عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٣١

(قوله مع استقلال العقل بلزوم الإعادة مع اشتباه الحال لقاعدة الاشتغال ... إلخ)

هذا حكم صورة بقاء الاشتباه على حاله وعدم إحراز الدخل كي يكون صحيحا ولا عدم الدخل كي يكون باطلا فإذا لم يحرز الدخل ولا عدم الدخل استقل العقل بلزوم الإعادة فإنه قاصد للامتثال على تقدير دخل الزائد كما هو المفروض والتقدير لم يعلم بحصوله فيكون الشك حينئذ في الامتثال فيجب الاحتياط عقلا وقد أشرنا إلى ذلك كله فيما تقدم فتذكر.

(قوله واما لو أتى به على نحو يدعوه إليه على أي حال ... إلخ)

هذا في قبال قوله المتقدم نعم لو كان عبادة وأتى به كذلك على نحو لو لم يكن للزائد دخل فيه لما يدعو إليه وجوبه.

(قوله ولو كان مشرعا في دخله الزائد فيه بنحو مع عدم علمه بدخله إلى آخره)

أي ولو كان مشرعا في دخله الزائد في الواجب حتى مع دخله فيه واقعا حيث لم يعلم بدخله فيه وبني على دخله.

(قوله فإن تشريعه في تطبيق المأتي مع المأمور به وهو لا ينافى قصده الامتثال والتقرب به على كل حال ... إلخ)

علة لصحة الواجب مع التشريع فيما إذا قصد الامتثال على كل حال ولكنها إلى الفساد أقرب فإن المشرّع هب انه قد قصد الامتثال على كل حال ولكن مجرد ذلك مما لا يكفي في الصحة بعد اتصاف المأتي به بالقبح والمبعدية من جهة تشريعه في دخله الزائد فيه مع علمه بعدم دخله فيه أو مع عدم علمه بدخله فيه وقد أشرنا لي ذلك كله قبلا فلا تغفل.

٢٤١

(قوله ثم إنه ربما تمسك لصحة ما أتى به مع الزيادة باستصحاب الصحة وهو لا يخلو من كلام ونقض وإبرام ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه في المسألة الثانية التي عقدها للزيادة العمدية (ما لفظه) وقد يستدل على البطلان بأن الزيادة تغيير لهيئة العبادة الموظفة فتكون مبطلة وقد احتج به في المعتبر على بطلان الصلاة بالزيادة وفيه نظر لأنه إن أريد تغيير الهيئة المعتبرة في الصلاة فالصغرى ممنوعة لأن اعتبار الهيئة الحاصلة من عدم الزيادة أول الدعوى فإذا شك فيه فالأصل البراءة عنه وإن أريد انه تغيير للهيئة المتعارفة المعهودة للصلاة فالكبرى ممنوعة لمنع كون تغيير الهيئة المتعارفة مبطلا (قال) ونظير الاستدلال بهذا للبطلان في الضعف الاستدلال للصحة باستصحابها بناء على أن العبادة قبل هذه الزيادة كانت صحيحة والأصل بقائها وعدم عروض البطلان لها (ثم أطال الكلام) في النقض والإبرام حول تضعيف هذا الاستدلال للصحة وضعّفه لدى النتيجة بما لا يخلو عن ضعف.

(والأولى) في تضعيفه أن يقال إن أقصى ما صح أن يدعي في تقريب استصحاب الصحة هو أن المراد منه استصحاب صحة الاجزاء السابقة بمعنى أنها قبل الزيادة كانت بحيث لو انضم إليها الاجزاء اللاحقة التأمت معها وحصل الكل بالمجموع وبعد الزيادة يقع الشك في بقائها على هذه الصفة فتستصحب وحينئذ يرد عليه (انه لو كان) المراد من ذلك ان الاجزاء السابقة كانت بحيث لو انضم إليها تمام ما يعتبر في الواجب من الاجزاء والشرائط التأم معها وحصل الكل بالمجموع (فهذا حق) ولكن لم يعلم حينئذ انضمام التمام إليها إذ من المحتمل أن يكون من الشرائط عدم الزيادة ولم ينضم إليها إذ المفروض تحقق الزيادة (وإن كان) المراد منه ان الاجزاء السابقة كانت بحيث لو انضم إليها بقية الاجزاء المعلومة دون المشكوكة لالتأم معها وحصلها الكل بالمجموع (فهذا ممنوع) جدا إذ لم يكن لنا يقين كذلك كي تستصحب الصحة بهذا المعنى وهذا واضح.

٢٤٢

(قوله ويأتي تحقيقه في مبحث الاستصحاب ... إلخ)

بل لا يأتي من المصنف تحقيقه أصلا لا في الاستصحاب ولا في غيره.

(نعم يأتي من الشيخ) تحقيقه ثانيا مضافا إلى ما حققه في المقام في التنبيه الثامن من تنبيهات الاستصحاب فراجع.

في تعذر الجزء أو الشرط

(قوله الرابع انه لو علم بجزئية شيء أو شرطيته في الجملة ودار الأمر بين أن يكون جزءا أو شرطا مطلقا ولو في حال العجز عنه وبين ان يكون جزءا أو شرطا في خصوص حال التمكن منه ... إلخ)

(قال) الشيخ أعلى الله مقامه (ما لفظه) إذا ثبت جزئية شيء أو شرطيته في الجملة فهل يقتضي الأصل جزئيته وشرطيته المطلقتين حتى إذا تعذر سقط التكليف بالكل أو المشروط أو اختصاص اعتبارهما بحال التمكن فلو تعذر لم يسقط التكليف وجهان بل قولان للأول أصالة البراءة من الفاقد وعدم ما يصلح لإثبات التكليف به كما سنبين ولا يعارضها استصحاب وجوب الباقي لأن وجوبه كان مقدمة لوجوب الكل فينتفي بانتفائه وثبوت الوجوب النفسيّ له مفروض الانتفاء (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ومحصله) أن عند تعذر الجزء أو الشرط تجري البراءة عن وجوب الباقي ولا يجري استصحاب وجوب الباقي فإنه من القسم الثالث من استصحاب الكلي فإن الوجوب الّذي كان ثابتا للباقي قبل تعذر الجزء أو الشرط كان مقدميا أي للكل والوجوب الّذي شك في حدوثه فعلا مقارنا لارتفاع الأول نفسي فلا يستصحب القدر المشترك بينهما لما سيأتي من المنع الأكيد عن هذا القسم من استصحاب الكلي.

