عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٦

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٠٠

(قوله باعتبار تساويهما من حيث الصدور ... إلخ)

متعلق بقوله التزم قدس‌سره ... إلخ فلا تغفل.

(قوله ضرورة ان دليل حجية الخبر لا يقتضى التعبد فعلا بالمتعارضين إلى آخره)

أي بالمتعارضين المتكافئين من حيث الصدور.

(قوله بل ولا بأحدهما ... إلخ)

أي بل ولا بأحدهما المعين فإن دليل حجية الخبر إذا اقتضى التعبد بصدور أحدهما المعين فقد عارضه الآخر لاشتراكه معه في مناط الدخول تحت دليل الاعتبار.

(قوله وقضية دليل العلاج ليس إلا التعبد بأحدهما تخييراً أو ترجيحاً إلى آخره)

على الخلاف المتقدم في الدليلين المتعارضين لا التعبد بكليهما جميعاً.

(وبالجملة) إن شيئاً من دليل حجية الخبر ودليل العلاج أي الاخبار العلاجية مما لا يقتضي التعبد فعلا بالمتكافئين من حيث الصدور أصلا فحسبان ان الشيخ أعلى الله مقامه قد التزم في المقام بالتعبد الفعلي بهما في غير محله.

فيما أفاده بعض تلاميذ الشيخ من امتناع

تقديم المرجح الصدوري على الجهتي وتضعيفه

(قوله وبرهن عليه بما حاصله امتناع التعبد بصدور الموافق لدوران أمره بين عدم صدوره من أصله وبين صدوره تقية ... إلخ)

إذ الشيخ أعلى الله مقامه قد صرح في كلامه المتقدم في المتن بأن الأرجح صدوراً

١٤١

إذا كان موافقاً للعامة فالظاهر تقديمه على غيره وإن كان مخالفاً للعامة وبعض تلاميذه يدعي في قباله امتناع ذلك جداً نظراً إلى دوران امر الموافق بين عدم صدوره من أصله وبين صدوره تقية فعلي كلا التقديرين مما لا يعقل التعبد به.

(وقد ردّ عليه المصنف) كما سيأتي بما حاصله ان أمر الموافق مما يدور بين احتمالات ثلاثة عدم صدوره من أصله وصدوره تقية وصدوره لبيان حكم الله الواقعي وانما يدور أمره بين الاحتمالين الأولين إذا كان المعارض المخالف للعامة قطعياً من جهاته الثلاث أي من جهة السند والدلالة والجهة جميعاً فعند ذلك يدور امر الموافق للعامة بين عدم صدوره من أصله أو صدوره تقية وهذا واضح.

(قوله بل الأمر في الظني الصدور أهون ... إلخ)

هذا من كلام بعض تلاميذ الشيخ أعلى الله مقامه الّذي ادعي امتناع التعبد بصدور الموافق أي بل الأمر في الظني الصدور الموافق للعامة أهون وعدم تعقل التعبد به هو أوضح وأظهر من عدم تعقل التعبد بالقطعي الصدور الموافق للعامة وذلك لاحتمال عدم الصدور في الأول بخلاف الثاني.

(قوله ومنه قد انقدح إمكان التعبد بصدور الموافق القطعي لبيان الحكم الواقعي ... إلخ)

ردّ على ما تقدم في المتن من بعض تلاميذ الشيخ أعلى الله مقامه من قوله كما انه لا يعقل التعبد بالقطعي الصدور الموافق ... إلخ (وحاصل الردّ) انه قد انقدح بما تقدم في تضعيف عدم تعقل التعبد بالظني الموافق للعامة ضعف عدم تعقل التعبد بالقطعي الموافق لهم غايته انه في الظني الموافق للعامة احتمالات ثلاثة عدم الصدور من أصله وصدوره تقية وصدوره لبيان حكم الله الواقعي وفي القطعي الموافق لهم يحتمل الأخيران فقط وهما الصدور تقية والصدور لبيان حكم الله الواقعي ومن المعلوم ان مجرد احتمال الصدور لبيان حكم الله الواقعي هو مما يكفي في تعقل التعهد به شرعاً.

١٤٢

(قوله إذا كان معارضه المخالف قطعياً بحسب السند والدلالة ... إلخ)

ولو قال بحسب السند والجهة والدلالة كان أولى فإن المعارض المخالف للعامة وإن كان مأموناً من احتمال التقية ولكن مع ذلك لا يكون قطعياً جهة وذلك لجواز صدوره لا لبيان حكم الله الواقعي بل لبيان خلاف الواقع لمصلحة قد اقتضت ذلك غير التقية والصحيح هو ما تقدم منه قبلا (فقال) إذا كان المخالف قطعياً صدوراً وجهة ودلالة.

(قوله لتعين حمله على التقية حينئذ ... إلخ)

أي لتعين حمل الموافق القطعي على التقية حينئذ بعد ما كان معارضه المخالف قطعياً سنداً ودلالة وجهة.

(أقول)

نعم يتعين حمله على التقية ولكن إذا كان الموافق القطعي قطعياً دلالة أيضاً مثل ما يكون قطعياً سنداً وإلّا فيتردد الخلل فيه بين الجهة والدلالة جميعاً لا في الجهة فقط كما لا يخفى.

