عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٦

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٠٠

الخبرين المتكافئين المشترك بين المقلد والمجتهد تخير المقلد كالمجتهد ولأن إيجاب مضمون أحد الخبرين على المقلد لم يقم دليل عليه فهو تشريع (قال) ويحتمل ان يكون التخيير للمفتي فيفتي بما اختار لأنه حكم للمتحير وهو المجتهد (إلى ان قال) والمسألة بعد محتاجة إلى التأمل وإن كان وجه المشهور أقوى (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

والظاهر ان الحق مع المصنف (فيجوز للمفتي) أن يفتي لمقلديه بالتخيير في المسألة الأصولية (ويجوز له ان يفتي) لهم بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه.

(أما الأول) فلأن حكم الإمام عليه‌السلام بالتخيير بين الخبرين المتعارضين حكم شرعي أصولي يشترك فيه الكل نعم يحتاج العمل به إلى إحراز موضوع التخيير وهو تعارض الخبرين فإذا أخبر المفتي بتحقق الموضوع في مورد خاص وأحرز المقلد ذلك بإخبار المفتي أو بغير ذلك ثم أفتى المفتي ان حكمه الشرعي الأصولي هو التخيير لم يبق مانع للمقلد ان يقلد المفتي في هذا الحكم الشرعي الأصولي ويرتبه على موضوعه بنفسه فيختار أحد الخبرين ويعمل على طبقه وإن كان مخالفاً لما اختاره المفتي من الخبرين (ومن هنا يظهر) ان ما احتمله الشيخ أعلى الله مقامه من كون التخيير حكماً للمتحير يعني من قام عنده الخبران المتعارضان ولم يعلم أيهما الحق هو كلام صحيح لا ننكره ولكن المتحير ليس خصوص المجتهد بل المقلد أيضاً إذا أحرز تعارض الخبرين ولم يعلم أيهما الحق اندرج تحت هذا الموضوع وجاز له تقليد المجتهد في حكمه الشرعي الأصولي وهو التخيير بينهما (ولعل من هنا) قال أخيراً والمسألة بعد محتاجة إلى التأمل وإن كان وجه المشهور أقوى (انتهى).

(واما الثاني) فلأن ما اختاره المجتهد من الخبرين المتعارضين في عمل نفسه هو حكم الله الظاهري بمقتضى الدليل القائم على التخيير بينهما شرعاً فإذا أفتى على طبق ما اختاره من الخبرين فقد أفتى بحكم الله الظاهري (ومن هنا يظهر) ما في

٨١

الدليل الثاني للمشهور من ان إيجاب مضمون أحد الخبرين على المقلد لم يقم دليل عليه فهو تشريع ... إلخ فإن الدليل القائم عليه هو نفس دليل التخيير فإنه الّذي جعل مضمون كلا من الخبرين حكم الله ظاهراً وجعل المفتي في سعة من الإفتاء بمضمون أيهما شاء وهذا واضح.

هل التخيير بدوي أو استمراري

(قوله وهل التخيير بدوي أم استمراري قضية الاستصحاب لو لم نقل بأنه قضية الإطلاقات أيضاً كونه استمرارياً ... إلخ)

المصنف لم يؤشر إلى هذه المسألة في أصالة التخيير وقد أشرنا إليها هناك في آخر المبحث وبينا ان الحق هو كون التخيير استمرارياً كما اختاره المصنف هاهنا.

(واما الشيخ) أعلى الله مقامه فقد صرح هناك باستمرار التخيير أيضاً ولكن يظهر منه في المخالفة الالتزامية للعلم الإجمالي خلافه كما يظهر منه الخلاف في المقام أيضاً أي في التعادل والتراجيح وقد عنون المسألة في ذيل تخيير الحاكم والقاضي (قال) بعد الفراغ عن المسألة المتقدمة وهي الإفتاء بالتخيير في المسألة الأصولية أو بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه أو بجواز كليهما جميعاً (ما لفظه) هذا حكم المفتي واما الحاكم والقاضي فالظاهر كما عن جماعة انه يتخير أحدهما فيقضي به لأن القضاء والحكم عمل له لا للغير فهو المتحير ولما عن بعض من ان تخير المتخاصمين لا يرفع معه الخصومة (قال) ولو حكم على طبق إحدى الأمارتين في واقعة فهل له الحكم على طبق الأخرى في واقعة أخرى المحكي عن العلامة وغيره الجواز بل حكي نسبته إلى المحققين لما عن النهاية من انه ليس في العقل ما يدل على خلاف ذلك

٨٢

(إلى ان قال) أقول يشكل الجواز لعدم الدليل عليه لأن دليل التخيير إن كان الاخبار الدالة عليه فالظاهر انها مسوقة لبيان وظيفة المتحير في ابتداء الأمر فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى حال المتحير بعد الالتزام بأحدهما واما العقل الحاكم بعدم جواز طرح كليهما فهو ساكت من هذه الجهة والأصل عدم حجية الآخر بعد الالتزام بأحدهما كما تقرر في دليل عدم جواز العدول عن فتوى مجتهد إلى مثله نعم لو كان الحكم بالتخيير في المقام من باب تزاحم الواجبين كان الأقوى استمراره لأن المقتضي له في السابق موجود بعينه بخلاف التخيير الظاهري في تعارض الطريقين فإن احتمال تعيين ما التزمه قائم بخلاف التخيير الواقعي فتأمل واستصحاب التخيير غير جار لأن الثابت سابقاً ثبوت الاختيار لمن لم يتخير فإثباته لمن اختار والتزم إثبات للحكم في غير موضوعه الأول (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

