عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٣١

أجزاء النهار وإن عدّ عرفا أنه ميسور ذلك الإمساك التام ولكنه شرعا ساقط زائل لا يجب إمساكه لزوما وإن فرض استحبابه شرعا.

(قوله وبالجملة ما لم يكن دليل على الإخراج أو الإلحاق كان المرجع هو الإطلاق ... إلخ)

أي إطلاق الميسور وصدقه عرفا على الباقي فإن أطلق وصدق عليه عرفا انه ميسور ذلك الواجد فيؤتى بالباقي بلا كلام واستكشفنا منه أنه قائم بتمام ما قام به الواجد أو بمعظمه مما يوجب الإيجاب في الواجب والاستحباب في المستحب وإلّا فلا يؤتي به

(قوله فيخرج أو يدرج تخطئة أو تخصيصا في الأول وتشريكا في الحكم من دون الاندراج في الموضوع في الثاني ... إلخ)

(والفرق) بين الإخراج والإدراج تخطئة وبين الإخراج والإدراج تخصيصا أو تشريكا ان التخطئة مما لا يكون إلّا في الموضوع فالعرف يراه ميسورا والشرع يخطئهم أي لا يراه ميسورا أو العرف لا يراه ميسورا والشرع يخطئهم أي يراه ميسورا بخلاف التخصيص في الإخراج أو التشريك في الإدراج فإنه مما لا يكون إلّا في الحكم فالفرد مع كونه مندرجا في الموضوع يخرجه الشارع تخصيصا أو مع كونه خارجا عن الموضوع يدرجه الشارع تشريكا.

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى أن الدليل الشرعي إذا قام على الإخراج أو الإدراج فهو من باب التخصيص في الحكم أو التشريك فيه لا من باب التخطئة في الموضوع إذ لا وجه لتخطئة العرف في عدّهم الفاقد ميسورا أو غير ميسور فإن ملاك الصدق وعدمه أمر مضبوط عندهم وهو كون الفاقد واجدا للمعظم مثلا أو غير واجد له فان كان واجدا فهو ميسور وإلّا فهو مباين.

(نعم للشارع) أن يخرج تخصيصا أو يلحق تشريكا من جهة اطلاعه على

٢٦١

عدم قيامه بشيء مما قام به الواجد مع كونه ميسورا عرفا أو بقيامه بتمام ما قام به الواجد أو بمعظمه مع عدم كونه ميسورا عرفا.

في دوران الأمر بين الجزئية أو الشرطية

وبين المانعية أو القاطعية

(قوله تذنيب لا يخفى أنه إذا دار الأمر بين جزئية شيء أو شرطيته وبين مانعيته أو قاطعيته لكان من قبيل المتباينين ولا يكاد يكون من الدوران بين المحذورين ... إلخ)

خلافا لما ربما يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه من كونه من الدوران بين المحذورين وأن الأقوى فيه هو التخيير (قال) أعلى الله مقامه (ما لفظه) الأمر الرابع لو دار الأمر بين كون شيء شرطا أو مانعا أو بين كونه جزءا أو كونها زيادة مبطلة ففي التخيير هنا لأنه من دوران الأمر في ذلك الشيء بين الوجوب والتحريم أو وجوب الاحتياط بتكرار العبادة وفعلها مرة مع ذلك الشيء وأخرى بدونه وجهان مثاله الجهر بالقراءة في ظهر الجمعة حيث قيل بوجوبه وقيل بوجوب الإخفات وإبطال الجهر.

(ثم ذكر مثالين آخرين) وأخذ في تقريب الوجهين (إلى ان قال) أخيرا والتحقيق انه إن قلنا بعدم وجوب الاحتياط في الشك في الشرطية والجزئية وعدم حرمة المخالفة القطعية إذا لم تكن عملية فالأقوى التخيير هنا وإلّا تعين الجمع بتكرار العبادة ووجهه يظهر مما ذكرنا (انتهى) كلامه رفع مقامه (ومحصله) انه إذا قلنا بالبراءة عند الشك في الجزئية أو الشرطية ففي دوران الأمر بين الجزئية والمانعية مثلا أو الشرطية والقاطعية تجري البراءة عن كلا الطرفين جميعا بناء على

٢٦٢

عدم حرمة المخالفة القطعية إذا لم تكن عملية كما في دوران الأمر بين المحذورين على ما صرح به الشيخ في بحث القطع في العلم الإجمالي فإن المخالفة القطعية العملية فيه غير ممكن فلا تحرم والمخالفة الالتزامية وان كانت تلزم من الأصل في الطرفين ولكنها ليست بمحرمة عنده ولا الموافقة الالتزامية بواجبة عنده وقد تقدم تفصيل الكلام منا في بحث القطع في الموافقة الالتزامية فراجع.

(أقول)

والحق هو ما اختاره المصنف من كون المقام من قبيل المتباينين لا الدوران بين المحذورين فإنه وإن أشبه الثاني من حيث تعذر المخالفة القطعية العملية فيه في واقعة واحدة ولكن حيث يمكن الاحتياط فيه بإتيان العمل مرتين مرة مع ذاك الشيء وأخرى بدونه فيكون من قبيل المتباينين فيجب الاحتياط فيه مثل ما يجب الاحتياط فيهما عينا فإن العلم الإجمالي فيه بالتكليف موجود والأصلان العمليان في طرفي العلم الإجمالي ساقطان لما تقدم شرحه في صدر بحث الاشتغال من الوجوه العديدة والاحتياط فيه أمر ميسور ومعه كيف يستقل العقل بالتخيير بين الفعل والترك ويرخص في ترك الاحتياط بإتيان العمل مرتين مرة مع ذاك الشيء وأخرى بدونه وهذا واضح.

