عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٣١

(قوله أو مصلحة أقوى من مصلحة الأقل ... إلخ)

وكانت الأقوائية بحد الإلزام لا بحد الاستحباب وإلا لم يكن من دوران الواجب بين الأقل والأكثر كما لا يخفى.

الوجه الثاني لوجوب الاحتياط

عقلا وتضعيفه

(قوله هذا مع ان الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز إلا بالأكثر بناء على ما ذهب إليه المشهور من العدلية من تبعية الأوامر والنواهي للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها ... إلخ)

هذا هو الوجه الثاني لوجوب الاحتياط عقلا في الأقل والأكثر الارتباطيين وهو مأخوذ من كلام الشيخ أعلى الله مقامه (قال) بعد الفراغ عن تقريب البراءة العقلية (ما لفظه) نعم قد يأمر المولى بمركب يعلم أن المقصود منه تحصيل عنوان يشك في حصوله إذا أتى بذلك المركب بدون ذلك الجزء المشكوك كما إذا أمر بمعجون وعلم أن المقصود منه إسهال الصفراء بحيث كان هو المأمور به في الحقيقة أو علم انه الغرض المأمور به فإن تحصيل العلم بإتيان المأمور به لازم كما سيجيء في المسألة الرابعة (ثم قال) فإن قلت إن الأوامر للشرعية كلها من هذا القبيل لابتنائها على مصالح في المأمور به فالمصلحة فيها إما من قبيل العنوان في المأمور به أو من قبيل الغرض (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ومحصله) مع الاضطراب في العبارة أن المصلحة إما من قبيل العنوان الّذي تعلق به الأمر ويكون الاجزاء والشرائط مما يحققه ويحصّله كعنوان الطهارة التي يحصلها الوضوء أي الغسلات والمسحات فحينئذ مهما شك في جزء أو شرط فهو من قبيل الشك في المحصل الّذي يجب فيه الاحتياط

٢٠١

على ما اختاره الشيخ في المسألة الرابعة من مسائل الأقل والأكثر وإن كان التحقيق خلافه كما سيأتي أو من قبيل الغرض المترتب على المأمور به فيجب علينا العلم بحصوله وتحققه خارجا (والفرق) بين العنوان والغرض كما أشرنا أن العنوان مما يتعلق به الأمر في لسان الدليل فيجب المحصل له مقدميا والغرض مما لا يتعلق به الأمر في لسان الدليل فيكون من الخواصّ المترتبة على الواجب النفسيّ.

(أقول) والحق ان المصلحة في المقام ليست هي من قبيل العنوان كالطهارة ونحوها إذ لم يتعلق بها الأمر في لسان الدليل ليكون الشك في الجزء أو الشرط من قبيل الشك في المحصل بل هي من الأغراض الداعية إلى الأمر كما يظهر من المصنف والعلم بحصول غرض المولى وإن كان واجبا عقلا لكن إذا علم ان الغرض بما ذا يحصل كما في الشبهات الموضوعية للأقل والأكثر ففيها نلتزم بالاحتياط كما سيأتي واما إذا لم يعلم ان الغرض بما ذا يحصل كما في الشبهات الحكمية وانه هل هو يحصل بالأقل أو بالأكثر فلا وجه للحكم بوجوب العلم بحصوله وتحققه خارجا فإن الأمر قد تعلق في لسان الدليل بالاجزاء والشرائط فما علم به يؤتي به وما شك فيه تجري البراءة عنه عقلا ونقلا بالتقريب المتقدم آنفا فإن كان الغرض حاصلا بما أتى به من الاجزاء والشرائط فهو وإلا فلا حجة للمولى في فوته بمقتضى البراءة العقلية والشرعية الجاريتين عن الجزء أو الشرط المشكوك فتدبر جيدا.

(قوله وقد مر اعتبار موافقة الغرض وحصوله عقلا في إطاعة الأمر وسقوطه فلا بدّ من إحرازه في إحرازها ... إلخ)

(وفيه) (أولا) إن الّذي مر في التعبدي والتوصلي هو العكس أي اعتبار قصد الطاعة في حصول الغرض (حيث قال) فإن الغرض منه لا يكاد يحصل بذلك بل لا بد في سقوطه وحصول غرضه من الإتيان به متقربا به منه تعالى (انتهى) (وبعبارة أخرى) يجب في التعبديات قصد الطاعة ليحصل الغرض لا انه يجب فيها موافقة الغرض ليحصل الطاعة.

٢٠٢

(وثانيا) إن إحراز الغرض إنما يجب إذا علم انه بما ذا يحصل كما في الشبهات الموضوعية للأقل والأكثر وأما إذا لم يعلم انه بما ذا يحصل كما في الشبهات الحكمية وأنه هل هو يحصل بالأقل أو بالأكثر فلا وجه للحكم بوجوب إحرازه بل ما علم من الواجب يؤتي به وهو الأقل وما شك فيه تجري البراءة عنه وهو الأكثر فإن كان الغرض حاصلا بالأقل فهو وإلّا فلا حجة للمولى في عدم حصوله بعد عدم البيان على الأكثر.

(قوله ولا وجه للتفصي عنه تارة بعدم ابتناء مسألة البراءة والاحتياط على ما ذهب إليه مشهور العدلية وجريانها على ما ذهب إليه الأشاعرة المنكرين لذلك أو بعض العدلية المكتفين بكون المصلحة في نفس الأمر دون المأمور به وأخرى بأن حصول المصلحة واللطف ... إلخ)

هذان التفصيان عن الوجه الثاني للاحتياط من الشيخ أعلى الله مقامه قد لخصها المصنف في الكتاب (قال الشيخ) بعد قوله المتقدم فإن قلت إن الأوامر الشرعية كلها من هذا القبيل لابتنائها على مصالح في المأمور به ... إلخ (ما هذا لفظه) قلت (أولا) مسألة البراءة والاحتياط غير مبتنية على كون كل واجب فيه مصلحة وهو لطف في غيره فنحن نتكلم فيها على مذهب الأشاعرة المنكرين للحسن والقبح أو مذهب بعض العدلية المكتفين بوجود المصلحة في الأمر وإن لم يكن في المأمور به.

