عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٦

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٠٠

(قوله ومنه قد انقدح إمكان القدح في دعوى كونه من ضروريات الدين ... إلخ)

بل بطلان هذه الدعوى مما لا يبعد أن يكون من الضروريات وذلك لما عرفت من أن الإجماع على جواز التقليد مما لم يتم في المسألة فكيف بدعوى كون الجواز فيها من ضروريات الدين.

الكلام حول سيرة المتدينين على التقليد

(قوله وكذا القدح في دعوى سيرة المتدينين ... إلخ)

بل لا قدح في دعوى سيرة المتدينين فإن احتمال ان سيرتهم لأجل كون رجوع الجاهل إلى العالم من الأمور الفطرية الارتكازية أو من ضروريات العقل وفطرياته على اختلاف تعبير المصنف مما لا يكاد يضر بالسيرة وإن أضرّ بالإجماع قطعاً (والسر في ذلك) ان الإجماع اتفاق قولي فإذا احتمل كون المدرك لأقوالهم غير رأي الإمام عليه‌السلام فلا حجية له بخلاف السيرة فانها عمل خارجي فإذا كان عملهم متصلا بزمان الإمام عليه‌السلام ولم يردعهم المعصوم كشف ذلك عن رضائه بفعلهم فيكون حجة قهراً على كل حال.

(ثم إنه) قد أشار إلى السيرة المذكورة صاحب الفصول (حيث قال) في جملة ما استدل به لجواز التقليد (ما لفظه) ولجريان طريقة السلف عليه من غير نكير ... إلخ بل يمكن أن يقال إن مرجع كلام المحقق القمي في عبارته المتقدمة من قوله للإجماع المعلوم بتتبع حال السلف من الإفتاء والاستفتاء وتقريرهم وعدم إنكارهم ... إلخ بل ومرجع كلام الذكرى المتقدم أيضاً من قوله ويدفعه إجماع

٢٢١

السلف والخلف على الاستفتاء من غير نكير ... إلخ هو إلى السيرة المستمرة وإن كانا قد عبرا عنها بإجماع السلف (وكيف كان) ان سيرة المتدينين على الرجوع إلى العالم بالأحكام الشرعية من زماننا هذا إلى زمن الأئمة عليهم‌السلام هي أضيق دائرة من بناء العقلاء كافة على رجوع الجاهل إلى العالم بل إلى مطلق أهل الخبرة من كل فن ولكن لم يثبت ان المتدينين هل هم يبنون على الرجوع إلى العالم بالمسائل الشرعية بما هم متدينون بهذا الدين ليكون وجهاً مستقلا غير بناء العقلاء أو انهم يبنون عليه بما هم عقلاء فيكون من شعب الدليل السابق لا دليلا مستقلا برأسه.

الكلام حول الاستدلال بآيتي النفر

والسؤال على جواز التقليد

(قوله واما الآيات فلعدم دلالة آية النفر والسؤال على جوازه ... إلخ)

(اما آية النفر) فهي في أواخر التوبة قال الله تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون.

(واما آية السؤال) فهي في النحل والأنبياء جميعاً قال الله تعالى وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون (وقد استدل) بالآيتين الشريفتين صاحب الفصول والشيخ أعلى الله مقامهما في جملة ما استدلا به على جواز التقليد واستدل المحقق القمي بآية السؤال فقط دون النفر (قال في الفصول) ولعموم قوله تعالى فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون

٢٢٢

بناء على ان المراد بأهل الذّكر أهل القرآن من العلماء كما نصّ عليه جماعة وقد مرّ الكلام فيه يعني به في حجية خبر الواحد (قال) ولقوله تعالى في آية النفر ولينذروا قومهم الشامل للإنذار بطريق الفتوى أيضا.

(وقال الشيخ) في رسالته المستقلة (ما لفظه) اما حكم التقليد فالمعروف بين أصحابنا جوازه بالمعنى الأعم وينسب إلى بعض أصحابنا القول بالتحريم ويحكي عن بعض العامة والحق هو الأول للأدلة الأربعة آيتا النفر والسؤال إلى آخر ما قال (وقال) المحقق القمي بعد الاستدلال بالإجماع (ما لفظه) ويدل عليه أيضا عموم قوله تعالى فاسألوا أهل الذّكر ان كنتم لا تعلمون (انتهى).

(قوله لقوة احتمال أن يكون الإرجاع لتحصيل العلم لا للأخذ تعبداً إلى آخره)

هذا جواب عن الاستدلال بآية النفر والسؤال جميعاً (وحاصله) ان من المحتمل ان يكون الإرجاع إلى المتفقهين المنذرين وهكذا الأمر بسؤال أهل الذّكر هو لتحصيل العلم من أقوالهم فيعمل بالعلم لا بأقوالهم تعبداً ليثبت المطلوب.

