وقعة صفّين

نصر بن مزاحم المنقري

وقعة صفّين

المؤلف:

نصر بن مزاحم المنقري


المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٨٩

يدخلون الجنة بغير حساب وما علمه بالغيب؟ فقالت : دعنا منك أيها الرجل ، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا. فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن علي وأصحابه ، قال : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه عرفت المنزل الذي نزل بنا علي فيه والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري ، فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين ، فسلمت عليه ، وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل ، فقال الحسين : معنا أنت أو علينا؟ فقلت : يا ابن رسول الله. لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي (١) أخاف عليهم من ابن زياد. فقال الحسين : فول هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فوالذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا (٢) إلا أدخله الله النار. قال : فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله (٣).

نصر : مصعب بن سلام قال : حدثنا الأجلح بن عبد الله الكندي عن أبي جحيفة قال جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب. فسأله وأنا أسمع فقال : حديث حدثتنيه (٤) عن علي بن أبي طالب. قال : نعم ، بعثني مخنف بن سليم إلى علي. فأتيته بكربلاء : فوجدته يشير بيده ويقول : هاهنا هاهنا. فقال له رجل : وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال : ثقل لآل محمد ينزل هاهنا فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم. فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام

__________________

(١) ح : « ولدي وعيالي ».

(٢) ح : « ثم لا يعيننا ».

(٣) ح : « مقتلهم ».

(٤) في الأصل : « حدثنيه » محرف. وفي ح : « حدثتناه ».

١٤١

يا أمير المؤمنين؟ قال : ويل لهم منكم : تقتلونهم ، وويل لكم منهم : يدخلكم الله بقتلهم إلى النار.

وقد روى هذا الكلام على وجه آخر : أنه عليه‌السلام قال : فويل [ لكم منهم ، وويل ] لكم عليهم. قال الرجل : أما ويل لنا منهم فقد عرفت (١) : وويل لنا عليهم ما هو؟ قال : ترونهم يقتلون ولا تستطيعون نصرهم.

نصر : سعيد بن حكيم العبسي : عن الحسن بن كثير عن أبيه : أن عليا أتى كربلاء فوقف بها ، فقيل يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء. قال : ذات كرب وبلاء. ثم أومأ بيده إلى مكان فقال : هاهنا موضع رحالهم ، ومناخ ركابهم وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال : هاهنا مهراق دمائهم.

ثم رجع إلى حديث عمر بن سعد ، قال : ثم مضى نحو ساباط حتى انتهى إلى مدينة بهر سير ، وإذا رجل من أصحابه يقال له حر (٢) بن سهم بن طريف من بني ربيعة بن مالك (٣) ، ينظر إلى آثار كسرى ، وهو يتمثل قول ابن يعفر التميمي (٤) :

جرت الرياح على مكان ديارهم

فكأنما كانوا على ميعاد

__________________

(١) ح : « عرفناه ».

(٢) في الأصل : « حريز » وأثبت ما في ح ( ١ : ٢٨٨ ).

(٣) ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. انظر ١٣٣ ونهاية الأرب ( ٢ : ٣٤٤ ).

(٤) هو الأسود بن يعفر بن عبد الأسود بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن زيد مناة بن تميم. شاعر جاهلي مقدم ، كان ينادم النعمان بن المنذر. والبيت من قصيدة له في المفضليات ( ٢ : ١٥ ـ ٢٠ طبع المعارف ). وفي الأصل : « ابن يعقوب التميمي » والصواب ما أثبت. وفي ح : « بقول الأسود بن يعفر ».

١٤٢

فقال علي : أفلا قلت : ( كم تركوا من جنات وعيون. وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك وأورثناها قوما آخرين. فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ). إن هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين ، إن هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية. إياكم وكفر النعم لا تحل بكم النقم. ثم قال : انزلوا بهذه النجوة (١).

نصر : عمر بن سعد ، حدثني مسلم الأعور ، عن حبة العرني (٢) ( رجل من عرينة ) قال : أمر علي بن أبي طالب الحارث الأعور فصاح في أهل المدائن : من كان من المقاتلة فليواف أمير المؤمنين صلاة العصر. فوافره في تلك الساعة ، فحمد الله وأثنى عليه وقال :

أما بعد فإني قد تعجبت من تخلفكم عن دعوتكم ، وانقطاعكم عن أهل مصركم في هذه المساكن الظالم أهلها ، والهالك أكثر سكانها لا معروفا تأمرون به ، ولا منكرا تنهون عنه. قالوا : يا أمير المؤمنين ، إنا كنا ننتظر أمرك ورأيك ، مرنا بما أحببت. فسار وخلف عليهم عدي بن حاتم ، فأقام عليهم ثلاثا ثم خرج في ثمانمائة ، وخلف ابنه يزيد فلحقه في أربعمائة رجل منهم ، ثم لحق عليا ، وجاء علي حتى مر بالأنبار ، فاستقبله بنو خشنوشك دهاقنتها.

__________________

(١) النجوة : المكان المرتفع. ح : « الفجوة ». والفجوة : ما اتسع من الأرض ، وقيل ما اتسع منها وانخفض.