(وثانيا) إن نفس الفعل من حيث هو ليس لطفا ولذا لو أتى به لا على وجه الامتثال لم يصح ولم يترتب عليه لطف ولا أثر آخر من آثار العبادة الصحيحة بل اللطف إنما هو في الإتيان به على وجه الامتثال وحينئذ فيحتمل أن يكون اللطف منحصرا في امتثاله التفصيليّ مع معرفة وجه الفعل ليوقع الفعل على وجهه فإن من صرح من العدلية بكون العبادات السمعية إنما وجبت لكونها ألطافا في الواجبات العقلية قد صرح بوجوب إيقاع الواجب على وجهه ووجوب اقترانه به وهذا

٢٠٣

متعذر فيما نحن فيه لأن الآتي بالأكثر لا يعلم أنه الواجب أو الأقل المتحقق في ضمنه ولذا صرح بعضهم كالعلامة ويظهر من آخر منهم وجوب تميز الاجزاء الواجبة من المستحبات ليوقع كلا على وجهه (قال) وبالجملة فحصول اللطف بالفعل المأتي به من الجاهل فيما نحن فيه غير معلوم بل ظاهرهم عدمه فلم يبق عليه الا التخلص من تبعة مخالفة الأمر الموجّه إليه فإن هذا واجب عقلي في مقام الإطاعة والمعصية ولا دخل له بمسألة اللطف بل هو جار على فرض عدم اللطف وعدم المصلحة في المأمور به رأسا وهذا التخلص يحصل بالإتيان بما يعلم ان مع تركه يستحق العقاب والمؤاخذة واما الزائد فيقبح المؤاخذة عليه مع عدم البيان (انتهى).

(أقول)

(اما التفصي الأول) فواضح لا يحتاج إلى التفسير.

(واما التفصي الثاني) فمحصله أن نفس الفعل يعني العبادي من حيث هو ليس فيه مصلحة ولذا لو أتى به لا على وجه الامتثال لم يصح ولم يترتب عليه مصلحة وحينئذ فمن المحتمل أن تكون المصلحة منحصرة بما إذا أتى بالفعل مع التمييز وقصد الوجه وهذا متعذر فيما نحن فيه لأن الآتي بالأكثر لا يعلم انه الواجب أو الأقل المتحقق في ضمنه (وعليه) فلا يبقى في عهدة المكلف سوى التخلص من العقاب وهو يحصل بإتيان ما علم وجوبه وهو الأقل واما الأكثر فيقبح العقاب عليه مع عدم البيان كما لا يخفى.

(قوله وذلك ضرورة أن حكم العقل بالبراءة على مذهب الأشعري لا يجدى من ذهب إلى ما عليه المشهور من العدلية ... إلخ)

هذا جواب عن التفصي الأول للشيخ أعلى الله مقامه ونعم ما أجاب به ولكن مجرد ضعف التفصي الأول بل والتفصي الثاني أيضا كما سيأتي مما لا يصحح الوجه الثاني للاحتياط وذلك لما عرفت منا ما هو التحقيق في التفصي عنه فلا نعيد.

٢٠٤

(قوله بل من ذهب إلى ما عليه غير المشهور ... إلخ)

وجه الإضراب أن بعض العدلية المكتفي بكون المصلحة في نفس الأمر دون المأمور به وهو المعني بقوله من ذهب إلى ما عليه غير المشهور يحتمل وجود المصلحة في المأمور به أيضا غايته انه يجوّز وجودها وتحققها في الأمر خاصة (وعليه) فكما ان حكم العقل بالبراءة على مذهب الأشعري لا يجدي من ذهب إلى ما عليه المشهور من العدلية من تبعية الأوامر والنواهي للمصالح والمفاسد إذ لا يحصل له القطع بتحقق المصلحة إلّا بالإتيان بالأكثر فكذلك لا يجدي من ذهب إلى ما عليه غير المشهور أيضا وذلك لتجويزه وجود المصلحة في المأمور به فلا يحصل له القطع أيضا بتحققها إلّا بالإتيان بالأكثر.

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى احتمال أن من ذهب إلى ما عليه غير المشهور لا يقول بالمصلحة إلا في الأمر فقط من غير أن يحتملها في المأمور به (وعليه) فكما ان العقل يحكم بالبراءة على مذهب الأشعري المنكر للمصلحة والغرض فكذلك يحكم على مذهب بعض العدلية القائل بوجود المصلحة في الأمر دون المأمور به.

(قوله وحصول اللطف والمصلحة في العبادة وان كان يتوقف على الإتيان بها على وجه الامتثال إلا انه لا مجال لاحتمال اعتبار معرفة الاجزاء وإتيانها على وجهها ... إلخ)

هذا جواب عن التفصي الثاني للشيخ أعلى الله مقامه (ومحصله) ان حصول المصلحة من الفعل وإن كان يتوقف على الإتيان به على وجه الامتثال ولكن لا وجه لاحتمال اعتبار تميز الاجزاء والإتيان بكل منها على وجهه كي لا يحصل معه القطع بحصول المصلحة فيما نحن فيه ولا يبقى في عهدة المكلف سوى التخلص عن تبعة مخالفة التكليف وهو يحصل بإتيان ما علم وجوبه أي الأقل.

