سعد السّعود

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

سعد السّعود

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات دار الذخائر للمطبوعان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٣

أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذرياتنا خلف أزواجنا وعن النبي (ص) حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي ومن اصطنع صنيعا إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غدا إذا لقيني يوم القيامة ثم قال الزمخشري أيضا ما هذا لفظه ـ وقال رسول الله من مات على حب آل محمد فقد مات شهيدا ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له إلا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ألا ومن مات على حب آل محمد فتح الله في قبره بابين إلى الجنة ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة.

يقول علي بن موسى بن طاوس انظروا إلى أهل هذه الأحوال والوصايا بالقرابة والآل وإلى ما جرت عليهم حالهم من القتل والذل والاستيصال وسوء الأحوال والإطراح لعلومهم ورواياتهم وترك اتباع آثارهم وهداياتهم والالتزام ممن يرووا فيه حديثا والاجتزاء واتخذوه أعظم من صاحب النبوة وقد كان زمانه متأخرا.

فصل فيما نذكره من الجزء التاسع من كتاب الكشاف للزمخشري وهو آخر الكتاب في تفسير القرآن من الكراس الحادي عشر من الوجهة الأولة من القائمة التاسعة في تفسير هل أتى بلفظ الزمخشري وعن ابن عباس أن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله (ص) في ناس معه فقال يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهم إن

١٤١

يبريا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام فشفيا وما معهم شيء فاستقرض علي (ع) من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصواع من شعير فطحنت فاطمة (ع) صاعا فاختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم وأسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ علي (ع) بيد الحسن والحسين فأقبلوا إلى رسول الله (ص) فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال (ص) ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبرئيل وقال خذها يا محمد هنأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة.

يقول علي بن موسى بن طاوس في هذه القصة والسورة أسرار شريفة منها أنه يجوز الإيثار على النفس والأطفال بما لا بد منه ومنها أن القرض لا يمنع أن يؤثر الإنسان به ومنها أن الواجب من قوت العيال لا يمنع من الصدقة في مندوب ومنها أنه إذا كان القصد رضا الله تعالى هان كل مبذول ومنها أن الله تعالى اطلع على صفاء سرائرهم في الإخلاص فجاد عليهم بخلع أهل الاختصاص ومنها أنه لم ينزل مدح في سورة من القرآن كما نزلت فيهم على هذا الإيضاح والبيان ومنها أن من تمام الإخلاص في الصدقات أن لا يراد من الذي يتصدق عليه ـ (جَزاءً وَلا شُكُوراً) بحال من الحالات ومنها أن الإيثار وقع من كثير من القرابة والصحابة أيام حياة النبي من الثناء فلم ينزل على أحد مثل ما نزل على مولانا علي وفاطمة والحسن والحسين ع

فصل فيما نذكره من تفسير أبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي وهو عندنا عشر مجلدات في كل مجلد جزوات واعلم أن أبا علي الجبائي من

١٤٢

عبد لعثمان بن عفان واسم العبد المذكور أبان فهو يتعصب على بني هاشم تعصبا لا يخفى على من أنصف من أهل البصائر وكأنه حيث فاته مساعدة بني أمية بنفسه وسيفه وسنانه قد صار يحارب بني هاشم بقلمه ولسانه. أقول وأما نسبته إلى أبان عبد عثمان بن عفان فذكر محمد بن معية في كتاب المولى عن الخطيب مصنف تاريخ بغداد ووقفت عليه في تاريخه فقال عند ذكر أبي هاشم ولد أبي علي الجبائي عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن حالة بن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان.

أقول وكان هذا حمران بن أبان جد الجبائي حاجبا لعثمان بن عفان واتفق تعلق الجبائي على عثمان بأن جده أبان عبد عثمان وجده حمران حاجبه فتوكدت عداوته لبني هاشم ولد أبو علي الجبائي سنة خمس وثلاثين ومائتين ومات في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة.

أقول وأما بغضه على بني هاشم فإن أظهر التفاسير بين الناس تفسير عبد الله بن عباس ومن روى عنه وهذا كتاب تفسيره كأنه ما سمع في الدنيا مفسرا للقرآن اسمه عبد الله بن عباس.

أقول ويبلغ تعصبه الفاضح أنه يأتي إلى آيات ما ادعاه المتقدمون على بني هاشم في الخلافة أنها نزلت فيهم أيام خلافتهم ولا قبلها ولا احتجوا بها ولا ادعى لهم مدع أيام حياتهم أنها نزلت فيهم فيدعي هو بعد مائتي سنة ونحو خمسين سنة من زمان الصحابة أن هذه الآيات أنزلت فيهم ويستحسن المكابرة والبهت والفساد الذي لا يليق بالعقل ولا بالنقل.

أقول واعلم أن تفسيره يدل على أنه ما كان عارفا بتفسير القرآن ولا علومه فإنه يذكر ما يدعيه من التأويل إلا شاذا غير مستند إلى حجة من خبر أو كلام العرب أو وصف اختلاف المفسرين والاحتجاج لقوله الذي يخالف أقوالهم.

أقول ثم يذكر الآية ويقول في أكبر ما يفسره إنما يعني الله كذا وكذا في آيات محتملات عقلا أو شرعا لعدة تأويلات وما كان جبرئيل

١٤٣

ولا رسول الله (ص) يقولون في مثل ذلك يعني الله كذا وكذا إلا بوحي من الله تعالى وهو قد عرف أن القرآن الشريف تضمن من أعظم الخلائق محمد (ص) (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) وقال جل جلاله (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) ثم يقول في أواخر تفسير آيات قد قال في أولها يعني الله تعالى كذا وكذا فيغفل عن قوله إن الله عنى ذلك ويعود يقول وجها أو وجوها أخر يذكر أن الله عناها كيف كان يحسن في حكم العربية والاستعمال أن يقول إنما يعني الله كذا وكذا بلفظ إنما المحققة لما اشتملت عليه النافية لما عداه ثم لم يذكر بعد ذلك وجها أو وجوها أخر.