٢٤٣

(أقول)

إن الشيخ أعلى الله مقامه في نقيصة الجزء أو الشرط سهوا كان يرى ان تلك المسألة من صغريات الأقل والأكثر غير انه منعه عن البراءة عن الجزئية أو الشرطية في حال النسيان امران.

(أحدهما) إطلاق دليل الجزء أو الشرط.

(وثانيهما) عدم قابلية الناسي لتوجيه الخطاب إليه بما سوى المنسي وشيء من الأمرين مما لا يوجد في المقام.

(اما الأول) فلكون البحث مفروضا فيما إذا لم يكن لدليل الجزء أو الشرط المتعذر إطلاق كما أشار إليه بقوله المتقدم إذا ثبت جزئية شيء أو شرطيته في الجملة (واما الثاني) فلضرورة صحة توجيه الخطاب إلى من عجز عن جزء لو شرط خاص بإتيان الباقي ومع ذلك لم يقل في المقام بالبراءة عن الجزء أو الشرط المتعذر في حال تعذره بل قال بالبراءة عن وجوب الباقي مع ان الملاك فيهما واحد والسّر واضح.

(نعم) إن المصنف هناك كان يرى ان تلك المسألة من صغريات الأقل والأكثر وأجري البراءة النقليّة عن الجزء أو الشرط المنسي دون العقلية على مسلكه الخاصّ في الأقل والأكثر وفي المقام أيضا يرى المسألة من صغريات الأقل والأكثر غير انه منعه عن البراءة النقليّة فيها كما سيأتي التصريح منه ان حديث الرفع هو في مقام الامتنان ولا امتنان في رفع الجزء أو الشرط المتعذر في حال تعذره وذلك لما يثبت به من تعلق التكليف بالباقي ولكن ستعرف ما في ذلك من الضعف والوهن فانتظر.

(وبالجملة) الحق انه إذا تعذر جزء أو شرط ولم يكن لدليله إطلاق يشمل حالتي القدرة والعجز جميعا بأن كان الدليل لبيا كالإجماع لا إطلاق له وشك في جزئيته أو شرطيته في هذا الحال جرت البراءة عقلا ونقلا عن جزئيته أو شرطيته

٢٤٤

في هذا الحال وتكون البراءة حاكمة على دليل الصلاة رافعة لإجمالها وترددها بين الأقل والأكثر وتعيّنها في الأقل بالنسبة إلى العاجز عن الجزء أو الشرط في حال عجزه وعدم قدرته ومعها لا يكاد يبقى مجال للبراءة عن الباقي التي تمسك بها الشيخ أعلى الله مقامه لأنها مسببية والبراءة عن الجزئية أو الشرطية في هذا الحال سببية وهذا واضح وهكذا لا يبقى مجال لاستصحاب وجوب الباقي ان تمت أركانه لعين الملاك المذكور في البراءة عن الباقي فتفطن.

(قوله ولم يكن هناك ما يعيّن أحد الأمرين من إطلاق دليل اعتباره جزءا أو شرطا أو إطلاق دليل المأمور به مع إجمال دليل اعتباره أو إهماله إلى آخره)

(فان كان) لدليل اعتبار الجزء أو الشرط إطلاق يشمل حالتي القدرة والعجز جميعا تعين كون الجزء أو الشرط المتعذر جزءا أو شرطا مطلقا ولو في حال التعذر فيسقط حينئذ التكليف بالكل أو بالمشروط إلّا إذا أخذنا بقاعدة الميسور فتكون حاكمة على إطلاق دليل الجزء أو الشرط حاصرة لجزئيته أو شرطيته بحال القدرة فقط دون العجز (وأما إذا لم يكن) له إطلاق بل كان الدليل المأمور به كالصلاة ونحوها إطلاق بأن قلنا بالأعم وكان الجزء أو الشرط المتعذر مما لا دخل له في الماهية والمسمى أصلا فحينئذ عند تعذر هذا الجزء أو الشرط يتمسك بإطلاق دليل المأمور به فيثبت به وجوب الباقي بلا حاجة إلى قاعدة الميسور أو استصحاب وجوبه أبدا (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى اعتبار فقد كلا الإطلاقين في المقام (اما إلى فقد) إطلاق دليل الجزء أو الشرط المتعذر فبقوله المتقدم إذا ثبت جزئية شيء أو شرطيته في الجملة ... إلخ (واما إلى فقد) إطلاق دليل المأمور به (فقد قال) بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) نعم إذا ورد الأمر بالصلاة مثلا وقلنا بكونها اسما للأعم كان ما دل على اعتبار الاجزاء الغير المقومة فيه من قبيل التقييد فإذا لم يكن للقيد إطلاق بأن قام الإجماع على جزئيته في الجملة أو على وجوب

٢٤٥

المركب من هذا الجزء في حق القادر عليه كان القدر المتيقن منه ثبوت مضمونه بالنسبة إلى القادر واما العاجز فيبقى إطلاق الصلاة بالنسبة إليه سليما عن المقيد ومثل ذلك الكلام في الشروط (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(قوله لاستقل العقل بالبراءة عن الباقي ... إلخ)

(وفيه) انه لو تم ذلك ولم تجر البراءة عن الجزئية أو الشرطية الواردة على البراءة عن الباقي لكونها سببية كما أشير آنفا لاستقل العقل والنقل جميعا بالبراءة عن الباقي لا خصوص العقل فقط إذ كلما جرت البراءة العقلية جرت الشرعية بلا شبهة ولا عكس كما في الأقل والأكثر على مختار المصنف فجرت فيهما الشرعية دون العقلية وان كان ذلك خلاف التحقيق وكان المختار تبعا للشيخ جريانهما جميعا.