(أقول)

إنك قد عرفت في حجية خبر الواحد في ذيل الاستدلال بآية النفر.

(ان المصنف) قد نفي الملازمة بين وجوب الإنذار ووجوب الحذر مطلقاً ولو لم يحصل العلم من قول المنذر ليثبت بها المطلوب (وقد أشار إليه) بقوله هناك لعدم انحصار فائدة الإنذار بإيجاب التحذر تعبداً.

(وان الشيخ أيضاً) قد أشكل على الاستدلال بالآية أموراً أهمها نفي الإطلاق لوجوب الحذر ولو لم يحصل العلم من قول المنذر ليثبت به المطلوب (قال) فالمعنى لعله يحصل لهم العلم فيحذروا فالآية مسوقة لبيان مطلوبية الإنذار بما يتفقهون ومطلوبية العمل من المنذرين بما أنذروا وهذا لا ينافي اعتبار العلم في العمل ولهذا صح ذلك فيما يطلب فيه العلم فليس في هذه الآية تخصيص للأدلة لناهية

٢٢٣

للعمل بما لم يعلم ولذا استشهد الإمام عليه‌السلام فيما سمعت من الأخبار المتقدمة على وجوب النفر في معرفة الإمام وإنذار النافرين المتخلفين مع ان الإمامة لا يثبت إلّا بالعلم (انتهى).

(وقد أشار المصنف) إلى الإشكال المذكور هناك بقوله لعدم إطلاق يقتضي وجوبه على الإطلاق غير أنه قدس‌سره قد ادعى كون الآية مسوقة لبيان وجوب النفر ولم يقل لبيان مطلوبية الإنذار بما يتفقهون كما ادعى الشيخ أعلى الله مقامه (وعلى كل حال) يحتمل ان يكون مقصود المصنف من قوله هاهنا لقوة احتمال ان يكون الإرجاع لتحصيل العلم لا للأخذ تعبداً ... إلخ هو الإشارة إلى نفي الملازمة الّذي ادعاه هناك ويحتمل أن يكون مقصوده هو الإشارة إلى نفي الإطلاق الّذي ادعاه الشيخ هناك وأشار إليه المصنف أيضا تبعاً للشيخ بقوله المتقدم (هذا كله) من أمر آية النفر (واما آية السؤال) فقد عرفت هناك أيضا ان الشيخ أعلى الله مقامه قد أورد على الاستدلال بها إيرادات.

(من جملتها) ان الظاهر من وجوب السؤال عند عدم العلم هو وجوب تحصيل العلم لا وجوب السؤال للعمل بالجواب تعبداً كما يقال في العرف سل إن كنت جاهلا.

(وقد أشار إليه المصنف) هناك بقوله وفيه ان الظاهر منها إيجاب السؤال لتحصيل العلم لا للتعبد بالجواب.

(والظاهر ان مقصود المصنف) من قوله في المقام لقوة احتمال أن يكون الإرجاع لتحصيل العلم لا للأخذ تعبداً ... إلخ بعد ما عرفت انه جواب عن كلتا الآيتين أي النفر والسؤال جميعاً هو الإشارة أيضا إلى الإيراد المذكور في آية السؤال

(قوله مع ان المسئول في آية السؤال هم أهل الكتاب كما هو ظاهرها أو أهل بيت العصمة والأطهار كما فسر به في الأخبار ... إلخ)

إشارة إلى الإيراد الأول من الإيرادات التي أوردها الشيخ أعلى الله مقامه على

٢٢٤

الاستدلال بآية السؤال في خبر الواحد ولم يؤشر إليه المصنف هناك.

(قال الشيخ) في خبر الواحد بعد تقريب الاستدلال بها (ما لفظه) ويرد عليه أولا ان الاستدلال إن كان بظاهر الآية فظاهرها بمقتضى السياق إرادة علماء أهل الكتاب كما عن ابن عباس ومجاهد وحسن وقتادة (إلى أن قال) وان كان مع قطع النّظر عن سياقها ففيه انه ورد في الأخبار المستفيضة أن أهل الذّكر هم الأئمة عليهم‌السلام وقد عقد في أصول الكافي باباً لذلك (انتهى).

(ومحصله) أن الآية الشريفة على كلا التقديرين هي أجنبية عن حجية قول العالم وجواز الرجوع إليه.

(أقول)

قد ذكرنا هناك وأشرنا في المقام أيضا أن الآية الشريفة هي مذكورة في موضعين من القرآن المجيد في سورة النحل وفي سورة الأنبياء جميعاً وذكرنا هناك أيضا أن الطبرسي رحمه‌الله قد ذكر في تفسير أهل الذّكر أقوالا.