أما التخيير في دوران الأمر بين المحذورين فقد عرفت قبلا انه ليس إلا بحكم العقل وليس في العقل ما يمنع عن استمرار التخيير إلى الآخر سوى لزوم المخالفة القطعية إذا اختار في الواقعة الثانية غير ما اختاره في الواقعة الأولى وقد أجبنا عنها بأنه كما تلزم حينئذ المخالفة القطعية فكذلك تلزم حينئذ الموافقة القطعية ولم يعلم ان مصلحة الموافقة القطعية هي أقل من مفسدة المخالفة القطعية (وأما التخيير في تعارض الخبرين) فقد عرفت هنا انه ليس إلّا بحكم الشرع وإلّا فمقتضى القاعدة الأوّلية هو تساقطهما جميعاً والرجوع إلى الأصل العملي المطابق لأحدهما وليس في البين ما يمنع عن استمرار التخيير الشرعي سوى احتمال تعيين ما التزمه أولا شرعاً فيدور الأمر فيه بين التعيين والتخيير الشرعيين فيجب الاحتياط (ولكن يدفع) احتمال التعيين في المقام إطلاقات التخيير فان موضوعها وان كان هو المتحير ولكن لا يكاد يرتفع التحير بمجرد الالتزام بأحدهما فإن المراد من المتحير في المقام ليس إلّا من

٨٣

جاءه الخبران المتعارضان ولم يعلم أيهما الحق وهو بهذا المعنى باق على حاله إلى الآخر (ولو أغمضنا النّظر) عن إطلاقات التخيير فاستصحاب التخيير أيضاً يدفع احتمال التعيين شرعاً (ودعوى) عدم جريانه في المقام ضعيفة جداً فإن الموضوع فيه ليس إلا المتحير بالمعنى المذكور وهو لم يتغير ولم يتبدل وليس موضوعه من لم يختر أحد الخبرين كي يرتفع ذلك بمجرد الاختيار فإن الاختيار وعدم الاختيار هو من حالات الموضوع لا من القيود المقومة له (ومن تمام ما ذكر) يظهر لك حال ما أشار إليه الشيخ من كون الأصل عدم حجية الآخر بعد الالتزام بأحدهما فإن الأصل المذكور هو محكوم بإطلاقات التخيير أو باستصحاب التخيير فلا يكاد يبقى له مع الإطلاقات أو الاستصحاب مجال أصلا (ونظير هذا الأصل) في المحكومية استصحاب حكم المختار أيضاً فانه محكوم أيضا بإطلاقات التخيير أو باستصحاب التخيير كما لا يخفى

هل على القول بالترجيح يقتصر على

المرجحات المنصوصة أو يتعدى إلى غيرها

(قوله فصل هل على القول بالترجيح يقتصر فيه على المرجحات المخصوصة المنصوصة أو يتعدى إلى غيرها قيل بالتعدي ... إلخ)

القائل بالتعدي عن المرجحات المنصوصة هو الشيخ أعلى الله مقامه ويظهر منه ان الأخباريين قائلون بالاقتصار على المرجحات المنصوصة وان جمهور المجتهدين قائلون بعدم الاقتصار عليها (قال) أعلى الله مقامه (ما لفظه) المقام الثالث يعني به من مقامات التراجيح في عدم جواز الاقتصار على المرجحات المنصوصة.

٨٤

(ثم ساق الكلام إلى ان قال) ولذا طعن غير واحد من الأخباريين على رؤساء المذهب مثل المحقق والعلامة بأنهم يعتمدون في الترجيحات على أمور اعتمدها العامة في كتبهم مما ليس في النصوص منه عين ولا أثر (قال) قال المحدث البحراني في هذا المقام من مقدمات الحدائق انه قد ذكر علماء الأصول من الترجيحات في هذا المقام ما لا يرجع أكثرها إلى محصول والمعتمد عندنا ما ورد من أهل بيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الاخبار المشتملة على وجوه الترجيحات (انتهى)

(ثم قال الشيخ) أقول قد عرفت ان الأصل بعد ورود التكليف الشرعي بالعمل بأحد المتعارضين هو العمل بما يحتمل ان يكون مرجحاً في نظر الشارع لأن جواز العمل بالمرجوح مشكوك حينئذ (إلى ان قال) إلا أن يقال إن إطلاقات التخيير حاكمة على هذا الأصل فلا بدّ للمتعدي من المرجحات الخاصة المنصوصة من أحد امرين إما أن يستنبط من النصوص ولو بمعونة الفتاوي وجوب العمل بكل مزية توجب أقربية ذيها إلى الواقع وإما ان يستظهر من إطلاقات التخيير الاختصاص بصورة التكافؤ من جميع الوجوه (قال) والحق ان تدقيق النّظر في اخبار الترجيح يقتضي التزام الأول كما ان التأمل الصادق في اخبار التخيير يقتضي التزام الثاني ولذا ذهب جمهور المجتهدين إلى عدم الاقتصار على المرجحات الخاصة بل ادعى بعضهم ظهور الإجماع وعدم ظهور الخلاف على وجوب العمل بالراجح من الدليلين بعد ان حكي الإجماع عليه عن جماعة (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

إن مقتضي الأصل الثانوي الّذي أمسسناه في الخبرين المتعارضين بعد قيام الإجماع والأخبار العلاجية على عدم سقوطهما رأساً (وإن كان) هو العمل بالراجح بل العمل بكل ما احتمل رجحانه (ولكن) هذا الأصل الثانوي كما أشير قبلا هو مؤسس في وعاء العجز عن الجمع بين الاخبار العلاجية بأن لم نعرف ان اللازم

٨٥

هل هو الترجيح وتقييد إطلاقات التخيير باخبار الترجيح أو اللازم هو التخيير وحمل اخبار الترجيح كلها على الاستحباب أو غيره (واما إذا جمعنا) بينها بتقييد إطلاقات التخيير بأخبار الترجيح كما هو مفروض البحث ومختار الشيخ أيضاً على ما صرح به في غير موضع من كلماته الشريفة فلا محالة تكون إطلاقات التخيير محكمة في غير مورد المرجحات المنصوصة ولا يكاد يبقى مجال لأصالة العمل بالراجح أصلا فضلا عما احتمل رجحانه في نظر الشارع (وعليه) فاللازم على المتعدي من المرجحات المنصوصة كما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه ان يستفيد (إما من اخبار الترجيح) وجوب العمل بكل مزية (أو من إطلاقات التخيير) اختصاصها بصورة التساوي في تمام المزايا والمرجحات المنصوصة وغير المنصوصة جميعاً.