(قوله ثم إن هذا كله إنما هو بملاحظة ان هذا المرجح مرجح من حيث الجهة ... إلخ)

أي ثم ان جميع ما تقدم إلى هنا من تقدم الأرجح صدوراً على المخالف للعامة أو بالعكس أو انه لا فرق بينهما أصلا كما هو المختار لكون المعيار في التقدم هو حصول أحد المناطين السابقين من الظن الشأني بالمعنى المتقدم أو الفعلي انما هو بملاحظة كون المخالفة للعامة هي من المرجحات الجهتية (وأما بملاحظة) كونها من المرجحات الدلالية نظراً إلى ما في الموافق للعامة من احتمال التورية الموجب لضعف ظهوره ودلالته وان المخالف للعامة يكون هو أقوى منه دلالة وظهوراً لعدم احتمال التورية فيه أصلا فهي مقدمة على جميع المرجحات الصدورية لما عرفت من تقدم المرجحات الدلالية على ما سواها من المرجحات طراً (وفيه) ان

١٤٣

الكبرى وهي تقدم المرجحات الدلالية على ما سواها من المرجحات وان كانت هي مسلّمة ولكن كون مخالفة العامة هي من المرجحات الدلالية محل تأمل بل منع فان مجرد كون الخبر موافقاً للعامة وجريان احتمال التورية فيه دون بيان الواقع مما لا يخلّ بظهوره عرفاً ليكون المخالف للعامة هو أقوى منه ظهوراً (ومن هنا ترى المصنف) قد رجع أخيراً عن ذلك (فقال) اللهم إلا أن يقال إن باب احتمال التورية وان كان مفتوحاً ... إلخ.

الكلام حول المرجحات الخارجية بأقسامها

وبيان حال القسم الأول منها

(قوله فصل موافقة الخبر لما يوجب الظن بمضمونه ... إلخ)

قد أشرنا في صدر الفصل المتقدم أن الشيخ أعلى الله مقامه قد جعل مجموع المرجحات من غير تقييد بكونها من المنصوصات أو غيرها على قسمين (داخلية) (وخارجية)

(فالداخلية) أعني كل مزية غير مستقلة بنفسها هي (بين ما يرجع) إلى الصدور كأعدلية الراوي (وبين ما يرجع) إلى جهة الصدور كمخالفة العامة بناء على كون مثل هذا الخبر صادراً لا لأجل التقية (وبين ما يرجع) إلى المضمون كالنقل باللفظ بالنسبة إلى النقل بالمعنى.

(وأما الخارجية) وهي كل مزية مستقلة بنفسها ولو لم يكن هناك خبر أصلا (فقد تكون) غير معتبرة في نفسها ومعاضدة لمضمون أحد الخبرين كالشهرة في الفتوى (وقد تكون) معتبرة في نفسها وهذه أيضاً على قسمين.

١٤٤

(فقد تكون) معاضدة لمضمون أحد الخبرين كالكتاب والسنة.

(وقد لا تكون) معاضدة لمضمون أحد الخبرين كالأصل بناء على عدم اعتباره من باب الظن فمجموع أقسام المرجحات الخارجية ثلاثة.

(والمصنف قد عقد) هذا الفصل الأخير للتكلم حول هذه المرجحات الخارجية بأقسامها الثلاثة غير انه قد أشار إلى القسم الأول منها بقوله موافقة الخبر لما يوجب الظن بمضمونه ... إلخ يعني به موافقته لمثل الشهرة في الفتوى ونحوها ويشهد بذلك قوله الآتي هذا حال الأمارة الغير المعتبرة لعدم الدليل على اعتبارها إلى آخره وسيأتي منه الإشارة إلى القسم الثاني والثالث جميعاً فانتظر.

(قوله ولو نوعاً ... إلخ)

الظاهر أنه احتراز عن اعتبار الظن الفعلي كما قال به بعضهم في قبال الشيخ أعلى الله مقامه الّذي قال باعتبار الظن الشأني (وقد تقدم) تفصيل الكل في بحث التعدي وعدم التعدي عن المرجحات المنصوصة.

(أقول)

بل مقتضى ما تقدم من المصنف من انه على التعدي لا وجه للاقتصار على خصوص ما يوجب الظن الفعلي أو الشأني بل يتعدى إلى كل مزية ولو لم تكن موجبة لأحدهما هو وجوب التعدي في المقام إلى كل مزية خارجية ولو لم تكن هي موجبة للظن بالمضمون أصلا لا فعلا ولا شأناً.

(قوله في الجملة ... إلخ)

والظاهر ان المقصود من قوله في الجملة هو إخراج مثل القياس المنهي عنه كما سيأتي فليس موافقة الخبر لكل ما يوجب الظن بمضمونه ولو نوعا هي من المرجحات حتى موافقته لمثل القياس.

١٤٥

(قوله بناء على لزوم الترجيح لو قيل بالتعدي من المرجحات المنصوصة أو قيل بدخوله في القاعدة المجمع عليها ... إلخ)

في العبارة مسامحة واضحة فان مقتضى عطف قوله أو قيل بدخوله ... إلخ على قوله لو قيل بالتعدي ... إلخ ان موافقة الخبر لما يوجب الظن بمضمونه ولو نوعاً هي من المرجحات إذا قيل بدخوله في القاعدة المجمع عليها ولو لم نقل بالتعدي من المرجحات المنصوصة وهو كما ترى غير مستقيم (والصحيح) هكذا لو قيل بالتعدي من المرجحات المنصوصة سواء كان ذلك لاستفادته من الفقرات الخاصة من الروايات كما تقدم من الشيخ أعلى الله مقامه أو كان لدخول الخبر الراجح في القاعدة المجمع عليها.