(أحدها) أن المغيا بذلك أهل العلم بأخبار من مضى من الأمم سواء كانوا مؤمنين أو كفاراً.

(ثانيها) أن المراد بأهل الذّكر أهل الكتاب أي فاسألوا أهل التورية والإنجيل إن كنتم لا تعلمون (قال) عن ابن عباس ومجاهد (وقال) في الموضع الثاني من موضعي الآية عن الحسن وقتادة.

(ثالثها) ان المراد بهم أهل القرآن لأن الذّكر هو القرآن (قال) عن ابن زيد (ثم قال) ويقرب منه ما رواه جابر ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام انه قال نحن أهل الذّكر وقد سمى الله رسوله ذكراً في قوله ذكراً رسولا يعني به في سورة الطلاق (وقال) أيضاً في الموضع الثاني فروي عن علي عليه‌السلام انه قال نحن أهل الذّكر (انتهى).

(فعلى هذا كله ان كان) المراد من أهل الذّكر هم أهل الكتاب أو الأئمة

٢٢٥

الأطهار فالآية الشريفة أجنبية عن حجية قول العالم وجواز الرجوع إليه كما هو محصل كلام الشيخ والمصنف جميعاً في المقام.

(بل وهكذا إذا كان) المراد منهم أهل العلم بأخبار من مضي من الأمم سواء كانوا مؤمنين أو كفاراً.

(واما إذا كان) المراد من أهل الذّكر هم أهل القرآن أي العلماء بالقرآن كما تقدم في كلام الفصول انه قد نصّ عليه جماعة بل وهو ظاهر ما نسبه الطبرسي أيضا إلى ابن زيد (فلتوهم) دلالة الآية الشريفة على حجية قول العالم مجال واسع بدعوى الملازمة بين وجوب السؤال ووجوب القبول تعبداً وإلا لكان إيجاب السؤال لغواً جداً (ولكن يدفعه) الإيراد المتقدم آنفاً وهو ظهور الآية الشريفة في إيجاب السؤال لتحصيل العلم لا للعمل بالجواب تعبداً.

(قوله نعم لا بأس بدلالة الأخبار عليه بالمطابقة أو الملازمة ... إلخ)

فما دل على وجوب اتباع قول العلماء وهكذا ما دل على ان للعوام تقليد العلماء كما سيأتي شرحهما هما يدلان على حجية قول العالم بالمطابقة وأما ما دل على جواز الإفتاء سواء كان مفهوماً أو منطوقاً كما سيأتي أيضا شرحهما فهما يدلان على حجية قول العالم بالملازمة وستعرف تفصيل هذا كله قريباً فانتظر.

في الاخبار الدالة على وجوب اتباع قول العلماء

(قوله حيث دلّ بعضها على وجوب اتباع قول العلماء ... إلخ)

وهي روايات كثيرة قد دل.

(بعضها) على وجوب اتباع قول العلماء عموماً.

٢٢٦

(وبعضها) على اتباع قول أشخاص معينين ونحن نعلم من الخارج انه لا وجه لاتباع كلامهم إلا كونهم من العلماء بالحلال والحرام.

(فمن تلك الروايات) الكثيرة ما رواه في الوسائل في القضاء في باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث مسنداً عن إسحاق بن يعقوب قال سألت محمد بن عثمان العمري ان يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك (إلى ان قال) واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وانا حجة الله (وتقريب الاستدلال) بهذا الحديث الشريف ان رواة أحاديثهم الذين هم حجتهم علينا هم العلماء بحلالهم وحرامهم فإذا وجب الرجوع إليهم فقد وجب الرجوع إلى العلماء بحلالهم وحرامهم.

(ومنها) ما رواه في الوسائل في القضاء في باب وجوب التوقف والاحتياط في القضاء والفتوى عن عنوان البصري عن أبي عبد الله عليه‌السلام جعفر بن محمد يقول فيه سل العلماء ما جهلت وإياك ان تسألهم تعنتاً وتجربة (الحديث).

(ومنها) ما رواه في المستدرك في القضاء في باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث عن الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول من كلام الحسين بن علي عليهما‌السلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (قال) ويروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام اعتبروا أيها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول لو لا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم (إلى ان قال) وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسعون ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه فأنتم المسلوبون تلك المنزلة وما سلبتم ذلك الا بتفرقكم عن الحق واختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة (الحديث).

(ومنها) ما رواه في المستدرك أيضاً في الباب المذكور عن أبي الفتح الكراجكي

٢٢٧

في كنز الفوائد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه قال الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك.

