عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٣١

مع المأمور به وانما هي من عوارضه وأوصافه.

(نعم) إن المؤمنة هي متحدة في الوجود مع المأمور به وليست هي بخصوصية بل هي ذي الخصوصية كما لا يخفى.

(وبالجملة) (تارة) يقسم الجزء إلى قسمين الخارجي والذهني (والصحيح) في تعريفهما ان يقال (ان الجزء الخارجي) هو ما يتركب منه المأمور به كالركوع والسجود ونحوهما للصلاة (والجزء الذهني) هو الاتصاف الحاصل للمأمور به وهو (تارة) يحصل من فعل خارجي كالاتصاف الحاصل للصلاة من الوضوء أو التستر أو الاستقبال ونحو ذلك ومرجع إيجاب هذا النحو من الاتصاف نفسياً إلى إيجاب تلك الأفعال غيرياً لحصول هذا الاتصاف (وأخرى) يحصل من صفة خاصة متحققة في بعض افراد الطبيعة دون بعض كما في الحيوان الناطق والرقبة المؤمنة ونحوهما ومرجع إيجاب هذا النحو من الاتصاف إلى إيجاب ذلك البعض من افراد الطبيعة المتصف بتلك الصفة دون البعض الآخر الغير المتصف بها (وأخرى) يقسم القيد إلى قسمين دون الجزء (والصحيح) في تعريفهما أن يقال إن القيد (تارة) يكون المقيد به مع المطلق في نظر العرف من قبيل الأقل والأكثر كالصلاة والصلاة إلى القبلة أو الصلاة مع الستر أو الصلاة والصلاة مع الطهارة إلى غير ذلك من الأمثلة بحيث إذا أتى بالمطلق بدون القيد كأن صلى لا إلى القبلة أو لا مع الستر أو لا مع الطهارة صدق عليه انه قد أتى بالمأمور به على وجه ناقص غير تام وقد عبّر المصنف عن هذا القسم بالمطلق والمشروط (وأخرى) يكون المقيد به مع المطلق في نظر العرف متباينين أجنبيين كالحيوان والحيوان الناطق أو الرقبة والرقبة المؤمنة أو الماء وماء الرمان وهكذا بحيث إذا أتى بالمطلق بدون القيد كما إذا أتى بحيوان غير ناطق كالحمار بدل الحيوان الناطق أو أتى برقبة غير مؤمنة أي الكافرة بدل المؤمنة أو أتى بماء غير الرمان كماء القراح بدل ماء الرمان لم يصدق عليه انه أتى بالمأمور به أصلا بل أتى بشيء مباين أجنبي رأساً وقد عبّر المصنف عن هذا

٢٢١

القسم الثاني بالعامّ والخاصّ (ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ما فرغ عن الجزء الخارجي بمسألة الأربع شرع في الشك في القيد (وقال) ما ملخصه إن القيد (ان كان) من قبيل الوضوء والستر والقبلة ونحوها بالنسبة إلى الصلاة بحيث كان القيد امراً مغايراً مع المقيد فالكلام في الشك فيه عين الكلام في الشك في الجزء الخارجي فتجري البراءة عنه عقلا ونقلا (وان كان) من قبيل المؤمنة بالنسبة إلى الرقبة بحيث يتحد مع المقيد وجوداً وخارجاً فالظاهر ان الكلام فيه أيضاً كالكلام في الجزء الخارجي فتجري البراءة عنه عقلا ونقلا كما في القسم الأول عيناً (وان كان يظهر من المحقق القمي) التفصيل هاهنا ففي الأول تجري البراءة وفي الثاني يجري الاشتغال فلا تحصل البراءة اليقينية إلّا بالإتيان بالمقيد كالرقبة المؤمنة.

(أقول)

والحق في هذا التفصيل مع المحقق القمي (فان كان) القيد من القسم الأول بحيث كان المطلق والمقيد في نظر العرف من قبيل الأقل والأكثر فتجري البراءة عنه عند الشك فيه لانحلال العلم الإجمالي بالتكليف المردد بين الأقل والأكثر إلى العلم التفصيليّ بالأقل فيجب والشك البدوي في الأكثر فلا يجب (واما إذا كان) من القسم الثاني بحيث كان المطلق والمقيد في نظر العرف متباينين أجنبيين كالحيوان والحيوان الناطق أو كالرقبة والرقبة المؤمنة فيجري الاشتغال ويجب الاحتياط فيه فإن المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير فان المقيد وجوبه معلوم تفصيلا إما تعييناً أو تخييرا والمطلق وجوبه مشكوك من أصله فتجري البراءة عنه وقد تقدم تفصيل الكلام في دوران الأمر بين التعيين والتخيير بأقسامه في آخر البراءة (والعجب) أن الشيخ أعلى الله مقامه قال هناك بالاحتياط ولم يقل به هاهنا (وأعجب منه) انه سيأتي التفصيل منه في جريان قاعدة الميسور بما محصله ان الفاقد للشرط مع الواجد له ان كانا يعدان في نظر العرف من قبيل الأقل والأكثر كالصلاة بلا ستر والصلاة مع الستر فتجري الميسور وان كانا يعدان متباينين

٢٢٢

متغايرين كالحيوان والحيوان الناطق أو الرقبة والرقبة المؤمنة أو الماء وماء الرمان فلا تجري الميسور أصلا هذا كله من أمر الشيخ وما لنا من التحقيق في المقام.