(قوله لا يقال نعم ولكن قضية مثل حديث الرفع عدم الجزئية أو الشرطية الا في حال التمكن منه ... إلخ)

(وحاصل الإشكال) انه نعم يستقل العقل بالبراءة عن وجوب الباقي ولكن حديث الرفع يقتضي رفع الجزئية أو الشرطية في حال التعذر فيجب الباقي (وحاصل الجواب) كما أشير قبلا ان حديث الرفع وارد في مقام الامتنان ولا امتنان في رفع الجزئية أو الشرطية في حال العجز نظرا إلى ما يثبت به من وجوب الباقي (وفيه) ان أخبار البراءة مما لا تنحصر بحديث الرفع فقط الّذي فيه كلمة عن أمتي كي ربما يستفاد منها الرفع الامتناني بل لنا حديث السعة والحجب وغيرهما مما ليس فيه دلالة على الامتنان أصلا فتجري البراءة عقلا ونقلا عن الجزئية أو الشرطية في حال العجز وتكون واردة على البراءة عن الباقي لأن الأول سببي والثاني مسببي كما أشير غير مرة.

٢٤٦

(قوله نعم ربما يقال بأن قضية الاستصحاب في بعض الصور وجوب الباقي في حال التعذر أيضا ولكنه لا يكاد يصح إلا بناء على صحة القسم الثالث من استصحاب الكلي أو على المسامحة في تعيين الموضوع في الاستصحاب إلى آخره)

استدراك عن قوله لاستقل العقل بالبراءة عن الباقي أي نعم ربما يقال في قبال البراءة عن الباقي بأن قضية الاستصحاب فيما إذا كان المكلف مسبوقا بالقدرة هو وجوب الباقي (قال الشيخ) أعلى الله مقامه في قبال قوله المتقدم وجهان بل قولان للأول أصالة البراءة من الفاقد (ما لفظه) وللقول الثاني استصحاب وجوب الباقي إذا كان المكلف مسبوقا بالقدرة بناء على ان المستصحب هو مطلق الوجوب بمعنى لزوم الفعل من غير التفات إلى كونه لنفسه أو لغيره أو الوجوب النفسيّ المتعلق بالموضوع الأعم من الجامع لجميع الاجزاء والفاقد لبعضها بدعوى صدق الموضوع عرفا على هذا المعنى الأعم الموجود في اللاحق ولو مسامحة فإن العرف يطلقون على من عجز عن السورة بعد قدرته عليها ان الصلاة كانت واجبة عليه حال القدرة على السورة ولا يعلم بقاء وجوبها بعد العجز عنها ولو لم يكف هذا المقدار في الاستصحاب لاختلف جريانه في كثير من الاستصحابات مثل استصحاب كثرة الماء وقلّته فإن الماء المعين الّذي أخذ بعضه أو زيد عليه يقال انه كان كثيرا أو قليلا والأصل بقاء ما كان مع أن هذا الماء الموجود لم يكن متيقن الكثرة أو القلة وإلا لم يعقل الشك فيه فليس الموضوع فيه الا أعم من هذا الماء مسامحة في مدخلية الجزء الناقص أو الزائد في المشار إليه ولذا يقال في العرف هذا الماء كان كذا وشك في صيرورته كذا من غير ملاحظة زيادته ونقيصته (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ومحصله) ان استصحاب وجوب الباقي مبني على أحد الوجهين.

(إما على القسم الثالث) من استصحاب الكلي كما تقدم في صدر البحث فإن الوجوب الّذي كان ثابتا للباقي قبل تعذر الجزء أو الشرط كان مقدميا أي

٢٤٧

للكل والوجوب الّذي شك في حدوثه فعلا مقارنا لارتفاع الأول نفسي (وإما على المسامحة العرفية) في بقاء الموضوع وعينيته مع الموضوع السابق قبل التعذر (ثم إنه أعلى الله مقامه) تعرض ثانيا حال استصحاب وجوب الباقي في التنبيه الحادي عشر من تنبيهات الاستصحاب بنحو أبسط فحاول فيه إدراجه في القسم الجائز من القسم الثالث من استصحاب الكلي وهو ما يتسامح فيه العرف فيعدون الفرد اللاحق مع الفرد السابق كالمستمر الواحد مثل ما لو علم السواد الشديد في محل وشك في تبدله بالبياض أو بسواد أضعف فإنه يستصحب السواد (ثم شرع أعلى الله مقامه) في ذكر الوجه الثاني وهو المسامحة العرفية في بقاء الموضوع وعينيته مع الموضوع الأول قبل تعذر الجزء أو الشرط.