(واما الفرق) بين المانع والقاطع فقد أشرنا إليه قبيل الشروع في التنبيه الثاني من تنبيهات الأقل والأكثر الارتباطيين فتذكر.

٢٦٣

في شرائط الأصول العملية وبيان

شرط الاحتياط

(قوله خاتمة في شرائط الأصول اما الاحتياط فلا يعتبر في حسنه شيء أصلا بل يحسن على كل حال إلّا إذا كان موجبا لاختلال النظام ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه اما الاحتياط فالظاهر انه لا يعتبر في العمل به أمر زائد على تحقق موضوعه ويكفي في موضوعه إحراز الواقع المشكوك فيه به (انتهى)

(أقول)

الظاهر أن موضوع الاحتياط هو احتمال الواقع لا إحراز الواقع نعم غاية الاحتياط أي التي يترتب على الاحتياط هو إحراز الواقع (وعلى كل حال) ظاهر الشيخ أن الاحتياط حسن على كل حال فمهما تحقق موضوعه حسن العمل به ولكن الأحسن كما صرح به المصنف هو تقييد حسنه بما إذا لم يكن موجبا لاختلال النظام بل بما إذا لم ينجر إلى الوسواس شيئا فشيئا وإلّا فلا حسن فيه كما لا يخفى.

(قوله ولا تفاوت فيه بين المعاملات والعبادات مطلقا ولو كان موجبا للتكرار ... إلخ)

قد تقدم الكلام مستقصى في جواز الاحتياط وعدمه في المقام الثاني من العلم الإجمالي وانه لا إشكال فيه (في التوصليات) وقد عبر عنها المصنف في المقام بالمعاملات وكذلك لا إشكال فيه (في العباديات) فيما لا يحتاج إلى التكرار كما إذا تردد الواجب بين الأقل والأكثر (وهكذا) فيما احتاج إلى التكرار كما في المتباينين وإن أشكل فيه من ناحية الوجه تارة والتمييز أخرى واللعب بأمر المولى ثالثة (كما انه تقدم) في التنبيه الثاني من تنبيهات البراءة إشكال الشيخ أعلى الله مقامه في الاحتياط

٢٦٤

في العبادات طرا في الشبهات البدوية من ناحية عدم تمشي قصد القربة فيها وقد تقدم شرح جواب الكل في محله فلا نعيد.

(قوله فافهم ... إلخ)

إشارة إلى ضعف الجواب الثاني عن إشكال كون الاحتياط الموجب للتكرار لعبا بأمر المولى وقد تقدم في العلم الإجمالي تفصيل الإشكال وأنه من الشيخ أعلى الله مقامه قد ذكره في الخاتمة في شرائط الأصول وأن المصنف قد أجاب عنه بجوابين

(أحدهما) المنع عن لزوم اللعب إذا كان التكرار بداعي عقلائي وقد مثّلنا له بما إذا كان في العلم التفصيليّ بالامتثال مشقة وكلفة أو بذل مال أو ذل سؤال أو نحو ذلك.

(ثانيهما) المنع عن كون اللعب بأمر المولى وإنما هو في كيفية إطاعته فلا يضر غير انه لم يؤشر هناك إلى ضعف جواب الثاني وإن ضعفناه نحن هناك وأشار إلى ضعفه في المقام بقوله (فافهم) فافهم جيدا.

(قوله بل يحسن أيضا فيما قامت الحجة على البراءة عن التكليف لئلا يقع فيما كان في مخالفته على تقدير ثبوته من المفسدة وفوت المصلحة ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد قوله المتقدم اما الاحتياط فالظاهر ... إلخ (ما لفظه) ولو كان على خلافه دليل اجتهادي بالنسبة إليه فإن قيام الخبر الصحيح على عدم وجوب شيء لا يمنع من الاحتياط فيه لعموم أدلة رجحان الاحتياط غاية الأمر عدم وجوب الاحتياط وهذا مما لا خلاف فيه ولا إشكال (انتهى) (ومحصله) أن الاحتياط حسن مطلقا ولو قام الدليل الاجتهادي على خلافه فضلا عن الأصل العملي وذلك لعموم أدلة الاحتياط من العقل والنقل (هذا) ولكن تعليل المصنف أولى وأحسن وهو عدم الوقوع في المفسدة أو في فوت المصلحة على تقدير ثبوت التكليف في الواقع.

(وبالجملة) إن بقيام الحجة على نفي التكليف من دليل اجتهادي أو أصل

٢٦٥

عملي وان كان ينتفي العقاب عقلا ولكن لا تنتفي المصلحة أو المفسدة على تقدير ثبوت التكليف واقعا فيحسن الاحتياط تحرزا عن المفسدة المحتملة أو تحفظا على المصلحة المحتملة.

(نعم) إذا قام الدليل على نفي التكليف وقد حصل منه العلم بالعدم لم يحسن الاحتياط حينئذ إذ لا موضوع له كي يحسن أو لا يحسن وهو احتمال الواقع كما أشير آنفا.

