عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٦

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٠٠

مما لا يكفي في دلالة المقبولة على الترجيح في كلا المقامين كما لا يخفى.

(قوله بخلاف مقام الفتوى ... إلخ)

فيمكن الأمر فيه بالتخيير دون الترجيح.

(قوله وإن أبيت الا عن ظهورهما في الترجيح في كلا المقامين ... إلخ)

أي في مقام الحكومة والفتوى جميعاً وقد أشرنا آنفاً ان هذه العبارة هي سهو من المصنف مثل قوله والاحتجاج بهما ... إلخ (والصحيح) أن يقال وإن أبيت إلا عن ظهورها أي عن ظهور المقبولة في كلا المقامين ... إلخ فإن المرفوعة ليس موردها مورد الحكومة بلا شبهة ولا ريب كي صح أن يقال وإن أبيت الا عن ظهورهما في الترجيح في كلا المقامين ... إلخ فتأملها جيداً.

(قوله فلا مجال لتقييد إطلاقات التخيير في مثل زماننا مما لا يتمكن من لقاء الإمام عليه‌السلام بهما لقصور المرفوعة سنداً وقصور المقبولة دلالة لاختصاصها بزمان التمكن من لقائه عليه‌السلام ... إلخ)

(هذا جواب ثاني) عن كل من المقبولة والمرفوعة جميعاً (وحاصله) ان شيئاً من المقبولة والمرفوعة مما لا يصلح لتقييد إطلاقات التخيير (اما المرفوعة) فلضعف سندها كما أشير آنفاً (واما المقبولة) فلاختصاصها بزمان الحضور والتمكن من لقاء الإمام عليه‌السلام بقرينة أمره في آخرها بالإرجاء حتى تلقى إمامك فوجوب الترجيح في زمان الحضور لا يكاد يكون دليلا على وجوبه في زمان الغيبة أيضاً (وعليه) فيبقى إطلاقات التخيير سالمة محكمة.

(أقول)

اما قصور المرفوعة عن تقييد إطلاقات التخيير لضعف سندها فهو حق ولكنه ليس جواباً جديداً غير ما أشار إليه قبلا بقوله وضعف سند المرفوعة جداً ... إلخ (واما اختصاص المقبولة) بزمان الحضور فهو وان كان حقاً أيضاً بقرينة الأمر فيها بالإرجاء عند فقد المرجح ولكن مجرد كون الأمر بالترجيح واقعاً في زمان

٦١

الحضور مما لا يمنع عن وجوب الترجيح في زمان الغيبة أيضاً كما لا يخفى بل الترجيح إذا وجب في زمان الحضور ففي زمان الغيبة بطريق أولى (وعلى هذا) فالجواب الثاني عن كل من المقبولة والمرفوعة جميعاً مما لا يتم وإن تم الجواب الأول عنهما بلا شبهة ولا ريب فتأمل جيداً.

(قوله مع ان تقييد الإطلاقات الواردة في مقام الجواب عن سؤال حكم المتعارضين بلا استفصال عن كونهما متعادلين أو متفاضلين مع ندرة كونهما متساويين جداً بعيد قطعاً ... إلخ)

(هذا جواب ثالث) عن كل من المقبولة والمرفوعة جميعاً ولكنه مما يجري عن جميع أخبار الترجيح قاطبة كما يشهد به قوله الآتي ومنه قد انقدح حال سائر أخباره ... إلخ يعني اخبار الترجيح وهو من أصح الأجوبة وأمتنها (ومرجعه) لدى الحقيقة إلى جوابين مستقلين لا يرتبط بعضهما ببعض.

(أحدهما) ان تقييد إطلاقات التخيير مثل قوله عليه‌السلام (فموسع عليك بأيهما أخذت) (أو موسع عليك بأية عملت) (أو بأيهما أخذت من باب التسليم كان صواباً) (أو وسعك) (أو جاز) الواردة جميعاً في الجواب عن سؤال حكم المتعارضين بلا استفصال عن كونهما متعادلين أو متفاضلين كلها بأخبار الترجيح من المقبولة والمرفوعة وما بعدهما من الروايات وحمل الإطلاقات المذكورة جميعاً على مقام الإجمال والإهمال بعيد قطعاً.

(ثانيهما) ان تقييد إطلاقات التخيير كلها وحملها بأجمعها على ما إذا كان المتعارضان متساويين من جميع الجهات والمزايا المنصوصة مع ندرة صورة التساوي جداً بعيد أيضا غاية البعد ان لم يكن أبعد من الحمل السابق كما لا يبعد.

(قوله بحيث لو لم يكن ظهور المقبولة في ذاك الاختصاص لوجب حملها عليه أو على ما لا ينافيها من الحمل على الاستحباب ... إلخ)

أي بحيث لو لم تكن المقبولة بنفسها ظاهرة في الاختصاص بمورد الحكومة كما تقدم

٦٢

لوجب حملها على ذلك توفيقاً بينها وبين إطلاقات التخيير أو وجب حملها على ما لا ينافي الإطلاقات من الاستحباب والحكم الندبي دون الوجوبيّ.

(قوله كما فعله بعض الأصحاب ... إلخ)

الظاهر انه يعني ببعض الأصحاب السيد الصدر شارح الوافية ولكنه رحمه‌الله حمل جميع اخبار الترجيح على الاستحباب لا خصوص المقبولة فقط.

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه في آخر المقام الأول من مقامات التراجيح (ما لفظه) ثم إنه يظهر من السيد الصدر الشارح للوافية الرجوع في المتعارضين من الأخبار إلى التخيير والتوقف والاحتياط وحمل اخبار الترجيح على الاستحباب حيث قال بعد إيراد إشكالات على العمل بظاهر الاخبار ان الجواب عن الكل ما أشرنا إليه من ان الأصل التوقف في الفتوى والتخيير في العمل إن لم يحصل من دليل آخر العلم بعدم مطابقة أحد الخبرين للواقع يعني أحدهما المعين وان الترجيح هو الفضل والأولى (انتهى).

