عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٦

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٠٠

التكليف معلوم إجمالا وإنما الشك في كونه على وجه التعيين على تقدير التفاضل أو على وجه التخيير على تقدير عدمه ومنشأ الشك هو الاشتباه في المصداق مع انتفاء ما يشخصه من الأصول وإمكان استعلامه فلا بدّ من الفحص حتى يعلم المكلف به (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

أما رواية داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه‌السلام ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر فهي آمرة بالرجوع إلى الأفقه الأعلم الأورع وليست هي آمرة بالفحص عنه عند الشك في وجوده (مضافاً) إلى كونها واردة في مورد الحكومة ورفع الخصومة فلا دلالة لها في مقام التقليد أصلا (وأما الأصل) فالظاهر ان المراد منه بقرينة قوله حيث ان قبل الفحص لا يعلم البراءة بخلافه بعد الفحص ... إلخ هو أصل الاشتغال وهو وإن كان حقاً لا مجال لإنكاره ولكنه على الظاهر ليس هو وجهاً آخر غير الوجه الأخير الّذي قد أشار إليه بقوله ولعل وجوب الفحص موافق للقاعدة أيضاً ... إلخ

(وعلى كل حال) تقريب أصل الاشتغال هو أنا نعلم إجمالا باشتغال الذّمّة بوجوب العمل بإحدى الفتويين إما تعييناً ان كان أحدهما فتوى الأعلم وأما تخييراً إن كان الفتويان متساويتين والاشتغال اليقيني مما يقتضي البراءة اليقينية وهي لا تحصل إلا بالفحص عن الأعلم فان كان أحدهما أعلم أخذنا بفتواه وإلا فنتخير بين الفتويين (إلا ان الحق) ان لنا أصل موضوعي مقدم على الاشتغال رافع لموضوعه (وتوضيحه) انه إذا أفتى أحدهم بطهارة الخمر مثلا والآخر بنجاسته وفرضنا ان صاحب فتوى الطهارة ملكته هي بحد الاعتدال وشككنا في ان صاحب فتوى النجاسة هل هو ملكته أقوى منها وأشد قد تجاوزت من هذا الحد ليكون هو أعلم ويتعين الأخذ بفتواه أم لم تتجاوز فنتخير والأصل عدم تجاوزها عنه وعدم صيرورته أعلم فلا يبقى مجال لقاعدة الاشتغال أصلا.

٢٦١

(هذا كله حال ما إذا شك) في الاختلاف في الفتوى وعلم باختلافهم في العلم والفضيلة (وحال ما إذا علم) بالاختلاف في الفتوى وشك في اختلافهم في العلم والفضيلة (ومن هذين القسمين يظهر لك حال) ما إذا شك في الاختلاف في الفتوى وشك في الاختلاف في العلم والفضيلة فلا يجب فيه الفحص لا عن الاختلاف في الفتوى ولا عن وجود الأعلم (بل ويظهر لك حال) ما إذا علم بالاختلاف في الفتوى وعلم بالاختلاف في العلم والفضيلة كما هو الغالب الشائع فيجب فيه الفحص عن الأعلم بمعنى لزوم تعيينه إذا كان مردداً غير متعين بعد ما اتضح لك في صدر هذا الفصل وجوب تقليد الأعلم جداً فتأمل جيداً.

في وجوب تقليد الأورع

(الثالث) إذا اختلف العلماء في الورع مع تساويهم في العلم والفضيلة فهل يجب تقليد الأورع أم لا يجب (قال في التقريرات) في التنبيه الثاني (ما لفظه) قولان ظاهر المنقول من النهاية والتهذيب والذكرى والدروس والجعفرية والمقاصد العلية والمسالك والتمهيد وشرح الزبدة للفاضل الصالح هو الأول (ثم قال) وهو الأقوى لما عرفت من الأصل وبعض الاخبار (انتهى).

(وقال الشيخ) أعلى الله مقامه في رسالته المستقلة بعد ما عنون المسألة بقوله ولو تساوى المجتهدان بالعلم واختلفا في الورع (ما لفظه) فالظاهر ان المشهور تقديم الأورع بل حكى عليه المحقق الثاني قدس‌سره الإجماع في مسألة تقليد الميت (إلى ان قال) وهو الظاهر من المقبولة ويؤيده ما ورد في انه لا يحلّ الفتيا إلا لمن كان أتبع أهل زمانه برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ثم قال) هذا كله

٢٦٢

مضافاً إلى الأصل السليم عن معارضة الإطلاقات كما عرفت في تقليد الأعلم فالقول به لا يخلو عن قوة (انتهى) كلامه رفع مقامه.