في اشتراط البراءة العقلية بالفحص

(قوله واما البراءة العقلية فلا يجوز إجراؤها الا بعد الفحص واليأس إلى آخره)

يعني بها في الشبهات الحكمية واما في الشبهات الموضوعية فسيأتي الكلام فيها قريبا

(قوله لما مرت الإشارة إليه من عدم استقلال العقل بها الا بعدهما إلى آخره)

أي بعد الفحص واليأس (قال) في البراءة عند نقل دليل العقل بعد نقل الكتاب والسنة والإجماع عليها (ما لفظه) واما العقل فإنه قد استقل بقبح العقوبة والمؤاخذة على مخالفة التكليف المجهول بعد الفحص واليأس (انتهى) وقلنا هناك إن المراد من عدم البيان الّذي هو موضوع لحكم العقل بقبح العقاب ليس عدم البيان الواصل بنفسه بل عدم البيان الّذي يمكن الوصول إليه ولو بالفحص عنه فإن مجرد فقد البيان الواصل بنفسه مع احتمال وجود البيان الّذي لو تفحصنا عنه لظفرنا عليه مما لا يكفي في حكم العقل بقبح العقاب كما لا يخفى بل إذا تفحصنا عنه ولم يكن هناك بيان على التكليف فعند ذلك يستقل العقل بقبح العقاب وإن احتمل وجود بيان لا يمكن الوصول إليه أصلا.

٢٦٦

(ثم إن من هنا يظهر) أن البراءة العقلية هي بنفسها مما لا تجري في الشبهات الحكمية الا بعد الفحص بحد اليأس إذ موضوعها وهو اللابيان مما لا يحرز إلا بعد ذلك من غير حاجة إلى مخصص يخصصها ببعد الفحص كما في أكثر أدلة البراءة الشرعية على ما سيأتي شرح الكل قريبا فانتظر.

في اشتراط البراءة النقليّة بالفحص

(قوله واما البراءة النقليّة فقضية إطلاق أدلتها وان كان هو عدم اعتبار الفحص في جريانها ... إلخ)

يعني بها في الشبهات الحكمية وأما الموضوعية فسيأتي الكلام فيها كما أشير آنفا (ثم لا يخفى) ان بعض أدلة البراءة النقليّة.

(مما أخذ في لسانه البيان) كقوله تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون.

(أو ما أخذ في لسانه الإيتاء) والتعريف كقوله عليه‌السلام إن الله يحتج على العباد بما آتاهم وعرّفهم.

(أو ما أخذ في لسانه الحجب) مثل قوله عليه‌السلام ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم يكون حال البراءة العقلية من حيث عدم إحراز موضوعها إلا بعد الفحص بحد اليأس من غير حاجة إلى مخصص يخصصها ببعد الفحص وذلك لما عرفت من أن المراد من عدم البيان ليس عدم البيان الواصل بنفسه بل عدم البيان الّذي يمكن الوصول إليه ولو بالفحص عنه بحد اليأس وهكذا الحال في الإيتاء والتعريف والحجب فبمجرد عدم الاطلاع على الحكم قبل الفحص عنه بحد اليأس مع احتمال وجود حكم يمكن الوصول إليه بالفحص لا يكاد يحرز عدم الإيتاء والتعريف ولا الحجب كي يؤمن من الاحتجاج ويحرز الوضع عن

٢٦٧

العباد (ولكن) مقتضي إطلاقات ساير أدلة البراءة النقليّة كحديث الرفع وحديث السعة وحديث الإطلاق أي كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي هو عدم اعتبار الفحص في جريانها (إلا أن لنا) ما يدل على تقييدها واعتبار الفحص في جريانها (وقد استدل الشيخ) أعلى الله مقامه على اعتبار الفحص فيها بوجوه خمسة وإن كان قد ضعّف الوجه الخامس وبقي أربعة.

(قال ما لفظه الأول) الإجماع القطعي على عدم جواز العمل بأصل البراءة قبل استفراغ الوسع في الأدلة.

(ثم قال الثاني) الأدلة الدالة على وجوب تحصيل العلم مثل آيتي النفر للتفقه وسؤال أهل الذّكر والأخبار الدالة على وجوب تحصيل العلم وتحصيل التفقه والذم على ترك السؤال.

(ثم قال الثالث) ما دل على مؤاخذة الجهال والذم بفعل المعاصي المجهولة المستلزم لوجوب تحصيل العلم لحكم العقل بوجوب التحرز عن مضرة العقاب (إلى أن ذكر) ما ورد في تفسير قوله تعالى فلله الحجة البالغة من أنه يقال للعبد يوم القيامة هل علمت فإن قال نعم قيل فهلا عملت وإن قال لا قيل له هلا تعلمت حتى تعمل.

(إلى ان قال الرابع) إن العقل لا يعذر الجاهل القادر على الاستعلام في المقام

(إلى أن قال الخامس) حصول العلم الإجمالي لكل أحد قبل الأخذ في استعلام المسائل بوجود واجبات ومحرمات كثيرة في الشريعة ومعه لا يصح التمسك بأصل البراءة لما تقدم من أن مجراه الشك في أصل التكليف لا في المكلف به مع العلم بالتكليف (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

لا يخفى ان الوجه الرابع وهو أن العقل لا يعذر الجاهل القادر على الاستعلام ليس إلا عبارة عن عدم جريان البراءة العقلية قبل الفحص كما بيّنا فما لم يتفحص لم يحرز

٢٦٨

اللابيان ولم يستقل العقل بقبح العقاب ولم ير للجاهل عذرا مقبولا (ومن المعلوم) ان عدم جريان البراءة العقلية مما لا يصلح لتقييد إطلاقات أدلة البراءة الشرعية (ولعل) من هنا لم يؤشر المصنف إلى الوجه الرابع أصلا فإنه بصدد ما دل على تقييد إطلاقات أدلة البراءة الشرعية وهو مما لا يصلح لذلك وإن كان ذكر الشيخ للوجه الرابع في محله فإنه بصدد ما دل على اعتبار الفحص في جريان البراءة مطلقا من غير تقييد بالشرعية أو العقلية (وعليه) فتنحصر الوجوه المقيدة لإطلاقات أدلة البراءة الشرعية بوجوه أربعة.