(وقد أشار المصنف) إلى الأخير في بحث التعدي وعدم التعدي بقوله نعم لو كان وجه التعدي اندراج ذي المزية في أقوى الدليلين ... إلخ فتذكر.

(قوله كما ادعى وهي لزوم العمل بأقوى الدليلين ... إلخ)

المدعي لذلك هو الشيخ أعلى الله مقامه فإنه الّذي يظهر منه دخول الخبر الموافق لما يوجب الظن بمضمونه ولو نوعاً أي شأناً لا فعلا في القاعدة المجمع عليها وهي لزوم العمل بأقوى الدليلين (قال) عند التعرض للمرجحات الخارجية بعد بيان القسم الأول منها وهو ما يكون غير معتبر في نفسه ومعاضداً لمضمون أحد الخبرين كالشهرة في الفتوى ونحوها (ما لفظه) ثم الدليل على الترجيح بهذا النحو من المرجح ما يستفاد من الأخبار من الترجيح بكل ما يوجب أقربية أحدهما إلى الواقع وان كان خارجاً عن الخبرين (قال) بل يرجع هذا النوع إلى المرجح الداخليّ فإن أحد الخبرين إذا طابق أمارة ظنية فلازمه الظن بوجود خلل في الآخر إما من حيث الصدور أو من حيث جهة الصدور فيدخل الراجح فيما لا ريب فيه والمرجوح فيما فيه الريب (إلى ان قال) ومن هنا يمكن أن يستدل على المطلب بالإجماع المدعي في كلام جماعة على وجوب العمل بأقوى الدليلين بناء على عدم شمولها للمقام من

١٤٦

حيث ان الظاهر من الأقوى أقواهما في نفسه ومن حيث هو لا مجرد كون مضمونه أقرب إلى الواقع لموافقة أمارة خارجية فيقال في تقريب الاستدلال إن الأمارة موجبة لظن خلل في المرجوح مفقود في الراجح فيكون الراجح أقوى احتمالا من حيث نفسه (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ومحصله بطوله) أن الدليل على الترجيح بالقسم الأول من المرجح الخارجي هو وجوه ثلاثة.

(الأول) الفقرات الخاصة من الأخبار العلاجية التي استفيد منها الترجيح بكل ما يوجب أقربية أحد المتعارضين إلى الواقع وقد تقدم تفصيل الكل في بحث التعدي وعدم التعدي عن المرجحات المنصوصة فراجع.

(الثاني) أن مرجع هذا النوع من المرجح الخارجي هو إلى المرجح الداخليّ فإنه مما يوجب الظن بخلل في المرجوح إما في صدوره أو في جهة صدوره فيدخل الراجح فيما لا ريب فيه والمرجوح فيما فيه الريب فيقدم ما لا ريب فيه على ما فيه الريب.

(الثالث) عين الوجه الثاني بتغيير في الجملة فنقول ان مرجع هذا النوع من المرجح الخارجي هو إلى المرجح الداخليّ بالتقريب المذكور آنفاً فيكون الراجح أقوى احتمالا من حيث نفسه فيدخل في القاعدة المجمع عليها وهي وجوب العمل بأقوى الدليلين (هذا محصل كلامه) أعلى الله تعالى مقامه.

(قوله وقد عرفت ان التعدي محل نظر بل منع ... إلخ)

قد عرفت ذلك في بحث التعدي وعدم التعدي عن المرجحات المنصوصة عند تضعيف تمسك الشيخ أعلى الله مقامه بالفقرات الخاصة من الأخبار العلاجية وبه يحصل لك الجواب عن الوجه الأول من الوجوه المتقدمة آنفاً التي استدل بها الشيخ للترجيح بالقسم الأول من المرجح الخارجي.

١٤٧

(قوله وان الظاهر من القاعدة هو ما كان الأقوائية من حيث الدليليّة والكشفية ... إلخ)

وقد عرفت ذلك أيضاً في بحث التعدي وعدم التعدي عن المرجحات المنصوصة.

(عند قول المصنف) نعم لو كان وجه التعدي اندراج ذي المزية في أقوى الدليلين لوجب الاقتصار على ما يوجب القوة في دليليته وفي جهة إثباته وطريقيته من دون التعدي إلى ما لا يوجب ذلك وان كان موجباً لقوة مضمون ذيه ثبوتاً كالشهرة الفتوائية أو الأولوية الظنية ونحوهما ... إلخ.

(وبالجملة) ملخص الكلام ان الظاهر من القاعدة المذكورة وهي وجوب العمل بأقوى الدليلين هو وجوب العمل بأقواهما في دليليته في حدّ نفسه من حيث هو لا بمجرد كون مضمونه مؤيداً بأمارة خارجية.

(أقول)

قد أشرنا عند تأسيس الأصل الثانوي في الخبرين المتعارضين بعد قيام الإجماع والأخبار العلاجية على عدم سقوطهما جميعاً وانه لا بد من العمل بأحدهما لا محالة إما تعييناً أو تخييراً ان القاعدة المذكورة هي مما استقل به العقل وحكم به اللب (ومن المعلوم) ان العقل مما لا يفرق بين ما إذا كانت الأقوائية في أحد الدليلين في دليليته وطريقيته إلى الواقع أو في مضمونه ومؤداه من جهة تأيده بأمارة خارجية على طبقه فأحد الدليلين بمجرد أن كان أقوى من صاحبه ولو مضموناً كان العمل به متعيناً عقلا دون العمل بصاحبه نظراً إلى رجحان الأول ومرجوحية الثاني (بل لا يبعد) ان يقال إن المرجح الخارجي كالشهرة الفتوائية أو الأولوية الظنية ونحوهما هو مما يوجب القوة في أصل دليليته وفي جهة إثباته وطريقيته كما أشير قبلا في بحث التعدي إلى المزية الموجبة للظن الشأني أو الفعلي في ذيل التعليق على قوله فافهم (وعليه) فما ادعاه الشيخ هنا من دخول الخبر بمجرد كونه راجحاً بمرجح

١٤٨

خارجي تحت القاعدة المجمع عليها وهي وجوب العمل بأقوى الدليلين هو دعوى في محلها فتأمل جيداً.