(اما الثاني) فالإنصاف انه في غاية البعد فان حمل اخبار التخيير على التساوي في خصوص المزايا والمرجحات المنصوصة بعيد جداً كما تقدم قبلا لندرته وقلّته فكيف بحملها على التساوي في تمام المزايا من المنصوصة وغير المنصوصة جميعاً ،

(وأما الأول) وهو استفادة وجوب العمل بكل مزية من أخبار الترجيح فسيأتي الكلام فيها قريباً فانتظر.

(قوله لما في الترجيح بمثل الأصدقية والأوثقية ونحوهما مما فيه من الدلالة على ان المناط في الترجيح بها هو كونها موجبة للأقربية إلى الواقع إلى آخره)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) وكيف كان فما يمكن استفادة هذا المطلب منه يعني به عدم الاقتصار على المرجحات الخاصة فقرات من الروايات منها الترجيح بالأصدقية في المقبولة وبالأوثقية في المرفوعة فإن اعتبار هاتين الصفتين ليس إلّا لترجيح الأقرب إلى مطابقة الواقع في نظر الناظر في المتعارضين من حيث أنه أقرب من غير مدخلية خصوصية سبب وليستا كالأعدلية والأفقهية تحتملان لاعتبار الأقربية الحاصلة من السبب الخاصّ وحينئذ فنقول إذا

٨٦

كان أحد الراويين أضبط من الآخر أو أعرف بنقل الحديث بالمعنى أو شبه ذلك فيكون أصدق وأوثق من الراوي الآخر ونتعدى من صفات الراوي المرجحة إلى صفات الرواية الموجبة لأقربية صدورها لأن أصدقية الراوي وأوثقيته لم يعتبر إلا من حيث حصول صفة الصدق والوثاقة في الرواية فإذا كان أحد الخبرين منقولا باللفظ والآخر منقولا بالمعنى كان الأول أقرب إلى الصدق وأولى بالوثوق (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(وحاصل ما أجاب به المصنف) عن هذا التعليل بمزيد توضيح منا ان مجرد جعل شيء فيه جهة الإراءة والكشف حجة كخبر الصادق أو الثقة أو جعله مرجحاً كالأصدقية والأوثقية في الخبرين المتعارضين هو مما لا دلالة فيه على أن الملاك فيه بتمامه جهة إراءته على نحو نقطع بذلك ونتيقن به ويكون من باب تنقيح المناط القطعي ويجوز التعدي عن مورد النص بلا شبهة ولا ريب ولا كلام فيه من أحد وذلك لاحتمال دخل خصوصية ذلك الشيء في حجيته أو مرجحيته لا جهة إراءته فقط (وعليه) فإذا لم يدل دليل على ذلك أي ان الملاك هو جهة إراءته فقط ولم نحرز المناط على نحو القطع واليقين فإطلاقات التخيير لا محالة محكمة متعينة ولا بد في تقييدها ورفع اليد عنها من الاقتصار على القدر المتيقن وهو مورد المرجحات المخصوصة والمزايا المنصوصة دون غيرها.

(وبالجملة) ان مجرد جعل الأصدقية في المقبولة والأوثقية في المرفوعة مرجحاً مما لا يوجب القطع بأن المناط في جعلها هو محض الأقربية إلى الواقع كي يتعدى منها إلى كل ما يوجب الأقربية ويرفع لليد عن إطلاقات التخيير وتحمل هي على صورة التساوي من تمام الجهات والمرجحات من المنصوصة وغير المنصوصة جميعاً.

(أقول)

هذا مضافاً إلى ما عرفت من ان الأصدقية وأخواتها في المقبولة إنما هي من

٨٧

مرجحات الحكم لا من مرجحات الخبر وأما الأوثقية في المرفوعة فهي وان كانت من مرجحات الخبر ولكنك قد عرفت ضعف سندها جداً ومعارضتها مع المقبولة فإن المرفوعة بعد الترجيح بالشهرة هي رجحت بالأعدلية والأوثقية والمقبولة هي رجحت بعدها بموافقة الكتاب والسنة فلا بدّ من الأخذ بالمقبولة ورفع اليد عن المرفوعة بلا شبهة.

(قوله ولما في التعليل بأن المشهور مما لا ريب فيه من استظهار ان العلة هو عدم الريب فيه بالإضافة إلى الخبر الآخر ولو كان فيه الف ريب ... إلخ)

هذا التعليل أيضاً للشيخ أعلى الله مقامه (قال) ومنها أي من الفقرات التي يمكن أن نستفيد منها عدم الاقتصار على المرجحات الخاصة تعليله عليه‌السلام الأخذ بالمشهور بقوله فإن المجمع عليه لا ريب فيه (قال) توضيح ذلك أن معنى كون الرواية مشهورة كونها معروفة عند الكل كما يدل عليه فرض السائل كليهما مشهورين والمراد بالشاذ ما لا يعرفه إلّا القليل ولا ريب ان المشهور بهذا المعنى ليس قطعياً من جميع الجهات حتى يصير مما لا ريب فيه وإلّا لم يمكن فرضهما مشهورين (إلى ان قال) فالمراد بنفي الريب نفيه بالإضافة إلى الشاذ ومعناه ان الريب المحتمل في الشاذ غير محتمل فيه فيصير حاصل التعليل ترجيح المشهور على الشاذ بأن في الشاذ احتمالا لا يوجد في المشهور ومقتضي التعدي عن مورد النص في العلة وجوب الترجيح بكل ما يوجب كون أحد الخبرين أقل احتمالا لمخالفة الواقع (انتهى) كلامه رفع مقامه.

