عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٦

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٠٠

في بيان مقتضى القاعدة الأولية في الخبرين

المتعارضين على الطريقية دون السببية

(قوله فصل التعارض وإن كان لا يوجب إلّا سقوط أحد المتعارضين عن الحجية رأساً ... إلخ)

المقصود من عقد هذا الفصل هو بيان مقتضي القاعدة الأولية في الخبرين المتعارضين بناء على الطريقية ، (تارة) وبناء على السببية.

(أخرى) كل ذلك مع قطع النّظر عن الاخبار العلاجية التي سيأتي شرحها في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى.

(فنقول) (أما على السببية) فسيأتي الكلام في مقتضي القاعدة الأولية عليها قريباً فانتظر.

(وأما على الطريقية) فالخبران المتعارضان هما على قسمين.

(فتارة) متكافئان من حيث المزايا والمرجحات.

(وأخرى) متفاضلان.

(أما المتكافئان) فالمحصل من مجموع كلمات الشيخ أعلى الله مقامه التي لا تخلو عن اضطراب وتشويش في المقام انه قد يقال بل قيل إن مقتضي الأصل أي القاعدة الأولية فيهما هو التساقط رأساً وفرضهما كأن لم يكونا على نحو جاز الرجوع إلى الثالث (وقد اختار) هو أعلى الله مقامه التساقط في الجملة وعبر عنه

٢١

بالتوقف (قال) بمعنى ان شيئاً منهما ليس طريقاً في مؤداه بالخصوص ومقتضاه الرجوع إلى الأصول العملية ويعني بذلك الرجوع إلى الأصل العملي المطابق لأحدهما لا المخالف لكليهما لأنه طرح للأمارتين كما صرح به في بعض كلماته الشريفة.

(ثم ذكر) ما ملخصه ان هذا ما تقتضيه القاعدة الأوّلية إلا ان الأخبار المستفيضة بل المتواترة قد دلت على عدم التساقط أصلا لا رأساً بحيث جاز الرجوع إلى الثالث ولا في الجملة بحيث لم يكن شيء منهما حجة في مؤداه وحينئذ فهل يحكم بالتخيير أو العمل بما طابق منهما الاحتياط أو بالاحتياط ولو كان مخالفاً لهما كالجمع بين الظهر والجمعة مع تصادم أدلتهما وكذا بين القصر والإتمام وجوه المشهور وهو الّذي عليه جمهور المجتهدين الأول للاخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة عليه إلى آخر ما أفاد (هذا كله) في المتكافئين.

(وأما المتفاضلان) فالشيخ أعلى الله مقامه وإن لم يتصد ذكر مقتضي القاعدة الأوّلية فيهما كما تصدي في المتكافئين مفصلا ولكن يظهر من بعض كلماته الشريفة ان مقتضي القاعدة الأوّلية فيهما هو عين ما تقتضيه القاعدة الأوّلية في المتكافئين حرفاً بحرف (هذا كله) من أمر الشيخ أعلى الله مقامه.

(وأما المصنف) فقد اختار أيضاً بمقتضى إطلاق كلامه في المقام أن مقتضي القاعدة الأولية في مطلق الخبرين المتعارضين سواء كانا متكافئين أو متفاضلين هو التساقط في الجملة بمعنى عدم حجية شيء منهما في مؤداه بالخصوص وان كان مجموع الطرفين حجة في نفي الثالث.

(وتقريب التساقط في الجملة) على ما يظهر من مجموع كلام المصنف في المقام بمزيد توضيح منا ان تعارض الدليلين هو مما يوجب العلم الإجمالي بكذب أحدهما من أصله والعلم بالكذب مانع عن الاعتبار جداً وإن لم يكن نفس الكذب الواقعي مانعاً عنه بمعنى ان ما علم كذبه ليس بحجة وما لم يعلم كذبه حجة إذا كان واجداً لملاك الحجية وإن كان كاذباً واقعاً فإذا كان أحدهما معلوم الكذب وساقطاً

٢٢

عن الحجية رأساً لم يكن شيء منهما حجة في خصوص مؤداه لعدم التعين في الحجة كما لا يخفى.

(نعم) حيث ان الآخر باق على حجيته فينفي به الثالث ولا يجوز الخروج عن مؤدي المجموع بلا شبهة.

(قوله حيث لا يوجب إلّا العلم بكذب أحدهما ... إلخ)

هذا انما يتم إذا كان المتعارضان الظنيان قطعيين دلالة وجهة فعند ذلك يوجب التعارض العلم الإجمالي بكذب أحدهما من أصله وأما إذا كانا ظنيين دلالة وجهة أيضاً أو بحسب إحدى الجهتين فلا يكاد يوجب التعارض العلم الإجمالي بكذب أحدهما وذلك لجواز صدورهما جميعاً وإرادة خلاف الظاهر في أحدهما أو الصدور لا لبيان الواقع.

(نعم) حيث لا معنى في هذا الفرض كما تقدم للتعبد بصدور كليهما جميعاً إذ يقع الخلل حينئذ في دلالتهما أو في جهتهما ولا محصل للتعبد بصدور دليلين يعلم إجمالا بخلل في أحدهما إما في دلالته وإما في جهته فيقع التعارض قهراً بحسب السند ويحصل العلم الإجمالي بخروج أحدهما عن تحت دليل الاعتبار بلا شبهة.