(ومنها) ما رواه في المستدرك في القضاء في باب عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر القرآن إلا بعد معرفة تفسيرها من الأئمة عن الصدوق مسنداً عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث قال فيه فإياك ان تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء (الحديث).

(ومنها) ما رواه في الوسائل في القضاء في باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث مسنداً عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي (قال) سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتعة فقال الق عبد الملك بن جريح فسله عنها فإن عنده منها علماً (الحديث).

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضاً مسنداً عن شعيب العقرقوفي (قال) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ربما احتجنا ان نسأل عن الشيء فمن نسأل قال عليك بالأسدي يعني أبا بصير.

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضاً مسنداً عن عبد الله بن أبي يعفور (قال) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انه ليس كل ساعة ألقاك ولا يمكن القدوم ويجيء الرّجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه فقال ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي (الحديث).

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضاً مسنداً عن علي بن مسيب الهمدانيّ (قال) قلت للرضا عليه‌السلام شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فممن آخذ معالم ديني قال من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا (الحديث)

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضاً مسنداً عن عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعاً عن الرضا عليه‌السلام (قال) قلت لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما احتاج إليه من معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن

٢٢٨

ثقة آخذ منه ما احتاج إليه من معالم ديني فقال نعم (وروي بعده) حديثاً عن عبد العزيز قال فيه فعمن آخذ معالم ديني فقال خذ عن يونس بن عبد الرحمن (وروي بعده) أيضاً حديثاً عن عبد العزيز قال فيه فآخذ معالم ديني عن يونس مولى آل يقطين قال نعم.

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضاً مسنداً عن علي بن سويد السابي (قال) كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام وهو في السجن واما ما ذكرت يا علي ممن تأخذ معالم دينك لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا.

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسنداً عن أحمد بن حاتم بن ماهويه قال) كتبت إليه يعني أبا الحسن الثالث عليه‌السلام أسأله عمن آخذ معالم ديني وكتب أخوه أيضاً بذلك فكتب إليهما فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا وكل كثير القدم في أمرنا فانهما كافوكما إن شاء الله.

(ومنها) ما رواه في المستدرك في الباب المذكور (فذكر حديثاً) عن أبي حماد الرازي يقول دخلت على علي بن محمد عليهما‌السلام بسرّمن رأي فسألته عن أشياء من الحلال والحرام فأجابني فيهما فلما ودّعته قال لي يا حماد إذا أشكل عليك شيء من أمر دينك بناحيتك فسل عنه عبد العظيم بن عبد الله الحسني وأقرئه مني السلام

ما دل على ان للعوام تقليد العلماء

(قوله وبعضها على ان للعوام تقليد العلماء ... إلخ)

وهي رواية واحدة قد رواها في الوسائل في القضاء في باب عدم جواز تقليد غير المعصوم فيما يقول برأيه وفيما لا يعمل فيه بنص عنهم عن أحمد بن علي بن أبي طالب

٢٢٩

الطبرسي في الاحتجاج عن أبي محمد العسكري عليه‌السلام في قوله فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله (فساق الحديث إلى ان قال عليه‌السلام) وكذلك عوامنا إذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على الدنيا وحرامها فمن قلد مثل هؤلاء فهو مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة علمائهم فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم فإن من ركب من القبائح والفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئاً ولا كرامة (الحديث).

(قال صاحب الوسائل) وأورده العسكري عليه‌السلام في تفسيره.

في الاخبار الدالة على جواز الإفتاء مفهوماً

(قوله وبعضها على جواز الإفتاء مفهوماً مثل ما دل على المنع عن الفتوى بغير علم ... إلخ)

وهي روايات كثيرة.

(منها) ما رواه في الوسائل في القضاء في باب عدم جواز القضاء والإفتاء بغير علم مسنداً عن أبي عبيدة (قال) قال أبو جعفر عليه‌السلام من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه (وروي) حديثاً في القضاء أيضا في باب عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر القرآن الا بعد معرفة تفسيرها من الأئمة قال فيه لعنته ملائكة السماوات والأرض.

٢٣٠

(ومنها) ما رواه في الوسائل في باب عدم جواز القضاء والإفتاء بغير علم أيضا مسنداً عن مفضل بن يزيد (قال) قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام أنهاك عن خصلتين فيهما هلك الرّجال أنهاك أن تدين الله بالباطل وتفتي الناس بما لا تعلم.

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضاً مسنداً عن عبد الرحمن بن الحجاج قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام إياك وخصلتين ففيهما هلك من هلك إياك أن تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم (ورواه) في الباب ثانياً بطريق آخر باختلاف يسير في المتن.

