عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٦

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٠٠

وذلك لحكومة الدليل على الأصل ففي المقام لا مورد للأصل العملي الا بعد تساقط الخبرين المتعارضين جميعاً والاخبار العلاجية قد دلت على عدم تساقطهما فلا يبقى معه مجال للأصل أصلا.

(ووجه الإشكال في نظر المصنف) كما صرح به في الكتاب ان الأصل بناء على اعتباره تعبداً من باب الاخبار وكونه أصلا عملياً محضاً لا طريقاً إلى الواقع هو مما لا يتقوى به مضمون الخبر الموافق له كي يرجح به الموافق على المخالف فإن الخبر مما يؤدي الحكم الواقعي والأصل مما يؤدي الحكم الظاهري وليس بين الحكمين سنخية كي يعتضد بعضهما ببعض وهذا واضح ظاهر.

(أقول)

إن كلا من وجهي الإشكال في الترجيح بالأصل العملي هو صحيح تام في محله بل وجه الشيخ مما يبطل الترجيح بالاستصحاب حتى على القول بكونه أمارة ظنية كما اخترناه وقويناه وذلك لحكومة الدليل الاجتهادي أو وروده عليه على الخلاف المتقدم في أواخر الاستصحاب مفصلا فإذا دلت الاخبار العلاجية بل الإجماع القطعي على عدم سقوط الخبرين المتعارضين بمجرد تعارضهما فلا يكاد يبقى معه مجال للاستصحاب أصلا كي يرجح به الخبر الموافق له على المخالف له كما لم يبق معه مجال للبراءة والاحتياط أيضا.

في الاجتهاد وبيان معناه لغة واصطلاحاً

(قوله فصل الاجتهاد لغة تحمل المشقة ... إلخ)

الاجتهاد من الجهد وهو في اللغة لمعان كثيرة (جهد) في الأمر جدّ وتعب (جهده)

١٦١

المرض هزله (أجهد) الطعام اشتهاه (وأجهد) الدّابّة حملها فوق طاقتها (أجهد) المال فرّقه وأفناه إلى غير ذلك من المعاني (واجتهد) في الأمر جدّ وبذل وسعه وتحمل المشقة.

(قوله واصطلاحاً كما عن الحاجبي والعلامة استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي ... إلخ)

يظهر من البهائي رحمه‌الله في الزبدة أنه عرّفه الحاجبي باستفراغ الفقيه الوسع في تحصيل الظن بحكم شرعي وانه وافقه العلامة في التهذيب ويظهر منه أيضا انه عرّفه العلامة في النهاية باستفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية بحيث ينتفي اللوم عليه بسبب التقصير.

(قوله وعن غيرهما ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي الفرعي من الأصل فعلا أو قوة قريبة ... إلخ)

الظاهر ان المقصود من غيرهما هو البهائي رحمه‌الله (قال في الزبدة) المنهج الرابع في الاجتهاد والتقليد (ثم قال) الاجتهاد ملكة يقتدر بها وذكر العبارة كما ذكرها المصنف (والمراد) من الأصل هو مدرك الحكم الشرعي سواء كان دليلا اجتهادياً أو أصلا عملياً (كما ان المراد) من قوله فعلا أو قوة قريبة هو الإشارة إلى قسمي الاقتدار على الاستنباط (فقد يكون) الاقتدار على استنباط الحكم الشرعي بالفعل (وقد يكون) الاقتدار على استنباطه بالقوة أي قوة قريبة في قبال القوة البعيدة الموجودة في كثير من العوام أيضا.

(أقول)

ولو ترك قوله أو قوة قريبة بل مجموع قوله فعلا أو قوة قريبة كان أولى بل كان أصح إذ الاقتدار على استنباط الحكم الشرعي ما لم يكن فعلياً في الخارج فلا اجتهاد فعلا كما لا يخفى (ثم إنه قد ظهر) مما ذكر إلى هنا ان الاجتهاد في الاصطلاح قد

١٦٢

عرّف بتعاريف ثلاثة (استفراغ الفقيه الوسع ... إلخ) و (استفراغ الوسع ... إلخ) و (ملكة يقتدر بها ... إلخ).

(اما التعريف الأول) فلا يخلو هو عن خلل ومناقشة وذلك لما أخذ فيه من كلمة الفقيه فإن معرفة الاجتهاد على هذا يتوقف على معرفة الفقيه ومعرفة الفقيه بتوقف على معرفة الاجتهاد إذ لا فقه بلا اجتهاد وهو دور واضح.

(وقد أشار المحقق القمي) إلى هذا الدور بقوله وفيه انه مستلزم للدور إذ الفقيه هو العالم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها وهو لا يتحقق إلا بكونه مجتهدا فلا فقه إلا مع الاجتهاد (انتهى).