(قوله ومطابقة أحد الخبرين لها لا يكون لازمه الظن بوجود خلل في الآخر إما من حيث الصدور أو من حيث جهته ... إلخ)

هذا ردّ على الوجه الثاني بل الوجهين الأخيرين من الوجوه الثلاثة المتقدمة من الشيخ أعلى الله مقامه للترجيح بالقسم الأول من المرجح الخارجي وذلك لتوقفهما على إرجاع هذا النوع من المرجح الخارجي إلى الداخليّ بدعوى كون الأمارة الخارجية المطابقة لأحد الخبرين موجبة للظن بخلل في المرجوح إما في صدوره وإما في جهته فيدخل الراجح فيما لا ريب فيه أو في أقوى الدليلين.

(وحاصل ردّ المصنف) عليهما هو المنع عن كون مطابقة أحد الخبرين لأمارة خارجية هي موجبة للظن بخلل في الآخر إما في صدوره أو في جهته كيف ونحن نقطع بوجود جميع ما اعتبر في حجية المخالف للأمارة الخارجية لو لا معارضته بالموافق لها فكيف يجتمع القطع المذكور مع الظن بخلل فيه إما في صدوره وإما في جهته.

(وفيه) أن المراد من الظن بخلل فيه ليس هو الظن بخلل فيما اعتبر في حجيته كي لا يجتمع ذلك مع القطع بوجود جميع ما اعتبر في حجيته لو لا المعارضة بل المراد منه هو الظن بكذبه ثبوتاً إما صدوراً أو جهة ومن المعلوم جواز اجتماع ذلك مع القطع بوجود جميع ما اعتبر في حجيته لو لا المعارضة بل قد يجتمع القطع بكذبه ثبوتاً إما صدوراً أو جهة مع القطع بوجود جميع ما اعتبر في حجيته لو لا المعارضة فكيف بالظن بكذبه كذلك (ولعله) إليه أشار المصنف أخيراً بقوله فافهم فتأمل جيداً.

(ثم إن الحق في الجواب) عن الوجهين الأخيرين من وجوه الشيخ أعلى الله مقامه أن يقال.

١٤٩

(أولا) إن مطابقة أحد الخبرين لأمارة خارجية هي قد لا توجب الظن الفعلي بمضمونه كي توجب الظن بخلل في الآخر إما في صدوره أو في جهة صدوره ليدخل الراجح فيما لا ريب فيه أو في أقوى الدليلين.

(بل الشيخ) أعلى الله مقامه على ما تقدم في بحث التعدي وعدم التعدي عن المرجحات المنصوصة قد منع أكيداً عن الظن الفعلي في المرجح وقال باعتبار الظن الشأني فيه خاصة على نحو لو حصل الظن الفعلي لسقط المرجوح عن الحجية وخرجت المسألة عن تعارض الحجتين وعدّ ذلك المرجح موهناً لا مرجحاً فتذكر

(وثانياً) إن القاعدة المذكورة وهي وجوب العمل بأقوى الدليلين وإن كانت هي مقبولة مرضية بل يستقل بها العقل على ما تقدم في تأسيس الأصل الثانوي في الخبرين المتعارضين (ولكنها) إنما تنفع هي إذا لم تنهض حجة على التعيين أو التخيير بأن عجزنا عن الجمع بين الأخبار العلاجية ولم نستفد منها ان اللازم هل هو التخيير أو الترجيح (وأما إذا نهض) حجة على التخيير كما اخترنا ذلك واختاره المصنف أو اخترنا الترجيح كما اختاره الشيخ واختاره المشهور فلا يكاد يبقى مجال للقاعدة المذكورة أصلا.

(أما على الأول) فواضح إذ المفروض تحكيم إطلاقات التخيير ومعها لا مجال للقاعدة المذكورة أبداً.

(واما على الثاني) فلبقاء إطلاقات التخيير فيما سوى المرجحات المنصوصة سالمة محكمة ومعها لا مجال أيضاً للأصل الثانوي أبداً وقد تقدم من الإشارة إلى هذا كله في صدر بحث التعدي عن المرجحات المنصوصة وعدمه عند تضعيف تمسك الشيخ للتعدي بأن الأصل هو العمل بما يحتمل ان يكون مرجحاً في نظر الشارع فراجع

(وثالثاً) لو سلم ان مطابقة أحد الخبرين لأمارة خارجية هي موجبة للظن بخلل في الآخر فلا وجه لحصر الخلل بين صدوره وجهته بل يتردد الخلل بين صدوره وجهته ودلالته بمعنى انه نظن أن الخبر المخالف لأمارة خارجية إما غير صادر من

١٥٠

أصله أو صادر لا لبيان الواقع أو ان ظاهره غير مراد للمتكلم وهذا واضح.

(قوله والصدق واقعاً لا يكاد يعتبر في الحجية كما لا يكاد يضر بها الكذب كذلك ... إلخ)

أي والصدق الواقعي لا يكاد يعتبر في حجية الخبر كما لا يكاد يضر بها الكذب الواقعي كي إذا حصل الظن بكذب الآخر واقعاً كان ذلك ظناً بخلل في حجيته.

