زيارة عاشوراء السنة الإلهية العظمى

فؤاد شبيب

زيارة عاشوراء السنة الإلهية العظمى

المؤلف:

فؤاد شبيب


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٦٥

ـ وفي سورة المائدة آية قال تعالى : (لعن الذين كفروا من بي إسرائيل على لسان داود) فهل يستقیم کلام مستحسن بأن يتره ـ كما يعبر ـ لسانه من اللعن ، في الوقت الذي لسان هذا النبي العظیم داود يذكره ويتقرب إلى الله بذلك!

ـ وفي سورة الأحزاب آية ٦٤ قال جل اسمه : (إن الله لعن الكافرين

وأعد لهم سعيرا)

ـ وفي نفس السورة آية قال تعالى : (إن الذين يؤذون الله ورسوله العنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا)

ـ وفيها آية ٦١ قال جل من قائل : (ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا)

ـ وفي سورة (ص) آية قال تعالى : (وإن عليك لعنتي إلى ي وم الدين)

ـ وفي سورة النساء أية ٤٦ قال تعالى : (ولكن لعنهم الله بكفرهم ف لا يؤمنون إلا قليلا)

ـ وفي سورة البقرة آية قال جل وعلا : (فلعنة الله على الكافرين)

ـ وفي سورة التوبة آية ٦٨ قال تعالى : (ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم)

ـ وفي سورة الفتح آية ٦ قال تعالى : (وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد هم جهنم وساءت مصيرا)

ـ وفي سورة هود آية ١٨ قال تعالى : (ألا لعنة الله على الظالمين)

ـ وفي سورة الأعراف آية ٤٤ قال تعالى : (أن لعنة الله على الظالمين) وغيرها ... وغيرها .. من الآيات الطاهرات والتي من مجملها تدل على أن اللعن مأمور به شرعا من قبل الباري جل وعلا.

٨١

باء: الروايات :

فهي لا حصر لها من كثر ما ، وهذا القول من كلا الطرفين لا الشيعة فقط وكتبهم ، بل الفريقان ، ومن هذه النماذج الواردة :

* ذكر العلامة المجلسي (قدس سره) في بحار الأنوار ج ص ٤ أن النبي صلى الله عليه وآله وقبل وفاته بتسعة عشر يوما ، والنص مختصر : ... والله يقول : (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) فمن ظلمنا فعليه لعنة الله ، وأمرته أن ينادي : من توالى غير مواليه فعليه لعنة الله ...) إلى آخر الرواية ، والتي في معظمها اللعن من الله ورسوله على المخالفين.

* وقد ذكر الشيخ الصدوق (ره) في كتاب الخصال في الجزء الثاني منه صفحة : قال الراوي : أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن : أو فن : يوم لعنه الله ورسوله وهو خارج من مكة إلى المدينة مهاجرة ، وأبو سفیان جاء من الشام فوقع فيه أبو سفيان يسبه ويوعده فهم أن يبطش به ، فصرفه الله عن رسوله.

الثانية : يوم العير ... إذ طردها ليحرزها من رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلعنه الله ورسوله.

الثالثة : يوم أحد ...

الرابعة : يوم الخندق ...

الخامسة : يوم الحديبية ...

السادسة : يوم الأحزاب ...

٨٢

السابعة : يوم حملوا على رسول الله صلى الله عليه وآله في العقبة وهم اثنا عشر رجلا من بني أمية وخمسة من سائر الناس ، فلعن رسول الله (ص) من

على العقبة ـ غير النبي ـ وناقته وسائقه وقائده.

أقول : ينقل أن الراكب كان أبو سفيان والقائد معاوية والسائق يزيد

* روایات وردت عن النبي صلى الله عليه وآله منها :

ـ ملعون ملعون من يظلم بعدي فاطمة ابنتي(١)

ـ ملعون ملعون من ضيع من يعول(٢)

ـ ملعون ملعون مبغض علي ابن أبي طالب(٣)

وغيرها من الروايات على هذا النحو.

* ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام حينما اعترضه الأشعث ابن قیس وأمير المؤمنين (ع) يخطب على منبر الكوفة ، فمما جاء من كلام الأمير (ع) (.. عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين ..) (٤).