(وقد يتصدى لدفع الدور) بدعوى أن المراد من الفقيه هو من مارس الفقه احترازاً عن الأجنبي البحت فلا دور حينئذ إذ لا يتوقف الفقيه بهذا المعنى على الاجتهاد (وقد أورد عليه) المحقق المذكور مضافاً إلى انه مجاز ليس بحقيقة أن استفراغ وسع الفقيه بهذا المعنى مما لا يكفي في تحقق الاجتهاد إذ من قرأ الكتب الفقهية وزاول رءوس المسائل أو بعض الكتب الاستدلالية أيضا ولم يحصل له بعد قوة ردّ الفرع إلى الأصل لا يسمى استفراغ وسعه اجتهاداً بلا كلام (ثم تصدي) هو أعلى الله مقامه بنفسه لدفع الدور بدعوى ان المراد من الفقيه هو صاحب الاستعداد لفيضان العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عليه (وفيه ما لا يخفى) إذ المراد بالفقيه ليس إلّا العالم الفعلي بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها ومداركها لا صاحب الاستعداد فإن مجرد الاستعداد مما لا يوجب صدق عنوان الفقيه عليه وإن صدق عليه عنوان المجتهد كما سيأتي ومن المعلوم ان الفقيه بمعنى العالم الفعلي بالأحكام الشرعية عن أدلتها ومداركها مما يتوقف هو على الاجتهاد قطعاً فالدور باق على حاله بلا شبهة (فيبقى) في المقام التعريف الثاني والثالث (وهو استفراغ الوسع) (وملكة يقتدر بها) والظاهر ان الاجتهاد في الاصطلاح هو نفس الفعل الخارجي أعني استفراغ الوسع في تحصيل الأحكام الشرعية عن أدلتها فالاجتهاد

١٦٣

لغة هو استفراغ الوسع في مطلق الأمور واصطلاحاً هو استفراغ الوسع في خصوص تحصيل الأحكام الشرعية عن أدلتها غير أن الاجتهاد ليس هو استفراغ الوسع من كل أحد بل هو ممن له ملكة الاستنباط فبالنتيجة يكون الاجتهاد في الاصطلاح هو استفراغ صاحب الملكة وسعه في تحصيل الأحكام الشرعية عن أدلتها.

(نعم) قد يطلق المجتهد في الاصطلاح على من له ملكة الاستنباط ولو لم يتلبس بعد بالفعل الخارجي أصلا أي باستفراغ الوسع في تحصيل الأحكام الشرعية فيكون المراد من المبدأ حينئذ هو نفس الملكة لا الفعل الخارجي.

(قوله ولا يخفى ان اختلاف عباراتهم في بيان معناه اصطلاحا ليس من جهة الاختلاف في حقيقته وماهيته لوضوح انهم ليسوا في مقام بيان حده أو رسمه بل انما كانوا في مقام شرح اسمه ... إلخ)

قد تقدم هذه الدعوى من المصنف في العام والخاصّ وقبله مختصراً في مقدمة الواجب في المطلق والمشروط وهي ان تعاريف القوم كلها لفظية لشرح الاسم وحصول الميز في الجملة وليست هي حقيقية لبيان الكنه والماهية لتكون بالحدّ أو الرسم (وقد استند) في هذه الدعوى إلى أمرين.

(أحدهما) ما ذكره في العام والخاصّ من ان المعنى المركوز في الذهن هو أوضح وأجلى مما ذكروه من التعريف مع انه يعتبر في التعريف الحقيقي ان يكون هو أوضح وأجلى من المعرف فمنه يعرف انهم ليسوا في مقام التحديد والتعريف الحقيقي (وقد أجبنا) نحن عن هذا الأمر بأن المراد من اعتبار كون التعريف أوضح وأجلى هو كونه كذلك في بيان الحقيقة والماهية لا كونه أوضح وأجلى من المعرف مفهوماً وإلا فما من تعريف حقيقي بالحدّ أو الرسم الا والمعرف هو أوضح وأجلى منه مفهوماً كالإنسان والحيوان الناطق أو الحمار والحيوان الناهق وهكذا.

(ثانيهما) ما ذكره في المقام من عدم الإحاطة لغير علام الغيوب بالأشياء بكنهها أو بخواصها الموجبة لامتيازها عما عداها كي يمكن التعريف الحقيقي بالحدّ

١٦٤

أو الرسم (وقد أجبنا) نحن عن هذا الأمر هناك بأن عدم الإحاطة لغير علام الغيوب بكنه الأشياء أو بخواصها على الضبط والدقة مما لا ينافي كونهم بصدد التعريف الحقيقي على حسب وسعهم ومقدار طاقتهم كيف وهم قد يصرحون في أثناء كلامهم بأن القيد الفلاني هو لإخراج كذا أو لإدخال كذا وهو قرينة قطعية على كونهم بصدد التعريف الحقيقي وفي مقام بيان الكنه والماهية (وعليه) فكيف يحمل تعاريفهم على التعاريف اللفظية وانهم بصدد شرح الاسم وحصول الميز في الجملة

(قوله ولو كان أخص منه مفهوماً ... إلخ)

كتعريف بني هاشم بأنهم آل محمد أو انهم ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(قوله أو أعم ... إلخ)

كتعريف السعدانة بأنه نبت أو الرمد بأنه داء أو السنا بأنه دواء وهكذا.

(قوله كما هو الحال في تعريف جلّ الأشياء لو لا الكل ... إلخ)

أي فلا وقع أيضا للإيراد عليه بعدم الانعكاس أو الاطراد بعد ان كان التعريف لفظياً لشرح الاسم لا حقيقياً لبيان الكنه والماهية.

(قوله فافهم ... إلخ)

الظاهر انه إشارة إلى ضعف ما أفاده في المقام في وجه كون التعاريف لفظية لا حقيقية من عدم الإحاطة بالأشياء بكنهها أو بخواصها (ولعل) وجه الضعف هو ما أشرنا إليه آنفاً دون غيره والله العالم.