في استبعاد الشيخ حمل أخبار الترجيح

على الاستحباب والجواب عنه

(هذا) ولكن الشيخ أعلى الله مقامه قد استبعد حمل اخبار الترجيح على الاستحباب (قال) بعد العبارة المذكورة آنفاً (ما لفظه) ولا يخفى بعده عن مدلول أخبار الترجيح وكيف يحمل الأمر بالأخذ بمخالف العامة وطرح ما وافقهم على الاستحباب خصوصاً مع التعليل بأن الرشد في خلافهم وان قولهم في المسائل مبني

٦٣

على مخالفة أمير المؤمنين عليه‌السلام فيما يسمعونه منه وكذا الأمر بطرح الشاذ النادر وبعدم الاعتناء والالتفات إلى حكم غير الأعدل والأفقه من الحكمين مع ان في سياق تلك الأخبار موافقة الكتاب والسنة ومخالفتهما ولا يمكن حمله على الاستحباب فلو حمل غيره عليه لزم التفكيك فتأمل (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ويعني بقوله) ان قولهم في المسائل مبني على مخالفة أمير المؤمنين عليه‌السلام فيما يسمعونه منه.

(ما رواه في الوسائل) في القضاء في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة عن أبي إسحاق الأرجاني رفعه قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة فقلت لا أدري فقال إن علياً عليه‌السلام لم يكن يدين الله بدين الا خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال امره وكانوا يسألون أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الشيء الّذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّاً من عندهم ليلتبسوا على الناس (انتهى) ،

(أقول)

(أما ما دل على الترجيح) بموافقة الكتاب والسنة وطرح المخالف لهما فلا بأس بحمله على الاستحباب وذلك لما ستعرف من أن المراد من مخالفة الكتاب والسنة هاهنا هو مخالفة ظهورهما لا مخالفة نصهما كما استظهرناها في صدر خبر الواحد في الأخبار الناهية عن الخبر المخالف للكتاب والسنة وأنه زخرف أو باطل أو لم أقله (وعليه) فإذا حمل غيره على الاستحباب حينئذ كما حمل هو على الاستحباب لم يلزم التفكيك كما لا يخفى ولعله إليه أشار الشيخ أخيراً بقوله فتأمل (وأما الترجيح) بالأعدلية والأفقهية والأصدقية في الحديث والأورعية فقد بيّنا فيما تقدم واعترف به الشيخ أيضاً انه ليس من مرجحات الخبر وإنما هو من مرجحات الحكم بلا كلام فيه من أحد قطعاً (وأما الترجيح) بالشهرة والشذوذ فالظاهر انه خارج عن إطلاقات التخيير جميعاً وذلك لأن المفروض في اخبار التخيير هو تعارض الخبرين

٦٤

بعضهما مع بعض أو الاخبار بعضها مع بعض والخبر المشهور المجمع عليه هو الخبر المروي بطرق عديدة فيكون هو بمنزلة روايات فإذا عارض الخبر المشهور المجمع عليه مع الخبر الشاذ النادر فقد عارض روايات كثيرة مع رواية واحدة وإطلاقات التخيير لا تكاد تشمل هذه الصورة كي إذا حمل الترجيح بالشهرة لأجلها على الاستحباب كان ذلك بعيداً جداً بل المقبولة والمرفوعة بالنسبة إلى الترجيح بالشهرة باقيتان على ظهورهما في الوجوب ولا عجب في كون رواية واحدة متكفلة لبيان أحكام متعددة بعضها وجوبي وبعضها ندبي كصحيحة حماد الواردة في بيان أفعال الصلاة المشتملة على الواجبات والمستحبات جميعاً (واما الترجيح) بمخالفة العامة (فالمستفاد من التعليل) المذكور في المقبولة ما خالف العامة ففيه الرشاد (والتعليل المذكور) في المرفوعة فان الحق فيما خالفهم (بشهادة التعليل) المذكور في مرفوعة أبي إسحاق المتقدمة (بل وهكذا التعليل) المذكور في رواية علي بن أسباط المروية في الوسائل في الباب المتقدم قلت للرضا عليه‌السلام يحدث الأمر لا أجد بدّاً من معرفته وليس في البلد الّذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك قال فقال ائت فقيه البلد فاستفته من أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه ... إلخ (هو ان الرشد والحق) يكونان في الخبر المخالف للعامة وأن الغي والبطلان يكونان في الخبر الموافق للعامة مطلقاً وإن لم يكن له معارض ومقتضي ذلك أن لا يكون الخبر الموافق للعامة حجة أصلا ولو مع عدم المعارض له مع أنا لا نقول بذلك ولا يقول به الشيخ أيضاً وذلك لإطلاقات الاخبار المتواترة الدالة على حجية خبر الثقة مثل قوله عليه‌السلام لا عذر لأحد من موالينا التشكيك فيما يرويه ثقاتنا وغير ذلك من غير تقييد فيها بمخالفته للعامة أصلا مع ورودها في مقام البيان جداً (وعليه) فإذا قلنا بحجية خبر الثقة الموافق للعامة مع عدم المعارض له فلا يبقى عجب في حجيته أيضاً إذا كان له معارض غايته انه في الأول حجة تعييناً وفي الثاني حجة تخييراً وإن كان الفضل مع ذلك هو الأخذ بالمخالف للعامة فتدبر جيداً.