(أقول)

والظاهر أن محل الكلام في المسألة هو ما إذا اختلف الأورع وغير الأورع في الفتوى كما في مسألة تقليد الأعلم عيناً وإلا فلا وجه لتعين الأورع وذلك لإطلاقات الأدلة وخلوها عن اعتبار الأورعية كما عرفت خلوها عن اعتبار الأعلمية (وعلى كل حال) إذا اختلفوا في الفتوى وفي الورع جميعاً مع تساويهم في العلم والفضيلة فالحكم فيه بعينه ما تقدم في اختلافهم في الفتوى وفي العلم والفضيلة (فمقتضى القاعدة الأوّلية) المؤسسة في الطريقين المتعارضين هو تساقط قول الورع وغير الأورع جميعاً (ومقتضى قيام الإجماع) القطعي على عدم تساقط الفتويين بمجرد المعارضة هو عدم سقوطهما عن الحجية جميعاً (ثم ان مقتضى احتمال) التعيين في قول الأورع وعدم احتماله في قول غير الأورع مع احتمال حجية كل منهما تخييراً هو دوران الأمر في الأورع بين التعيين والتخيير للقطع الإجمالي بحجيته إما تعييناً أو تخييراً والشك في حجية قول غير الأورع ولو تخييراً فيحتاط ويقتصر على المتيقن ويجري الأصل عن المشكوك (بل لا يبعد التمسك) باستقلال العقل بعد قيام الإجماع القطعي على عدم التساقط بسبب المعارضة بالاخذ بفتوى الأورع نظراً إلى كونه من أقوى الدليلين وأقربهما إلى الواقع فإن الأورع هو عبارة عمن كان تحرزه عن المحرمات أقوى وأشد ومن جملة المحرمات هي الفتوى بغير علم فلا محالة يكون تدبره في المسألة وجدّه واجتهاده فيها أزيد وأكثر فيكون أقرب (ومن هنا يظهر) أنه لو كان هناك مزية أخرى في أحد الجانبين غير الأورعية توجب هي أقربيته إلى الواقع والدوران فيه بين التعيين والتخيير فالكلام فيها نفس الكلام في الأعلمية والأورعية عيناً فيقدم ذو المزية على غيره قطعاً.

٢٦٣

في تقديم الأعلم على الأورع

(ثم إن هذا تمام الكلام) فيما إذا اختلف العلماء في الورع مع تساويهم في العلم والفضيلة (وأما إذا اختلفوا) في الورع وفي العلم والفضيلة جميعاً فكان أحدهم أعلم والآخر أورع (فالظاهر) تقديم الأعلم على الأورع فإن الملاك في الأعلم هو أقوى وأشد فان الطريقين المتعارضين بعد قيام الإجماع القطعي على عدم تساقطهما جميعاً بمقتضى القاعدة الأولية لا بد وأن يلحظ فيهما أقوائية الملاك وهو القرب إلى الواقع كما يلحظ أقوائية الملاك في المتزاحمين عيناً (قال في التقريرات) في التنبيه الثاني وهل يتخير بين الأعلم والأورع أو تقدم الأول أو الثاني وجوه الأقرب الثاني لأن المناط في الاستفتاء والعمل بقوله آكد فيه من غيره وان كان أورع (انتهى موضع الحاجة) من كلامه رفع مقامه.

في اشتراط الحياة في المفتي

(قوله فصل اختلفوا في اشتراط الحياة في المفتي والمعروف بين الأصحاب الاشتراط وبين العامة عدمه إلى آخره)

(قال في التقريرات) اختلفت كلمات أرباب النّظر في اشتراط الحياة في المفتي

٢٦٤

والمعروف بين أصحابنا الاشتراط والمنسوب إلى العامة عدمه (انتهى موضع الحاجة من كلامه.

(أقول)

ظاهر الأصحاب رضوان الله عليهم انه يشترط الحياة في المفتي حتى فيما وافق فتوى الميت مع الحي ففي الفتوى الموافق للحي أيضاً لا يجوز تقليد الميت والاستناد إلى رأيه وفتواه فاعتبار الحياة في المفتي عندهم يكون على حد اعتبار الإيمان والعدالة ونحوهما لا على حد اعتبار الأعلمية أو الأورعية بحيث كان الاشتراط في خصوص ما إذا تعارض الفتويان لا مطلقاً ولو فيما إذا اتحدتا.

(قوله وهو خيرة الأخباريين وبعض المجتهدين من أصحابنا ... إلخ)

الظاهر ان بعض المجتهدين من أصحابنا هو المحقق القمي ولا أظن أن أحداً من المجتهدين غيره ممن يعتد به قد وافق الأخباريين في عدم اشتراطهم الحياة في المفتي وفي تجويزهم تقليد الميت ولو ابتداء (قال في التقريرات) مشيراً إلى اشتراط الحياة في المفتي (ما هذا لفظة) وهو خير الأخباريين من أصحابنا ومنهم أمينهم الأسترآبادي والمحدّث الكاشاني في محكي السفينة وفي مفاتيحه ظاهراً والسيد الجزائري ووافقهم المحقق القمي من المجتهدين (انتهى).

(وقال) في النسخة الثانية من التقريرات (ما لفظه) والفاضل القمي رحمه‌الله أناط الحكم مناط حصول الظن الأقوى سواء حصل من قول الميت أو الحي فهو من المجوزين مطلقاً ولم أجد غيره من المجتهدين وافقه في كتابه ممن يعتد بشأنه (انتهى).