(قوله وكيف كان فالأولى تبديل الظن بالحكم بالحجة عليه ... إلخ)

لا إشكال في ان مراد العلامة أعلى الله مقامه وكل من وافقه من الأصحاب في تعريف الاجتهاد باستفراغ الفقيه الوسع في تحصيل الظن بحكم شرعي هو الظن المعتبر إما بأدلة خاصة أو بدليل الانسداد لا الظن بما هو هو كيف وهو منهي عنه بمقتضى غير واحد من الآيات فكيف يريدونه ويقصدونه (وعليه) فلا نقص في التعريف من هذه الناحية (غير ان التعبير) بالظن حيث انه مما يوجب استيحاش

١٦٥

الأخباريين وتنفرهم طبعاً (ولعل) من هنا قد حرموا الاجتهاد ونفوه شرعاً كما ستأتي الإشارة إليه فالأولى هو تبديل الظن بالحكم بالحجة عليه أي على الحكم الواقعي (وأولى منه) إسقاط الظن رأساً فيقال كما أشرنا قبلا الاجتهاد هو استفراغ الوسع في تحصيل الحكم الشرعي أي سواء كان ظاهرياً أو واقعياً.

(نعم إن المصنف) حيث لا يقول في الأمارات بجعل حكم ظاهري بل بجعل الحجية كما تقدم في محله فالتزم في المقام بتبديل الظن بحكم شرعي بالحجة عليه أي على الحكم الواقعي فتأمل جيداً.

(قوله فإن المناط فيه هو تحصيلها قوة أو فعلا ... إلخ)

أي فإن المناط في الاجتهاد هو تحصيل الحجة على الحكم إما قوة على نحو لو أراد فعلا تحصيلها أمكنه ذلك وإما فعلا.

(قوله مما اعتبر من الطرق التعبدية الغير المفيدة للظن ولو نوعا ... إلخ)

ليس لنا طريق تعبدي ولا غير تعبدي هو مما لا يفيد الظن ولو نوعاً فإن من شأن الطرق والأمارات أن تكون هي مفيدة للظن ولو نوعاً لا شخصاً وهذا هو الفارق بينها وبين الأصول التعبدية المحضة كالبراءة وقاعدتي الحل والطهارة ونحو ذلك ولو جاز ان يكون الطريق غير مفيد للظن ولو نوعاً لم يبق فرق بينه وبين الأصل العملي المحض أصلا.

(قوله ومنه قد انقدح أنه لا وجه لتأبي الأخباري عن الاجتهاد بهذا المعنى ... إلخ)

أي ومما تقدم من كون الأولى تبديل الظن بالحكم بالحجة عليه قد انقدح انه لا وجه لتأبي الاخباري عن الاجتهاد بمعنى استفراغ الوسع في تحصيل الحجة على الحكم فانه مما لا محيص عن الاجتهاد بهذا المعنى وإن كان يتأبى عن الاجتهاد بمعنى استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي كما صرح به المحقق القمي أعلى الله مقامه (قال) قبيل الشروع في التجزي بيسير (ما لفظه) ثم إن الأخباريين أنكروا

١٦٦

الاكتفاء بالظن وحرموا العمل عليه ونفوا الاجتهاد والإفتاء والتقليد ظناً منهم بأن باب العلم غير منسد بدعوى ان أخبارنا قطعية فيحرم العمل بالظن ويجب متابعة الاخبار ويحرم التقليد بل يجب على كل أحد متابعة كلام المعصومين عليهم‌السلام (ثم قال) وهذا كلام لا يفهمه غيرهم وساق الكلام في تضعيفه فراجع

(أقول)

قد أشير آنفاً ان مراد العلامة أعلى الله مقامه وكل من وافقه من الأصحاب في التعبير بتحصيل الظن بحكم شرعي في تعريف الاجتهاد هو الظن المعتبر (وعليه) فلا وجه لتأبي الاخباري عن الاجتهاد بهذا المعنى.

(نعم) إن التعبير بالظن بحكم شرعي كما ذكرنا حيث انه مما يوجب استيحاشهم فكان الأولى تبديله بالحجة عليه أو إسقاطه رأساً على نحو ما تقدم آنفاً

(قوله له أن ينازع في حجية بعض ما يقول الأصولي باعتباره إلى آخره)

كظواهر الكتاب أو أصل البراءة في الشبهات التحريمية الحكمية ونحو ذلك.

في تقسيم الاجتهاد إلى مطلق وتجزّي

(قوله فصل ينقسم الاجتهاد إلى مطلق وتجزى فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الأحكام الفعلية ... إلخ)

من تعريف المصنف هذا للاجتهاد المطلق يعرف انه قد اختار في تعريف الاجتهاد ما تقدم من البهائي رحمه‌الله من انه ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي إلى آخره وإن لم يظهر ذلك منه في صدر الفصل (وعلى كل حال) قد أشرنا فيما

١٦٧

تقدم ان الاجتهاد في الاصطلاح هو نفس ذلك الفعل الخارجي أعني استفراغ الوسع لا الملكة وانه قد يطلق المجتهد ويراد منه صاحب الملكة ولو لم يتلبس بعد بالفعل الخارجي (والظاهر) ان إطلاق لفظ المجتهد المطلق في قبال المجتهد المتجزي هو بهذا المعنى الأخير فمن له ملكة يقتدر بها على استنباط نوع الأحكام الشرعية فهو مجتهد مطلق وإن لم يستفرغ وسعه بعد في مسألة واحدة ولم يستنبط حكمها الشرعي أصلا ومن له ملكة يقتدر بها على استنباط بعض الأحكام الشرعية فهو متجزي (ثم إن الظاهر) ان وجه تعبير المصنف بالفعلية بدل الشرعية مع ان ما تقدم في تعريف الاجتهاد هو الحكم الشرعي لا الفعلي ليس إلّا التحفظ على قوله بعد هذا من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا ... إلخ فلو قال علي استنباط الأحكام الشرعية لم يدخل فيها الحكم المستنبط من أصل عملي عقلي وهذا واضح.

