زيارة عاشوراء السنة الإلهية العظمى

فؤاد شبيب

زيارة عاشوراء السنة الإلهية العظمى

المؤلف:

فؤاد شبيب


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٦٥

ـ إن التعلبکري هذا العالم الجليل يكثر الرواية عن شيخه أحمد ابن محمد ابن نخي ، فكيف يروي هذا الثقة عن شخص لا يرى وثاقته! وكذا الشيخ الصدوق فقد أكثر الرواية عنه ، يقول السيد بحر العلوم في فوائده؟ (ورواية التعلبکري الثقة العديم النظير عنه ، تشعر بجلالته).

ـ كتب أبو العباس أحمد ابن علي ابن نوح السيرافي إلى النجاشي في جواب کتابه أمرا يشعر بالتسليم بوثاقة أحمد ابن محمد ابن حي العطار ، وهذه الرسالة التي سأل النجاشي أبا العباس تعريف الطرق إلى أبي سعيد الأهوازيين فقال : ... أما ما عليه أصحابنا والمعول عليه : ما رواه عنهما أحمد ابن محمد ابن عيسي : أخبرنا به الشيخ الفاضل أبو عبد الله الحسین ابن علي ابن سفيان البزوفري قال : حدثنا أبو علي الأشعري أحمد ابن إدريس ابن أحمد القمي قال : حدثنا أحمد ابن محمد ابن عیسی عن الحسين بن سعيد بكتبه الثلاثين كتابا وحدثنا أبو علي ـ بيت القصيد ـ أحمد ابن محمد ابن يحي العطار القمي قال : حدثنا أبي عبد الله ...) فإن هذا يشعر بالتسليم بجلالة كل من ذکر ، بمن فيهم أحمد ابن محمد ابن يحي العطار.

وعلى هذا .. نقل جملة للعلامة المجلسي حيث قال : (هو من مشايخ الإجازة وحكم الأصحاب بصحة حديثه) فتأمل في (ص حة حديثه) ، وبالجملة لم يقل أحد فيه أقل من كونه صحيح الحديث والذي عليه الأكثر الوثاقة ، وهذا لا ثمرة في البين ، حيث أن الثقة يحكم على حديثه بالصحيح ،

__________________

(١) معجم رجال الحدیث ج ص .

(٢) الجزء الثاني ص .

٦١

والصحيح الحديث يحكم على حديثه بالصحيح ، لا فرق ، فهو ثقة جليل القدر.

٤) محمد ابن يحي : وهو والد المتقدم ـ أحمد ابن محمد ـ وهو كما ذكرناه في الطريق الثالث من أجلاء الطائفة وثقاقم.

٥) محمد ابن علي ابن محبوب :

قال عنه النجاشي : (محمد ابن علي ابن محبوب الأشعري القمي أبو جعفر ، شیخ القميين في زمانه ثقة ، عين ، فقیه ، صحيح المذهب) (١)

فمقامه كما ترى من السمو والجلالة والوثاقة.

٦) محمد ابن خالد الطيالسي :

قال الشيخ : (محمد ابن خالد الطيالسي ، يكنى أبا عبد الله روی عن حميد أصولا كثيرة ومات سنة تسع وخمسين ومائتين ، وله سبع وتسعون سنة) (٢).

وقال أيضا وهو يتحدث عن ابن محمد ابن خالد وهو عبد الله ابن محمد : (حدثني عبد الله ابن محمد وهو أبو خالد الطيالسي ثقة لا مرية فيه. وأبوه أبو عبد الله محمد ابن خالد الطيالسي أيضا حسن الحال) (٣) ومحمد ابن خالد الطيالسي من أصحاب الإمام الكاظم (ع) على ما في رجال الشيخ. ولمحمد ابن خالد ولدان من الثقات الآجلة وهما عبد الله وأبو محمد الحسن ، وعلى أي حال ، فإن محمد ابن خالد الطيالسي اشتهر بحسن الحال وربما كان السبب في ذلك أنه لم يرو مباشرة عن المعصوم ، وكذا لم ترو عنه أحاديث كثيرة فقد وصلتنا من روايات وقع في

__________________

(١) رجال النجاشي ص.