(أقول)

قد تقدم في صدر مباحث الاجتهاد ان الأخباريين قد نفوا الاجتهاد والإفتاء والتقليد وأوجبوا على كل أحد متابعة كلام المعصومين عليهم‌السلام وان كان ذلك مما لا يفهمه أحد غيرهم كما تقدم من المحقق القمي (والظاهر) ان بهذا النفي

٢٦٥

قد صار الأخباري إخبارياً والمجتهد مجتهداً (وعليه) فكيف لا يشترط الأخباري هاهنا الحياة في المفتي ويجوّز هو تقليد الميت ولو ابتداء (ولعل السر في ذلك) كما يظهر من التقريرات ان الفتوى عندهم هي عبارة عن نقل الحديث بالمعنى فالفتوى بهذا المعنى مما لا يشترط الحياة فيها ويجوّزون العمل بها ولو كان من الميت ابتداء وليست الفتوى هي عندهم بالمعنى المصطلح عندنا وهو الإخبار عن الحكم الشرعي الّذي استفاده المفتي من الأدلة بالجد والاجتهاد والنّظر والاستنباط فانها بهذا المعنى عندهم هي كالقياس والاستحسان (ومن هنا يمكن) أن يقال إن الأخباريين ليسوا مخالفين في المسألة فإن الفتوى بالمعنى الّذي يقصده الأخباريون نحن أيضاً نجوّز العمل بها ولو كان من الميت وبالمعنى الّذي يقصده المجتهدون هم أيضاً لا يجوّزون العمل بها ولو كان من الحي فضلا عن الميت (قال في التقريرات) في ذيل ما أفاده في صدر المسألة (ما لفظه) فإن الأخبارية بأجمعهم على المنع من الإفتاء فإنه فرع الاجتهاد وهم ليسوا من أصحاب الاجتهاد كما هو المعروف من طريقتهم وكلمات جملة منهم ممن اطلعنا عليهم صريحة فيما ذكرنا فما يجوز عندهم من الفتوى عبارة عن نقل الحديث بالمعنى وما ليس كذلك فلا يجوزونه ويلحقونه بالقول بالقياس والاستحسان (إلى أن قال) ومن هنا يظهر ان خلاف الأخباريين كما نقلنا ليس وارداً في هذا المقام (إلى أن قال) قال السيد الجزائري في مقام الاستدلال على ما ذهب إليه من عدم الاشتراط إن كتب الفقه شرح لكتب الحديث ومن فوائدها تقريب معاني الاخبار إلى أفهام الناس لأن فيها العام والخاصّ والمجمل والمبين إلى غير ذلك وليس كل أحد يقدر على بيان هذه الأمور من مفادها فالمجتهدون بذلوا جهدهم في بيان ما يحتاج إلى البيان وترتيبه على أحسن النظام والاختلاف بينهم مستند إلى اختلاف الأخبار أو فهم معانيها من الألفاظ المحتملة حتى لو نقلت تلك الأخبار لكانت موجبة للاختلاف كما ترى الاختلاف الوارد بين المحدثين مع ان عملهم مقصور على الاخبار المنقولة

٢٦٦

وبالجملة فلا فرق بين التصنيف في الفقه والتأليف في الحديث (انتهى) كلام السيد الجزائري (قال) صاحب التقريرات ويظهر منه ان تجويزهم لذلك ليس إلا من جهة ان الفتوى عندهم هي الرواية المنقولة بالمعنى (انتهى) موضع الحاجة من كلام التقريرات.

في تفاصيل المسألة

(قوله وربما نقل تفاصيل منها التفصيل بين البدوي فيشترط والاستمراري فلا يشترط ... إلخ)

(قد نقل في التقريرات) تفاصيل ثلاثة في المسألة (الأول) التفصيل بين فقد المجتهد الحي فلا يشترط الحياة في المفتي بل يجوز تقليد الميت وبين وجوده فيشترط الحياة فيه ولا يجوز تقليد الميت.

(الثاني) التفصيل بين ما إذا كان المفتي ممن لا يفتي إلا بمنطوق الأدلة كالصدوقين ونحوهما فلا يشترط الحياة فيه ويجوز تقليده حياً وميتاً وبين غيره فلا يجوز تقليده لا حياً ولا ميتاً.

(الثالث) وهو عمدتها التفصيل بين التقليد البدوي فيشترط الحياة في المفتي بمعنى عدم جواز تقليد الميت ابتداء وبين الاستمراري فلا يشترط الحياة فيه بمعنى جواز البقاء على تقليد الميت استمراراً إذا قلده في حياته (ولكن قد ناقش صاحب التقريرات) في التفصيلين الأولين :

(اما الأول) فلأن الكلام في المقام إنما هو مع وجود المجتهد الحي وأما مع فقده فتلك مسألة أخرى من حيث جواز تقليد الميت أو وجوب العمل بالاحتياط

٢٦٧

أو العمل بقول المشهور أو غير ذلك وقد عنون ذلك في آخر البحث في هداية مستقلة (وأما التفصيل الثاني) فلأن مرجع ذلك إلى انه من أفتى على طبق مضمون الخبر بتبديل لفظ إلى لفظ آخر فيجوز العمل بفتواه حياً وميتاً وإلا فلا يجوز لا حياً ولا ميتاً وهو عين قول الأخباريين وقد عرفت انهم منكرون العمل بالفتوى من أصلها سواء كانت لحي أو لميت وإنما يجوّزون العمل بها بمعنى نقل الرواية بالمعنى سواء كانت لحي أو لميت ولا كلام لنا فيه (قال في التقريرات) وذهب بعضهم إلى عدمه يعني عدم الاشتراط مع عدم المجتهد الحي نقله فخر المحققين عن والده واستبعده وحمل كلامه على محل آخر وهو المحكي عن الأردبيلي والشيخ سليمان البحراني والشيخ علي بن هلال (ثم قال) قلت ولعله ليس تفصيلا في المقام فان الكلام على ما ستعرف إنما هو في الجواز عند التمكن من استعلام حال الواقعة من الحي واما مع عدمه فلبيان الحكم فيه محل آخر كما لو انقرض الاجتهاد العياذ بالله (ثم قال) وذهب الفاضل التوني إلى عدم الاشتراط فيما إذا كان المفتي ممن علم من حاله انه لا يفتي إلا بمنطوقات الأدلة كالصدوقين ومن شابههما من القدماء فإنه يجوز الأخذ بفتاويهم حياً وميتاً واما إذا كان ممن يعمل بالأفراد الخفية للعمومات واللوازم الغير الظاهرة للملزومات فلا يجوز تقليده لا حياً ولا ميتاً (ثم قال) وهو أيضاً ليس من التفصيل في هذه المسألة وإنما ذلك يعدّ تفصيلا في أصل التقليد فالأولى عدّ الفاضل في عداد نظرائه من الأخباريين (ثم قال) ونقل السيد صدر الدين في محكم شرح الوافية عن بعض معاصريه التفصيل بين البدوي والاستمراري فلم يقل بالاشتراط في الثاني وقال به في الأول (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