(قوله فافهم ... إلخ)

قد أشير آنفاً إلى وجه قوله فافهم في ذيل التعليق على قوله ومطابقة أحد الخبرين إلى آخره فتذكر.

(قوله فهو وإن كان كالغير المعتبر لعدم الدليل ... إلخ)

بمعنى ان ما ليس بمعتبر لأجل الدليل على عدم اعتباره بالخصوص كالقياس وإن كان هو كالغير المعتبر لعدم الدليل على اعتباره كالشهرة في الفتوى من حيث وجوب الترجيح به بناء على التعدي اما لاستفادته من الفقرات الخاصة من الأخبار العلاجية أو لدخول الخبر الراجح في القاعدة المجمع عليها وهي وجوب العمل بأقوى الدليلين إلّا أن الأخبار الناهية عن القياس مانعة عن الترجيح به.

(قوله بناء على دخول مظنون المضمون في أقوى الدليلين ... إلخ)

كما عرفت ذلك من الشيخ أعلى الله مقامه بالتقريب المتقدم لك شرحه في ذيل التعليق على قوله كما ادعى وهي لزوم العمل بأقوى الدليلين ... إلخ وعرفته منا أيضاً في ذيل التعليق على قوله وان الظاهر من القاعدة هو ما كان الأقوائية من حيث الدليليّة والكشفية ... إلخ.

(قوله إلّا أن الأخبار الناهية عن القياس وأن السنة إذا قيست محق الدين مانعة عن الترجيح به ... إلخ)

ولعل من هنا قد ذهب المشهور إلى عدم الترجيح به :

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه ظاهر المعظم العدم كما يظهر من طريقتهم في

١٥١

كتبهم الاستدلالية في الفقه (قال) وحكى المحقق في المعارج عن بعض القول بكون القياس مرجحاً (إلى ان قال) ومال إلى ذلك بعض سادة مشايخنا المعاصرين (ثم قال) والحق خلافه لأن رفع الخبر المرجوح بالقياس عمل به حقيقة كرفع العمل بالخبر السليم عن المعارض والرجوع معه إلى الأصول وأي فرق بين رفع القياس لوجوب العمل بالخبر السليم عن المعارض وجعله كالمعدوم حتى يرجع إلى الأصل وبين رفعه لجواز العمل بالخبر للتكافؤ لخبر آخر وجعله كالمعدوم حتى يتعين العمل بالخبر الآخر (إلى ان قال) ولذا استقرت طريقة أصحابنا على هجره في باب الترجيح ولم نجد منهم موضعاً يرجحون به ولو لا ذلك لوجب تدوين شروط القياس في الأصول ليرجح به في الفروع (انتهى) كلامه رفع مقامه.

(قوله استعمال له في المسألة الشرعية الأصولية ... إلخ)

وهي جواز ترجيح أحد الخبرين المتعارضين بالقياس وعدمه.

(قوله وتوهم ان حال القياس هاهنا ليس في تحقق الأقوائية به إلا كحاله فيما ينقح به موضوع آخر ذو حكم ... إلخ)

(وحاصل التوهم) ان القياس كما انه قد ينقح به موضوع آخر ويرتب عليه حكمه كما إذا حصل منه الظن بالضرر ورتب عليه جواز الإفطار أو حصل منه الظن بالقبلة في جهة خاصة ورتب عليه جواز الصلاة إليها فكذلك ينقح به موضوع الأقوائية في أحد المتعارضين فيندرج به تحت قاعدة وجوب العمل بأقوى الدليلين (وحاصل الجواب) ان القياس في الموضوعات الخارجية الصرفة ليس هو قياساً في الدين وإن رتب عليها أحكام شرعية جزئية بخلاف إعمال القياس في المسألة الأصولية أو الفرعية فإنه قياس في الدين لما يترتب عليه من استنباط حكم شرعي كلي لا جزئي.

(قوله والتخيير بينه وبين معارضه بمقتضى أدلة العلاج ... إلخ)

أي وبعد التخيير بينه وبين معارضه بمقتضى الاخبار العلاجية حتى اخبار الترجيح

١٥٢

إذا المفروض تكافؤ الخبرين المتعارضين من تمام الجهات إلا في موافقة أحدهما للقياس دون الآخر فمع قطع النّظر عن القياس ليس مقتضي أخبار العلاج الا التخيير بينهما لتكافئهما فإذا تعين الخبر الموافق للقياس دون المخالف له كان ذلك نحو إعمال له في الدين فيحرم شرعاً.

في بيان حال القسم الثاني من

المرجحات الخارجية

(قوله وأما ما إذا اعتضد بما كان دليلا مستقلا في نفسه كالكتاب والسنة القطعية ... إلخ) قد أشرنا في صدر هذا الفصل والفصل المتقدم أيضا إلى أقسام المرجحات الخارجية وعرفت حال القسم الأول منها مفصلا (وهذا شروع) من المصنف في بيان حال القسم الثاني منها وهو ما إذا كان المرجح الخارجي دليلا معتبراً في حدّ نفسه معاضداً لمضمون أحد الخبرين كالكتاب والسنة.

(ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه قد جعل للخبر المخالف لظاهر الكتاب المعارض بالخبر الموافق لظاهره صوراً ثلاثة.

