه ما هذا لفظه وأما الذي يدل على إبطال قول من يدعي الزيادة والنقصان وأن النبي لم يجمعه حتى جمعه أصحابه بعده وذكر البلخي الآيات المتضمنة بحفظ القرآن ثم قال البلخي من الوجهة الأولة من القائمة السابعة من الكراس الأول ما هذا لفظه وإني لأعجب من أن يقبل المؤمنون قول من زعم أن رسول الله (ص) ترك القرآن الذي هو حجة على أمته والذي تقوم به دعوته والفرائض الذي جاء بها من عند ربه وبه يصح دينه الذي بعثه الله داعيا إليه مفرقا في قطع الحروف ولم يجمعه ولم ينصه ولم يحفظه ولم يحكم الأمر في قراءته وما يجوز من

١٩٢

الاختلاف وما لا يجوز وفي إعرابه ومقداره وتأليف سوره وآيه هذا لا يتوهم على رجل من عامة المسلمين فكيف برسول رب العالمين قلت أنا والله لقد صدقت يا بلخي من توهم أو قال عنه (ص) أنه عرف يموت في تلك المرضة وعلم اختلاف أمته بعده ثلاثا وسبعين فرقة وأنه يرجع بعده بعضهم يضرب رقاب بعض ولم يعين لهم على من يقوم مقامه ولا قال لهم اختاروا أنتم حتى تركهم في ضلال إلى يوم الدين هذا لا يعتقد فيه إلا جاهل برب العالمين وجاهل بسيد المرسلين فإن القائم مقامه يحفظ الكتاب ويقوم بعده لحفظ شرائع المسلمين ولعمري إن دعواهم أنه أهل تأليف القرآن الشريف حتى جمعه بعده سواه بعد سنين قوله باطل لا يخفى على العارفين وهو إن صح أن غيره جمعه بعد أعوام يدل على أن الذي جمعه رسول الله (ص) التفت الناس إليه وجمع خلاف ما جمعه عليه هذا إذا صح ما قال الجبائي.

أقول ثم طعن البلخي في الوجهة الثانية من القائمة السادسة من الكراس الثاني على جماعة من القراء منهم حمزة والكلبي وأبو صالح وكثير ما روى في التفسير ثم قال البلخي في الوجهة من القائمة الثالثة من الثالث ما هذا لفظه واختلف أهل العلم في أول آية منها فقال أهل الكوفة وأهل مكة إنها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وأبى ذلك أهل المدينة وأهل البصرة واحتجوا بأنها لو كانت آية من نفس السورة لوجب أن تكون قبلها مثلها ليكون إحداهما افتتاحا للسورة حسب الواجب في سائر السور والأخرى أول آية منها وما قالوه عندنا هو الصواب والله أعلم.

يقول علي بن موسى بن طاوس قد تعجبت ممن استدل على أن القرآن محفوظ من عند رسول الله (ص) وأنه هو الذي جمعه ثم ذكر هاهنا اختلاف أهل مكة والمدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة واختار أن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ليست من السورة وأعجب من ذلك احتجاجه بأنها لو كانت من نفس السورة كان قد ذكر قبلها افتتاح فيا لله ويا للعجب إذا كان القرآن مصونا من الزيادة والنقصان كما يقتضيه العقل والشرع كيف

١٩٣

يلزم أن يكون قبلها ما ليس فيها وكيف كان يجوز ذلك أصلا ولو كان هذا جائزا لكان في سورة براءة لافتتاحها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) كما كنا ذكرناه من قبل هذا وقد ذكر من اختلاف القراءات والمعاني المتضادات ما يقضي به على نفسه من تحقيق أن القرآن محفوظ من عند صاحب النبوة وقد كان ينبغي حيث اختار ذلك واعتمد عليه أن يعين على ما أجمع الصحابة عن رسول الله (ص) ليتم له ما استدل به وبلغ إليه