ويقول إن الله جل جلاله لعناها.

أقول ثم لا يذكر قصص الأنبياء ولا الحوادث التي تضمن القرآن الشريف ذكرها كما جرت عادة المفسرين العارفين بها.

أقول ثم لا يذكر أسباب النزول على عادة المفسرين ولا وجوه الإعراب ولا التصريف والاحتمال ولا ما جرت به العادة من تعظيم فصاحة آيات القرآن ومواضع الإعجاز بها على صواب من كمال المقال.

فصل فيما نذكره من أواخر المجلد من تفسير أبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي من القائمة الثانية إلى ما نذكره من كلامه في الكراس الأول من لفظه فقال محنة الرافضة على ضعفاء المسلمين أعظم من محنة الزنادقة ثم شرع يدعي بيان ذلك بأن الرافضة تدعي نقصان القرآن وتبديله وتغييره. فيقال له كل ما ذكرته من طعن وقدح على من يذكر أن القرآن وقع فيه تبديل وتغيير فهو متوجه على سيدك عثمان بن عفان لأن المسلمين أطبقوا أنه جمع الناس على هذا المصحف الشريف وحرف وأحرق ما عداه من المصاحف فلولا اعتراف عثمان بأنه وقع تبديل وتغيير من الصحابة ما كان هناك مصحف محرف وكانت تكون متساوية ويقال له أنت مقر بهؤلاء القراء السبعة الذين يختلفون في حروف وإعراب وغير ذلك من القرآن

١٤٤

ولو لا اختلافهم ما كانوا سبعة بل كانوا يكونون قارئا واحدا وهؤلاء السبعة منكم وليسوا من رجال من ذكرت أنهم رافضة ويقال له أيضا إن القراء العشرة أيضا من رجالكم وهم قد اختلفوا في حروف ومواضع كثيرة من القرآن وكلهم عندكم على الصواب فمن ترى ادعى اختلاف القرآن وتغيره أنتم وسلفكم لا الرافضة ومن المعلوم من مذهب الذي تسميهم رافضة أن قولهم واحد في القرآن ويقال له قد رأينا في تفسيرك ادعيت أن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ما هي من القرآن الشريف وقد أثبتها عثمان فيه وهو مذهب لسلفكم أنهم لا يرونها آية من القرآن وهي مائة وثلاث عشرة آية في المصحف الشريف تزعمون أنها زائدة وليست من القرآن فهل هذا الاعتراف منك يا أبا علي بزيادتكم في المصحف الشريف والقرآن ما ليس فيه ويقال له وجدناك في تفسيرك تذكر أن الحروف التي في أول سور القرآن أسماء السور ورأينا هذا المصحف الشريف الذي تذكر أن سيدك عثمان بن عفان جمع الناس عليه قد سمى كثيرا من السور التي أولها حروف مقطعة بغير هذه الحروف وجعل لها أسماء غيرها فهل كان هذا مخالفة على الله جل جلالة أن يسمي سور كتابه العزيز بما لم يسمها الله تعالى أو كان ما عمله صوابا وتكون أنت فيما تدعيه أنها أسماء السور مدعيا على الله تعالى ما لم يعلم من تفسير كتابه ويقال له قد رأيناك قد طولت الحديث بأن سورة الحمد كانت تقرأ مدة زمان البعثة وكيف يمكن أن يكون فيها تغير فهل قرأت هذا الكلام على نفسك وعيرته بميزان عقلك فكيف ذكرت مع هذا أن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) المذكورة في أولها في كل مصحف وجدناه ليست منه وكيف اختلف المسلمون في (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) من سورة الحمد هل هي آية منها أم لا وكيف قرأ عمر بن الخطاب غير المغضوب عليهم وغير الضالين بزيادة غير قبل (وَلَا الضَّالِّينَ) على ما حكاه الزمخشري عنه في تفسيره أما سمع المسلمون رسول الله (ص) يقرأ الحمد في صلاته وغيرها فعلام اختلفوا بها في هذا وأمثاله منها فهل ترى إلا أن كل ما طعنت به على الذي تسميهم

١٤٥

رافضة متوجه إلى سلفك وإليك وإلى سيدك الذي تتعصب له على بني هاشم المظلومين معكم ويقال له وجدنا القرآن الشريف متضمن أن فيه ما لا يعلم تأويله إلا الله على إحدى القراءتين ونراك قد ادعيت تفسير الجمع من آيات القرآن فأين القسم الذي استأثر الله تعالى بمعرفته دون عباده وعلى القراءة الأخرى أن الراسخين في العلم يعلمون قسما من القرآن دون غيرهم فهل تدعي أنك من الراسخين في العلم ولهذا تفسيرك يدل على أنك لست من أهل العلم بالقرآن فكيف تدعى رسوخا فيه ويقال له إن الذي تدعيه أنت وأمثالك على الرافضة أنهم يقولون إن القرآن لا يعرف تأويله إلا إمامهم بهتان قبيح لا يليق بأهل العلم ولا بذوي الورع ولا بمن يستحي مما يقول فإن الرافضة ما تدعي ولا أعرف أحدا من العقلاء يدعي شيئا من القرآن لا يعرف تأويله مطلقا إلا واحد من الأمة لأن القرآن الشريف فيه المحكم الذي تعرف تأويله ومفهومه بغير تأويل بخلاف ظاهره فكيف يدعي أحد أن هذا لا يعرف إلا واحد من الأمة.

أقول فأما المتعلق من القرآن بالقصص فكيف يدعي أحد أن مفهوم القصص المشروحة بالقرآن لا يعرفها إلا إمام الشيعة ما أقبح مكابرتك.

