عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٣١

عقلياً يرتفع به موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان (قال الشيخ) أعلى الله مقامه ودعوى ان حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بيان عقلي فلا يقبح بعده المؤاخذة مدفوعة (انتهى) (وقد أفاد) في وجه الدفع ما حاصله ان حكم العقل بدفع الضرر المحتمل لا يكون بياناً للتكليف المجهول كي يرتفع به موضوع قبح العقاب بلا بيان وانما هو بيان لقاعدة كلية ظاهرية يوجب استحقاق العقاب على مخالفتها وإن لم يكن تكليف في الواقع بل قاعدة قبح العقاب بلا بيان واردة على قاعدة دفع الضرر المحتمل يرتفع بها موضوعها وهو احتمال الضرر أي العقاب (هذا ملخص ما أفاده الشيخ) في وجه الدفع ومرجعه إلى أمرين.

(أحدهما) الجواب عن ورود قاعدة الدفع على قاعدة القبح.

(ثانيهما) دعوى ورود قاعدة القبح على قاعدة الدفع بعكس ما ادعاه المتوهم

(واما المصنف) فلم يفد في وجه الدفع سوى دعوى ورود قاعدة القبح على قاعدة الدفع فقابل الدعوى بالدعوى.

(أقول)

(اما الجواب) عن ورود قاعدة الدفع على قاعدة القبح (ففيه ما لا يخفى) فإن حكم العقل بدفع الضرر المحتمل وإن لم يكن بياناً للتكليف المجهول ولكن عدم البيان المأخوذ موضوعاً لقاعدة القبح مما لا ينحصر بعدم بيان الواقع المجهول كما تقدم بل يشمل عدم بيان الاحتياط عند الشك في الواقع المجهول وحينئذ فللمتوهم أن يقول كما ان ببيان الشارع للاحتياط في الشبهات يرتفع موضوع قاعدة القبح فكذلك ببيان العقل للاحتياط فيها لدفع الضرر المحتمل يرتفع موضوعها (واما دعوى) ورود قاعدة القبح على قاعدة الدفع (ففيها ما لا يخفى) أيضاً إذ دعوى ان مع استقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان لا يبقى احتمال الضرر والعقاب أصلا ليست بأولى من دعوى ان مع استقلال العقل بدفع الضرر المحتمل لا يكاد يبقى اللابيان أصلا فيتعارضان القاعدتان بعضهما مع بعض (والّذي يحسم الإشكال)

٦١

من أصله ويقطع النزاع رأساً أن كلا من قاعدة قبح العقاب بلا بيان وقاعدة دفع الضرر المحتمل قاعدة عقلية والعقل لا يكاد يستقل بشيء ما لم يعرف موضوع حكمه وموضوع حكمه بقبح العقاب كما أشير قبلا هو انتفاء بيانين من الشرع خاصة دون غيره فإذا انتفى كلاهما استقل العقل بقبح العقاب بلا كلام وهو بيان الواقع المجهول وبيان الاحتياط عند الشك في الواقع المجهول فإذا وجد أحد البيانين منه سقط العقل عن حكمه بقبح العقاب والمفروض في المقام حيث هو انتفاء البيانين منه جميعاً استقل العقل قهراً بقبح العقاب ومع استقلاله به ينتفي احتمال الضرر جداً ولا يبقى معه مجال لقاعدة دفع الضرر المحتمل أصلا فتأمل جيداً.

(قوله كما انه مع احتماله لا حاجة إلى القاعدة بل في صورة المصادفة استحق العقوبة على المخالفة ولو قيل بعدم وجوب دفع الضرر المحتمل ... إلخ)

أي كما ان مع احتمال الضرر كما في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي أو في الشبهات قبل الفحص لا حاجة إلى القول بوجوب دفع الضرر المحتمل بل يستحق العقاب على مخالفة الواقع في صورة المصادفة ولو لم نقل بوجوب دفع الضرر المحتمل فإن الموجب لاستحقاق العقاب فيهما موجود بلا حاجة إلى قاعدة الدفع أصلا.

(اما في الأول) فهو العلم الإجمالي.

(واما في الثاني) فهو فقد المؤمن من العقاب وهو قاعدة قبح العقاب بلا بيان إذ مع احتمال وجود بيان يمكن الوصول إليه بالفحص عنه لا يكاد يستقل العقل بقبح العقاب فلا مؤمّن.

(قوله واما ضرر غير العقوبة فهو وان كان محتملا إلّا ان المتيقن منه فضلا عن محتمله ليس بواجب الدفع شرعاً ولا عقلا ... إلخ)

هذا في قبال ما تقدم من كون المراد من الضرر في قاعدة دفع الضرر المحتمل هو الضرر الأخروي أي العقوبة (واما على تقدير) كون المراد منه هو الضرر الدنيوي (فحاصل ما أجاب) به الشيخ أعلى الله مقامه ان الشبهة من هذه الجهة موضوعية

٦٢

بمعنى انه إذا شك في حرمة شرب التتن مثلا فالضرر فيه غير معلوم ومن المعلوم عدم وجوب الاحتياط في الشبهات الموضوعية حتى باعتراف الأخباريين (وعليه) فحكم العقل بدفع الضرر المحتمل هو إشكال مشترك الورود فلا بد على كلا القولين من دفعه (إما بمنع) حكم العقل بدفع الضرر المحتمل (أو بدعوى) ترخيص الشارع فيما شك في كونه من مصاديق الضرر (وفيه) انا لو تشبثنا في التخلص عن حكم العقل بدفع الضرر المحتمل بترخيص الشارع فيما شك في كونه من مصاديق الضرر لسقط البراءة العقلية عن كونها أصلا مستقلا برأسه بل نحتاج فيها إلى الترخيص المذكور لنخلص عن حكم العقل بدفع الضرر المحتمل فيستقل العقل حينئذ بقبح العقاب بلا بيان هذا حاصل جواب الشيخ وما يرد عليه.

