الإكليل في استنباط التنزيل

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الإكليل في استنباط التنزيل

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: سيف الدين عبدالقادر الكاتب
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣١١

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

ربّ يسّر وأعن برحمتك

تصدير

الحمد لله على جزيل نعمائه ، والصلاة والسّلام على خاتم رسله وأنبيائه ، وصفوته من خلقه محمد .. وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحبه المتقين المجاهدين .. ومن والاهم في الله ، واتبعهم بإحسان الى يوم الدين.

وبعد :

فإنّ (الإكليل) غنيّ عن تعريف مثلي بمثله ؛ ومصنفه الإمام السيوطي ـ رحمه‌الله تعالى ـ أغنى عن ذلك ؛ ولكنها كلمة رجوت أن أعرّف فيها بما تفرّدت به هذه الطبعة من هذا الكتاب النفيس.

فما زال (الإكليل) بين أيدي المتفقهين وأهل العلم مرجعا في الاجتهاد والاستنباط وفقه القرآن الكريم ، لو لا أن طبعاته المتداولة الكثيرة جميعا ، لم تزل تفتقر إلى الخدمة العلمية التي تضبط النص ، وتتدارك ما تفشّى من أخطاء وتصحيفات وسقطات في سائر الطبعات من قبل .. ثم تتيح الإفادة من كنوز هذا الكتاب القيّم ، لتعيده إلى أيدي القراء الكرام سهل المأخذ ، داني القطوف ، فإنّ ذلك بعض حقّ هذا الكتاب على الغيارى من أهل العلم.

ومن ها هنا .. فقد استعنت بالله تعالى ، على أداء هذه الأمانة ، شاكرا للأخ الكريم «محمد علي بيضون ـ صاحب دار الكتب العلمية ـ ببيروت» بادرته الطيبة إلى إعادة طبع الكتاب محققا ومضبوطا على النحو الذي يراه القارىء بين يديه اليوم.

وقد كان لزاما عليّ أن أراجع الكتاب ـ ابتداء ـ .. لأقف على كل خطأ وسهو وسقط فرط في الطبعات السابقة .. فرجعت إليها لأرى نفسي حيال ركام من الأغلاط ، لم تسلم منه حتى الآيات القرآنية الكريمة ..

وتبين لي أن كثيرا من الآيات التي أوردها المصنف ـ رحمه‌الله تعالى ـ كان مغايرا

٥

للنص القرآنيّ مغايرة تدقّ أحيانا ، فتقتصر على استبدال حرف بحرف ، نحو : (فَقُلْ تَعالَوْا) ، ونصّها القرآنيّ : (فَقُلْ تَعالَوْا ..) .. وتعظم أحيانا حتى يستبدل الآية بأخرى تقاربها ، أو هي من متشابهاتها ؛ نحو : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ .....)

وقد وردت في الكتاب : (وأنزلنا اليك الكتاب تبيانا .....)

ومن ثمّ فإني أثبتّ أصل النصّ القرآني الكريم مقتصرا في الحاشية على التنوية إلى ما كان من النوع الثاني من المغايرة ، ولم أتعرض للأول نظرا لشيوعه وكثرته ، مكتفيا بتصحيحه.

ثم وقفت أمام شواهد المصنف ـ رحمه‌الله تعالى ـ من الآيات القرآنية الكريمة ، فألفيته أحيانا يستدل على استنباط حكم أو أصل شرعي أو إيماني من الآية ، ثم لا يورد مستنده من نصها ، مكتفيا بذكر طرف منها .. فتتبّعت هذه الشواهد ، وذكرت في الحاشية نصوص الاستدلال بها في سياق الآيات القرآنية الكريمة إتماما للفائدة.

فمن ذلك ـ مثلا ـ أنه استدلّ على أن منزلة الجدّ ، بمنزلة الأب من الآية : ١٣٣ من سورة البقرة. ونصّها : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً ...)

والشاهد في الآية قوله : (.. وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ ..) لأنّ إبراهيم جدّ يعقوب عليهم‌السلام أجمعين.

والذي أورده المصنف منها : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) ، ولعلّ له عذره في هذا ، لأنّه يحفظ سياق الآية الكريمة بتمامه ؛ لكننا إذا اعتبرنا واقع المسلمين الفكري والثقافي .. نرى بين أظهرنا اليوم جيلا من المثقفين المسلمين لا يجيد قراءة القرآن بله أن يحفظ آياته. ومن ها هنا فإن ارادة عموم النفع ، وتوسيع مساحة الإفادة من كنوز هذا الكتاب ، هي التي ألجأتني إلى ما فعلت.