(وبالجملة) إن الدليلين الظنيين بحسب السند إذا تعارضا فإن كانا قطعيين دلالة وجهة فيعلم إجمالا بكذب أحدهما من أصله وإلّا فيعلم إجمالا بعدم اندراج أحدهما تحت دليل الاعتبار بلا كلام فتأمل جيداً.

(قوله إلّا أنه حيث كان بلا تعيين ولا عنوان واقعاً فإنه لم يعلم كذبه إلا كذلك ... إلخ)

بمعنى أن أحدهما الّذي قد علم كذبه إجمالا ليس له واقع معين نحن لا نعلمه إثباتاً بل هو غير معين حتى واقعاً إذ لم يعلم كذبه إلا كذلك أي بلا تعيين ولا عنوان.

(وقد أشار إليه الشيخ) أيضاً في كلام له في المقام حيث قال لا بمعنى ان أحدهما المعين واقعاً طريق ولا نعلمه بعينه كما لو اشتبه خبر صحيح بين خبرين بل

٢٣

بمعنى أن شيئاً منهما ليس طريقاً في مؤداه بالخصوص ... إلخ.

(أقول)

بل الخبر المعلوم كذبه إجمالا من الخبرين المتعارضين مما له واقع معين ثبوتاً نحن لا نعرفه إثباتاً ومجرد تعلق العلم الإجمالي بكذب أحدهما بلا تعيين ولا عنوان مثل عنوان الخبر السابق صدوراً أو الخبر اللاحق صدوراً أو خبر زرارة بن لطيفة عند اشتباهه بخبر زرارة بن أعين ونحو ذلك من العناوين المخصوصة لا يكاد يخرجه عن التعين الثبوتي بل يكفي للتعين كذلك كذب أحدهما واقعاً وصدق الآخر لباً.

(وبالجملة) ان المعلوم بالإجمال (سواء كان في بدو الأمر) معلوماً بالتفصيل ثم طرأه الإجمال بعداً (كما إذا علم) ان هذا الإناء بعينه هو الّذي قد تنجس دون الآخر ثم اشتبه أحدهما بالآخر فانقلب العلم التفصيلي إلى الإجمالي.

(أو كان من الأول) معلوماً بالإجمال بعنوان مخصوص (كما إذا علم) ان الإناء المكشوف قد تنجس بوقوع قطرة فيه من الدم دون المغطي ولكن اشتبه المكشوف بالمغطّى من قبل العلم.

(أو كان من الأول) معلوماً بالإجمال بلا عنوان مخصوص (كما إذا علم) ان أحد الإناءين قد تنجس إجمالا بملاقاته النجاسة (هو مما له واقع معين) ثبوتاً في جميع هذه الصور كلها نحن لا نعرفه إثباتاً ولا نشخصه في الظاهر بل العلم المتعلق بذلك المعلوم أيضاً مما له واقع معين بتبع المعلوم بالإجمال نحن لا نعرف موطنه ولا نعلم مقرّه إثباتاً وقد تقدم شرحه في صدر قاعدة الاشتغال عند تقريب الوجه الثالث من وجوه وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي فراجع.

(ثم ان الظاهر) انه لا ثمرة عملية في كون المعلوم بالإجمال وهو الخبر المعلوم كذبه مما لا واقع له معين ثبوتاً كما أفاد المصنف أو مما له واقع معين ثبوتاً نحن لا نعلمه إثباتاً كما حققناه فإن مجرد الإجمال وعدم التعين في مقام الإثبات مما يكفي في سقوط المتعارضين ولو في الجملة بالمعنى المتقدم (وعليه) فثمرة النزاع بيننا وبين

٢٤

المصنف علمية لا عملية فتأمل جيداً.

(قوله واحتمال كون كل منهما كاذباً ... إلخ) الظاهر ان الواو هاهنا بمعنى مع أي فانه لم يعلم كذبه إلا كذلك مع احتمال كون كل منهما كاذباً واقعاً بمعنى ان أحد الخبرين المتعارضين معلوم الكذب والآخر محتمل الكذب وذلك لجواز كذب كل منهما ثبوتاً وعدم صدور شيء منهما واقعاً.

(ثم لا يخفى) انه على تقدير احتمال كذب الآخر ومطابقة الاحتمال مع الواقع لا يكاد يكون الخبر المعلوم كذبه مما له واقع معين ثبوتاً بعد فرض كون المجموع كاذباً غير صادق فإن المعلوم بالإجمال الّذي قد ادعينا أن له واقع معين ثبوتاً إنما يكون إذا علم بكذب أحدهما دون الآخر بأن علم أن أحدهما كاذب والآخر ليس بكاذب لا مع احتمال كذب الآخر ومطابقة الاحتمال مع الواقع ثبوتاً وهذا واضح ظاهر.

في بيان مقتضى القاعدة الأولية في الخبرين

المتعارضين على السببية دون الطريقية

(قوله هذا بناء على حجية الأمارات من باب الطريقية كما هو كذلك إلى آخره)

أي ان جميع ما تقدم إلى هنا من كون مقتضي القاعدة الأوّلية في الخبرين المتعارضين هو التساقط في الجملة بالمعنى المتقدم هو مبنيّ على القول بحجية الأمارات من باب الطريقية كما تقدم شرحها في بحث إمكان التعبد بالأمارات.

٢٥

(وأما بناء على حجية) الأمارات من باب السببية بمعنى كون قيام الأمارة سبباً لحدوث مصلحة أو مفسدة في المتعلق موجبة لجعل الحكم الشرعي على طبقها (فهل يكون مقتضي) القاعدة الأوّلية في الخبرين المتعارضين (هو التساقط) في الجملة كما على الطريقية عيناً (أو هو التزاحم) فنتخير بينهما عقلا إذا لم يكن أحدهما أهم أو محتمل الأهمية دون الآخر وإلا فيتعين الأهم أو محتمل الأهمية.