(الأولى) أن يكون الخبر المخالف لو خلى عن معارضه لكان مقدماً على ظاهر الكتاب لكونه نصاً بالنسبة إليه أو أظهر (وقد حكم في هذه الصورة) بوجوب ملاحظة جميع ما يمكن أن يرجح به المخالف على الموافق فإن كان راجحاً رجح عليه وقدم على ظاهر الكتاب وإن كان متكافئاً كان اللازم التخيير فله أن

١٥٣

يأخذ بالموافق وله أن يأخذ بالمخالف ويخصص به عموم الكتاب (قال) لما سيجيء من ان موافقة أحد الخبرين للأصل يعني به عموم الكتاب لا يوجب رفع التخيير (إلى ان قال) فتلخص أن الترجيح بظاهر الكتاب لا يتحقق بمقتضى القاعدة في شيء من فروض هذه الصورة انتهى.

(الثانية) أن يكون الخبر المخالف لو خلي عن معارضه لكان مطروحاً لمخالفته مع ظاهر الكتاب بنحو المباينة الكلية (وقد حكم في هذه الصورة) بخروج الخبر المخالف عن الحجية رأساً لتواتر الأخبار ببطلان الخبر المخالف للكتاب والسنة والمتيقن من المخالفة هو هذا النحو منها ففي هذه الصورة أيضا لا مورد للترجيح بظاهر الكتاب.

(الثالثة) أن يكون الخبر المخالف لو خلي عن المعارض لخالف الكتاب لكن لا على وجه التباين الكلي بل يمكن الجمع بينهما بصرف أحدهما عن ظاهره يعني به المخالفة بنحو العموم من وجه (قال) وحينئذ فإن قلنا بسقوط الخبر المخالف بهذه المخالفة عن الحجية كان حكمها حكم الصورة الثانية يعني به كون المخالف مطروحاً ليس بحجة وانه لا ترجيح في هذه الصورة أيضا كما في الصورة السابقة عيناً (ثم قال) وإلّا كان الكتاب مع الخبر المطابق بمنزلة دليل واحد عارض الخبر المخالف والترجيح حينئذ بالتعاضد وقطعية سند الكتاب فالترجيح بموافقة الكتاب منحصر في هذه الصورة الأخيرة (انتهى) (هذا كله ملخص كلام الشيخ) أعلى الله مقامه.

(وأما المصنف) فحاصل كلامه ان الخبر المخالف للكتاب أو السنة (إن كانت) مخالفته بنحو المباينة الكلية فهذه الصورة خارجة عن مورد الترجيح لعدم حجية الخبر المخالف للكتاب بهذا النحو من المخالفة مطلقاً ولو مع عدم المعارض لأنه المتيقن من الاخبار الدالة على انه زخرف أو باطل أو لم نقله إلى غير ذلك (وهكذا إذا كانت) مخالفته بنحو العموم والخصوص من وجه فحكمها حكم

١٥٤

المخالفة في الصورة الأولى وقد ذكر هذه الصورة في آخر كلامه (وأما إذا كانت) مخالفته بنحو العموم والخصوص المطلق فمقتضى القاعدة وإن كان ملاحظة الترجيح بينه وبين معارضه كما ذكر الشيخ أعلى الله مقامه فإن كان المخالف راجحاً رجح على معارضه وخصص به الكتاب وإن كان متكافئاً نتخير بين الأخذ به وتخصيص الكتاب به وبين الأخذ بمعارضه المعتضد بظاهر الكتاب ولكن أخبار الترجيح بموافقة الكتاب غير قاصرة عن الشمول لهذه الصورة فنرجح بها الموافق لعموم الكتاب على المخالف لعموم الكتاب وإن كان المخالف لو خلي عن المعارض قدم على عموم الكتاب لأخصيته منه (هذا إن قلنا) إن اخبار الترجيح بموافقة الكتاب والسنة هي في مقام الترجيح (وأما إذا قلنا) إنها في مقام تعيين الحجة عن اللاحجة كما تقدم منه عند الجواب عن أخبار الترجيح فلا ترجيح كي يرجح الموافق على المخالف (هذا كله) محصل كلام المصنف.

(أقول)

قد عرفت منا سابقاً في بحث تخصيص الكتاب بخبر الواحد وفي بحث حجية خبر الواحد أيضا بل وعند ذكر جواب المصنف عن أخبار الترجيح ان الأخبار الناهية عن الخبر المخالف للكتاب أو السنة ولو لم يكن له معارض التي تعبّر عنه بالزخرف أو الباطل أو أنه لم أقله إلى غير ذلك هي محمولة على النهي عن الخبر المخالف لنص الكتاب أو السنة ولصريحه دون ظهوره (وذلك) بشهادة القطع بصدور كثير من الأخبار المخالفة لظهور الكتاب أو السنة ولو بنحو المباينة الكلية فضلا عن غيرها مثل ما دل على أن البحرين في قوله تعالى مرج البحرين يلتقيان علي عليه‌السلام وفاطمة عليها‌السلام وأن البرزخ بينهما هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأن اللؤلؤ والمرجان هما الحسنان عليهما‌السلام ونحو ذلك من الأخبار المؤولة لظواهر الكتاب أو السنة إلى معان يباينها بنحو الكلية (كما انك قد عرفت) منا عند ذكر جواب المصنف عن أخبار الترجيح ان المراد من المخالفة في أخبار الترجيح بموافقة الكتاب أو السنة