(٢) رجال الطوسي ص ٤٤١.

(٣) لختیار معروف الرجال ج ص ٦٤٦.

٦٢

أسانيدها بمذا (محمد ابن خالد الطيالسي) مورد فقط، ووقع ب (محمد ابن خالد التميمي) رواية واحدة في باب لا تحب ص لاة العيدين إلا مع الإمام. (١)

وعند ذكر ابنیه (عبد الله ـ وأبو محمد الحسن) ذكر أبوهما بأنه كولديه في حسن الحال ، وعند ضم بعض القرائن مع ما ذكر تثبت وثاقته ، ومن هذه القرائن :

ـ إن طريق الشيخ إليه طريق صحيح كما صرح به الجميع بلا خلاف وإن كان البعض تنظر في أحمد ابن محمد ابن يحي العطار ، وقد ذكرنا شأنه وأنه ثقة ، وهذا الأمر يشير إلى وثاقته.

ـ إن علي ابن الحسن ابن فضال ، يروي عن الطيالسي ، وقد أمرنا أن نأخذ بما يرويه بنو فضال ، حتى قال الشيخ الأنصاري : أن متى ما ورد في سند الرواية بعض بن فضال فهي حجة ولو اشتملت على بعض الضعفاء بين بن فضال والإمام. أقول : إن علي ابن الحسن ابن فضال على كونه قد خالف ، ولكن فيما يروي ورد الأمر بالأخذ به ، فهل يحتمل أن يروي هو مباشرة من غير ثقة!.

ـ إن معظم الذين يروون عنه كعلي ابن إبراهيم وسعد ابن عبد الله ومحمد ابن علي ابن محبوب وغيرهم ، جميعهم ثقات بل إتم أشهر من أن يوثقوا ، فهل يحتمل جميع هؤلاء الثابتة وثاقتهم لم يكونوا على اعتقاد بوثاقة محمد ابن خالد الطيالسي وقد تقدم القول بأن رواية الثقة (الواحد) عن أحد الرجال دلیل علی

__________________

(١) معجم رجال الحديث ج ص .

٦٣

وثاقة ذلك الرجل عند البعض ، فكيف إذا كان الثقات (الجمع) يروون وليس واحدا فما ذاك إلا دليل الوثاقة بلا ريب. وكيف كان .. لم يقل أحد في شأنه بأنه أقل من كونه حسن الحال ، وأنه كولديه في الجلالة وبضم ما ذكر تثبت الوثاقة.

إذا هو محمد ابن خالد الطيالسي الثقة كولديه (عبد الله ـ وأبو محمد الحسن).

) سيف ابن عميرة : وهو من الثقات الأعاظم ولا خلاف على جلالة قدره ووثاقته ، كما تقدم.

) صفوان این مهران الجمال :

صفوان الجمال الفقيه الصالح الثقة المشهور في رواية عن الإمام الكاظم (ع) بالنسبة إلى الجمال التي كان يؤجرها صفوان کارون إلى الحج ، وكيف صنع صفوان بعد ذلك بحيث ترك التجارة حينما رأى أن الإمام غير راض عن ذلك وفي الرواية المعنية هذه الحملة عن الإمام الكاظم (ع) : (يا ص فوان كل شيء منك جميل ما خلا شيئا واحدا) وهذا الشيء هو إكراء ص فوان الجمال من هارون.

وقال النجاشي عنه : (صفوان ابن مهران ابن المغيرة الأسدي مولاهم ثم مولى بني كاهل منهم ، كوفي ، ثقة ، يكن أبا محمد) (١)

وعده الشيخ المفيد في الإرشاد من أصحاب الإمام الصادق (ع) حيث قال : صفوان الجمال من شيوخ أصحاب أبي عبد الله (ع) وخاصته ، وبطانته ، وثقاته الفقهاء الصالحين. (٢)

__________________

(١) رجال النجاشي ص.