٢٦٨

في الاستدلال على عدم جواز تقليد الميت

بالأصل وبالإجماع

(قوله والمختار ما هو المعروف بين الأصحاب للشك في جواز تقليد الميت والأصل عدم جوازه ولا مخرج عن هذا الأصل إلا ما استدل به المجوز على الجواز من وجوه ضعيفة ... إلخ)

(قد استدل المصنف) على عدم جواز تقليد الميت بوجه واحد وهو الأصل (واستدل صاحب التقريرات) بوجوه ستة ولكن العمدة من بينها وجهان :

(أحدهما) الأصل.

(ثانيهما) الإجماع ولا بأس بنقل كلامه في بيانهما بألفاظه (فنقول انه قال) فالذي يدل على المختار وجوه :

(الأول) أصالة حرمة العمل بالظن بل بمطلق ما وراء العلم التي دلت الأدلة الأربعة بتمامها عليها خرج عنها فتوى الحي إجماعاً (إلى ان قال) بقي الموارد المشكوكة تحت الأصل ومنها فتوى الميت ولا مخرج عن هذا الأصل سوى ما تخيله المجوّز وستعرف فساده (إلى ان قال الثاني) ظهور الإجماع المحقق من الطائفة المحقة ويمكن الاطلاع عليه واستعلامه من كلمات أصحابنا الإمامية في المسألة فإن نقل الاتفاق والإجماع فوق حد الاستفاضة (فعن المحقق الثاني) في شرح الألفية لا يجوز الأخذ عن الميت مع وجود المجتهد الحي بلا خلاف بين علماء الإمامية (وعن المسالك) فقد صرح الأصحاب في كتبهم المختصرة والمطولة وفي

٢٦٩

غيرها باشتراط حياة المجتهد في جواز العمل بقوله وقال ولم يتحقق إلى الآن خلاف في ذلك ممن يعتد بقوله من أصحابنا وان كان للعامة في ذلك خلاف مشهور

(وقال في محكي الرسالة) المعمولة في المسألة إنه بعد تحقق التتبع الصادق لما وصل إلينا من كلامهم ما علمنا من أصحابنا ممن يعتبر قوله ويعتمد على فتواه مخالف في ذلك فعلى مدعى الجواز بيان القائل به على وجه لا يلزم منه خرق الإجماع ثم قال ولا قائل بجواز تقليد الميت من أصحابنا السابقين وعلمائنا الصالحين فإنهم ذكروا في كتبهم الأصولية والفقهية قاطعين بما ذكرنا (وادعى في محكي كتاب آداب العلم والتعلم) الإجماع على ذلك (وعن المعالم) العمل بفتاوى الموتى مخالف لما يظهر من اتفاق علمائنا على المنع من الرجوع إلى فتوى الميت مع وجود المجتهد الحي (وعن شارح النجاة) للمحقق الداماد نفي الخلاف صريحاً (وهو الظاهر) من العلامة في النهاية حيث لم يذكر الخلاف بعد الفتوى مع ان عادته سيما في النهاية على ذكر الخلاف.

(وعن ابن أبي جمهور الأحسائي) لا بد في جواز العمل بقول المجتهد من بقائه فلو مات بطل العمل بقوله ووجب الرجوع إلى غيره إذ الميت لا قول له وعلى هذا انعقد إجماع الإمامية وبه نطقت مصنفاتهم الأصولية لا أعلم فيه مخالفاً منهم (إلى ان قال صاحب التقريرات).

(وعن الوحيد البهبهاني) في فوائده ان الفقهاء أجمعوا على ان الفقيه لو مات لا يكون قوله حجة (قال) وقال في موضع آخر وربما جعل ذلك من المعلوم من مذهب الشيعة (ثم قال) وقال بعض أفاضل متأخري المتأخرين بعد اختياره ذلك يعني اشتراط الحياة في المفتي للإجماع المحقق (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