* والقول المشهور لأبي الفضل العباس ابن علي (ع) بمرأى ومسمع الإمام الحسين (ع) حينما جاء شمر ينادي : أين بنوا أختنا ... وكان يعني العباس ، فقال شمر (لكم الأمان من ابن زیاد فخلوا معسكر الحسين) فرد عليه أبو الفضل العباس أمام الحسين (ع) لعنك الله ولعن أمانك).

* ومن الروايات القصيرة الواردة عن بعض الأئمة عليه السلام :

ـ ملعون ملعون قاطع رحم(٥)

ـ ملعون من جلس طائعا على مائدة يشرب عليها خمر(٦)

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ص

(٢) الكافي ج ٤ ص

(٣) كنز الفوائد ص ٦٣

(٤) مستدرك الوسائل ج ص

(٥) وسائل الشيعة ج ص

(٦) الكافي ج ٦ ص

٨٣

وعلى هذا النحو.

* ومما جاء في كتب السنة من الروايات عن النبي الأعظم (ص) ـ وهي كثة جدا ـ والتي تفيد ما نحن بصدده :

جاء في مسند احمد لمؤلفه الإمام أحمد بن حنبل في ج ص : عن عكرمة عن ابن عباس قال قال النبي (ص) : ملعون من سب أباه ملعون من سب أمه ملعون من ذبح لغير الله ملعون من غير تخوم الأرض ملعون من كمه أعمى عن طريق ملعون من وقع على بقيمة ملعون من عمل بعمل قوم لوط

وفي سنن الدارمي لمؤلفه عبد الله بن بهرام الدارمي في ج ص : عن بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله

ـ وسلم قال الحالب مرزوق والمحتكر ملعون

وفيه أيضا في ج ص :

عن أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وس لم : (ملعون من ضار مؤمنا أو مكر به).

وفي المستدرك للحاكم النيسابوري في ج ٤ ص : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الله سبعة من خلقه فرد رسول الله صلى الله عليه وآله على كل واحد ثلاث مرات ثم قال ملعون معلون ملعون من عمل عمل قوم لوط ملعون من جمع بين المرأة وابنتها ملعون من سب شيئا من والديه ملعون من أتى شيئا من البهائم ملعون من غير حدود الأرض ملعون من ذبح لغير الله ملعون من تولى غير موالیه.

وغيرها كثير ....

٨٤

جیم:

بعد أن ذكرنا بعض الآيات والروايات الدالة على جواز ـ الجواز بالمعن الأعم من المستحب والواجب والمكروه والمباح ـ اللعن بل رجحانه ، بل وجوبه في بعض الموارد ، نذكر هنا دليلا مستقلا منسلا من النصوص وقد أفردناه لأهميته وهو :

أجمع العلماء على وجوب الاعتقاد بفروع الدين كالصلاة والصوم وغيرها ، وعدوا المنكر لفرع من فروع الدين إما جاحدا أو كافر ـ بالمعنى الواسع ـ على تفصيل مذكور في مظانه ، ومن جملة فروع الدين الواجب الاعتقاد بما فرعين مهمين وهما (التولي والتبري) ، بمعنى أن المسلمين أجمعوا علی وجوب موالاة ومحبة أولياء الله سبحنه کالأنبياء والأوصياء وهذا لا خ لاف فيه ولا نقاش ، وكذلك أجمعوا على معاداة وبغض أعداء الله سبحانه. حيث قال جل اسمه : (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرهم). وكذا قوله تعالى : (لا تتولوا قوما غضب الله عليهم). وعليه يكون الحب في الله واجب والبغض في الله واجب.

وهذا الحب والبغض (التولي والتبري) مصاديق كثيرة ، وما يهمنا ـ هنا في البحث ـ هو التبري ، حيث أن لعن أعداء الله سبحانه وتعالى ، وكذا أعداء رسوله (ص) من أجلى مصاديق التبري وله من الثواب ما لا يحصى ، وإن كان عدم اللعن نابعة ولو بشيء بسيط من الظن في أولمك بحيث يؤثر على الفرع الديني لكان الأمر معصية بلا ریب حيث فيه موالاة لأعداء الله ، ويكفي قوله تعالى : (أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون).