(فيه تفصيل من المصنف) (وحاصله) أنه إن قلنا بسببية الأمارات في خصوص ما لم يعلم كذبه من الخبرين المتعارضين بأن لا يكون ما علم كذبه سبباً لحدوث مصلحة أو مفسدة في المتعلق فحال الخبرين المتعارضين حينئذ من حيث مقتضي القاعدة الأوّلية بناء على السببية هو كحالهما بناء على الطريقية عيناً.

(واما إذا قلنا بالسببية مطلقاً) ولو فيما علم كذبه فالمتعارضان حينئذ هما من تزاحم الواجبين إذا كانا مؤديين إلى وجوب الضدين أو وجوب المتناقضين كوجوب شيء ووجوب تركه فنتخير بينهما عقلا لو لم يكن أحدهما معلوم الأهمية أو محتمل الأهمية وإلا فيتعين الأهم أو محتمل الأهمية (هذا كله) من أمر المصنف.

(واما الشيخ) أعلى الله مقامه فيظهر منه كون المتعارضين بناء على السببية من تزاحم الواجبين مطلقاً من غير تفصيل فيهما أصلا (قال) فيما أفاده في المقام (ما لفظه) هذا كله على تقدير أن يكون العمل بالخبر من باب السببية بأن يكون قيام الخبر على وجوب فعل واقعاً سبباً شرعاً لوجوبه ظاهراً على المكلف فيصير المتعارضان من قبيل السببين المتزاحمين فيلغى أحدهما مع وجود وصف السببية فيه لإعمال الآخر كما في كل واجبين متزاحمين أما لو جعلناها من باب الطريقية كما هو ظاهر أدلة حجية الأخبار بل غيرها من الأمارات بمعنى ان الشارع لاحظ الواقع وأمر بالتوصل إليه من هذا الطريق لغلبة إيصالها إلى الواقع فالمتعارضان لا يصيران من قبيل الواجبين المتزاحمين للعلم بعدم إرادة الشارع سلوك الطريقين معاً لأن أحدهما مخالف للواقع قطعاً (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

٢٦

(أقول)

والحق في المقام هو التفصيل الّذي فصله المصنف فإن مجرد القول بالسببية مما لا يوجب صيرورة المتعارضين من باب تزاحم الواجبين فيما إذا أديتا إلى وجوب الضدين أو المتناقضين ما لم يلتزم القائل بالسببية بسببية الأمارات لحدوث المصلحة أو المفسدة في الفعل مطلقاً حتى في الأمارة المعلومة كذبها إجمالا وإلّا فيكون حال القول بالسببية كحال القول بالطريقية عيناً من حيث كون مقتضي القاعدة الأولية بناء عليه هو التساقط دون التزاحم فتأمل جيداً.

(قوله حيث لا يكاد يكون حجة طريقاً الا ما احتمل إصابته فلا محالة كان العلم بكذب أحدهما مانعاً عن حجيته ... إلخ)

علة لكون التساقط في الجملة بالمعنى المتقدم في الخبرين المتعارضين مبنياً على حجية الأمارات من باب الطريقية (وحاصل العلة) انه لا يكاد يكون شيء حجة من باب الطريقية والوصول إلى الواقع إلا ما احتمل إصابته ومطابقته للواقع لا ما علم كذبه وعدم مطابقته له (وعليه) فما علم كذبه من المتعارضين لا يكاد يكون حجة قطعاً ويكون الآخر باقياً على الحجية بلا مانع عنها وحيث لا تعيين في الحجة فلا يكون شيء منهما حجة في خصوص مؤداه أصلا وان كان الثالث مما ينفي بهما بلا شبهة بعد فرض بقاء أحدهما على الحجية وهذا هو التساقط في الجملة كما تقدم في قبال التساقط بتمام المعنى وجواز الرجوع حتى إلى الثالث.

(قوله ونحوها ... إلخ)

أي ونحو التقية من حكمة مقتضية لإظهار خلاف الواقع.

(قوله وظهوره فيه لو كان هو الآيات والأخبار ... إلخ)

أي وظهور دليل اعتبار السند في خصوص ما لم يعلم كذبه لو كان دليل اعتباره هو الآيات والأخبار لا بناء العقلاء كي يكون دليلا لبياً لا ظهور له فيه سوى كون المتيقن منه ذلك.

٢٧

(قوله لكان التعارض بينهما من تزاحم الواجبين فيما إذا كانا مؤديين إلى وجوب الضدين أو لزوم المتناقضين ... إلخ)

كما أنهما إذا أديا إلى حرمة ضدين لا ثالث لهما أو حرمة المتناقضين فيكون المتعارضان من تزاحم المحرمين وإذا أدى أحدهما إلى وجوب شيء والآخر إلى حرمته فيكون المجمع من باب التزاحم كالمجمع في باب الاجتماع بعينه غير ان المجمع هاهنا قد اجتمع فيه الأمر والنهي بعنوان واحد وهناك بعنوانين بينهما عموم من وجه (ومن هنا) يظهر انه كان الأولى أن يقول لكان التعارض بينهما من تزاحم الدليلين ليشمل هذه الصور كلها لا من تزاحم الواجبين ليختص بالصورتين المذكورتين في المتن فقط كما لا يخفى.