وظاهر المصنف في المقام تسليم تعذر قصد الوجه كما يتعذر التمييز (وهو كما ترى)

٢٠٥

وذلك لما تقدم مشروحا في العلم الإجمالي في ذيل الموافقة الإجمالية من عدم الإخلال في الأقل والأكثر ولا في المتباينين بقصد الوجه كما لا إخلال فيهما بقصد القربة وإنما المتعذر فيهما خصوص التمييز فقط وانه إذا أتى بالجزء المشكوك في الأقل والأكثر أو بكل من طرفي العلم الإجمالي في المتباينين برجاء وجوبه الواقعي فقد أتى به بقصد القربة والوجه جميعا بمعنى انه إذا كان واجبا واقعا فقد وقع متقربا به وعلى وجهه (وعليه) فضعف التفصي الثاني يكون من جهتين.

(الأولى) انه لا وجه لاحتمال اعتبار معرفة الاجزاء والإتيان بكل منها على وجهه كما أفاد المصنف.

(الثانية) انه على تقدير احتمال اعتبارهما لا يتعذر قصد الوجه في المقام وإن تعذر التمييز بلا كلام.

(قوله هذا مع وضوح بطلان احتمال اعتبار قصد الوجه كذلك إلى آخره)

مقصوده من قصد الوجه كذلك هو الإتيان بأجزاء الواجب على وجهها وهذا جواب ثاني عن التفصي الثاني.

(ففي الجواب الأول) منع عن احتمال اعتبار معرفة الاجزاء والإتيان بكل منها على وجهه (وفي هذا الجواب) يدعي وضوح بطلان الأخير أي اعتبار الإتيان بكل جزء على وجهه بمعنى أن مراد من صرح بوجوب إيقاع الواجب على وجهه هو وجه نفسه لا وجه أجزائه من وجوبها الغيري أو العرضي يعني به الضمني فإن الكل إذا وجب استقلالا فقد وجب كل جزء منه ضمنا (ومن المعلوم) ان إتيان الواجب فيما نحن

فيه مقترنا بوجه نفسه (إما غاية) بأن ينوي الإتيان بالصلاة مثلا لوجوبها (أو وصفا) بأن ينوي الإتيان بالصلاة الواجبة في الشريعة لله تعالى (في كمال الإمكان) فيأتي بالأكثر فينطبق الواجب عليه ولو كان هو الأقل فيتأتى من المكلف مع إتيان الأكثر قصد الوجه (وفيه ما لا يخفى) إذ من المحتمل قويا أن

٢٠٦

يكون مراد من صرح بوجوب إيقاع الواجب على وجهه هو وجه أجزائه ولذا صرح بعضهم كالعلامة ويظهر من آخر منهم على ما تقدم في العبارة السابقة للشيخ أعلى الله مقامه وجوب تميز الأجزاء الواجبة من المستحبات ليوقع كلا على وجهه.

(قوله واحتمال اشتماله على ما ليس من أجزائه ليس بضائر إذا قصد وجوب المأتي على إجماله ... إلخ) دفع لما قد يتوهم من ان إتيان الواجب فيما نحن فيه مقترنا بوجه نفسه بإتيان الأكثر ليس بممكن لما في الأكثر من احتمال اشتماله على ما ليس من أجزائه (فيقول) وهذا الاحتمال ليس بضائر إذا قصد وجوب المأتي على إجماله من دون تمييز ما له دخل في الواجب عما ليس له دخل فيه.

(قوله لا سيما إذا دار الزائد بين كونه جزء لماهيته وجزء لفرده إلى آخره) وقد مثلنا لجزء الفرد في الأمر الثالث من الأمور المتقدمة في ذيل الصحيح والأعم بالاستعاذة ونحوها من الأمور المستحبة التي يتشخص بها المأمور به ويصدق عليها عنوان الصلاة من غير دخل لها في ماهيتها وحقيقتها (وقد أشار) إليه المصنف هناك بقوله وثالثة بأن يكون مما يتشخص به المأمور به بحيث يصدق على التشخص به عنوانه ... إلخ.

(قوله نعم لو دار بين كونه جزء أو مقارنا ... إلخ)

بمعنى أنه دار أمر المشكوك بين كونه جزء أو أجنبيا.

(قوله هذا مضافا إلى ان اعتبار قصد الوجه من رأس مما يقطع بخلافه إلى آخره)

هذا جواب ثالث عن التفصي الثاني.

(ففي الجواب الأول) منع عن احتمال اعتبار معرفة الاجزاء والإتيان بكل منها على وجهه.

٢٠٧

(وفي الجواب الثاني) قد ادعى وضوح بطلان الأخير أي اعتبار الإتيان بكل جزء على وجهه (وفي هذا الجواب) منع عن أصل اعتبار قصد الوجه في العبادات مطلقا سواء كان وجه الواجب بنفسه أو وجه أجزائه وأبعاضه.

(قوله مع أن الكلام في هذه المسألة لا يختص بما لا بد ان يؤتى به على وجه الامتثال من العبادات ... إلخ)

هذا جواب رابع عن التفصي الثاني (وحاصله) ان الكلام في الأقل والأكثر الارتباطيين مما لا ينحصر بما يعتبر فيه قصد القربة أي بالعبادات كالصلاة ونحوها كي يحتمل فيه اعتبار الوجه والتمييز فلا يحصل معه القطع بحصول المصلحة واللطف فلا يبقى في عهدة المكلف سوى التخلص عن تبعة مخالفة التكليف وهو يحصل بإتيان ما علم وجوبه أي الأقل بل يجري في كل أمر ارتباطي قد دار أمره بين الأقل والأكثر وان كان من التوصليات (فإذا أمر المولى) مثلا بمعجون لم يعلم انه مركب من تسعة أجزاء أو من عشرة جرى فيه النزاع المذكور من البراءة والاشتغال من غير أن يحتمل فيه اعتبار قصد القربة أو الوجه أو التمييز كي لا يحصل معه القطع بحصول المصلحة والغرض وهذا واضح.