ثم كان مما حرصت أن تتميز به هذه الطبعة : محاولة توزيع فقرات الكتاب على نحو جديد يمكن الباحث من ابتغاء طلبته بيسر .. ثم أثبتّ أرقام الآيات القرآنية ، وتعمدت تمييز النص القرآني بحرف أسود بين أقواس قرآنية خاصة ، زيادة في إبرازه بعد مراجعة كافة النصوص القرآنية في المصحف الشريف. والتزمت رواية حفص بن سليمان الأسدي الكوفي لقراءة عاصم بن أبي النّجود الكوفي التابعي ، رحمة الله عليهما. إلّا ما التزم به المصنف ـ أحيانا ـ مما يخالف قراءة حفص ، فإني أثبتّ قراءة المصنف ، مشيرا في الحاشية إلى وجه الاختلاف وعزوه إلى أصحابه.

٦

وخرّجت الآيات القرآنية الطارئة ، التي يوردها المصنف رحمه‌الله تعالى ، ليعضد بها آيات الشواهد من سورة ما ، غير التي هو في معرض البحث فيها.

وضبطت بالحركة المشكل من الكلم ، ثم شرحت الغريب منه إتماما للفائدة ، بخاصة مشكل القرآن وغريبه.

وقد عمدت الى إثبات رقم كل سورة واسمها في كل صفحة من صفحاتها ، ليسهل الرجوع إليها على من تمرّس بترتيب المصحف الشريف. ومن لم يكن كذلك ، فإن قائمة أسماء السور في آخر الكتاب تعينه على ابتغاء مراده.

ولم أعلّق بشيء على ما خالفت فيه المصنف إلا يسيرا ، لأني أرى ـ مع من يرون ـ أن هذه الثروة التراثية التي جمعها الإمام السيوطي ، لم تكن لتبرأ من بعض العيوب ، أو تسلم من الهنات! ولكن القيمة الحضارية والثقافية لتراث الإمام السيوطي رحمه‌الله تعالى ، تغفر ما فرط من تعسف أو مجانبة للسداد ، في بعض ما كتب وصنف. وحسبنا أن يكون السيوطيّ هو الذي حفظ لنا الكثير الكثير من تراثنا المفقود.

وأخيرا لا بد أن أشير إلى ظاهرة لا تخفى على من تمرّس بمطالعة السيوطي رحمه‌الله.

تلك هي ظاهرة (التكرار)! التي نتبين ملامحها من خلال كتب الإمام السيوطي التي تنتمي إلى علم واحد ، كالتفسير أو الحديث أو اللغة ..

وقد كان أول ما تهيّأ لي من اكتشاف ذلك ، أثناء تحقيقي مخطوطة (التحبير في علم التفسير) له أيضا. فقد لا حظت أن فصولا من (التحبير) برمّتها تكررت في غير كتاب آخر من كتب السيوطي رحمه‌الله.

وقد تنبهت حين راجعت (الإكليل) إلى أن مقدمتيه ليستا عليّ غريبتين! فلمّا أن رجعت إلى (الإتقان) و (معترك الأقران) وجدتهما ثمّة بتمامهما ، مع زيادات طفيفة هناك.

فالمقدمتان ـ بطولهما ـ تشكلان في (معترك الأقران : ١ / ١٤ ـ ٢٧) موضوع الوجه الأول من وجوه إعجاز القرآن فيه. وهما موضوع النوع الخامس والستين في (الاتقان : ٢ / ١٢٥ ـ ١٣١). وفيه قال [٢ / ١٣٠] :

«وقد ألّفت فيه كتابا سميته (الإكليل في استنباط التنزيل) ذكرت فيه كل ما استنبط منه ، من مسألة فقهية أو أصلية ، أو اعتقادية ، وبعضا مما سوى ذلك ، كثير الفائدة ، جمّ العائدة ، يجري مجرى الشرح لما أجملته في هذا النوع ، فليراجعه من أراد الوقوف عليه.».

٧

فإذا عارضنا مادة (الإكليل) العلمية بعد ذلك على (الدر المنثور) و (لباب النقول) و (تفسير الجلالين ـ والسيوطي مصنّف شطره الأول ـ) تبين لنا أن جلّ استنباطات (الإكليل) مكررة في هذه الآثار السيوطية.

ولا أكتم القارىء أن هذه الظاهرة ، ربما عادت بكثير من الفائدة على محقق كتب السيوطي ـ رحمه‌الله تعالى ـ بل ربما كانت سببا في تذليل عقبات جسام تعترض عمله الشاقّ المضني ، ولا يتهيّأ له من أسباب تذليلها أي مرجع سواها.