(وأما المصنف) فقد اعترف أيضاً بالتفصيل في المسألة فالمطلق والمقيد (ان كانا) من قبيل الأقل والأكثر وقد عبّر عنهما بالمطلق والمشروط كما أشرنا فالشك في القيد حاله حال الشك في الجزء الخارجي فلا تجري البراءة عنه عقلا وتجري البراءة عنه شرعاً على مسلكه المتقدم في الشك في الجزء (وان كانا) من قبيل المتباينين وقد عبّر عنهما بالعامّ والخاصّ كما أشير إليه أيضاً ومثّل لهما بالحيوان والإنسان فالشك في القيد ليس حاله حال الشك في الجزء الخارجي فلا تجري البراءة عنه لا عقلا ولا شرعاً بل يجب الاحتياط فيه لا محالة (غير انه قدس‌سره) قد ادعى ان عدم جريان البراءة العقلية في الشك في القيد بكلا قسميه أظهر من عدم جريانها في الشك في الجزء فإن الانحلال المتوهم هناك بتقريب كون الأقل مما علم وجوبه تفصيلا إما نفسياً أو مقدمياً لا يكاد يتوهم في المقام فإن الجزء الخارجي مما يمكن فيه دعوى اتصافه بالوجوب الغيري المقدمي إذ لكل جزء خارجي وجود آخر مستقل غير وجود الآخر وان كان العرف يرى للمجموع وجوداً واحداً بخلاف الجزء التحليلي كالمقيد والتقيد والجنس والفصل فلا وجود له خارجاً غير وجود المجموع الواجب بالوجوب النفسيّ الاستقلالي (ومن هنا) تقدم قول المصنف في التعبدي والتوصلي (فإن الجزء التحليلي العقلي لا يتصف بالوجوب أصلا) يعني حتى بالوجوب النفسيّ الضمني (وفيه) أن الجزء التحليلي كما تقدم شرحه منا في التعبدي والتوصلي وإن لم يكن هو كالجزء الخارجي فإن الأجزاء الخارجية تركبها انضمامي ووجودات متعددة منضمة بعضها إلى بعض والأجزاء التحليلية تركبها عقلي وللمجموع وجود واحد ولكن مجرد عدم استقلال الجزء التحليلي في الوجود لا يكاد يمنع عن اتصافه بالوجوب بعد كونه أمراً مقدوراً للمكلف يتمكن من إيجاده في الخارج ولو مع جزء تحليلي آخر كما إذا أتى بالجنس

٢٢٣

مع فصل آخر أو أتى بذات المقيد بدون قيده وهذا واضح ظاهر لدى التدبر.

(قوله في ضمن الصلاة المشروطة أو الخاصة ... إلخ)

فالأوّل كالصلاة مع الطهارة أو مع الستر ونحوهما والثاني كصلاة الآيات أو صلاة العيدين ونحوهما.

(قوله وفي ضمن صلاة أخرى فاقدة لشرطها وخصوصيتها تكون متباينة للمأمور بها ... إلخ)

إن الصلاة الفاقدة لخصوصيتها وان كانت هي متباينة مع الصلاة المأمورة بها كصلاة غير الآيات مع صلاة الآيات ولكن الصلاة الفاقدة لشرطها لا تكون متباينة مع الصلاة الواجدة لشرطها كالصلاة بلا ستر والصلاة مع الستر بل يعدان من جنس واحد ومن قبيل الأقل والأكثر كما لا يخفى.

(قوله نعم لا بأس بجريان البراءة النقليّة في خصوص دوران الأمر بين المشروط وغيره دون دوران الأمر بين الخاصّ وغيره ... إلخ)

بل ليس للمصنف إجراء البراءة أصلا حتى النقليّة منها في دوران الأمر بين المشروط وغيره بعد ما زعم واعتقد عدم انحلال العلم الإجمالي كما نبهنا هناك في الشك في الجزء أيضاً عند ما صرح بجريان البراءة النقليّة (هذا) خصوصاً مع ما ادعاه في المقام من ان الصلاة الفاقدة لشرطها تكون متباينة للمأمور بها فإن الفاقد والواجد لو كانا من المتباينين كالظهر والجمعة فكيف تجري البراءة عن الشرط دون الاشتغال (ولعمري) قد ارتبك المقام على المصنف واضطرب كلامه فيه كما اضطرب فيه كلام الشيخ أيضاً على ما تقدمت الإشارة إلى بعض مواقعة (وكيف كان) الأمر إن التحقيق هنا هو ما حققناه لك من جريان البراءة عقلا ونقلا عند الشك في الجزء والشرط جميعاً وذلك لانحلال العلم الإجمالي من أصله وعدم جريان البراءة لا عقلا ولا نقلا عند الشك في القيد إذا كان المطلق والمقيد يعدان أمرين متباينين في نظر العرف وذلك لعدم انحلال العلم الإجمالي إلى التفصيليّ بوجوب المطلق على كل حال

٢٢٤

إما نفسياً أو غيرياً بل ينحل العلم الإجمالي إلى التفصيليّ بوجوب المقيد على كل حال فإنه واجب إما تعييناً أو تخييراً فيؤتى بالمقيد ويجري الأصل عن المطلق رأساً.

(قوله وليس كذلك خصوصية الخاصّ فإنها انما تكون منتزعة عن نفس الخاصّ فيكون الدوران بينه وبين غيره من قبيل الدوران بين المتباينين إلى آخره)

مقصوده من ذلك أن الخصوصية في المشروط هي منتزعة عن الأمر المغاير للمشروط كالوضوء والستر والقبلة ونحوها بالنسبة إلى الصلاة فيكون الدوران بين المشروط وغيره من الدوران بين الأقل والأكثر والخصوصية في الخاصّ منتزعة عن نفس الخاصّ بلحاظ اتصافه بذاتي أو عرض أو عرضي كما في الحيوان الناطق والرقبة المؤمنة والمرأة الحرة فيكون الدوران بين الخاصّ وغيره من الدوران بين المتباينين فتدبر جيداً.