فصل في ما نذكره من المجلد الثالث في تفسير البلخي لأن الجزء الثاني ما حصل عندنا فقال في الوجهة الثانية من القائمة الخامسة وبعضه من الوجهة الأولة من القائمة السادسة من الكراس الرابع ما هذا لفظه النسخة عندنا قوله (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) والباء زائدة نحو زيادتها في قوله (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) وإنما هي تنبت الدهن قال أبو الغول ـ

ولعل ملأت على نصب جلده

بمساءة إن الصديق بعاتب

يريد ملأت جلده مساءة والتهلكة والهلاك واحدة قتادة (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) الآية قال أعطاهم الله رزقا وأموالا فكانوا مسافرين ويغتربون ولا ينفقون من أموالهم فأمرهم الله أن ينفقوا في سبيل الله وأن يحسنوا فيما رزقهم الله عبيدة السلماني (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فنهوا عن ذلك ابن عباس (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) الآية قال إن لم يجد الرجل الاستقصاء فليجتهد في سبيل الله الآية ولا تقولون لا أجد شيئا قد هلكت ثم ذكر البلخي عن جماعة أن التهلكة النجل أو يقاتل ويعلم أنه لا ينفع بقتاله أو هو ما أهلكهم عند الله جل جلاله.

يقول علي بن موسى بن طاوس اعلم أن قول البلخي إن الباء زائدة في قوله تعالى (بِأَيْدِيكُمْ) فهو قول يقال فيه إنه لو كانت الباء زائدة لكان الإلقاء إلى التهلكة بالأيدي فحسب ولما قال تعالى (لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ) كان مفهومه لا تلقوا بأنفسكم وهو الظاهر من الآية فلا ينبغي أن يتحكم بأنها زائدة أقول وأما المثال الذي ذكره في قوله جل جلاله (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) فيقال له لو قيل لك إنها لو كانت زائدة لكان المراد كما زعمت أنها تنبت الدهن ومن

١٩٤

المعلوم أن الدهن لا يسمى نباتا حتى يقال تنبت الدهن وإنما المانع أن يكون الباء في قوله تعالى (بِالدُّهْنِ) أن يكون في موضع لام فتكون على معنى تنبت للدهن فإن حروف الصفات تقوم بعضها مقام بعض وهو في القرآن في عدة مواضع ويقال عن تفسير الإلقاء إلى التهلكة إن الوجه الذي ذكره في أنها ما تهلك عند الله تعالى كأنه أحوط في الآية وربما يدخل تحتها الوجوه كلها إذا كانت مهلكة عند الله كان كل شيء يكون العبد معه سليما عند الله تعالى وممتثلا أمره فيه فليس بهلاك حقيقة

فصل فيما نذكره من الجزء الرابع من تفسير البلخي وهو الثاني من المجلد الثالث من الوجهة الأولة من القائمة الثانية من الكراس السادس قوله (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فقال ألفاظه طويلة وهي في نحو ثلاث قوائم فنذكر معنى ما نختار ذكره منها أن إبراهيم طلب رؤية إحياء الموتى ليكون مشاهدا لكيفية الإحياء منها أنه (ع) خاف أن نمرود أو غيره يقول له أنت شاهد ربك وهو يحيي الموتى فإذا قال لا صار ذلك كالشبهة لهم فأراد إبراهيم أن يرى كيفية الإحياء ليقول لهم نعم شاهدت ومنها أن يكون نمرود أو غيره طلب منه أن يسأل الله تعالى ذلك ومنها أنه رأى جيفة على البحر يأكل منها الطير والسباع فأحب أن يرى اجتماعها عند الحياة من بطون من أكلها.

أقول وروينا نحن وجها آخر وهو أن إبراهيم كان موعودا بالخلة من الله وأن دلالة اتخاذه خليلا إحياء الموتى له فسأله أن ينعم عليه إحياء الموتى ليطمئن قلبه بالخلة وذكر البلخي فيما رواه أن قول إبراهيم ـ (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أني أزداد يقينا وفي رواية أزداد إيمانا وفي رواية أعلم إجابة دعائي في سؤالي لك أن تريني كيف تحيي الموتى ثم ذكر البلخي أن إبراهيم احتج بطلوع الشمس من المشرق أن يأتي بها نمرود من المغرب قال فقامت

١٩٥

الحجة عليه وهو الحق.