أقول وأما الأحكام الشرعية التي تضمنها صريح لفظ القرآن الشريف فكيف تدعي من تسميهم بالرافضة أنها لا يعرفها إلا إمامهم وهم يحتجون بها في تصانيفهم وكتبهم.

أقول وأنت ترى كتب محتجون بالقرآن في كل شيء يحتمل الاحتجاج به وما يدعون أن هذا الاحتجاج صادر عن إمامهم فأي شيء حملك على التعصب على الشيعة المظلومين معك لأجل تعلقهم على بني هاشم وأي حاصل لبني أمية الهالكين من تعصبك لهم وقد شهد عليهم بالضلال صواب المقال ثم يقال له كيف تدعي على قوم شاهدنا فتاواهم ووقفنا على كتبهم وتصانيفهم أنهم موحدون شاهدون لله تعالى ولرسوله بما شهد به صريح العقل وصحيح النقل أنهم أعز على الإسلام من الزنادقة وهل

١٤٦

يدعى عليهم إلا تقديمهم لمولانا علي على من تقدمه من الصحابة فإن كنت تقصد بهذا الطعن على مولانا علي وبني هاشم تأخرا عن بيعة أبي بكر على قاعدة الخوارج فكفاك بذاك عارا وشنارا فإن البخاري ومسلم شهدا في صحيحيهما أن عليا وبني هاشم تأخرا عن بيعة أبي بكر ستة أشهر أو نصف سنة إلى حين وفاة فاطمة وعرفت أن عليا (ع) كان يقول إنه مظلوم منذ قبض رسول الله فما كان ذلك أن تطعن بما يرجع على هدم الإسلام وتفتضح به بين الأنام وأنت عرفت أن عليا والصحابة تحاربوا بعد وفاة النبي (ص) أيام طلحة والزبير ومعاوية قد اعتذرت للجميع فهلا كان الذين تقدموا على مولانا علي أسوة بمن حاربهم ويكون الجميع عندك معذورين ويكون جميع الشيعة معذورين وهلا كان القوم عندك على شبهة أين علمت أنهم جميعا معاقدون وأنهم أضر على الإسلام من الزنادقة لو لا أنك مطرود عن الحق وتابع للهوى ومفتون وستعلم إذا جمعنا وإياك موقف القيامة كيف نكون وتكون ويقال لأبي علي الجبائي ولأمثاله هل ترى العقل يقتضي أن نبيا أو سلطانا يخرج رعيته من الضلال إلى الهدى ومن الفقر إلى الغنى ومن الذل إلى العز وبلوغ غايات المنى ومن المشابهة للدواب بعبادة الأحجار والأخشاب ويردهم إلى حكم الألباب فلما خاطر هذا النبي أو السلطان على أقل عقائد المتعصبين عليه وصفاء الملك عن الأكدار أن تزاحم الأجانب أهل بيته على دولته ثم لم يقنعوا بمزاحمتهم على رئاستهم حتى قتلوا منهم فريقا وأسروا فريقا وقصدوهم بالعداوة في الحياة وبعد الممات وبلغت العداوة لهم إلى أنهم إذا سمعوا عن أحد أنه يمدحهم أو تولاهم أو يفضلهم على سواه أخرجوه عن الإسلام وحكموا عليه بالزندقة وجحود الشرائع والأحكام أهكذا يا أبا علي يكون جزاء الإحسان أما تعلم أنكم كنتم مسلمين مؤمنين فقد أعتقناكم من القتل ومن الجزية التي ألزمناها أهل الذمة وأنكم عتقاؤنا على كل حال وبنا وصلتم إلى كل ما تدعونه من رئاسة أو علم أو بلوغ آمال وارحموا نفوسكم من يوم الحساب والسؤال

١٤٧

فصل فيما نذكره من الجزء الثاني من المجلد الأول من تفسير أبي علي الجبائي من الوجهة الأولة من القائمة الخامسة من الكراس الثاني من الجزء الثاني المذكور بلفظه وأما قول الله سبحانه وتعالى ـ (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) فإنما عنى به ما كان فرضه على الناس في صدر الإسلام من الوصية للوالدين والأقربين ثم نسخ ذلك بأن بين السنة أن لا وصية لوارث وبين لنا ذلك رسول الله ونسخ عنا فرض الوصية أيضا.

يقول علي بن موسى بن طاوس يقال لأبي علي الجبائي إن هذا الحديث الذي قد ذكر عن رسول الله أنه لا وصية لوارث ينقض بعضه بعضا وهو يقتضي أنه حديث مكذوب على رسول الله (ص) وهو مما يستحيل العمل بجميع ظاهره وإذا كان لا بد من تأويله على خلاف الظاهر فهلا ذكرت له وجها يجمع بين القرآن وبينه من غير نسخ فوجوه ذلك كثيرة فأما قولنا إنه يستحيل العمل بجميع ظاهره لأن ظاهره يقتضي أن يكون الوصية في حال يكون الموصى له وارثا وهذا متعذر لأن الموصي يوصي وهو حي وما انتقل ماله ولا ما أوصى به إلى غيره حتى يسمى الذي يوصى له أنه وارث فلا بد أن يقول إن معناه لا وصية لمن يمكن أن يكون وارثا.

أقول وإذا قلت أنه لا وصية لمن يمكن أن يكون وارثا بطلت الوصية للقريب والبعيد وذهب حكم كتاب الأوصياء في هذا وأحكام الوصية به في الإسلام لأنه لا يوجد أحد من المسلمين إلا ويمكن أن يكون وارثا في وقت دون وقت ومثال ذلك أنه إذا فقد ذو السهام من أهل المواريث كان الوارثون ذو الأرحام على الخلاف في ترتيبهم وإذا فقد ذو الأرحام كان ميراث الإنسان إما لبيت المال وهو عائد إلى إمام الوقت وإلى سائر المسلمين أو إلى فقراء المسلمين على بعض المذاهب فإذا تكون الوصية ساقطة في ملة الإسلام لهذا الحديث المتهافت في العقول والأفهام.