في الشك في المانعية والقاطعية

(ثم إن) هذا كله تمام الكلام في الشك في الجزئية والشرطية ويظهر منهما حال الشك في المانعية والقاطعية (فالمانع) كلبس غير المأكول (والقاطع) كالحدث والاستدبار ونحوهما (والفرق) بينهما أن الأول عدمه شرط للمأمور به من دون أن تنقطع به الهيئة الاتصالية للأجزاء السابقة مع اللاحقة والثاني عدمه شرط للمأمور به من جهة انقطاع الهيئة الاتصالية به بحيث إذا طرأ في الأثناء سقطت الأجزاء السابقة عن قابلية الانضمام مع اللاحقة فإذا وقع عليه شيء من غير المأكول في أثناء الصلاة أو لبسه نسياناً بل أو عمداً ثم نزعه فوراً من دون فصل طويل يخل بالموالاة ومن غير أن يقع جزءاً من أجزاء الصلاة مقارناً له أو وقع وأعاد الجزء صحت الصلاة والتأمت الاجزاء السابقة مع اللاحقة من غير وجه للبطلان أصلا (وهذا بخلاف)

٢٢٥

ما إذا أحدث في الصلاة أو استدبر فيها فتبطل الصلاة من أصلها ولم تلتئم الاجزاء السابقة مع اللاحقة أبداً (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى كل من الشك في المانعية والقاطعية مختصراً (قال) قبل الشروع في التنبيه على أمور متعلقة بالجزء والشرط (ما لفظه) ثم إن مرجع الشك في المانعية إلى الشك في شرطية عدمه واما الشك في القاطعية بأن يعلم ان عدم الشيء لا مدخل له في العبادة الا من جهة قطعه للهيئة الاتصالية المعتبرة في نظر الشارع فالحكم فيه استصحاب الهيئة الاتصالية وعدم خروج الأجزاء السابقة عن قابلية صيرورتها أجزاء فعلية وسيتضح ذلك بعد ذلك إن شاء الله تعالى يعني به في زيادة الجزء عمداً (انتهى) كلامه رفع مقامه.

في الشبهة الموضوعية

من الأقل والأكثر الارتباطيين

(ثم إن هذا كله) تمام الكلام في الشك في الجزئية والشرطية والمانعية والقاطعية بنحو الشبهة الحكمية (واما) الشك في هذه الأمور بنحو الشبهة الموضوعية بأن علم مثلا أن السورة من أجزاء الصلاة أو الاستقبال من شرائطها أو لبس غير المأكول من موانعها أو الحدث من قواطعها ولكن لم يعلم حال الصلاة الخارجية التي قد أتى بها أو هو مشغول بإتيانها وأنها هل هي واجدة لجميع أجزائها وشرائطها وفاقدة لجميع موانعها وقواطعها أم لا (فالظاهر) انه لا ريب في وجوب الاحتياط فيها فإن الشك حينئذ في الامتثال وفي الخروج عما اشتغلت به الذّمّة يقيناً والاشتغال اليقيني مما يقتضي الفراغ اليقيني فيجب العلم بإتيان المأمور به بتمام أجزائه وشرائطه وجودية كانت أو عدمية غير انه لا ينحصر إحرازها بالعلم فقط بل جاز إحرازها بعلمي أو بأصل عملي.

٢٢٦

(نعم) يمكن تصوير قسم آخر للشبهة الموضوعية من الأقل والأكثر الارتباطيين لا يجب الاحتياط فيه عقلا كما إذا قال مثلا أكرم العلماء وعلمنا من الخارج أن المطلوب فيه هو إكرام المجموع من حيث المجموع بحيث إذا لم يكرم أحدهم لم يمتثل أصلا وشك في كون عمرو عالماً يجب إكرامه أم لا فهاهنا لا يجب الاحتياط بإكرامه مع كون الشبهة موضوعية وذلك لعين ما تقدم في الشبهة الحكمية من الأقل والأكثر الارتباطيين من جريان البراءة العقلية والشرعية جميعاً وأن مجرد الأمر بمركب ارتباطي مما لا يصحح العقاب عليه إلّا بمقدار كان من الشرع أو العرف بيان عليه وأن البراءة الشرعية بل مطلقاً هي مما يوجب رفع الإجمال والتردد عما تردد أمره بين الأقل والأكثر وتعيّنه في الأقل ولو في الظاهر (والفرق) بين القسمين أن الشك في الأول في مسقطية الفعل عن التكليف المتعلق بالأكثر فيحتاط عقلا وفي الثاني يكون الشك في أصل توجه التكليف بالأكثر للشك في كون عمرو عالماً فلا موجب للاحتياط أصلا (اللهم) إلّا إذا علم ان عمراً عالم يجب إكرامه ولكن شك في رجل أنه عمرو أم لا فحينئذ يجب الاحتياط بإكرامه وإكرام كل من احتمل كونه عمراً إذ المفروض إحراز جزئية إكرام عمرو نظير ما إذا أحرز أن السورة جزء للصلاة فكما انه إذا أحرز ذلك ولم يعلم أن الصلاة الخارجية التي قد أتى بها هل هي مع السورة أم لا فيجب الاحتياط عقلا فكذلك في المقام حرفاً بحرف.

(ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه قد ذكر للشبهة الموضوعية من الأقل والأكثر الارتباطيين مثالين.

(أحدهما) أجنبي عن المقام رأساً وانما هو من أمثلة الشك في المحصل بنحو الشبهة الحكمية وإن كان الآخر من أمثلة المقام (قال) بعد الفراغ عن مسائل الشبهة الحكمية للأقل والأكثر (ما لفظه) المسألة الرابعة فيما إذا شك في جزئية شيء للمأمور به من جهة الشبهة في الموضوع الخارجي كما إذا أمر بمفهوم مبين مردد