(وحاصل ما أجاب به المصنف) عن ذلك بمزيد توضيح منا انا نسلم أن معنى كون الرواية مشهورة كونها معروفة عند الكل وان المشهور بهذا المعنى ليس قطعياً من جميع الجهات (ولكن لا نسلم أن المراد من كونها مما لا ريب فيه هو نفي الريب فيها بالإضافة إلى الخبر الشاذ بل المراد كونها مما لا ريب فيه في نفسها فان الخبر إذا كان مشهوراً بين الرواة في الصدر الأول وكان مجمعاً عليه عندهم

٨٨

فهو مما يطمئن بصدوره على نحو صح ان يقال عرفاً انه مما لا ريب فيه ولا بأس بالتعدي عن مثل هذه المزية إلى كل مزية توجب ذلك عيناً.

(وبالجملة) لو كان المراد من كونها مما لا ريب فيه هو كونها كذلك بالإضافة إلى الخبر الشاذ لكان مقتضي التعدي عن مورد النص في العلة وجوب الترجيح بكل مزية في الخبر توجب نفي الريب فيه بالإضافة إلى الخبر المعارض له كما ادعاه الشيخ أعلى الله مقامه (واما إذا كان المراد) من كونها مما لا ريب فيه هو كونها مما لا ريب فيه في نفسها كما هو كذلك واقعاً فمقتضى التعدي عن مورد النص في العلة هو وجوب الترجيح بكل مزية توجب نفي الريب في نفسها لا وجوب الترجيح بكل مزية توجب أقربية ذيها إلى الواقع بالإضافة إلى الخبر المعارض له فتأمل جيداً.

(قوله ولما في التعليل بأن الرشد في خلافهم ... إلخ)

هذا التعليل أيضاً للشيخ أعلى الله مقامه (قال) ومنها أي من الفقرات التي يمكن أن نستفيد منها عدم الاقتصار على المرجحات الخاصة تعليلهم عليهم‌السلام لتقديم الخبر المخالف للعامة بأن الحق والرشد في خلافهم وأنَّ ما وافقهم فيه التقية فإن هذه كلها قضايا غالبية لا دائمية فيدل بحكم التعليل على وجوب ترجيح كل ما كان معه أمارة الحق والرشد وترك ما فيه مظنة خلاف الحق والصواب بل الإنصاف ان مقتضي هذا التعليل كسابقه وجوب الترجيح بما هو أبعد عن الباطل من الآخر وإن لم يكن عليه أمارة المطابقة (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(وحاصل جواب المصنف) عن هذا التعليل بمزيد توضيح منا ان في تعليل الإمام عليه‌السلام لتقديم الخبر المخالف للعامة بأن فيه الرشاد كما في المقبولة أو بأن فيه الحق كما في المرفوعة احتمالات ثلاثة.

(الأول) أن يكون الرشد في نفس المخالفة لهم لحسنها ورجحانها.

(الثاني) أن يكون الرشد والحق غالباً فيما خالفهم والغيّ والباطل فيما

٨٩

وافقهم كما هو ظاهر التعليل (بل وظاهر رواية علي بن أسباط) قلت للرضا عليه‌السلام يحدث الأمر لا أجد بدّاً من معرفته وليس في البلد الّذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك قال فقال ائت فقيه البلد فاستفته من أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه (بل وصريح رواية أبي إسحاق الأرجاني) قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة فقلت لا أدري فقال ان علياً عليه‌السلام لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره وكانوا يسألون أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الشيء الّذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّاً من عندهم ليلتبسوا على الناس (انتهى) وقد سبق منا الروايتان في ذيل التعليق على قول المصنف كما فعله بعض الأصحاب فتذكر.

(الثالث) أن يكون التعليل لأجل انفتاح باب التقية فيما وافقهم وانسداده فيما خالفهم (ويؤيده) ما رواه في الوسائل في القضاء في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة مسنداً عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما سمعته مني يشبه قول الناس ففيه التقية وما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه (هذه) هي الاحتمالات الثلاثة التي احتملها المصنف في تعليل الإمام عليه‌السلام.

(أما على الاحتمال الأول) وهو كون الرشد في نفس المخالفة لهم لحسنها ورجحانها فتعليله عليه‌السلام أجنبي عن مقصد الشيخ أي التعدي إلى كل مزية توجب أقربية ذيها إلى الواقع بلا شبهة.

(وأما على الاحتمال الثاني) وهو كون الرشد والحق غالباً فيما خالفهم والغيّ والباطل فيما وافقهم فلا شبهة في حصول الوثوق حينئذ بخلل في الخبر الموافق لهم إما صدوراً أو جهة ولا بأس بالتعدي عن مثل هذه المزية الموجبة للوثوق بخلل في المقابل إلى كل مزية توجب ذلك لا إلى كل مزية توجب أقربية ذيها إلى الواقع.