(الأول) و (الثاني) و (الثالث) و (الخامس) وهو العلم الإجمالي وقد عبّر عنه المصنف بالعقل كما سيأتي.

يشترط الفحص في الشبهات الموضوعية

في الجملة

(قوله كما هو حالها في الشبهات الموضوعية ... إلخ) ويظهر من ذلك انه لا يعتبر الفحص عند المصنف في جريان البراءة في الشبهات الموضوعية أصلا كما هو المشهور على الألسن بل يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه أنه مما لا خلاف فيه بالنسبة إلى الشبهات الموضوعية التحريمية وإن كانت الشبهات الموضوعية الوجوبية مما تختلف بحسب الموارد (قال أعلى الله مقامه) في الأمر الثالث من الأمور التي ختم بها الكلام في الجاهل العامل قبل الفحص وقد تكلم حول ذلك قبلا في التنبيه الرابع من تنبيهات الشبهة التحريمية الموضوعية في أصل البراءة مختصرا (ما لفظه) ان وجوب الفحص انما هو في إجراء الأصل في الشبهة الحكمية الناشئة من عدم النص أو إجمال بعض ألفاظه أو تعارض النصوص اما

٢٦٩

إجراء الأصل في الشبهة الموضوعية (فإن كانت الشبهة في التحريم) فلا إشكال ولا خلاف ظاهرا في عدم وجوب الفحص ويدل عليه إطلاق الأخبار مثل قوله عليه‌السلام كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام وقوله عليه‌السلام حتى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البينة وقوله عليه‌السلام حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه الميتة وغير ذلك السالم عما يصلح لتقييدها (وان كانت الشبهة وجوبية) فمقتضى أدلة البراءة حتى العقل كبعض كلمات العلماء عدم وجوب الفحص أيضا وهو مقتضي حكم العقلاء في بعض الموارد مثل قول المولى لعبده أكرم العلماء أو المؤمنين فإنه لا يجب الفحص في المشكوك حاله في المثالين إلا أنه قد يتراءى ان بناء العقلاء في بعض الموارد على الفحص والاحتياط كما إذا أمر المولى بإحضار علماء البلد أو أطبائها أو إضافتهم أو إعطاء كل واحد منهم دينارا فإنه قد يدعي ان بنائهم على الفحص عن أولئك وعدم الاقتصار على المعلوم ابتداء مع احتمال وجود غيرهم في البلد (ثم نقل) من صاحب المعالم (ره) ما يظهر منه وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية الوجوبية (وتفصيله) ان صاحب المعالم في الأصل الّذي عقده لبيان شروط العمل بخبر الواحد قد اختار اعتبار العدالة في المخبر بعد ما ادعى ان اعتبار هذا الشرط هو المشهور بين الأصحاب وان ظاهر جماعة من متأخريهم الميل إلى العمل بخبر مجهول الحال (واستدل لمختاره) بما ملخصه ان التبين في آية النبأ لم يتعلق بعنوان معلوم الفسق كي لا يجب التبين عن خبر مجهول الحال ويكون حجة بل تعلق بعنوان الفاسق فيجب الفحص عنه عند الشك فيه وهو معنى عدم حجية خبر مجهول الحال (وقال) فيما أفاده في المقام ألا ترى ان قول القائل أعط كل بالغ رشيد من هذه الجماعة مثلا درهما يقتضي إرادة السؤال والتفحص عمن جمع هذين الوصفين لا الاقتصار على من سبق العلم باجتماعهما فيه (انتهى) (ثم قال) الشيخ أعلى الله مقامه بعد الفراغ عن نقل كلام المعالم (ما لفظه) وأيّد ذلك المحقق القمي في القوانين بأن الواجبات المشروطة بوجود شيء انما يتوقف وجوبها على وجود

٢٧٠

الشرط لا على العلم بوجوده فبالنسبة إلى العلم مطلق لا مشروط مثل ان من شك في كون ماله بمقدار استطاعة الحج لعدم علمه بمقدار المال لا يمكنه ان يقول إني لا أعلم اني مستطيع ولا يجب عليّ شيء بل يجب عليه محاسبة ما له ليعلم انه واجد للاستطاعة أو فاقد لها نعم لو شك بغداد المحاسبة في ان هذا المال هل يكفيه في الاستطاعة أم لا فالأصل عدم الوجوب حينئذ (ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه قد ساق الكلام (إلى ان قال) وقال في التحرير في باب نصاب الغلاة ولو شك في البلوغ ولا مكيال هنا ولا ميزان ولم يوجد سقط الوجوب دون الاستحباب انتهى (قال) وظاهره جريان الأصل مع تعذر الفحص وتحصيل العلم أي لا مع عدم تعذره ثم ساق الكلام (إلى ان قال) ثم الّذي يمكن ان يقال في وجوب الفحص إنه إذا كان العلم بالموضوع المنوط به التكليف يتوقف كثيرا على الفحص بحيث لو أهمل الفحص لزم الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا تعين هنا بحكم العقلاء اعتبار الفحص ثم العمل بالبراءة كبعض الأمثلة المتقدمة فإن إضافة جميع علماء البلد أو أطبائها لا يمكن للشخص الجاهل إلّا بالفحص فإذا حصل العلم ببعض واقتصر على ذلك نافيا لوجوب إضافة ما عداه بأصالة البراءة من غير تفحص زائد على ما حصل به المعلومين عدّ مستحقا للعقاب والملامة عند انكشاف ترك إضافة من يتمكن من تحصيل العلم به بفحص زائد (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