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسنداً عن عبيدة السلماني (قال) سمعت علياً عليه‌السلام يقول يا أيها الناس اتقوا الله ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون (الحديث).

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضاً مسنداً عن موسى بن بكير (قال) قال أبو الحسن عليه‌السلام من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة الأرض وملائكة السماء (وروي) بعده حديثاً آخر قال فيه لعنته ملائكة السماء والأرض.

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا عن تحف العقول عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (قال) من أفتى الناس بغير علم فليتبوأ مقعده من النار.

(ومنها) ما رواه في المستدرك في الباب المذكور عن دعائم الإسلام (قال) وروينا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسألوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.

(ومنها) ما رواه في المستدرك في الباب المذكور أيضا عن غوالي اللئالي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (قال) من أفتى الناس بغير علم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه.

(ومنها) ما ذكره في المستدرك في الباب المذكور أيضا عن الشهيد الثاني في

٢٣١

منية المريد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه (قال) من أفتى بفتيا من غير تثبت (قال) وفي لفظ بغير علم فإنما إثمه على من أفتاه.

(ومنها) ما رواه في الوسائل في القضاء في باب عدم جواز القضاء والحكم بالرأي والاجتهاد مسنداً عن أبي بكر بن حزم (قال) توضأ رجل فمسح على خفيه فدخل المسجد يصلي فجاء علي عليه‌السلام فوطئ على رقبته وقال ويلك تصلي على غير وضوء فقال أمرني به عمر بن الخطاب قال فأخذ به فانتهى إليه فقال انظر ما يروي هذا عليك ورفع صوته فقال نعم أنا أمرته إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح على خفيه فقال قبل المائدة أو بعدها قال لا أدري قال فلم تفتي وأنت لا تدري سبق الكتاب الخفين.

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور مسنداً عن مسعدة بن صدقة (قال) قال أبو جعفر عليه‌السلام من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث أحلّ وحرّم فيما لا يعلم.

(ومنها ما رواه في المستدرك في الباب المذكور عن غوالي اللئالي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (قال) من عمل بالمقاييس فقد هلك وأهلك ومن أفتى الناس وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك.

(ومنها) ما رواه في الوسائل في القضاء في باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث مسنداً عن حمزة بن حمران (قال) سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول من استأكل بعلمه افتقر قلت إن في شيعتك قوماً يتحملون علومكم ويبثونها في شيعتكم فلا يعدمون منهم البر والصلة والإكرام فقال ليس أولئك بمستأكلين انما ذاك الّذي يفتى بغير علم ولا هدى من الله ليبطل الحقوق طمعاً في حطام الدنيا.

(ومنها) ما رواه في القضاء أيضاً في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة مسنداً عن علي بن أسباط (قال) قلت للرضا عليه‌السلام يحدث الأمر

٢٣٢

لا أجد بدّاً من معرفته وليس في البلد الّذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك قال فقال ائت فقيه أهل البلد فاستفته من أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه (دلت الرواية الشريفة) مفهوماً على جواز الاستفتاء من مواليهم إذا وجدوا في البلد وأنه أمر مفروغ عنه بين الراوي والإمام عليه‌السلام وهو مما يكفي.

(ومنها) ما رواه في المستدرك في القضاء في باب نوادر ما يتعلق بأبواب صفات القاضي عن مصباح الشريعة (قال) قال الصادق عليه‌السلام لا يحلّ الفتيا لمن لا يستفتي من الله عزوجل بصفاء سرّه وإخلاص عمله وعلانيته وبرهان عن ربه في كل حال لأن من أفتى فقد حكم والحكم لا يصح إلّا بإذن الله وبرهانه ومن حكم بالخبر بلا معاينة فهو جاهل مأخوذ بجهله ومأثوم بحكمه.

(قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على الله عزوجل أولا يعلم المفتي انه هو الّذي يدخل بين الله تعالى وبين عباده وهو الحائر بين الجنة والنار ولا يحلّ الفتيا في الحلال والحرام بين الخلق (الا لمن اتبع الحق) من أهل زمانه وناحيته وبلده بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرف ما يصلح من فتياه.

(قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك لربّما ولعلَّ ولعسى لأن الفتيا عظيمة.

(وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام) لقاض هل تعرف الناسخ من المنسوخ قال لا قال فهل أشرفت على مراد الله عزوجل في أمثال القرآن قال لا قال إذاً هلكت وأهلكت والمفتي يحتاج إلى معرفة معاني القرآن وحقائق السنن ومواطن الإشارات والآداب والإجماع والاختلاف والاطلاع على أصول ما اجتمعوا عليه وما اختلفوا فيه ثم إلى حسن الاختيار ثم إلى العمل الصالح ثم الحكمة ثم التقوي ثم حينئذ إن قدر (انتهى) الحديث الشريف.