إن أصالة حرمة العمل بالظن مما لا مجال للتمسك بها فيما وافق فتوى الميت مع

٢٧٠

الحي إذا الأصل منقطع بإطلاقات أدلة التقليد الشاملة لكل من الحي والميت جميعاً فكما ان في المسائل التي لم يختلف فيها الأعلم مع غير الأعلم قد جوزنا تقليد غير الأعلم على ما تقدم لك شرحه لإطلاقات أدلة التقليد فكذلك في المسائل التي لم يختلف فيها الميت مع الحي نجوز تقليد الميت والاستناد إلى رأيه وفتواه لإطلاقات الأدلة عيناً (نعم) إذا اختلفت فتوى الميت مع الحي ووقعت المعارضة بين الفتويين بعضهما مع بعض فللتمسك بالأصل حينئذ في عدم جواز العمل بفتوى الميت وجه وجيه (وتقريبه) كما تقدم في تقليد الأعلم ان مقتضى القاعدة الأولية في الأمارتين المتعارضتين على ما حقق في صدر التعادل والتراجيح هو التساقط ولكن مقتضى الإجماع القطعي على عدم تساقط فتوى المجتهدين بمجرد المعارضة واحتمال التعيين في فتوى الحي مع احتمال التخيير بينها وبين فتوى الميت شرعاً هو القطع بحجية فتوى الحي لا محالة إما تعييناً أو تخييراً والشك في حجية فتوى الميت ولو تخييراً فيكون المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير فيؤخذ بالمتيقن ويجري الأصل عن المشكوك وقد تقدم لك شرح أقسام الدوران وتفصيل الكلام في الكل في آخر البراءة مبسوطاً فراجع.

(واما الإجماع) الّذي تمسك به صاحب التقريرات دون المصنف فهو مشكل جداً إذ من المظنون لو لا المقطوع ان المدرك للإجماعات التي ادعوها في المسألة هي نفس الوجوه التي استدلوا بها من الأصل وغيره وقد أشرنا آنفاً ان صاحب التقريرات قد استدل بوجوه ستة ومع تلك الوجوه كيف يمكن الاعتماد على الإجماع في المسألة وان مدركه رأى الإمام عليه‌السلام أو دليل قد وصل إليهم من إمامهم كما احتمله التقريرات في آخر كلامه (حيث قال) ان هذه الإجماعات يستكشف منها على وجه لا ينبغي الارتياب فيه ان عند المجمعين دليلا معتبراً يدل على ذلك (انتهى).

(هذا مضافاً) إلى ان تحقق الإجماع في المسألة غير معلوم فإن التقريرات كما يظهر

٢٧١

بمراجعته هو الّذي (ذكر عن الأردبيلي) نسبة عدم جواز تقليد الميت إلى الأكثر لا إلى الجميع (ونقل عن الشهيد) انه ذكر في الذكرى خلاف البعض (كما نقل ان الشهيد الثاني) أيضاً قد نسب القول بعدم الجواز إلى الأكثر (ونقل أيضاً) انه قد حكى عن العلامة في التهذيب انه عبّر ان الأقرب كذا ... إلخ. فهذا كله شواهد قطعية على ان المسألة خلافية ليست هي محل وفاق واتفاق كما يشهد بذلك أيضاً تعبير التقريرات عن المخالف بالمجوزين وأن لهم احتجاجات كثيرة لا تحصى (قال) أقواها أمور منها العقل والكتاب والسنة والإجماع ... إلخ فلو كان المخالف في المسألة شاذاً نادراً جداً واحداً أو اثنين لو ما يقرب من ذلك لم يعبر عنه بالمجوزين ولم يكن لهم احتجاجات كثيرة لا تحصى إذ من المستبعد ان تكون الاحتجاجات كلها من شخص واحد أو من شخصين اللهم إلا إذا كان مراد التقريرات من المجوزين وان لهم احتجاجات كثيرة لا تحصى هو المجوزين من العامة فلا يشهد حينئذ تعبيره المتقدم بكون المسألة خلافية بين الأصحاب خلافاً يعتد به (وعلى كل حال) إن الاعتماد في المسألة على الإجماع الّذي قد ادعى تحققه من الطائفة المحقة على وجه يستكشف منه رأى الإمام عليه‌السلام أو الدليل المعتبر الّذي قد وصل إليهم من إمامهم في غاية الإشكال (مضافاً) إلى ما عرفت من المناقشة في أصل تحققه وانعقاده (فالعمدة) في المسألة أي في عدم جواز تقليد الميت في خصوص المسائل التي قد اختلف فيها فتوى الميت مع الحي هو ما تقدم من دوران الأمر في فتوى الحي بين التعيين والتخيير فيحتاط بالاخذ بها ويجري الأصل عن حجية فتوى الميت (ولكن) هذا إذا لم يتم استصحاب جواز تقليد الميت من حال حياته إلى بعد مماته وإلا فيقدم هو على هذا الأصل بلا كلام إما حكومة أو وروداً لارتفاع موضوعه وهو الشك في حجية فتواه بهذا الاستصحاب وسيأتي الكلام حول هذا الاستصحاب مفصلا فانتظر.

(بقي شيء) وهو ان في مسألة تقليد الأعلم قد قلنا انه إذا اختلف الفتويان

٢٧٢

ففتوى الأعلم مقطوعة الحجية فيؤخذ بها وفتوى غيره مشكوكة الحجية فيجري الأصل عنها وبمثل ذلك قد قلنا في مسألتنا هذه فإذا اختلف الفتويان ففتوى الحي مقطوعة الحجية فيؤخذ بها وفتوى الميت مشكوكة الحجية فيجري الأصل عنها فإذا فرضنا انه اختلف الفتويان فكانت إحداهما للأعلم والأخرى للحي فأيّ القولين حينئذ مقطوع الحجية فيؤخذ به وأيهما مشكوك الحجية ويجري الأصل عن حجيته

(وبعبارة أخرى) أي المزيتين حينئذ أولى بالرعاية هل الأعلمية أو الحياة (لا يبعد) دعوى أولوية رعاية الثاني فإنا وإن جوزنا تقليد كل من الميت والحي في المسائل التي لم يختلف فيها الميت والحي نظراً إلى إطلاقات أدلة التقليد وشمولها لكل من الطرفين جميعاً.