__________________

(١) سورة المجادلة آية

(٢) سورة الممتحنة آية .

٨٥

ثانيا :

هل نرد کلام الله ـ سبحانه ـ بهذا الاستحسان؟:

إن القائلين بعدم وجوب اللعن ـ في بعض موارده ـ بل عدم رجحانه ، وأن الله جل وعلا لا يسألنا إذا لم نلعن أعداء الله ورسوله ، أو أننا لا نقرأ ولا نطلع على الكتب التي تحوي مثل هذه الأمور ، أو كما قال أحدهم في محطة فضائية : إني لا أؤمن بجميع تلك الكتب التي تحوي على هذه اللعنات .. أو كما قال أخر : إن زيارة عاشوراء لا نعمل بما ولا يقبلها عقلي لما فيها من اللعن الغريب وو ....

فعلى أولئك إعمال هذا المبني على جميع الكتب ، لا كتابا دون آخر من المصادر ، وفي جميع النصوص. وعليه فإن القرآن الكريم المنزل من قبل الله جل وعلا والمتضمن الكثير مما أنكروه ـ كما تقدم في الآيات السابقة .. وبهذا يظهر : فساد مبناهم ، وهم ـ والحال هذه ـ لا ينكرون القرآن العزيز وأنه متزل من قبل الله جل وعلا ، ولكنهم استحسنوا شيئا في قبال نص صریح وواضح ، فأقل ما يمكن أن يقال : إن هذا المبين لا يستقیم وواضح الفساد ، وأهم أخطئوا في الاتكاء على هذا المبين ، ونسأل الله أن يه دينا وإياهم إلى سواء السبيل إنه سميع مجيب.

ثالثا : (ملاحظة) :

اتضح مما سبق أن الإشكال الوارد حول الزيارة ـ عاشوراء ـ أو غيرها ، من ورود اللعن الغليظ فيها مما يجعلنا لا نؤمن بما ولا بغيرها ، كلام لا يستقیم بحال ففي إعمال هذه القاعدة رة لكتاب الله سبحانه ، فكل ما يقال حول اللعن وعدم استحسانه قليلا أو كثيرا ما هو إلا اجتهاد في قبال النص ـ

٨٦

والعياذ بالله ـ ومردود بالدليل القاطع الواضح. وقد أتضح كل ذلك في النقاط السابقة.

٨٧

الشبهة الثانية :

مفادها :

لا ينبغي التركيز على هذه الزيارة (زيارة عاشوراء) لما تتضمنه من أمور تثير الفتنة بيننا وبين إخواننا المسلمين ، وأن روح الإسلام والمبادئ والقيم التشريعية عندنا تقتضي العمل على قضايا أهم من ذلك والتي منها قيمة (الوحدة) ، أي الوحدة بين المسلمين في الوقت الذي نحن فيه بأمس الحاجة ها ، لمقاومة الغزو الاستعماري بكافة ص وره ، الثقافية، والفكرية ، والاقتصادية ، والسياسية ، بل وحتى العسكرية ووو. فضلا أن هذه الزيارة وغيرها ينفر من الدخول والإطلاع على المذهب ويثير التهكم. وعلى هذا الرأي فإن المناط يكون هو كل ما يمكن دخوله ضمن هذه الحلقة ، أي كل ما يثير التهكم والفتنة ويعرض قيمة الوحدة الإسلامية ندفعه ولا نعمل به.

رد الشبهة :

وقبل البدء فيما يمكن أن يقال في رد الشبهة نذكر ملاحظتين :

١) أن القائلين بهذه الدعوى يقولون بصحة الزيارة من حيث السند والصدور ولا إشكال لديهم في ذلك.

٢) وبناء على ذلك فلا بد من مشمول هذه الزيارة بأحد الأحكام الشرعية (الخمسة) وهو حكم الاستحباب هنا ، ولو من باب قاعدة التسامح في أدلة السنن ، ومرادهم مما تقدم في الشبهة هو رفع اليد عن هذا الحكم لما يرونه للتزاحم الواقع بين الأمرين.