اما الشبهات الموضوعية التحريمية فالظاهر أن الأمر فيها كما ذكر الشيخ أعلى الله مقامه من أنه لا خلاف في عدم وجوب الفحص فيها.

(نعم) من الشبهات الموضوعية التحريمية ما أحرز اهتمام الشارع به جدا كما في الفروج والدماء ونحوهما فلا تجري البراءة فيها حتى بعد الفحص بحد اليأس إذا لم تزل الشبهة (فإذا احتمل) مثلا احتمالا معتدا به أن هذه أخته من الرضاعة أو بنته من الرضاعة أو أمه من الرضاعة لم يجز تزويجها ولو بعد الفحص بحد اليأس

٢٧١

مع بقاء الشبهة على حالها (ويؤيده) بل يدل عليه.

(ما رواه) في الوسائل في النكاح في باب وجوب الاحتياط في النكاح عن مسعدة بن زياد عن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لا تجامعوا في النكاح على الشبهة وقفوا عند الشبهة يقول إذا بلغك انك قد رضعت من لبنها أو أنها لك محرم وما أشبه ذلك فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة.

(وما رواه) في الباب أيضا من رواية أخرى قال فيه عليه‌السلام هو الفرج وامر الفرج شديد (وإن كان) مقتضي الجمع بينهما وبين رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه (إلى ان قال) أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك والأشياء كلها على هذا حتى تستبين أو تقوم به البينة ان احتمال الموضوع المحرم من الأخت أو الرضيعة أو غيرهما إن كان قويا بالغا مرتبة الشبهة فيجب الوقوف عندها وإن كان دون ذلك فهو حلال حتى يستبين أو تقوم به البينة (وهكذا الأمر) إذا احتمل احتمالا معتدا به أن هذا سمّ قاتل يتقطع به الأمعاء بمجرد شربه من غير مهلة للعلاج أصلا لم يجز شربه ولم تجر البراءة عن حرمته حتى بعد الفحص والاستعلام عن حاله إذا بقي الشك على حاله.

(وبالجملة) إن الشبهات الموضوعية التحريمية على قسمين فهي.

(بين ما لم يحرز) شدة اهتمام الشارع به وفي مثله تجري البراءة عقلا ونقلا من غير اعتبار الفحص في جريانها أصلا.

(وبين ما أحرز) اهتمام الشارع به جدا وفي مثله لا تجري البراءة لا عقلا ولا نقلا حتى بعد الفحص بحد اليأس إذا لم تزل الشبهة وبقيت على حالها.

(اما عقلا) فلأن مجرد الاحتمال في مثل هذه الأمور المهمة ما لم يكن الاحتمال ضعيفا موهوما يكون منجزا للواقع.

٢٧٢

(واما نقلا) فلاستكشاف وجوب الاحتياط شرعا في مثل هذه الأمور المهمة من شدة اهتمام الشارع بها فيقيد به إطلاقات أدلة البراءة الشرعية.

(واما الشبهات الموضوعية) الوجوبية (فإن كانت) مما أحرز اهتمام الشارع بها أيضا كما في حقوق الناس ونحوها وجب فيها الفحص بحد اليأس أيضا فإذا شك في كونه مديونا لزيد مثلا واحتمل أنه بالفحص والمراجعة إلى دفتره الخاصّ تزول الشبهة وجب عليه المراجعة والتأمل ولم تجر البراءة لا عقلا ولا نقلا وذلك لعين ما تقدم آنفا في الشبهة الموضوعية التحريمية غير أن شدة الاهتمام في التحريمية مما يوجب الاحتياط إلى الآخر حتى بعد الفحص بحد اليأس إذا لم تزل الشبهة وبقيت على حالها وفي الموضوعية مما توجب الفحص والنّظر في بدو الأمر فإذا تفحص ولم تزل الشبهة جرت البراءة فيها بلا مانع عنها (وهكذا يجب الفحص) فيما كان الموضوع المشكوك مما لا يعلم غالبا إلّا بالفحص والمراجعة على نحو كان الأمر به شرعا مستلزما عرفا لوجوب الفحص عنه وإلّا لم يمتثل الا نادرا (وقد أشار) إليه الشيخ أعلى الله مقامه بقوله المتقدم ثم الّذي يمكن أن يقال في وجوب الفحص انه إذا كان العلم بالموضوع المنوط به التكليف يتوقف كثيرا على الفحص بحيث لو أهمل الفحص لزم الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا تعين هنا بحكم العقلاء اعتبار الفحص ... إلخ (فإذا أمر المولى) بإخراج اليهودي مثلا عن البلد وفرض أن اليهودي ممن لا يعرف فيه إلّا بالفحص عنه فيستلزم الأمر بإخراجه وجوب الفحص عنه وإلّا لم يمتثل الأمر كثيرا الا نادرا.