٢٣٣

(أقول)

هكذا وجدت في نسختي ولكن الظاهر أن كلمة (إلا لمن اتبع الحق) مغلوطة واحتمل أن الصحيح هكذا (إلا لمن كان اتبع الخلق) من أهل زمانه وناحيته وبلده بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... إلخ.

(وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه في رسالته المستقلة إلى الحديث الشريف بلفظ آخر (قال) في مسألة تقديم الأورع على غير الأورع (ما لفظه) ويؤيده ما ورد في أنه لا يحل الفتيا (إلا لمن كان أتبع) أهل زمانه برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (انتهى).

في الاخبار الدالة على جواز الإفتاء منطوقا

(قوله أو منطوقاً مثل ما دلّ على إظهاره عليه‌السلام المحبة لأن يرى في أصحابه من يفتى الناس بالحلال والحرام ... إلخ)

(وهو ما رواه) في المستدرك في القضاء في باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث عن أحمد بن علي النجاشي في كتاب الرّجال (قال) وقال له أبو جعفر عليه‌السلام يعني لأبان بن تغلب اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك.

(ومثل ما رواه) في الباب المذكور عن نهج البلاغة (قال) عليه‌السلام فيما كتب إلى قثم بن عباس واجلس لهم العصرين فأفت للمستفتي وعلّم الجاهل وذاكر العالم.

(ومثل ما رواه) في الوسائل في الباب المذكور مسنداً عن معاذ بن مسلم

٢٣٤

النحوي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال) بلغني انك تقعد في الجامع فتفتي الناس قلت نعم وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج اني أقعد في المسجد فيجيء الرّجل فيسألني عن الشيء فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون ويجيء الرّجل أعرفه بمودتكم وحبكم فأخبره بما جاء عنكم ويجيء الرّجل لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول جاء عن فلان كذا وجاء عن فلان كذا فأدخل قولكم فيما بين ذلك فقال لي اصنع كذا فإني كذا أصنع.

(قوله لا يقال إن مجرد إظهار الفتوى للغير لا يدلّ على جواز أخذه واتباعه فإنه يقال ان الملازمة العرفية بين جواز الإفتاء وجواز اتباعه واضحة وهذا غير وجوب إظهار الحق والواقع حيث لا ملازمة بينه وبين وجوب أخذه تعبداً ... إلخ)

وتوضيح المقام مما يقتضي ذكر أمور.

(الأول) انك قد عرفت في حجية خبر الواحد وقد أشيرها هنا أيضا أن المصنف قد نفي الملازمة في آية النفر بين وجوب الإنذار ووجوب الحذر مطلقاً ولو لم يحصل العلم من قول المنذر تعبداً كما انه قد نفي الملازمة في آية الكتمان أيضا بين حرمة الكتمان ووجوب القبول مطلقاً ولو لم يحصل العلم من قول المظهر تعبداً (واما في آية السؤال) فمضافاً إلى نفي الملازمة بين وجوب السؤال من أهل الذّكر ووجوب القبول مطلقاً قد ادعى تبعاً للشيخ ظهور الآية بقرينة قوله تعالى إن كنتم لا تعلمون في إيجاب السؤال لتحصيل العلم لا للعمل بالجواب تعبداً (وعرفت أيضاً) ان الشيخ أعلى الله مقامه قد نفي الإطلاق في آية النفر لوجوب الحذر ولو لم يحصل العلم من قول المنذر كما انه قد نفي الإطلاق في آية الكتمان أيضا لوجوب القبول وإن لم يحصل العلم من قول المظهر وأن المصنف قد اعترف بنفي الإطلاق في آية النفر وأشار إليه بقوله وعدم إطلاق يقتضي وجوبه على الإطلاق ... إلخ بل اعترف بنفي الإطلاق في آية الكتمان أيضا غير أنه قد ادعى أنه ما لم يمنع الملازمة لم

٢٣٥

يكن مجال لنفي الإطلاق ودعوى الإهمال كما لا يخفى.

(الثاني) انك قد عرفت آنفاً ان الأخبار الدالة على جواز التقليد هي على أقسام أربعة (ما دلّ) على وجوب اتباع قول العلماء (وما دلّ) على ان للعوام تقليد العلماء (وما دلّ) على جواز الإفتاء مفهوماً (وما دلّ) على جواز الإفتاء منطوقاً.