(٢) معجم رجال الحديث ج ص

٦٤

خلاصة الطريق الرابع :

إن رجال السند في زيارة عاشوراء في هذا الطريق هو أيضا صحيح ، صحيح ، وكل رواته من الثقات الأعاظم.

وعليه تكون الزيارة تندرج من ناحية السند في قسم (الصحيح) من أقسام الحديث والصحيح حجة بلا ريب ولا شبهة.

٦٥

الطريق الخامس :

وهذا الطريق هو المذكور في كتاب (كامل الزيارات) لجعفر ابن محمد ابن قولویه وهو كما يلي:

١ ـ جعفر ابن محمد ابن قولويبه (صاب الكتاب)

٢ ـ عن حكیم ابن داوود ابن حكيم وغيره

٣ ـ عن محمد ابن موسی الهمداني

٤ ـ عن محمد ابن خالد الطيالسي

٥ ـ عن سيف ابن عميرة وصالح ابن عقبة

٦ ـ عن علقمة بن محمد الحضرمي ، الذي ينقل الزيارة عن الإمام الباقر (ع).

وقبل البحث في أحوال هؤلاء الرجال نذكر بما يلي :

أولا :

سبق الكلام في أن جميع من ذكر في هذا الكتاب ـ أسماء الرجال ـ هم من الثقات ، ووقع الخلاف في أن الثقات هل هم شيوخ ابن قولويه أم جميع المذكورين ، وقلنا إن الذي عليه الأكثر هو كون جميع من ذكر ثقات ، وذهب البعض إلى خصوص مشایخ ابن قولويه فقط.

ثانيا :

فعليه يلزم البحث عن جميع رجال سند الزيارة بناء على القول الثاني ، وهو خصوص کون مشایخ ابن قولویه هم الثقات ، وأن الباقي يلزم البحث عنهم.

ثالثا :

٦٦

وبناء على الرأي الأول وهو كون جميع من ذكر ثقات ، يكون ذكر اسم أحد الرجال في الكتاب بينة على وثاقته ويلزم الأخذ بها ، ولكن مالم تعارضها بينة أخرى ، هذا متفق عليه.

وبناء على ذلك نبحث في أحوال الرجال كما يلي:

) جعفر ابن محمد ابن قولويه : وهو صاحب الكتاب ، فهو أجل من أن يوثق موثق.

) حکیم ابن داوود ابن حکیم : روى عن سلمة ابن الخطاب وروی عنه أبو القاسم جعفر ابن محمد ، وقال صاحب کتاب (مشايخ الثقات) غلام رضا عرفانیان ما نصه : حکیم ابن داوود ابن حکیم (شيخه) ثقة. والظاهر أنه من الثقات الأجلة بدلالة رواية جعفر ابن محمد ابن قولویه عنه ورواية والد جعفر ابن محمد عنه ، وهما من المشايخ الأعاظم بل لا خلاف في كون جميع مشایخ ابن قولويه ثقات ، هذا فضلا من أن جعفر ابن محمد ابن قولویه روى عنه في كتابه (کامل الزيارات) وكذا في التهذيب في باب صلاة الغدير. وبناء على هذه البينة نخلص إلى أنه من الثقات ، وعليه ذهب الأصحاب إلى عد الرواية الواقع فيها حکیم ابن داوود ابن حکیم مع صحة ووثاقة جميع الرجال صحيحة.

) محمد ابن موسی الهمداني : قال النجاشي : (محمد ابن موسی ابن عیسی أبو جعفر الهمداني ، ضعفه القميون بالغلو وكان ابن الوليد يقول أنه يضع الحديث ، والله العالم). (١)

__________________

(١) رجال النجاشي ص .

٦٧

وقد كان محمد ابن الحسن ابن الوليد الثقة الجليل يستثن من رواية محمد ابن أحمد ابن يحي ما رواه عن محمد ابن موسى الهمداني ، وقد ذكر السيد الخوئي(قدس) في معجم رجال الحديث في الجزء الثامن عشر في صفحي ـ ٢٩٨ ، بعد أن ذكر كلام النجاشي في الهمداني قال : بقي هنا أمور :

ـ أن ظاهر كلام النجاشي التوقف في ضعف محمد ابن موسی ابن عيسى ووضعه للحديث حيث نسب ذلك إلى القميين وابن الوليد ، ثم عقبه بقوله والله العالم.