إلا أن ذلك لا يغرينا بالإغضاء على هذه الظاهرة الغريبة بحق ؛ وإني لأدعو الدارسين إلى مزيد من التمحيص والتحقيق فيها ، معترفا بفضل الإمام السخاوي الذي نبّه إليها في ترجمة السيوطي في (الضوء اللامع : ٤ / ٦٧ ـ ٦٩). وقد صدق الإمام الشافعي رحمه‌الله تعالى حيث يقول :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

كما أن عين السخط تبدي المساويا

فإن السخاوي كان قرين السيوطي ومنافسه في عصره ، وقد أصاب حقا إذ كان أول من نبّه إلى تكرارات السيوطي ، وإن كان في سائر ما تحامل به عليه ـ دون ذلك ـ متأثّرا بطبيعة علاقة التنافس بين الأقران واعتباراتها.

أخيرا أشير إلى أن شخصية (الإمام السيوطي ـ رحمه‌الله) تشيع في أسطر (الإكليل) كما شاعت في (لباب النقول) و (الدر المنثور) وغيرهما ... فأنت تراه هنا كما عهدته ، متساهلا في حكمه على كل مادة علمية وقعت عليها يده ، فهو ضنين بها أن تضيع أو تحبس في أقفاص الأرفف!

ومن هنا فإننا نقول : إن المصنف ـ رحمه‌الله تعالى ـ قد جرى وراء استنباطات بعيدة أو متعنتة ـ أحيانا ـ. ولكن لا يفوتني أن أنوه إلى لفتة ذكية من لفتاته يردّ فيها استدلال المعتزلة على أفضلية الملائكة بقوله تعالى [الأعراف : ٢٠] : (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ ..).

فقد قال السيوطي : «استدل بها المعتزلة على أن الملائكة أفضل من البشر ، وتأوله أهل السنة ، وأنا أقول : لا أزال أتعجب ممن أخذ يستدل من هذه الآية ، والكلام الذي فيها حكاه الله تعالى عن قول إبليس ، في معرض المناداة عليه بالكذب والغرور والزور والتدليس ..».

٨

وبعد أخيرة :

فهذا ما أعان الله ويسّر لي من خدمة (الإكليل) ، وهو لا يعدو أن يكون جهدا متواضعا ، في خدمة هذا الكتاب القرآنيّ الفذ .. اتقدم به إلى أهل العلم وطلابه ، راجيا من الله القبول ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

بيروت

غرة رجب الفرد ـ ١٤٠١ ه

أيار ـ مايو ـ ١٩٨١ م

سيف الدين الكاتب

ـ عفا الله عنه ـ

٩
١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الكتاب

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب تبيانا لكل شيء ، وجعله شفاء لكل عيّ (١) ، وهدى من كل غيّ ، والصلاة والسّلام على محمد المبعوث من أشرف قبيلة وأكرم حي ، وعلى آله وصحبه ما لجأ ظامىء لري.

وبعد : فقد قال الله تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ)(٢) ، وقال : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ)(٣) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ستكون فتن» قيل وما المخرج منها؟ قال : «كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم» أخرجه الترمذي وغيره.

وقال سعيد بن منصور في سننه : حدثنا خديج بن معاوية عن أبي إسحق عن مرة عن ابن مسعود قال : من أراد العلم فعليه بالقرآن فإن فيه خبر الأولين والآخرين. قال البيهقي أراد به أصول العلم. وقال الحسن البصري : أنزل الله مائة وأربعة كتب أودع علومها أربعة : التوراة ، والإنجيل. والزبور ، والفرقان ثم أودع علوم الثلاثة الفرقان ، ثم أودع علوم الفرقان المفصّل ، ثم أودع علوم المفصل فاتحة الكتاب ، فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير الكتب المنزلة. أخرجه البيهقي في الشعب.

وقال الإمام الشافعي ، رضي الله عنه : جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة وجميع شرح السنة شرح للقرآن ، وقال بعض السلف : ما سمعت حديثا إلا التمست له آية من كتاب الله : وقال سعيد بن جبير : ما بلغني حديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على وجهه إلا وجدت

__________________

(١) يقال : عيّ في منطقه ، عيّا وعياء : إذا عجز عنه ، فلم يستطع بيان مراده منه. فهو عيّ وعييّ وعيّان ، والأنثى : عيّا. والجمع أعياء ، وأعيياء وعيايا.

(٢) سورة النحل : ٨٩. وقد وردت في الطبعات المتداولة خطأ هكذا : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ ...)

(٣) سورة الأنعام : ٣٨. يقال : فرّط الشيء وفرّط فيه : إذا قصّر فيه وضيّعه حتّى فات. أو تركه وأغفله ، وهو المراد والله أعلم.

١١

مصداقه في كتاب الله ، أخرجه ابن أبي حاتم ، وقال ابن مسعود : إذا حدثتكم بحديث أنبأتكم بتصديقه من كتاب الله ، أخرجه ابن أبي حاتم. وقال ابن مسعود أيضا : أنزل في القرآن كل علم وبين لنا فيه كل شيء ولكن علمنا يقصر عما بين لنا في القرآن ، أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم. وأخرج ابو الشيخ في العظمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله لو أغفل شيئا لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة» (١). وقال الشافعي أيضا : جميع ما حكم به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو مما فهمه من القرآن.