(قوله مع أنه لو قيل باعتبار قصد الوجه في الامتثال فيها على وجه ينافيه التردد والاحتمال ... إلخ)

هذا جواب خامس عن التفصي الثاني (وحاصله) انه لو قلنا باعتبار قصد الوجه في العبادات على النحو الّذي ينافيه التردد بين الأقل والأكثر أي قلنا باعتبار قصد وجه اجزاء الواجب لا وجه نفسه فحينئذ إن فرضنا انه لا يحصل الغرض بعد هذا أبدا فلا وجه لمراعاة التكليف المعلوم بالإجمال أصلا ولو بإتيان الأقل وأما إذا فرضنا انه يحصل نظرا إلى عدم دخل الوجه مع التعذر للتردد فلا بدّ من الإتيان بالأكثر ليحصل معه القطع بحصوله وذلك لجواز ان لا يحصل بالأقل.

٢٠٨

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى أن الشيخ أعلى الله مقامه في تفصيه الثاني لم يقل باعتبار قصد الوجه والتمييز على وجه الجزم واليقين كي لا يحصل معه الغرض أبدا ولا يبقى مجال لمراعاة التكليف المعلوم بالإجمال أصلا ولو بإتيان الأقل بل قال باحتماله (حيث قال) فيحتمل ان يكون اللطف منحصرا في امتثاله التفصيليّ مع معرفة وجه الفعل ... إلخ ومن المعلوم ان مع احتمال اعتباره لا يقطع بعدم حصول الغرض فيبقى مجال لمراعاة التكليف المعلوم بالإجمال ولو بإتيان الأقل تخلصا من تبعة مخالفة الأمر الموجّه إليه كما صرح به الشيخ في عبارته المتقدمة فتدبر جيدا.

في عدم وجوب الاحتياط شرعا

(قوله هذا بحسب حكم العقل واما النقل فالظاهر ان عموم مثل حديث الرفع قاض برفع جزئية ما شك في جزئيته ... إلخ)

أي تمام ما تقدم من أول البحث إلى هنا من وجوب الاحتياط فيما نحن فيه بإتيان الأكثر إنما هو بحسب الحكم العقل (واما النقل) فهو يقتضي برفع جزئية ما شك في جزئيته (وبعبارة أخرى) إن جميع ما تقدم من أول البحث إلى هنا كان بيانا لعدم جريان البراءة العقلية واما البراءة النقليّة فهي تجري عن جزئية ما شك في جزئيته وقد أشرنا فيما تقدم أن المصنف قد اختار التفصيل بين البراءة العقلية فلا تجري والبراءة الشرعية فتجري فهذا هو الجزء الأخير من تفصيله.

(أقول)

إن مقتضي ما تقدم منه في صدر البحث من عدم انحلال العلم الإجمالي هو أن لا تجري في المسألة شيء من البراءة العقلية والنقليّة أصلا فإن العلم الإجمالي إذا لم ينحل فحاله حال العلم الإجمالي في المتباينين عينا فكما قال هناك إن ما دل بعمومه على الرفع مما يعم

٢٠٩

أطراف العلم يكون مخصصا عقلا لأجل مناقضته مع التكليف المعلوم بالإجمال الفعلي من تمام الجهات فكذلك في المقام إذا فرض المعلوم بالإجمال فعليا من تمام الجهات (ولعل من هنا) قد رجع عن هذا التفصيل في تعليقته على الكتاب (قال) عند التعليق على قوله واما النقل (ما لفظه) لكنه لا يخفى انه لا مجال للنقل فيما هو مورد حكم العقل بالاحتياط وهو ما إذا علم إجمالا بالتكليف الفعلي ضرورة انه ينافيه رفع الجزئية المجهولة وانما يكون مورده ما إذا لم يعلم به بل علم مجرد ثبوته واقعا يعني ولو لم يكن فعليا (قال) وبالجملة الشك في الجزئية أو الشرطية وان كان جامعا بين الموردين إلّا ان مورد حكم العقل يعني بالاحتياط مع القطع بالفعلية ومورد النقل هو مجرد الخطاب بالإيجاب (انتهى).

(وكيف كان) الأمر الحق في المقام كما تقدم منا قبلا هو جريان البراءة النقليّة كما تجري العقلية عينا وهو القول الثاني في المسألة الّذي اختاره الشيخ أعلى الله مقامه فإن العلم الإجمالي بالتكليف المردد بين الأقل والأكثر بعد ما عرفت انحلاله بالتقريب المتقدم لا يكاد يكون مانعا عن جريان البراءة أصلا فتجري البراءة العقلية ومعها يقبح المؤاخذة على الأكثر وتجري البراءة الشرعية وبها يرتفع الإجمال والتردد عما تردد أمره بين الأقل والأكثر وتعيّنه في الأول كما أفاد المصنف في الكتاب فتكون أدلة البراءة الشرعية حاكمة على أدلة الصلاة إذا فرض كونها مجملة مرددة بين الأقل والأكثر رافعة لإجمالها معينة لها ولو بحسب الظاهر في الأقل بل بالبراءة العقلية أيضا يرتفع الإجمال والتردد بحسب الظاهر ويتعين الواجب في الأقل فإن العقلية وان كانت ترفع خصوص العقاب ولكن رفع العقاب هو رفع مرتبة من الحكم وهي مرتبة التنجز والبراءة الشرعية مما لا ترفع أزيد من ذلك فإنها لا ترفع الحكم من أصله بل يرفعه في الظاهر برفع تنجزه بل الشيخ أيضا قد أشار إلى رفع الإجمال والترديد بكل من البراءة العقلية والنقليّة جميعا (قال) في المسألة الرابعة من الأقل والأكثر الارتباطيين وهي الشبهة الموضوعية لهما (ما لفظه) والفارق بين