(٢) هو حبة ، بفتح أوله ثم موحدة ثقيلة ، بن جوين بجيم مصغر ، العرني ، أبو قدامة الكوفي ، كان غاليا في التشيع. قال في تقريب التهذيب : « أخطأ من زعم أن له صحبة ». ح : « حية » بالياء ، تحريف.

١٤٣

قال سليمان (١) : « خش : طيب. نوشك : راض. يعني بني الطيب الراضي ، بالفارسية ».

فلما استقبلوه نزلوا ثم جاءوا يشتدون معه قال : ما هذه الدواب التي معكم؟ وما أردتم بهذا الذي صنعتم؟ قالوا : أما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الأمراء. وأما هذه البراذين فهدية لك. وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاما ، وهيأنا لدوابكم علفا كثيرا. قال : أما هذا الذي زعمتم أنه منكم خلق تعظمون به الأمراء فوالله ما ينفع هذا الأمراء ، وإنكم لتشقون به على أنفسكم وأبدانكم ، فلا تعودوا له. وأما دوابكم هذه فإن أحببتم أن نأخذها منكم فنحسبها من خراجكم أخذناها منكم. وأما طعامكم الذي صنعتم لنا فإنا نكره أن نأكل من أموالكم شيئا إلا بثمن. قالوا : يا أمير المؤمنين ، نحن نقومه ثم نقبل ثمنه. قال : إذا لا تقومونه قيمته ، نحن نكتفي بما دونه. قالوا : يا أمير المؤمنين فإن لنا من العرب موالي ومعارف ، فتمنعنا أن نهدى لهم وتمنعهم أن يقبلوا منا؟ قال : كل العرب لكم موال ، وليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل هديتكم. وإن غصبكم أحد فأعلمونا. قالوا : يا أمير المؤمنين ، إنا نحب أن تقبل هديتنا وكرامتنا. قال لهم : ويحكم ، نحن أغنى منكم. فتركهم ثم سار.

نصر : عبد العزيز بن سياه (٢) ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال أبو سعيد

__________________

(١) هو أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي ، أحد رواة هذا الكتاب.

(٢) عبد العزيز بن سياه ، بكسر المهملة بعدها تحتانية خفيفة ، الأسدي الكوفي. صدوق يتشيع من كبار أتباع التابعين. انظر تهذيب التهذيب والتقريب. وفي ح ( ١ : ٢٨٨ ) : « بن سباع » تحريف.

١٤٤

التيمي ، المعروف بعقيصا (١) ، قال : كنا مع علي في مسيره إلى الشام ، حتى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد ـ قال : ـ عطش الناس واحتاجوا إلى الماء ، فانطلق بنا على حي أتى بنا (٢) على صخرة ضرس من الأرض (٣) ، كأنها ربضة عنز (٤) ، فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا ماء ، فشرب الناس منه وارتووا. قال : ثم أمرنا فأكفأناها عليه. قال : وسار الناس حتى إذا مضينا قليلا قال علي : منكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه؟ قالوا : نعم يا أمير المؤمنين. قال : فانطلقوا إليه. قال : فانطلق منا رجال ركبانا ومشاة ، فاقتصصنا الطريق [ إليه ] حتى انتهينا إلي المكان الذي نرى أنه فيه. قال : فطلبناها (٥) فلم نقدر على شيء ، حثى إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب منا فسألناهم : أين الماء الذي هو عندكم؟ قالوا : ما قربنا ماء. قالوا : بلى ، إنا شربنا منه. قالوا : أنتم شربتم منه؟ قلنا : نعم : قال [ صاحب الدير ] : ما بني هذا الدير إلا بذلك الماء (٦) ، وما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي.

ثم رجع إلى الحديث. قال ثم مضى أمير المؤمنين حتى نزل بأرض

__________________

(١) في القاموس : « وعقيصى مقصورا : لقب أبي سعيد التيمي التابعي ». وفي منتهى المقال ١٣٢ : « دينار ، يكنى أبا سعيد ، ولقبه عقيصا ، وإنما لقب بذلك لشعر قاله » فجعل اسمه « دينارا ». في الأصل : « التميمي » تحريف. وفي ح : « حدثنا سعيد التيمي المعروف يعقيصاء » ، نقص وتحريف.

(٢) في الأصل : « أتانا » وفي ح : « أتى » فقط.

(٣) الضرس ، بالكسر : الأرض الخشنة.

(٤) ربضة العنز ، بالضم : أي جثتها إذا بركت. وروى في الحديث : « كربضة العنز » بكسر الراء. اللسان ( ٩ : ١٣ ).

(٥) أي الصخرة. وفي ح : « فطلبناه » ، أي الماء.

(٦) في الأصل : « لذلك الماء » ، وأثبت ما في ح.

١٤٥

الجزيرة ، فاستقبله بنو تغلب والنمر بن قاسط بالجزيرة (١). قال : قال علي ليزيد ابن قيس لأرحبي : يا يزيد بن قيس. قال : لبيك يا أمير المؤمنين. قال : هؤلاء قومك ، من طعامهم فاطعم ، ومن شرابهم فاشرب.