٦٥

(قوله ويشهد به الاختلاف الكثير بين ما دل الترجيح من الأخبار إلى آخره)

هذا لدى الحقيقة جواب آخر يجري عن جميع أخبار الترجيح بتمامها قاطبة أي ويشهد بالحمل على الاستحباب الاختلاف الكثير الموجود في نفس أخبار الترجيح على ما تقدم وعرفت (من اقتصار المقبولة) بعد مرجحات الحكم على الشهرة ثم موافقة الكتاب والسنة ومخالفة العامة ثم مخالفة ميل الحكام (والمرفوعة) قد ذكر مكان موافقة الكتاب والسنة الأعدلية والأوثقية وذكر مكان مخالفة ميل الحكام موافقة الاحتياط (وأما ما سوى المقبولة والمرفوعة) فهو بين مقتصر على موافقة الكتاب والسنة وبين مقتصر على موافقة الكتاب ومخالفة العامة وبين مقتصر على مخالفة العامة فقط دون غيرها فهذا كله مما يشهد بأن الترجيح بتلك الأمور المذكورة هو أمر راجح شرعاً لا واجب متعين وإلّا لم تختلف الأخبار بعضها مع بعض في الاقتصار على بعض المرجحات دون بعض وفي تبديل بعضها ببعض.

(أقول)

ان مجرد الاختلاف الموجود في أخبار الترجيح وإن لم يكن هو شاهداً على الاستحباب على نحو صح الاعتماد عليه والاستناد إليه كما يظهر من المصنف ولكنه مع ذلك مما لا يخلو عن تأييد كالاختلاف الشديد الموجود في أخبار منزوحات البئر فإنه مؤيد قوي لاستحباب النزح دون وجوبه كما حقق في محله.

(قوله ومنه قد انقدح حال سائر أخباره ... إلخ)

أي ومما تقدم من قوله مع ان تقييد الإطلاقات الواردة في مقام الجواب إلى قوله بعيد قطعاً قد انقدح حال سائر أخبار الترجيح وقد أشرنا قبلا ان كلامه هذا مما يشهد بأن الجواب الثالث المتقدم عن كل من المقبولة والمرفوعة جميعاً هو مما يجري عن تمام أخبار الترجيح قاطبة فتذكر.

٦٦

في الجواب عن بقية أخبار الترجيح

(قوله مع أن في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم من أخبار الباب نظراً ... إلخ) هذا جواب عن بقية أخبار الترجيح المشتملة بعضها على الترجيح بموافقة الكتاب والسنة وبعضها على الترجيح بمخالفة العامة بل بموافقة الكتاب ومخالفة العامة كما في الحديث السادس من أحاديث الترجيح (اما المشتمل على الترجيح) بموافقة الكتاب والسنة فحاصل الجواب عنه انه ليس هو من اخبار الباب أي ترجيح الحجة على الحجة وإنما هو في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة وذلك لأمرين.

(أحدهما) قوة احتمال أن يكون الخبر المخالف للكتاب والسنة في نفسه غير حجة ولو لم يكن له معارض أصلا وذلك بشهادة ما ورد في شأنه من أنه زخرف أو باطل أو لم أقله ونحو ذلك مما تقدم تفصيله في صدر خبر الواحد.

(ثانيهما) ان الصدور أو الظهور في الخبر المخالف للكتاب والسنة يكون موهوناً بحيث لا يعمه أدلة اعتبار السند ولا الظهور أبداً (واما المشتمل على الترجيح) بمخالفة العامة فحاصل الجواب عنه انه ليس أيضاً من اخبار الباب أي ترجيح الحجة على الحجة وإنما هو في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة فإن الخبر الموافق للعامة بملاحظة الخبر المخالف لهم مع الوثوق بصدوره أي بصدور المخالف لو لم ندع القطع بصدوره من جهة مخالفته لهم مما لا يجري فيه أصالة عدم صدوره تقية وذلك للوثوق حينئذ بصدوره كذلك أي تقية.

٦٧

(أقول)

اما الخبر المشتمل على الترجيح بموافقة الكتاب والسنة فلا وجه لعدم كونه من اخبار الباب فان الأخبار الناهية عن الخبر المخالف للكتاب التي تعبّر عنه بالزخرف أو الباطل أو لم أقله إلى غير ذلك مما تقدم تفصيله في أول خبر الواحد وإن لم يكن محيص عن حملها على الخبر المخالف لنص الكتاب ولصريحه وذلك للقطع بصدور كثير من الأخبار المخالفة لظهور الكتاب المخصصة لعموماته أو المقيدة لإطلاقاته أو المؤوّلة لظواهره إلى معنى آخر مخالف ولكن اخبار ترجيح الخبر الموافق للكتاب على المخالف له مما لا ملزم لحملها على ذلك بل هي محمولة على ترجيح الموافق لظاهر الكتاب على المخالف لظاهر الكتاب لا المخالف لنصه وصريحه وذلك بشهادة تقديم المقبولة الترجيح بالشهرة على الترجيح بموافقة الكتاب والسنة فإن معنى تقديمه عليه هو الأخذ بالخبر المشهور المجمع عليه وإن كان مخالفاً للكتاب والسنة فلو كان المراد من المخالف لهما هو المخالف لنصهما وصريحهما لم يجز الأخذ به ولو فرض كونه مشهوراً مجمعاً عليه عند الأصحاب وهذا واضح ظاهر (وعلى هذا) إذا كان المراد من الخبر المخالف للكتاب في اخبار الترجيح هو المخالف لظهوره لا لنصه وصريحه لم يكن الخبر المخالف للكتاب في نفسه غير حجة كي تكون اخبار الترجيح بموافقة الكتاب هي في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة لا ترجيح الحجة على الحجة.