ـ الذي يظهر من مجموع الكلمات أن الأساس في تضعیف الرجل هو ابن الوليد وقد تبعه على ذلك الصدوق وابن نوح وغيرهما وهذا يكفي بالحكم بضعفه.

فهو ضعيف على ما يظهر ، والله العالم ..

٤) محمد ابن خالد الطيالسي : وقد تقدم في كونه ثقة على الأظهر.

٥) سيف ابن عميرة وصالح ابن عقبة : تقدم الكلام في كونهما من أجلاء الطائفة وثقات أعاظم.

٦) علقمة ابن محمد الحضرمي : وقد سبق ذكره وأنه على المبنى ثقة كأخيه أبي بكر الحضرمي.

خلاصة الطريق الخامس :

وبناء على ما مر في أحوال الرجال الواقعين في سند الزيارة المروية في كامل الزيارات ، يكون سندها ضعيفة ـ والله العالم ـ وذلك بسبب وقوع محمد ابن موسی الهمداني في سندها ، والذي ضعفه العلماء لتضعيف أهل قم والشيخ ابن الوليد إياه. وعلى القول بكون جميع رجال كامل الزيارات

٦٨

ثقات ، يكون سند الزيارة صحيحا ، ولكن هذه البينة تعارضها بينة أخرى ، لذا تسقط.

٦٩

الخلاصة

اتضح بعد ذكر أحوال رجال سند الزيارة بمختلف المصادر أن الزيارة خمسة طرق ، وقد تبين صحة أربعة طرق منها وهي : ثلاثة طرق من الشيخ الطوسي إلى محمد ابن إسماعيل ابن بزیع ، ومن ابن بزيع إلى الإمام الباقر (ع). وطريق من الشيخ الطوسي إلى محمد ابن خالد الطيالسي ، ومن الطيالسي إلى الإمام الصادق (ع). وهذه الطرق الأربعة صحيحة.

وعليه يتضح أن الزيارة كما في مصباح الشيخ الطوسي على اختلاف الرواة صحيحة.

أما الطريق الخامس وهو طريق ابن قولويه كما في كتاب كامل الزيارات ، ومن ابن قولويه إلى الإمام الباقر (ع) ، وهذا الطريق ضعيف على المصطلح ، ـ والله العالم ـ بسبب وجود محمد ابن موسى الهمداني الذي ضعفه العلماء بسبب تضعیف القميين له ، وكذا كلام الشيخ الجليل ابن الوليد فيه. وعلى هذا ، نقول مكرر : يكفي لثبوت الحجة والوجه الشرعي كون أحد الطرق فقط صحيحة ، أي لو كانت أربعة طرق من الخمسة ضعيفة وطريق واحد فقط صحيح أثبتت الحجة وهذا لا خلاف فيه ولا شبهة ولا ريب. كيف والحال عكس ذلك حيث أن أربعة طرق صحيحة من الخمسة وواحدا فقط ضعيف.

إذ لا مجال للشك في سند الزيارة ، بل إن البعض شكك دون تحقيق مع الأسف ـ بسبب شبهات من هنا وهناك والتي سنناقش ـ إنشاء الله ـ بعضها في الفصل الثاني. بل لا ينبغي للعاقل الشك في سند الزيارة ، لأن السند المذكور صحيح لا شبهة فيه.

٧٠

وإنما الكلام في : هل إن سند الزيارة متصل إلى المعصوم علیه السلام ، كالصادقين (ع) ، أم أنهما (ع) روون ذلك حتى يصل السند إلى الباري جل وعلا؟ وهذا ما سنذكره الآن :