(الثالث) ان المستشكل في المقام ممن لا كلام له في القسم الأول والثاني من الاخبار الدالة على جواز التقليد من ناحية إطلاقهما.

(فان مثل قوله عليه‌السلام) واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا.

(أو قوله عليه‌السلام) من كان من الفقهاء صائنا لنفسه إلى قوله فللعوام ان يقلدوه إلى غير ذلك من الاخبار مما له إطلاق يشمل ما إذا حصل العلم من قول العالم أو لم يحصل.

(وإنما كلام المستشكل) هو في القسم الثالث والرابع من أقسام الاخبار الدالة على جواز التقليد.

(مثل قوله عليه‌السلام) من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب.

(أو قوله عليه‌السلام) اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك إلى غير ذلك من الاخبار المتقدمة وليس إشكاله إلا من ناحية الملازمة بين جواز الإفتاء وجواز اتباعه نظراً إلى أن أقصى ما دلّ عليه القسمان المذكوران هو جواز الإفتاء للناس وهذا مما لا يستلزم جواز اتباعه مطلقاً ولو لم يحصل العلم من قول المفتي تعبداً فكما ان المصنف قد أنكر الملازمة في آية النفر وآية الكتمان وآية السؤال فلينكرها في المقام أيضاً هذا محصل الإشكال.

(وقد أجاب عنه المصنف) بأن الملازمة العرفية بين جواز الإفتاء وجواز

٢٣٦

اتباعه يعني مطلقاً ولو لم يحصل العلم من قول المفتي واضحة وهذه غير الملازمة بين وجوب إظهار الحق يعني به في آية الكتمان أو إظهار الواقع يعني به في آيتي النفر والسؤال وبين وجوب أخذه تعبداً.

(أقول)

والظاهر ان وجه الملازمة العرفية بين جواز الإفتاء وجواز اتباعه مطلقاً وعدم الملازمة كذلك بين وجوب إظهار الحق والواقع ووجوب أخذهما مطلقاً ان الفتوى هي إخبار عن حدس ونظر وعن اجتهاد واستنباط وهذا مما لا يوجب العلم غالباً للعامي إلا نادراً فلو اختص حجية قول المفتي بما إذا حصل العلم منه كان الأمر بالإفتاء لغواً جداً وهذا بخلاف إظهار الحق والواقع فإنه إخبار عن حسّ وعيان وعن شهود ووجدان وهو في الأغلب مما يوجب العلم واليقين فلو اختص حجية قول المظهر للحق والواقع بما إذا حصل العلم منه لم يكن الأمر بإظهار الحق والواقع لغواً جداً فتأمل جيداً.

الكلام حول الاستدلال بدليل الانسداد

على جواز التقليد

(ثم إن هذا كله) تمام الكلام فيما ذكره المصنف من أدلة التقليد (وقد بقي منها) دليل واحد لم يذكره وهو دليل الانسداد المركب من مقدمات عديدة.

(وقد أشار إلى بعضها) صاحب الفصول (وإلى بعضها) المحقق القمي (وإلى أكثرها) الشيخ أعلى الله مقامه في رسالته المستقلة.

٢٣٧

(قال في الفصول) فصل لا ريب في جواز التقليد لغير المجتهد (إلى أن قال) للقطع ببقاء التكليف بالأحكام وانسداد طريق تحصيلها في حق غيره بغير طريق التقليد غالباً (انتهى).

(وقال المحقق القمي) ويدلّ عليه أيضا لزوم العسر والحرج الشديد بل اختلال نظام العالم إذ الاجتهاد ليس أمراً سهلا يحصل عند وقوع الواقعة بل يحتاج إلى صرف مدة العمر أو أغلبه فيه (انتهى).

(وقال الشيخ) في رسالته المستقلة (ما لفظه) وحكم العقل بأنه بعد بقاء التكليف وانسداد باب العلم وعدم وجوب الاحتياط للزوم العسر إذا دار الأمر بين العمل على الاجتهاد الناقص الّذي يتمكن منه العامي والعمل على التمام الّذي يتمكن منه المجتهد كان الثاني أرجح لكونه أقرب إلى الواقع (انتهى) وكأن كلام الشيخ أعلى الله مقامه بقرينة قوله إذا دار الأمر بين العمل على الاجتهاد الناقص ... إلخ مفروض في غير العامي البحت بل في العامي الّذي له حظ من العلم على نحو يتمكن من مراجعة كتب الأخبار كالوسائل ونحوه وإن لم يتمكن من علاج المعارضات ودفع الشبهات والجمع بين الروايات.

(وكيف كان) ملخص الكلام في تقرير دليل الانسداد هاهنا انه مركب من مقدمات.