٢١٠

ما نحن فيه وبين الشبهة الحكمية من المسائل المتقدمة التي حكمنا فيها بالبراءة هو أن نفس التكليف فيها مردد بين اختصاصه بالمعلوم وجوبه تفصيلا وبين تعلقه بالمشكوك وهذا الترديد لا حكم له بمقتضى العقل لأن مرجعه إلى المؤاخذة على ترك المشكوك وهي قبيحة بحكم العقل فالعقل والنقل الدالان على البراءة مبينان لتعلق التكليف بما عداه من أول الأمر في مرحلة الظاهر (انتهى).

في وجه عدول المصنف عن البراءة عن

الحكم التكليفي إلى الوضعي

(ثم ان هاهنا) أموراً لا بأس بالتنبيه عليها.

(الأول) انه من المحتمل أن يكون وجه عدول المصنف عن البراءة عن الحكم التكليفي وهو وجوب الأكثر أو وجوب الجزء المشكوك إلى البراءة عن الحكم الوضعي وهو جزئية ما شك في جزئيته (هو ما توهمه) بعض معاصري الشيخ أعلى الله مقامه من حكومة أصالة الاشتغال على أخبار البراءة من حديث الحجب وغيره فعدل عن الاستدلال بها لنفي الحكم التكليفي إلى الاستدلال بها لنفي الحكم الوضعي (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد الفراغ عن تقريب البراءة النقليّة (ما لفظه) ثم انه لو فرضنا عدم تمامية الدليل العقلي المتقدم يعني به البراءة العقلية بل كون العقل حاكما بوجوب الاحتياط ومراعاة حال العلم الإجمالي بالتكليف المردد بين الأقل والأكثر كانت هذه الاخبار كافية في المطلب حاكمة على ذلك الدليل العقلي لأن الشارع أخبر بنفي العقاب على ترك الأكثر لو كان واجبا في الواقع فلا يقتضي العقل وجوبه من باب الاحتياط الراجع إلى وجوب دفع العقاب المحتمل (قال) وقد توهم بعض المعاصرين عكس ذلك وحكومة أدلة الاحتياط على هذه الاخبار فقال لا نسلم

٢١١

حجب العلم في المقام بوجود الدليل في المقام وهي أصالة الاشتغال في الأجزاء والشرائط المشكوكة (ثم ذكر باقي) كلام هذا المعاصر وحكى انه هو صاحب الفصول (إلى ان قال) وبالجملة فما ذكره من حكومة دالة الاشتغال على هذه الاخبار ضعيف جدا نظرا إلى ما تقدم (ثم قال) وأضعف من ذلك انه رحمه‌الله عدل من أجل هذه الحكومة التي زعمها لأدلة الاحتياط على هذه الاخبار عن الاستدلال بها لمذهب المشهور من حيث نفي الحكم التكليفي إلى التمسك بها في نفي الحكم الوضعي أعني جزئية الشيء المشكوك أو شرطيته وزعم أن ماهية المأمور به تتبين ظاهرا كونها الأقل بضميمة نفي جزئية المشكوك ويحكم بذلك على أصالة الاشتغال (انتهى).

(أقول)

ويؤيد ما احتملناه في وجه عدول المصنف انه صرح في تعليقته على الرسائل عند التعليق على قول الشيخ ومما ذكرنا يظهر حكومة هذه الاخبار ... إلخ بتقدم أصالة الاشتغال على البراءة العقلية والنقليّة جميعا وإن لم يصرح بالحكومة بل صرح بالورود دون الحكومة فراجع.

في جريان البراءة عن الجزء المشكوك وعن

جزئية الجزء المشكوك كما تجري عن الأكثر

(الأمر الثاني) انه كما تقدم منا تبعا للشيخ أعلى الله مقامه انه لا مانع عن جريان البراءة عقليها ونقليها عن وجوب الأكثر فكذلك لا مانع عن جريانها عن وجوب الجزء المشكوك غير أن الأول على تقدير ثبوته وجوب نفسي استقلالي والثاني وجوب نفسي ضمني (وإن شئت قلت) وجوب غيري مقدمي لما عرفت

٢١٢

في مقدمة الواجب من صحة اتصاف الجزء بوجوبين الغيري المقدمي والنفسيّ الضمني جميعا (وقد صرح الشيخ) في ذيل تقريب البراءة العقلية والنقليّة بالبراءة عن وجوب الأكثر وبالبراءة عن وجوب الجزء المشكوك (واما البراءة عن الحكم الوضعي) أي جزئية الجزء المشكوك فيظهر من الشيخ المنع عنها وإن كان كلامه أعلى الله مقامه في خصوص البراءة النقليّة (قال) بعد الفراغ عن كلام ذلك البعض المعاصر الّذي عدل عن البراءة عن الحكم التكليفي إلى الوضعي (ما لفظه) اما ما ادعاه من عموم تلك الاخبار يعني بها اخبار البراءة لنفي غير الحكم الإلزاميّ التكليفي فلو لا عدوله عنه في باب البراءة والاحتياط من الأدلة العقلية لذكرنا بعض ما فيه من منع العموم أولا ومنع كون الجزئية أمرا مجعولا شرعيا غير الحكم التكليفي وهو إيجاب المركب المشتمل على ذلك الجزء ثانيا (انتهى) ومرجعه إلى إيرادين فقط.

(أحدهما) منع عموم أخبار البراءة للحكم الوضعي.