(هذا كله حال الأمر الأول) الّذي قد أفاده المصنف لعدم كون المشتمل على الترجيح بموافقة الكتاب من اخبار الباب.

(واما الأمر الثاني) فضعفه أظهر من ذلك فإن الخبر المخالف للكتاب إن كان مخالفاً لنصه ولصريحه فهذا مما لا يكون الصدور أو الظهور فيه موهوناً بل يكون مقطوع البطلان وإن كان مخالفاً لظاهره لا لنصه وصريحه فالصدور أو الظهور فيه مما لا وجه لوهنه بعد القطع بصدور أخبار كثيرة مخالفة لظاهر الكتاب

٦٨

كما أشير آنفاً المخصصة لعموماته أو المقيدة لإطلاقاته أو المؤوّلة لظواهره.

(واما الخبر المشتمل على الترجيح بمخالفة العامة) فلا وجه أيضاً لعدم كونه من اخبار الباب فإن الخبر المخالف للعامة بمجرد كونه مخالفاً لهم لا يكون موثوق الصدور دائماً كي يوجب الوثوق بصدور الخبر الموافق لهم تقية وان لا يجري فيه أصالة عدم صدوره كذلك فلا يكون حجة ويكون اخبار الترجيح بمخالفة العامة في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة لا ترجيح الحجة على الحجة.

(نعم يمكن ان يقال) إن اخبار الترجيح بموافقة الكتاب والسنة أو بمخالفة العامة ليست هي من اخبار الباب من وجه آخر غير ما ذكره المصنف وهو ان هذه الاخبار بأجمعها محمولة على اخبار غير الثقات (وذلك) بشهادة ذيل الرواية الرابعة من أحاديث الترجيح (قال قلت له) تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة (فقال) ما جاءك عنا فقس على كتاب الله عزوجل وأحاديثنا فإن كان يشبههما فهو منا وإن لم يكن يشبههما فليس منا (قلت) يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيهما الحق (قال) فإذا لم تعلم فموسع عليك (انتهى) (فإن) امر الإمام عليه‌السلام في بدو الأمر بمقايسة الحديث على كتاب الله وأحاديثهم فإن كان يشبههما فهو منهم وإلا فليس منهم وفرض الراوي بعداً مجيء ثقتين بحديثين مختلفين وجوابه عليه‌السلام بقوله فموسع عليك بأيهما أخذت (مما يعرف منه) ان الكلام أولا كان مفروضاً في اختلاف أحاديث غير الثقات ففي مثلها يؤخذ بالموافق للكتاب ولأحاديثهم ويطرح الآخر وأما إذا اختلف الحديثان من ثقتين فلا ترجيح لأحدهما على الآخر بموافقة الكتاب والسنة أو بغير ذلك من أمور أخر بل موسع علينا وبأيهما أخذنا صح وجاز.

(وبالجملة) إن اخبار الترجيح بموافقة الكتاب والسنة أو بمخالفة العامة كما أشرنا غير مرة هي بين ما يقتصر على موافقة الكتاب والسنة وبين ما يقتصر على موافقة الكتاب ومخالفة العامة وبين ما يقتصر على مخالفة العامة فقط دون غيرها

٦٩

(ومقتضي) الجمع بين الكل وتقييد بعضها ببعض هو الترجيح بموافقة الكتاب ثم بموافقة السنة ثم بمخالفة العامة (كما ان مقتضي) الجمع بين ذيل الرواية الرابعة وبين بقية الأخبار هو اعتبار تلك المرجحات الثلاثة في غير اخبار الثقات وأما في اخبار الثقات فموسع علينا وبأيهما أخذنا من غير ترجيح لبعضها على بعض جاز وصح فتدبر جيداً فإن المقام لا يخلو عن دقة.

(قوله بشهادة ما ورد في أنه زخرف وباطل وليس بشيء أو أنه لم نقله أو أمر بطرحه على الجدار ... إلخ) لم نجد في الأخبار الناهية عن الخبر المخالف للكتاب ما أمر بطرحه على الجدار أو انه ليس بشيء.

(نعم) ورد فيها أنه زخرف أو باطل أو لم أقله ونحو ذلك فراجع.

(قوله فافهم ... إلخ) الظاهر انه إشارة إلى ضعف كون أخبار الترجيح بموافقة الكتاب أو بمخالفة العامة في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة لا ترجيح الحجة على الحجة ولعل نظره في وجه الضعف إلى ما ذكرناه والله العالم.

(قوله وإن أبيت عن ذلك فلا محيص عن حملها توفيقاً بينها وبين الإطلاقات إما على ذلك أو على الاستحباب ... إلخ) أي وإن أبيت عما ذكرناه لك من عدم كون أخبار الترجيح بموافقة الكتاب أو بمخالفة العامة من أخبار الباب أي ترجيح الحجة على الحجة بل هي في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة فلا محيص عن حملها توفيقاً بينها وبين إطلاقات التخيير إما على ذلك أو على الاستحباب كما تقدم نظيره في المقبولة عيناً (حيث قال ما لفظه) بحيث لو لم يكن ظهور المقبولة في ذاك الاختصاص يعني بمورد الحكومة لوجب حملها عليه أو على ما لا ينافيها من الحمل على الاستحباب ... إلخ.