نصر : عمر بن سعد ، عن الكلبي ، عن الأصبغ بن نباتة ، أن رجلا سأل عليا بالمدائن عن وضوء رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فدعا بمخضب من برام (٢) قد نصفه الماء (٣). قال علي : من السائل عن وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقام الرجل ، فتوضأ علي ثلاثا ثلاثا ، ومسح برأسه واحدة ، وقال : هكذا رأيت رسول الله يتوضأ.

ثم رجع إلى الحديث الأول ، حديث يزيد بن قيس الأرحبي. ثم قال : والله إني لشاهد إذ أتاه وفد بني تغلب فصالحوه على أن يقرهم على دينهم ، ولا يضعوا أبناءهم في النصرانية. قال : وقد بلغني أنهم قد تركوا ذلك ، وايم الله لئن ظهرت عليهم لأقتلن مقاتلتهم ، ولأسبين ذراريهم. فلما دخل بلادهم استقبلته مسلمة لهم كثيرة ، فسر بما رأى من ذلك ، وثناه عن رأيه. ثم سار أمير المؤمنين حتى أتى الرقة وجل أهلها العثمانية الذين فروا من الكوفة برأيهم وأهوائهم إلى معاوية فغلقوا أبوابها وتحصنوا فيها ، وكان أميرهم سماك بن مخرمة الأسدي في طاعة معاوية ، وقد كان فارق عليا في نحو من مائة رجل من بني أسد ، ثم أخذ يكاتب قومه حتى لحق به منهم سبعمائة رجل.

__________________

(١) ح : « ابن قاسط بن محرز » تحريف. وهو النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.

(٢) المخضب ، بالكسر : شبه الإجانة يغسل فيها الثياب ، والمركن. والبرام : جمع برمة ، بالضم ، وهي قدر من حجارة.

(٣) نصفه الماء : بلغ نصفه. وفي الأصل : « قدر نصفه الماء ». محرف. وهذا الخبر لم يرد في مظنه من ح.

١٤٦

نصر : عمر بن سعد ، حدثني مسلم الملائي (١) عن حبة (٢) عن علي قال : لما نزل علي الرقة [ نزل ] بمكان يقال له بليخ على جانب الفرات ، فنزل راهب [ هناك ] من صومعته فقال لعلي : إن عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا ، كتبه [ أصحاب ] عيسى بن مريم ، أعرضه عليك. قال علي : نعم فما هو؟ قال الراهب :

بسم الله الرحمن الرحيم

الذي قضى فيما قضى ، وسطر فيما سطر ، أنه باعث في الأميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة ، ويدلهم على سبيل الله ، لا فظ ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزى بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح (٣) ، أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل نشز ، وفي كل صعود وهبوط (٤) ، تذل ألسنتهم (٥) بالتهليل والتكبير [ والتسبيح ] ، وينصره الله على كل من ناواه ، فإذا توفاه الله اختلفت أمته ثم اجتمعت ، فلبثت بذلك ما شاء الله ثم اختلفت ، فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات ، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ، ويقضي بالحق ، ولا يرتشي في الحكم (٦). الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت [ به ] الريح ، والموت أهون عليه من شرب الماء

__________________

(١) هو مسلم بن كيسان الضبي الملائي البراد ، أبو عبد الله الكوفي. انظر تهذيب التهذيب والتقريب.

(٢) سبقت ترجمته في ص ١٤٣.

(٣) ح ( ١ : ٢٨٩ ) : « بل يعفو ويصفح ».

(٤) النشز ، بالفتح والتحريك : المتن المرتفع من الأرض. والصعود والهبوط ، بفتح أولهما : ما ارتفع وما انخفض من الأرض.

(٥) يذل ، من الذل ، بالكسر والضم ، وهو اللين.

(٦) ح : « ولا يركس الحكم ». والركس : رد الشيء مقلوبا.

١٤٧

على الظماء (١) ، يخاف الله في السر ، وينصح له في العلانية ، ولا يخاف في الله لومة لائم. من أدرك ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنة ، ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره ؛ فإن القتل معه شهادة ». [ ثم قال له ] : فأنا مصاحبك غير مفارقك حتى يصيبني ما أصابك. قال : فبكي علي ثم قال : الحمد لله الذي لم يجعلني عنده منسيا (٢) ، الحمد لله الذي ذكرني في كتب الأبرار. ومضى الراهب معه ، وكان ـ فيما ذكروا ـ يتغدى مع علي ويتعشى حتى أصيب يوم صفين ، فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم قال علي : اطلبوه. فلما وجدوه صلى عليه ودفنه ، وقال : هذا منا أهل البيت. واستغفر له مرارا.

نصر : عمر عن رجل ـ وهو أبو مخنف ـ عن نمير بن وعلة ، عن أبي الوداك (٣) أن عليا بعث من المدائن معقل بن قيس [ الرياحي ] في ثلاثة آلاف رجل ، وقال له : « خذ على الموصل ، ثم نصيبين ، ثم القني بالرقة ؛ فإني موافيها ، وسكن الناس وأمنهم ، ولا تقاتل إلا من قاتلك ، وسر البردين (٤) ، وغور بالناس (٥) ، وأقم الليل ، ورفه في السير ، ولا تسر في

__________________

(١) الظمء ، بالفتح ، والظمأ ، بالتحريك ، والظماء والظماءة ، كسحاب وسحابة : العطش : ح : « الظمآن »

(٢) ح : « الذي لم أكن عنده منسيا ».