قلت ويؤيد هذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني لا أحلّ إلا ما أحل الله في كتابه ولا أحرّم إلّا ما حرّم الله في كتابه» رواه بهذا اللفظ الطبراني في الأوسط من حديث عائشة وقال الشافعي أيضا : ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها فإن قيل : من الأحكام ما ثبت ابتداء بالسنة ، قلنا : ذلك مأخوذ من كتاب الله في الحقيقة لأن كتاب الله أوجب علينا اتباع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفرض علينا الأخذ بقوله.

وقال الشافعي مرة بمكة : سلوني عما شئتم أخبركم عنه من كتاب الله ، فقيل له ما تقول في المحرم يقتل الزنبور ، فقال : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال الله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(٢).

وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «اقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر وعمر» ، وحدثنا سفيان عن مسعر بن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب أنه أمر بقتل المحرم الزنبور.

__________________

(١) المراد بالذرّة نحو قوله تعالى [النساء : ٤٠] : إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ، وقد ذكرت الذرة في ستة مواضع في القرآن الكريم.

أما الخردلة : فقد ذكرت في موضعين في القرآن الكريم [الأنبياء : ٤٧] و [لقمان : ١٦] ، كلاهما بلفظ : (حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ).

والمراد بذكر البعوضة : قوله تعالى في سورة [البقرة : ٢٦] : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها ..) ، ولم يرد ذكرها في القرآن الكريم غير مرة واحدة.

والمراد بالحديث النبويّ الشريف الردّ على أباطيل المشركين إذ كانوا يعيّرون النبيّ الكريم بذكر الذرة والخردلة والبعوضة والذباب في القرآن الكريم.

(٢) سورة الحشر : ٧.

١٢

وروى البخاري عن ابن مسعود قال : لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله (١) ، فقالت له امرأة في ذلك فقال : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو في كتاب الله؟ فقالت لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول. قال لئن قرأتيه لقد وجدتيه أما قرأت (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) قالت بلى ، قال فإنه قد نهى عنه.

وقال ابن برّجان. ما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من شيء فهو في القرآن أو فيه أصله قرب أو بعد. فهمه من فهم ، أو عمه (٢) عنه من عمه ، وكذا كل ما حكم أو قضى به.

وقال غيره : ما من شيء إلا يمكن استخراجه من القرآن لمن فهمه الله تعالى. حتى أن بعضهم استنبط عمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثا وستين من قوله في سورة المنافقين : (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها)(٣) فإنها رأس ثلاث وستين سورة ، وعقبها بالتغابن ليظهر التغابن في فقده.

وقال المرسي : جمع القرآن علوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علما حقيقة إلا المتكلم به ، ثم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خلا ما استأثر به سبحانه ، ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم مثل الخلفاء الأربعة ، ومثل ابن مسعود وابن عباس حتى قال : لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله ، ثم ورث عنهم التابعون بإحسان ، ثم تقاصرت الهمم وفترت العزائم وتضاءل أهل العلم وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه ، فنوعوا علومه وقامت كل طائفة ، بفن من فنونه فاعتنى قوم بضبط لغاته ، وتحرير كلماته ، ومعرفة مخارج حروفه وعددها وعدد كلماته وآياته وسوره وأحزابه

__________________

(١) الوشم : غرز اليد وغيرها من أعضاء البدن بإبرة ، ثم ذرّ الصباغ الأزرق عليها ، لتجعل مكانها رسوما وخطوطا زرقاء أو خضراء.

والواشمة : التي تفعل هذا لغيرها. والمستوشمة : التي تطلب ذلك لنفسها.

والنّمص : نتف شعر الحاجبين. والمتنمّصة : التي تنتف شعر جبينها وحاجبيها بخيط ونحوه.

والفلج : تباعد ما بين الساقين أو اليدين أو الأسنان خلقة. وفي الأسنان خاصة : تباعد ما بين الثنايا والرباعيات.

والمتفلّجة : التي تتعمّد صنع الفرج بين أسنانها بمبرد ونحوه.

وقد وصف النبيّ الكريم ذلك كلّه ، بأنه تغيير لخلق الله ، أعاذ الله نساء المسلمين من ذلك كله.

(٢) عمه ـ من باب طرب ـ ، عمها : إذا تحيّر وتردّد ، فهو عمه وعامه ، والجمع : عمّه. وقد جاء في القرآن الكريم [الحجر : ٧٢] : (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ).

(٣) سورة (المنافقون) : ١١.