٨٨

وبعد ذلك يمكن القول :

إن التهكم وغيره ـ مما ذكر ـ لا يكفي لرفع اليد عن الأحكام الإلهية الثابتة والأساسيات الإعتقادية.

وللتوضيح :

إن التهكم ونحوه لا يكفي في رفع اليد عن الأساسيات الإعتقادية وما يرتبط كما. وحيث أن (البراءة) من أعداء الله تعالى من الأساسيات فلا يصح رفع اليد عن ذلك لتهكم أو نحوه ، والقضية لا تنحصر في (زيارة عاشوراء) بل ترتبط بمجمل (خط البراءة) ولو تنازلنا عن زيارة عاشوراء لوجب أن نرفع اليد عن كل ما يتعلق بالبراءة ، مثلا : لا يصح لنا أن نعتقد بأحقية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة لأنه خلاف الوحدة ولا يصح لنا أن نعتقد بعلم الأئمة (ع) بالغيب لأنه يوجب التهكم ، ولا يصح لنا أن نقول ب (حلية زواج المتعة) لأنه يوجب تفريج من البعض ضدنا .. وهكذا ... ولن يصل خط التنازل هذا إلى حد ، إلا بالتخلي عن كل الأسس الإعتقادية وقد قال الله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) وقال (حتى یردوکم عن دینکم إن استطاعوا).

وبناء عليه :

لم نجد في كتب الفقه أو كتب الأصول واللذان (الفقه ، والأصول) يمثلان أساس الفكر الديني والاستنباط الشرعي ، ما يجعل التأملات السابقة ـ من التهكم وغيره ـ مرجحا لرد حكم أو الإعراض عن رواية ، ولا يمكن التمسك بدعوى من دون دلیل ، فيلزم على المدعي إقامة الدليل على دعواه ، وإلا فنضرب بالدعوى عرض الحائط.

٨٩

ثم بعد ذلك : فإن العمل بهذه الدعوى والبناء عليها يستلزم بالضرورة التخلي عن الكثير من الأحكام الشرعية في جميع أبواب الفقه الصلاة والحج والخمس والجهاد وو ...، وكذا يستلزم الإعراض عن جملة من الروايات والتي تعد بالمئات ، التي تتعارض مع هذه الدعوة ، كما هو موجود في كتب الحديث ، أنظر بحار الأنوار للعلامة المجلسي في المجلد ().

فعليه : فإن هذه الشبهة والمقولة لا تستقيم أمام المنهج الدين فقها وأصولا ، وهي دعوی بلا دليل! والله العالم.

وذكر الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي (قدس) في كتابه (الشعائر الحسينية) أن الاستهزاء والضحك وغيره من المخالف لا يمكن القبول ب ا والاعتماد عليها لترك الشعائر الحسينية .. قال : (وأما ترك الشعائر الحسينية الضحك الأعداء منها فهذا يكشف عن المزامية بالغة في نفوس هؤلاء .. ولقد كان الجاهلون والمنافقون ألذع سخرية وأكثر ضحكا من الإسلام غير أن النبي العظيم لم يعر سخريتهم من الاهتمام ما كان يعيرها لطنين الذباب فمضى في سبيله لا يلويه شيء حتى أنتصر وألقي القرآن ضوءا على واقعهم المتفسخ بقوله ((وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن)) ولقد سخر اليهود بالأذان وسخر المشركون بالسجود فلم تثن من عزم المسلمين شيئا بل ضربوا على ذلك النهج المستقيم غير مبالين بعثرات غيرهم حق ادخروا لنا التشيع عبر الزوابع الهوج).

٩٠

الشبهة الثالثة :

مفادها :

إن زيارة عاشوراء لها مصدران وهما : كتاب مصباح المتهجد لشيخ الطائفة الطوسي ، وکتاب کامل الزيارات لابن قولويه ، وإن للزيارة ألفاظ وعبائر مختلفة من مصدر لأخر ، وهذا الاختلاف يشي ولو بصورة غير كاملة بضعف الزيارة بل ربما تكون ملفقة ومن صنع بعض الشيعة!!