(قوله في الموارد التي لم يظفر فيها بها ... إلخ)

هذا راجع إلى خصوص قوله أو أصل معتبر عقلا أو نقلا بمعنى انه يستنبط الحكم الفعلي من الأصل المعتبر العقلي أو النقلي في الموارد التي لم يظفر فيها بأمارة معتبرة.

(قوله والتجزي هو ما يقتدر به على استنباط بعض الأحكام ... إلخ)

لازم هذه العبارة أن يكون الاجتهاد المطلق هو عبارة عما يقتدر به على استنباط جميع الأحكام ولا يعتبر ذلك قطعاً بل المعتبر في الاجتهاد المطلق كما أشرنا آنفاً هو ما يقتدر به على استنباط نوع الأحكام وإن لم يقتدر به على استنباط جميع الأحكام لغموضة بعضها كما يتفق ذلك لكثير من الاعلام من دون أن يكون مضراً بصدق اجتهادهم المطلق (ومن هنا قال في الفصول) فالمجتهد المطلق من كان له ملكة تحصيل الظن بجملة يعتد بها من الأحكام يعني بها نوع الأحكام كما قلنا (إلى ان قال) ولا يقدح قصور نظره عن تحصيل الظن بالبعض (إلى ان قال) وإنما لم نعتبر ملكة تحصيل الظن بالكل مما عدا قطعياته لتعذره عادة فإن الأدلة قد تتعارض ولتردّد كثير من المجتهدين في جملة من الأحكام كالمحقق والعلامة

١٦٨

والشهيدين وأضرابهم مع ان أحداً لم يقدح بذلك في اجتهادهم (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (هذا ولكن سيأتي من المصنف) الاعتراف بتردد الاعلام في بعض المسائل وانه لا يضر باجتهادهم المطلق فقهراً يكون المراد من قوله المتقدم فالاجتهاد المطلق ... إلخ هو ما يقتدر به على استنباط نوع الأحكام لا جميعها.

في إمكان الاجتهاد المطلق

(قوله ثم انه لا إشكال في إمكان المطلق وحصوله للأعلام ... إلخ)

وإنما الإشكال هو في إمكان التجزي كما سيأتي التعرض له في الموضع الأول من مواضع الكلام فيه فانتظر.

(قوله والتردد منهم في بعض المسائل إنما هو بالنسبة إلى حكمها الواقعي ... إلخ)

(دفع لما قد يتوهم) من عدم إمكان الاجتهاد المطلق نظراً إلى ان الأعلام قد يترددون في بعض المسائل بل تقدم من الفضول انه يتعذر عادة الاجتهاد في الكل (وعليه) فكيف يكون الاجتهاد المطلق حاصلا لهم (وحاصل الدفع) ان ترددهم في بعض المسائل إنما هو بالنسبة إلى حكمها الواقعي لأجل عدم دليل مساعد في المسألة عليه أو عدم الظفر به بعد الفحص عنه بالمقدار اللازم وأما بالنسبة إلى حكمها الظاهري الفعلي فلا تردد لهم فيه أصلا فإنهم بعد الفحص عنه بحد اليأس يرجعون لا محالة إلى الأصول العملية ومؤداها هو الحكم الظاهري الفعلي من غير ترديد لهم فيه أبداً (وأصل هذا الدفع) من صاحب الفصول (قال) بعد عبارته المتقدمة

١٦٩

(ما لفظه) فإن ترددهم إنما هو في مقام الاجتهاد وإلّا فلا تردد في مقام الحكم (انتهى) وظاهره ما أراده المصنف عيناً (وكيف كان) يرد على هذا الدفع ان المراد من ترددهم في بعض المسائل ليس ترددهم في الحكم الواقعي فإن مجرد التردد فيه مما لا يوجب التردد في مقام الفتوى إذ مع عدم الدليل الاجتهادي على الحكم الواقعي يفتي لا محالة على طبق الأصل العملي بل المراد من ترددهم في بعض المسائل هو ترددهم في مقام الفتوى على نحو لا يفتي بشيء أصلا لا على طبق الدليل الاجتهادي ولا على طبق الأصل العملي إلا بالاحتياط الّذي هو في قبال الاجتهاد والتقليد (وعليه فالحق) في دفع التوهم أن يقال إن التردد في بعض المسائل أحياناً مما لا يضر بالاجتهاد المطلق وإنما المضرّ به هو التردد في نوع المسائل وإن كان قد أفتى في جملة منها فهذا هو الّذي لا يصدق معه الاجتهاد المطلق وإن صدق معه التجزي كما سيأتي لا التردد في بعض المسائل أحياناً فتأمل جيداً.