٧٠

(قوله ثم إنه لو لا التوفيق بذلك للزم التقييد أيضا في اخبار المرجحات وهي آبية عنه كيف يمكن تقييد مثل ما خالف قول ربنا لم نقله أو زخرف أو باطل ... إلخ)

أي ثم إنه لو لم نوفق بين أخبار الترجيح بموافقة الكتاب أو بمخالفة العامة وبين إطلاقات التخيير بحمل أخبار الترجيح على كونها في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة لا في مقام ترجيح الحجة على الحجة أو بحملها على الاستحباب كما أشير آنفاً بل وفّقنا بينهما تبعاً للمشهور بتقييد إطلاقات التخيير بأخبار الترجيح لزم التقييد في نفس أخبار الترجيح أيضا فإن جملة من أخبار الترجيح كما تقدم شرحها مشتملة على الترجيح بموافقة الكتاب والسنة أو بموافقة الكتاب ومخالفة العامة أو بمخالفة العامة فقط فلا بدّ من تقييد إطلاقاتها بالمقبولة المشتملة عليها وعلى مرجحات أخر أيضا بأن نرفع اليد عن إطلاقاتها ونرجح في بدو الأمر (بالشهرة والشذوذ) ثم (بموافقة الكتاب والسنة ومخالفة العامة) ثم (بمخالفة ميل الحكم) على الترتيب المذكور في المقبولة مع ان اخبار الترجيح بموافقة الكتاب والسنة أو بموافقة الكتاب ومخالفة العامة أو بمخالفة العامة فقط آبية عن التقييد جداً وكيف يمكن تقييد مثل ما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله أو زخرف أو باطل بما إذا لم يكن أحدهما أشهر رواية بحيث لو كان أحدهما أشهر أخذنا به ولو خالف كتاب الله.

(أقول)

إن هذه التعبيرات الثلاثة من الزخرف والباطل ولم أقله ليس منها في أخبار الترجيح على ما تقدم تفصيلها عين ولا أثر وإنما هي في الأخبار الناهية عن الخبر المخالف للكتاب والسنة ولو لم يكن له معارض وقد عرفت الفرق بين المقامين وأن المراد من المخالف في تلك الاخبار الناهية هو المخالف لنص الكتاب وصريحه وذلك للقطع بصدور كثير من الأخبار المخالفة لظهور الكتاب وان المراد من المخالف للكتاب في أخبار الترجيح بقرينة وقوعه في المقبولة بعد الترجيح بالشهرة والشذوذ

٧١

هو المخالف لظهوره لا لنصه وصريحه ومن المعلوم ان الترجيح بموافقة ظاهر الكتاب بمعنى الأخذ بالخبر الموافق لظاهره وطرح الخبر المخالف لظاهره هو أمر قابل للتقييد بلا كلام ولا ريب.

(قوله فتلخص مما ذكرنا ان إطلاقات التخيير محكمة وليس في الأخبار ما يصلح لتقييدها ... إلخ)

نعم قد تلخص من مجموع ما ذكر إلى هنا أن إطلاقات التخيير محكمة ولكن في غير مثل الترجيح بالشهرة والشذوذ وذلك لأن المفروض في اخبار التخيير كما أشير قبلا هو تعارض الحديثين بعضهما مع بعض أو الأحاديث المختلفة بعضها مع بعض وليس في شيء منها تعارض الأحاديث مع حديث واحد والظاهر من الحديث المشهور المجمع عليه عند أصحابك هو الحديث المروي بطرق عديدة فإذا تعارض المشهور مع الشاذ النادر فقد تعارض أحاديث عديدة مع حديث واحد وأخبار التخيير مما لا تشمل مثل هذه الصورة بلا شبهة (وعليه) فيقدم الخبر المشهور على الخبر الشاذ إما استناداً إلى المقبولة والمرفوعة أو استناداً إلى الأصل الثانوي الّذي أسّسناه في الخبرين المتعارضين بعد قيام الإجماع والأخبار العلاجية جميعاً على عدم سقوطهما رأساً وقد عرفت ان مقتضي الأصل الثانوي هو وجوب الأخذ بالراجح بل محتمل الرجحان دون المرجوح (ثم إن) ملخص الكلام عندنا إلى هنا انه لا يجوز تقييد إطلاقات التخيير بالمقبولة لاختصاصها بمورد الحكومة ولا بالمرفوعة لضعف سندها بالإرسال ولا بما سواهما من اخبار الترجيح لاختصاصه بغير اخبار الثقات بشهادة ذيل الرواية الرابعة على التفصيل المتقدم لك شرحه (مضافاً) إلى ان تقييد إطلاقات التخيير باخبار الترجيح بعيد من جهتين.

(الأولى) لزوم حمل الإطلاقات جميعاً مع ورودها في مقام بيان الجواب عن حكم المتعارضين على الإجمال والإهمال.

(الثانية) لزوم حملها جميعاً على ما إذا كان المتعارضان متساويين في تمام

٧٢

المزايا المنصوصة مع ندرة صورة التساوي بلا كلام ولا ريب (وعلى هذا) فاللازم هو الأخذ بإطلاقات التخيير فيما سوى تعارض المشهور مع الشاذ النادر وحمل أخبار الترجيح بأجمعها إما على غير اخبار الثقات أو على الاستحباب كما تقدم من السيد الصدر رحمه‌الله وسيأتي من الكليني رضوان الله عليه (ويؤيده) اختلاف نفس أخبار الترجيح بعضها مع بعض على النحو الّذي قد أشير إليه فيما تقدم.

(ثم إنا) لو قلنا بالترجيح كما عليه المشهور فقد عرفت عند التعليق على قوله على اختلافها في الاقتصار على بعضها ... إلخ اختلاف المقبولة مع المرفوعة في الاقتصار على بعض المرجحات دون بعض فان المرفوعة قد ذكر مكان موافقة الكتاب والسنة الأعدلية والأوثقية وذكر مكان مخالفة ميل الحكام موافقة الاحتياط وأنه لا يكاد يمكن الجمع بينهما عرفاً أبداً (وعليه) فاللازم على الترجيح هو الأخذ بالمقبولة لرجحان سندها ثم تقييد ما سواها من اخبار الترجيح المشتملة على مرجح واحد أو مرجحين على كثرتها بما في المقبولة فيكون مجموع المرجحات المنصوصة اللازمة المراعاة هو أموراً معدودة (الشهرة عند الأصحاب) ثم (موافقة الكتاب والسنة) ثم (مخالفة العامة) ثم (مخالفة ميل الحكام).