وفي واقع الأمر فإن هذه الشبهة لا تحتاج إلى كثير تأمل في تفنيدها ، ومن شدة ضعف هذا الرأي لا أحد يتبناه ...

وكيف كان .. يلزم الرد على ذلك :

إن ورود أدب أو سنة ، بل وحتى حكم في أكثر من نص منقول من أكثر من معصوم (ع) وتكون هذه النقولات إما مختلفة في بعض الألفاظ فقط من دون اختلاف في الأصل والمضمون ، وتارة يكون الاختلاف في المضمون. وإذا كان الأمر الواقع هو الثاني فإن الرجوع في ذلك إلى علم الأصول باب التعادل والتراجيح.

وأما إذا كان الأمر الواقع هو اختلاف في بعض الألفاظ فقط مع المحافظة على الأصل والمضمون فإن ذلك أمره سهل ويسير :

فإما أن يكون الاختلاف بسبب اختلاف الرواة ، وهو أمر أوضح من أن يوضح ، وإما أن يكون بتعدد المطلوب ، بمعن تعدد أفراد المستحب الكلي تخييرا ، وإما أن يكون الجمع بين الروايات جمعة عرفية عامة ، وذلك كما هو منقول عن الشيخ عبد الكريم الحائري (قدس) أنه كان يصف طريقة) العرف العام : هو العرف الاجتماعي العام الشامل للعرف الخاص بأهل فن معين كالعرف العلمي أو الفلسفي أو غيرهما.

٩١

متبعة لدى السيد الميرزا الشيرازي (قدس) كان يراها صحيحة ناتجة ع ن الجمع بين الأخبار(١)، وربما كانت طريقة السيد اليزدي صاحب العروة الوثقی

ـ الآتية في الفصل الثالث ـ كذلك أيضا ، أي الجمع بين الأخبار. وغيرها .. وغيرها .. من التوجيهات الممكنة للروايات المختلفة ، ويعرف ذلك ويظهر جليا في بطون كتب الفقه كالروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الثاني ، والجواهر للشيخ النجفي ، والحدائق للبحراني وغيرها من الكتب.

وفي الجملة ، فإنه لا توجد اختلافات ـ بالمعنى العلمي المتعارف ـ في زيارة عاشوراء ، بل هي اختلافات قليلة جدا وبسيطة ، فعلى سبيل المثال وردت في الزيارة : (وعظمت المصيبة بك علينا ..) وتوجد في بعض النسخ بدل (بك) (بكم علينا) وعلى هذا النحو قس ، انظر مفاتیح الجنان للمحدث القمي.

فهذا لا يعد اختلافا بالمعن الأصولي لاختلاف الروايات ، وإن كان كذلك فأمره وحمله على ما ذكر لا يحتاج إلى عناء.

__________________

(١) مفاتیح الجنان ص ٥.

٩٢

الشبهة الرابعة :

مفادها ::

هناك أكثر من طريقة في لسان الروايات لزيارة عاشوراء ، فإن المنقول ع ن الإمام الباقر (ع) يختلف عن المنقول عن الإمام الصادق (ع) في كيفية زيارة عاشوراء من التقديم والتأخير في الصلاة أو التكبير أو غيرها ..

وكذا توجد طرق عدة لدى علمائنا فهناك أكثر من ستة أو سبعة طرق للزيارة ، وإن هذا التعدد بهذا الشكل يضعف هذه الرواية.

في الرد على هذه الشبهة يمكن القول :

نعم .. توجد طرق متعددة في كيفية زيارة عاشوراء وذكر ذلك العلامة المجلسي في البحار. وهذا ما سنتناوله في الفصل اللاحق ـ إنشاء الله ـ مفصلا ، ولكن ما يمكن قوله هنا عين ما قيل في النقطة السابقة من باب تعدد المطلوب الاستحبابي ، أو محاولة للجمع بين الزيارتين أو غيرها ، فإن التعدد لا ينافي الصدور من جهة ، ولا ينافي تعدد المطلوب من جهة أخرى ، أو غيره من التوجيهات.