في جواز العمل بالاجتهاد المطلق لمن

اتصف به ولغيره

(قوله كما لا إشكال في جواز العمل بهذا الاجتهاد لمن اتصف به وأما لغيره ... إلخ) في المجتهد المطلق فروع ثلاثة.

(الأول) انه هل يجوز له ان يعمل باجتهاد نفسه.

(وقد أشار إليه المصنف) بقوله كما لا إشكال في جواز العمل بهذا الاجتهاد لمن اتصف به ... إلخ.

١٧٠

(الثاني) انه هل يجوز للغير ان يعمل باجتهاده وفتاواه إذا كان المجتهد انفتاحياً.

(وقد أشار إليه المصنف) بقوله واما لغيره فكذا لا إشكال فيه إذا كان المجتهد ممن كان باب العلم أو العلمي بالأحكام مفتوحاً له على ما يأتي من الأدلة على جواز التقليد ... إلخ.

(وقد جمع صاحب الفصول) بين هذين الفرعين بقوله اما المجتهد المطلق فلا ريب في ان ظنونه التي أدى نظره إلى حجيتها حجة في حقه وحق مقلديه مع تحقق الشرائط وهو إجماعي بل ضروري (قال) ويدل عليه مضافاً إلى ذلك العقل والنقل ثم شرع في بيانهما مشروحاً.

(الثالث) أنه هل يجوز للغير أن يعمل باجتهاد المجتهد المطلق إذا كان انسدادياً

(وقد أشار إليه المصنف) بقوله الآتي بخلاف ما إذا انسد عليه بابهما فجواز تقليد الغير عنه في غاية الإشكال ... إلخ.

(أقول)

(اما الفرع الأول) فلا إشكال في جواز عمل المجتهد المطلق باجتهاد نفسه كما ذكر المصنف فإنه قاطع لا محالة إما بالحكم الواقعي أو بالحجة عليه أو بالحكم الظاهري الشرعي أو العقلي ومع القطع بأحد هذه الأمور لا يكاد يمكنه رفع اليد عن قطعه والعمل باجتهاد الغير الّذي لا يعتقد برأيه أبداً وهذا واضح.

(وأما الفرع الثاني) فجواز عمل الغير باجتهاد المجتهد المطلق وإن كان هو محل الخلاف وقد ذهب الأخباريون من أصحابنا إلى عدم جوازه ولكن المشهور كما سيأتي شرحه مفصلا هو جوازه حسب الأدلة الآتية إن شاء الله تعالى (ومن هنا يظهر) لك ما في كلام الفصول من دعوى الإجماع بل الضرورة في المسألة فإن الإجماع غير متحقق مع ذهاب الأخباريين إلى عدم الجواز فكيف بدعوى الضرورة فيها.

١٧١

(نعم) لا بأس بدعوى الإجماع بل الضرورة في الفرع الأول فقط كما لا يخفى دون الثاني.

(وأما الفرع الثالث) فسيأتي الكلام فيه بلا فصل فتأمل يسيراً.

في جواز تقليد الانسدادي وعدمه

(قوله بخلاف ما إذا انسد عليه بابهما فجواز تقليد الغير عنه في غاية الإشكال ... إلخ)

(وحاصل) ما أفاده في وجه إشكال تقليد الغير عن الانسدادي ان رجوع الغير إليه إما يكون بأدلة التقليد أو بمقدمات الانسداد الجارية عند الانسدادي وكلاهما مما لا يجدي شيئاً.

(أما أدلة التقليد) فلأنها دلت على جواز رجوع الجاهل إلى العالم بالأحكام الشرعية دون الجاهل والانسدادي جاهل ليس بعالم.

(وأما مقدمات الانسداد) الجارية عند الانسدادي فمقتضاها حجية الظن في حق نفسه دون غيره (وعليه) فلا بدّ في رجوع الغير إلى الانسدادي من التماس دليل آخر ولا دليل إلا إذا ادعي الإجماع أو انسداد آخر يجري عند الغير ويوجب له حجية ظن المجتهد الانسدادي.

(أما الإجماع) فلا مجال له بعد كون الانسداد أمراً حادثاً من أصله فكيف يحصل الاتفاق على جواز تقليد الانسدادي ويكون ذلك دليلا قاطعاً في المسألة.

(وأما انسداد آخر) فلا يكاد يتم مقدماته عند الغير كي يوجب له حجية ظن الانسدادي إذ لا ينحصر المجتهد بالانسدادي فقط ولو اتفق حصره فلا يلزم من

١٧٢

ترك العمل بقوله محذوراً عقلياً أعني اختلال النظام وأما العسر فهو وإن كان يلزم ولكن الغير ممن لا يدرك عدم وجوبه شرعاً بعد فرض كونه عامياً محضاً ليس بمجتهد

(نعم) إذا فرض الحصر ولزوم الاختلال أو العسر وقد أدرك حرمة الاحتياط إذا كان مخلا بالنظام أو عدم وجوبه إذا كان عسرياً تم الانسداد حينئذ في حقه وأوجب حجية ظن المجتهد الانسدادي له ولكنه مجرد فرض لا يتحقق في الخارج أبداً.

(هذا كله) على تقدير الحكومة واستقلال العقل بحجية الظن في حال الانسداد كاستقلاله بحجية العلم في حال الانفتاح.