هل سند الزيارة إلى الله جل وعلا؟

ذكر الشيخ الطوسي في المصباح ، بعد أن جاء بالزيارة ودعاء صفوان بعد الزيارة أن صفوان روی ما نصه : قال لي أبو عبد الله ع تعاهد هذه الزيارة وادع بهذا الدعاء وزر به فإني ضامن على الله تعالى لكل من زار هذه الزيارة ودعا بهذا الدعاء من قرب أو بعد إن زيارته مقبولة وسعيه مشكور وسلامه واصل غير محجوب وحاجته مقضية من الله بالغا ما بلغت ولا يخيبه یا صفوان وجدت هذه الزيارة مضمونة بهذا الضمان عن أبي وأبي عن أبيه علي بن الحسين ع مضمونا بهذا الضمان والحسين عن أخيه الحسن مضمونا بهذا الضمان والحسن عن أبيه أمير المؤمنين مضمونا بهذا الضمان وأمير المؤمنين عن رسول الله ص مضمونا بهذا الضمان ورسول الله ص عن جبرئیل ع مضمونا بهذا الضمان وجبرئيل عن الله عز وجل مضمونا بهذا الضمان قد آلى الله على نفسه(١) ..... إلخ.

وسند هذه الرواية هو عين سند الطريق الرابع المذكور أنفا ، وقد تبين أنه طريق صحيح ، مما يعني أن هذه الرواية صحيحة السند. ولكن هل يفهم مما سبق ـ نص الرواية ـ أن نفس ألفاظ زيارة عاشوراء من السلام واللعن وكذا الدعاء هو نص قدسي من الله جل وعلا؟ أم أن نتائج هذه الزيارة بهذه الكيفية جاء ضمانا من الله به؟

__________________

(١) مصباح المتهجد ص٥٤ ـ ٥٤٣.

٧١

إن قول الإمام الصادق (ع) : (وجدت هذه الزيارة مضمونة بمذا الضمان ..) ظاهر ـ والله العالم ـ في كون الزيارة من الله جل قدسه ، وأن ه ذه الزيارة بهذه الكيفية هي من الله سبحانه کالأحاديث القدسية. وخاصة وأن الإمام الصادق (ع) عند تتمة الحديث المتقدم جاء بما قاله الله جل وعلا ومما ذكر (قد آلى الله على نفسه عز وجل أن من زار الحسين (ع) بهذه الزيارة من قرب أو بعد ودعاء بهذا الدعاء قبلت منه زيارته وشفعته في مسألته بالغا ما بلغت وأعطيه سؤله .. وكل العبارات تحوي ضمير المتكلم وهو هنا الله عز وجل ، مما يعني أن نص الزيارة وكذا الدعاء وكذا الضمان بهذه الصورة إنما هو من الله سبحانه وتعالى ، كما أن الكلمات التي تلي النص المذكور سابقا ، أن جبرائیل (ع) جاء إلى النبي (ص) بالبشرى له ولعلي وفاطمة والحسنين ، والبشري هي هذه الزيارة وهذا الضمان.

فبناء على ذلك ذهب كثير إلى الاعتقاد بكون الزيارة والدعاء والضمان هو من قبل الله جل وعلا ، وما المعصوم (ع) هنا إلا راو هذه الزيارة والدعاء ، والله العالم.

٧٢

الفصل الثاني

شبهات وردود

* الشبهة الأولى : السب واللعن.

* الشبهة الثانية : دعوى : التركيز على هذه الزيارة فيه إثارة فتنة الفرقة

بين المسلمين!

* الشبهة الثالثة : اختلاف ألفاظ الزيارة من مصدر لآخر، يشي

بضعفها!

* الشبهة الرابعة : إن تعدد طرق وكيفية الزيارة يدلل على ضعفها!

٧٣

الشبهة الأولى :

ومفادها : أن الزيارة تشمل اللعن الغليظ والمكرر بصورة تثير مجموعة م ن الإشكاليات والتساؤلات والتي منها :

ـ كيف يصر أهل البيت (ع) على المداومة على هذه الزيارة وهي تشمل هذا السب واللعن في الوقت الذي هم (ع) فيه أبواب رحمة الله سبحانه وتعالى كما أن القرآن واضح بهذا الصدد ، كما قال تعالى في سورة الأنعام آية ـ ـ (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فیسبوا الله عدوا بغير علم).