١٣

وأنصافه وأرباعه وعدد سجداته والتعليم عند عشر كل آيات ، إلى غير ذلك من حصر الكلمات المتشابهة والآيات المتماثلة من غير تعرض لمعانيه. ولا تدبر لما أودع فيه فسمّوا القراء.

واعتنى النحاة بالمعرب منه والمبني من الأسماء والأفعال ، والحروف العاملة وغيرها وأوسعوا الكلام في الأسماء وتوابعها وضروب الأفعال واللازم والمتعدي ورسوم خط الكلمات وجميع ما يتعلق به حتى أن بعضهم أعرب مشكله ، وبعضهم أعربه كلمة كلمة.

واعتنى المفسرون بألفاظه فوجدوا منه لفظا يدل على معنى واحد لفظا يدل على معنيين ولفظا يدل على أكثر ، فاجروا الاول على حكمه وأوضحوا معنى الخفي منه ، وخاضوا إلى ترجيح محتملات أحد ذي المعنيين والمعاني ، وأعمل كل منهم فكره ، وقال بما اقتضاه نظره.

واعتنى الأصوليون بما فيه من الأدلة العقلية والشواهد الأصلية والنظرية مثل قوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)(١) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة ، فاستنبطوا منه أدلة على وحدانية الله ووجوده وبقائه وقدمه وقدرته وعلمه وتنزيهه عما لا يليق به وسموا هذا العلم بأصول الدين.

وتأملت طائفة منهم معاني خطابه فرأت منها ما يقتضي العموم. ومنها ما يقتضي الخصوص إلى غير ذلك ، فاستنبطوا منه أحكام اللغة من الحقيقة والمجاز وتكلموا في التخصيص. والإضمار ، والنص ، والظاهر ، والمجمل ، والمحكم ، والمتشابه ، والأمر ، والنهي والنسخ ، إلى غير ذلك من أنواع الأقيسة واستصحاب الحال والاستقراء وسموا هذا الفن أصول الفقه.

وأحكمت طائفة صحيح النظر وصادق الفكر فيما فيه من الحلال والحرام وسائر الأحكام فأسسوا أصوله وفروعه وبسطوا القول في ذلك بسبطا حسنا وسموه بعلم الفروع ، وبالفقه أيضا.

وتلمحت طائفة ما فيه في من قصص القرون السابقة والأمم الخالية ونقلوا أخبارهم ودونوا آثارهم ووقائعهم حتى ذكروا بدء الدنيا وأول الأشياء ، وسموا ذلك بالتاريخ والقصص.

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٢٢.

١٤

وتنبه آخرون لما فيه من الحكم والأمثال ، والمواعظ التي تقلقل (١) قلوب الرجال ، وتكاد تدكدك الجبال (٢) ، فاستنبطوا مما فيه من الوعد والوعيد ، والتحذير والتبشير ، وذكر الموت والمعاد ، والنشر والحشر ، والحساب والعقاب ، والجنة والنار ، فصولا من المواعظ وأصولا من الزواجر فسموا بذلك الخطباء والوعاظ.

واستنبط قوم مما فيه من أصول التعبير مثل ما ورد في قصة يوسف من البقرات السمان وفي منامي صاحبي السجن وفي رؤية الشمس والقمر والنجوم ساجدات ، وسموه تعبير الرؤيا. واستنبطوا تفسير كل رؤيا من الكتاب ، فإن عز عليهم إخراجها منه فمن السنة التي هي شارحة للكتاب ، فإن عسر فمن الحكم والأمثال ، ثم نظروا الى اصطلاح العوام في مخاطباتهم وعرف عاداتهم الذي أشار اليه القرآن بقوله : (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ)(٣).

وأخذ قوم مما في آية المواريث من ذكر السهام وأربابها وغير ذلك علم الفرائض ، واستنبطوا منها ذكر النصف ، والثلث والربع والسدس والثمن حساب الفرائض ومسائل العول (٤) واستخرجوا منه أحكام الوصايا.

ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالات على الحكم الباهرة في الليل والنهار.

والشمس والقمر ومنازله والنجوم والبروج وغير ذلك ، فاستخرجوا منه علم المواقيت.

ونظر الكتاب والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ ، وبديع النظم. وحسن السياق والمبادي والمقاطيع والمخالص. والتلوين ، في الخطاب والإطناب والإيجاز ، وغير ذلك فاستنبطوا منه المعاني والبيان ، والبديع.

ونظر فيه أرباب الإشارات وأصحاب الحقيقة فلاح لهم من ألفاظه معان ودقايق جعلوا لها أعلاما اصطلحوا عليها مثل الفناء ، والبقاء والحضور ، والخوف ، والهيبة والأنس ، والوحشة ، والقبض ، والبسط ، وما أشبه ذلك.

__________________

(١) يقال : قلقله قلقلة وقلقالا ، فتقلقل : إذا حرّكه فتحرّك واضطرب.