١٤٨

أقول وإن قال إنما المراد يكون عند وفاة الميت وارثا فيقال له هذا أيضا غير معلوم لجواز أن يموت من يوصى له قبل وفاة الموصي فيكون الموصى له موروثا ولا يكون وارثا على ظاهر خبر الجبائي إلا أنه لا وصية لمن يعلم أنه يبقى بعد الموت ويصير وارثا وذلك أيضا لا طريق معلوم للذين يوصون له فلا تصح الوصية أيضا.

أقول وإذا كان ظاهر الحديث لا يصح العمل عليه ومتضادا في نفسه وساقطا عند علماء أهل البيت جميعهم الذين روى العلماء من المسلمين ـ أن النبي (ص) قال إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فكيف ينسخ به صريح القرآن الشريف وهل الإقدام على نسخ القرآن بهذا الحديث الضعيف إلا التهوين بالله تعالى وبكتابه المعظم المنيف.

أقول وأي عقل أو نقل يقتضي أن التركة التي للورثة فإذا أكد الموصي استحقاقهم للثلث بالوصية يكون التأكيد مبطلا أو باطلا.

أقول ومما يمكن تأويل الحديث مع سقوطه أن لا وصية لوارث يزيد نصيبه من الميراث عن الثلث فإنه يأخذ الثلث كله وزيادة فلا حاجة إلى الموصى له وهذا تأويل قريب من عادة الجبائي في الاجتهاد والاستحسان ويكون باقي عموم الآية على ظاهره في الوصية مطلقا لأهل الإسلام والإيمان ولا يكون نسخا معارضا للقرآن وقد ذكر جدي أبو جعفر الطوسي في التبيان عند ذكر هذه الآية كلاما شديدا ونحن نذكره بلفظه وفي الآية دلالة على أن الوصية جائزة للوارث لأنه قال (لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) والوالدان وارثان بلا خلاف إذا كانا مسلمين حرين غير قاتلين ومن خص الآية بالكافرين فقد قال قولا بلا دليل ومن ادعى نسخ الآية فهو مدع كذلك ولا نسلم له نسخها وبمثل ما قلناه قال محمد بن جرير الطبري سواء فإن ادعى الإجماع على نسخها كان ذلك دعوى باطلة ونحن نخالف في ذلك فقد خالف في ذلك نسخ الآية طاوس فإن خصها بالكافرين لمكان الخبر ولم يحملها على النسخ وقد قال أبو مسلم محمد بن بحر ـ

١٤٩

إن هذه الآية مجملة وآية المواريث مفصلة وليست نسخا فمع هذا الخلاف كيف تدعي الإجماع على نسخها ومن ادعى لقوله (ع) لا وصية لوارث فقد أبعد لأن هذا أولا خبر واحد لا يجوز نسخ القرآن به إجماعا وعندنا لا يجوز العمل به في تخصيص عموم القرآن وادعاؤهم أن الأمة أجمعت على الخبر دعوى عارية من البرهان ولو سلمنا الخبر جاز أن نحمله على أنه لا وصية لوارث فيما زاد على الثلث لأنا لو خلينا وظاهر الآية أجيزت الوصية بجميع ما يملك للوالدين والأقربين لكن خص ما زاد على الثلث لمكان الإجماع وأما من قال إن الآية منسوخة بآية الميراث فقوله بعيد من الصواب لأن الشيء إنما ينسخ غيره إذا لم يمكن الجمع بينهما فأما إذا لم يكن بينهما تناف ولا تضاد بل أمكن الجمع بينهما فلا يجب حمل الآية على النسخ وهو لا تنافي بين ذكر ما فرض الله للوالدين وغيرهم من الميراث وبين الأمر بالوصية لهم على جهة الخصوص فلم يجب حمل الآية على النسخ وقول من قال خصوص الإجماع على أن الوصية ليست فرضا يدل على أنها منسوخة باطل لأن إجماعهم على أنها لا تفيد الفرض لا يمنع من كونه مندوبا إليها ومرغبا فيها ولأجل ذلك كانت الوصية للأقربين الذين ليسوا بوارث ثابتة بالآية ولم يقل أحد أنها منسوخة في حرهم ومن قال إن النسخ من الآية ما يتعلق بالوالدين وهو الحسن والضحاك فقد قال ما لا ينافي ما قاله مدعو نسخ الآية على كل حال ومع ذلك فليس الأمر على ما قال لأنه لا دليل على دعواه وقد قال طاوس إذا أوصى لغير ذي قرابته لم يجز وصيته وقال الحسن ليست الوصية إلا للأقربين وهذا الذي قالاه عندنا وإن كان غير صحيح فهو مبطل قول مدعي نسخ الآية وإنما قلنا إنه ليس بصحيح لأن الوصية لغير الوالدين والأقربين عندنا جائزة ولا خلاف بين الفقهاء في جوازها.

أقول وهذا كان المراد من كلام جدي أبي جعفر الطوسي ذكرناه بلفظه وذكر بعد هذا مقدار ما يوصى به والخلاف فيه ولمن يوصى من

١٥٠

الأقربين واعلم أنني إنما قلت في تأويل الخبر إذا لم نسقطه إنه يكون معناه لا وصية لوارث إذا كان المسمى له من تركة الذي يوصي له الثلث وأكثر منه لأنني لو أطلقت القول في التأويل بأنه فيما زاد على الثلث أمكن أن يقول فيما يبقى لتخصيص قول لا وصية لوارث معنى لأن الوصية بزيادة على الثلث لا تصح لأحد سواء كان وارثا أو غير وارث وقول جدي الطوسي كنا نجيز الوصية للوالدين والأقربين بالتركة كلها كيف كنا نجيز ذلك والإجماع على المنع من الزيادة على الثلث مانع لنا من الجواز مخصص لكل عموم فالذي قلناه وحررناه أقرب إلى تأويل الخبر ولم نذكر جميع ما كنا نقدر عليه من تأويله وأما قول جدي إنها تحمل على المندوب فأقول قد تكون الوصية بواجب فيما هو واجب وقد تكون مندوبا فيما هو مندوب فتحمل على كل ما يحتمله.