(قوله لا فيما إذا كان مؤدى أحدهما حكماً غير إلزامي ... إلخ)

كان الأولى ان يقول لا فيما إذا كان مؤدي أحدهما حكماً غير اقتضائي كالإباحة إلى آخره فإن مجرد كون المؤدي في أحدهما حكماً غير إلزامي مما لا يوجب نفي التزاحم بينهما ضرورة ان الاستحباب وهكذا الكراهة أيضا حكم غير إلزامي ومع ذلك مما يصلح للتزاحم مع الوجوب أو الحرمة لما فيه من اقتضاء الفعل أو الترك غايته انه مزاحم مغلوب للوجوب أو الحرمة لأقوائية المقابل مناطاً نظراً إلى كونه إلزامياً بخلاف الاستحباب أو الكراهة.

(قوله إلّا أن يقال بأن قضية اعتبار دليل الغير الإلزاميّ أن يكون عن اقتضاء فيزاحم به حينئذ ما يقتضى الإلزاميّ ... إلخ)

استدراك عما أفاده بقوله لا فيما إذا كان مؤدي أحدهما حكماً غير إلزامي ... إلخ (ووجه الاستدراك) ان من الجائز أن يقال إن قضية اعتبار دليل الغير الإلزاميّ حتى في مثل الإباحة أن يكون هو عن اقتضاء عدم الإلزام فيزاحم به حينئذ ما يقتضي الحكم الإلزاميّ.

٢٨

(قوله ويحكم فعلا بغير الإلزاميّ ولا يزاحم بمقتضاه ما يقتضى الغير الإلزاميّ لكفاية عدم تمامية علة الإلزاميّ في الحكم بغيره ... إلخ)

هذا من متممات ما استدركه بقوله إلا ان يقال ... إلخ فإنا لو قلنا ان الحكم الغير الإلزاميّ أيضاً يكون عن اقتضاء عدم الإلزام ويزاحم به الإلزاميّ فقهراً يحكم فعلا بغير الإلزاميّ لكفاية عدم تمامية علة الإلزاميّ في الحكم بغير الإلزاميّ.

(قوله نعم يكون باب التعارض من باب التزاحم مطلقاً لو كان قضية الاعتبار هو لزوم البناء والالتزام بما يؤدى إليه من الأحكام ... إلخ)

استدراك عما حكم به من كون التعارض بينهما من تزاحم الواجبين فيما إذا كانا مؤديين إلى وجوب الضدين أو لزوم المتناقضين لا فيما إذا كان مؤدي أحدهما حكماً غير إلزاميّ ... إلخ أي نعم يكون باب التعارض من باب التزاحم مطلقاً حتى فيما إذا كان مؤدي أحدهما حكماً غير إلزامي إذا قلنا بوجوب الموافقة الالتزامية كالموافقة العملية عيناً ضرورة عدم إمكان الالتزام بحكمين في موضوع واحد كما إذا قال أحدهما يجب الأمر الفلاني وقال الآخر مباح هو ولا يجب شرعاً.

(قوله ضرورة عدم إمكان الالتزام بحكمين في موضوع واحد ... إلخ)

ولا بحكم واحد في موضوعين متضادين أو متناقضين بل ولا الالتزام في الجملة بحكمين متضادين في ضدين أو متناقضين كالالتزام بوجوب شيء واستحباب ضده أو نقيضه أو بحرمة شيء وكراهة ضده أو نقيضه إلى غير ذلك من الصور وإن أمكن الالتزام بوجوب شيء وحرمة ضده أو نقيضه أو بحرمة شيء ووجوب ضده أو نقيضه.

(قوله إلا انه لا دليل نقلا ولا عقلا على الموافقة الالتزامية للأحكام الواقعية فضلا عن الظاهرية كما مرّ تحقيقه ... إلخ)

بل قد مرّ منا في بحث القطع في الأمر الخامس ما هو خلاف ذلك أي وجوب الالتزام بالأحكام الشرعية الإلهية التي جاء بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع

٢٩

قطع النّظر عن موافقتها عملا على نحو لا يكاد يكون المؤمن مؤمناً إذا لم يلتزم بحكم واحد من الأحكام الإلهية بعد حصول العلم له واليقين به فضلا عما إذا لم يلتزم بشيء منها (والظاهر) انه لا فرق في الحكم الشرعي الإلهي بين كونه واقعياً أو ظاهرياً في وجوب الالتزام به والانقياد والتسليم له بعد العلم واليقين به وانه حكم مجعول من قبل الشارع.

(قوله وحكم التعارض بناء على السببية فيما كان من باب التزاحم هو التخيير لو لم يكن أحدهما معلوم الأهمية أو محتملها ... إلخ)

فإذا قام أحدهما على وجوب شيء وقام الآخر على وجوب ضده أو نقيضه وعلمنا أو احتملنا أهمية أحدهما المعين تعين الإتيان به دون الآخر.

(بل قد عرفت من المصنف) في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة الترجيح بكل من الأهمية المعلومة والمحتملة مطلقاً سواء كان منشأ الدوران هو تعارض الخبرين أم لا.

(قوله في الجملة ... إلخ)

الظاهر أن قوله في الجملة راجع إلى كل من معلوم الأهمية ومحتمل الأهمية (ومقصوده) ان الأهمية المعلومة أو المحتملة في أحدهما المعين يجب أن تكون بمقدار لا يجوز الإخلال بها لا بمقدار يسير لا يوجب استقلال العقل بالترجيح به وقد صرح بذلك في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة تصريحاً (فقال) ولكن الترجيح انما يكون لشدة الطلب في أحدهما وزيادته على الطلب في الآخر بما لا يجوز الإخلال بها في صورة المزاحمة ووجب الترجيح بها وكذا وجب ترجيح احتمال ذي المزية في صورة الدوران (انتهى).