(نعم) إذا أمر الشارع بموضوع لم يحرز شدة الاهتمام به ولم يكن مما لا يعلم به غالبا إلّا بالفحص عنه لم يجب الفحص في شبهاته أصلا (فإذا قال) مثلا أكرم العلماء أو أطعم الفقراء أو جالس المساكين لم يجب الفحص في المصاديق المشتبهة فإذا اقتصر على إكرام من عرف أنه عالم أو إطعام من علم أنه فقير أو مجالسة من علم أنه مسكين لم يكن ملوما جدا (ثم إن الظاهر) أن وجوب الفحص عند الشك

٢٧٣

في بلوغ المال بحد الاستطاعة أو النصاب إنما هو لإحراز شدة اهتمام الشارع بوجوب الحج أو الزكاة لا بملاك أن العلم بالاستطاعة في أول أزمنة حصولها مما يتوقف غالبا على المحاسبة كما صرح به الشيخ أعلى الله مقامه في كلام له في المقام وذلك لأن الاستطاعة التي يتوقف العلم بها غالبا في أول أزمنة حصولها على المحاسبة هي الاستطاعة التدريجية لا الاستطاعة الدفعيّة الحاصلة بتجارة مهمة أو بموت مورث ذي مال أو نحو ذلك مما يتفق كثيرا فانها مما يعلم بها في أول أزمنة حصولها من غير حاجة إلى المحاسبة أصلا (ومن المعلوم) ان مجرد كون بعض أفراد الاستطاعة مما لا يعلم به غالبا الا بالمحاسبة في أول أزمنة حصولها مما لا يكفي في كون الاستطاعة مطلقا كذلك كي يستلزم الأمر بالحج عند الاستطاعة وجوب الفحص عنها شرعا فتأمل جيدا (قوله إلّا أنه استدل على اعتباره بالإجماع وبالعقل ... إلخ) هذا هو الوجه :

(الأول) و (الخامس) من الوجوه المتقدمة التي استدل بها الشيخ أعلى الله مقامه لاعتبار الفحص في جريان البراءة في الشبهة الحكمية وستأتي الإشارة إلى.

(الوجه الثاني) منها بقوله الآتي فالأولى الاستدلال للوجوب بما دل من الآيات والأخبار على وجوب التفقه والتعلم ... إلخ.

(وإلى الوجه الثالث) بقوله الآتي والمؤاخذة على ترك التعلم في مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم بقوله تعالى كما في الخبر هلا تعلمت ... إلخ.

(واما الوجه الرابع) فقد عرفت أنه عبارة أخرى عن عدم جريان البراءة العقلية قبل الفحص وليس هو شيئا يصلح لتقييد إطلاقات أدلة البراءة الشرعية أبدا وقد أشير قبلا أن المصنف لعل من هنا لم يؤشر إليه أصلا فتذكر.

(قوله فإنه لا مجال لها بدونه حيث يعلم إجمالا بثبوت التكليف بين موارد الشبهات ... إلخ)

علة لدلالة العقل على اعتبار الفحص في البراءة النقليّة ولعله هي العلم الإجمالي

٢٧٤

بثبوت التكليف في موارد الشبهات.

(قوله بحيث لو تفحص عنه لظفر به ... إلخ)

قيد للتكليف المعلوم بالإجمال بين موارد الشبهات (ووجه التقييد به) هو دفع ما قد يشكل من أن مقتضي العلم الإجمالي بالتكاليف في الشبهات هو عدم جريان البراءة فيها حتى بعد الفحص بحد اليأس إذ بالفحص كذلك لا يكاد يرتفع العلم الإجمالي كي تجري البراءة فيها بلا مانع عنها فيقيد المصنف التكليف المعلوم بالإجمال بهذا القيد لئلا يرد الإشكال أي إنا نعلم إجمالا بثبوت تكليف في الشبهات بحيث لو تفحصنا عنه لظفرنا عليه (وعلى هذا) فإذا شككنا في التكليف في مورد خاص وتفحصنا عنه بحد اليأس ولم نظفر عليه فيخرج المورد عن كونه طرفا للعلم الإجمالي وجرت البراءة عنه قطعا (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ما قرر العلم الإجمالي (ما لفظه) فإن قلت هذا يقتضي عدم جواز الرجوع إلى البراءة ولو بعد الفحص لأن الفحص لا يوجب جريان البراءة مع العلم الإجمالي قلت المعلوم إجمالا وجود التكاليف الواقعية في الوقائع التي يقدر على الوصول إلى مداركها وإذا تفحص وعجز عن الوصول إلى مدارك الواقعة خرجت تلك الواقعة عن الوقائع التي علم إجمالا بوجود التكاليف فيها فيرجع فيها إلى البراءة (ثم قال الشيخ) أعلى الله مقامه ولكن هذا لا يخلو عن نظر لأن العلم الإجمالي إنما هو بين جميع الوقائع من غير مدخلية لتمكن المكلف من الوصول إلى مدارك التكليف وعجزه عن ذلك فدعوى اختصاص أطراف العلم الإجمالي بالوقائع التمكن من الوصول إلى مداركها مجازفة (انتهى).