(واما المصنف) فحاصل ما أجاب به ان المتيقن من الضرر الدنيوي لا يجب دفعه شرعاً ولا عقلا ضرورة عدم القبح في تحمل بعض المضار ببعض الدواعي فكيف بمحتمله (وفيه) ان عدم القبح في تحمل بعض المضار ببعض الدواعي لا عقلا ولا شرعاً كتسليم النّفس للحدود أو القصاص أو تعريض النّفس للتلف في الجهاد ونحوه لا يكاد يكون دليلا على جواز تحمل بقية الإضرار كي يقال إن المتيقن من الضرر ليس بواجب الدفع فكيف بمحتمله (والصحيح) في الجواب هو ما عرفته منا في الوجه الأول من الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية مطلق الظن من ان الضرر مطلقاً دنيوياً كان أو أخروياً (إن كان) من الإضرار المهمة جداً كقتل أو حرق أو هتك عرض أو دخول نار ونحو ذلك فهذا مما يجب بحكم العقل دفع موهومه فضلا عن مظنونه ومحتمله (وإن كان) دون ذلك فلم يعلم استقلال العقل بوجوب دفع مظنونه فضلا عن محتمله وموهومه (ومن المعلوم) ان الضرر الدنيوي المحتمل أو المظنون في الشبهات ليس هو من الإضرار التي يستقل العقل بوجوب دفع موهومه فضلا عن مظنونه ومحتمله بل هو على تقدير كونه ضرراً لا مجرد ما يوجب قبح الفعل من دون كونه ضرراً على فاعله كما تقدم شرحه من المصنف

٦٣

هناك وسيأتي الإشارة إليه آنفاً يكون دون ذلك قطعاً فلا يستقل العقل بوجوب دفعه بلا شبهة ما لم يقطع به فيستقل بدفعه حينئذ ولو كان يسيراً.

(قوله مع ان احتمال الحرمة أو الوجوب لا يلازم احتمال المضرة وان كان ملازماً لاحتمال المفسدة أو ترك المصلحة ... إلخ)

هذا جواب ثاني عن الضرر الدنيوي المحتمل في الشبهات (وحاصله) ان احتمال الحرمة أو الوجوب في الشبهات مما لا يستلزم احتمال الضرر كي يدعي استقلال العقل بوجوب دفعه بل يستلزم احتمال المفسدة أو ترك المصلحة والمصالح أو المفاسد التي تكون هي مناطات الأحكام ليست من المنافع أو المضار بل هي مما يوجب حسن الفعل أو قبحه من دون ضرر على فاعله أو نفع عائد إليه كما تقدم تصريحه بذلك في الوجه الأول من الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية مطلق الظن وإن كان قد يتفق ان تكون من المنافع والمضار العائدين إلى الفاعل أو إلى غيره كما سيأتي التصريح به هاهنا بقوله نعم ربما يكون المنفعة أو المضرة مناطاً للحكم شرعاً وعقلا

(أقول)

وهذا الجواب مما لا يخلو عن مناقشة فإن المصالح أو المفاسد وإن لم تكن هي دائماً من المضار أو المنافع ولكن قد تكون هي منها كما اعترف به قدس‌سره فإذا جاز ان تكون المفسدة من الأضرار فبمجرد أن احتمل المفسدة في الشبهات احتمل الضرر فيها فيقع الكلام حينئذ في وجوب دفعه عقلا (ولكن) قد عرفت منا التحقيق في جواب دفع الضرر المحتمل آنفاً وسابقاً فلا نعيد (هذا وقد تقدم) من المصنف جواب آخر هناك لم يذكره في المقام وهو منع كون الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في المأمور به والمنهي عنه بل انما هي تابعة لمصالح في نفس الأحكام فإذاً ليس في الشبهات احتمال المفسدة كي يساوق احتمال الضرر ويقع الكلام حينئذ في وجوب دفعه عقلا (ولكن) قد عرفت من ضعف هذا الجواب أيضاً ووهنه ولعله لذا تركه في المقام ولم يؤشر إليه.

٦٤

(قوله إن قلت نعم ولكن العقل يستقل بقبح الإقدام على ما لا يؤمن مفسدته أو انه كالإقدام على ما علم مفسدته ... إلخ)