(هذا ولكن يظهر من الشيخ) أعلى الله مقامه في صدر المقام الثالث من مقامات التراجيح انه بناء على الترجيح يجب الترجيح أولا (بالشهرة والشذوذ) ثم (بالأعدلية والأوثقية) ثم (بمخالفة العامة) ثم (بمخالفة ميل الحكام) (قال) وأما الترجيح بموافقة الكتاب والسنة فهو من باب اعتضاد أحد الخبرين بدليل قطعي الصدور ولا إشكال في وجوب الأخذ به (انتهى).

(أقول)

وفيه مسامحة واضحة من وجوه.

(الأول) ان مجرد اعتضاد أحد الخبرين بدليل قطعي الصدور مما لا يخرجه عن ترجيح الحجة على الحجة وذلك لما عرفت من عدم كون المراد من المخالف

٧٣

للكتاب والسنة في المقام هو المخالف لنصهما وصريحهما كي لا يكون حجة في نفسه ويكون الترجيح بموافقة الكتاب والسنة من باب تمييز الحجة عن اللاحجة كما تقدم شرح ذلك في توضيح كلام المصنف عند التعليق على قوله مع ان في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم من أخبار الباب نظراً ... إلخ.

(الثاني) أن ذكر الأعدلية والأوثقية هو مما يكشف عن اعتماد الشيخ أعلى الله مقامه على المرفوعة وهو كما ترى في غير محله فإنه هو الّذي نقل عن صاحب الحدائق الطعن فيها وفي كتاب غوالي اللئالي وصاحبه بالعبارة المتقدمة لك شرحها عند التعليق على قول المصنف وضعف سند المرفوعة ... إلخ فكيف يعتمد عليها هاهنا

(الثالث) انه لو أغمضنا النّظر عن ضعف سند المرفوعة فما وجه عدم ذكره الترجيح بموافقة الاحتياط أصلا وهي مذكورة في آخر المرفوعة على ما تقدم لك متنها وكأنه أعلى الله مقامه قد غفل عنها ونسي فلا تغفل أنت ولا تنس (بقي شيء) وهو انه قد ظهر لك من جميع ما تقدم إلى هنا حكم ما إذا تعارض الخبر المشهور مع الخبر الشاذ فيقدم المشهور على الشاذ (وهكذا) ظهر لك حكم ما إذا تعارض خبران بعضهما مع بعض (أو تعارض) اخبار بعضها مع بعض فنتخير بينهما أو بينها وان كان الترجيح أفضل (وأما إذا تعارض) خبر واحد مع خبرين أو تعارض خبران مع اخبار ثلاثة إلى غير ذلك من الصور التي كان أحد الطرفين فيها أكثر عدداً من الآخر (فالظاهر) ان شيئاً من الاخبار العلاجية مما لا يشمل هذه الصور أصلا فإن المفروض في أكثرها تعارض الخبرين.

(نعم) المفروض في خبر واحد من اخبار التخيير تعارض الأحاديث (وهو قوله عليه‌السلام والنفساء تدع الصلاة أكثره مثل أيام حيضها (إلى ان قال) وقد روي ثمانية عشر يوماً وروي ثلاثة وعشرين يوماً وبأيّ هذه الأحاديث أخذ من باب التسليم جاز (وهكذا) المفروض في خبر واحد من أخبار الترجيح (وهو قوله) تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة ... إلخ (ولكن) صريح الأول وظاهر الثاني هو

٧٤

تعارض الأحاديث بعضها مع بعض على نحو كان مؤدي كل واحد منها شيئاً غير مؤدي الآخر لا على نحو كان مؤدي اثنين منها شيئاً ومؤدي الآخر شيئاً آخر.

(وبالجملة) ان تعارض الروايات بعضها مع بعض على نحو كان أحد الطرفين أكثر عدداً من الطرف الآخر هو خارج عن مفروض الاخبار العلاجية بلا شبهة ولا ريب فاللازم في مثل هذه الصورة هو الرجوع إلى الأصل الثانوي المؤسس في الخبرين المتعارضين بعد الإجماع والاخبار العلاجية على عدم السقوط رأساً (وقد عرفت قبلا) ان مقتضي الأصل الثانوي هو وجوب العمل بالراجح لمدركين.

(أحدهما) دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعيين وقد أثبتنا فيه الاحتياط

(ثانيهما) حكم العقل بوجوب العمل بأقوى الدليلين وان الراجح هو أقواهما بلا كلام (وقد تقدم) تفصيل ذلك كله تحت عنوان مقتضي القاعدة الثانوية في الخبرين المتعارضين فراجع.

في بقية الوجوه التي استدل بها لوجوب

الترجيح وجوابها

(قوله نعم قد استدل على تقييدها ووجوب الترجيح في المتفاضلين بوجوه أخر ... إلخ)

أي نعم قد استدل على تقييد إطلاقات التخيير ووجوب الترجيح في المتفاضلين بوجوه أخر غير أخبار الترجيح كلها.