١٥٥

هي المخالفة لظهور الكتاب أو السنة لا لنصه ولصريحه (وذلك) بشهادة الترجيح بالشهرة والشذوذ في المقبولة قبل الترجيح بموافقة الكتاب والسنة فإن معنى تقديمه عليه هو وجوب الأخذ بالمشهور وان كان مخالفا للكتاب والسنة فلو كان المراد من المخالفة مخالفة الخبر لنص الكتاب أو السنة دون ظهوره لم يجز ذلك قطعاً ولو كان الخبر مشهوراً مجمعاً عليه عند الأصحاب (وعليه) فالمعيار في كون الخبر المخالف زخرفاً باطلا لم يقل به الإمام عليه‌السلام هو كونه مخالفاً لنص الكتاب أو السنة ولو بنحو العموم والخصوص المطلق فضلا عن المخالفة بنحو المباينة الكلية أو العموم من وجه (وأما إذا كان) الخبر مخالفاً لظهور الكتاب أو السنة دون نصه وصريحه كان الخبر حجة قهراً وان كان مخالفته بنحو المباينة الكلية فضلا عن غيرها (والصحيح) في تصوير الصور في المقام أن يقال (إن الخبر المخالف) للكتاب أو السنة المعارض بالموافق لأحدهما (قد يكون) مخالفاً لنصه وصريحه (وفي هذه الصورة) يكون الخبر المخالف مطروحاً غير حجة (وقد يكون) مخالفاً لظهور الكتاب أو السنة ويكون بينهما جمع عرفي بأن كان المخالف نصاً أو أظهر (وفي هذه الصورة) بناء على وجوب الترجيح يرجح الخبر الموافق على المخالف ويندرج الموافق تحت أخبار الترجيح بموافقة الكتاب والسنة فإذا جاءنا مثلا خبر يأمر بإكرام فساق العلماء وجاءنا خبر ينهى عن إكرام فساق العلماء وكان في الكتاب العزيز أمر بإكرام العلماء بنحو العموم قدم الخبر الموافق لعموم الكتاب على المخالف لعمومه (وأما ما تقدم) من الشيخ أعلى الله مقامه من أن موافقة أحد الخبرين للأصل يعني به عموم الكتاب مما لا يوجب رفع التخيير فهو ضعيف جداً فإن الأصل الّذي لا يجدي موافقته للخبر هو الأصل العملي كما سيأتي لا أصالة الظهور التي هي أمارة ظنية (مضافاً) إلى ان موافقة الكتاب أو السنة هي من المرجحات المنصوصة فيجب الترجيح بها على كل حال سواء كانت هي أصلا أو أمارة وهذا واضح (وقد يكون) مخالفاً لظهور الكتاب أو السنة وليس بينهما

١٥٦

جمع عرفي بأن لم يكن المخالف نصاً ولا أظهر (والظاهر ان هذه الصورة) ملحقة بالصورة الأولى فيكون الخبر المخالف للكتاب أو السنة بهذا النحو من المخالفة مطروحاً غير حجة مندرجاً تحت الأخبار الناهية عن الخبر المخالف فإنا وإن نقطع بصدور كثير من الأخبار المخالفة لظهور الكتاب أو السنة لكن فيما كان المخالف نصاً أو أظهر لا مطلقاً كما هو الظاهر.

(قوله وتخصيص الكتاب به تعييناً أو تخييراً لو لم يكن الترجيح في الموافق ... إلخ)

أي وتخصيص الكتاب بالخبر المخالف تعييناً إذا كان فيه ترجيح أو تخييراً إذا لم يكن فيه ترجيح.

(قوله كما نزلناها عليه ... إلخ)

أي عند الجواب عن أخبار الترجيح فقال مع ان في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم من اخبار الباب نظراً ... إلخ فراجع.

(قوله ويؤيده اخبار العرض على الكتاب الدالة على عدم حجية المخالف من أصله ... إلخ)

أي ويؤيد كون اخبار الترجيح هي في مقام تعيين الحجة عن اللاحجة لا ترجيح الحجة على الحجة أخبار العرض على الكتاب يعني بها الأخبار الناهية عن الخبر المخالف للكتاب والسنة ولو لم يكن له معارض التي تعبّر عنه بالزخرف والباطل ونحوهما فانهما تفرغان عن لسان واحد فلا وجه لحمل المخالفة في الطائفة الأولى على خلاف المخالفة في الطائفة الثانية بأن يحمل المخالفة في الطائفة الأولى على المخالفة بالعموم والخصوص المطلق ويحمل المخالفة في الطائفة الثانية على المخالفة بالمباينة الكلية أو بالعموم والخصوص من وجه.

(أقول)

قد عرفت منا مراراً أنه فرق بين الطائفتين جداً (وان المراد من المخالفة) في الطائفة

١٥٧

الأولى أعني اخبار الترجيح هو المخالفة لظهور الكتاب أو السنة بشهادة كون الترجيح بموافقة الكتاب والسنة في المقبولة هو بعد الترجيح بالشهرة والشذوذ فإن معنى تأخره عنه هو وجوب الأخذ بالمشهور ولو كان مخالفاً للكتاب أو السنة فلو كان المراد من المخالفة فيها المخالفة لنص الكتاب أو السنة لم يجز ذلك قطعاً (وأن المراد من المخالفة) في الطائفة الثانية أعني اخبار العرض على الكتاب هو المخالفة لنص الكتاب ولصريحه وذلك بشهادة القطع بصدور كثير من الأخبار المخالفة لظاهر الكتاب دون نصه وصريحه المخصصة لعموماته أو المقيدة لإطلاقاته أو المؤوّلة لظواهره إلى معان أخر يباين المعاني الظاهرة (وعليه) فالتأييد الّذي قد ذكره المصنف من ان الطائفتين تفرغان عن لسان واحد هو في غير محله (ولعل) من هنا قد رجع أخيراً عن هذا التأييد بقوله اللهم إلّا ان يقال نعم ... إلخ.