٢٢٧

مصداقه بين الأقل والأكثر ومنه ما إذا وجب صوم شهر هلالي وهو ما بين الهلالين فشك في أنه ثلاثون أو ناقص ومثل ما أمر بالطهور لأجل الصلاة أعني الفعل الرافع للحدث أو المبيح للصلاة فشك في جزئية شيء للوضوء أو الغسل الرافعين (انتهى) فإن مثال الصوم وإن أمكن فرضه من أمثلة المقام باللتيا والتي بأن نفرض صوم مجموع الشهر الهلالي مطلوباً واحداً بحيث إذا لم يصم يوماً لم يمتثل أصلا ثم صام من أول الشهر إلى تسعة وعشرين يوماً وشك في أن ما صامه هل هو صوم ما بين الهلالين أم لا فهو من الشبهة الموضوعية للأقل والأكثر الارتباطيين (ولكن) مثال الشك في جزئية شيء للوضوء غير مرتبط بالمقام جداً فإن المأمور به وهو الطهارة الحاصلة في الخارج بالوضوء أمر مباين وجوداً مع الأفعال المحصلة لها والمأمور به في الأقل والأكثر الارتباطيين كالصلاة ونحوها هو أمر متحد وجودا مع الأجزاء والشرائط التي منها تتكون الصلاة وتتحقق (مضافا) إلى أن الشك في جزئية شيء للوضوء هو شك بنحو الشبهة الحكمية لا الموضوعية فالمثال أجنبي عن المقام من جهتين.

(وبالجملة) المثال المربوط بالمقام أي بالشبهة الموضوعية للأقل والأكثر الارتباطيين هو مثال الصوم فقط دون مثال الشك في جزئية شيء للوضوء (بل الظاهر) ان مثال الصوم أيضاً من القسم الثاني للشبهة الموضوعية من الأقل والأكثر فلا يجب الاحتياط فيه فإن مرجع الشك فيه إلى الشك في وجوب صوم يوم الثلاثين وانه هل هو مما بين الهلالين أم لا فتجري البراءة الشرعية بل مطلقاً عن وجوبه وإن شئت قلت عن جزئيته وبها يرتفع الإجمال عما بين الهلالين وتعيّنه في الأقل ولو في الظاهر فتأمل جيداً.

٢٢٨

في الشك في المحصل وبيان عدم وجوب

الاحتياط فيه

(ثم إنه يظهر من الشيخ) هاهنا ومن المصنف في الصحيح والأعم في تصوير الجامع الصحيحي وجوب الاحتياط في الشك في المحصل على خلاف الأقل والأكثر الارتباطيين (ويظهر) من الشيخ أيضاً أن وجه وجوب الاحتياط فيه أن التكليف قد تعلق بمفهوم مبين لا إجمال فيه وإنما الشك فيما يحققه ويحصله فيجب الاحتياط بالإتيان بما يقطع معه حصول المأمور به (قال أعلى الله مقامه) بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) واللازم في المقام الاحتياط لأن المفروض تنجز التكليف بمفهوم مبين معلوم تفصيلا وإنما الشك في تحققه بالأقل فمقتضى أصالة عدم تحققه وبقاء الاشتغال عدم الاكتفاء به ولزوم الإتيان بالأكثر ولا يجري هنا ما تقدم من الدليل العقلي والنقلي الدال على البراءة لأن البيان الّذي لا بد منه في التكليف قد وصل من الشارع فلا يقبح المؤاخذة على ترك ما بيّنه تفصيلا فإذا شك في تحققه في الخارج فالأصل عدمه والعقل أيضاً يحكم بوجوب القطع بإحراز ما علم وجوبه تفصيلا أعني المفهوم المعين المبين المأمور به (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

(أما الشك في المحصل) بنحو الشبهة الموضوعية فلا ريب في وجوب الاحتياط فيه فإنه إن لم يكن أشد من الشبهة الموضوعية للأقل والأكثر الارتباطيين فلا أقل ليس بأهون منها فإذا علم مثلا أن الموالاة شرط في الوضوء المحصل للطهارة ولكن لم يعلم أن الوضوء الخارجي الّذي قد أتى به هل كان مع الموالاة أم لا فهو بعينه مثل ما إذا علم أن الاستقبال مثلا شرط للصلاة ولم يعلم أن الصلاة التي قد أتى بها

٢٢٩

هل كانت مع الاستقبال أم لا فكما يجب الاحتياط في الثاني لو لا الفراغ فكذلك يجب الاحتياط في الأول لو لا ذلك (واما الشك في المحصل) بنحو الشبهة الحكمية فالحق انه لا يزيد على دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين بنحو الشبهة الحكمية فكما عرفت انه تجري فيهما البراءة العقلية والنقليّة جميعا فكذلك تجري في الأول كل من العقلية والنقليّة جميعاً فإن مجرد أمر الشارع بالطهارة مثلا مما لا يصحح العقاب عليها بل لا بد من بيان الأفعال المحصلة لها من الغسلات والمسحات وغيرهما فبمقدار ما بيّن من الأفعال المحصلة لها صح العقاب عليه دون ما لم يبينه أو بيّنه ولم يصل إلينا حتى بعد الفحص (ومنه يعرف) ما في القول المتقدم للشيخ وهو قوله لأن البيان الّذي لا بد منه في التكليف قد وصل من الشارع فلا يقبح المؤاخذة على ترك ما بينه تفصيلا ... إلخ فإن مجرد بيان التكليف المتعلق بالطهارة مما لا يكفي في صحة العقاب عليها ما لم يبين الأفعال المحصلة لها واحداً بعد واحد (هذا إذا كان) السبب المحصل للمأمور به أمراً شرعياً (وأما إذا كان) أمراً عرفياً يؤخذ أجزائه وشرائطه من العرف فلا بد من بيان العرف له بأجزائه وشرائطه فبمقدار ما بينه يصح العقاب عليه وما لم يبينه لم يصح العقاب عليه.