وتأتي هنا بمثال فقهي ، وكيف عالج علماؤنا الروايات المختلفة في شيء واحد:

وردت لدينا مجموعة روايات في استحباب الفصل بين الأذان والإقامة فمن هذه الروايات :

ـ صحیح سليمان ابن جعفر الجعفري قال : (سمعته يقول : أفرق بين الأذان والإقامة بنجلوس أو بركعتين) (١)

__________________

(١) الوسائل باب حديث .

٩٣

ـ عن أبي عبد الله (ع) قال : (كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول لأصحابه من سجد بين الأذان والإقامة فقال في سجوده .... إلخ) (١)

ـ وفي الفقه الرضوي .. (وأما المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة برجله اليمن ..) (٢)

وغيرها من الروايات التي تحوي نفس المضمون ، وقد استفاد علماؤنا الأعاظم من هذه الروايات التي تبدو أنها مختلفة ـ والحال غير ذلك ـ بأن المستحب متعدد بأي أمر أتيت كان مجزية ولك من الثواب الجزيل ، ولذا قال في العروة الوثقى وتبعه العلماء على ذلك ما نصه : (العاشر من المستحبات ـ : يستحب الفصل بين الأذان والإقامة بصلاة ركعتين أو خطوة أو قعدة أو سجدة أو ذكر أو دعاء أو سکوت ... إلخ).

هذا والحال أن التعدد هنا واضح وجلي لا ريب فيه ، كيف إذا كان الأمر غير ثابت من اختلاف الطرق المروية ، وعلى القول بوجود الاختلاف فهناك أكثر من طريق للتعامل معها.

بل نزيد ونقول لو أن التعارض بين روايتين معينتين مستحکم ، أي ثابت ، فإن قدرنا على ترجيح إحداهما بناء على تأسيس الاعتقاد في ذلك في علم الأصول (باب التعادل والتراجيح) ، وإلا قلنا : (علمها عند أهلها) ولا نسقط رواية بلا دلیل وحجة قطعية واضحة.

والأمر في زيارة عاشوراء هين ، حيث أنه لا تعارض ، بل هناك طرق متعددة لمن كان عند الإمام الحسين عليه السلام طريقة ، ولمن كان عند الأمير عليه السلام طريقة أخرى ، أو كان بعيدا عن كربلاء طريقة ثالثة .. وهكذا.

__________________

(١) الوسائل باب حديث ١٤.

(٢) مستدرك الوسائل باب حديث .

٩٤

إذا الشبهة لا يمكن أن تستقيم أمام ذلك ، وسيتضح في الفصل اللاحق ـ إنشاء الله ـ والمنعقد حول كيفية زيارة عاشوراء ، أكثر مما ذكرنا.

٩٥

الفصل الثالث

طرق وكيفية زيارة عاشوراء

٩٦

مدخل :

اختلفت الروايات الواردة في زيارة عاشوراء وذلك في كيفية وطريقة الإتيان بالزيارة ، وها واضح وظاهر حتى وصف العلامة المجلسي ذلك بقوله ((في العبارة إشكال وإجمال وتحتمل وجوها)) وعلى ذلك اختلفت طريقة العلماء فيها فمنهم من أخذ بنص رواية دون الأخرى وبعضهم بالأخرى دون الأولى ومنهم من حاول الجمع بين الروايات ومنهم من أعمل الأصل وغيرها من الطرق ، ولعل ذلك ـ كما سبق ـ لتعدد المطلوب.

لذا كان من اللازم إفراد فصل حول طريقة وكيفية زيارة عاشوراء وسيكون هذا الفصل في نقطتين.

الأولى : ذكر الطرق المتعددة والمستند ها.

الثانية : في اختصار زيارة عاشوراء (كطريقة مستقلة).

والله الموفق والمستعان.

٩٧

طرق وكيفية زيارة عاشوراء:

وردت زيارة عاشوراء عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام لذا كان من اللازم ذكر الطريقة الموجودة في الروايات أولا ... والظاهر أن الموجود في الروايات الورادة عن المعصومين ثلاثة طرق كالتالي :

الطريقة الأولى :

ذكر محمد بن إسماعيل بن بزبع عن الإمام الباقر (ع) طريقة في مصباح الشيخ الطوسي ونقلها المحدث القمي في مفاتیح الجنان ص ومفادها كالتالي :

١/ البروز إلى الصحراء أو الصعود إلى السطح.