(٢) تدكدك الجبال : تجعلها دكدكا. وهو ما تكبّس من الرمل واستوى ، أو ما التبد منه بالأرض ولم يرتفع.

وصيغة الفعل هنا مضعّفة ، فإنّ أصله : دكّ الشيء يدكّه دكّا ، إذا دقّه. ويقال : دكّ الحائط ، أي هدمه حتى سواه بالأرض ، ودكّ التراب : كبّسه وسوّاه.

(٣) سورة الأعراف : ١٩٩.

(٤) يقال : عال الميزان عولا : إذا لم يستو طرفاه. وعالت الفريضة : ارتفعت ، وهو أن تزيد سهاما فيدخل النقصان على أهل الفرائض. قال أبو عبيد : «أظنه مأخوذا من الميل» : وذلك أن الفريضة إذا عالت ، فهي تميل على أهل الفريضة جميعا فتنقصهم.

١٥

هذه الفنون التي أخذتها الملة الإسلامية منه ، وقد احتوى على علوم أخر من علوم الأوائل مثل الطب ، والجدل ، والهيئة ، والهندسة ، والجبر والمقابلة ، والنجامة ، وغير ذلك.

أما الطب فمداره على حفظ نظام الصحة ، واستحكام القوة ، وذلك إنما يكون باعتدال المزاج تبعا على الكيفيات المتضادة ، وقد جمع ذلك في آية واحدة وهي قوله : (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً)(١) ، وعرفنا فيه بما يعيد نظام الصحة بعد اختلاله وحدوث الشفاء للبدن بعد اعتلاله في قوله : (شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ)(٢) ، ثم زاد على طب الأجساد بطب القلوب وشفاء الصدور.

وأما الهيئة ففي تضاعيف سوره من الآيات التي ذكر فيها من ملكوت السموات والأرض ، وما بث في العالم العلوي والسفلي من المخلوقات.

وأما الهندسة ففي قوله : (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ)(٣) فإن فيه قاعدة هندسية وهو أن الشكل المثلث لا ظل له.

وأما الجدل فقد حوت آياته من البراهين والمقدمات والنتائج والقول بالموجب والمعارضة وغير ذلك شيئا كثيرا ، ومناظرة إبراهيم أصل في ذلك عظيم.

وأما الجبر والمقابلة فقد قيل إن أوائل السور ذكر مدد وأعوام وأيام لتواريخ أمم سالفة ، وأن فيها تاريخ بقاء هذه الأمة وتاريخ مدة الدنيا وما مضى وما بقي مضروب بعضها في بعض.

__________________

(١) سورة الفرقان : ٦٧. والقوام : العدل.

(٢) سورة النحل : ٦٩.

(٣) سورة المرسلات : ٣٠. قال القاضي البيضاوي ـ رحمه‌الله ـ في (أنوار التنزيل) في قوله تعالى : (إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) : «يعني ظل دخان جهنم كقوله تعالى : (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) .. يتشعّب لعظمه ، كما ترى الدخان العظيم يتفرّق ذوائب ..»

قلت : فإن ذهاب من ذهب إلى استخراج علم الهندسة. من هذه الآية الكريمة .. ضرب من التزيّد ، وتحميل كلام الله ما لا ينبغي ولا يحتمل.

قلت : وكذلك سائر الاستخراجات التي أوردها المصنف ـ رحمه‌الله ـ في هذه المقدمة ، أو أكثرها ، مما لا يحتمل هذا الذي حمّل من الاستنباطات التي توحي بأن كتاب الله قد جمع أصول العلوم والفنون والمعارف كافة .. والله يشهد أنّ هذا تعنّت لم تسبق امة الدين الحنيف إليه.

١٦

وأما النجامة ففي قوله : (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ)(١) فقد فسره ابن عباس بذلك.

وفيه من أصول الصنائع وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها ، فمن الصنائع : الخياطة في قوله : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ)(٢) ، والحدادة في قوله تعالى (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) ، (أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)(٣) الآية والبناء في آيات والنجارة (أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ)(٤) والغزل (نَقَضَتْ غَزْلَها)(٥) والنسج (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً)(٦) ، والفلاحة (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ)(٧) ، في آيات أخر ، والصيد في آيات ، والغوص ، (وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ)(٨) ، (وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً)(٩) ، والصياغة (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً)(١٠) ، والزجاجة (صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ)(١١) ، (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ)(١٢) والفخارة (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ)(١٣) ، والملاحة (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ)(١٤) ، والكتابة (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ)(١٥) في آيات أخر.

والخبز ، والطحن ، (أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ)(١٦) ، والطبخ (بِعِجْلٍ

__________________

(١) سورة الأحقاف : ٤. والأثارة : العلامة ، وبقيّة الشيء.