(وأما بناء على الكشف) وان الظن طريق منصوب من قبل الشارع في حال الانسداد كالطرق المعتبرة بأدلة خاصة عند الانفتاحي عيناً فجواز تقليد الغير عن الانسدادي القائل بالكشف مما لا ينبغي التأمل فيه وإن استشكل فيه المصنف بدعوى عدم مساعدة أدلة التقليد على جواز الرجوع إلى من اختص حجية ظنه بنفسه وان قضية مقدمات الانسداد هو اختصاص حجية الظن بمن جرت في حقه يعني الانسدادي دون الغير (وفيه ما لا يخفى) إذ لا قصور في أدلة التقليد من حيث شمولها له ودلالتها على جواز الرجوع إليه فإنه عالم بالاحكام الشرعية الظاهرية كالانفتاحي القائل بالظنون الخاصة عيناً غايته أن الانفتاحي قد علم بالطرق الشرعية المنصوبة بأدلة خاصة من الآيات والروايات والانسدادي قد علم بنصبها شرعاً من مقدمات الانسداد وهذا مما لا يوجب تفاوتاً فيما نحن بصدده أبداً.

(قوله أو جريان مقدمات دليل الانسداد في حقه ... إلخ)

أي في حق غير المجتهد.

(قوله الثابت حجيته بمقدماته له أيضاً ... إلخ)

أي الثابت حجيته بمقدمات الانسداد لغير المجتهد أيضا.

١٧٣

(قوله ومقدماته كذلك غير جارية في حقه ... إلخ)

الظاهر ان قوله كذلك إشارة إلى قوله بحيث تكون منتجة ... إلخ أي ومقدمات الانسداد بحيث تكون منتجة بحجية الظن غير جارية في حق غير المجتهد.

(قوله لجواز الرجوع إليه في غاية الإشكال ... إلخ)

كان الأنسب بقوله المتقدم فجواز تقليد الغير عنه في غاية الإشكال أن يزيد هاهنا كلمة أيضا فيقول فجواز الرجوع إليه في غاية الإشكال أيضا.

(قوله ولو سلم ... إلخ)

كلمة ولو وصلية أي ولو سلم ان قضية المقدمات هو الكشف دون الحكومة.

(قوله فتأمل ... إلخ)

ولعله إشارة إلى ما أشرنا إليه آنفاً من جواز تقليد الغير عن الانسدادي القائل بالكشف وأن ما أفاده المصنف في وجه الإشكال فيه ضعيف كما عرفته منا فتأمل جيداً.

(قوله إن قلت حجية الشيء شرعاً ... إلخ)

(حاصل الإشكال) انه قد تقدم في بحث إمكان التعبد بالأمارات الغير العلمية ان حجية الطرق والأمارات ليست هي بمعنى جعل أحكام ظاهرية على طبق المؤديات بل بمعنى تنجز الواقع بها إن أصابته وكونها عذراً للمكلف إن أخطأته (وعليه) فالمجتهد الانفتاحي القائم عنده الطرق والأمارات المعتبرة ليس هو عالماً بالأحكام الشرعية بل هو جاهل بها كالمجتهد الانسدادي عيناً (اما عدم علمه) بالأحكام الواقعية فواضح (واما عدم علمه) بالاحكام الظاهرية فلأن المفروض عدم القول بها ومقتضي ذلك عدم جواز الرجوع إليه كما لم يجز الرجوع إلى المجتهد الانسدادي أيضا (وحاصل الجواب) انه نعم ولكن المجتهد الانفتاحي القائل يجعل الحجية هو عالم بموارد قيام الحجة على الأحكام الشرعية وهو يكفي في شمول أدلة التقليد له وجواز الرجوع إليه (وفيه ما لا يخفى) فإن أدلة التقليد هي تجوّز

١٧٤

الرجوع إلى العالم بالأحكام الشرعية لا إلى العالم بموارد قيام الحجة عليها وإلا فصح أن يقال إن الانسدادي أيضا هو عالم بموارد قيام الظن على الأحكام الشرعية فتشمله أدلة التقليد ويجوز الرجوع إليه وهو كما ترى (والصحيح في الجواب) أن يقال إن من قامت عنده الحجة المعتبرة على الحكم الشرعي هو كالعالم بالحكم الشرعي عيناً فإن أدلة الاعتبار كما انها على القول بجعل الحجية تنزل الطرق والأمارات بمنزلة العلم واليقين فكذلك تنزل هي من قامت عنده الطرق والأمارات بمنزلة من علم بالحكم الواقعي فإذا كانت أدلة التقليد هي مما تجوّز رجوع الجاهل إلى العالم فتشمل هي قهراً جواز الرجوع إلى كل من العالم الحقيقي والتنزيلي جميعاً نظراً إلى حكومة أدلة الاعتبار على أدلة التقليد وإلى تصرفها في موضوعها بتوسعة دائرة العالم وجعله أعم من الحقيقي والتنزيلي جميعاً فتأمل جيداً.

(قوله مطلقاً ... إلخ)

راجع إلى كلمة الشيء أي حجية الشيء شرعاً مطلقاً سواء كان الشيء من الأمارات المعتبرة بالخصوص أو من الظن المطلق المعتبر بالانسداد على الكشف دون الحكومة إذ على الحكومة تكون حجيته عقلية لا شرعية وهذا واضح.