/ الإيماء إلى الإمام بالسلام (والظاهر أنها الزيارة ـ والله العالم).

٣/ الإجتهاد في الدعاء على قاتليه.

٤/ الصلاة ركعتين (صلاة الزيارة).

مع ملاحظة كون فعل ذلك كله في صدر النهار وقبل الزوال.

٥/ ثم يندب الحسين عليه السلام ، ويبكيه.

هذه هي الطريقة الأولى.

٩٨

الطريقة الثانية :

وهي أيضا عن الإمام الباقر عليه السلام منقولة في نفس المصادر المتقدمة ، ويظهر أنها طريقة أخرى غير المتقدمة وإن كان السند واحدا ، وهي كالتالي :

(مفادها) : ـ مفاتیح الجنان ص

١/ التكبير

/ الإيماء إلى الإمام بالسلام (والظاهر سلام خفيف غير الزيارة)

٣/ الصلاة ركعتين

٤/ الإتيان بالزيارة (زيارة عاشوراء)

مع ملاحظة أن الإمام عليه السلام ذكر في هذه الرواية إن فعل ذلك في الدار يوجب ثواب جميع ذلك.

الطريقة الثالثة :

وهي رواية عن صفوان بن مهران الجمال عن الإمام الصادق عليه السلام ، حيث أن هذه الطريقة أتي بها الإمام الصادق عليه السلام مع جماعة من الأصحاب منهم (صفوان بن مهران) ، والمهم معرفة أنهم أتوا بهذه الطريقة عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، ومفاد الطريقة كالتالي :

/ زيارة أمير المؤمنين عليه السلام.

/ قراءة الزيارة ، أقول : هل المقصود زيارة عاشوراء أم سلام آخر؟ وما معنى رقم () الآتي.

٣/ الصلاة ركعتين

٤/ تودیع أمير المؤمنين عليه السلام

٥/ الإيماء للحسين عليه السلام بالسلام

٩٩

٦/قراءة الدعاء (دعاء صفوان بعد الزيارة .. يا مجيب ...).

وهنا هل المقصود من رقم و ٥ قراءة الزيارة أم أن الأول س لام وجيز والثاني هو قراءة الزيارة أم العكس؟

الظاهر والله العالم أن قراءة زيارة عاشوراء هو في رقم حيث جاء النص كالتالي : (فلما فرغنا من الزيارة ـ زيارة أمير المؤمنين عليه السلام ـ صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد الله عليه السلام فقال لنا : تزورون الحسين عليه السلام من هذا المكان عند رأس أمير المؤمنين صلوات الله عليه من ههنا وأومأ إليه أبو عبد الله عليه السلام وأنا معه. قال : فدعا ص فوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام). وهذا ظاهر أن زيارة عاشوراء تأتي بعد زيارة أمير المؤمنين عليه السلام. وبعد ذكر هذه الطرق المروية ينبغي التنبه على أن التعدد هذا يدل على مشروعية أي من هذه الطرق من باب تعدد المطلوب ، كما أن في قنوت الصلاة توجد أذكار كثيرة ومستحبة وبأي ذكر تاتي تكون قد أديت المطلوب كذلك أيضا في الزيارة بأي طريقة تأتي يكون الإنسان قد أدى المطلوب.

وينبغي هنا أن نشير إلى أن كثيرا من علماءنا الأجلة حاولوا الجمع بين ه ذه الأخبار والخروج بطريقة معينة حيث أن في بعض الروايات كما عبر العلامة المحلسي (في العبارة إشكال وإجمال).

ونذكر هنا طريقتين لعالمين من علمائنا الأعاظم وهما السيد محمد کاظم اليزدي صاحب العروة الوثقی قدس الله سره ، والثاني السيد المحدد الشيرازي الكبير قدس الله سره الشريف.

١٠٠