(٣) هو جبر بن نوف ـ بفتح النون وآخره فاء ـ الهمداني ـ بسكون الميم ـ البكالي ـ بكسر الباء الموحدة وتخفيف الكاف ـ أبو الوداك ـ بفتح الواو وتشديد الدال. انظر تهذيب التهذيب والتقريب.

(٤) البردان : الصبح والعصر ، كالأبردين. انظر جي الجنتين ٢٦.

(٥) التغوير : النزول في القائلة نصف النهار. يقال « غوروا بنا فقد أرمضتمونا » أي انزلوا بنا وقت الهاجرة حتى تبرد.

١٤٨

الليل (١) فإن الله جعله سكنا ، أرح فيك بدنك وجندك وظهرك. فإذا كان السحر أو حين ينبطح الفجر (٢) فسر ». فخرج حتى أتى الحديثة ، وهي إذ ذاك منزل الناس ـ إنما بنى مدينة الموصل بعد ذلك محمد بن مروان ـ فإذا هم بكبشين ينتطحان ، ومع معقل بن قيس رجل من خثعم يقال له شداد بن أبي ربيعة (٣) قتل بعد ذلك مع الحرورية (٤) ، فأخذ يقول : إيه إيه. فقال معقل : ما تقول : قال : فجاء رجلان نحو الكبشين فأخذ كل واحد منهما كبشا ثم انصرفا ، فقال الخثعمي لمعقل : لا تغلبون ولا تغلبون. قال له : من أين علمت ذلك؟ قال : أما أبصرت الكبشين ، أحدهما مشرق والآخر مغرب ، التقيا فاقتتلا وانتطحا ، فلم يزل كل واحد منهما من صاحبه منتصفا حي أتى كل واحد منهما صاحبه فانطلق به. فقال له معقل : أو يكون خيرا مما تقول يا أخا خثعم؟ ثم مضوا حتى أتوا عليا بالرقة.

نصر : عمر بن سعد ، عن رجل ، عن أبي الوداك ، أن طائفة من أصحاب علي قالوا له : اكتب إلى معاوية وإلى من قبله من قومك بكتاب تدعوهم فيه إليك ، وتأمرهم بترك ما هم فيه من الخطأ (٥) ؛ فإن الحجة لن تزداد عليهم بذلك إلا عظما. فكتب إليهم :

__________________

(١) ح ( ١ : ٢٩٠ ) : « اول الليل ».

(٢) انبطح الفجر : ذهب هاهنا وهاهنا. وإنما سمي بطن المسيل أبطح لأن الماء ينبطح فيه أي يذهب يمينا وشمالا. ح : « ينبلج الفجر ».

(٣) ح : « شرار بن شداد بن أبي ربيعة ».

(٤) هنا ضبط ياقوت. وضبط في اللسان والقاموس والوفيات ( ١ : ٢٢٤ ) بفتح أوله وضم ثانيه.

(٥) في الأصل : « وتأمرهم بما لهم فيه من الخطأ ».

١٤٩

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية وإلى من قبله من قريش سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإن لله عبادا آمنوا بالتنزيل ، وعرفوا التأويل ، وفقهوا في الدين ، وبين الله فضلهم في القرآن الحكيم ، وأنتم في ذلك الزمان أعداء لرسول الله صلى الله عليه ، تكذبون بالكتاب ، مجمعون على حرب المسلمين ، من ثقفتم منهم حبستموه أو عذبتموه أو قتلتموه ، حتى أراد الله إعزاز دينه وإظهار رسوله (١) ، ودخلت العرب في دينه أفواجا ، وأسلمت [ له ] هذه الأمة طوعا وكرها ، وكنتم ممن دخل في هذا الدين إما رغبة وإما رهبة ، على حين فاز أهل السبق بسبقهم وفاز المهاجرون الأولون بفضلهم. فلا ينبغي لمن ليست له مثل سوابقهم في الدين ولا فضائلهم في الإسلام ، أن ينازعهم الأمر الذي هم أهله وأولى به ، فيحوب بظلم (٢). ولا ينبغي لمن كان له عقل أن يجهل قدره ، ولا أن يعدو طوره ، ولا أن يشقي نفسه بالتماس ما ليس له. ثم إن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديما وحديثا ، أقربها من رسول الله صلى الله عليه ، وأعلمها بالكتاب وأفقهها في الدين ، وأولها إسلاما وأفضلها جهادا وأشدها بما تحمله الرعية من أمورها اضطلاعا. فاتقوا الله الذي إليه ترجعون ، ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ). واعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون (٣) ، وأن شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم ؛ فإن للعالم بعلمه فضلا ، وإن الجاهل لن يزداد بمنازعة العالم إلا جهلا. ألا

__________________

(١) ح : « وإظهار أمره ».

(٢) حاب يحوب حوبا : أثم.

(٣) في الأصل : « بما يعطون » ، صوابه في ح.