ـ لا يليق بنا أن نخوض في أحوال غابت وبعدت حقائقها عنا ، ثم ما الذي ألزمنا وأوجب علينا أن نلعن أحدا من المسلمين أو نبرأ منه! وأي ثواب في اللعن والبراءة!! إن الله تعالى لا يقول يوم القيامة للمكلف : لم لم تلعن؟ بل يقول له لم لعنت؟ ولو أن إنسان عاش عمره كله لم يلعن إبليس لم يكن عاصيا ولا آثما. (١)

ـ كيف لنا أن نقول بالزيارة في الوقت الذي نحن مأمورون بالتحلي بالأخلاق الفاضلة وأن فتره ألسنتنا عن الشتم والسب واللعن كما قال أمير المؤمنين (ع) (أكره لكم أن تكونوا سبابين).

ـ إن كل ما يصدر من الإنسان تجاه الآخر يريد الانتقاص من المسبوب وإغاظته حتى وإن كان ذلك القول يطابق الواقع ، فإن ذلك يعد قولا بذيئا ومذموما وفاحشا ، فهل نتصور أن يصدر من أهل البيت (ع) وهم الرحمة المهداة ومعدن الفضائل مثل ذلك!! إلى غير ذلك من الإشكاليات والتساؤلات ....

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ص كلام في المعالي الجويني.

٧٤

الجواب على هذه الشبهة :

وللجواب على هذه الشبهة تحرر الكلام في نقاط محددة ثم خرج بالنتائج بناء على البحث العلمي وليس الاستحسان العقلي المحض :

النقطة الأولى :

لابد أن نتعرف على معاني هذه الألفاظ (السب ـ اللعن ـ الشتم) المعنى اللغوي لها والاصطلاح الشرعي إن وجد، وذلك لنضع النقاط على الحروف ونتعرف على الفوارق فيما بينها ، وأي العلاقة تحكم هذه المصطلحات من العلاقات المعروفة في علم المنطق والميزان.

السب : معناه :

السب : القطع. سب سبأ : قطعه : كالسيف يسمى سباب العراقيب لأنه يقطعها. والتساب : التقاطع. (١)

والسب : الشتم ، وهو مصدر سب يسبه سبأ : شتمه وأصله من ذلك.

وسب به : أكثر سبه. (٢)كما أن هذا القول محمول ـ على ما قيل ـ فيمن سب مسلما ، والله العالم.

وفي مختار الصحاح ص : س. ب. ب. السب : الشتم والقطع والطعن وبا به رد. والتساب التشاتم والتقاطع ، وهذا سبة عليه بالضم أي عار يسب به ، ورجل سبة يسبه الناس. ومثله في تاج العروس ج ص ، وكذا كتاب العين ، وغيرهما من الصحاح والقواميس اللغوية.

__________________

(١) لسان العرب ج ص ٤٥٥.

(٢) المصدر السابق.

٧٥

وقد عرف السبب بعض علماء الأخلاق والسلوك بالنظر إلى منشأ هذا الأمر ودوافعه فقالوا : هو حالة نفسية وانفعال سلوكي أو لغوي يصدر في الغالب عند عدم الرضا من المسبوب ، وهو إذا لم يكن المسبوب مستحقا یکون خلقا سيئا لكونه يجوز بخياراته خیار ربه ، وهو يشير إلى ضعف في النفس وحالة غير سوية ولعل هذا مستل من قول أمير المؤمنين (ع) وقد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام .. فقال (ع) (إني أكره لكم أن تكونوا سبابين ، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر (١) ...)