(وحاصل الإشكال) انه سلمنا ان احتمال الحرمة في الشبهات مما لا يستلزم احتمال المضرة بل يستلزم احتمال المفسدة وهي ليست من الأضرار الواردة على فاعله (ولكن) العقل يستقل بقبح الإقدام على ما لا يؤمن مفسدته كالإقدام على ما علم مفسدته كما استدل به شيخ الطائفة رضوان الله عليه على ان الأشياء على الوقف إلى ان يعلم الرخصة فيه على ما سيأتي لك شرحه في الوجه الثاني من وجهي العقل لوجوب الاحتياط (وعليه) فلا يتم البراءة العقلية في الشبهات البدوية من هذه الجهة وإن تمت من جهة المؤاخذة والعقوبة الأخروية (وحاصل الجواب) ان استقلال العقل بذلك ممنوع بشهادة الوجدان وبمراجعة ديدن العقلاء كيف وقد أذن الشارع في الإقدام على ما لا يؤمن مفسدته إذ المفروض ترخيصه في الشبهات البدوية بمقتضى الأدلة المتقدمة للبراءة ولا يكاد يأذن الشارع بارتكاب أمر قبح أبداً (وفيه) أنا لو تشبثنا هنا بإذن الشارع في الإقدام على ما لا يؤمن مفسدته واستكشفنا بذلك عدم قبحه عقلا لسقط البراءة العقلية عن كونها أصلا مستقلا برأسه بل نحتاج فيها إلى الترخيص المذكور من الشرع لنخلص عن حكم العقل بقبح الإقدام على ما لا يؤمن مفسدته ولعله إليه أشار المصنف أخيراً بقوله فتأمل.

في الاستدلال على البراءة بوجوه غير ناهضة

(ثم) إن هذا كله تمام الكلام في الوجوه الأربعة التي استدل بها للبراءة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل (وقد ذكر الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ذلك وجوهاً أخر من القوم للبراءة غير ناهضة كما صرح به (قال) وقد يستدل على البراءة بوجوه غير ناهضة.

٦٥

(منها) استصحاب البراءة المتيقنة حال الصغر أو الجنون (إلى ان قال ومنها) أن الاحتياط عسر منفي وجوبه (إلى ان قال ومنها) أن الاحتياط قد يتعذر كما لو دار الأمر بين الوجوب والحرمة (انتهى).

(أقول)

(اما الوجه الأخير) ففي غاية السقوط فإن دوران الأمر بين الوجوب والحرمة غير مربوط بالمقام جداً وسيأتي تحقيق الكلام فيه مفصلا (ولعل من هنا قال الشيخ) ولم أر ذكره الا في كلام شاذ لا يعبأ به (انتهى).

(ويتلوه في السقوط الوجه الثاني) فإن الشبهات البدوية التي لو تفحصنا فيها لم تزل الشبهة بل تبقى على حالها ليست بمقدار لو احتطنا فيها لزم العسر ولو سلم فلا بدّ من الاحتياط فيها بمقدار لا يلزم العسر لا رفع اليد عن الاحتياط رأساً بمجرد لزوم العسر من الاحتياط في المجموع.

(واما الوجه الأول) فقد أورد عليه الشيخ إيراداً طويلا مضطرباً جداً (وملخصه) بعد التدبر التام فيه أن المستصحب أحد أمور ثلاثة أما براءة الذّمّة أو عدم المنع من الفعل أو عدم استحقاق العقاب عليه ولا أثر للمستصحبات المذكورة سوى أمرين عدم ترتب العقاب على الفعل والإذن والترخيص في الفعل اما عدم ترتب العقاب عليه فليس من اللوازم المجعولة الشرعية لتلك المستصحبات المذكورة كي يحكم به في الظاهر واما الإذن والترخيص في الفعل فهو من المقارنات لتلك المستصحبات فهو نظير إثبات وجود أحد الضدين بنفي الآخر بأصالة العدم نعم لو كان اعتبار الاستصحاب من باب الظن وكان من الأمارات أو قلنا بالأصل المثبت صح التمسك به حينئذ لإثبات اللازم وإن لم يكن شرعياً أو لإثبات المقارن وإن لم تكن الملازمة شرعية.

(أقول)

وفي الإيراد المذكور بطوله ما لا يخفى إذ لا يبتني الاستدلال المذكور على القول

٦٦

باعتبار الاستصحاب من باب الظن أو القول بالأصل المثبت بل يتم الأمر بدون ذلك جداً فإن براءة الذّمّة وعدم المنع من الفعل مرجعهما إلى عدم التكليف وهو مما يستصحب بلا كلام فإن مجعولية التكليف مما يسوغ استصحاب عدمه بلا حاجة إلى ترتب أثر شرعي عليه أصلا.

(نعم يرد) على الاستصحاب المذكور أي استصحاب البراءة المتيقنة من حال الصغر أو الجنون ما أشار إليه الشيخ أخيراً من عدم بقاء الموضوع وهو إشكال متين فإن الصغر أو الجنون بالنسبة إلى نفي التكليف في نظر العرف ليس من الحالات المتبادلة بحيث إذا زال لم يزل الحكم بل يراه موضوعاً حقيقياً بحيث إذا زال زال الحكم لتبدل الموضوع فهو ليس من قبيل أكرم هذا النائم بحيث إذا زال النوم فالحكم باق على حاله لبقاء ما هو الموضوع في نظر العرف بل من قبيل أكرم هذا العالم أو قلده بحيث إذا زال العلم لم يبق الحكم لتبدل الموضوع (والعجب) من الشيخ أعلى الله مقامه فانه بعد أن ذكر هذا الإيراد الثاني وهو إشكال متين كما ذكرنا أشار أخيراً إلى ضعفه بقوله فتأمل (واما) الإيراد الأول الّذي ذكرنا ملخصه وعرفت ضعفه فلم يؤشر إلى ضعفه أبداً (وعلى كل حال) لو استدل للبراءة ولو في خصوص الشبهات الحكمية دون الموضوعية بدل تلك الوجوه الثلاثة كلها باستصحاب عدم الحكم من الأزل كان أصح وأمتن (بل يظهر من الشيخ) في التنبيه الثاني من تنبيهات الشبهة التحريمية الحكمية ان المشهور لا يتمسكون في أصل البراءة إلا باستصحاب البراءة السابقة (قال) بل ظاهر المحقق في المعارج الإطباق على التمسك بالبراءة الأصلية حتى يثبت الناقل (قال) وظاهره ان اعتمادهم في الحكم بالبراءة على كونها هي الحالة السابقة (انتهى) (ومن هنا) يتضح لك أن أصل البراءة في الشبهات الحكمية محكوم دائماً باستصحاب العدم من السابق فلا يبقى له مجال معه إلا إذا تبادل الحالتان بأن علم مثلا انه كان حراماً في زمان وكان حلالا في زمان آخر ولم يعلم السابق من اللاحق فعند ذلك تجري البراءة لتحقق موضوعها