١٥٠

وإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه ، وحقن دماء هذه الأمة. فإن قبلتم أصبتم رشدكم ، وأهتديتم لحظكم. وإن أبيتم إلا الفرقة وشق عصا هذه الأمة فلن (١) تزدادوا من الله إلا بعدا ، ولن يزداد الرب عليكم إلا سخطا. والسلام.

فكتب إليه معاوية :

« أما بعد فإنه :

ليس بيني وبين قيس عتاب

غير طعن الكلى وضرب الرقاب »

فقال علي : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ).

نصر : عمر ، عن الحجاج بن أرطاة ، عن عبد الله بن عمار بن عبد يغوث أن عليا قال لأهل الرقة : اجسروا لي جسرا لكي أعبر من هذا المكان إلى الشام. فأبوا وقد كانوا ضموا السفن عندهم ، فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج ، وخلف عليه الأشتر ، فناداهم فقال : يا أهل هذا الحصن ، إني أقسم بالله لئن مضى أمير المؤمنين ولم تجسروا له عند مدينتكم حتى يعبر منها لأجردن فيكم السيف ، ولأقتلن مقاتلتكم ، ولأخربن أرضكم ، ولآخذن أموالكم. فلقى بعضهم بعضا فقالوا : إن الأشتر يفي بما يقول (٢) ، وإن عليا خلفه علينا ليأتينا منه الشر (٣). فبعثوا إليه : إنا ناصبون لكم جسراً

__________________

(١) في الأصل : « لن » والصواب دخول الفاء. وفي ح : « لم ». وهذه لا تطلب الفاء.

(٢) ح : « بما حلف عليه ».

(٣) ح : « وإنما خلفه علي عندنا ليأتينا بشر ».

١٥١

فأقبلوا. فأرسل الأشتر إلى علي فجاء ونصبوا له الجسر ، فعبر الأثقال والرجال (١) ، ثم أمر الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس ، حتى لم يبق أحد من الناس إلا عبر ؛ ثم إنه عبر آخر الناس رجلا.

وذكر الحجاج أن الخيل ازدحمت حين عبرت ، وزحم بعضها بعضا وهي تعبر ، فسقطت قلنسوة عبد الله بن أبي الحصين (٢) فنزل فأخذها وركب ، وسقطت قلنسوة عبد الله بن الحجاج فنزل فأخذها ثم ركب ، فقال لصاحبه :

إن يك ظن الزاجري الطير صادقا

كما زعموا أقتل وشيكا وتقتل (٣)

قال عبد الله بن أبي الحصين : ما شيء أوتاه هو أحب إلى مما ذكرت. فقتلا جميعا يوم صفين.

وقال خالد بن قطن : فلما قطع علي الفرات دعا زياد بن النضر ، وشريح بن هانئ ، فسرحهما أمامه نحو معاوية على حالهما الذي كانا عليه حين خرجا من الكوفة ، في اثني عشر ألفا. وقد كانا حين سرحهما من الكوفة [ مقدمة له ] أخذا على شاطئ الفرات ، من قبل البر مما يلي الكوفة ، حتى بلغا عانات ، فبلغهما أخذ علي على طريق الجزيرة ، وبلغهما أن معاوية أقبل في جنود الشام من دمشق لاستقبال علي فقالا : لا والله ما هذا لنا برأي : أن

__________________

(١) في الأصل : « فعبر على الأثقال والرحال » بالحاء وبزيادة « علي » ، وأثبت صوابه من ح ( ١ : ٢٩٠ ). وفي الطبري ( ٥ : ٢٣٧ ) : « فعبر عليه بالأثقال والرحال ».

(٢) في الأصل : « عبد الرحمن بن أبي الحصين » في هذا الموضع وتاليه ، وصوابه في ح والطبري.

(٣) رسم في الأصل بصورة النثر؟ وبلفظ : « الزاجر » و « يزعمون » ، صوابه في الطبري.

١٥٢

نسير وبيننا وبين أمير المؤمنين هذا البحر : ما لنا خير أن نلقى جموع أهل الشام بقلة من عددنا منقطعين من العدد والمدد. فذهبوا ليعبروا من عانات فمنعهم أهل عانات ، وحبسوا عندهم السفن (١) ، فأقبلوا راجعين حتى عبروا من هيت ثم لحقوا عليا بقرية دون قرقيسيا وقد أرادوا أهل عانات فتحصنوا منهم ، فلما لحقت المقدمة عليا قال : مقدمتي تأتى [ من ] ورائي؟ فتقدم إليه زياد وشريح فأخبراه [ بالرأي ] الذي رأيا ، فقال : قد أصبتما رشدكما. فلما عبر الفرات قدمهما أمامه نحو معاوية ، فلما انتهوا إلى معاوية لقيهم أبو الأعور [ السلمى ] في جند أهل الشام ، فدعوهم إلى الدخول في طاعة أمير المؤمنين فأبوا ، فبعثوا إلى علي : إنا قد لقينا أبا الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام فدعوناه (٢) وأصحابه إلى الدخول في طاعتك فأبوا علينا ، فمرنا بأمرك. فأرسل علي إلى الأشتر فقال :

« يا مال ، إن زيادا وشريحا أرسلا إلى يعلماني أنهما لقيا أبا الأعور السلمي في جند من أهل الشام بسور الروم فنبأني الرسول أنه تركهم متواقفين (٣). فالنجاء إلى أصحابك النجاء. فإذا أتيتهم فأنت عليهم ، وإياك أن تبدأ القوم بقتال ، إلا أن يبدءوك ، حتى تلقاهم وتسمع منهم ، ولا يجرمنك شنآنهم على قتالهم (٤) قبل دعائهم والإعذار إليهم مرة بعد مرة. واجعل على ميمنتك زيادا ، وعلى ميسرتك شريحا ، وقف بين أصحابك وسطا ، ولا تدن

__________________

(١) ح ( ١ : ٢٩١ ) : « عنهم السفن ».