٧٥

(قوله منها دعوى الإجماع على الأخذ بأقوى الدليلين ... إلخ)

الظاهر انه يعني بدعوى الإجماع على الأخذ بأقوى الدليلين ما تقدم منه في صدر الفصل الثالث من الإجماع على الأخذ بالخبر الراجح حيث قال بل ربما ادعى الإجماع أيضاً على حجية خصوص الراجح ... إلخ (وقد تقدم) أيضاً ان الشيخ أعلى الله مقامه قد اختار تبعاً للمشهور وجوب الترجيح واستدل عليه بوجوه عديدة (الإجماع) المحقق (والسيرة) القطعية (وتواتر الأخبار) يعني بها أخبار التراجيح ثم ذكر وجهاً رابعاً وهو (الأصل الثانوي) الّذي تقدم تأسيسه في الخبرين المتعارضين بعد قيام الإجماع والاخبار العلاجية على عدم سقوطهما رأساً ثم ذكر من غيره (وجهاً خامساً) بقوله وقد يستدل على وجوب الترجيح بأنه لو لا ذلك لاختل نظم الاجتهاد ... إلخ.

(قوله وفيه أن دعوى الإجماع مع مصير مثل الكليني إلى التخيير وهو في عهد الغيبة الصغرى ويخالط النواب والسفراء قال في ديباجة الكافي ولا نجد شيئاً أوسع ولا أحوط من التخيير مجازفة ... إلخ)

(وقد حكى الشيخ) أعلى الله مقامه في صدر المقام الثالث من مقامات التراجيح كلام الكليني في ديباجة الكافي (وذكره صاحب الوسائل) أيضاً في القضاء في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة (وذكره المحدث الكاشاني) أيضاً في الوافي في أبواب العقل والعلم في باب اختلاف الحديث والحكم في ذيل البيان المتعلق بمقبولة عمر بن حنظلة (ولفظه) على حكاية الشيخ هكذا اعلم يا أخي أرشدك الله انه لا يسع أحداً تمييز شيء مما اختلف الرواية فيه من العلماء عليهم‌السلام برأيه إلا على ما أطلقه العالم عليه‌السلام بقوله اعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله عزوجل فخذوه وما خالف كتاب الله عزوجل فذروه وقوله عليه‌السلام دعوا ما وافق للقوم فإن الرشد في خلافهم وقوله عليه‌السلام خذوا بالمجمع عليه فإن المجمع عليه مما لا ريب فيه ولا نعرف من جميع ذلك الا أقله ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم

٧٦

ذلك كله إلى العالم عليه‌السلام وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله بأيهما أخذتم من باب التسليم وسعكم (انتهى) (هذا وقد ذكرنا) فيما تقدم عند التعليق على قول المصنف كما فعله بعض الأصحاب ... إلخ كلام السيد الصدر الشارح للوافية في التخيير وحمله اخبار الترجيح على الاستحباب فتذكر.

(قوله ومنها انه لو لم يجب ترجيح ذي المزية لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح عقلا بل ممتنع قطعاً ... إلخ) الظاهر ان هذا الوجه هو للمحقق القمي غير انه لم يقل وهو قبيح عقلا بل ممتنع قطعاً (قال) أعلى الله مقامه في الخاتمة في القانون الثالث من قوانين التعادل والتراجيح بعد الفراغ عن تعريف الترجيح لغة واصطلاحاً (ما لفظه) وإذا حصل الترجيح لإحدى الأمارتين يجب تقديمها لئلا يلزم ترجيح المرجوح (انتهى).

(قوله وفيه انه إنما يجب الترجيح لو كانت المزية موجبة لتأكد ملاك الحجية في نظر الشارع ... إلخ)

(وحاصل الجواب) ان وجوب ترجيح ذي المزية هو امر مسلم ولكن إذا كانت المزية موجبة لتأكد ملاك الحجية بنظر الشارع لا مطلقاً إذا من الممكن ان تكون المزية بالنسبة إلى ملاك الحجية هي كالحجر في جنب الإنسان ومعه لا يكاد يجب الترجيح بل الترجيح بها ترجيح بلا مرجح وهو قبيح عقلا كترجيح المرجوح على الراجح عيناً (وفيه) ان بعض المزايا بالنسبة إلى ملاك الحجية وان كان هو كالحجر في جنب الإنسان مثل كون الراوي لأحد الخبرين هاشمياً أو جواداً أو شجاعاً ونحو ذلك ولكن كلام المستدل ليس في الترجيح بمثل هذه المزايا قطعاً بل في الترجيح بالمزايا المنصوصة أو الغير المنصوصة مما يوجب أقربية أحدهما إلى الواقع ورجحانه بالنسبة إلى معارضه ومن المعلوم ان مثل ذلك هو مما يوجب تأكد ملاك الحجية بلا كلام (وعليه) فالأولى بل اللازم في مقام الجواب هو ان يقال إن بعد قيام الإجماع والاخبار العلاجية جميعاً على عدم سقوط الخبرين المتعارضين عن الحجية

٧٧

رأساً وإن وجب الترجيح والأخذ بالراجح قطعاً بمقتضى الأصل الثانوي المؤسس فيهما قبلا لكن ذلك إذا لم تنهض حجة على التعيين أو التخيير بمعنى انه عجزنا عن الجمع بين الاخبار العلاجية ولم نستفد منها ان اللازم هل هو التخيير أو الترجيح واما إذا جمعنا بينها بتحكيم إطلاقات التخيير وحمل اخبار الترجيح كلها على الاستحباب أو غيره كما عرفته مفصلا مبسوطاً فلا قيمة لهذا الأصل الثانوي أصلا ولا موجب لترجيح الراجح بنحو الإلزام أبداً.