٦٧

وهو الشك دون الاستصحاب بعد العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة (واما ما أفاده الشيخ) أعلى الله مقامه في هذا المقام من أن أصل البراءة هو أظهر عند القائلين بها والمنكرين لها من أن يحتاج إلى الاستصحاب فهو مما لا ينحل به المشكلة ولا يرتفع به حكومة الاستصحاب أو وروده على البراءة.

(نعم إن) أصل البراءة بمقتضى أدلته الخاصة من بعض الآيات وجملة من الروايات وحكم العقل هو أصل عملي مستقل مع قطع النّظر عن الاستصحاب وملاحظة الحالة السابقة بحيث لو لم يكن هناك استصحاب لجري هو بلا مانع عنه

(قوله فتأمل ... إلخ)

قد ذكرناه في صدر الحاشية المتقدمة لدى التعليق على قوله إن قلت نعم ... إلخ وجهاً وجيهاً لقوله فتأمل فتأمله جيداً.

في احتياط الأخباريين في الشبهات

التحريمية الحكمية وفي غيرها في الجملة

(قوله واحتج للقول بوجوب الاحتياط فيما لم تقم فيه حجة بالأدلة الثلاثة ... إلخ)

قد أشرنا في صدر هذا الفصل ان القول بوجوب الاحتياط منسوب إلى معظم الأخباريين وأنهم يقولون به في خصوص الشبهات التحريمية الحكمية (واما الشبهات الوجوبية الحكمية) (فقد قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) والمعروف من الأخباريين هنا موافقة المجتهدين في العمل بأصالة البراءة وعدم وجوب الاحتياط (قال) قال المحدث الحر العاملي في باب القضاء من الوسائل انه لا خلاف في نفي الوجوب عند الشك في الوجوب إلّا إذا علمنا اشتغال الذّمّة بعبادة متعينة

٦٨

وحصل الشك بين الفردين كالقصر والإتمام والظهر والجمعة وجزاء واحد للصيد أو اثنين ونحو ذلك فإنه يجب الجمع بين العبادتين لتحريم تركهما معاً للنص وتحريم الجزم بوجوب أحدهما لا بعينه عملا بأحاديث الاحتياط (قال الشيخ انتهى) موضع الحاجة (ثم قال) وقال المحدث البحراني في مقدمات كتابه يعني الحدائق بعد تقسيم أصل البراءة إلى قسمين أحدهما انها عبارة عن نفي وجوب فعل وجودي بمعنى ان الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليل على الوجوب وهذا القسم لا خلاف في صحة الاستدلال به إذ لم يقل أحد ان الأصل الوجوب (ثم قال) وقال في محكي كتابه المسمى بالدرر النجفية ان كان الحكم المشكوك دليله هو الوجوب فلا خلاف ولا إشكال في انتفائه حتى يظهر دليله لاستلزامه التكليف به بدون الدليل الحرج والتكليف بما لا يطاق (قال) انتهى (ثم قال) لكنه قدس‌سره في مسألة وجوب الاحتياط قال (ثم ذكر منه) عبارة ظاهرها الاحتياط ولو في الشبهات الوجوبية الحكمية (ثم قال) وممن يظهر منه وجوب الاحتياط هنا المحدث الأسترآبادي حيث حكى عنه في الفوائد المدنية انه قال (وذكر منه) عبارة طويلة وفيها بعد التصريح بأن الاحتياط قد يكون في محتمل الوجوب وقد يكون في محتمل الحرمة (ما لفظه) ان عادة العامة والمتأخرين من الخاصة جرت بالتمسك بالبراءة الأصلية ولما أبطلنا جواز التمسك بها في المقامين لعلمنا بأن الله أكمل لنا ديننا وعلمنا بأن كل واقعة يحتاج إليها ورد فيها خطاب قطعي من الله تعالى خال عن المعارض وبأن كل ما جاء به نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخزون عند العترة الطاهرة عليهم‌السلام ولم يرخصوا لنا في التمسك بالبراءة الأصلية بل أوجبوا التوقف في كل ما لم يعلم حكمه وأوجبوا الاحتياط في بعض صوره فعلينا أن نبين ما يجب أن يفعل في المقامين وسنحققه إن شاء الله تعالى (قال الشيخ) وذكر هناك ما حاصله وجوب الاحتياط عند تساوي احتمالي الأمر الوارد بين الوجوب والاستحباب ولو كان ظاهراً في الندب بني على جواز الترك وكذا لو ورد رواية ضعيفة بوجوب شيء وتمسك في