(قوله حسبما فصلناه في مسألة الضد ... إلخ)

لم يفصّل هو شيئاً في مسألة الضد أصلا بل لم يتعرض حال الترجيح بمعلوم الأهمية أو محتملها أبداً لا بنحو التفصيل ولا بنحو الإجمال وإنما أشار إليه في دوران الأمر

٣٠

بين الوجوب والحرمة كما أشير آنفاً فلا تشتبه.

(قوله وفيما لم يكن من باب التزاحم هو لزوم الأخذ بما دل على الحكم الإلزاميّ ... إلخ)

قد أشار بقوله هذا إلى ما تقدم من قوله لا فيما إذا كان مؤدي أحدهما حكماً غير إلزامي فإنه حينئذ لا يزاحم الآخر ... إلخ (وحاصله) ان فيما إذا كان مؤدي أحدهما حكماً غير إلزامي ولم يكن من باب التزاحم يجب الأخذ بما دل على الحكم الإلزاميّ.

(قوله لو لم يكن في الآخر مقتضياً لغير الإلزاميّ وإلّا فلا بأس بأخذه والعمل عليه لما أشرنا إليه من وجهه آنفاً ... إلخ)

قد أشار بذلك إلى قوله المتقدم إلا أن يقال بأن قضية اعتبار دليل الغير الإلزاميّ أن يكون عن اقتضاء ... إلخ (وحاصله) أنه لو قلنا إن الحكم الغير الإلزاميّ أيضاً يكون عن اقتضاء عدم الإلزام فيزاحم به حينئذ ما يقتضي الإلزاميّ فلا بأس بالأخذ به أي بغير الإلزاميّ والعمل عليه لما أشرنا إليه من كفاية عدم تمامية علة الإلزاميّ في الحكم بغير الإلزاميّ.

(قوله فافهم ... إلخ) ولعله إشارة إلى ان الحكم الغير الإلزاميّ إما يكون هو عن ضعف في الاقتضاء كما في الاستحباب والكراهة أو عن عدم الاقتضاء من أصله كما في الإباحة الشرعية (وعليه) فلا يمكن الأخذ بغير الإلزاميّ في قبال الإلزاميّ.

(قوله هذا هو قضية القاعدة في تعارض الأمارات لا الجمع بينها بالتصرف في أحد المتعارضين أو في كليهما ... إلخ)

أي إن التساقط في الجملة على التفصيل المتقدم لك شرحه هو مقتضي القاعدة الأوّلية في تعارض الأمارات (لا الجمع بينها بالتصرف) في أحد المتعارضين يعني به أحدهما الغير المعين.

٣١

(وهو إشارة إلى القسم الثاني) من أقسام الجمع بين الدليلين المتنافيين التي قد أشرنا إليها في أوائل الفصل الأول ولم يؤشر إليه المصنف هناك (ولا الجمع بينها بالتصرف) في كلا المتعارضين جميعاً.

(وهو إشارة إلى القسم الأول) من أقسام الجمع بين الدليلين المتنافيين وقد أشار إليه المصنف هناك بقوله أو بالتصرف فيهما فيكون مجموعهما قرينة على التصرف فيهما ... إلخ كما أنه قد أشار إلى القسم الثالث من الجمع بين الدليلين المتنافيين وهو الجمع العرفي المقبول الّذي به يرتفع التعارض من البين بقوله أو في أحدهما المعين فراجع.

الكلام حول القضية المشهورة وهي الجمع

مهما أمكن أولى من الطرح

(قوله كما هو قضية ما يتراءى مما قيل من ان الجمع مهما أمكن أولى من الطرح ... إلخ) (وقد استدل) على العمل بهذه القضية المشهورة بأمرين.

(أحدهما) ما حكاه الشيخ أعلى الله مقامه قبل الشروع في بيان حكم المتكافئين والمتفاضلين من ان الأصل في الدليلين الإعمال فيجب الجمع بينهما مهما أمكن.

(ثانيهما) ما حكاه الشيخ والمحقق القمي جميعاً.

(قال في القوانين) وقد استدل بعضهم في تقديم الجمع بين الدليلين بأن دلالة اللفظ على جزء مفهومه دلالة تابعة للدلالة على كل مفهومه ودلالته على كل

٣٢

مفهومه أصلية فإذا عملنا بكل واحد منهما من وجه دون آخر فقد تركنا العمل بالدلالة التابعة وإذا عملنا بأحدهما وتركنا العمل بالآخر بالكلية تركنا العمل بالدلالة الأصلية ولا شك في ان الأول أولى.

(ثم قال) واعترضه العلامة في النهاية على ما نقل عنه بأن العمل بكل واحد منهما من وجه عمل بالدلالة التابعة من الدليلين معاً والعمل بأحدهما دون الآخر عمل بالدلالة الأصلية والتابعة في أحد الدليلين وإبط لهما في الآخر ولا شك في أولوية العمل بالأصل وتابع على العمل بالتابعين وإبطال الأصلين (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

اما كون الأصل في الدليلين الإعمال فهو مسلم بمقتضى عموم أدلة اعتبار الدليلين ولكن إعمالهما سنداً والجمع بين ظاهريهما اقتراحاً بما لا يساعد عليه فهم العرف من دون أن يكون أحدهما نصاً أو أظهر ليكون قرينة عرفية على المراد من الآخر مما لا دليل عليه لا عقلا ولا شرعاً.