فصل فيما نذكره من الجزء الثالث وهو أول المجلد الثاني من تفسير الجبائي من الوجهة الثانية من الكراس العاشر بلفظه وأما قول الله سبحانه وتعالى ـ (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) فإنما عنى به النبي (ص) فقال له ـ (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) وأراد لا تحسبنهم أمواتا في وقت ما أخبرتهم بهذا الخبر وبين له بقوله (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) أنهم في وقت ما أخبره عنهم بهذا الخبر كانوا أحياء في قبورهم يرزقون وعنى بقوله (عِنْدَ رَبِّهِمْ) أنهم في الوضع الذي لا يملك لهم أحد من العباد نفعا ولا ضرا إلا الله فجعل ذلك كونا لهم عنده على هذا المعنى لا على أنهم إذا كانوا في القبور كانوا قريبين من الله بالمسافة وإذا كانوا على وجه الأرض أحياء كانوا بعيدين منه لأن الله لا يجوز عليه حلول الأماكن ولا الكون فيها ويجوز أيضا أن يكون عنى بذلك أنهم عند الله أحياء على أنه يعلمهم أحياء وإن كان ذلك يخفى على الناس وهذا إحياء المؤمنين في

١٥١

قبورهم لأن الله إذا أراد أن ينعمهم في قبورهم وأن يجعل لهم بعض ثواب أعمالهم في الدنيا لم يجز أن يوصل إليهم النعيم والثواب حتى يحييهم لأن الميت لا يجوز أن يجد النعيم واللذات.

يقول علي بن موسى بن طاوس قول الجبائي إنما عنى به النبي (ص) تحكم عظيم على الله تعالى وإقدام هائل على كتابه العزيز ولعله لو قال إن الآية نزلت على معنى إياك أعني واسمعي يا جارة وإنما لعل المراد التعريف للمؤمنين ولأهل الشهداء أن من قتل منهم أحياء يرزقون وأنهم ما ماتوا فإنهم كانوا أحوج إلى معرفة ذلك من تعريف النبي بحيث يسهل على الناس الجهاد والقتل إذا عرفوا أن الشهادة حياة عند الله تعالى ولقتل أهل الشهداء عن قتالهم بما يعرفونه من حياتهم ولئلا يشمت الكفار بهم إذا قتلوا في سبيل الله.

أقول وأما قول الجبائي إن المراد في حياة الشهداء في تلك الحال إلى أن أخبره الله تعالى لرسوله (ص) تحكم أيضا من الجبائي وإقدام لا يليق بذوي الورع والدين لأن الآية قد تضمنت تخصيص الوقت دون غيره وهي محتملة لحياة الشهداء بعد قتلهم حياة مستمرة فمن أين عرف الجبائي أنها مختصة بالوقت الذي ذكره لا قبله ولا بعده.

أقول وأما قول الجبائي إنهم يكونون في قبورهم فهو لعله خلاف إجماع الذين يغيرهم من المسلمين لأن الطعام والشراب والأكل في القبور خلاف الظاهر من مذاهب العلماء العارفين وما الذي حمل الجبائي على تخصيص ذلك بوقت كونهم في القبور وليس في الآية ما يوجب ذلك افتراء يعتقد أنهم إذا أكلوا في القبور يكون عندهم بيوت طهارات ويحتاجون إلى ... لكونهم بعد في الحياة الدنيا على ما اختاره من التأويلات.

أقول وأما قول الجبائي (عِنْدَ رَبِّهِمْ) أنه عنى به أنهم في موضع لا يملك لهم أحد من العباد نفعا ولا ضرا فهو جهل من الجبائي بمعاني كلام العرب والجرأة منه على الله تعالى حيث يقول إنه جل جلاله عنى به ما يقول ـ

١٥٢

وإنما عادة العرب إذا قالوا عمن يريدون إكرامه إنه عندي أي عند كرامتي وعنايتي والقرب من محبتي ونعمتي ونحو هذا وما يريدون أن عندي بمعنى المسافة ولا بمعنى الذي ذكره.

أقول وأما قول الجبائي ويجوز أن يكون عنى بذلك أنهم عند الله أحياء على أنه يعلمهم أحياء فهو تأويل عجيب منه وجهل بما قدمه لأنه قدم أن الله عنى ما ذكره أولا فإذا كان قد علم لأن الله عنى ذلك المتقدم فكيف بقي يجوز للجبائي أن يقول معنى آخر ويقول إنه عناه لو لا غفلته وتهاونه في تفسيره.

أقول ولو لا كان المراد أن الله جل جلاله يعلمهم أحياء ما كان كذلك زيادة على ما يعلم تعالى من حياة الكفار وحياة غير الشهداء والآية إنما تضمنت وجوها من الإكرام للشهداء فلا بد أن يكون قوله تعالى (أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) متضمنا لنوع من إكرامه تعالى للشهداء.