٦٩

ذلك بحديث ما حجب الله علمه وحديث رفع التسعة قال وخرج عن تحتهما كل فعل وجودي لم يقطع بجوازه لحديث التثليث (ثم ساق الشيخ) الكلام (إلى ان قال) وكيف كان فيظهر من المعارج القول بالاحتياط في المقام عن جماعة حيث قال العمل بالاحتياط غير لازم وصار آخرون إلى لزومه وفصل آخرون (قال) انتهى (ثم قال) وحكى عن المعالم نسبته إلى جماعة فالظاهر ان المسألة خلافية (انتهى) موضع الحاجة من كلام الشيخ أعلى الله مقامه (واما الشبهات التحريمية الموضوعية) (فقد قال الشيخ فيها) ان الظاهر عدم الخلاف في ان مقتضي الأصل فيها الإباحة (انتهى) (واما الشبهات الوجوبية الموضوعية) فسكت فيها ولم يتعرض الخلاف فيها وظاهره انه لا خلاف فيها نعم ذكر فيها خلافاً طويلا من جملة من الأصحاب في جزئي من جزئياتها وهو ما إذا ترددت الفائتة بين الأقل والأكثر.

(نعم الظاهر) من العبارة التي نقلها الشيخ من المحدث البحراني في مسألة وجوب الاحتياط كما أشير إليها آنفاً هو وجوب الاحتياط في الشبهات مطلقاً تحريميها ووجوبيها حكميها وموضوعيها الا في بعض الشبهات الموضوعية مما ورد فيها دليل بالخصوص على الحلية كما في جوائز الجائر والمرأة التي يحتمل انها أرضعتك ونحو ذلك فراجع عين كلامه زيد في علو مقامه (ثم إن الغرض) من إطالة الكلام بهذا المقدار هو معرفة حال المسائل الأربع من الشبهات التحريمية والوجوبية من الحكمية والموضوعية (وأن التحريمية الحكمية) مما احتاط فيه معظم الأخباريين (وان الوجوبية الحكمية) هي محل الخلاف بينهم وإن لم يبعد كون الأشهر عدم وجوب الاحتياط فيها (واما الموضوعية من التحريمية والوجوبية) فقد قال فيها بعضهم بوجوب الاحتياط في الجملة على النحو الّذي أشير آنفاً فتأمل جيداً.

٧٠

في الآيات التي استدل بها للقول بالاحتياط

(قوله اما الكتاب فبالآيات الناهية عن القول بغير علم ... إلخ)

(مثل قوله تعالى) في سورة الأعراف ويونس أتقولون على الله ما لا تعلمون (ويظهر من الشيخ) أنهم استدلوا أيضاً (بقوله تعالى) آلله أذن لكم أم على الله تفترون (قال أعلى الله مقامه) احتج للقول الثاني وهو وجوب الكف عما يحتمل الحرمة بالأدلة الثلاثة فمن الكتاب طائفتان إحداهما ما دل على النهي عن القول بغير علم فإن الحكم بترخيص الشارع لمحتمل الحرمة قول عليه بغير علم وافتراء حيث أنه لم يؤذن فيه (انتهى).

(قوله وعن الإلقاء في التهلكة والآمرة بالتقوى ... إلخ)

الظاهر أنهم لم يستدلوا بالآيات الناهية عن الإلقاء في التهلكة وإنما هو شيء أضافه المصنف من عند نفسه وأشار إليه الشيخ أيضاً نعم قد استدلوا بالآيات الآمرة بالتقوى (قال) الشيخ بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) والأخرى يعني بها الطائفة الأخرى من الكتاب ما دل بظاهره على لزوم الاحتياط والاتقاء والتورع مثل ما ذكره الشهيد في الذكرى في خاتمة قضاء للفوائت للدلالة على مشروعية الاحتياط في قضاء ما فعلت من الصلوات المحتملة للفساد وهي قوله تعالى واتقوا الله حق تقاته وجاهدوا في الله حق جهاده (ثم قال ما هذا ما لفظه) أقول ونحوهما في الدلالة على وجوب الاحتياط فاتقوا الله ما استطعتم وقوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وقوله فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول (انتهى).

(أقول)

إن مجموع ما استدل به من الآيات أو يمكن الاستدلال به للاحتياط هو ما ذكر وعرفت (ويرد) على الجميع (مضافاً) إلى النقض بالشبهات الوجوبية والموضوعية

٧١

كما فعل الشيخ أعلى الله مقامه (أن القول) بالإباحة الظاهرية في مطلق الشبهات وترك الاحتياط فيها اعتماداً على ما تقدم من أدلة البراءة من بعض الآيات وكثير من الروايات وحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ولو بعد الفحص بحد باليأس في خصوص الحكمية منها بل الموضوعية في الجملة على التفصيل الّذي قد أشير قبلا وسيأتي شرحه مفصلا ليس قولا بغير علم ولا إلقاء للنفس في التهلكة ولا فيه مخالفة التقوي أصلا.

في الروايات التي استدل بها للقول بالاحتياط

(قوله واما الاخبار فيما دل على وجوب التوقف عند الشبهة معللا في بعضها بأن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في المهلكة من الأخبار الكثيرة الدالة عليه مطابقة أو التزاماً وبما دل على وجوب الاحتياط من الاخبار الواردة بألسنة مختلفة ... إلخ)

الأخبار المناسبة للمقام كثيرة جداً وقد ذكرها في الوسائل في القضاء في باب وجوب التوقف والاحتياط في القضاء والفتوى والعمل (وعمدتها) طوائف ثلاث

(الطائفة الأولى) ما دل على حرمة القول بغير علم.