(ثم زاد وجها ثالثا) هناك وهو إدراج استصحاب وجوب الباقي في القسم الثاني من استصحاب الكلي نظير الشك في بقاء الحيوان من جهة تردده بين البق والفيل بدعوى ان الوجوب المتعلق بالمركب مردد بين تعلقه به على ان يكون الجزء المتعذر جزءا له مطلقا فيسقط الوجوب بتعذره أو على ان يكون جزءا له في حال الاختيار فقط فيبقى التكليف بالباقي على حاله (والفرق) بين هذه الوجوه الثلاثة ان استصحاب وجوب الباقي على الوجه الأول يكون من القسم الثالث من استصحاب الكلي وعلى الوجه الثاني يكون من استصحاب شخص الوجوب الأول بدعوى بقاء الموضوع عرفا مسامحة وعلى الوجه الثالث يكون من القسم الثاني من استصحاب الكلي.

(أقول)

وأحسن ما قيل في هذا المقام هو قياس وجوب الباقي في المسألة بالبياض المنبسط على جسم طويل إذا انفصل منه جزء وصار قصيرا فكما ان البياض الباقي في الجسم القصير هو عين ذلك البياض الأول الّذي كان منبسطا على الجسم الطويل غايته انه قد ذهب بعضه بذهاب بعض معروضه فتبدل حده بحد آخر فكذلك الوجوب

٢٤٨

المنبسط في المقام على المركب التام إذا تعذر بعض أجزائه فيكون الوجوب في المركب الناقص هو عين الوجوب الأول الّذي كان منبسطا على المركب التام غايته انه قد تبدل حده بحد آخر (ومن هنا يظهر) أن استصحاب وجوب الباقي في المقام ليس من القسم الثالث من استصحاب الكلي ولا من القسم الثاني بل هو من قبيل استصحاب الشخص أي شخص الوجوب السابق المتعلق بالمركب بناء على المسامحة العرفية في بقاء الموضوع وان المركب الفعلي المتعذر جزئه أو شرطه هو عين المركب السابق في نظر العرف من قبيل نقص شيء يسير من الماء الغير المضر باستصحاب الكرية.

(قوله ويأتي تحقيق الكلام فيه في غير المقام ... إلخ)

أي يأتي تحقيق الكلام في تعيين موضوع الاستصحاب وان المرجع في تعيينه هو نظر العرف دون العقل ولا لسان الدليل في أواخر الاستصحاب إن شاء الله تعالى فانتظر

في قاعدة الميسور

(قوله كما أن وجوب الباقي في الجملة ربما قيل بكونه مقتضى ما يستفاد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وقوله الميسور لا يسقط بالمعسور وقوله ما لا يدرك كله لا يترك كله ... إلخ)

إشارة إلى القاعدة الثانوية المشتهرة بقاعدة الميسور بمعنى ان مقتضي القاعدة في تعذر الجزء أو الشرط وإن كان هو البراءة عن الباقي عند الشيخ والمصنف جميعا وان كان ذلك خلاف التحقيق عندنا وقد مر التفصيل ولكن مقتضي قاعدة الميسور المستفادة من النبوي والعلويين هو وجوب الباقي في الجملة أي فيما عدّ الفاقد للجزء أو الشرط ميسورا للواجد على التفصيل الآتي (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد الفراغ عن التكلم حول استصحاب وجوب الباقي الّذي كان مدركا للقول الثاني

٢٤٩

في المسألة (ما لفظه) ويدل على المطلب أيضا أي على وجوب الباقي النبوي والعلويان المرويان في غوالي اللئالي (فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم (وعن علي عليه‌السلام) الميسور لا يسقط بالمعسور وما لا يدرك كله لا يترك كله (ثم قال) وضعف أسنادها مجبور باشتهار التمسك بها بين الأصحاب في أبواب العبادات كما لا يخفى على المتتبع (وقال) في أواخر المسألة ولذا شاع بين العلماء بل بين جميع الناس الاستدلال بها في المطالب حتى انه يعرفه العوام بل النسوان والأطفال (انتهى).

(قوله ودلالة الأول مبنية على كون كلمة من تبعيضية لا بيانية ولا بمعنى الباء ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه نعم قد يناقش في دلالتها اما الأولى فلاحتمال كون من بمعنى الباء أو بيانيا وما مصدرية زمانية (ثم ردّه) بقوله وفيه ان كون من بمعنى الباء مطلقا وبيانية في خصوص المقام مخالف للظاهر بعيد كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام (انتهى) (ومحصل المناقشة) ان من المحتمل أن تكون كلمة (من) في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ... إلخ بمعنى الباء وتكون كلمة (ما) في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما استطعتم مصدرية أي فأتوا به ما دمتم تستطيعون وعلى هذا الاحتمال تكون الرواية أجنبية عن قاعدة الميسور جدا (كما أن من المحتمل) أن تكون (من) بيانية أي لكلمة الشيء وما مصدرية أيضا أي فأتوا ذلك الشيء ما دمتم تستطيعون وعلى هذا الاحتمال أيضا تكون الرواية أجنبية عن قاعدة الميسور (ومحصل الرد) أن (من) بمعنى الباء مطلقا أي في كل مقام وبيانيا في خصوص المقام خلاف الظاهر وإن ورد بيانيا في غير مقام كما في قوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان (وعليه) فتكون كلمة (من) تبعيضية لا بيانية ولا بمعنى الباء.

٢٥٠

(قوله وظهورها في التبعيض وان كان مما لا يكاد يخفى إلا أن كونه بحسب الأجزاء غير واضح ... إلخ)

ومن هنا يتضح لك ضعف ما يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه من تمامية دلالة الأولى حتى انه قال في خاتمة الجواب عن المناقشة المتقدمة (ما لفظه) والحاصل ان المناقشة في ظهور الرواية من اعوجاج الطريقة في فهم الخطابات العرفية (انتهى) والحق ما أفاده المصنف من عدم وضوح كونها للتبعيض بحسب الأجزاء كي يتم دلالته إذ من المحتمل أن تكون للتبعيض بحسب الأفراد لا الأجزاء (ومن هنا) قد استدل بالحديث الشريف للقول بالتكرار على ما يظهر من المحقق صاحب الحاشية وغيره في قبال القول بالمرة وفي قبال القول بالطبيعة فلو لا استفادتهم من كلمة (من) التبعيض بحسب الأفراد لما استدلوا بها لهذا القول.