(وأما على الاحتمال الثالث) وهو كون التعليل لأجل انفتاح باب التقية فيما وافقهم وانسداده فيما خالفهم فلا شبهة أيضا في حصول الوثوق حينئذ بصدور

٩٠

الموافق لهم تقية بعد الوثوق بصدور الطرفين جميعاً لو لا القطع بالصدور في الصدر الأول لقلة الوسائط ومعرفة حالها ولا بأس بالتعدي أيضا عن مثل هذه المزية إلى كل مزية توجب الوثوق بصدور المقابل تقية لا إلى كل مزية توجب أقربية ذيها إلى الواقع بالنسبة إلى معارضه كما هو دعوى الشيخ أعلى الله مقامه (هذا كله) ملخص جواب المصنف عن التعليل.

(أقول)

قد ذكر الشيخ في المقام الرابع من مقامات التراجيح بعد مرجحات الدلالة والشروع في مرجحات الرواية في ذيل الترجيح من حيث وجه الصدور نفس هذه الاحتمالات الثلاثة عيناً (وأضاف إليها) احتمالا آخر أيضاً وهو كون الترجيح بمخالفة العامة لمجرد التعبد من الشرع لا لغيره (قال) كما هو ظاهر كثير من أخباره (ثم قال) ويظهر من المحقق استظهاره من الشيخ يعني به الطوسي رضوان الله عليه (انتهى) والظاهر ان مقصوده من كثير من اخباره هو اخبار الترجيح بمخالفة العامة من غير تعليل فيها بشيء وهو كما ترى ضعيف فان عدم التعليل في بعض الأخبار مما لا يوجب التعبد الشرعي المحض مع التعليل في البعض الآخر (وعليه) فاحتمال التعبد في الترجيح بمخالفة العامة ضعيف جداً (وقد ذكر) لاحتمال كون الترجيح لمجرد حسن المخالفة لهم شاهداً من الاخبار (قال) ويشهد لهذا الاحتمال بعض الروايات (مثل قوله عليه‌السلام) في مرسلة داود بن الحصين إن من وافقنا خالف عدونا ومن وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منه (ورواية الحسين ابن خالد) شيعتنا المسلمون لأمرنا الآخذون بقولنا المخالفون لأعدائنا فمن لم يكن كذلك فليس منا (انتهى) (وفيه ما لا يخفى) فإن أقصى ما دل عليه الروايتان أن الموافق لأعدائهم في قول أو عمل ليس منهم ولا هم منه وليس فيهما دلالة على ان ذلك لأجل كون مخالفتهم حسناً راجحاً بل من المحتمل ان يكون ذلك لأن قولهم وعملهم باطلان ليس فيهما رشد ولا حق فمن وافقهم في قول أو عمل فقد وقع في

٩١

الباطل وصار بعيداً عن الحق والصواب كما هو الظاهر (ومن هنا) ضعّف الشيخ أخيراً هذا الاحتمال أعني احتمال كون الترجيح لمجرد حسن المخالفة لهم (بل وضعّف احتمال التعبد) أيضاً فقال اما الوجه الأول يعني به مجرد التعبد فمع بعده عن مقام ترجيح أحد الخبرين المبني اعتبارهما على الكشف النوعيّ ينافيه التعليل المذكور في الاخبار المستفيضة يعني به قوله عليه‌السلام ما خالف العامة ففيه الرشاد ونحوه (ثم قال) ومنه يظهر ضعف الوجه الثالث يعني به احتمال كون الترجيح لمجرد حسن المخالفة لهم (ثم قال) مضافاً إلى صريح رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما أنتم والله على شيء مما هم فيه ولا هم على شيء مما أنتم فيه فخالفوهم فإنهم ليسوا من الحنيفية على شيء فقد فرّع الأمر بمخالفتهم على مخالفة أحكامهم للواقع لا لمجرد حسن المخالفة (قال) فتعين الوجه الثاني يعني به الترجيح لكون الرشد في خلافهم (قال) لكثرة ما يدل عليه من الاخبار (ثم قال) أو الوجه الرابع يعني به الترجيح لأجل الحكم بصدور الموافق تقية للخبر المذكور وذهاب المشهور (انتهى) ويعني بالخبر المذكور قوله عليه‌السلام ما سمعته مني يشبه قول الناس ففيه التقية ... إلخ.

(وكيف كان) يرد على جواب المصنف عن التعليل (مضافاً) إلى كون كل من الاحتمال الأول والثالث من احتمالات المصنف هو خلاف ظاهر التعليل وان الظاهر منه هو خصوص الثاني فقط أي كون الرشد والحق في خلافهم والغيّ والباطل فيما وافقهم (ان الخبر) المخالف للعامة بمجرد كونه مخالفاً لهم لا يكاد يكون موثوق الصدور دائماً ولو كان في الصدر الأول مع قلة الوسائط ومعرفة حالها كي يوجب ذلك حصول الوثوق بخلل في الخبر الموافق لهم إما صدوراً أو جهة أو حصول الوثوق بصدوره تقية لا لبيان الواقع ونتعدى حينئذ إلى كل مزية توجب ذلك.

(وعليه فالحق في جواب الشيخ) أعلى الله مقامه ان يقال إن تعليلهم

٩٢

عليهم‌السلام لتقديم الخبر المخالف للعامة بأن الحق والرشد في خلافهم وإن كان هو قضية غالبية لا دائمية لجواز أن لا يكون في الخبر المخالف لهم في مورد خاص الرشد والحق بل كان الرشد والحق في الخبر الموافق لهم (ولكن ذلك) مما لا يوجب التعدي عن مخالفة العامة إلى كل أمارة غالبية على الرشد والحق وذلك لجواز أن لا يكون الرشد والحق فيها بالمقدار اللازم الّذي هو ملاك الاعتبار في نظر الشارع (فإذا قال مثلا خبر الثقة حجة) لأنه مطابق للواقع فالتعليل المذكور وإن كان قضية غالبية لا دائمية لجواز تخلف خبر الثقة عن الواقع أحياناً لخطإ أو نسيان أو لغير ذلك ولكن ذلك مما لا يوجب التعدي في الحجية عن خبر الثقة إلى كل أمارة يغلب فيها المطابقة للواقع وذلك لجواز كون غلبتها دون المقدار اللازم في نظر الإمام عليه‌السلام.