(ولكن ظاهر الأصحاب) رضوان الله عليهم كما أشير في صدر المسألة هو اشتراط الحياة في المفتي حتى فيما وافق فتوى الميت مع الحي وان اعتبار الحياة فيه عندهم يكون على حد اعتبار الإيمان والعدالة والذكورة ونحوها مما سيأتي لا على نحو اعتبار الأعلمية أو الأورعية بحيث كان الاشتراط هو في خصوص ما إذا اختلف الفتويان ومن المعلوم ان مع كون ظاهر الأصحاب هو ذلك تكون الحياة هي أولى بالرعاية من الأعلمية قطعاً فتأمل جيداً.

٢٧٣

في الاستدلال على جواز تقليد الميت

بالاستصحاب

(قوله منها استصحاب جواز تقليده في حال حياته ... إلخ)

أي ومن الوجوه الضعيفة التي استدل بها لجواز تقليد الميت ابتداء هو استصحاب جواز تقليده من حال حياته.

(وقد ذكر) جملة من تلك الوجوه (صاحب التقريرات) بل عرفت من بعض كلامه المتقدم ان للمجوزين احتجاجات كثيرة لا تحصى ولكن الإنصاف ان تلك الوجوه كلها ضعيفة كما ذكر المصنف سوى وجهين منها :

(أحدهما) إطلاقات الأدلة الشاملة لكل من فتوى الحي والميت جميعاً وقد عرفت منا انها مما لا تنفع إلا فيما وافق فتوى الميت مع الحي لا مطلقاً.

(ثانيهما) استصحاب جواز تقليد الميت من حال حياته إلى بعد مماته.

(ثم إن صاحب التقريرات) قد قرر استصحاب المجوزين من وجوه ثلاثة (استصحاب الحكم المستفتي فيه) (واستصحاب حكم المستفتى) (واستصحاب حكم المفتي) (قال ما لفظه) الثالث الاستصحاب وتقريره من وجوه فانه (تارة) يراد انسحاب الحكم المستفتى فيه (وأخرى) يراد انسحاب حكم المستفتى (وثالثة) يراد انسحاب حكم المفتي (فعلى الأخير) يقال ان المجتهد الفلاني كان ممن يجوز الأخذ بفتواه والعمل في الخارج مطابقاً لأقواله وقد شك بعد الموت انه هل يجوز اتباع أقواله أو لا فيستصحب كما انه يستصحب ذلك عند تغير حالاته من المرض

٢٧٤

والصحة والشباب والشيب ونحوها.

(وعلى الثاني) يقال إن للمقلد الفلاني كان الأخذ بفتوى المجتهد الفلاني حال الحياة وبعد الموت نشك فيه فنستصحب الجواز المعلوم في السابق.

(وعلى الأول) يقال إن هذه الواقعة كان حكمها الوجوب بفتوى المجتهد الفلاني ونشك في ذلك فنستصحب حكمها (قال) إلى غير ذلك من وجوه تقريراته (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

وأقوى هذه التقارير الثلاثة هو (استصحاب حكم المفتي) وهو الّذي اقتصر عليه المصنف ولو تم هذا التقرير لكان نافعاً لكل من التقليد الابتدائي والاستمراري جميعاً كما سيأتي (واما استصحاب حكم المستفتى) فهو أيضاً لو تم لكان نافعاً لكل من التقليد الابتدائي والاستمراري جميعاً ولكن يختص بما إذا كان المستفتي ممن أدرك أيام حياة المفتي فعند ذلك صح أن يقال إن المقلد الفلاني كان له الأخذ بفتوى المجتهد الفلاني في حال حياته فكذلك الآن بالاستصحاب لا مطلقاً ولو لم يدرك أيام حياته وهذا التقرير مما لم يؤشر إليه المصنف لا في المقام ولا فيما سيأتي وليس بمهم بعد عدم اشتداد الحاجة إليه.

(وأما استصحاب الحكم المستفتي فيه) كاستصحاب وجوب الاستعاذة أو حرمة العصير أو نجاسة الخمر ونحو ذلك من الأحكام فهو مما ينفع التقليد الاستمراري فقط دون الابتدائي وقد ادّخره المصنف له كما سيأتي فانتظر.

(قوله ولا يذهب عليك انه لا مجال له لعدم بقاء موضوعه عرفاً لعدم بقاء الرّأي معه فانه متقوم بالحياة بنظر العرف ... إلخ)

شروع من المصنف في المناقشة في استصحاب جواز تقليد الميت من حال حياته إلى بعد مماته.