(قوله ولو سلم فلا محيص عن أنه هاهنا بهذا اللحاظ يراد حيث ورد جوابا عن السؤال عن تكرار الحج بعد أمره به ... إلخ)

أي ولو سلم ظهور كلمة (من) في التبعيض بحسب الأجزاء فلا محيص عن أنه في هذا الحديث بلحاظ الأفراد يراد لما روي من وروده جوابا عن السؤال عن تكرار الحج (قال في الفصول) في بحث المرة والتكرار (ما لفظه) روي أنه خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال إن الله كتب عليكم الحج فقام عكاشة ويروي سراقة بن مالك فقال في كل عام يا رسول الله فأعرض عنه حتى أعاد مرتين أو ثلاثا فقال ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم والله لو قلت نعم لوجب ولو وجب ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم فاتركوني ما تركتكم وإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم إلى أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم (انتهى) والظاهر ان المراد من عدم الاستطاعة في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولو وجب ما استطعتم ... إلخ بقرينة قوله ولو تركتم لكفرتم ليس معناه الحقيقي فإن ترك ما لا يستطاع مما لا يوجب الكفر قطعا بل هو العسر والمشقة أي لو قلت نعم لوجب في

٢٥١

كل عام ولو وجب لتعسر عليكم ولو تركتم لكفرتم ولكن إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه مكررا مرة بعد مرة ما دمتم في غير عسر ولا مشقة

(قوله ومن ذلك ظهر الإشكال في دلالة الثاني أيضا حيث لم يظهر في عدم سقوط الميسور من الأجزاء بمعسورها ... إلخ)

وتقرير الإشكال في دلالة الثاني على نحوين.

(أحدهما) ما قرره المصنف مما محصله انه لم يظهر بعد ان المراد من عدم سقوط الميسور بالمعسور هل هو عدم سقوط الميسور من أجزاء المركب بمعسورها أو عدم سقوط الميسور من أفراد العام بميسورها.

(ثانيهما) ما حكاه الشيخ أعلى الله مقامه بلفظة (وقيل) (ومحصله) أن المراد من قوله عليه‌السلام الميسور لا يسقط بالمعسور أي الحكم الثابت للميسور لا يسقط بسقوط الحكم الثابت للمعسور فيكون الحديث الشريف لدفع توهم السقوط في الأحكام المستقلة التي يجمعها دليل واحد كما في أكرم العلماء المنحل إلى أحكام مستقلة متعددة بتعدد العلماء فإذا تعذر إكرام عالم وسقط وجوبه لم يسقط وجوب إكرام عالم آخر.

(أقول)

(اما التقرير الأول) فيرد عليه أن الموصول في الميسور وهو الألف واللام عام يشمل كلا من أجزاء المركب وأفراد العام جميعا ولا وجه لتضييق دائرته وتخصيصه بأحدهما خاصة كي يدور الأمر بينهما ويشكل التمسك به للمقام والمعنى هكذا أي كل أمر ميسور سواء كان من أجزاء المركب أو من أفراد العام هو لا يسقط بالمعسور.

(واما التقرير الثاني) فيرد عليه أيضا أن الموصول في الميسور كما أشير آنفا عام يشمل كلا من الحكم والمتعلق والموضوع جميعا أي كل امر ميسور سواء كان حكما من وجوب أو حرمة ونحوهما أو متعلقا للحكم كأجزاء الصلاة في قوله أقم

٢٥٢

الصلاة أو موضوعا للحكم كالعلماء في قوله أكرم العلماء مما لا يسقط بالمعسور غايته ان عدم سقوط كل بحسبه فعدم سقوط الحكم يكون بعدم سقوط نفسه وعدم سقوط كل من المتعلق والموضوع يكون بعدم سقوط حكمه.

(قوله هذا مضافا إلى عدم دلالته على عدم السقوط لزوما لعدم اختصاصه بالواجب ولا مجال معه لتوهم دلالته على انه بنحو اللزوم ... إلخ)

هذا إشكال آخر في دلالة الثاني قد أورده المصنف من عند نفسه (وحاصله) أن قوله عليه‌السلام الميسور لا يسقط بالمعسور مما لا يدل على عدم السقوط بنحو اللزوم كي يدل على المطلوب من وجوب الإتيان بالباقي عند تعذر جزء من أجزاء المركب أو شرط من شرائطه وذلك لعدم اختصاصه بالواجبات فقط بل يشمل المستحبات أيضا ومع عدم اختصاصه بها لا مجال لتوهم دلالته على عدم السقوط بنحو اللزوم (ثم إن المصنف) قد أجاب عن ذلك بقوله الآتي إلا أن يكون المراد إلى آخره (وحاصله) أن المراد من عدم سقوط الميسور عدم سقوطه بما له من الحكم وجوبا كان أو ندبا كما ان الظاهر من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ضرر ولا ضرار هو نفي ما للضرر من الحكم تكليفيا كان أو وضعيا لا عدم سقوط الميسور بنفسه وبقائه بعينه في عهدة المكلف كي لا يشمل المستحبات على وجه أي إذا كان عدم السقوط لا بنحو اللزوم أو لا يشمل الواجبات على وجه آخر أي إذا كان عدم السقوط لا بنحو اللزوم (وفيه) انه لو فرض ان المراد من عدم سقوط الميسور عدم سقوطه بنفسه فهو مع ذلك مما يشمل الواجبات والمستحبات جميعا من غير حاجة إلى الالتزام بعدم سقوطه بما له من الحكم بمعنى أن نفس الميسور باق على حاله سواء كان واجبا أو مستحبا فإن كان واجبا فهو باق على حاله أي واجب وإن كان مستحبا فهو باق على حاله أي مستحب ولعله إليه أشار أخيرا بقوله فافهم.