أقول وبلغني عن بعض من عهد موضع الحجة فيما احتج به إبراهيم وقال هذا الجاهل لو كان حديث إبراهيم منه مكابرة وقال إنه يأتي بالشمس من المشرق فليأت بها ربك من المغرب فقلت إن نمرود ربما يكون المانع له من هذا المكابرة وعلم أنه وكل من معه يعلمون بالمعاينة وبتعريف آبائهم وأسلافهم أن هذه الشمس كانت تطلع من المشرق قبل وجود نمرود فلو ادعى نمرود أنه يخرجها هو من المشرق كذبه كل واحد وكان ذلك قاطعا له وافتضاحا قال البلخي في الوجهة الأولة من القائمة الخامسة من الكراس السادس المذكور ما هذا لفظه ـ (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) إنه عند الجميع وفي هذه الآية دليل على أن الكبائر تحبط الطاعات وتبطل ثواب فاعلها.

يقول علي بن موسى بن طاوس كيف عرف أن هذه الآية تدل على الإحباط وليس في ظاهرها إلا مدح من ينفق في سبيل الله ولا يتبع نفقته منا ولا أذى وأنه يستحق أجرا ولا يخاف ولا يحزن أما يحتمل هذا الظاهر أن الذي ينفق في سبيل الله وعن علي (ع) من يتصدق عليه أو يكذب عليه أنه يمكن قبول صدقته ولكن لا تكون بهذه الصفات في مدحته وعظيم منزلته كان الذي اعتمد عليه البلخي بعيد من دليل الخطاب ومما ينبه على أنه ما هو محبط للثواب قول الله تعالى في الآية التي بعدها ـ (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) والظاهر من قوله تعالى ـ (خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) ربما دل على أن الصدقة مع الأذى يحصل منها خير ولكن بغير أذى أفضل وخير من تلك لأن لفظ المفاضلة يقتضي المشاركة إلا أن يمنع من ذلك مانع ولو كان قد فرق بين الجاهل بشرط الإنفاق في سبيل الله إذا من بها لجهله وبين العالم بشروطها إذا من بها مع علمه لكان قد قارب في أن العالم غير معذور ولكن الإحباط بعيد بهذه الآية مع ما دلت عليه الآية الأخرى وقد دلت الأدلة على بطلان التحابط على الوجه الذي

١٩٦

يقول البلخي وما هاهنا موضع ذكرها أما يعلم كل منصف أن الكريم الحليم تلقونه أن يترك ما له ويبقى ما عليه.

فيما نذكره من جزء آخر عليه مكتوب الجزء الرابع وهو من تفسير البلخي أوله قول الله تعالى ـ (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) وآخره من تفسير قوله (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ) نذكر منه من الوجهة الأولة من القائمة السابعة من الكراس الثاني بلفظ النسخة قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) آية عند الجميع وذكر معنى السبيل ثم قال البلخي ما هذا لفظه وقال بعضهم هؤلاء الذين نزلت فيهم هذه الآية ـ (آمَنُوا) بموسى (ثُمَّ كَفَرُوا) بعزير (ثُمَّ كَفَرُوا) بعيسى (ص) ـ (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) بتكذيبهم النبي (ص) آمنوا به ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا قال ماتوا.

يقول علي بن موسى بن طاوس قد تعجبت من هذا التأويل وكون البلخي ما رده ولا طعن عليه وأن ظاهر الآية عن موصوفين بهذه الصفات كلها فكيف يقال إن قوما كانوا باقين من زمن موسى إلى زمن محمد (ص) كانت فيهم هذه الصفات من الإيمان والكفر والتكرار وإن قال قائل معنى هذا أن منهم قوم آمنوا وتابوا وجاء بعدهم قوم كفروا وجاء قوم كذبوا ثم كفروا ونحو هذا الكلام فظاهر الآية أن الذين آمنوا ثم هم الذين كفروا ثم هم الذين آمنوا هم الذين ازدادوا كفرا ولو كان البلخي قد ذكر أن هذه الآية نزلت فيمن اجتمعت هذه الصفات من إيمان وكفر كان قد استظهر في التأويل الذي يليق بتعظيم القرآن ولم يدخل عليهم طعن في مكابرة للعيان

فصل فيما نذكره من الجزء السابع من تفسير البلخي من أول قائمة منه بإسناده عن عبادة بن الصامت قال سألت رسول الله (ص) عن قوله ـ (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) قال هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له.