(وثانيهما) منع كون الجزئية أمرا مجعولا شرعيا قابلا للرفع غير الحكم التكليفي المتعلق بالكل.

(أقول)

(اما منع عموم) أخبار البراءة للحكم الوضعي (ففيه ما عرفت) في ذيل حديث الرفع من عموم الموصول فيما لا يعلمون وشموله لكل من التكليفي والوضعي جميعا من غير أن يكون مربوطا بالنزاع المعروف من أن المرفوع بحديث الرفع هل هو جميع الآثار أو الأثر الظاهر أو خصوص المؤاخذة فإن النزاع المذكور انما هو في خصوص الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما اضطروا إليه وما لا يطيقون بل والفعل الغير المعلوم لا في غيره.

(وبالجملة) بناء على إرادة العموم من الموصول فيما لا يعلمون وشموله لكل من الحكم والفعل المجهول جميعا لا وجه لاختصاص الحكم فيه بالتكليفي فقط دون الوضعي (واما منع كون الجزئية) أمرا مجعولا قابلا للرفع فسيأتي الجواب

٢١٣

عنه عند تعرض المصنف له بقوله لا يقال إن جزئية السورة المجهولة مثلا ليست بمجعولة ... إلخ (هذا كله) حال البراءة عن الأمور الثلاثة أي وجوب الأكثر ووجوب الجزء المشكوك وجزئية الأمر المشكوك (وأما استصحاب) عدم هذه الأمور الثلاثة فالظاهر انه لا إشكال فيه أيضا بناء على ما تقدم منا بعد الفراغ عن أدلة البراءة من جواز التمسك باستصحاب عدم الحكم الشرعي في الشبهات الحكمية بل وهو حاكم أو وارد على البراءة وهي محكومة له دائما وإن كان أصل البراءة أصلا مستقلا في حد ذاته مع قطع النّظر عن الاستصحاب وملاحظة الحالة السابقة بحيث لو لم يكن لنا استصحاب أو كان ولم يجر كما فيما إذا تبادل الحالتان بأن علم مثلا انه كان واجبا في زمان وكان مباحا في زمان ولم يعلم السابق من اللاحق لجري أصل البراءة بلا مانع عنه (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى استصحاب عدم هذه الأمور الثلاثة ولكن ضعّفه بما لا يخلو عن ضعف (وان شئت) الوقوف على عين كلامه والاطلاع على نقضه وإبرامه فراجع أواخر المسألة الأولى من الأقل والأكثر

في الوجوه التي قد يتمسك بها لوجوب

الاحتياط عقلا غير ما تقدم وتضعيفها

(الأمر الثالث) أنه تقدم من أول البحث إلى هنا وجهان للاحتياط عقلا.

(أحدهما) ما تمسك به المصنف في صدر البحث من عدم انحلال العلم الإجمالي بالتكليف المردد بين الأقل والأكثر وقد عرفت ما فيه.

(ثانيهما) ما تمسك به المصنف أيضا من أن الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز إلّا بالأكثر وقد عرفت ما فيه أيضا (وهاهنا وجوه أخر) غير الوجهين قد يتمسك بها للاحتياط عقلا.

٢١٤

(منها) أن عنوان الصلاة هو عنوان بسيط والأجزاء والشرائط مما تحققه ويحصّله فإذا وقع الشك في جزء أو شرط فالشك واقع في المحقق والمحصل وفي مثله لا محيص عن الاشتغال (وقد تقدم هذا الوجه) في الصحيح والأعم عند تصوير القدر الجامع الصحيحي من صاحب التقريرات (وتقدم جواب المصنف عنه) وكان محصله أن العنوان البسيط متحد خارجا مع الأجزاء والشرائط المختلفة كما وكيفا بحسب الحالات وفي مثله تجري البراءة بالتقريب الّذي ذكرنا هناك وليس أمرا مباينا معهما خارجا كي يكون الشك شكا في المحقق والمحصل ولم يبق معه محيص عن الاشتغال كما في الطهارة بالنسبة إلى الوضوء أي الغسلات والمسحات المحصلة لها (مضافا) إلى ما تقدم منا وسيأتي شرحه قريبا من عدم وجوب الاحتياط حتى في الشك في المحصل بل تجري البراءة فيه كما تجري في الأقل والأكثر عينا.

(ومنها) ان الأمر متعلق بماهية الصلاة والماهية على الصحيح هي تمام الاجزاء والشرائط فإذا شك في جزء أو شرط فقد شك في حصول الماهية بدونه فلا تحصل البراءة اليقينية عنها إلّا بإتيان المشكوك (ومن هنا جعل المحقق القمي) ثمرة الصحيح والأعم جواز الرجوع إلى البراءة وعدمه عند الشك في جزء أو شرط فإن قلنا بالصحيح فلا محيص عن الاشتغال للشك في صدق الماهية بدون الإتيان بالمشكوك وإن قلنا بالأعم فلا مانع عن البراءة إن لم يكن المشكوك مما له دخل في المسمى والماهية وقد نقلنا عبارته هناك وأشرنا إلى جوابه مختصرا (وتفصيل الجواب) أن أصل الاشتغال أصل مسببي والبراءة عن الجزء أو الشرط المشكوك أصل سببي إذ الشك في الاشتغال ناش عن الشك في الجزء أو الشرط فإذا أجرينا البراءة العقلية والنقليّة عن المشكوك بالتقريب المتقدم لك شرحه وارتفع بها وجوبه ولو في الظاهر وتعين الواجب في الأقل فلا يكاد يبقى شك في اشتغال الذّمّة بعد الإتيان بالأقل أصلا فالبراءة واردة على الاشتغال رافعة لموضوعه وهو الشك رفعا ظاهريا لا واقعيا (ومن تمام ما ذكر) يظهر لك حال ما إذا تمسك للاحتياط في المقام باستصحاب