(قوله فافهم ... إلخ)

قد أشير الآن إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.

٢٥٣

(قوله وأما الثالث فبعد تسليم ظهور كون الكل في المجموعي لا الأفرادي لا دلالة له الا على رجحان الإتيان بباقي الفعل المأمور به ... إلخ) قد أشكل في دلالة الثالث على ما يظهر من رسائل شيخنا الأنصاري أعلى الله مقامه من وجوه أربعة.

(أحدها) ان جملة لا يترك خبرية لا يفيد إلّا الرجحان لا الحرمة كي تدل على المطلوب من وجوب الإتيان بالباقي.

(ثانيها) انه لو سلم ظهورها في الحرمة فالامر يدور بين حمل الجملة الخبرية على مطلق المرجوحية لتلائم عموم الموصول الشامل للواجبات والمندوبات جميعا وبين تخصيص الموصول وإخراج المندوبات عنه ليلائم ظهور الجملة الخبرية في الحرمة ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.

(ثالثها) انه لم يعلم كون جملة لا يترك إنشاء ولعلها إخبار عن طريقة الناس وأنهم لا يتركون جميع الشيء بمجرد عدم درك مجموعه.

(رابعها) انه من المحتمل ان يكون لفظ الكل في قوله عليه‌السلام ما لا يدرك كله للعموم الأفرادي فيختص بعام له أفراد كالفقيه في قولك أكرم كل فقيه أو العالم في قولك أكرم كل عالم وهكذا لا العموم المجموعي ليختص بمركب له أجزاء كالصلاة ونحوها ليستدل به في المقام (ثم إن المصنف) قد أشكل بعد ما أشار إلى الوجه الرابع بقوله فبعد تسليم ظهور كون الكل في المجموعي لا الأفرادي إلى آخره من وجه خامس وهو عدم دلالته إلا على رجحان الإتيان بالباقي من ناحية ظهور الموصول في العموم وشموله لكل من الواجبات والمستحبات جميعا (ثم صار بصدد) دفع ما قد يقال من أن ظهور جملة لا يترك في وجوب الإتيان بالباقي قرينة على اختصاص الموصول بالواجبات فقط (فدفعه) بما حاصله ان ظهور الجملة في وجوب الإتيان بالباقي لو سلم فهو مما لا يوجب اختصاص الموصول بالواجبات فقط لو لم يكن ظهور الموصول في العموم قرينة على إرادة

٢٥٤

خصوص الكراهة أو مطلق المرجوحية من الجملة فبالنتيجة يتعارضان الظهوران ولا يبقى للجملة ظهور في الوجوب أصلا وان كانت هي ظاهرة فيه في غير المقام ونتيجة هذا الدفع هو التنزل عن الوجه الخامس إلى الوجه الثاني وهو دوران الأمر بين حمل الجملة على مطلق المرجوحية وبين تخصيص الموصول وإخراج المندوبات عنه ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.

(أقول)

(اما الوجه الأول) فيرد عليه ما تقدم في محله من ظهور الجملة الخبرية في الوجوب كصيغة الأمر بعينها بل وهي أشد ظهورا.

(واما الوجه الثاني) فيرد عليه كما يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه ان ظهور جملة لا يترك في الحرمة هو أقوى من عموم الموصول المخصص لا محالة بالمباحات بل المحرمات عموما (مضافا) إلى ان حمل الجملة الخبرية على مطلق المرجوحية مما لا محصل له بل الصحيح بعد المصير إلى الحمل هو حملها على الكراهة وذلك لأن صيغة الأمر وهكذا صيغة النهي وما بمعناهما من الجمل الخبرية مما لا يمكن استعمالها في القدر المشترك بين الوجوب والاستحباب أو بين الحرمة والكراهة بحيث ينشأ بها القدر الجامع فإن الجنس المشترك مما لا يعقل تحققه في الخارج إلا مع أحد الفصول المقومة له وفي ضمن أحد الأنواع فكما لا يتحقق الحيوان في الخارج إلا في ضمن الإنسان أو الحمار ونحوهما فكذلك طلب الفعل أو الترك مما لا يتحقق في الخارج ولا ينشأ بالصيغة إلا في ضمن الوجوب أو الاستحباب أو في ضمن الحرمة أو الكراهة وقد أشرنا إلى ذلك كله في بحث الفور والتراخي فتذكر.

(واما الوجه الثالث) فلم يكن قابلا للذكر فضلا عن التصدي لجوابه غير أن الشيخ ذكره وأجاب عنه (قال) واما احتمال كونه إخبارا عن طريقة الناس فمدفوع بلزوم الكذب أو إخراج أكثر وقائعهم (انتهى).

(وأما الوجه الرابع) فيرد عليه (مضافا) إلى ما تقدم منا في صدر العام

٢٥٥

والخاصّ من عدم اختصاص العموم المجموعي بمركب له أجزاء بل قد يتفق ذلك في عام له أفراد أيضا كما إذا قال أكرم كل عالم وعلمنا من الخارج أن المطلوب فيه هو إكرام المجموع من حيث المجموع كما لا يختص العموم الأفرادي أي الاستغراقي المنحل إلى مطلوبات عديدة مستقلة غير مرتبطة بعضها ببعض بعام له أفراد بل قد يتفق ذلك في مركب له أجزاء أيضا كما إذا قال كل كل السمكة وعلمنا من الخارج أن أكل كل جزء منه مطلوب مستقل بحيث إذا أكل بعضا وترك بعضا فقد امتثل وعصى.