فصل فيما نذكره من الجزء التاسع من تفسير البلخي من الوجهة الثانية من القائمة الثالثة منه وبعضه من الوجهة الأولة من القائمة الرابعة في تفسير

١٩٧

قوله تعالى ـ (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) فقال البلخي بلفظه ومن مشهور مذهب النصارى وفيما يتلون من كتابهم أن المسيح قال أذهب إلى أبي وأبيكم وقد يجوز أن يكون لم يقولوا ـ (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) بهذا اللفظ ولكن قالوا ما معناه فأخبر الله عن المعنى بلفظ غير لفظهم فيقال للبلخى إن هذا التأويل ممكن كما أن لفظهم وربما كان عبرانيا أو سريانيا ولفظ القرآن عربي ويمكن أنهم قالوا ما يقتضي صورة اللفظ كما حكاه الله تعالى عنهم ويكون المراد بقول الله تعالى (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ) عن النصارى لظهور ذلك في الإنجيل واعترافهم بالتلفظ به وقوله تعالى (وَأَحِبَّاؤُهُ) عن اليهود فيجعل الوصف لكل فريق منهم ولما يليق بظاهر حالهم أو يقول إنه كان لهم سلف اليهود والنصارى يقولون ذلك والخلف يقولون السلف فكانت ولايتهم لهم مشاركة لهم فيما كانوا يقولون وكالموافقة لما كانوا يعتقدون ثم قال البلخي ما هذا لفظه وفي هذه الآية أعظم حجة على من أنكر الوعيد من المرجئة وأجاز أن يعذب الله من لم يخرجه ذنبه من الإيمان ولا زال ولايته وذاك أن المرجئة تزعم أن الفساق مؤمنون وتزعم أن الله تعالى مع ذلك قد يجوز أن يعذبهم في النار ومنهم من يقول إنه يجوز أن يخلدهم وهذا ما أنكره الله عن اليهود نفسه.

يقول علي بن موسى بن طاوس من أمر البلخي قال إن في هذا أعظم حجة أما ترى التعصب للعقائد كيف يبلغ إلى هذا الحد الفاسد ولو ادعى أن فيه حجة ولا يقول أعظم حجة كان فيه بعض الشبهة وهل في ظاهر الآية شيء مما قاله لأن صفة الولاية والمحبة التي تكون حقيقة مطلقة أنه ما يكون لهم ذنب أصلا فكان الله جل جلاله رد عليهم وقال لو كنتم أحباءه من كل وجه كيف كان يعذبكم بذنوبكم وإلا فكيف يكون وليا من جانب طاعته وعدوا من جانب ذنوبه ومعصيته أو يكون حبيبا من جانب رضاه وعدوا من جانب سخطه ومفارقته فيكون وليا أو حبيبا من سائر جهاته فأنكر

١٩٨

الله ذلك وهو واضح الإنكار وأما قول المرجئة إن الفساق مؤمنون فما ادعوا ولاية ولا محبة حتى تصح المعارضة لهم وأما جواب تعذيب المؤمن فلا أدري كيف أنكر ذلك وهو يرى الحدود والآداب وهي من العقوبات جارية في الدنيا على المؤمنين ولم يخرجهم عن اسم الإيمان في الحال وقد سمى الله تعالى في القرآن خلقا عظيما وصفهم بالفرار من الزحف وبذنوب ظاهرة الكشف مؤمنين.