أقول وقوله جل جلاله بعد هذه الآية ـ (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ـ كيف خفي عن الجبائي أن هذه الأوصاف تقتضي أن الشهداء أخرجوا من قبورهم إلى مقام من الإكرام يليق بهذا الوصف من الإنعام لقد كان اللائق به أنه لا يشغل نفسه بتفسير القرآن ويقتصر على ما هو أسلم وأليق للعقول والأفهام

فصل فيما نذكره من الجزء الرابع وهو ثاني المجلد من الوجهة الثانية من القائمة الثانية من الكراس الخامس من تفسير الجبائي بلفظه أما قول الله سبحانه وتعالى ـ (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) فإنما عنى به اليهود الذي ذكرهم في الآية الأولى قبل هذه الآية وأراد بقوله (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) بل يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله وعنى بذلك رسول الله (ص) وأصحابه المؤمنين لأن اليهود كانوا يحسدونهم على ما آتاهم الله من نبوته

١٥٣

وكرامته التي آتاها نبيه محمدا (ص) لأن قوله (أَمْ يَحْسُدُونَ) لا يجوز بأن يكون معناه الشك لأن الله لا يجوز عليه الشك بل هو لم يزل عالما بكل شيء وقد يجوز مثل هذا في اللغة أن يقول القائل على كلام قد تقدم أم فعلت ذلك وهو يعني بل فعلت ذلك وعنى بقوله (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ) مثل ما آتينا محمدا (ص) من الكتاب والحكم والنبوة والملك فآتينا محمدا ذلك كما آتيناه أولئك فلا ينبغي أن يحسدوه على ذلك بأن يكذبوه لأن ما آتاه من ذلك إنما هو من فضل الله والله يؤتي فضله من يشاء وليس للعباد أن يحسدوا أحدا على فضل الله.

يقول علي بن موسى بن طاوس قول الجبائي إن اليهود كانت تحسد رسول الله (ص) على نبوته فإن اليهود كانت منكرة لنبوته (ص) ولو قال إن الحسد كان على كلما بلغ إليه (ص) من كل حال يحتمل الحسد عليها على اعتقادهم فيه كان أقرب إلى صواب التأويل وقول الجبائي إنهم كانوا يحسدون أصحابه المؤمنين فإنه تأويل متناقض لما تقدم قبله من القرآن في قوله تعالى (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) وقول الجبائي وعنى بقوله (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ) مثل ما آتينا محمدا من الكتاب والحكم والنبوة والملك فآتينا محمدا (ص) وذلك كما آتينا أولئك فأقول لو أنصف الجبائي لكان يرى في تأويل هذه الآية أن الله جل جلاله قد آتى محمدا (ص) وآله الملك والنبوة والحكمة كما كان آل إبراهيم وإلا لو كان قد آتى محمدا (ص) النبوة ولم يؤت آله حكمة ولا ملكا كيف كان يكون قد آتى محمدا (ص) مثل ما آتى آل إبراهيم والحديث كله إنما كان في آل إبراهيم فيجب أن يكون قد آتى آل محمد (ص) مثل ما آتى آل إبراهيم وهذه الآية كما ترى شاهدة على ما ذكره من تأويلها أنه آتى محمدا مثل آل إبراهيم أن يكون آل محمد (ص) آتاهم الحكمة والملك العظيم.

أقول وهذه رد أيضا على من قال من المتقدمين إنه لا تجتمع النبوة والملك والخلافة في بيت واحد وقد جمعها الله تعالى لإبراهيم وآله وإذا جمعها

١٥٤

الله لآل محمد (ص) فيكون لهم أسوة بآل إبراهيم (ع) وأما قوله أصحابه المؤمنين وكيف يسمي الصاحب آل محمد (ص) لو لا تعصبه على بني هاشم والعرف المستعمل في الشريعة المحمدية أن آل عترته من الأسرة النبوية فيما نذكره من الجزء الخامس وهو الأول من المجلدة الثالثة من تفسير الجبائي الخامس منه بمعناه لأن لفظه فيه تطويل لا حاجة إليه في تفسير قوله تعالى ـ (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فقال الجبائي إنه إذا اختلف العدلان في تقويم الجزاء جاز العمل بكل واحد من حكمهما وإذا كان يجب العمل بحكمين مختلفين فهذا أصل في إثبات صحة سائر أحكام المجتهدين الذين قد أصابوا في أحكامهم وإن كانت أحكامهم مختلفة ولا يوجب اختلافها أن يكون الحق فيها واحدا دون سائرها.

يقول علي بن موسى بن طاوس إن العدلين إذا اختلفا يعمل بحكمهما ما الذي يقول لمن قال له إنما يعمل بقول العدلين إذا اتفقا في الحكم لأن ظاهر القرآن هذا لأنه لو جاز العمل بقول كل واحد منهما إذا اختلفا كيف يكون عاملا بحكم عدلين إنما يكون عاملا بقول واحد والعمل بقول واحد خلاف ظاهر القرآن الشريف فالفرض الذي فرضه لا أصل له ثم يقال للجبائي من أين عرفت أنه إذا كان الحكم المختلف في هذا الصيد يعمل به لزم أن يكون ساريا في جميع أحكام المجتهدين وهل في ظاهر الآية شيء من هذا وإن قال إنه يقول بالقياس فيقال له ليس في هذه الآية ما يدل على حمل فرع على أصل لعلة جامعة بينهما وإن ذلك يكون مشروحا أقول وقول الجبائي عن المجتهدين الذين أصابوا في أحكامهم نقيض لما جعله أصلا لأنه إذا كان الاجتهاد دلالة على الإصابة في الأحكام فلأن جاز تعلق الاجتهاد بالإصابة وكان يجب على أصله أن يكون كل مجتهد مصيبا وإلا فيقال له إن كان قائلا إذا أصاب في قوله جاز العمل به سواء كان من أهل الاجتهاد أو من غيرهم وقول الجبائي إن الاختلاف لا يوجب أن يكون الحق في واحد وإطلاقه

١٥٥

هذا القول عظيم لأنه يقتضي أن الأمم المختلفة المتفرقة والملل المتضادة وأصحاب العقائد المتفرقة كلهم مصيبون سالمون وهو وأهل عقيدته ما يرون ذلك وإنما لو قال إن اختلاف العقول في الحكم إذا علم المكلف أنه مخير في الأخذ بأيهما شاء فيكون العمل على ما علم من تخيير الله تعالى ولا يسمى مختلفا على الحقيقة بل كل من الحكمين يقوم مقام الآخر فهو إلى الوفاق والاتفاق أقرب من الاختلاف والافتراق.