(وحاصل المناقشة) ان مرجع الاستصحاب المذكور هو إلى استصحاب

٢٧٥

جواز العمل برأي المجتهد السابق والرّأي مما لا يبقى مع الموت لكونه متقوماً بالحياة في نظر العرف وإن لم ينعدم واقعاً لكون معروضه النّفس الناطقة وهي باقية قد انتقلت من عالم إلى عالم وقد تقدم قبلا في الاستصحاب ان المدار في بقاء الموضوع هو نظر العرف لا الدقة العقلية ولا لسان الدليل (وفيه) ان الرّأي ليس مما ينعدم عرفاً بموت ذي الرّأي كيف والعرف قد يعملون بآراء بعض أهل الخبرة في بعض الفنون والصنائع ولو من بعد موته بسنين وليس ذلك إلا من جهة ان الرّأي مما لا ينعدم عرفاً بموت صاحبه إلا إذا تبدل الرّأي إلى رأي آخر جديد أو اضمحل لمرض أو هرم ونحوهما (هذا كله) مناقشة المصنف في الاستصحاب المذكور وقد عرفت ضعفها.

(واما صاحب التقريرات) فقد ناقش في بقاء الموضوع من طريق آخر. (وملخصه) ان موضوع الاستصحاب مما لا بد من العلم ببقائه على ما حقق في محله وفي المقام لو لم ندع العلم بارتفاعه نظراً إلى ان المناط هو الظن يعني ظن المجتهد وهو مرتفع بعد الموت فلا أقل من الشك في بقاء الموضوع إما لاحتمال ارتفاع الظن بعد الموت على تقدير كون الموضوع هو الظن أو لاحتمال كون الموضوع أمراً آخر غير الظن قد ارتفع بالموت وعلى كلا التقديرين لا مسرح للاستصحاب.

(وفيه) ان الظن مما لا دخل له في المقام أصلا اما فيما كان مدارك الفتاوى هي الأصول العملية فواضح واما فيما كان مدارك الفتاوى هي الأمارات فلأن اعتبارها ليس إلا من باب الظن النوعيّ لا الشخصي.

(ولو سلم ان الظن مما له دخل في المقام فليس هو موضوع الاستصحاب قطعاً بل الموضوع في استصحاب جواز تقليد المجتهد من حال حياته إلى بعد مماته هو نفس المجتهد وهو باق على حاله بمعنى ان موضوع القضيتين المتيقنة والمشكوكة هو شيء واحد وليس معنى اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب كما حقق في محله إلا ذلك لا بقاء الموضوع في الخارج على حاله وإلا لم يصح استصحاب حياة زيد

٢٧٦

قطعاً وذلك للشك في بقاء الموضوع خارجاً وهذا واضح ظاهر.

(هذا تمام الكلام) في استصحاب جواز تقليد الميت من حال حياته إلى بعد مماته وقد عرفت انه مما لا ينبغي الإشكال فيه (نعم) مقتضى أصالة حرمة العمل بالظن كما بيّنا قبلا هو عدم جواز العمل بفتوى الميت نظراً إلى كونها من دوران الأمر بين التعيين والتخيير فيجب الاحتياط والأخذ بالمتيقن وهو فتوى الحي وإجراء الأصل عن المشكوك وهو فتوى الميت ولكن الاستصحاب المذكور هو حاكم أو وارد عليها كما أشير قبلا رافع لموضوعها وهو الشك في حجيتها.

(إلا ان الإنصاف) مع ذلك كله انه لا يمكن رفع اليد عن الإجماعات المستفيضة المحكية من الأصحاب رضوان الله عليهم المتقدمة تفصيلها جميعاً بسبب الاستصحاب المذكور (وعليه) فالأحوط في المسألة إن لم يكن الأقوى هو عدم تقليد الميت ابتداء (والله العالم).

(قوله ولا ينافي ذلك صحة استصحاب بعض أحكام حال حياته كطهارته ونجاسته وجواز نظر زوجته إليه ... إلخ)

دفع لما قد يقال من انه لو لم يصح استصحاب جواز تقليد الميت من حال حياته إلى بعد مماته لعدم بقاء موضوعه عرفاً وهو الرّأي لكونه متقوماً بالحياة بنظر العرف فكيف صح استصحاب بعض أحكام حال حياته كطهارته ونجاسته وجواز نظر زوجته إليه ونحو ذلك.

(وحاصل الدفع) ان الموضوع في استصحاب هذه الأحكام كلها في نظر العرف هو ما يعم الحي والميت جميعاً وهو الجسد الخاص فيقال هذا الّذي كان طاهراً أو نجساً في السابق فكذلك الآن بالاستصحاب فالحياة بالنسبة إلى الموضوع أي الجسد الخاصّ تكون من الحالات المتبادلة وإن كان زوالها هو منشأ للشك في البقاء من جهة احتمال دخلها في ثبوت الحكم للموضوع وليست الحياة هي من القيود المقومة للموضوع على نحو لو زالت زال الموضوع عرفاً وقد عرفت في محله

٢٧٧

انه قد يكون شيء واحد بالنسبة إلى حكم في نظر العرف من الحالات المتبادلة بحيث إذا زال لم يزل الموضوع وبالنسبة إلى حكم آخر يكون هو من القيود المقومة له بحيث إذا زال زال الموضوع قطعاً وذلك كعنوان النوم في قولك أكرم هذا النائم وفي قولك لا تصح عند النائم ففي الأول يكون من الحالات المتبادلة وفي الثاني يكون من القيود المقومة فتأمل جيداً.