(قوله ولا يخفى ان الإجماع هاهنا غير حاصل ... إلخ)

شروع في الرد على الوجوه المتقدمة التي استدل بها الشيخ أعلى الله مقامه لاعتبار الفحص في جريان البراءة في الشبهات الحكمية وهذا هو الرد على الوجه الأول خاصة (وحاصله) أن تحصيل الإجماع في مثل المسألة مما للعقل إليه سبيل أي

٢٧٥

تحصيل إجماع يستكشف به رأي الإمام عليه‌السلام صعب جدا لو لم يكن محالا عادة وذلك لقوة احتمال كون المستند للجل لو لا الكل هو ما ذكر من حكم العقل أي العلم الإجمالي بل وساير الوجوه المتقدمة مما عرفت شرحه لا رأي الإمام عليه‌السلام بدعوى وصوله إليهم خلفا عن سلف وجيلا بعد جيل وهذا واضح.

(قوله وأن الكلام في البراءة فيما لم يكن هناك علم موجب للتنجيز إما لانحلال العلم الإجمالي ... إلخ)

رد على الوجه الخامس من الوجوه المتقدمة وهو العلم الإجمالي الّذي قد عبّر عنه المصنف بالعقل (وحاصله) انه لا علم إجمالي لنا يوجب التنجيز ويمنع عن جريان البراءة إما لانحلاله بالظفر على التكاليف بمقدار المعلوم بالإجمال (كما أشار إليه الشيخ) بقوله مع أن هذا الدليل انما يوجب الفحص قبل استعلام جملة من التكاليف يحتمل انحصار المعلوم إجمالا فيها (انتهى) واما لعدم الابتلاء الا بموارد خاصة من الشبهات التي لا علم لنا بالتكليف فيها أصلا.

(قوله ولو لعدم الالتفات إليها ... إلخ)

علة لقوله أو لعدم الابتلاء إلا بما لا يكون بينهما علم بالتكليف من موارد الشبهات (ومنه يظهر) انه كان الصحيح ان يقول ولو لعدم الالتفات إلى غيرها لا إليها.

(قوله فالأولى الاستدلال للوجوب بما دل من الآيات والاخبار على وجوب التفقه والتعليم ... إلخ)

هذا هو الوجه الثاني من الوجوه الخمسة المتقدمة وهو عمدتها (ثم إن الآيات) الدالة على وجوب التفقه والتعلم هي آيتا النفر وسؤال أهل الذّكر كما أشار إليهما الشيخ أعلى الله مقامه في كلامه المتقدم عند نقل الوجوه الخمسة (وأما الأخبار) الدالة على وجوب التفقه والتعلم بل الذم على ترك السؤال فهي كثيرة.

(مثل) قوله عليه‌السلام تفقهوا في الدين فإن من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي إن الله يقول في كتابه ليتفقهوا في الدين الآية.

٢٧٦

(ومثل) قوله عليه‌السلام عليكم بالتفقه في دين الله ولا تكونوا أعرابا فإن من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزك له عملا.

(ومثل) قوله عليه‌السلام لوددت أن أصحابي ضربت رءوسهم بالسياط حتى يتفقهوا.

(ومثل) قوله عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم ألا إن الله يجب بغاة العلم.

(ومثل) قوله عليه‌السلام بعد ما سأله السائل هل يسع الناس ترك المسألة عما يحتاجون إليه قال لا.

(ومثل) قوله عليه‌السلام أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال الحديث.

(ومثل) قوله عليه‌السلام لحمران ابن أعين في شيء سأله إنما يهلك الناس لأنهم لا يسألون.

(ومثل) قوله عليه‌السلام بعد ما سأله السائل عن مجدور أصابته جنابة فغسلوه فمات قال قتلوه ألا سألوا فإن دواء العي السؤال (إلى غير ذلك) من الأخبار المذكورة في الوافي في باب فرض طلب العلم والحث عليه وباب سؤال العلماء وتذاكر العلم وغيرهما فراجع.

(ثم إن مقتضي) الجمع بين جميع ما ذكر من الآيات والروايات الدالة على وجوب التفقه والتعلم وبين ما دل بإطلاقه على البراءة هو وجوب تحصيل العلم وإزالة الجهل أولا فإن تفحصنا ولم نتمكن من إزالة الجهل فعند ذلك يكون المجهول مرفوعا شرعا وموضوعا عنا ونكون نحن في سعة منه وراحة وهذا واضح

(قوله والمؤاخذة على ترك التعلم في مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم بقوله تعالى كما في الخبر هلا تعلمت ... إلخ)

(هذا هو الوجه الثالث) من الوجوه الخمسة المتقدمة وقد تقدم الخبر

٢٧٧

الدال عليه في كلام الشيخ أعلى الله مقامه عند نقل الوجوه الخمسة.

(واما الوجه الرابع) فقد أشرنا أن المصنف لم يؤشر إليه أصلا وأشرنا أيضا إلى السّر في ذلك وحكمته فلا تغفل.

(قوله فيقيد بها أخبار البراءة لقوة ظهورها ... إلخ)

دفع لما قد يتوهم من أن الآيات والأخبار الدالة على وجوب التفقه والتعلم والمؤاخذة على ترك التعلم إنما هي محمولة على ما إذا علم إجمالا بالتكليف لا على الشبهات البدوية كي يقيد بها أخبار البراءة ويرفع بها اليد عن إطلاقاتها (وحاصل الدفع) أن الآيات والأخبار المذكورة لها ظهور قوي في المؤاخذة والاحتجاج بترك التعلم فيما لم يعلم أي في الشبهات البدوية لا بترك العمل فيما علم ولو إجمالا (وعليه) فلا مجال للتوفيق بحمل الاخبار المذكورة على الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي دون البدوية

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى أن الّذي له ظهور قوي في المؤاخذة والاحتجاج بترك التعلم فيما لم يعلم لا بترك العمل فيما علم ولو إجمالا هو خصوص الخبر الأخير فقط أي الوجه الثالث المشتمل على قوله وإن قال لا قيل له هلا تعلمت حتى تعمل (وصحة سنده) غير معلومة كي يقيد به أخبار البراءة وليس الّذي له ظهور قوي في ذلك هو مجموع ما ذكر من الآيات والروايات كي صح تقييد أخبار البراءة بها فتأمل جيدا.