(٢) سورة طه : ١٢١. يقال : خصف العريان الورق على بدنه : أي ألزقه به بغية الاستتار.

(٣) سورة الكهف : ٩٦. وسورة سبأ : ١٠. وزبرة الحديد : القطعة الضخمة منه.

(٤) سورة (المؤمنون) : ٢٧. والفلك : السفينة الكبيرة.

(٥) سورة النحل : ٩٢.

(٦) سورة العنكبوت : ٤١.

(٧) سورة الواقعة : ٦٣.

(٨) سورة ص : ٣٧.

(٩) سورة النحل : ١٤. وقد وردت في الطبعات المتداولة خطأ : (وتستخرجون منه حلية ..) وإنما هذا خلط بين آية النحل التي جاء فيها الفعل منصوبا بلام التعليل ، وفيها (منه) .. وبين آية (فاطر : ١٢) التي جاء فيها الفعل مرفوعا بثبوت النون ، ولم يرد فيها لفظ (منه).

(١٠) سورة الأعراف : ١٤٨.

(١١) سورة النحل : ٤٤.

(١٢) سورة النور : ٣٥.

(١٣) سورة القصص : ٣٨.

(١٤) سورة الكهف : ٧٩.

(١٥) سورة العلق : ٤.

(١٦) سورة يوسف : ٣٦.

١٧

حَنِيذٍ)(١) ، والغسل ، والقصارة ، (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ)(٢) ، (قالَ الْحَوارِيُّونَ)(٣) وهم القاصرون ، والجزارة (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ)(٤) ، والبيع والشراء في آيات كثيرة والصبغ (صِبْغَةَ اللهِ)(٥) ، (جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ)(٦) ، والحجارة (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً)(٧) ، والكيالة ، والوزن في آيات كثيرة ، والرمي : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ)(٨) ، (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)(٩) ، وفيه من أسماء الآلات وضروب المأكولات والمشروبات والمنكوحات وجميع ما وقع ويقع في الكائنات ما يحقق معنى قوله : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ)(١٠) ، انتهى ، كلام المرسي ملخصا مع زيادات.

قلت : قد اشتمل كتاب الله على كل شيء! أما أنواع العلوم فليس منها باب ولا مسئلة هي أصل إلا وفي القرآن ما يدل عليها ، وفيه علم عجائب المخلوقات ، وملكوت السموات والأرض ، وما في الأفق الأعلى ، وتحت الثرى ، وبدء الخلق ، وأسماء مشاهير الرسل والملائكة ، وعيون أخبار الأمم السالفة ، كقصة آدم مع إبليس في إخراجه من الجنة ، وفي الولد الذي سماه عبد الحارث ، ورفع إدريس ، وإغراق قوم نوح ، وقصة عاد الأولى والثانية ، وثمود ، والناقة ، وقوم لوط ، وقوم شعيب الأولين ، والآخرين ، فإنه أرسل مرتين وقوم تبّع ، ويونس ، وإلياس ، وأصحاب الرس ، وقصة موسى في ولادته وإلقائه في اليم وقتله القبطي ومسيره الى مدين ، وتزوجه ابنة شعيب ، وكلامه تعالى بجانب الطور ، وبعثه الى فرعون وخروجه واغراق عدوه ، وقصة العجل والقوم الذين خرج بهم وأخذتهم الصعقة ، وقصة القتيل وذبح البقرة ، وقصته في قتال الجبارين ، وقصته مع الخضر ، والقوم الذين ساروا في سرب من الأرض إلى الصين ، وقصة طالوت

__________________

(١) سورة هود : ٦٩.

(٢) سورة المدثّر : ٤.

(٣) آل عمران : ٥٢.

(٤) سورة المائدة : ٣.

(٥) سورة البقرة : ١٣٨.

(٦) سورة فاطر : ٢٧. والجدّة : جزء الشيء يخالف لونه لون سائره ، ومنه جدّة النهر ، وجدّة الجبل. والجمع جدد.

(٧) سورة الشعراء : ١٤٩.

(٨) سورة الأنفال : ١٧.

(٩) سورة الأنفال : ٦٠.

(١٠) سورة الأنعام : ٣٨.

١٨

وداود مع جالوت وقتلته ، وقصة سليمان وخبره مع ملكة سبأ ، وفتنته ، وقصة القوم الذين خرجوا فرارا من الطاعون فأماتهم الله ثم أحياهم ، وقصة ابراهيم في مجادلته قومه ومناظرته النمروذ ، ووضعه إسماعيل مع أمه بمكة ، وبنائه البيت ، وقصة الذبيح ، وقصة يوسف وما أبسطها ، وقصة مريم وولادتها عيسى وإرساله ورفعه ، وقصة زكريا وابنه يحيي وأيوب وذي الكفل ، وقصة ذي القرنين ومسيره الى مطلع الشمس ومغربها وبنائه السد ، وقصة أصحاب الكهف ، وقصة أصحاب الرقيم ، وقصة بختنصر ، وقصة الرجلين اللذين لأحدهما الجنة ، وقصة أصحاب الجنة ، وقصة مؤمن آل فرعون ، وقصة أصحاب الفيل ، وقصة الجبار الذي أراد أن يصعد الى السماء.