(واما) أولوية ترك العمل بالدلالة التابعة من ترك العمل بالدلالة الأصلية فهي أمر استحساني نظير ما ذكروه في تعارض الأحوال من الأمور الواهية التي لا يمكن الركون إليها والاعتماد عليها في مقام العمل والفتوى بالحكم الشرعي ما لم يورث أقوائية في الظهور بحسب المتفاهم العرفي وهكذا الحال فيما اعترضه العلامة أعلى الله مقامه فإنه أيضاً أمر استحساني لا يعتمد عليه ولا يركن إليه (والأقوى) من الكل في إبطال العمل بظاهر القضية المشهورة هو أن يقال إن العمل بظاهرها مما يوجب سدّ باب التعارض وترك العمل بالأخبار العلاجية الآمرة بعضها بالترجيح وبعضها بالتخيير رأساً الا فيما لم يمكن الجمع بينهما بوجه من الوجوه أصلا كما في النصين المتعارضين وهو شاذ نادر جداً.

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه ولا يخفى ان العمل بهذه القضية على ظاهرها

٣٣

يوجب سد باب الترجيح والهرج في الفقه كما لا يخفى ولا دليل عليه بل الدليل على خلافه من الإجماع والنص (انتهى) ويعني بالنص الأخبار العلاجية الواردة في جواب السؤال عن حكم الخبرين المتعارضين الآمرة بعضها بالترجيح والرجوع إلى المرجحات الخاصة وبعضها بالتخيير على التفصيل الآتي إن شاء الله تعالى (وقد أفاد) أعلى الله مقامه في بيان الإجماع (ما لفظه) فإن علماء الإسلام من زمن الصحابة إلى يومنا هذا لم يزالوا يستعملون المرجحات في الأخبار المتعارضة بظواهرها (ثم ساق الكلام) إلى أن شرع في التحقيق الّذي عليه أهله فقسم الجمع بين الخبرين المتنافيين بظاهرهما إلى الأقسام الثلاثة التي قد ذكرناها في أوائل الفصل السابق من المتوقف على التصرف في كليهما جميعاً والمتوقف على التصرف في أحدهما الغير المعين والمتوقف على التصرف في أحدهما المعين وجعل الجمع العرفي المقبول خصوص القسم الأخير منها على طبق ما شرحناه لك مفصلا فراجع تمام كلامه زيد في علو مقامه.

(قوله إذ لا دليل عليه ... إلخ)

سوى الأمرين المذكورين آنفاً وقد عرفت فسادهما جميعاً بل قد عرفت الدليل على عدم جواز العمل به من جهة لزوم سد باب التعارض وترك العمل بالأخبار العلاجية الآمرة بعضها بالترجيح وبعضها بالتخيير رأساً إلا نادراً وقد عبر عنه الشيخ أعلى الله مقامه بسدّ باب الترجيح والهرج في الفقه كما تقدم آنفاً.

(قوله فيما لا يساعد عليه العرف مما كان المجموع أو أحدهما قرينة عرفية على التصرف في أحدهما بعينه أو فيهما ... إلخ)

فإذا ساعد عليه العرف بحيث كان المجموع قرينة على التصرف في كليهما جميعاً أو كان أحدهما المعين قرينة على التصرف في الآخر دخل ذلك في الظاهر والأظهر وكان هو من الجمع العرفي المقبول (وقد أشرنا) في أوائل الفصل السابق بعد ذكر الأقسام الثلاثة للجمع بين الدليلين المتنافيين.

٣٤

(ان القسم الأول) من الجمع وهو المتوقف على التصرف في كليهما جميعاً كما في ثمن العذرة سحت ولا بأس ببيع العذرة إذا فرض أن كلا منهما أظهر من صاحبه في صنف خاص من الطبيعة اندرج الدليلان حينئذ في الظاهر والأظهر وكان الجمع بينهما من الجمع العرفي المقبول بل.

(وهكذا القسم الثاني) أيضاً من الجمع وهو المتوقف على التصرف في أحدهما الغير المعين كما في العامين من وجه فإذا فرض ان أحد العامين هو أظهر من صاحبه عرفاً في شموله لمادة الاجتماع اندرج الدليلان أيضاً في الظاهر والأظهر وكان الجمع بينهما من الجمع العرفي المقبول فتذكر.

(قوله كما عرفته في الصور السابقة ... إلخ)

حيث أشار إلى الأول أي ما كان المجموع قرينة عرفية على التصرف فيهما بقوله المتقدم في صدر الفصل السابق أو بالتصرف في كليهما فيكون مجموعهما قرينة على التصرف فيهما ... إلخ وأشار إلى الثاني أي ما كان أحدهما قرينة عرفية على التصرف في أحدهما بعينه بقوله المتقدم هناك أو في أحدهما المعين ... إلخ.

(قوله مع ان في الجمع كذلك أيضاً طرحاً للأمارة أو الأمارتين ... إلخ)

أي مع ان في الجمع بين الأمارات بالتصرف في أحد المتعارضين أو في كليهما جميعاً فيما لا يساعد عليه العرف مما كان المجموع أو أحدهما قرينة عرفية على التصرف في أحدهما بعينه أو فيهما أيضاً طرحاً للأمارة أو الأمارتين ففي الأول طرح لأمارة واحدة وهي ظهور الدليل المتصرف فيه وفي الثاني طرح لأمارتين وهما ظهورا الدليلين المتعارضين.