(وبالجملة) إذا شك في جزء أو شرط للسبب المحصل للمأمور به ولم يكن عليه بيان لا من الشرع ولا من العرف وقد تفحص عنه بحد اليأس فتجري البراءة العقلية عنه ولا حجة للمولى على العبد في عدم حصول المأمور به فيقبح العقاب عليه وهكذا تجري البراءة الشرعية عنه لإطلاق أدلتها وعدم المانع عن شمولها فيرتفع بها الإجمال والتردد عن السبب المحصل للمأمور به وتعيّنه في الأقل ولو في الظاهر فتكون البراءة في الجزء أو الشرط واردة أو حاكمة على الاشتغال أو استصحابه المقتضي للإتيان بالأكثر على نحو ما تقدم في الأقل والأكثر الارتباطيين حرفاً بحرف

٢٣٠

في نقيصة الجزء سهوا

(قوله الثاني انه لا يخفى أن الأصل فيما إذا شك في جزئية شيء أو شرطيته في حال نسيانه عقلا ونقلا ما ذكر في الشك في أصل الجزئية أو الشرطية ... إلخ)

إشارة إلى المسألة الأولى من المسائل الثلاث التي عقدها الشيخ أعلى الله مقامه لبيان حكم الإخلال بالجزء نقيصة وزيادة.

(أحدها) لنقيصة الجزء سهواً.

(ثانيها) لزيادة الجزء عمداً.

(ثالثها) لزيادة الجزء سهواً (واما نقيصة) الجزء عمداً فلا إشكال في بطلان العبادة بها وإلّا لم يكن جزءاً كما صرح به الشيخ أعلى الله مقامه (واما الشروط) فصرح أيضا في آخر المسألة الأولى أن الكلام فيها كالكلام في الجزء عينا (وعلى كل حال) حاصل الكلام في المسألة الأولى أنه إذا نقص جزء من أجزاء العبادة سهوا فهل الأصل بطلانها أم لا (فاختار الشيخ) أعلى الله مقامه بطلانها لعموم جزئية الجزء وشمولها لحالتي الذّكر والنسيان جميعا (ثم أشكل) على نفسه بما ملخصه ان عموم جزئية الجزء لحال النسيان إنما يتم إذا ثبتت الجزئية بدليل لفظي مثل قوله لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب دون ما إذا ثبتت بدليل لبي لا إطلاق له كما إذا قام الإجماع على جزئية شيء في الجملة واحتمل اختصاصها بحال الذّكر فقط وحينئذ فمرجع الشك إلى الشك في الجزئية في حال النسيان فيرجع فيها إلى البراءة أو الاحتياط على الخلاف المتقدم في الأقل والأكثر الارتباطيين (ثم أجاب عنه) بما ملخصه انه إن أريد من عدم جزئية ما ثبت جزئيته في الجملة ومن ارتفاعها بحديث الرفع في حق الناسي إيجاب العبادة الخالية عن ذلك الجزء المنسي عليه فهو

٢٣١

غير قابل لتوجيه الخطاب إليه إذ بمجرد أن خوطب بعنوان الناسي يتذكر وينقلب الموضوع وإن أريد منه إمضاء الخالي عن ذلك الجزء من الناسي بدلا عن العبادة الواقعية فهو حسن ولكن الأصل عدمه بالاتفاق وهذا معنى بطلان العبادة الفاقدة للجزء نسيانا بمعنى عدم كونها مأمورا بها ولا مسقطا عنه (انتهى) ملخص كلامه (ومحصله) أن المسألة وان كانت من صغريات الأقل والأكثر الارتباطيين ومن جزئيات الشك في الجزئية غايته انه شك في الجزئية في حال النسيان فقط لا مطلقا ولكن المانع عن جريان البراءة فيها هو أحد أمرين فإن كان دليل الجزء لفظيا فالمانع هو عموم جزئية الجزء وشمولها لحالتي الذّكر والنسيان جميعا وان كان دليل الجزء لبيا فالمانع هو عدم قابلية الناسي لتوجيه الخطاب إليه بما سوى المنسي إذ ارتفاع الجزئية عن الناسي في حال نسيانه فرع إمكان توجيه الخطاب إليه بما سوى المنسي (هذا كله) من أمر الشيخ أعلى الله مقامه.

(واما المصنف) فيرى المسألة أيضا من صغريات الأقل والأكثر الارتباطيين ومن جزئيات الشك في الجزئية أو الشرطية فلا تجري فيها البراءة العقلية وتجري فيها البراءة الشرعية على مسلكه المتقدم في الأقل والأكثر الارتباطيين وظاهر قوله إن الأصل فيما إذا شك في جزئية شيء ... إلخ أن كلامه مفروض فيما إذا لم يكن دليل الجزء أو الشرط لفظيا له عموم يشمل حالتي الذّكر والنسيان جميعا كي يمنع عن البراءة (واما عدم) قابلية الناسي للخطاب بما سوى المنسي فسيأتي جوابه عنه وبيان العلاج لتوجيه الخطاب إليه بنحوين صحيحين فانتظر.

(أقول)

والحق أن المسألة من صغريات الأقل والأكثر الارتباطيين كما ظهر من الشيخ والمصنف وعلى ما اخترناه من جريان البراءة فيهما عقلا ونقلا تجري البراءة في المقام كذلك واما المانع الأول من مانعي الشيخ فهو حق ولكنا نفرض انتفاء دليل لفظي يقتضي إطلاقه الجزئية أو الشرطية حتى في حال النسيان واما المانع الثاني فهو ممنوع

٢٣٢

من أصله لما ستعرفه من صحة توجيه الخطاب إلى الناسي بوجهين بل بوجوه عديدة كما سيأتي.

(قوله فلو لا مثل حديث الرفع مطلقا ... إلخ)

أي في الصلاة وغيرها في قبال لا تعاد المختص بالصلاة فقط والمعنى أن كلا منهما يقتضي صحة ما أتى به من العبادة الخالية عن الجزء أو الشرط المنسي ولولاهما لحكمنا بوجوب الاحتياط عقلا لما عرفت من عدم جريان البراءة العقلية في الأقل والأكثر الارتباطيين على مسلك المصنف.