وفيه من شأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعوة ابراهيم به وبشارة عيسى ، وبعثه وهجرته ومن غزواته بدر في سورة الأنفال ، وأحد في آل عمران ، وبدر الصغرى فيها ، والخندق في الأحزاب ، والنضير في الحشر ، والحديبية في الفتح وتبوك في براءة وحجة الوداع في المائدة ، ونكاحه زينب بنت جحش وتحريم سرّيته (١) ، وتظاهر أزواجه عليه ، وقصة الإفك ، وقصة الإسراء ، وانشقاق القمر ، وسحر اليهود إياه ، وفيه بدء خلق الانسان إلى موته ، وكيفية الموت وقبض الروح ، وما يفعل بها بعد صعودها الى السماء ، وفتح الباب للمؤمنة والقاء الكافرة ، وعذاب القبر والسؤال فيه ، ومقر الأرواح ، وأشراط الساعة الكبرى العشرة ، وهي نزول عيسى ، وخروج الدجال ، ويأجوج ومأجوج ، والدابة ، والدخان ، ورفع القرآن ، وطلوع الشمس من مغربها ، وغلق باب التوبة ، والخسف ، وأحوال البعث من نفخة الصور والفزع والصعق والقيام ، والحشر ، والنشر ، وأهوال الموقف ، وشدة حر الشمس ، وظل العرش ، والصراط ، والميزان ، والحوض ، والحساب لقوم ونجاة آخرين منه ، وشهادة الأعضاء ، وإتيان الكتب بالأيمان والشمائل وخلف الظهور ، والشفاعة ، والجنة وأبوابها وما فيها من الأنهار والأشجار والأثمار والحلى والألوان والدرجات ، ورؤيته تعالى ، والنار وما فيها من الأودية وأنواع العقاب وألوان العذاب والزقوم والحميم إلى غير ذلك ؛ ممالو بسط جاء في مجلدات.

وفي القرآن جميع اسمائه تعالى الحسنى كما ورد في حديث ، وفيه من أسمائه مطلقا ألف اسم ؛ وفيه من أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جملة ، وفيه شعب الإيمان البضع والسبعون ، وفيه شرائع الاسلام الثلاثمائة وخمس عشرة ، وفيه أنواع الكبائر وكثير من الصغائر ، وفيه تصديق

__________________

(١) السّرّيّة : واحدة السراري ، وهنّ الجواري. مشتقة من السرّ ، والسرّ : الجماع. وقيل : أصله من السرور.

١٩

كل حديث ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

هذه جملة القول في ذلك هذا وقد أكثر الناس التصنيف في أنواع علوم القرآن وقد ألفت في جملة من أنواعه كأسباب النزول ، والمعرب والمبهمات ، وغير ذلك ، وما من كتاب منها إلا وقد فاق الكتب المؤلفة في نوعه ببديع اختصاره ، وحسن تحريره وكثرة جمعه.

وقد أفرد الناس في أحكامه كتبا كالقاضي اسماعيل وبكر (١) بن العلاء وأبي بكر الرازي والكيا الهراسي وأبي بكر بن العربي وعبد المنعم بن الفرس ، وغيرهم وكل منهم أفاد وأجاد ، وجمع فأبدع غير أنها محشوة بالحشو والتطويل مشحونة بالاستطراد إلى أقوال المخالف والدليل ، مع ما فاتها من الاستنباطات العلية ، والاستخراجات الخفية.

فعزمت على وضع كتاب في ذلك مهذب المقاصد ، محرر المسالك ، أورد فيه كل ما استنبط منه أو أستدل به عليه من مسئلة فقهية أو أصلية أو اعتقادية ، وبعضا مما سوى ذلك ، مقرونا بتفسير الآية حيث توقف فهم الاستنباط عليه معزوا إلى قائله من الصحابة والتابعين ، مخرجا من كتاب ناقله من الأئمة المعتبرين فاشدد بهذا الكتاب يديك ، وعض عليه بناجذيك ، ولا يحملنك على استحقاره صغر حجمه ، فمن نظر اليه بقلب سليم بان له غزارة علمه.

وسميته ب (الإكليل في استنباط التنزيل) وعلى الله توكلت فهو حسبي ونعم الوكيل.

__________________

(١) في الإتقان [٢ / ١٣٠] : أبي بكر بن العلاء.

٢٠