أقول وقد ترى العقلاء يعذبون أبناءهم وخواصهم والعزيزين عليهم من وجه ويكرمونهم من وجه والعيان دال عليهم وترى القرآن الشريف يتضمن معاتبات الأنبياء وإخراج آدم من الجنة وبلواهم وهو كالأدب من وجه وهم مكرمون ومعظمون من وجوه أخر ثم قال البلخي ما هذا لفظه ولن يجوز أن يعذب الله واحدا ويغفر لآخر في مثل حاله لأن ذلك هو المحاباة والله أعلم لا يحابي ولا هوادة ولا قرابة بينه وبين أحد من خلقه فيقال له وهل ينكر أحد أن كثيرا من الذنوب التي أهلك الله تعالى بها كثيرا من الأمم الماضية وقع مثلها في أمه نبينا محمد (ص) ولم يعاجلهم ويعاقبهم كأولئك وهل يجد عاقل في عقله أنه يمنع مانع من العفو عن أحد مسيء دون الآخر إن تساوت إساءتهما وهل يمنع صاحب دين على اثنين متساويين في الدين أو غيره أن يسقط ديونه عن أحدهما أو يطلب ديونه التي على الآخر ثم قال البلخي بلفظه فإن قال قائل إن الخلق خلقه والأمر أمره يصنع ما يشاء قيل له إن ذلك وإن كان كذلك فإنه لا يفعل إلا الصواب والحكم وبعد فإن كان الأمر على ما قدرت فما جرأ أن يعذب الأنبياء ويخلد الشياطين في الجنة لمثل هذه العلة فيقال له كيف حكمت عليك العصبية للعقيدة التي أنت عليها إلى هذه الغاية وهل أوجد العقول بحيل أنه إذا كان للعبد حسنة وسيئة أن يجازى على حسنته ويعاقب على سيئته وهل هذا خارج عن الحكمة والصواب وأما معارضته بالأنبياء والشياطين فإن تساوى الأنبياء والشياطين فما كان الحديث فيه وهل يجد معا بلا خلاف بين الأمة من تعذيب الأنبياء

١٩٩

ومن العفو عن الشياطين كما ذكر عن فساق المؤمنين ما الذي أحوجه إلى الضلال المبين.

فيما نذكره من الجزء العاشر من تفسير البلخي من الوجهة الثانية من القائمة الثامنة من الكراس الثامن منه من تفسير قول الله ـ (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) فقال ما هذا لفظه أم لهم شركوا بالواو والألف وكذلك الذي في عسق أم لهم شركوا وليس في القرآن بالواو والألف غير هذين الحرفين كذلك كتبوا وأضعفوا بواو لا ألف قبلها وتعصوا شركوا وبنوا الدار وقل هو نبأ نقطة على صدر الواو ليست قدام الألفات الزوائد الإعراب في الواو مع همزتها لأن هذه الواو هي الإعراب وإنما كتب في المصاحف بالواو على لفظ المملي وليست الواو منها وإنما أدخلها سعد بن أبان الذي كتب مصحف عثمان على لفظ المملي وليست في الوقف واو بل هي همزة خفيفة.

يقول علي بن موسى بن طاوس قد قدمنا من كلام لهذا البلخي من الجزء الأول من تفسير ما يقتضي إنكاره للزيادة والنقصان في المصحف الشريف كما تذكره العلماء ومما حققه من أن المصحف جمعه رسول الله في حياته وأرى هاهنا قد ذكر أن المصحف متضمن لزيادات حروف وقد اعترف بمصحف عثمان باسم كاتبه فأين هذا القول الآن مما ذكرناه عنه في ذلك المكان

فصل فيما نذكره من الجزء الحادي عشر من تفسير البلخي بعضه من القائمة الأولة منه وبعضه من الثانية في تفسير قول الله تعالى ـ (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) فقال ما هذا لفظه وإن أطعتموهم في الاعتقاد لتحليل الميتة بعد نهي الله عنها إنكم لمشركون أي ليكن منكم هذا الاسم وإن لم تعتقدوا بقلوبكم أن لله شركاء ولله أن يسمي خلقه بما شاء على أفعالهم وفي الآية حجة على أن الإيمان اسم لجميع الطاعات وإن كان في اللغة هو التصديق كما أن الشرك اسم لما جعله الله اسما له من الكفر بنبيه والاعتقاد لتحليل لما حرمه الله أو لتحريم ما حلل

٢٠٠