(قوله كما هو الحال فيما ثبت شرعا جزئيته أو شرطيته مطلقا ... إلخ)

أي ولو في حال السهو وهو الّذي يسمى في الاصطلاح بالركن بحيث كان الإخلال به مضرا على كل تقدير سواء كان عن عمد أو عن سهو.

(قوله ثم لا يذهب عليك انه كما يمكن رفع الجزئية أو الشرطية في هذا الحال بمثل حديث الرفع كذلك يمكن تخصيصها بهذا الحال بحسب الأدلة الاجتهادية ... إلخ)

أي ثم لا يذهب عليك انه كما يمكن رفع الجزئية أو الشرطية في حال النسيان بحديث الرفع كذلك يمكن تخصيص الجزئية أو الشرطية بحال الذّكر فقط بحسب الأدلة الاجتهادية (وهذا لدى الحقيقة) جواب عن المانع الثاني من مانعي الشيخ عن البراءة وهو عدم قابلية الناسي لتوجيه الخطاب إليه بما سوى المنسي وأن رفع الجزئية عنه في حال النسيان فرع إمكان توجيه الخطاب إليه بما سوى المنسي (وقد أشرنا) آنفا أن المصنف قد أجاب عن هذا المانع وقد عالج توجيه الخطاب إلى الناسي بما سوى المنسي بنحوين صحيحين فهذا هو الشروع في بيانهما.

(وحاصل النحو الأول) أن يوجه الخطاب بما سوى المنسي على نحو يعم الذاكر والناسي مثل ان يقال أيها المسلمون أو أيها المكلفون كتب عليكم كذا وكذا ثم يوجه الخطاب إلى خصوص الذاكر فيكلفه بالجزء أو الشرط الّذي نسيه الناسي

٢٣٣

فحينئذ يجب على الناسي ما سوى المنسي من دون أن يتوجه إليه خطاب بعنوان الناسي كي يتذكر وينقلب الموضوع ويخرج عن تحت الخطاب الموجّه إليه.

(وحاصل النحو الثاني) أن يوجه الخطاب إلى الناسي بما سوى المنسي لكن لا بعنوان الناسي كي يتذكر وينقلب الموضوع بل بعنوان يلازم الناسي وقد اشتهر التمثيل له بعنوان البلغمي فحينئذ يأتي الناسي بما أمر به من دون أن يتذكر وينقلب الموضوع.

(أقول)

هذا مضافا إلى انه لا يجب أن يوجه الخطاب إلى الناسي الخارجي ويقال له أيها الناسي يجب عليك الإتيان بما سوى المنسي كي يتذكر وينقلب الموضوع بل يتعلق التكليف بكلي الناسي ويقال إن الناسي يجب عليه الإتيان بما سوى المنسي مثل ما يقال المستطيع يحج أو المسافر يقصر وهكذا نعم لا يمكنه الناسي الخارجي الإتيان بما سوى المنسي بداعي هذا الأمر المتوجه إلى كلي الناسي إذ لا يرى نفسه من صغرياته المندرجة فيه كي يأتي بما سوى المنسي بداعي هذا الأمر ولكن لا يضر ذلك بصحته إذ لا يشترط عقلا في صحة توجيه الخطاب إمكان داعويته للمخاطب بل يكفي في صحته مقدورية متعلقه للمخاطب وتظهر نتيجة الخطاب وثمرته بعد الإتيان بالفعل ورفع النسيان عن الناسي فإنه يعرف حينئذ أنه كان ناسيا وأن الناسي كان يجب عليه الإتيان بما سوى المنسي وقد أتى به فلا شيء عليه فعلا من الإتيان به ثانيا إعادة أو قضاء.

(وبالجملة) إن الأمر بالصلاة أمر بالأجزاء والشرائط الكثيرة وهو متوجّه إلى الناس عامة فإذا كان دليل بعض الاجزاء لبيا وشك في ثبوته للناسي فالبراءة مما ترفعه وتكون حاكمة على دليل الصلاة تعيّنها للناسي في خصوص الأقل فلا يبقى موجب للإعادة أو القضاء عليه بعد رفع نسيانه أصلا.

٢٣٤

(قوله عما شك في دخله مطلقا ... إلخ)

أي ولو في حال النسيان.

(قوله أو وجّه إلى الناسي خطاب يخصه بوجوب الخالي بعنوان آخر عام أو خاص لا بعنوان الناسي ... إلخ)

شروع في النحو الثاني من تصحيح توجيه الخطاب إلى الناسي بما سوى المنسي أي يوجه إلى الناسي خطاب يخصه ولا يشمل الذاكر لكن لا بعنوان الناسي بل بعنوان آخر عام يلازم الناسي مثل ان يقول أيها البلغمي أو بعنوان آخر خاص يختص بهذا الناسي بالخصوص مثل ان يقول يا صاحب القباء الأصفر يجب عليك كذا وكذا.

(قوله كما توهم لذلك استحالة تخصيص الجزئية أو الشرطية بحال الذّكر وإيجاب العمل الخالي عن المنسي على الناسي ... إلخ)

مقصوده من المتوهم هو الشيخ أعلى الله مقامه على ما تقدم لك شرح مختاره مفصلا فلا تغفل.

في زيادة الجزء عمدا أو سهوا

(قوله الثالث انه ظهر مما مر حال زيادة الجزء إذا شك في اعتبار عدمها شرطا أو شطرا في الواجب ... إلخ)

قد أشرنا في التنبيه الثاني أن الشيخ أعلى الله مقامه قد عقد مسائل ثلاث لبيان حكم الإخلال بالجزء نقيصة وزيادة.

(أحدها) لنقيصة الجزء سهوا.

(ثانيها) لزيادة الجزء عمدا.

(ثالثها) لزيادة الجزء سهوا فالمصنف تعرض نقيصة الجزء سهوا في التنبيه

٢٣٥

المتقدم وجمع بين الزيادة العمدية والسهوية للجزء في هذا التنبيه الثالث (ثم إن) الشيخ أعلى الله مقامه (قال) في الزيادة العمدية للجزء (ما هذا لفظه) ثم الزيادة العمدية تتصور على وجوه.