(قوله إن قلت رجوعه إليه في موارد فقد الأمارة المعتبرة عنده التي يكون المرجع فيها الأصول العقلية ... إلخ)

(وحاصل الإشكال) ان رجوع الغير إلى المجتهد الانفتاحي في موارد فقد الأمارة المعتبرة التي يكون المرجع فيها الأصول العقلية كالبراءة العقلية وأصالة التخيير وأصالة الاشتغال يكون رجوعاً إلى الجاهل بالحكم الشرعي كرجوعه إلى الانسدادي عيناً فلا يجوز الرجوع إليه كما لم يجز الرجوع إلى الانسدادي أيضا (وحاصل الجواب) ان رجوع الغير إلى المجتهد الانفتاحي في تلك الموارد إنما يكون رجوعاً إليه في فقد الأمارة المعتبرة لعجزه عن تمييز ذلك وأما تعيين ما هو حكم العقل حينئذ فهو أمر راجع إلى نفس الغير (وفيه ما لا يخفى) فإن الغير لو ميّز

١٧٥

ما هو حكم العقل حينئذ لم يكن مقلدا عامياً بل كان مجتهداً كمقلده بالفتح فإن تعيين ما هو حكم العقل عند فقد الأمارة المعتبرة من البراءة أو التخيير أو الاحتياط ليس إلا من شأن الأوحدي من الأعلام لا من شأن العامي الغير المجتهد (والصحيح في الجواب) ان يقال إن أدلة التقليد كما سيأتي تفصيلها مما لا تنحصر بالآيات والروايات فقط كي يدعي انها مما تجوّز الرجوع إلى العالم بالاحكام الشرعية لا الجاهل بها والمجتهد الانفتاحي في تلك الموارد هو جاهل بها كالانسدادي عيناً بل عمدة أدلتها هي سيرة العقلاء وهي مستقرة على الرجوع إلى أهل الخبرة من كل فن لا إلى خصوص العالم بالأحكام الشرعية ومن المعلوم ان الانفتاحي هو ممن يصدق عليه عنوان أهل الخبرة حتى في الموارد التي يكون المرجع فيها الأصول العقلية دون الشرعية.

(قوله وأنه مع عدمها هو البراءة أو الاحتياط ... إلخ)

والصحيح كان أن يقول هو البراءة أو التخيير أو الاحتياط فإن الأصول العقلية ثلاثة لا اثنان.

(قوله فهو إنما يرجع إليه ... إلخ)

أي فتعيين ما هو حكم العقل امر يرجع إلى الغير.

(قوله فافهم ... إلخ)

إشارة إلى ضعف جوابه عن الإشكال وقد عرفت منا وجه الضعف وان الصحيح في الجواب هو ما ذكرناه فلا تغفل.

١٧٦

في نفوذ حكم المجتهد المطلق إذا كان

انفتاحياً وإلا ففيه إشكال

(قوله وكذلك لا خلاف ولا إشكال في نفوذ حكم المجتهد المطلق إذا كان باب العلم أو العلمي له مفتوحاً ... إلخ)

هاهنا فرعان آخران في المجتهد المطلق غير الفروع الثلاثة المتقدمة راجعان إلى نفوذ حكمه وقضائه والمناسب لهما هو تعرضهما في الفقه غير أن المصنف قد أحب ذكرهما في المقام استطراداً وعلى كل حال.

(الفرع الأول) أنه هل ينفذ حكم المجتهد المطلق الانفتاحي أم لا.

(وقد أشار إليه المصنف) بقوله وكذلك لا خلاف ولا إشكال في نفوذ حكم المجتهد المطلق إذا كان باب العلم أو العلمي له مفتوحاً ... إلخ والسر في ذلك أي في عدم الخلاف هي الروايات المأثورة في الباب من المقبولة وغيرها كما لا يخفى.

(الثاني) انه هل ينفذ حكم المجتهد المطلق الانسدادي أم لا.

(وقد أشار إليه) بقوله الآتي وأما إذا انسد عليه بابهما ففيه إشكال على الصحيح من تقرير المقدمات على نحو الحكومة ... إلخ.

(قوله وأما إذا انسد عليه بابهما ففيه إشكال على الصحيح من تقرير المقدمات على نحو الحكومة ... إلخ)

فإنه على الكشف يكون الظن طريقاً منصوباً من قبل الشارع كالطرق المنصوبة من

١٧٧

قبله عند الانفتاحي فيكون الانسدادي عالماً بالأحكام الشرعية الظاهرية كالانفتاحي عيناً وأما على الحكومة فأقصى ما تقتضيه المقدمات حينئذ هو استقلال العقل بحجية الظن في هذا الحال كحجية العلم في حال الانفتاح فلا يكون الانسدادي على هذا عالماً بالأحكام الشرعية بل هو جاهل بها (ومن المعلوم) ان المنصوب للقضاء في لسان الأخبار ليس إلا العالم بها (كما في المقبولة) ينظران من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله ... إلخ.

(وفي رواية أبي خديجة) اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضياً.

(وفي رواية أخرى لأبي خديجة) انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا (وفي طريق الكليني) شيئاً من قضائنا ... إلخ.