وقد ورد لفظ (السب) في القرآن الكريم في سورة الأنعام ـ كما تقدم ـ وهي : (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فیسبوا الله عدوا بغير علم). ويعلق المحقق الأردبيلي في زبدة البيان ص ويقول : وهذه صريحة في عدم جواز فعل مباح بل واجب لو كان موجبا لسب الإله ونحوه فلا يفعل شيء يلزم منه ذلك من سب آلهتهم مثل سبهم وسب أصحابهم إذا كان موجب السب النبي (ص) والأئمة الأطهار (ع) والمؤمنين وهو ظاهر عقلا أيضا. وهذا واضح في كون السب لمن يستحق جائز في نفسه ولكنه يحرم أو يكره إذا استلزم ذلك أمرا آخر کسب الله ـ سبحانه ـ أو المعصومين (ع). كما أن العلامة المجلسي ذكر في البحار في الجزء ص ما نصه : قوله تعالى : (ولا تسبوا ...) قال الطبرسي رحمه الله : قال ابن عباس : لما نزلت (إنكم وما تعبدون من دون اللله حصب جهنم) قال المشركون : يا محمد لتنتهين عن سب آلهتنا أو لنهجون ربك! فتزلت الآية ، وقال قتادة : كان المسلمون يسبون أصنام الكفار فنهاهم الله عن ذلك لئلا يسبوا الله فإنهم

__________________

(١) بحار الأنوار ج ص

٧٦

قوم جهلة ، وسئل أبو عبد الله عليه السلام عن قول النبي (ص) : (إن الشرك أخفى من دبيب النمل على صفوانة سوداء في ليلة ظلماء) فقال (ع): كان المؤمنون يسبون ما يعبد المشركون من دون الله ، وكان المشركون يسبون ما يعبد المؤمنون فنهى الله المؤمنين عن سب آلهتم لكيلا يسبوا ـ الكفار ـ إله المؤمنين فيكون المؤمنون قد أشركوا من حيث لا يعلمون. وبهذا نكون قد تعرفنا على معین وموقع (السب) لغة واصطلاحا.

الشتم : معناه :

شتم : الشتم : قبيح الكلام وليس فيه قذف ، والشتم : السب ، والتشاتم : المتساب ، والمشاتمة : المسابة ، وقال سيبويه في باب ما جرى مجرى المثل : كل شيء ولا شتيمة حر (١). وشتم : شتم فلان فلانا شتما(٢).

ومثله ـ كما تقدم في السب ـ في كتاب تاج العروس وغيره من حيث كون الشتم هو السب وشتمه بمعن سبه .. إذا الشتم هو عين السب لذا یکون الكلام عنهما (أي اللفظين) في دائرة واحدة حيث أن الشتم والسب علاقتهما ببعضهما علاقة ترادف أو عموم وخصوص مطلق ، كما سيتبين بعد قليل.

اللعن : معناه :

قال في مجمع البحرین ج ص: (لعن) قوله تعالى : (كما لعنا أصحاب السبت) أي مسخناهم قردة ، قاله في غريب القرآن. وفي لسان العرب ج ص قال : ولعنه يلعنه لعنة : طرده وأبعده ، وفي کتاب العين ج ص قال : ولعنه الله : باعده ، وفي المجمع : اللعن : الطرد من

__________________

(١) لسان العرب ج ص.

(٢) كتاب العين ج ٦ ص ٤٦.

٧٧

الرحمة .. أي نطردهم من الرحمة ولعنهم الله بكفرهم أي أبعدهم وطردهم من الرحمة ..

واللعن ـ كما يعبر أهل السلوك ـ واقع ما دامت المعصية الموبقة توافق خيارات الإنسان. وقد وردت آيات كثيرة وروايات لا تحصى وقصص جمة تشمل اللعن سواء من الله سبحانه وتعالى أو من المعصوم (ع) ـ سنذكرها ـ.

العلاقة بين (السب ـ الشتم ـ اللعن) والفرق :

تبين مما سبق أن علاقة السب بالشتم علاقة عموم وخصوص مطلق بمعنى أن كل شتم هو سب ، وإن كان يبدو أن الشتم في خصوص السب بغیر استحقاق. ـ والله العالم ـ وعلى كل حال فإن الشتم هو السب والعكس أيضا كما سبق ، وعلى هذا لا يظهر فرق بين اللفظين إلا إذا قلنا أن الشتم مختص بما سبق أو مختص بسب مسلم من غير تأويل ، عليه تكون دائرة السب أوسع من الشتم ، فكل شتم سب ، وليس كل سب شتم. أما لفظة (اللعن) فهي مختلفة تماما عن كلا اللفظين (الشتم ، والسب) ولا علاقة لهذا اللفظ بهما ، فعلاقتهما (اللعن) من جهة و (السب والشتم) من جهة أخرى هي علاقة تباين ، أي تخالف. والفارق بينهما : أن اللعن هو الطرد من الرحمة ، أما السب والشتم فهما القطع والطعن في المسبوب على وجه حق أو غير حق، إن كان شتم. وعلى هذا تبين دائرة اختصاص كل لفظ من الألفاظ ، فلا نخلط بينها ، فإن كل لفظ له دلالته خصوصا إذا كان اللفظ صادرة من قبل المعصوم (ع).