(أحدها) أن يزيد جزءا من أجزاء الصلاة بقصد كون الزائد جزءا مستقلا كما لو اعتقد شرعا أو تشريعا ان الواجب في كل ركعة ركوعان كالسجود.

(الثاني) أن يقصد كون الزائد والمزيد عليه جزءا واحدا كما لو اعتقد أن الواجب في الركوع الجنس الصادق على الواحد والمتعدد.

(الثالث) أن يأتي بالزائد بدلا عن المزيد عليه بعد رفع اليد عنه اما اقتراحا كما لو قرأ سورة ثم بدا له في الأثناء أو بعد الفراغ وقرأ سورة أخرى لغرض ديني كالفضيلة أو دنيوي كالاستعجال وإما لإيقاع الأول على وجه فاسد (إلى أن قال) اما الزيادة على الوجه الأول فلا إشكال في فساد العبادة بها إذا نوى ذلك قبل الدخول في الصلاة أو في الأثناء لأن ما أتى به وقصد الامتثال به وهو المجموع المشتمل على الزيادة غير مأمور به وما أمر به وهو ما عدا تلك الزيادة لم يقصد الامتثال به واما الأخيران فمقتضى الأصل عدم بطلان العبادة فيهما لأن مرجع ذلك إلى الشك في مانعية الزيادة ومرجعها إلى الشك في شرطية عدمها وقد تقدم ان مقتضي الأصل فيه البراءة (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ومحصله) ان المتعمد في الزيادة.

(تارة) يأتي بالزائد بقصد كونه جزءا مستقلا إما عن جهل وقد أشار إليه بقوله كما لو اعتقد شرعا وإما عن تشريع وقد أشار إليه بقوله أو تشريعا.

(وأخرى) يأتي بالزائد بقصد كون الزائد والمزيد عليه جزءا واحدا.

(وثالثة) يأتي بالزائد بدلا عن المزيد عليه اما اقتراحا أو لإيقاع الأول فاسدا فالتعمد في الزيادة على الوجه الأول مبطل لأن ما أتى به وهو المجموع المشتمل على الزيادة لم يؤمر به وما أمر به لم يأت به دون التعمد على الوجهين الأخيرين لأن

٢٣٦

مرجع الشك فيهما إلى الشك في شرطية عدم الزيادة والبراءة مما يقتضي عدمها (هذا كله) من أمر الشيخ في الزيادة العمدية.

(واما المصنف) فلم يؤشر إلى الوجهين الأخيرين وقد أشار فقط إلى الوجه الأول بقسميه من الجهل والتشريع كما انه قد أشار أيضا إلى قسمي الجهل من القصوري والتقصيري ولم يؤشر إليهما الشيخ ثم حكم المصنف في الكل بالصحّة حيث (قال) فيصح لو أتى به مع الزيادة عمدا تشريعا أو جهلا قصورا أو تقصيرا ... إلخ نظرا إلى كون المقام من الشك في جزئية عدم الزيادة أو شرطيته فيندرج في الأقل والأكثر الارتباطيين فتجري فيه البراءة الشرعية دون العقلية على مسلكه المتقدم الا في التشريع فحكم فيه بالبطلان في الجملة إذا كان المركب عبادة (وتفصيله) أن المشرع إن لم يقصد الامتثال إلا على تقدير دخل الزائد فيه فحينئذ تردد المصنف بين البطلان مطلقا وبين البطلان إذا لم يكن دخيلا واقعا فإنه في صورة الدخل واقعا لا قصور في الامتثال.

(نعم) في صورة بقاء الاشتباه على حاله وعدم العلم بالدخل يجب الإعادة لأنه قاصد للامتثال على تقدير والتقدير لم يعلم بحصوله (وأما إذا قصد الامتثال) على كل حال ولكنه مع قصده الامتثال كذلك قد شرّع في دخل الزائد في الواجب فالعمل صحيح فإنه مشرع في تطبيق ما أتى به مع المأمور به الواقعي وهو لا ينافي قصده الامتثال والتقرب به على كل حال.

(أقول)

لا وجه للتسوية بين الجهل والتشريع في الوجه الأول كما فعل الشيخ حيث حكم في الوجه الأول بالبطلان مطلقا مستندا إلى أن ما أتى به وقصد الامتثال به وهو المجموع المشتمل على الزيادة غير مأمور به وما أمر به وهو ما عدا تلك الزيادة لم يقصد الامتثال به ... إلخ (فإن الجاهل) وإن فرض كونه مقصرا يستحق العقاب على ترك تعلمه واعتقاده كون الزائد دخيلا في الواجب ولكنه قد أتى بما أمر به

٢٣٧

وهو ما عدا تلك الزيادة في ضمن الإتيان بالمجموع غايته انه قد زاد على ما أمر به فإن كان المأمور به مشروطا بعدم الزيادة فقد بطل وإلا صح والمفروض انه لم يعلم اشتراطه به فتجري البراءة عنه ويبني على صحته (كما أنه) لا وجه لتفصيل المصنف في التشريع وتصحيح عمل المشرع في بعض الصور فإن المشرع هب انه قد يكون قاصدا للامتثال على كل حال ولكن مجرد ذلك مما لا يكفي في الصحة بعد اتصاف ما أتى به في الخارج بالقبح والمبعدية من جهة التشريع في ارتباط الزائد بالاجزاء الواجبة وارتباط الاجزاء الواجبة بالزائد.