(مثل) ما رواه هشام بن سالم قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما حق الله على خلقه قال أن يقولوا ما يعلمون ويكفوا عما لا يعلمون فإذا فعلوا ذلك فقد أدوا إلى الله حقه.

(ومثل) ما رواه زرارة قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام ما حجة الله على العباد (وفي رواية) ما حق الله على العباد قال أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون.

(ومثل) ما رواه سماعة بن مهران عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام في

٧٢

حديث قال ما لكم وللقياس إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس ثم قال إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها وأومأ بيده إلى فيه (الحديث) إلى غير ذلك من الأخبار وهذه الطائفة الأولى مما لا يؤشر إليها المصنف ولعله الظهور جوابها مما ذكر آنفاً في جواب الآيات الناهية عن القول بغير علم.

(الطائفة الثانية) وهي عمدة الطوائف الثلاث ما دل على وجوب التوقف عند الشبهة إما مطابقة أو التزاماً كما أفاد المصنف معللا في بعضها بأن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في المهلكة وهي روايات كثيرة.

(منها) ما رواه عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل قال فيه وانما الأمور ثلاثة أمر بين رشده فيتبع وأمر بين غيه فيجتنب وأمر مشكل يرد علمه إلى الله ورسوله حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم (إلى ان قال) في آخر الحديث فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات.

(ومنها) ما رواه أبو سعيد الزهري عن أبي جعفر عليه‌السلام قال الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة وتركك حديثاً لم تروه خير من روايتك حديثاً لم تحصه أي لم تحط به خبراً من الإحصاء الإحاطة بالشيء.

(ومنها) ما رواه أبو شيبة عن أحدهما قال في حديث الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة.

(ومنها) ما رواه مسعدة بن زياد عن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال لا تجامعوا في النكاح على الشبهة وقفوا عند الشبهة (إلى ان قال) فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة.

(ومنها) ما أرسله الصدوق قال إن أمير المؤمنين عليه‌السلام خطب الناس فقال في كلام ذكره حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه

٧٣

عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك والمعاصي حمى الله فمن يرتع حولها يوشك ان يدخلها.

(ومنها) ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام في وصية له لأصحابه قال إذا اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا

(ومنها) ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه قال لا ورع كالوقوف عند الشبهة وقال عليه‌السلام إن من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات حجزه التقوي عن تقحم الشبهات.

(ومنها) ما رفعه أبو شعيب إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال أورع الناس من وقف عند الشبهة.

(ومنها) ما رواه فضيل بن عياض عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له من الورع من الناس قال الّذي يتورع عن محارم الله ويجتنب هؤلاء فإذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه (الحديث).

(ومنها) ما رواه نعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول إن لكل ملك حمى وإن حمى الله حلاله وحرامه والمشتبهات بين ذلك كما لو أن راعياً رعى إلى جانب الحمى لم يثبت غنمه أن تقع في وسطه فدعوا المشتبهات

(ومنها) ما أرسله الشهيد في الذكرى قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه.

(ومنها) ما رواه المستنير عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال قال جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيها الناس حلالي حلال إلى يوم القيامة وحرامي حرام إلى يوم القيامة ألا وقد بينهما الله عزوجل في الكتاب وبينتهما لكم في سنتي وسيرتي وبينهما شبهات من الشيطان وبدع بعدي من تركها صلح له أمر دينه وصلحت له مروته وعرضه ومن تلبس بها ووقع فيها واتبعها كان كمن رعى غنمه قرب الحمى ومن رعى ماشيته قرب الحمى نازعته نفسه إلى ان يرعاها في الحمى

٧٤

ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله عزوجل محارمه فتوقوا حمى الله ومحارمه (الحديث).

(ومنها) ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبة له فيا عجباً وما لي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها لا يقتفون أثر نبي ولا يقتدون بعمل وصي ولا يؤمنون بغيب ولا يعنون عن عيب يعملون في الشبهات ويسيرون في الشهوات (الخطبة).

(ومنها) ما رواه من حدثه عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث انه قال لزيد بن علي إن الله أحل حلالا وحرم حراماً وفرض فرائض وضرب أمثالا وسن سنناً (إلى ان قال) فإن كنت على بينة من ربك ويقين من أمرك وتبيان شأنك فشأنك وإلا فلا ترو من أمراً أنت منه في شك وشبهة.

(ومنها) ما رواه عبد الله بن جندب عن الرضا عليه‌السلام في حديث قال إن هؤلاء القوم سنح لهم شيطان اغترهم بالشبهة ولبس عليهم أمر دينهم وأرادوا الهدى من تلقاء أنفسهم (إلى ان قال) ولم يكن ذلك لهم ولا عليهم بل كان الفرض عليهم والواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحير ورد ما جهلوه من ذلك إلى عالمه ومستنبطه لأن الله يقول في كتابه ولو ردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم يعني آل محمد صلوات الله عليهم وهم الذين يستنبطون منهم القرآن ويعرفون الحلال والحرام وهم الحجة على خلقه.