(أن لفظ الكل الأول) في الحديث الشريف ما لا يدرك كله لا يترك كله لا بد وأن يكون للعموم المجموعي والثاني للأفرادي وإلا لم يستقم المعنى والمعنى هكذا أي ما لا يدرك مجموعه من حيث المجموع لا يترك جميعه والفرق بين المجموع والجميع انه إذا أتى ببعض وترك بعضا فقد ترك المجموع ولم يترك الجميع وهذا واضح.

(قوله وليس ظهور لا يترك في الوجوب لو سلم ... إلخ)

وكأنه أشار بقوله لو سلم إلى الوجه الأول من الوجوه الأربعة المتقدمة للإشكال أي منع دلالة الجملة الخبرية على الحرمة وهو في غير محله بعد ما اعترف في مباحث الألفاظ في الصيغة بظهورها في الوجوب والحرمة كظهور الصيغة فيهما عينا بل صرح بأظهريتها منها كما لا يخفى فراجع.

(قوله ثم انه حيث كان الملاك في قاعدة الميسور هو صدق الميسور على الباقي عرفا كانت القاعدة جارية مع تعذر الشرط أيضا ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه وأما الكلام في الشروط فنقول إن الأصل فيها ما مر في الاجزاء أي من حيث اقتضائه عدم وجوب الباقي عند تعذر أحدها (إلى أن قال) واما القاعدة المستفادة من الروايات المتقدمة يعني بها قاعدة الميسور فالظاهر عدم جريانها يعني عند تعذر أحد الشروط.

٢٥٦

(اما الأولى والثالثة) فاختصاصهما بالمركب الخارجي واضح.

(واما الثانية) فلاختصاصها كما عرفت سابقا بالميسور الّذي كان له مقتض للثبوت حتى ينفي كون المعسور سببا لسقوطه ومن المعلوم أن العمل الفاقد للشرط كالرقبة الكافرة مثلا لم يكن المقتضي للثبوت فيه موجودا حتى لا يسقط بتعسر الشرط وهو الإيمان (هذا) ولكن الإنصاف جريانها في بعض الشروط التي يحكم العرف ولو مسامحة باتحاد المشروط الفاقد لها مع الواجد لها ألا ترى ان الصلاة المشروطة بالقبلة أو الستر أو الطهارة إذا لم يكن فيها هذه الشروط كانت عند العرف هي التي فيها هذه الشروط فإذا تعذر أحد هذه صدق الميسور على الفاقد لها ولو لا هذه المسامحة لم يجر الاستصحاب بالتقريب المتقدم يعني به ما تقدم في تقريب استصحاب كثرة الماء وقلته عند ما أخذ بعضه أو زيد عليه نعم لو كان بين واجد الشرط وفاقده تغاير كلي في العرف نظير الرقبة الكافرة بالنسبة إلى المؤمنة أو الحيوان الناهق بالنسبة إلى الناطق وكذا ماء غير الرمان بالنسبة إلى ماء الرمان لم تجر القاعدة المذكورة (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (وملخصه) أن الرواية الأولى والثالثة مختصتان بالمركب الخارجي والظاهر ان ذلك للتبعيض المستفاد من كلمة منه في الأولى ولفظ الكل الواقع في الثالثة فانهما ظاهران في المركب الخارجي دون المركب العقلي كالمقيد والتقيد فإن تركبهما عقلي وكل منهما جزء تحليلي كما تقدم غير مرة.

(واما الرواية الثانية) فتختص بما إذا صدق الميسور على الفاقد ولا يصدق على فاقد الشرط انه ميسور ذلك الواجد عرفا (ثم اعترف) أخيرا بصدق الميسور على الفاقد لبعض الشروط فتجري القاعدة فيه فيكون محصل الجميع هو التفصيل في الشروط فالمطلق والمشروط إن كانا متغايرين تغايرا كليا كالماء وماء الرمان لم تجر قاعدة الميسور عند تعذر الشرط أصلا وإن لم يكونا متغايرين كذلك بل صدق عرفا على الفاقد للشرط أنه ميسور ذلك الواجد جرت قاعدة الميسور عند تعذر

٢٥٧

الشرط لا محالة (هذا كله) من أمر الشيخ أعلى الله مقامه.

(وأما المصنف) فقد اختار جريان القاعدة عند تعذر الشرط مطلقا نظرا إلى أن الملاك في جريانها صدق الميسور على الفاقد عرفا وهو صادق عليه كذلك مطلقا

(أقول)

أما الرواية الأولى فقد عرفت أنه لم تتم دلالتها سيما بعد ما تقدم من ورودها جوابا عن السؤال عن تكرار الحج ولكن على تقدير دلالتها لا وجه لاختصاصها بالمركب الخارجي وهكذا الأمر في الرواية الثالثة أيضا إذ ليس المدار في جريانهما على المداقة العقلية وان هذا مركب خارجي وذاك مركب عقلي بل المدار على صدق عنوانهما (ومن المعلوم) أن عند تعذر بعض الشروط كالستر أو القبلة ونحوهما للصلاة إذا لم يأت المكلف بالمشروط صدق عليه عرفا انه لم يأت بما استطاع مما أمر به أو انه لم يدرك الكل فترك الكل وهو مما يكفي في جريانهما فيجريان كما تجري الرواية الثانية عينا.