(وبالجملة) إن المشرع في دخل الزائد في الواجب سواء أتى به بقصد كونه جزءا مستقلا أو بقصد كونه هو والمزيد عليه جزءا واحدا أو بقصد البدلية عن المزيد عليه بعد الإعراض ورفع اليد عن الأول عمله باطل غير صحيح (واما الإتيان) بالزائد جهلا ولو تقصيرا فلا يكاد يضر إذ المفروض أن اشتراط العمل بعدمه غير معلوم فتجري البراءة عنه فيصح ولا يفسد هذا تمام الكلام في الزيادة العمدية.

(واما الزيادة السهوية) فقد ألحقها الشيخ أعلى الله مقامه بالنقيصة السهوية فكما قال فيها بأصالة بطلان العمل بها نظرا إلى عموم ما دل على جزئية الجزء أو الشرط وشموله لحالتي الذّكر والنسيان جميعا ولأن الناسي غير قابل لتوجيه الخطاب إليه بما سوى المنسي فكذلك يقول بها في الزيادة السهوية إذ الكلام فيها مفروض في الزيادة التي تقدح عمدا كما صرح به وإلّا فما لا يقدح عمدا فسهوه أولى بعدم القدح (وعليه) فعموم ما دل على اشتراط العمل بعدم الزيادة وشموله لحالتي الذّكر والنسيان جميعا وهكذا عدم قابلية الناسي للخطاب بما سوى الشرط المنسي مما يقضيان بالبطلان (قال) أعلى الله مقامه (ما لفظه) المسألة الثالثة في ذكر الزيادة سهوا التي تقدح عمدا وإلّا فما لا يقدح عمدا فسهوها أولى بعدم القدح والكلام هنا كما في النقص نسيانا لأن مرجعه إلى الإخلال بالشرط نسيانا وقد عرفت أن حكمه البطلان ووجوب الإعادة (انتهى).

٢٣٨

(واما المصنف) فهو أيضا ممن ألحق الزيادة السهوية بالنقيصة السهوية فكما قال في النقيصة السهوية إن مرجع الشك فيها إلى الشك في وجوب الجزء أو الشرط في حال النسيان فلا تجري البراءة العقلية وتجري الشرعية على مسلكه المتقدم في الأقل والأكثر الارتباطيين فكذلك يقول في الزيادة السهوية حرفا بحرف فلا تجري البراءة العقلية وتجري الشرعية أي عن اعتبار عدم الزيادة في حال النسيان (وقد أشار إلى ذلك) كله بقوله أو سهوا حيث عطفه على الزيادة عمدا في قوله فيصح لو أتى به مع الزيادة عمدا تشريعا أو جهلا قصورا أو تقصيرا أو سهوا ... إلخ.

(أقول)

نعم الحق هو إلحاق الزيادة السهوية بالنقيصة السهوية عينا فكل على مبناه وحيث انك قد عرفت منا أن الحق في النقيصة السهوية هو جريان البراءة عقلا ونقلا عن الجزئية أو الشرطية في حال النسيان إذا لم يكن لدليل الجزء أو الشرط إطلاق يشمل حالتي الذّكر والنسيان جميعا فكذلك في المقام تجري البراءة عن اعتبار عدم الزيادة السهوية في هذا الحال بلا زيادة ولا نقيصة.

(قوله مع عدم اعتباره في جزئيته وإلّا لم يكن من زيادته بل من نقصانه ... إلخ)

إشارة إلى ما اعتبره الشيخ أعلى الله مقامه في زيادة الجزء من عدم كون الجزء مما اعتبر فيه عدم الزيادة وإلا بأن أخذ بشرط عدم الزيادة فالزيادة عليه تكون من نقيصة الجزء لا من الزيادة بل لا بد وأن يكون الجزء مأخوذا لا بشرط الوحدة والزيادة.

(قوله وذلك لاندراجه في الشك في دخل شيء فيه جزءا أو شرطا إلى آخره)

علة لقوله ظهر مما مر حال زيادة الجزء ... إلخ.

٢٣٩

(قوله فيصح لو أتى به مع الزيادة عمدا تشريعا أو جهلا ... إلخ)

إشارة إلى قسمي الوجه الأول من الوجوه المتقدمة للزيادة العمدية وقد أشرنا ان المصنف لم يؤشر إلى بقية الوجوه فتذكر.

(قوله أو سهوا ... إلخ)

إشارة إلى الزيادة السهوية التي عقد لها الشيخ أعلى الله مقامه مسألة مستقلة وقد أشرنا ان المصنف قد جمع في هذا التنبيه الثالث بين الزيادة العمدية والسهوية جميعا فلا تغفل.

(قوله وإن استقل العقل لو لا النقل بلزوم الاحتياط لقاعدة الاشتغال ... إلخ)

إشارة إلى ما تقدم من المصنف في الأقل والأكثر الارتباطيين من وجوب الاحتياط عقلا لعدم انحلال العلم الإجمالي وجريان البراءة شرعا لعموم أدلتها.

(قوله نعم لو كان عبادة وأتى به كذلك ... إلخ)

أي أتى به مع الزيادة عمدا تشريعا ... إلخ وهو استدراك عن قوله فيصح لو أتى به مع الزيادة عمدا تشريعا ... إلخ فحكم أولا بالصحّة مع الزيادة حتى عن عمد وتشريع ثم استثنى عن ذلك في الجملة وقد تقدم التفصيل فلا نعيد.

(قوله على نحو لو لم يكن للزائد دخل فيه لما يدعو إليه وجوبه ... إلخ)

أي لم يقصد الامتثال الا على تقدير دخل الزائد في الواجب.

(قوله لكان باطلا مطلقا أو في صورة عدم دخله فيه ... إلخ)

قد أشرنا فيما تقدم أن المصنف قد تردد فيما إذا لم يقصد الامتثال الا على تقدير دخل الزائد في الواجب بين البطلان مطلقا وبين البطلان فيما إذا لم يكن دخيلا واقعا فهذا هو ترديده عينا.

(قوله لعدم تصور الامتثال في هذه الصورة ... إلخ)

أي في صورة الدخل فلا تشتبه.

٢٤٠