(ومنها) ما رواه جميل بن صالح عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلام طويل الأمور ثلاثة أمر تبين لك رشده فاتبعه وأمر تبين لك غيه فاجتنبه وأمر اختلف فيه فرده إلى الله عزوجل

(ومنها) ما رواه حمزة بن طيار انه عرض على أبي عبد الله عليه‌السلام بعض خطب أبيه عليه‌السلام حتى إذا بلغ موضعاً منها قال له كف واسكت ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام إنه لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون الا الكف عنه والتثبت والرد

٧٥

إلى أئمة الهدى حتى يحملوكم فيه على القصد ويجلوا عنكم فيه العمى ويعرفوكم فيه الحق قال الله تعالى فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون.

(ومنها) ما رواه أحمد بن الحسن الميثمي عن الرضا عليه‌السلام في حديث اختلاف الأحاديث قال وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكلف والتثبت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا.

(ومنها) ما ذكره الرضي رحمه‌الله في النهج عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في وصيته لولده الحسن عليه‌السلام يا بني دع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما لم تكلف وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته فإن الكف عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال (الوصية).

(ومنها) ما أرسله الشهيد في الذكرى أيضاً قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (وفي رواية أخرى) دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإنك لن تجد فقد شيء تركته لله.

(ومنها) ما رواه مفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا يفلح من لا يعقل ولا يعقل من لا يعلم (إلى ان قال) ومن فرط تورط ومن خاف العاقبة تثبت عن التوغل فيما لا يعلم ومن هجم على أمر بغير علم جدع أنف نفسه (الحديث) (ومنها) ما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه (قال) ومنها ما ورد من أن في حلال الدنيا حساباً وفي حرامها عقاباً وفي الشبهات عتاباً (انتهى) إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على التوقف عند الشبهة ولو التزاماً كما يظهر بمراجعة الباب المذكور من الوسائل.

(الطائفة الثالثة) ما دل على وجوب الاحتياط عند الشبهة وهي كثيرة أيضاً (منها) ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجلين أصابا صيداً وهما محرمان الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما جزاء قال

٧٦

لا بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد قلت إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه قال إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا.

(ومنها) ما رواه عبد الله بن وضاح وقد ذكره في الوسائل في ذيل أخبار التوقف والاحتياط مختصراً وتمامه في مواقيت الصلاة وهو هكذا قال كتبت إلى العبد الصالح يتوارى عنا القرص ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعاً وتستتر عنا الشمس وترتفع فوق الجبل حمرة ويؤذن عندنا المؤذنون أفأصلي حينئذ وأفطر إن كنت صائماً أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل فكتب إلى أرى لك أن تنظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك.

(ومنها) ما رواه داود بن القاسم الجعفري عن الرضا عليه‌السلام إن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لكميل بن زياد أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت

(ومنها) ما عن خط الشهيد رحمه‌الله في حديث طويل عن عنوان البصري عن أبي عبد الله عليه‌السلام جعفر بن محمد يقول فيه سل العلماء ما جهلت وإياك أن تسألهم تعنتاً وتجربة وإياك أن تعمل برأيك شيئاً وخذ بالاحتياط في جميع أمورك ما تجد إليه سبيلا.

(ومنها) ما أرسله الشهيد أيضاً قال وقال الصادق عليه‌السلام لك أن تنظر الحزم وتأخذ بالحائطة لدينك.

(ومنها) ما أرسل أيضاً عنهم على ما ذكر الشيخ أعلى الله مقامه ليس بناكب على الصراط من سلك سبيل الاحتياط (انتهى) (هذا كله) تفصيل الطوائف الثلاث (وقد جعلها الشيخ) طوائف أربعة فأفرز أخبار التثليث مثل قوله عليه‌السلام إنما الأمور ثلاثة أمر بين رشده ... إلخ وجعلها طائفة على حدة ولا ملزم له (كما أن المصنف) قد جعل الطوائف طائفتين ولم يتعرض الطائفة الأولى وهي الناهية عن القول بغير علم أصلا وقد أشير آنفاً أن ذلك لعله لظهور

٧٧

جوابها مما ذكر في جواب الآيات الناهية عن القول بغير علم والله العالم.

(قوله والجواب انه لا مهلكة في الشبهة البدوية مع دلالة النقل وحكم العقل بالبراءة كما عرفت ... إلخ)

هذا جواب عن الطائفة الثانية من الطوائف الثلاث واما الطائفة الأولى فلم يذكرها كي يجيب عنها وإن كان الجواب عنها يظهر مما تقدم في جواب الآيات الناهية عن القول بغير علم كما أشير غير مرة (وملخص جوابه) عن الطائفة الثانية انه لا مهلكة في الشبهات البدوية بعد ما تقدم من أدلة البراءة النقليّة والعقلية جميعاً فقهراً تختص المهلكة بالشبهات قبل الفحص أو المقرونة بالعلم الإجمالي كما سيأتي التصريح بهما من المصنف قريباً ولا كلام لنا في الاحتياط فيهما.

(أقول)

وفي الجواب ما لا يخفى إذ الطائفة الثانية ليس في جميعها التعليل بالهلكة كي يجري فيها الجواب المذكور بل هو في بعضها وقد اعترف بذلك المصنف حيث قال معللا في بعضها بأن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في المهلكة ... إلخ (وعليه) فهذا الجواب ناقص غير تام لا يجري عن تمام الطائفة الثانية بلا كلام.

(والحق) في الجواب عنها أن يقال إن اخبار الطائفة الثانية على أقسام.