٧٨

تحرير محل الزراع:

إن زيارة عاشوراء لا تشتمل على سب أو شتم ، وإن كان الملعونون کیزید وعمر ابن سعد وشمر وغيرهم مستحقين لهذا الطعن والقطع ، بل الزيارة تشتمل على اللعن واللعنات للظالمين إما بالاسم صريحا أو تلميح.

وعلى هذا تسقط كل الدعاوى الواردة على الزيارة باشتمالها سبا أو شتم ... فإن الدعوى القائلة : كيف يصر أهل البيت (ع) في المداومة علی الزيارة بما تشمله من سب والقرآن يقول (ولا تسبوا ...) الآية ،. نقول : بأن هذا مصادرة ، فإن الزيارة لا سب فيها ولا شتم بل هي تحوي اللعن، والفرق بينهما واضح.

لذا نريح أنفسنا من الخوض فيما يقال على الزيارة من ناحية (السب والشتم)، فكل ما يقال هو أجنبي عن المقام وغريب عنه ، ويبقى الكلام في اللعن فقط.

والإشكال الذي يورده البعض حول اللعن والذي يمكن أن يناقش هو ما تقدم من كلام أبي المعالي الجويني الذي ذكره ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ص . حيث قال : ما الذي ألزمنا وأوجب علينا أن نلعن أحدا من المسلمين أو نبرأ منه ، وأي ثواب في اللعن والبراءة ... إلى آخره ـ كما تقدم ـ.

وهنا يمكن القول : إن دفع ذلك من وجهين : أولهما : نقضي ، والآخر : حلي. أما النقضي إن نفس صاحب هذه المقولة ينقل ويعتقد بكثير من الروايات والقصص التي تخدم البحث وعلى النقيض من عقيدته ، حيث نقل روايات كثيرة تشمل اللعن ... وليس هذا مهم ـ فيما أظن ـ إنما الرد

٧٩

الحلي هو الأمثل حيث فيه إقامة للحق والصواب بعيدا عن أي تشنیع أو جرح وهو ما يخدم هذا البحث.

الرد على شبهة اللعن :

وتحرر البحث في هذه الموضوعة في مجموعة نقاط :

١ ـ مشروعية اللعن ، من القرآن والسنة والآل (ع).

٢ ـ هل يمكن رد کتاب الله بسبب اللعن!.

ـ مناقشة الشبهة.

أولا : مشروعية اللعن :

وقبل البدء نشير إلى أننا سنذكر نماذج من الآيات والروايات ليس إلا ، ولو أردنا استقصاء جميع ما ورد من النصوص بهذا الشأن لخرج البحث عن المراد ، لذا سنشير إلى بعض النصوص كنماذج لإثبات مشروعية اللعن علی المستحقين :

ألف : من الكتاب العزيز :

إن لفظة (اللعن) وردت في القرآن الكريم في جملة من الآيات الطاهرات وقد لعن الله سبحانه وتعالى أصناف كثيرة في القرآن کالکافرین والمشركين والمنافقين والظالمين وغيرهم ، ومن هذه الآيات :

ـ في سورة البقرة آية قال تعالى : (أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) وفي هذه الآية إخبار وصفة ، فالإخبار هنا لعله يفيد الأمر ، أي الأمر باللعن وهي صفة من صفات المؤمنين.

ـ في سورة الإسراء آية (٥٩) قال تعالى : (إلا فتنة للناس والشجرة المعونة في القرآن).

٨٠