(قوله وبقاء الرّأي لا بد منه في جواز التقليد قطعاً ... إلخ)

هذا من تتمات كلامه السابق والمعنى هكذا ولا يذهب عليك انه لا مجال لاستصحاب جواز تقليده في حال حياته لعدم بقاء موضوعه عرفاً لعدم بقاء الرّأي معه وبقاء الرّأي لا بد منه في جواز التقليد قطعاً.

(قوله لا يقال نعم الاعتقاد والرّأي وان كان يزول بالموت لانعدام موضوعه إلا ان حدوثه في حال حياته كاف في جواز تقليده في حال موته كما هو الحال في الرواية ... إلخ.)

(وحاصل الإشكال) هو تسليم زوال الرّأي بزوال موضوعه أي المجتهد ولكن وجود الرّأي في السابق قبل زواله مما يكفي في جواز التقليد بعد الموت.

(وقد أجاب) عن ذلك بان بقاء الرّأي فعلا مما لا بد منه في جواز التقليد ولذا لو زال بجنون أو مرض أو هرم أو تبدل رأي إلى رأي آخر لم يجز التقليد قطعاً بل إجماعاً كما تقدم من المصنف في المتن.

(أقول)

لو سلم انعدام الرّأي بانعدام موضوعه أي المجتهد فيكفي في جواز التقليد تحقق الرّأي في السابق كما أفاد المستشكل وذلك لاستصحاب جواز العمل به من حال حدوثه إلى بعد زواله.

(وأما الإجماع) على عدم جواز التقليد فيما إذا زال الرّأي بجنون أو مرض

٢٧٨

أو هرم أو تبدل رأي إلى رأي آخر فهو مما لا دلالة له على عدم جواز التقليد فيما إذا زال بموت المجتهد كما لا يخفى.

في البقاء على تقليد الميت والاستدلال له

بالاستصحاب

(قوله هذا بالنسبة إلى التقليد الابتدائي وأما الاستمراري فربما يقال بأنه قضية استصحاب الأحكام التي قلده فيها إلى آخره.)

(قد عرفت في صدر البحث) أن في المسألة تفاصيل ثلاثة عمدتها التفصيل بين البدوي والاستمراري بمعنى عدم جواز تقليد الميت ابتداء وجواز البقاء على تقليده استمراراً إذا قلده في حياته وان التفصيل المذكور قد نسبه السيد صدر الدين في محكم شرح الوافية إلى بعض معاصريه (ونزيدك) في المقام انه قال في التقريرات في الهداية المنعقدة للتفصيل بين الاستدامة والابتداء (ما لفظه) ثم انه ذهب جماعة من المعاصرين ومن قاربهم في العصر إلى التفصيل المذكور (قال) بل ربما يدعى بعضهم كونه من المسلمات (انتهى).

(ونزيدك) أيضاً ان صاحب الفصول قد اختار هذا التفصيل وفاقاً لجماعة (قال في الفصول) واعلم ان ما قررناه من المنع عن تقليد الميت إنما هو في تقليد الابتدائي كما هو الظاهر وإليه ينصرف إطلاق كلام المانعين وأما استدامة تقليده المنعقد في حال حياته إلى حال موته فالحق ثبوتها وفاقاً لجماعة وللأصل لثبوت الحكم المقلد فيه قبل موته فيستصحب إلى ما بعده (انتهى) موضع الحاجة

٢٧٩

من كلامه رفع مقامه.

(ثم إنك قد عرفت) أيضاً عند الاستدلال على جواز تقليد الميت بالاستصحاب ان الاستصحاب في المسألة تقريره من وجوه ثلاثة وان التقرير الثاني والثالث أي استصحاب حكم المستفتي واستصحاب حكم المفتي هما ينفعان للتقليد الابتدائي والاستمراري جميعاً وان التقرير الأول أي استصحاب الحكم المستفتي فيه هو مما ينفع للتقليد الاستمراري فقط دون الابتدائي.

(وقد أشرنا ان المصنف) قد ادّخره لهذا التفصيل فهذا هو موضع الاستدلال به والتكلم حوله (فنقول) إن حاصله كما تقدم قبلا هو استصحاب الأحكام التي قلد فيها المجتهد كوجوب الاستعاذة أو حرمة العصير أو نجاسة الخمر إلى غير ذلك.

(وقد علله المصنف) مع ما يرى من انعدام الرّأي بانعدام ذي الرّأي بما حاصله ان رأي المجتهد وان كان دخيلا في حدوث الأحكام إلا أنه عرفاً هو من أسباب عروض الحكم وحدوثه وليس هو من مقومات الموضوع كي يختل الاستصحاب لأجل انعدامه.

(قوله ولكنه لا يخفى انه لا يقين بالحكم شرعاً سابقاً فإن التقليد ان كان بحكم العقل وقضية الفطرة ... إلخ)

شروع من المصنف في المناقشة في استصحاب الأحكام التي قلد فيها المجتهد (وحاصل) المناقشة هو ان المقصود من الأحكام التي نستصحبها (ان كان) هي الأحكام الواقعية فهي مما لم نتيقن بثبوتها في السابق كي نستصحبها في اللاحق (وإن كان) هي الأحكام الظاهرية (فإن كان) جواز التقليد أي رجوع الجاهل إلى العالم هو بحكم العقل والفطرة فمقتضى ذلك ليس إلا منجزية قول العالم عند الإصابة وعذريته عند الخطأ لا جعل أحكام ظاهرية على طبقه كي تستصحب تلك الأحكام عند الشك في بقائها.

٢٨٠