أقول فلو كان الاجتهاد في الشريعة المحمدية صحيحا ما كان الصحابة قد بلغوا بينهم حد القتل للنفوس والحروب واستحلال الدماء والرءوس وكان قد عذر بعضهم بعضا عند الاختلاف وما كانوا مفترقين ومعلوم عند أهل الإنصاف أن القوم ما عذروا من فارق جماعتهم ولو كان الجبائي صادقا فيما يقول فهو عذر علماء أهل البيت وعلماء شيعتهم على خلافهم.

فصل فيما نذكره من الجزء السادس من تفسير الجبائي من الوجهة الثانية من القائمة التاسعة وبعضه من العاشرة بمعناه لأجل طول لفظه من تفسير قوله تعالى ـ (إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) فذكر أبو علي الجبائي ما معناه أن الكفار مضطرون يوم القيامة إلى الصدق ولا يقع منهم كذب ولا قبيح لأن المعارف تكون ضرورية والتكليف مرتفع وقال أيضا فيه ما لفظه إنما عنوا ما كنا مشركين عند أنفسنا في الدنيا وأنهم في هذا القول صادقون إذا كان لا يجوز أن يكونوا فيها كاذبين في الآخرة فيقال له لو كان الأمر كما تأولت ما كان لقول الله تعالى ـ (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) على وجه التعجب من كذبهم معنى يطابق تكذيبهم والقرآن الشريف يتضمن خلاف ما قال أبو علي الجبائي في آيات غير هذه منها قوله تعالى عن أهل النار ـ (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فوصفهم بالتكذيب في النار وقال جل جلاله ـ (فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) وظاهر هذه الآية أنهم يحلفون كذبا ـ

١٥٦

كما كانوا يحلفون في الدنيا كذبا وليس كل من كان عارفا بشيء ضرورة لا يقع منه خلاف لأن العبد المختار علم المقبحات الضرورية وهو يقدم عليها ويعملها وكذا في الآخرة

فصل فيما نذكره من الوجهة الأولى من القائمة الأولة من الكراس الخامس من الجزء السابع وهو أول المجلدة الرابعة بلفظه وأما قول الله سبحانه وتعالى (قالَ أَلْقُوا) فإنما عنى به أن موسى قال لهم ألقوا وهو يعني الحبال والعصي التي أفادوا مغالب موسى لا على سبيل الأمر لهم بذلك ولم يرد أن يلقوا أيضا لأن هذا الإلقاء كان كفرا منهم وطلبا لمغالبة موسى وإبطال أمره والأنبياء لا تجوز أن تأمر بالكفر ولا تريده ولكن معناه إن كنتم محقين فيما تقولون فألقوا فإذا كان في قول هذه الشريطة خرج ذلك من أن يكون أمرا فيقال له إن تأويلك أن معناه إن كنتم محقين فيما تقولون فألقوا وأنه ما يكون أمر يدل على أنك ما تعرف للأمر صيغة غير أن يكون مرادا من المأمور ومرادا للأمر ولو عرفت عادة العرب والفصحاء لعلمت أن الأمر مختلف الصيغة وهذا الأمر من إحدى وجوهه ولعل المراد بقول موسى (ع) ألق لينكشف الحق ويظهر ويثبت عندهم نبوته ويكون أمرا حقا وصوابا ولعل موسى (ص) عرف أنهم يؤمنون عند ظهور معجزته فيكون أمرا منه لهم لأجل ما يظهر من رسالته ومن إيمانهم به فما أخرجه إلى العدول عن حقيقته مع إمكان ذلك المجاز لو لا أنه كان غير عارف بهذا الشأن.

فصل فيما نذكره من الجزء الثامن من الوجهة الثانية من القائمة العاشرة من الكراس الثالث من تفسير الجبائي بلفظه فيما نذكره منه وأما قول الله سبحانه وتعالى ـ (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فإنما عنى به الأسرى الذين كانوا من أصحاب الرسول (ص) يوم بدر لأنهم كانوا أسروا المشركين طمعا في الفداء ولم يقتلوهم كما أمر الله عزوجل فيقال

١٥٧

للجبائي هذا طعن صريح في الصحابة من أهل بدر فما عذرك في ذلك وإذا أجزت عليهم مثل هذا الطعن والمخالفة لله تعالى ولرسوله (ص) والرسول بين أظهرهم فكيف جعلت المخالفة منهم بعد وفاته متعذرة وكيف رفعت المعلوم من محاربتهم لعلي (ع) في البصرة وصفين وما حررت هناك ما قد شهدت هاهنا عليهم من التصريح بمخالفتهم لله تعالى ولرسوله (ص) ولقد كنت في شغل من هذه المناقضة والطعن على الصحابة وما رأيته ذكر أسماء هؤلاء الذين طلبوا الفدية من الأسراء يوم بدر والتفسير للقرآن يقتضي ذكرهم لئلا يبقى الطعن عاما محتملا للبريء منهم ولو شئت أن أسمي من ذكروه وشهدوا عليه أنه طلب الفدية وأشار بترك القتل لفعلت ومن يكون له معرفة بكتبهم يعلم من أشار من أئمتهم بأخذ الفدية.