(٢) في الأصل : « فدعوناهم » صوابه من ح.

(٣) متواقفين : وقف بعضهم أمام بعض في الحرب.

(٤) أي لا يحملنك بغضهم على قتالهم.

١٥٣

منهم دنو من يريد أن ينشب الحرب ، ولا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس ، حتى أقدم عليك (١) ، فإني حثيث السير إليك إن شاء الله ».

وكان الرسول الحارث بن جمهان الجعفي (٢).

وكتب إليهما :

« أما بعد ، فإني قد أمرت عليكما مالكا ، فاسمعا له وأطيعا أمره ؛ فإنه ممن لا يخاف رهقه ولا سقاطه (٣) ، ولا بطؤه عن ما الإسراع إليه أحزم ، ولا الإسراع إلى ما البطء عنه أمثل. وقد أمرته بمثل الذي أمرتكما : ألا يبدأ القوم بقتال حتى يلقاهم فيدعوهم ويعذر إليهم (٤) [ إن شاء الله ] ». فخرج الأشتر حتى قدم على القوم فاتبع ما أمره به علي ، وكف عن القتال. فلم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور السلمي فثبتوا [ له ] واضطربوا ساعة. ثم إن أهل الشام انصرفوا ، ثم خرج هاشم بن عتبة في خيل ورجال حسن عدتها وعددها ، وخرج إلهيم أبو الأعور السلمي ، فاقتتلوا يومهم ذلك ، تحمل الخيل على الخيل (٥) ، والرجال على الرجال ، فصبر القوم بعضهم لبعض ثم انصرفوا. وبكر عليهم الأشتر فقتل منهم (٦) عبد الله بن المنذر

__________________

(١) في الأصل : « إليك » وأثبت ما في ح.

(٢) ذكره في لسان الميزان ( ٢ : ١٤٩ ) بدون نسبته ، وقال : « ذكره الطوسي في رجال الشيعة ». وقد ضبط في تاريخ الطبري ( ٥ : ٢٣٨ ) بضم الجيم.

(٣) الرهق : الجهل وخفة العقل ، وهو أيضا الكذب ، والعربدة. والسقاط ، بالكسر : الخطأ والعثرة والزلة.

(٤) في الأصل : « ألا تبدءوا القوم بقتال حتى تلقاهم فتدعوهم وتعذر إليهم » وأثبت ما في ح.

(٥) في الأصل : « فحمل الخيل على الخيل » وأثبت ما في ح والطبري ( ٥ : ٢٣٩ ).

(٦) ح : « فقتل من أهل الشام ».

١٥٤

التنوخي ، قتله ظبيان بن عمارة التميمي ، وما هو يومئذ إلا فتى حديث السن. وإن كان الشامي لفارس أهل الشام. وأخذ الأشتر يقول : ويحكم ، أروني أبا الأعور. ثم إن أبا الأعور دعا الناس فرجعوا نحوه ، فوقف على تل من وراء المكان الذي كان فيه أول مرة ، وجاء الأشتر حتى صف أصحابه في المكان الذي كان فيه أبو الأعور أول مرة ، فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعي : انطلق إلى أبي الأعور فادعه إلى المبارزة. فقال : إلى مبارزتي أو مبارزتك؟ فقال : إلى مبارزتي. فقال الأشتر : [ أو ] لو أمرتك بمبارزته فعلت؟ قال : نعم ، والذي لا إله إلا هو لو أمرتني أن أعترض صفهم بسيفي فعلته (١) حتى أضربه بالسيف. فقال : يا ابن أخي ، أطال الله بقاءك ، وقد والله ازددت فيك رغبة ، لا ، ما أمرتك بمبارزته ، إنما أمرتك أن تدعوه إلى مبارزتي ، لأنه لا يبارز ـ إن كان ذلك من شأنه ـ إلا ذوي الأسنان (٢) والكفاءة والشرف ، وأنت بحمد الله من أهل الكفاءة والشرف ، ولكنك حديث السن ، [ و ] ليس يبارز الأحداث ، فاذهب فادعه إلى مبارزتي. فأتاهم فقال (٣) : أمنوني فإني رسول (٤). فأمنوه حتى انتهى إلى أبي الأعور.

نصر : عمر بن سعد ، رجل (٥) ، عن أبي زهير العبسي ، عن صالح بن سنان بن مالك ، عن أبيه قال : قلت له : إن الأشتر يدعوك إلى مبارزته. فسكت عني طويلا ثم قال : إن خفة الأشتر وسوء رأيه هو الذي دعاه إلى

__________________

(١) ح ( ١ : ٢٩١ ) : « لفعلت ».