(قوله هذا مضافاً إلى ما هو في الإضراب من الحكم بالقبح إلى الامتناع إلى آخره)

هذا جواب آخر عن الاستدلال المتقدم غير أنه عن خصوص إضراب المستدل من الحكم بقبح ترجيح المرجوح إلى الامتناع القطعي لا عن أصل الاستدلال بنفسه (وحاصله) ان ترجيح المرجوح على الراجح في الأفعال الاختيارية كاختيار أحد الكأسين مع كونه دون صاحبه في المزايا والجهات المحسنة بلا داعي عقلائي هو أمر قبيح عقلا وليس بممتنع أبداً وذلك لجواز وقوعه من غير الحكيم خارجاً بلا استحالة له أصلا فإن الممتنع هو تحقق الشيء بلا علة وسبب وليس ترجيح المرجوح كذلك إذ يكفي إرادة الفاعل المختار علة له وسبباً.

(نعم) يستحيل وقوع ذلك من الحكيم تعالى بالعرض بعد فرض كونه حكيما لا يرتكب القبيح أبداً.

(وبالجملة) ان ترجيح المرجوح على الراجح ليس أمراً ممتنعاً لا ذاتاً ولا وقوعاً وإنما يستحيل وقوعه في الخارج من الحكيم خاصة بالعرض دون غيره وقد تقدمت الإشارة إلى كل من المحال الذاتي والعرضي في بحث إمكان التعبد بالأمارات الغير العلمية بنحو أبسط فراجع.

(قوله ومنها الأحكام الشرعية ... إلخ)

أي ومن الأفعال الاختيارية الأحكام الشرعية أي جعلها وتشريعها مثل جعل

٧٨

الوجوب دون الحرمة أو بالعكس أو جعل الاستحباب دون الكراهة أو بالعكس وهكذا.

(قوله ومنها غير ذلك مما لا يكاد يفيد الظن فالصفح عنه أولى وأحسن إلى آخره)

الظاهر انه إشارة إلى الوجه الخامس الّذي قد ذكره الشيخ أعلى الله مقامه أخيراً (فقال) وقد يستدل على وجوب الترجيح بأنه لو لا ذلك لاختل نظم الاجتهاد إلى آخره وقد ذكر قبله وجوهاً أربعة قد استند إليها في وجوب الترجيح من الإجماع المحقق والسيرة القطعية وتواتر الأخبار والأصل الثانوي الّذي أسّسه في المتعارضين من الأخبار بعد قيام الإجماع والأخبار العلاجية جميعاً على عدم سقوطهما رأساً وقد سبق الإشارة إلى الكل آنفاً وتقدم شرح الجميع من قبل ذلك مفصلا فيكون مجموع الوجوه مع ما ذكره المصنف هاهنا بقوله ومنها أنه لو لم يجب ترجيح ذي المزية ... إلخ وجوهاً ستة فتأمل جيداً.

هل يجب الإفتاء بما اختاره من الخبرين أو بالتخيير في المسألة الأصولية أو

يجوز كلا الأمرين جميعاً

(قوله ثم إنه لا إشكال في الإفتاء بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه وعمل مقلديه ولا وجه للإفتاء بالتخيير في المسألة الفرعية لعدم الدليل عليه فيها نعم له الإفتاء به في المسألة الأصولية ... إلخ)

الشيخ أعلى الله مقامه حيث لم يقل بالتخيير في الخبرين المتعارضين الا في المتساويين

٧٩

فقط دون المتفاضلين لم يتعرض هذه المسألة الا في المتكافئين (وعلى كل حال) أصل المسألة انه حيث قلنا بالتخيير في الخبرين المتعارضين سواء كان في المتكافئين أو مطلقاً ولو في المتفاضلين فلا إشكال في عمل نفس المفتي فيختار أحدهما ويعمل على طبقه ولكن بالنسبة إلى مقلديه (هل يجب عليه) أن يفتي لهم بالتخيير في المسألة الأصولية بأن يبين لهم ان في المسألة الفقهية حديثين متعارضين بأيهما أخذتم من باب التسليم وسعكم (أو يجب عليه) أن يفتي لهم بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه (أو للمفتي) كلا الأمرين جميعاً فيجوز له أن يفتي لهم بالتخيير في المسألة الأصولية على نحو لو اختار المقلد من الخبرين المتعارضين غير ما اختاره المفتي جاز ويجوز له أن يفتي لهم بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه (وجوه بل أقوال).

(الأول) ما اختاره المشهور وقواه الشيخ أعلى الله مقامه.

(والثاني) ما احتمله الشيخ أعلى الله مقامه ولم يختره.

(والثالث) ما اختاره المصنف قدس‌سره بعد التسالم من الكل ظاهراً على عدم جواز الإفتاء بالتخيير في المسألة الفقهية فإذا قام مثلا أحد الخبرين على وجوب شيء والآخر على حرمته لم يجز الإفتاء بإباحة الفعل وذلك لعدم الدليل عليها بل الدليل على خلافها فإن الإباحة هي أمر ثالث خارج عن مؤدي الخبرين جميعاً وقد عرفت عدم جواز الرجوع إلى الثالث بلا شبهة لبقاء أحدهما على الحجية.

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد الفراغ عما تقتضيه القاعدة في المتكافئين وما يقتضيه الاخبار بينهما (ما لفظه) ثم المحكي عن جماعة بل قيل انه مما لا خلاف فيه ان التعادل ان وقع للمجتهد في عمل نفسه كان مخيراً في عمل نفسه وإن وقع للمفتي لأجل الإفتاء فحكمه أن يخير المستفتي فيتخير في العمل كالمفتي ووجه الأول واضح واما وجه الثاني فلأن نصب الشارع للأمارات وطريقيتها يشمل المجتهد والمقلد إلا ان المقلد عاجز عن القيام بشروط العمل بالأدلة من حيث تشخيص مقتضاها ودفع موانعها فإذا أثبت ذلك المجتهد جواز العمل بكل من

٨٠