(نعم لو صرح) في التعليل وقال خبر الثقة حجة لأن الغالب فيه المطابقة للواقع جاز التعدي حينئذ إلى كل أمارة يغلب فيها المطابقة للواقع لإطلاق التعليل بخلاف ما إذا لم يكن فيه تصريح بالغلبة بل نحن من الخارج قد علمنا انه قضية غالبية فحينئذ لا يجوز التعدي إلى كل أمارة غالبية بعد احتمال كون غلبتها دون المقدار اللازم في نظر الإمام عليه‌السلام فتأمل جيداً فان المقام لا يخلو عن دقة.

(قوله بل لا إشعار فيه كما لا يخفى ... إلخ)

إن نفي الإشعار هو خلاف الإنصاف جداً بل الإنصاف أن جعل شيء فيه جهة الإراءة والطريقية حجة أو مرجحاً فيه إشعار تام بأن الملاك فيه هو جهة إراءته وطريقيته ولكن ليس ذلك بحدّ يوجب القطع واليقين كي يكون هو من باب تنقيح المناط القطعي ويجوز التعدي منه إلى كل ما فيه جهة الإراءة والطريقية وذلك لاحتمال دخل خصوصية ذلك الشيء في حجيته أو مرجحيته كما تقدم.

(قوله لا سيما قد ذكر فيها ما لا يحتمل الترجيح به إلا تعبداً ... إلخ)

مقصوده مما لا يحتمل الترجيح به الا تعبداً كما سيأتي هو الأورعية والأفقهية ولكن

٩٣

الظاهر ان الأورعية هي مما توجب الأقربية إلى الواقع فإن الورع هو الكف عن محارم الله ومنها الكذب والافتراء وهكذا الكف عن الشبهات فإذا كان أحدهما أورع من الآخر فكلامه قهراً يكون أقرب إلى الواقع وآمن من الكذب نظير ما إذا كان أحدهما أصدق من الآخر.

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى أن ما لا يحتمل الترجيح به الا تعبداً كالأورعية والأفقهية على ما سيأتي ليس هو من مرجحات الخبر كي يقال إنه لا سيما قد ذكر فيها ما لا يحتمل الترجيح به إلا تعبداً ... إلخ وإنما هو من مرجحات الحكم كما أشير مراراً حيث يقول عليه‌السلام في المقبولة الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ... إلخ ومن المعلوم ان الأورعية والأفقهية في الحاكم هما مما توجبان أقربية حكمه إلى الواقع وإن فرض أنهما مما لا يوجبان في الخبر أقربيته إلى الواقع أصلا.

(قوله هذا مع ما في عدم بيان الإمام عليه‌السلام للكلية كي لا يحتاج السائل إلى إعادة السؤال مراراً ... إلخ)

هذا جواب عن أصل التعدي عن المرجحات المنصوصة إلى غيرها غير ما أجيب به عن التعليلات الثلاثة التي قد استند إليها الشيخ أعلى الله مقامه (وحاصله) انه لو وجب التعدي عن المرجحات المنصوصة إلى كل مزية توجب أقربية ذيها إلى الواقع كما اختار الشيخ أعلى الله مقامه لبيّن الإمام عليه‌السلام من الأول بنحو الضابطة الكلية انه يجب الأخذ بالأقرب من الخبرين إلى الواقع من دون حاجة إلى ذكر تلك المرجحات المخصوصة والمزايا والمنصوصة واحداً بعد واحد كي يحتاج السائل إلى إعادة السؤال مرة بعد مرة وهذا واضح.

(قوله وما في أمره عليه‌السلام بالإرجاء بعد فرض التساوي فيما ذكره من المزايا المنصوصة ... إلخ)

هذا جواب آخر عن أصل التعدي عن المرجحات المنصوصة إلى غيرها وهو جواب

٩٤

متين جداً (وحاصله) انه لو وجب التعدي عن المرجحات المخصوصة والمزايا المنصوصة إلى كل مزية توجب أقربية ذيها إلى الواقع كما اختار الشيخ أعلى الله مقامه تبعاً للمشهور لم يأمر الإمام عليه‌السلام في آخر المقبولة بعد ما فرض السائل تساوي الطرفين في جميع ما ذكر من المرجحات المنصوصة بالإرجاء حتى تلقى إمامك بل كان يأمره عليه‌السلام بالترجيح بسائر المرجحات والمزايا الموجبة لأقربية أحدهما من الآخر وهذا أيضاً واضح.

هل على القول بالتعدي يتعدى إلى خصوص

المزية الموجبة للظن الشأني دون الفعلي أو بالعكس أو إلى كل مزية

(قوله ثم إنه بناء على التعدي حيث كان في المزايا المنصوصة ما لا يوجب الظن بذي المزية ولا أقربيته ... إلخ) إشارة إلى نزاع جار بين الشيخ أعلى الله مقامه وبين بعضهم من أنه بناء على التعدي من المزايا المنصوصة (هل يتعدى) إلى خصوص المزية الموجبة للظن الشأني دون الفعلي بمعنى أنه لو فرض القطع بكذب أحدهما كان احتمال مطابقة ذي المزية أرجح من الآخر (أو يتعدى) إلى خصوص المزية الموجبة للظن الفعلي دون الشأني (فالشيخ) أعلى الله مقامه قد اختار التعدي إلى خصوص المزية الموجبة للظن الشأني دون الفعلي وقد عبّر عنه المصنف بالأقربية (وبعضهم) قد اختار التعدي إلى خصوص المزية الموجبة للظن الفعلي دون الشأني وقد عبّر عنه المصنف بالظن.