(٢) في الأصل : « لذوي الأسنان » والوجه ما أثبت في ح. وانظر الطبري.

(٣) في الأصل : « فأتاه فقال » ، صوابه في ح.

(٤) ح : « أنا رسول فأمنوني ».

(٥) كذا في الأصل ، وليست في ح. ومعناه حدثني رجل.

١٥٥

إجلاء عمال عثمان من العراق ، وافترائه عليه يقبح محاسنه ، ويجهل حقه ، ويظهر عداوته. ومن خفة الأشتر وسوء رأيه أنه سار إلى عثمان في داره وقراره ، فقتله فيمن قتله ، فأصبح مبتغى بدمه (١). لا حاجة لي في مبارزته. قال : قلت له : قد تكلمت فاستمع مني حتى أخبرك (٢). قال : فقال : لا حاجة لي في جوابك ، ولا الاستماع منك. اذهب عني. وصاح بي أصحابه فانصرفت عنه. ولو سمع مني لأخبرته بعذر صاحبي وحجته. فرجعت إلى الأشتر فأخبرته أنه قد أبي المبارزة ، فقال : لنفسه نظر. قال : فتواقفنا حتى حجز بيننا وبينهم الليل ، وبتنا متحارسين. فلما أن أصبحنا نظرنا فإذا هم قد انصرفوا (٣). قال : وصبحنا (٤) على غدوة فسار نحو معاوية ، فإذا أبو الأعور السلمى قد سبق إلى سهولة الأرض ، وسعة المنزل ، وشريعة الماء ، مكان أفيح (٥) ، وكان على مقدمة معاوية.

نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن محمد بن علي ، وزيد بن حسن ، ومحمد ـ يعني ابن المطلب ـ قالوا : استعمل علي عليه‌السلام ، على مقدمته الأشتر بن الحارث النخعي ، وسار علي في خمسين ومائة ألف من أهل العراق وقد خنست طائفة من أصحاب علي ، وسار معاوية في نحو من ذلك من أهل الشام ، واستعمل معاوية على مقدمته سفيان بن عمرو : أبا الأعور السلمي. فلما بلغ معاوية أن عليا يتجهز أمر أصحابه بالتهيوء. فلما استتب لعلي أمره

__________________

(١) مبتغى : مطلوبا. وفي ح والطبري : « متبعا ».

(٢) ح والطبري : « فاسمع حتى أجيبك ».

(٣) في الطبري : « قد انصرفوا من تحت؟؟ ليلتهم ».

(٤) في الأصل : « وأصبحنا » تحريف. وفي ح والطبري : « ويصبحنا على غدوة ».

(٥) الأفيح : الواسع. ح : « مكانا أفسح » ، محرف.

١٥٦

سار بأصحابه ، فلما بلغ معاوية مسيره إليه سار بقضه وقضيضه نحو علي عليه‌السلام ، واستعمل على مقدمته سفيان بن عمرو ، وعلى ساقته ابن أرطاة العامري ـ يعني بسرا (١) ـ فساروا حتى توافوا جميعا بقناصرين (٢) إلى جنب صفين. فأتى الأشتر صاحب مقدمة معاوية وقد سبقه إلى المعسكر على الماء ، وكان الأشتر في أربعة آلاف من متبصري أهل العراق ، فأزالوا أبا الأعور عن معسكره ، وأقبل معاوية في جميع الفيلق (٣) [ بقضه وقضيضه ] ، فلما رأى ذلك الأشتر انحاز إلى علي عليه‌السلام وغلب معاوية على الماء ، وحال بين أهل العراق وبينه ، وأقبل علي عليه‌السلام حتى إذا أراد المعسكر إذا القوم قد حالوا بينه وبين الماء.

ثم رجع إلى الحديث بإسناده إلى الأول. ثم إن عليا عليه‌السلام طلب موضعا لعسكره ، وأمر الناس أن يضعوا أثقالهم ـ وهم مائة ألف أو يزيدون ـ فلما نزلوا تسرع فوارس من فوارس علي على خيلهم إلى معاوية وكانوا في ثلاثين ومائة ـ ولم ينزل بعد معاوية ، فناوشوهم القتال واقتتلوا هويا (٤).

__________________

(١) بعده في ح ( ١ : ٢٩١ ) : « وعلى الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، ودفع اللواء إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وجعل على الميمنة حبيب بن مسلمة الفهري ، وعلى الميسرة عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعلى الرجالة من الميسرة حابس بن سعيد الطائي وعلى خيل دمشق الضحاك بن قيس الفهري ، وعلى رجالة أهل دمشق يزيد بن أسد بن كرز البجلي ، وعلى أهل حمص ذا الكلاع ، وعلى أهل فلسطين مسلمة بن مخلد ». وسيأتي هذا الكلام في نهاية هذا الجزء الثالث من الكتاب.

(٢) لم يذكره ياقوت. وفي القاموس : « وقناصرين بالضم : موضع بالشام ».

(٣) في الأصل : « جمع الفيلق » صوابه في ح ( ١ : ٣٢٥ ).