(فمنها) ما هو ظاهر في استحباب التوقف عند الشبهة (كقوله عليه‌السلام) فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك (أو لا ورع) كالوقوف عند الشبهة (أو أورع) الناس من وقف عند الشبهة إلى غير ذلك (وهذا القسم) من الأخبار مما لا يصلح الاستدلال به على وجوب التوقف عند الشبهة فإن أقصى ما يستفاد منها هو حسن التوقف ورجحانه ولا كلام لنا فيه.

(ومنها) ما يكون بقرينة الأمر برد علمه إلى الله وإلى الرسول أو إلى أولي الأمر منهم يعني آل محمد صلوات الله عليهم حتى يشرحوا ما شرح لهم ويعرفونا الحلال والحرام (أو بقرينة) عدم اقتفاء أثر نبي وعدم الاقتداء بعمل

٧٨

وصي ظاهراً في الشبهات الحكمية قبل الفحص ولا كلام لنا في وجوب التوقف فيها وإنما الكلام في الشبهات الحكمية بعد الفحص والمراجعة إلى الكتاب والسنة والأحاديث المروية عن الأئمة عليهم‌السلام بحد اليأس.

(ومنها) ما يكون بقرينة التعليل بالهلكة وركوب الأهوال وجدع الأنف مختصاً بما إذا كان الواقع فيه منجزاً على المكلف كما في الشبهات الحكمية من قبل الفحص أو الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي بل وبعض الشبهات الموضوعية الّذي. أشير إليه في البراءة العقلية مما أحرز اهتمام الشارع به جداً (ومن المعلوم) ان وجوب التوقف فيه مما لا ينفع الاخباري إذ لا يثبت به دعواه من وجوب التوقف في الشبهات التحريمية الحكمية مطلقاً حتى بعد الفحص بحد اليأس.

(ومنها) ما لا يكون فيه تعليل بالهلكة ونحوها مما يوجب الاختصاص بما كان الواقع فيه منجزاً على المكلف (مثل) قوله عليه‌السلام فلا ترو ومن أمراً أنت منه في شك وشبهة (أودع) ما يريبك إلى ما لا يريبك ونحو ذلك مما ظاهره وجوب التوقف عند الشبهة ويشمل الشبهات مطلقاً حتى بعد الفحص بحد اليأس فيدور الأمر فيه بين كون الأمر بالتوقف للوجوب ويلتزم فيه بتخصيص الأكثر إذ الشبهات الموضوعية التي لا يجب التوقف فيها باتفاق الأصوليين ومعظم الأخباريين هي أكثر من الحكمية بكثير وبين كون الأمر بالتوقف هو للاستحباب ويلتزم فيه بالتجوز على القول بوضع الصيغة للوجوب والثاني أهون فإن الصيغة مضافاً إلى انه لم يثبت وضعها للوجوب كما حقق في محله وإن اعترفنا بظهورها فيه وانصرافها إليه إذا استعملت في الاستحباب ليس بمستهجن بخلاف تخصيص الأكثر فانه مستهجن جداً (هذا) مع ان استقلال العقل بحسن التوقف عند مطلق الشبهات ولو مما رخص الاقتحام فيه مما يؤكد كون الأمر فيه للاستحباب لا للوجوب فتأمل جيداً.

٧٩

(قوله وما دل على وجوب الاحتياط لو سلم وإن كان وارداً على حكم العقل ... إلخ)

هذا جواب عن الطائفة الثالثة من الطوائف الثلاث (ومحصله) ان ما دل على وجوب الاحتياط على تقدير تسليم دلالته على الوجوب وإن كان وارداً على البراءة العقلية رافعاً لموضوعها وهو اللابيان ولكنه معارض بما هو أخص وأظهر منه وهو ما دل على البراءة النقليّة في الشبهات التحريمية (مثل قوله عليه‌السلام) كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه (أما كونه أخص) فلاختصاصه بالشبهات التحريمية فقط بخلاف ما دل على الاحتياط فإنه يشمل الوجوبية والتحريمية جميعاً (واما كونه أظهر) فلكونه نصاً في الحلية وما دل على الاحتياط ظاهر في الوجوب بمقتضى وضع الصيغة له أو انصرافها إليه.

(أقول)

وفي هذا الجواب ما لا يخفى أيضاً وذلك لما عرفت من أن أخبار الحل بكلا قسميها من قوله كل شيء هو لك حلال وكل شيء فيه حلال وحرام لم تتم دلالتها على البراءة في الشبهات التحريمية الحكمية كي يعارض ما دل على الاحتياط ويقدم عليه وإن تمت في التحريمية الموضوعية (وعلى هذا فالصحيح في الجواب) عن هذه الطائفة الثالثة أن يقال (أما رواية) عبد الرحمن بن الحجاج التي قال عليه‌السلام فيها إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا فهي واردة في الشبهة الحكمية قبل الفحص ولا كلام لنا في الاحتياط فيها (وأما رواية) عبد الله بن وضاح التي سأل فيها من العبد الصالح عن الصلاة والإفطار عند تواري القرص وإقبال الليل وزيادة الليل ارتفاعاً واستتار الشمس وارتفاع الحمرة فوق الجبل وأذان المؤذنين (فالظاهر) من السؤال فيها وإن كان هو السؤال بنحو الشبهة الحكمية بحيث لم يعلم السائل حد الغروب شرعاً المسوغ للصلاة والإفطار جميعاً (ولكن الظاهر) من جوابه عليه‌السلام أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة

٨٠