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه في المقام الرابع من مقامات التراجيح بعد

٩٥

الفراغ عن مرجحات الدلالة وذكر نبذة من مرجحات السند (ما لفظه) هذه نبذة من المرجحات السندية التي توجب القوة من حيث الصدور وعرفت ان معنى القوة كون أحدهما أقرب إلى الواقع من حيث اشتماله على مزية غير موجودة في الآخر بحيث لو فرضنا العلم بكذب أحدهما ومخالفته للواقع كان احتمال مطابقة ذي المزية للواقع أرجح وأقوى من مطابقة الآخر وإلا فقد لا يوجب المرجح الظن بكذب الخبر المرجوح لكنه من جهة احتمال صدق كلا الخبرين فان الخبرين المتعارضين لا يعلم غالباً كذب أحدهما وإنما التجأنا إلى طرح أحدهما بناء على تنافي ظاهريهما وعدم إمكان الجمع بينهما لعدم الشاهد فيصيران في حكم ما لو وجب طرح أحدهما لكونه كاذباً فيؤخذ بما هو اقرب إلى الصدق من الآخر (قال) والغرض من إطالة الكلام هنا ان بعضهم تخيل ان المرجحات المذكورة في كلماتهم للخبر من حيث السند أو المتن بعضها يفيد الظن القوي وبعضها يفيد الظن الضعيف وبعضها لا يفيد الظن أصلا فحكم بحجية الأولين واستشكل في الثالث من حيث ان الأحوط الأخذ بما فيه المرجح ومن إطلاق أدلة التخيير وقوّى ذلك بناء على انه لا دليل على الترجيح بالأمور التعبدية في مقابل إطلاقات التخيير.

(ثم قال الشيخ) وأنت خبير بأن جميع المرجحات المذكورة مفيدة للظن الشأني بالمعنى الّذي ذكرنا وهو انه لو فرض القطع بكذب أحد الخبرين كان احتمال كذب المرجوح أرجح من صدقة وإذا لم يفرض العلم بكذب أحد الخبرين فليس في المرجحات المذكورة ما يوجب الظن بكذب أحد الخبرين ولو فرض شيء منها كان في نفسه موجباً للظن بكذب الخبر كان مسقطاً للخبر من درجة الحجية ومخرجاً للمسألة عن التعارض فيعدّ ذلك الشيء موهناً لا مرجحاً إذ فرق واضح عند التأمل بين ما يوجب في نفسه مرجوحية الخبر وبين ما يوجب مرجوحيته بملاحظة التعارض وفرض عدم الاجتماع (انتهى) كلامه رفع مقامه.

(هذا) وقد اختار المصنف ان بناء على التعدي من المزايا المنصوصة نتعدى

٩٦

إلى كل مزية ولو لم يكن موجبة للظن الفعلي ولا للظن الشأني أي الأقربية (وذلك) استناداً إلى ما ادعاه من ان في المزايا المنصوصة ما لا يوجب شيئاً منهما أصلا كالأورعية إذا كانت عن الشبهات أو بالجهد في العبادات وكالأفقهية إذا كانت بكثرة التتبع في المسائل الفقهية أو بالمهارة في القواعد الأصولية (وعليه) فلا وجه للتعدي إلى خصوص ما يوجب الظن الفعلي أو الشأني أي الأقربية بل نتعدى إلى كل مزية ولو لم تكن موجبة لأحدهما أصلا.

(أقول)

قد أشرنا آنفاً أن الورع هو عبارة عن الكف عن محارم الله ومنها الكذب والافتراء وهكذا الكف عن الشبهات (وعلى هذا) إذا كان أحد الراويين أورع من صاحبه فقهراً يكون خبره أقرب إلى الواقع وآمن من الكذب (وأما الورع) بمعنى الجهد في العبادات فلم نسمعه من أحد ولا رأيناه في اللغة فإن الأجهد في العبادات هو أعبد من صاحبه لا أورع (مضافاً) إلى ان كلا من الأورعية والأفقهية في المقبولة إنما هو قد جعل من مرجحات الحكم كالأعدلية والأصدقية لا من مرجحات الخبر كما أشير قبلا ومن المعلوم أنهما في الحكم مما يوجبان الأقربية إلى الواقع وان فرض انهما في الخبر مما لا يوجبان الأقربية.

(وعليه فالحق) بناء على الترجيح والتعدي هو التعدي إلى كل مزية موجبة للظن مطلقاً سواء كان فعلياً أو شأنياً (لا التعدي) إلى خصوص ما يوجب الظن الشأني كما اختاره الشيخ أعلى الله مقامه وذلك لما سيأتي من الجواب عما أفاده في وجه الاختصاص (ولا التعدي) إلى خصوص ما يوجب الظن الفعلي كما اختاره بعضهم وذلك لأن اعتبار الظن الفعلي في كل مورد بالخصوص بناء على التعدي واستظهاره من الفقرات المتقدمة من الاخبار العلاجية بعيد جداً ولا شاهد عليه أبداً (ولا التعدي) إلى كل مزية ولو لم تكن موجبة للظن الفعلي ولا الظن الشأني أصلا كما اختاره المصنف وذلك لما عرفته آنفاً من ضعف مستنده من وجهين فتأملهما جيد

٩٧

(قوله وتوهم أن ما يوجب الظن بصدق أحد الخبرين لا يكون بمرجح بل موجب لسقوط الآخر عن الحجية للظن بكذبه حينئذ فاسد ... إلخ)

هذا ردّ على الشيخ أعلى الله مقامه إذ كان محصل كلامه المتقدم بعد التدبر التام فيه ان المرجح إذا فرض كونه موجباً للظن الفعلي بصدق أحدهما دون الشأني فهو موجب للظن الفعلي بكذب الآخر فيسقطه عن درجة الاعتبار وتخرج المسألة عن تعارض الحجتين ويكون المرجح هو موهناً لا مرجحاً وحينئذ.