(الأولى) القطع ببقاء التكليف والأحكام الشرعية.

(الثانية) انسداد باب العلم والعلمي بأغلبها لغير المجتهد.

(وقد أشار) إلى هاتين المقدمتين صاحب الفصول في كلامه المتقدم.

(الثالثة) ان فتح باب العلم أو العلمي بالتكاليف للعامي بتحصيل الاجتهاد واكتساب طريقة الاستنباط مستلزم للعسر والحرج الشديد بل مستلزم لاختلال النظام (وقد أشار) إلى هذه المقدمة المحقق القمي.

(الرابعة) ان الاحتياط في المسائل الشرعية بإتيان محتمل الوجوب وترك

٢٣٨

محتمل الحرمة مستلزم للعسر أيضا (وقد أشار) إلى هذه المقدمة الرابعة مع الأولى والثانية الشيخ أعلى الله مقامه في كلامه المتقدم فقهراً يتعين للعامي من بعد هذه المقدمات الأربع بتمامها العمل بفتوى المجتهد الجامع للشرائط لا تحصيل الاجتهاد ولا العمل بالاحتياط.

(أقول)

إن المقدمة الأولى بل والثانية أيضاً وان كانت هي مسلمة لا ريب فيها.

(ولكن المقدمة الثالثة) قابلة للمناقشة جداً فإن تحصيل الاجتهاد واكتساب طريقة الاستنباط ليس هو حرجياً على كل أحد فضلا من أن يكون مخلا بالنظام

(نعم) تحصيله عند وقوع الواقعة وان كان هو عسرياً بل لعله مستحيل لضيق الوقت واحتياج تحصيله إلى صرف مدة من العمر ولكن تحصيله للوقائع الآتية ليس عسرياً فلو كان الاعتماد في جواز التقليد على هذا الدليل فقط لم يجز لمن تمكن من تحصيل الاجتهاد للوقائع الآتية من غير عسر عليه ولا حرج أن يقلد الغير فيها مع أن المدعي هو جوازه مطلقاً حتى لمثل هذا الشخص.

(وأما المقدمة الرابعة) فكذلك هي قابلة للمناقشة أيضاً فإن الاحتياط التام في جميع المسائل الشرعية وإن كان عسرياً حرجياً ولكن مجرد الاحتياط ولو في بعض المسائل الشرعية ليس عسرياً حرجياً فلو كان الاعتماد في جواز التقليد على هذا الدليل فقط لم يجز التقليد إلا بعد الاحتياط في جملة من المسائل الشرعية بمقدار لو جاز عنه لزم العسر والحرج فعند ذلك كان يجوز التقليد في بقية المسائل لا مطلقاً ولو لم يحتط بعد في شيء منها أصلا مع أن المدعي هو جوازه مطلقاً ولو لم يحتط بعد في شيء منها أبداً.

٢٣٩

(قوله وأما قياس المسائل الفرعية على الأصول الاعتقادية في أنه كما لا يجوز التقليد فيها مع الغموض فيها كذلك لا يجوز فيها بالطريق الأولى لسهولتها فباطل ... إلخ)

إن وضوح بطلان قياس المسائل الفرعية على الأصول الاعتقادية في عدم جواز التقليد فيها هو بمثابة لا يرضى به حتى من أسّس القياس وبني بنيانه (فانه مضافاً) إلى بطلان القياس في حد ذاته وانه في المقام مع الفارق لما أشار إليه المصنف بقوله ضرورة ان الأصول الاعتقادية مسائل معدودة بخلافها ... إلخ (ان التقليد) في الأصول الاعتقادية كالتوحيد والنبوة ونحوهما هو مما لا يجوّزه العقل ما لم يحصل القطع واليقين من كلام المقلد بالفتح فيكفي حينئذ كما قواه الشيخ أعلى الله مقامه على ما تقدم تفصيله في بحث الظن في آخر الظن بالأمور الاعتقادية وهذا بخلاف المسائل الفرعية.

في وجوب تقليد الأعلم

(قوله فصل إذا علم المقلد اختلاف الأحياء في الفتوى مع اختلافهم في العلم والفقاهة فلا بدّ من الرجوع إلى الأفضل إذا احتمل تعينه للقطع بحجيته والشك في حجية غيره ... إلخ)

المقصود من عقد هذا الفصل هو التكلم حول وجوب تقليد الأعلم والكلام فيه يقع في مقامين.

(الأول) في المقلد العاجز عن الاجتهاد في مسألة تقليد الأعلم وغيرها وانه مع عجزه عن ذلك هل يتعين عليه التقليد من الأعلم أو يجوز له الرجوع إلى غير الأعلم أيضاً.

٢٤٠