٢١٥

الاشتغال فإنه مضافا إلى أنه مما لا يثبت وجوب الجزء أو الشرط المشكوك منفي موضوعه وهو الشك بوسيلة البراءة الجارية عن المشكوك عقليها ونقليها فإن البراءة سببي واستصحاب الاشتغال مسببي (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى تقدم البراءة على كل من الاشتغال واستصحاب الاشتغال جميعا وانها حاكمة عليهما بلا كلام (اما على الاشتغال) فقد تقدم عبارته في الأمر الأول وكان ملخصه حكومة أدلة البراءة النقليّة على أصل الاشتغال (واما على استصحاب الاشتغال) (فقال) في ذيل النقض والإبرام حول كلام ذلك البعض المعاصر الّذي توهم حكومة أصالة الاشتغال على اخبار البراءة (ما لفظه) ومما ذكر يظهر حكومة هذه الاخبار على استصحاب الاشتغال على تقدير القول بالأصل المثبت أيضا كما أشرنا إليه سابقا لأنه إذا أخبر الشارع بعدم المؤاخذة على ترك الأكثر الّذي حجب العلم بوجوبه كان المستصحب وهو الاشتغال المعلوم سابقا غير متيقن إلّا بالنسبة إلى الأقل وقد ارتفع بإتيانه واحتمال بقاء الاشتغال حينئذ من جهة الأكثر يلغي بحكم هذه الاخبار وفي بعض النسخ منفي بحكم هذه الاخبار (انتهى).

(أقول)

ولو عبر عن الحكومة في الموضعين بالورود كان أولى فإن الحكومة كما سيأتي التصريح منه هي تحتاج إلى نظر الحاكم إلى المحكوم ولا نظر لأخبار البراءة إلى استصحاب الاشتغال أو إلى أصل الاشتغال وإنما هي واردة عليهما رافعة لموضوعهما وهو الشك ولو تعبدا أي رفعا ظاهريا لا واقعيا.

(نعم) إن أخبار البراءة كما أشرنا هي حاكمة على أدلة مثل الصلاة إذا فرض ترددها بين الأقل والأكثر رافعة لإجمالها معينة لها في الأقل غير أن الأمر في الحكومة والورود سهل جدا.

(ومنها) أن الواجب الارتباطي كما تقدم في صدر البحث هو عبارة عما كان امتثال بعضه مرتبطا بامتثال بعضه الآخر بحيث إذا أتى بالجميع إلا جزءاً واحدا لم

٢١٦

يمتثل أصلا (وعليه) فإذا شك في وجوب جزء أو شرط فالبراءة هب أنها جارية عن وجوبه ولكن الاجزاء والشرائط المعلومة مما لا تحصل البراءة اليقينية منها إلّا بإتيان المشكوك فالإتيان بالمشكوك ليس لأجل عدم جريان البراءة عن وجوبه بل لأجل حصول اليقين بفراغ الذّمّة عن الاجزاء والشرائط المعلومة التي يحتمل ارتباط امتثالها بامتثال المشكوك (وفيه).

(أولا) ما أشير آنفا في ذيل تقريب البراءة النقليّة من ان البراءة سواء كانت شرعية أو عقلية إذا جرت عن الجزء أو الشرط المشكوك ارتفع بها الإجمال والتردد ولو بحسب الظاهر وعيّنت الواجب في الأقل فإذا تعين الواجب في الأقل لم يبق حينئذ شك في ارتباط امتثاله بامتثال الأمر المشكوك.

(وثانيا) لو سلم أن البراءة مما لا يرتفع بها الإجمال والتردد ولا يتعين بها الواجب في الأقل فمجرد الترخيص في ترك المشكوك عقلا ونقلا وحصول الأمن من العقاب بسببه مما يكفي في عدم لزوم تحصيل اليقين بفراغ الذّمّة عن الاجزاء والشرائط المعلومة من ناحية هذا الأمر المشكوك بل يقتصر على الإتيان بالاجزاء والشرائط المعلومة فإن كانت هي الواجب واقعا فهو وإلّا فلا حجة للمولى في فوت الواجب بمقتضى البراءة الشرعية والعقلية الجاريتين عن المشكوك كما تقدم في فوت الغرض الداعي إلى الأمر عينا.

(قوله لا يقال إن جزئية السورة المجهولة مثلا ليست بمجعولة وليس لها أثر مجعول ... إلخ)

قد عرفت في الأمر الثاني مما نبهنا عليه أن الشيخ أعلى الله مقامه منع عن جريان البراءة النقليّة عن الحكم الوضعي أي عن جزئية الأمر المشكوك أو شرطيته وانه استند في المنع إلى أمرين.

(أحدهما) منع عموم أخبار البراءة للحكم الوضعي وقد عرفت ما فيه.

(ثانيهما) منع كون الجزئية أمرا مجعولا شرعيا غير الحكم التكليفي المتعلق

٢١٧

بالمركب وهذا هو الّذي أشار إليه المصنف بقوله لا يقال ... إلخ غير أنه غيّره في الجملة (ومحصله) أن الجزئية ليست هي أمرا مجعولا شرعا ولا موضوعا له أثر مجعول والمرفوع بحديث الرفع وشبهه لا بد وأن يكون أمرا مجعولا شرعا أو موضوعا ذا أثر مجعول (وبعبارة أخرى) لا بد وأن يكون المرفوع حكما شرعيا أو موضوعا ذا حكم شرعي (وحاصل الجواب) أن الجزئية وإن لم تكن هي بنفسها أمرا مجعولا استقلالا إلا أنها مجعولة تبعا لجعل منشأ انتزاعها وهو التكليف المتعلق بالكل (وإن شئت قلت) ان الجزئية هي حكم شرعي وضعي منتزع عن التكليف المتعلق بالمركب كما سيأتي تحقيقها في الاستصحاب إن شاء الله تعالى وهذا المقدار من الجعل الشرعي مما يكفي في صحة رفعها جدا.