(يرد عليه أولا) ان المرجح إذا كان موجباً للظن الفعلي بصدق أحد الخبرين فهذا مما لا يوجب الظن الفعلي بكذب الآخر وذلك لجواز الظن بصدور كليهما جميعاً وان يكون الخلل مظنوناً في دلالة أحدهما أو في جهته وهذا واضح.

(نعم) إن الظن بصدق أحدهما مما يوجب الظن بكذب الآخر فيما إذا كان المتعارضان مما علم إجمالا بكذب أحدهما صدوراً فحينئذ إذا أوجب المرجح الظن بصدق أحدهما فهو لا محالة مما يوجب الظن بكذب الآخر لا مطلقاً.

(وقد أشار المصنف) إلى هذا الجواب أخيراً بقوله هذا مضافاً إلى اختصاص حصول الظن بالكذب بما إذا علم بكذب أحدهما صدوراً وإلا فلا يوجبه الظن بصدور أحدهما ... إلخ.

(وثانياً) لو سلم ان الظن بصدق أحدهما مما يوجب الظن بكذب الآخر فهذا مما لا يوجب سقوط الآخر عن الحجية فإن الظن بالكذب ما لم يبلغ مرتبة الوثوق والاطمئنان مما لا يضر بحجية الخبر إذا كان واجداً لملاك الحجية من العدالة أو الوثاقة ونحوهما ما لم نقل باعتبار الظن الشخصي أو اعتبار عدم الظن على الخلاف ولم نقل باعتبار شيء منهما على ما تقدم في محله أصلا.

(وقد أشار المصنف) إلى هذا الجواب قبل الجواب الأول بقوله فإن الظن بالكذب لا يضر بحجية ما اعتبر من باب الظن نوعاً ... إلخ.

٩٨

(أقول)

ويرد عليه (ثالثاً) ان مقتضي ما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه هو ان يكون موارد حصول العلم الإجمالي بكذب أحد الخبرين المتعارضين كما إذا كانا قطعيين دلالة وجهة هي خارجة عن بحث التعارض رأساً إذا المرجح فيها مما يوجب الظن الفعلي بكذب المرجوح فيسقطه عن درجة الاعتبار وتخرج المسألة عن تعارض الحجتين موضوعاً وهو كما ترى ضعيف جداً.

(قوله نعم لو كان وجه التعدي اندراج ذي المزية في أقوى الدليلين لوجب الاقتصار على ما يوجب القوة في دليليته وفي جهة إثباته وطريقيته إلى آخره)

استدراك عما اختاره آنفاً من انه على التعدي لا وجه للاقتصار على التعدي إلى خصوص ما يوجب الظن أو الأقربية بل نتعدى إلى كل مزية ولو لم يكن موجبة لأحدهما (وحاصل الاستدراك) انه لو كان وجه التعدي من المزايا المنصوصة إلى ساير المزايا هو اندراج ذي المزية تحت القاعدة المعروفة وهي وجوب العمل بأقوى الدليلين التي تحكم بها العقل كما تقدم في ذيل مقتضي القاعدة الثانوية في الخبرين المتعارضين بل ادعى الإجماع عليها كما في كلام جماعة كما سيأتي في بحث المرجحات الخارجية في الفصل الآخر من هذا المقصد الثامن إن شاء الله تعالى لوجب الاقتصار حينئذ في التعدي على كل مزية توجب قوة ذيها من حيث دليليته وطريقيته إلى الواقع لا التعدي إلى كل مزية ولو لم تكن موجبة لذلك وإن فرض كونها موجبة لأقوائية مضمونه ثبوتاً كما في المزايا الخارجية كالشهرة في الفتوى أو الأولوية الظنية ونحوهما فإن مثل هذه المزايا وإن كانت هي موجبة لأقوائية ذيها مضموناً ولكن المنساق من قاعدة أقوى الدليلين إنما هو الأقوى دليلية وطريقية.

٩٩

(قوله فإن المنساق من قاعدة أقوى الدليلين أو المتيقن منها إنما هو الأقوى دلالة ... إلخ)

علة لقوله لوجب الاقتصار على ما يوجب القوة في دليليته ... إلخ فلا تغفل.

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى قوله دلالة والصحيح كان ان يقول دليلية فإن المنساق من أقوى الدليلين أو المتيقن منها لو كان هو الأقوى دلالة فكيف وجب الاقتصار على ما يوجب القوة في دليليته وفي جهة إثباته وطريقيته كما صرح به بل وجب الاقتصار على ما يوجب القوة في دلالته (ويحتمل) أن يكون قوله فافهم إشارة إلى ضعف قوله من دون التعدي إلى ما لا يوجب ذلك وان كان موجباً لقوة مضمون ذيه كالشهرة الفتوائية أو الأولوية الظنية ... إلخ فإن الشهرة الفتوائية أو الأولوية الظنية المطابقة لأحد الخبرين المتعارضين أيضاً مما يوجب القوة في دليليته وفي جهة إثباته وطريقيته فيندرج بذلك في أقوى الدليلين كما في المرجحات الداخلية عيناً.

هل التخيير أو الترجيح يختص بغير موارد

الجمع العرفي أم لا

(قوله فصل قد عرفت سابقاً انه لا تعارض في موارد الجمع والتوفيق العرفي ... إلخ)

(أي قد عرفت سابقاً) انه لا تعارض في موارد الجمع العرفي حتى أنه صرح المصنف في الفصل الأول (وقال) وبالجملة الأدلة في هذه الصور يعني بها في

١٠٠