فصل فيما نذكره من الجزء التاسع وهو أول المجلد الخامس من تفسير الجبائي من الوجهة الثانية من القائمة الخامسة من الكراس الثاني منه بلفظ ما نقل منه وأما قول الله سبحانه وتعالى ـ (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) فقال الجبائي وعنى بقوله ـ (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) وأن شركاءهم انتفوا منهم وقالوا ما كنتم تعبدوننا بأمرنا وإرادتنا لأن الآخرة لا يكون فيها كذب لأن التكليف فيها زائل فلا بد أن يلجئ الله فيها العقلاء إلى ترك ما قبحه في عقولهم من الكذب وغيره ولو لا ذلك لما جاز أن يزيل التكليف عن العقلاء لأن ذلك يؤدي إلى إباحة الكذب والقبائح وهذا لا يجوز على الله تعالى فصح أن معنى قول شركائهم (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) هو على المعنى الذي ذكرناه.

يقول علي بن موسى بن طاوس إن قوله يعني ما كنتم تعبدوننا بأمرنا تحكم عظيم على الله تعالى ولعل العقول السليمة لا تقبل أن الأحجار والأصنام تقول لهم ما كنتم تعبدوننا بأمرنا لأن الأمر ما كان بسببه أنهم كانوا يعبدونهم بأمرهم وهلا قال إنه يحتمل إنما كنتم تعبدون أهواءكم ـ

١٥٨

موافقة لقول الله تعالى (اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) ويكون قولهم صدقا وما كان يحتاج إلى ما ذكره وقوله إنه لا بد أن يلجئ الله فيها إلى ترك ما قبحه وهلا جوز أن يكون تكليفهم جائزا فيما يتعلق بأحوال القيامة وما يلزم منه تكليفهم لجميع تكاليف الدنيا وقد تضمن كثير من الآيات والأخبار وعيد الكفار وتهديدهم على ما يقع منهم يوم القيامة من إنكار وإقرار وأي عقل يقتضي أن الله تعالى يجمع الرسل والحفظة من الملائكة وجميع الشهداء على الأمم ليشهدوا على من ألجأهم إلى ما يريد تعالى من الجحود أو الإقرار ويقهر الشهداء على الشهادة عليهم وكيف ادعى الجبائي أن العقل يجيز هذا على الله تعالى وإنما الذي تقتضيه العقول السليمة أن الكفار المشهود عليهم قادرون ومختارون ومتمكنون من الإنكار والإقرار وأنهم لما أنكروا أحوج للأمر إلى شهادة من شهد عليهم وشهادة جوارحهم بما أنكروه حتى تضمن القرآن الشريف أنهم أنكروا بعد شهادة الشهود والجوارح فقال تعالى (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) فهذا تصريح لا يخفى ومحكم لا يشتبه إن الذين أنكروا على جلودهم مختارين وإن نطق الجوارح عليهم بالشهادة كان إلجاء واضطرارا والفرق بينهما ظاهر.

فصل فيما نذكره من الجزء العاشر من تفسير الجبائي وهو الجزء الثاني من المجلد الخامس من الوجهة الأولى من القائمة الثانية في تفسير قوله تعالى (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) فقال الجبائي ما هذا لفظه ويجوز أن يكون المراد بقوله (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) أي رأيتهم لي خاضعين فجعل خضوعهم له سجودا لأن الخضوع في اللغة السجود من الخاضع للمخضوع له.

يقول علي بن موسى بن طاوس لعل الجبائي قد غفل عن آخر القصة أو ما كان يحفظ القرآن لأن يوسف لما سجد له أبواه وإخوته قال ـ (هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) ففسر هذا السجود المعهود

١٥٩

بذلك السجود فلو كان ذلك خضوعا من غير سجود ما كان يقول (ع) ـ (هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) وقال الجبائي في تفسير قوله تعالى ـ (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) الآية إن تأويلها عند يعقوب كان إخوته وأبويه يخضعون له ويعظمونه ولم يذكر ما نص الله تعالى من تأويلها وشرحه يوسف أنه السجود المعهود بل يقبل العقل أن يوسف علم منها ما لم يعلمه يعقوب.

فصل فيما نذكره من الجزء الحادي عشر وهو أول المجلد السادس من تفسير الجبائي من الوجهة الأولى من القائمة السابعة من الكراس الثامن بلفظه وأما قول الله سبحانه وتعالى ـ (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) فإنما عنى به لا سبيل لك على عبادي في أن تضرهم سوى وسوستك لهم في الاستدعاء لهم إلى المعاصي فأما سوى ذلك من الضرر الذي يجوز أن تضر به العباد بعضهم بعضا فإنه لا سبيل لك عليهم ولا قوة لأن الله خلقه خلقا ضعيفا عاجزا رقيقا خفيا ولرقته وخفائه صار لا يراه الناس فهو لا يمكنه أن يضرهم إلا بهذه الوسوسة التي يستغوي بها العصاة منهم.

يقول علي بن موسى بن طاوس إن استثناء الجبائي للوسوسة وليس في الآية استثناء وقوله إن الله جل جلاله عنى هذا التأويل لعظيم من الجرأة والإقدام في الإسلام وهلا قال إنه يحتمل أن يكون المراد أن عبادي هذا التخصيص والإشارة أنه ليس عليهم سلطان يقتضي المخلصين منهم الذين قال إبليس عنهم ـ (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) فمن أين علم الجبائي أن الله ما أراد إلا تأويله وأما قول الجبائي إنه ما يقدر على غير الوسوسة التي أخرجت آدم من الجنة وأهلكت الخلائق إلا القليل فكيف هو ما يحابي على تأويله الضعيف ولقد كان القتل من إبليس مع سلامة الآخرة أهون مما يسمى له من هلاك الدنيا والآخرة فإن المفهوم من قول الله تعالى ـ (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) أن هؤلاء العباد المشار إليهم ما قدر إبليس عليهم ليكون المنة من الله في مدحهم وعصمتهم من إبليس كاملة ـ

١٦٠