(٤) الهوى ، بفتح الهاء وكسر الواو وتشديد الياء : الحين الطويل من الزمان. وبالضم : السرعة ، يقال هوت الناقة تهوى هويا ، إذا عدت عدوا شديدا أرفع العدو.

١٥٧

نصر : عمر بن سعد ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : كتب معاوية إلى علي عليه‌السلام :

« عافانا الله وإياك.

ما أحسن العدل والإنصاف من عمل

وأقبح الطيش ثم النفش في الرجل (١)

[ وكتب بعده (٢) ] :

اربط حمارك لا ينزع سويته

إذا يرد وقيد العير مكروب (٣)

ليست ترى السيد زيدا في نفوسهم

كما تراه بنو كوز ومرهوب

إن تسألوا الحق يعطى الحق سائله

والدرع محقبة والسيف مقروب

أو تأنفون فإنا معشر أنف

لا نطعم الضيم إن السم مشروب »

قال : وأمر علي عليه‌السلام الناس ، فوزعوا عن القتال (٤) حتى تأخذ

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في ( ١ : ٣٢٦ ) : « والنفش كثرة الكلام والدعاوى. وأصله من نفش الصوف ».

(٢) التكملة من ح ( ١ : ٣٢٥ ).

(٣) الأبيات لعبد الله بن عنمة الضبي : انظر الشعر وشرحه وترجمة قائله وجو الأبيات في المفضليات ( ٢ : ١٨٢ طبع المعارف ).

(٤) وزعوا : كفوا.

١٥٨

أهل المصاف مصافهم (١) ، ثم قال :

أيها الناس ، هذا موقف من نطف فيه نطف يوم القيامة (٢) ، ومن فلج فيه فلج يوم القيامة.

ثم قال علي ، لما نزل معاوية بصفين :

لقد أتاكم كاشرا عن نابه

يهمط الناس على اعتزا به (٣)

فليأتنا الدهر بما أتى به

وكتب علي إلى معاوية :

فإن للحرب عراما شررا

إنَّ عليها قائداً عَشَنْزَرا (٤)

ينصف من أجحر أو تنمرا

على نواحيها مزجا زمجرا (٥)

__________________

(١) ح ( ١ : ٣٢٦ ) : « حتى أخذ أهل الشام مصافهم ».

(٢) يقال نطف ، كعلم ، ونطف بالبناء للمجهول : أي اتهم بريبة.

(٣) يهمط الناس ، أي يقهرهم ويخطبهم. والاعتزاب ، قال ابن أبي الحديد في ( ١ : ٣٢٧ ) : « أي على بعده عن الإمارة والولاية على الناس ». وفي الأصل : « اغترابه » تحريف.

(٤) العشنزر : الشديد.

(٥) قال ابن أبي الحديد : « أجحر : ظلم الناس حتى ألجأهم إلى أن دخلوا جحرتهم أو بيوتهم. وتنمر : أي تنكر حتى صار كالنمر. يقول : هذا القائد الشديد القوى ينصف من يظلم الناس ويتنكر لهم ، أي ينصف منه. فحذف حرف الجر كقوله ( واختار موسى قومه ) أي من قومه. والمزج ، بكسر الميم : السريع النفوذ ، وأصله الرمح القصير كالمزراق. ورجل زمجر أي مانع حوزته ، والميم زائدة. ومن رواها : زمخرا ، بالخاء ، عني به المرتفع العالي الشأن ». في الأصل : « أحجم » وفي ح : « أحجر » بتقديم الحاء على الجيم في الرجز وفي شرحه ، وصوابهما بتقديم الجيم على الحاء وآخره راء كما أثبت.

١٥٩

إذا ونين ساعة تغشمرا (١)

وقال أيضا (٢) :

ألم تر قومي إذ دعاهم أخوهم

أجابوا وإن يغضب على القوم يغضبوا

هم حفظوا غيبي كما كنت حافظا

لقومي أخرى مثلها إذ تغيبوا

بنو الحرب لم يقعد بهم أمهاتهم ،

وآباؤهم آباء صدق فأنجبوا

فتراجع الناس إلى معسكرهم ، وذهب شباب من الناس وغلمانهم يستقون ، فمنهم أهل الشام.

نصر ، عن عمر بن سعد ، عن يوسف بن يزيد ، عن عبد الله بن عوف ابن الأحمر قال : لما قدمنا على معاوية وأهل الشام بصفين ، وجدناهم قد نزلوا منزلا اختاروه ، مستويا (٣) بساطا واسعا ، وأخذوا الشريعة فهي في أيديهم ، وقد صف أبو الأعور عليها الخيل والرجالة ، وقدم المرامية ومعهم أصحاب الرماح والدرق ، وعلى رؤوسهم البيض ، وقد أجمعوا أن يمنعونا الماء ، ففزعنا إلى أمير المؤمنين فأخبرناه بذلك ، فدعا صعصعة بن صوحان فقال :

__________________

(١) تغشمر : تنمر وأخذهم بالشدة لا يبالي.

(٢) الشعر لربيعة بن مشروم الطائي ، كما في ح ( ١ : ٣٢٧ )

(٣) في الأصل : « اختار ولا مستويا » ، صوابه في ح.

١٦٠