في اشتراط التخيير العقلي بالفحص

(قوله ولا يخفى اعتبار الفحص في التخيير العقلي أيضا بعين ما ذكر في البراءة ... إلخ)

أي بعين ما ذكر في البراءة العقلية نعم يعتبر الفحص في الاستصحاب بعين ما ذكر في البراءة الشرعية (وعلى كل حال) قد أشار الشيخ أعلى الله مقامه إلى اعتبار

٢٧٨

الفحص في التخيير العقلي بل وأشار إلى غيره أيضا (قال) بعد الفراغ عن اعتبار الفحص في جريان البراءة (ما لفظه) ثم إن في حكم أصل البراءة كل أصل عملي خالف الاحتياط (انتهى) ويعني بكل أصل عملي كأصالة التخيير وأصالة الاستصحاب وقاعدة الطهارة إذا جرت في الشبهات الحكمية ونحوها.

(أقول)

وأما الشبهات الموضوعية لهذه الأصول فالكلام فيها على نحو ما تقدم آنفا من غير اختصاص بالشبهات الموضوعية لأصل البراءة فقط فيعتبر الفحص فيها في الجملة بل يعتبر الفحص في جريان أصل التخيير في الشبهة الموضوعية مطلقا من غير تفصيل فيه أصلا وذلك لأن استقلال العقل بالتخيير بين الفعل والترك عند العلم الإجمالي بموضوع مردد بين تعلق الوجوب به أو تعلق الحرمة به كالمرأة المرددة بين من وجب وطيها بالحلف أو حرم وطيها كذلك إنما هو من جهة العجز عن الموافقة القطعية فما لم يتفحص ويحصل له اليأس عن تعيين حال الموضوع خارجا لم يحرز عجزه عنها وذلك لجواز تعين الموضوع بالفحص والنّظر في أمره فيمتثل حكمه الواقعي وما لم يحرز عجزه عنها لم يستقل العقل بالتخيير بين الفعل والترك أصلا.

في بيان ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من

التبعة والأحكام

(قوله ولا بأس بصرف الكلام في بيان بعض ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من التبعة والأحكام اما التبعة فلا شبهة في استحقاق العقوبة على المخالفة ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) اما العقاب فالمشهور انه على مخالفة

٢٧٩

الواقع لو اتفقت فإذا شرب العصير العنبي من غير فحص عن حكمه فإن لم يتفق كونه حراما واقعا فلا عقاب ولو اتفقت حرمته كان العقاب على شرب العصير لا على ترك التعلم (إلى أن قال) وقد خالف فيما ذكرنا صاحب المدارك تبعا لشيخه الأردبيلي حيث جعلا عقاب الجاهل على ترك التعلم بقبح تكليف الغافل (انتهى)

(أقول)

والظاهر من قوله بقبح تكليف الغافل أن وجه مخالفة المدارك تبعا لشيخه الأردبيلي مع المشهور القائلين باستحقاق العقاب على مخالفة الواقع أن الجاهل غافل غالبا عن الواقع فيأتي بالحرام أو يترك الواجب وهو غير ملتفت إليه (ومن المعلوم) أن مع الغفلة عنه يقبح التكليف به عقلا فقهرا يكون العقاب على ترك التعلم لا على الواقع المغفول عنه بل يلتزمان كما سيأتي بوجوب التعلم نفسيا ليصح العقاب عليه ولا يكون من العقاب على الواجب الغيري (وعلى كل حال) قد اختار المصنف تبعا للمشهور أن استحقاق العقاب هو على مخالفة الواقع نظرا إلى ان الواقع وان كان مغفولا عنه حين المخالفة وكان خارجا عن تحت الاختيار ولكنه بالأخرة منتهى إلى الاختيار وهو ترك التعلم عمدا حينما التفت إلى تكاليف في الشريعة كما هو الحال في كل مسبب توليدي خارج عن تحت الاختيار إذا كان منتهيا إلى امر اختياري فإذا ألقى مثلا نفسه من شاهق الجبل أو الجدار فبعد ما ألقى وإن خرج نفسه عن تحت قدرته وسلطته فيقتل قهرا بلا اختيار ولكن حيث كان القتل منتهيا إلى الإلقاء الّذي هو امر اختياري فيكون هو المصحح للعقاب على ما ليس بالاختيار وهذا واضح.

(قوله فيما إذا كان ترك التعلم والفحص مؤديا إليها ... إلخ)

فإن ترك التعلم والفحص قد يؤدي إلى مخالفة الواقع كما إذا كان هناك تكليف واقعا وقد لا يؤدي كما إذا لم يكن هناك تكليف في الواقع (وقد أشار) إليه الشيخ أعلى الله مقامه في كلامه المتقدم بقوله اما العقاب فالمشهور انه على مخالفة الواقع لو اتفقت ... إلخ.

٢٨٠