(واما تفصيل الشيخ) أعلى الله مقامه أخيرا في الشروط ففي محله (والعجب) انه عند الشك في الشرطية قال بالبراءة عن الشرط مطلقا وفي المقام فصّل بين تعذر شرط وشرط (كما أن المصنف) عند الشك في الشرطية فصّل بين شرط وشرط وفي المقام لم يفصل أصلا بل قال بجريان القاعدة مطلقا.

(وبالجملة) الحق هو التفصيل في كلا المقامين جميعا فإن كان المطلق والمشروط متباينين أجنبيين كالماء وماء الرمان أو الحيوان والحيوان الناطق لم تجر البراءة هناك عند الشك في الشرط بل يحتاط ولا قاعدة الميسور هاهنا عند تعذر الشرط بل يسقط الباقي رأسا وإن لم يكونا متباينين كذلك بل كانا من قبيل الأقل والأكثر جرت البراءة هناك عند الشك في الشرط وجرت قاعدة الميسور هاهنا عند تعذر الشرط فتأمل جيدا.

٢٥٨

(قوله لصدقه حقيقة عليه مع تعذره عرفا ... إلخ)

قوله عرفا تمييز للصدق (ومنه يتضح) أن كلمة حقيقة زائدة وكان الصحيح أن يقول لصدقه عليه عرفا مع تعذره أي لصدق الميسور على الباقي عرفا مع تعذر الشرط

(قوله مع تعذر الجزء في الجملة ... إلخ)

الظاهر ان قوله في الجملة إشارة إلى تفصيل ستعرفه في جريان قاعدة الميسور عند تعذر الجزء وهو أن لا يكون المتعذر معظم الأجزاء أو ركنا من الأركان.

(قوله وان كان فاقد الشرط مباينا للواجد عقلا ... إلخ)

غير أنه لا يكون مباينا له عرفا تباينا كليا كي لا تجري قاعدة الميسور بل يكونان من قبيل الأقل والأكثر فتجري.

(قوله ولأجل ذلك ربما لا يكون الباقي الفاقد لمعظم الأجزاء أو لركنها موردا لها فيما إذا لم يصدق عليه الميسور عرفا ... إلخ)

في قاعدة الميسور جهات من الكلام.

(منها) أن القاعدة هل هي تجري عند تعذر الشرط مثل ما تجري عند تعذر الجزء أم لا وقد مضى الكلام في هذه الجهة مفصلا وعرفت انها مما تجري في الجملة (ومنها) أن القاعدة هل هي تجري عند تعذر الجزء مطلقا وان كان المتعذر هو المعظم أو ركنا من الأركان أم لا وهذه الجهة مما لم يؤشر إليها الشيخ أعلى الله مقامه وقد تعرضها المصنف خاصة واختار فيها عدم الجريان نظرا إلى عدم صدق الميسور عرفا على الفاقد لأحدهما وهو جيد الا في الأمور الغير الارتباطية فانها مما يصدق فيها الميسور على الباقي ولو كان يسيرا جدا فإذا قال مثلا تصدق ليلة القدر بمائة درهم ولم يتمكن فيها الا من تصدق درهم واحد جرت قاعدة الميسور ووجب التصدق بدرهم بلا كلام إذا أحرز أن التصدق بكل درهم مطلوب على حده.

(ومنها) أن القاعدة هل هي تجري في المستحبات مثل ما تجري في الواجبات أم لا وهذه الجهة قد أشار إليها الشيخ أعلى الله مقامه ولم يؤشر إليها المصنف سوى

٢٥٩

ما يظهر من كلامه الآتي أو بمقدار يوجب إيجابه في الواجب واستحبابه في المستحب إلى آخره (قال الشيخ) ما لفظه ثم إن الرواية الأولى والثالثة وان كانتا ظاهرتين في الواجبات إلا أنه يعلم جريانهما في المستحبات بتنقيح المناط العرفي مع كفاية الرواية الثانية في ذلك (انتهى).

(قوله وإن كان غير مباين للواجد عقلا ... إلخ)

وفيه أنه مباين عقلا وعرفا أي الفاقد لمعظم الأجزاء أو لركنها مع الواجد له.

(نعم) إن الفاقد للجزء أو الجزءين مما لا يباين الواجد عرفا تباينا كليا بحيث لا تجري معه قاعدة الميسور وإن كان مباينا معه عقلا.

(وبالجملة) ان المركب بمجرد أن تعذر منه جزء أو شرط بائن الفاقد مع الواجد عقلا بلا كلام غير ان بعض الشروط إذا تعذر بائن الفاقد مع الواجد عقلا وعرفا كما هو الحال في فقد معظم الأجزاء أيضا أو ركنها فتأمل جيدا.

(قوله نعم ربما يلحق به شرعا ما لا يعد بميسور عرفا بتخطئته للعرف ... إلخ)

أي نعم ربما يلحق شرعا بالميسور ما لا يعد بميسور عرفا بتخطئة الشرع العرف في عدم عدّهم ذلك امرا ميسورا لعدم اطلاعهم على ما عليه الفاقد في حال التعذر من قيامه بتمام ما قام عليه الواجد في حال الاختيار أو بمعظمه ولعل من هذا الباب المسح على المرارة عند تعذر المسح على البشرة كما في رواية عبد الأعلى.

(قوله كما ربما يقوم الدليل على سقوط ميسور عرفي لذلك أي للتخطئة ... إلخ)

أي كما ربما يقوم الدليل شرعا على سقوط ما يعد ميسورا عرفا لتخطئة الشرع العرف في عدّهم ذلك ميسورا لعدم اطلاعهم على ما عليه الفاقد من عدم قيامه بشيء مما قام به الواجد ولعل من هذا الباب سقوط ميسور الصوم مثلا فإن من تعذر عليه الإمساك ولو في جزء من النهار لمرض أو لحيض وما أشبههما فالإمساك في باقي

٢٦٠