(قوله إلا أن يقال بكفاية انفتاح باب العلم في موارد الإجماعات والضروريات من الدين أو المذهب والمتواترات ... إلخ)

(وحاصل ما يمكن أن يقال) في توجيه نفوذ حكم الانسدادي القائل بالحكومة إن الانسدادي القائل بذلك وان كان جاهلا بالأحكام الشرعية لكن لا بجميعها بل بمعظمها ففي موارد الإجماعات والضروريات من الدين أو المذهب والمتواترات عالم بالأحكام الشرعية بل قد يتفق للانسدادي أن يقول باعتبار بعض الطرق والأمارات كالانفتاحي عيناً غير انه لا يكون وافياً بمعظم الفقه في نظره فمجموع هذه إذا انضم بعضها إلى بعض يكون جملة معتدة بها ويوجب صدق عنوان قوله عليه‌السلام وعرف أحكامنا عليه فتشمله أدلة القضاء من المقبولة وغيرها فينفذ حكمه وقضائه (وفيه ما لا يخفى) فإن الظاهر من قوله عليه‌السلام في المقبولة ينظران من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً

١٧٨

إلى آخره انه يعتبر ذلك في الحاكم ليكون عارفاً بأحكامهم في القضاء فيحكم على طبق حكمهم في مورد الخصومة لا ان مجرد معرفته بأحكامهم ولو في غير القضاء مما له مدخلية وموضوعية في جعله قاضياً وحاكماً علينا (وأظهر من ذلك) كله قوله عليه‌السلام بعد ذلك فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله فإنه كالصريح في لزوم كون حكم القاضي على طبق حكمهم في مورد الخصومة ومن المعلوم توقفه على معرفة أحكامهم في القضاء لا على معرفة أحكامهم في الجملة ولو في غير مورد القضاء (وأصرح من الكل) قوله عليه‌السلام في الرواية الثانية لأبي خديجة انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا أو من قضائنا حيث أخذ فيها العلم بشيء من قضاياهم أو بقضائهم في كونه قاضياً حاكماً من قبلهم من دون كفاية العلم بشيء من أحكامهم ولو في غير القضاء (وعليه) فمعرفة الانسدادي القائل بالحكومة بجملة معتدة بها من أحكامهم ولو في غير القضاء مما لا يكاد يكفي في نفوذ حكمه وقضائه وإن فرض صدق عنوان قوله عليه‌السلام وعرف أحكامنا عليه.

(قوله وأما قوله عليه‌السلام في المقبولة فإذا حكم بحكمنا فالمراد ان مثله إذا حكم كان بحكمهم حكم حيث كان منصوباً منهم ... إلخ)

دفع لما أشرنا إليه من ان قوله عليه‌السلام فإذا حكم بحكمنا ... إلخ هو كالصريح في لزوم كون حكم القاضي على طبق حكمهم وأنه مما يتوقف على معرفة أحكامهم في القضاء فلا يكاد يكفي مجرد معرفة الانسدادي القائل بالحكومة بجملة معتدة بها من أحكامهم ولو في غير القضاء من موارد الإجماعات والضروريات من الدين أو المذهب والمتواترات (وحاصل الدفع) ان المراد من قوله عليه‌السلام فإذا حكم بحكمنا ... إلخ أي فإذا حكم بأمرنا لكونه منصوباً من قبلنا ... إلخ لا انه إذا حكم على طبق حكمنا كي يتوقف ذلك على معرفة أحكامهم في القضاء كيف وحكم القاضي غالباً يكون في الموضوعات الخارجية من قبيل ملكية دار لزيد أو زوجية

١٧٩

امرأة لعمرو ونحوهما ولا حكم لهم عليهم‌السلام في الموضوعات كي يكون حكمه على طبق حكمهم فصحة إسناد حكم الحاكم إليهم إنما هو لأجل كونه بأمرهم ومنصوباً من قبلهم لا من جهة كون حكمه على طبق حكمهم (وفيه ما لا يخفى) بعد ما عرفت ان قوله عليه‌السلام فإذا حكم بحكمنا ... إلخ هو كالصريح في لزوم الحكم على طبق حكمهم المتوقف ذلك على معرفة أحكامهم في القضاء لا في الحكم بأمرهم لأجل كونه منصوباً من قبلهم وانه أصرح من الكل قوله عليه‌السلام في الرواية الثانية لأبي خديجة انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا أو من قضائنا فإنه نصّ في اعتبار العلم بشيء من قضاياهم أو قضائهم فلا يكاد يكفي مجرد المعرفة بشيء من أحكامهم ولو في غير القضاء فكأن المصنف قد غفل عن الرواية الثانية لأبي خديجة فلا تغفل أنت ولا تنس.

(وأما دعوى) أن حكم القاضي غالباً يكون في الموضوعات الخارجية ولا حكم لهم عليهم‌السلام فيها (ففيها) ان لهم عليهم‌السلام أحكاماً كلية كبروية في أصول القضاء كالأحكام الواردة في المدعي والمنكر والتداعي والتحالف ونحو ذلك وحكم القاضي في الموضوعات الخارجية هو ناش من تلك الأحكام الكلية الكبروية الواردة عنهم في تلك الأصول (وعليه) فصحة إسناد حكم القاضي في الموضوعات الخارجية إليهم إنما هو من جهة نشوء حكمه من تلك الأحكام الكبروية المأخوذة عنهم لا من مجرد كونه منصوباً من قبلهم مجعولا من طرفهم وهذا كله لدى التدبر واضح فتدبر جيداً.

١٨٠