(قوله وقد عرفت ان التعارض بين الظهورين فيما كان سنداهما قطعيين وفي السندين إذا كانا ظنيين وقد عرفت ان قضية التعارض إنما هو سقوط المتعارضين ... إلخ)

(إن قوله) وقد عرفت ان التعارض بين الظهورين فيما كان سنداهما قطعيين وفي

٣٥

السندين إذا كانا ظنيين (هو بمنزلة الصغرى) لقوله وقد عرفت ان قضية التعارض انما هو سقوط المتعارضين ... إلخ أي وقد عرفت في آخر الفصل السابق ان التعارض في المتعارضين يكون بين الظهورين إذا كان سنداهما قطعيين ويكون بين السندين إذا كان السندان ظنيين كما انك قد عرفت في أول هذا الفصل أن مقتضي القاعدة الأوّلية في المتعارضين هو سقوطهما جميعاً ولو في الجملة بمعنى عدم حجية شيء منهما في خصوص مؤداه وان كان الثالث مما ينفي بمجموعهما لا بقاء الظهورين على الحجية بما يتصرف فيهما أو في أحدهما أو بقاء السندين على الحجية كذلك أي بما يتصرف فيهما أو في أحدهما بلا دليل يساعد عليه من عقل أو نقل.

(أقول)

نعم قد تقدم في آخر الفصل السابق أن التعارض يكون بحسب السند إذا كان السندان ظنيين سواء كان كل واحد من الدلالة والجهة قطعياً أو ظنياً ولكن لم يتقدم ان التعارض يكون بين الظهورين إذا كان السندان قطعيين وان تقدم ذلك منا في ذيل التعليق على كلام المصنف وانما يكون التعارض بحسب السند ... إلخ فقلنا واما في الدليلين القطعيين بحسب السند كآيتين أو روايتين متواترتين إذا تنافيا فالتعارض لا محالة يكون بحسب الدلالة والجهة ... إلخ فتذكر.

(قوله فلا يبعد ان يكون المراد من إمكان الجمع هو إمكانه عرفاً ... إلخ)

تفريع على مجموع ما تقدم في المقام من أن التعارض يكون بين الظهورين فيما كان سنداهما قطعيين وفي السندين إذا كانا ظنيين وان مقتضي القاعدة الأولية في المتعارضين هو سقوطهما جميعاً بالمعنى المتقدم لا الجمع بينهما اقتراحاً بالتصرف في كليهما أو في أحدهما بلا دليل يساعد عليه من عقل أو نقل (أي فعلي هذا كله) لا يبعد ان يكون المراد من إمكان الجمع في القضية المشهورة أي الجمع مهما أمكن أولى من الطرح هو إمكانه عرفاً بحيث كان في البين ظاهر وأظهر وكان ذلك قرينة عرفية على التصرف في كليهما أو في أحدهما المعين لا مطلقاً أي ولو أمكن

٣٦

عقلا في قبال ما لا يمكن الجمع بينهما بوجه من الوجوه أصلا كما في النصين المتعارضين

(أقول)

ويظهر هذا التوجيه من الشيخ أيضاً فإنه أعلى الله مقامه بعد أن نقل عن ابن أبي جمهور الأحسائي في غوالي اللئالي كلاماً في وجوب العمل بالدليلين مهما أمكن مشعراً بتقدمه على الترجيح والتخيير المستفادين من المقبولة الآتية وأن العلاج بهما مما ينحصر بما إذا لم يمكن الجمع بينهما أصلا (قال ما لفظه) وأما ما تقدم من غوالي اللئالي فليس نصاً بل ولا ظاهراً في دعوى تقديم الجمع بهذا النحو على الترجيح والتخيير فإن الظاهر من الإمكان في قوله وإن أمكنك التوفيق بينهما هو الإمكان العرفي في مقابل الامتناع العرفي بحكم أهل اللسان فإن حمل اللفظ على خلاف ظاهره بلا قرينة غير ممكن عند أهل اللسان بخلاف حمل العام والمطلق على الخاصّ والمقيد (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(قوله ولا ينافيه الحكم بأنه أولى ... إلخ)

إشارة إلى ما قد يقال من أن المراد من الإمكان في قولهم الجمع مهما أمكن أولى من الطرح لو كان هو الإمكان العرفي لكان الجمع حينئذ لازماً متعيناً لا انه أولى من الطرح (فيجيب عنه المصنف) بأن الأولية مما لا تنافي التعين كما في قوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله (وعليه) فلا إشكال ولا كلام

٣٧

في بيان مقتضى القاعدة الثانوية في الخبرين

المتعارضين

(قوله فصل لا يخفى ان ما ذكر من قضية التعارض بين الأمارات انما هو بملاحظة القاعدة في تعارضها ... إلخ)

(وحاصله) ان ما تقدم في الفصل السابق من ان قضية التعارض بين الخبرين المتنافيين هو التساقط في الجملة انما هو بملاحظة القاعدة الأوّلية وإلّا فالإجماع والأخبار العلاجية قائمان على عدم سقوط الخبرين المتعارضين بلا شبهة بل لا بد فيهما من العمل بأحدهما لا محالة إما تعييناً أو تخييراً.

(وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى كل من الإجماع والاخبار مختصراً (فقال) فيما أفاده في المقام الأول من مقامات التراجيح (ما لفظه) هذا والتحقيق انا إن قلنا بأن العمل بأحد المتعارضين في الجملة مستفاد من حكم الشارع به بدليل الإجماع والأخبار العلاجية كان اللازم الالتزام بالراجح وطرح المرجوح (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(قوله ولا يخفى ان اللازم فيما إذا لم تنهض حجة على التعيين أو التخيير بينهما هو الاقتصار على الراجح منهما ... إلخ)

شروع في بيان مقتضي القاعدة الثانوية في الخبرين المتعارضين (وحاصله) انه بعد ما قام الإجماع والاخبار العلاجية على عدم سقوط الخبرين المتعارضين بلا كلام وانه لا بد فيهما من العمل بأحدهما لا محالة إما تعييناً أو تخييراً إذا فرض انه لم تنهض

٣٨

حجة على التعيين أو التخيير بمعنى انه عجزنا عن الجمع بين الأخبار العلاجية ولم نستفد منها وجوب الترجيح في الخبرين المتعارضين بتقييد إطلاقات التخيير بأخبار الترجيح أو التخيير بينهما بحمل اخبار الترجيح على الاستحباب أو غيره وإن استفدنا من مجموعهما عدم سقوط المتعارضين على الإجمال (فالأصل) هل هو يقتضي وجوب الأخذ بالراجح والعمل على طبقه أو يقتضي جواز العمل بالمرجوح وطرح الراجح.

(فيقول المصنف) ما حاصله ان مقتضي القاعدة الثانوية هو وجوب العمل على طبق الراجح لا جواز العمل على طبق المرجوح.

(وقد صرح الشيخ) أعلى الله مقامه بالأصل الثانوي بهذا النحو بعينه فيما أفاده في المقام الأول من مقامات التراجيح (قال ما لفظه) هذا وقد عرفت فيما تقدم انا لا نقول بأصالة التخيير في تعارض الأخبار بل ولا غيرها من الأدلة بناء على ان الظاهر من أدلتها وأدلة حكم تعارضها كونها من باب الطريقية ولازمه التوقف والرجوع إلى الأصل المطابق لأحدهما أو أحدهما المطابق للأصل إلا ان الدليل الشرعي دل على وجوب العمل بأحد المتعارضين في الجملة وحيث كان ذلك بحكم الشرع فالمتيقن من التخيير هو صورة تكافؤ الخبرين اما مع مزية أحدهما على الآخر من بعض الجهات فالمتيقن هو جواز العمل بالراجح وأما العمل بالمرجوح فلم يثبت فلا يجوز الالتزام به فصار الأصل وجوب العمل بالمرجح وهو أصل ثانوي بل الأصل فيما يحتمل كونه مرجحاً الترجيح به (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(قوله للقطع بحجيته تفسيراً أو تعييناً بخلاف الآخر لعدم القطع بحجيته والأصل عدم حجية ما لم يقطع بحجيته ... إلخ)

إشارة إلى مدرك الأصل الثانوي في الخبرين المتعارضين (وحاصله) انه بعد ما ثبت بالإجماع والاخبار العلاجية عدم سقوط الخبرين المتعارضين بلا شبهة ووجوب

٣٩

العمل بأحدهما لا محالة إما تعييناً أو تخييراً فالمدرك في كون الأصل عند عدم نهوض حجة على التعيين أو التخيير هو وجوب العمل على طبق الراجح دون المرجوح ما هو فنقول إنه ليس إلا دوران الأمر بين التعيين والتخيير فيجب الاحتياط بالاقتصار على المتيقن دون المشكوك وذلك للقطع بحجية الراجح إما تعييناً أو تخييراً والشك في حجية المرجوح ولو تخييراً والأصل عدم حجية ما شك في حجيته (وقد تقدم) منا في آخر البراءة تفصيل أقسام الدوران بين التعيين والتخيير مشروحاً (وانه قد يدور الأمر) بين التعيين الشرعي والتخيير العقلي (وقد يدور الأمر) بين التعيين والتخيير الشرعيين (وقد يدور الأمر) بين التعيين والتخيير العقلين وانه في الكل يجب الاحتياط والاقتصار على المتيقن ويجري الأصل عن الوجوب التخييري في المشكوك والمقام من قبيل الثاني أي الدوران بين التعيين والتخيير الشرعيين إذ المفروض انا نعلم بالإجماع والاخبار العلاجية وجوب العمل شرعاً بأحد الخبرين المتعارضين لا محالة ولكن لم نعلم انه هل يجب العمل بالراجح تعييناً أو يجب العمل بكل من الراجح والمرجوح تخييراً فيكون هو من قبيل ما إذا علم إجمالا انه إما يجب العتق تعييناً أو يجب كل من العتق وصوم ستين يوماً تخييراً فيحتاط بإتيان العتق خارجاً تفريغاً للذمة عما اشتغلت به من التكليف يقيناً ولا يجتزئ بصوم ستين يوماً أبداً للشك في حصول الفراغ به كما لا يخفى.

(أقول)

بل يمكن دعوى ان مدرك كون الأصل الثانوي في الخبرين المتعارضين وجوب العمل بالراجح منهما دون المرجوح (مضافاً) إلى كون المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير وقد أثبتنا فيه وجوب الاحتياط والاقتصار على المتيقن دون المشكوك (هو حكم العقل) بوجوب العمل بأقوى الدليلين دون الآخر مع قطع النّظر عما ادّعى من الإجماع على هذه القاعدة في كلام جماعة كما ستأتي الإشارة إليها في بحث التعدي وعدم التعدي عن المرجحات المنصوصة وفي

٤٠