(قوله اللهم إلا أن يقال نعم إلا أن دعوى اختصاص هذه الطائفة بما إذا كانت المخالفة بالمباينة ... إلخ)

رجوع عما ذكره من التأييد كما أشرنا آنفاً (وحاصل) وجه الرجوع ان دعوى اختصاص الطائفة الثانية وهي اخبار العرض على الكتاب التي تنهى عن الخبر المخالف ولو لم يكن له معارض وانه زخرف باطل لم نقله بما إذا كانت المخالفة بالمباينة بقرينة القطع بصدور المخالف الغير المباين عنهم عليهم‌السلام غير بعيدة (وعليه) فلا يبقى مجال للتأييد المتقدم من ان الطائفتين تفرغان عن لسان واحد.

(أقول)

ولو قال بما إذا كانت المخالفة لنص الكتاب بقرينة القطع بصدور المخالف لظهوره عنهم عليهم‌السلام كان هو الصحيح وذلك لما عرفت من ان المعيار في كون الخبر المخالف زخرفاً باطلا لم يقل به الإمام عليه‌السلام هو ان يكون مخالفاً لنص الكتاب ولصريحه ولو كانت مخالفته بنحو العموم والخصوص المطلق وأن الخبر المخالف لظهور الكتاب يكون حجة إذا كان نصاً أو أظهر وان كانت مخالفته بنحو المباينة الكلية.

١٥٨

(قوله وإباء مثل ما خالف قول ربنا لم أقله أو زخرف أو باطل عن التخصيص ... إلخ)

مقصوده ان القطع بصدور المخالف الغير المباين عنهم عليهم‌السلام بضميمة إباء مثل قوله عليه‌السلام ما خالف قول ربنا لم أقله أو زخرف أو باطل عن التخصيص هو قرينة واضحة على كون المراد من المخالفة في هذه الأخبار أي الدالة على عدم حجية المخالف هو المخالفة بالمباينة ولو لا الإباء عن التخصيص لقلنا بشمولها لمطلق المخالفة غايته انه ما قطعنا بصدوره عنهم من المخالف الغير المباين كان خارجاً بالتخصيص.

(قوله وإن كانت المخالفة بالعموم والخصوص من وجه فالظاهر انها كالمخالفة في الصورة الأولى ... إلخ)

قد أشرنا فيما تقدم ان المصنف قد ألحق المخالفة بالعموم والخصوص من وجه بالصورة الأولى وهي المخالفة بالمباينة الكلية وانه قد ذكر هذه الصورة في آخر كلامه فهذا هو محل ذكرها فلا تغفل.

في بيان حال القسم الثالث من

المرجحات الخارجية

(قوله وأما الترجيح بمثل الاستصحاب ... إلخ)

بل بالبراءة والاحتياط أيضا (ومن هنا قال) الشيخ أعلى الله مقامه ولا فرق في ذلك بين الأصول الثلاثة أعني أصالة البراءة والاحتياط والاستصحاب (انتهى)

١٥٩

وكيف كان هذا شروع من المصنف في بيان حال القسم الثالث من أقسام المرجحات الخارجية وهو الدليل المعتبر في نفسه الغير المعاضد لمضمون أحد الخبرين (وقد تقدم) التمثيل له في صدر هذا الفصل والفصل السابق أيضا بالأصل العملي.

(بل الشيخ) أعلى الله مقامه قد ذكر من القوم مرجحين آخرين أيضا غير الأصل العملي مثل كون أحد الخبرين متضمناً للإباحة والآخر مفيد للحظر فيقدم الحاظر على المبيح أو كون أحد الدليلين دليل الحرمة والآخر دليل الوجوب فيقدم دليل الحرمة على دليل الوجوب :

(قوله فالظاهر أنه لأجل اعتباره من باب الظن والطريقية عندهم إلى آخره)

وقد أشار الشيخ أعلى الله مقامه إلى ذلك (فقال) بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) لكن يشكل الترجيح بها يعني الأصول الثلاثة أي البراءة والاحتياط والاستصحاب من حيث ان مورد الأصل ما إذا فقد الدليل الاجتهادي المطابق أو المخالف فلا مورد لها إلا بعد فرض تساقط المتعارضين لأجل التكافؤ والمفروض ان الاخبار المستفيضة دلت على التخيير مع فقد المرجح فلا مورد للأصل في تعارض الخبرين رأساً فلا بدّ من التزام عدم الترجيح بها وأن الفقهاء انما رجحوا بأصالة البراءة والاستصحاب في الكتب الاستدلالية من حيث بنائهم على حصول الظن النوعيّ بمطابقة الأصل وأما الاحتياط فلم يعلم منهم الاعتماد عليه الا في مقام الاستناد لا في مقام الترجيح (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(وبالجملة) محصل كلام الشيخ والمصنف جميعاً ان ترجيح الأصحاب أحد الخبرين المتعارضين بالأصل العملي مبني على اعتبار الأصل من باب الظن وأما بناء على اعتباره تعبداً وكونه أصلا عملياً محضاً فيشكل الترجيح به.

(غير أن وجه الإشكال في نظر الشيخ) أن الأصل العملي كما تقدم شرحه هو مما لا مورد له مع الدليل الاجتهادي سواء كان الدليل مخالفاً له أو موافقاً معه

١٦٠