(قوله ووجوب الإعادة انما هو أثر بقاء الأمر الأول بعد العلم مع انه عقلي ... إلخ)

دفع لما قد يتوهم من أن الجزئية لها أثر مجعول وهو وجوب الإعادة فكيف يقال إنها ليس مجعولة وليست لها أثر مجعول (وحاصل الدفع) أن وجوب الإعادة فيما إذا لم يؤت بالجزء إنما هو من آثار بقاء الأمر الأول المتعلق بالكل ومن خواص عدم امتثاله وعدم إتيانه لا من آثار جزئية الجزء (مضافا) إلى أن وجوب الإعادة هو أثر عقلي من باب وجوب إطاعة الأمر الأول الباقي على حاله لا شرعي والأثر الشرعي هو عبارة عن خصوص الأمر الأول المتعلق بالكل وهذا واضح.

(قوله لا يقال انما يكون ارتفاع الأمر الانتزاعي برفع منشأ انتزاعه وهو الأمر الأول ولا دليل آخر على أمر آخر بالخالي عنه ... إلخ)

(المقصود من هذا الإشكال) أن الجزئية وان كانت هي مجعولة ولكنها تبعا لجعل منشأ انتزاعها كما تقدم آنفا ورفع المجعول تبعا لا يكون إلا برفع منشأ انتزاعه وهو في المقام عبارة عن الأمر الأول المتعلق بالأكثر فإذا ارتفع الأمر بالأكثر فلا دليل على تعلق أمر آخر بالخالي عن الجزء المشكوك أي بالأقل (والمقصود من الجواب)

٢١٨

مع غموضه جدا أن حديث الرفع حاكم على أدلة الاجزاء ناظر إليها موجب لحصر جزئيتها بحال العلم فقط دون الجهل (وإن شئت قلت) حاكم على الأمر الأول أي المتعلق بالأكثر رافع لوجوب ما اشتمل عليه من الجزء المشكوك في حال الجهل وحينئذ فأدلة الاجزاء أو دليل الأمر الأول بانضمام حديث الرفع الحاكم عليها تكون دليلا على وجوب الخالي عن الجزء المشكوك في هذا الحال فلا يكون الخالي شيئا بلا أمر كما لا يخفى (ونحن قد استوضحنا) الجواب بهذه الكيفية من كلام له في تعليقته على الرسائل في الجزء المنسي لدى التعليق على قول الشيخ قلت بعد تسليم إرادة رفع جميع الآثار ان جزئية السورة ليست من الأحكام المجعولة لها شرعا ... إلخ فراجع عين كلامه زيد في علو مقامه.

(أقول)

لم يكن المصنف محتاجا في إثبات تعلق أمر بالخالي عن الجزء المشكوك إلى دعوى حكومة حديث الرفع على دليل الجزء أو على دليل الأمر الأول المتعلق بالأكثر بل كان يكفيه حكومة حديث الرفع على دليل الصلاة على إجمالها وترددها بين الأقل والأكثر فإنه رافع لإجمالها معينة لها في الأقل كما تقدم منه الاعتراف بذلك عند قوله فبمثله يرتفع الإجمال والتردد عما تردد أمره بين الأقل والأكثر ويعيّنه في الأول إلى آخره فإذا ارتفع الإجمال والتردد وتعين الصلاة في الأقل كان الأمر الّذي تكفله دليل الصلاة متعلقا قهرا بالأقل لا بالأكثر.

(قوله إليها نسبة الاستثناء ... إلخ)

أي إلى الأدلة الدالة على بيان الاجزاء نسبة الاستثناء ولو قال نسبة الاستثناء إليها كان أولى (وعلى كل حال) المعنى هكذا إلا أن نسبة حديث الرفع إلى الأدلة الدالة على بيان الاجزاء نسبة الاستثناء.

٢١٩

في الشك في القيد

(قوله وينبغي التنبيه على أمور الأول انه ظهر مما مر حال دوران الأمر بين المشروط بشيء ومطلقه وبين الخاصّ كالإنسان وعامه كالحيوان إلى آخره)

قد أشرنا في صدر البحث ان الشيخ أعلى الله مقامه قد جعل الشك في الأقل والأكثر على قسمين الشك في الجزء والشك في القيد (قال) في صدر المسألة (ما لفظه) الثاني فيما إذا دار الأمر في الواجب بين الأقل والأكثر ومرجعه إلى الشك في جزئية شيء للمأمور به وعدمها وهو على قسمين لأن الجزء المشكوك إما جزء خارجي أو جزء ذهني وهو القيد وهو على قسمين لأن القيد إما منتزع من أمر خارجي مغاير للمأمور به في الوجود الخارجي فمرجع اعتبار ذلك القيد إلى إيجاب ذلك الأمر الخارجي كالوضوء الّذي يصير منشأ للطهارة المقيدة بها الصلاة وإما خصوصية متحدة في الوجود مع المأمور به كما إذا دار الأمر بين وجوب مطلق الرقبة أو رقبة خاصة (انتهى).

(أقول)

وفي كلامه أعلى الله مقامه إلى هنا موضعان للنظر.

(أحدهما) قوله أو جزء ذهني وهو القيد ... إلخ فإن الجزء الذهني هو التقيد لا القيد فإن القيد امر خارجي كالجزء الخارجي بعينه (ومن هنا يظهر) ما في قوله لأن القيد إما منتزع من أمر خارجي ... إلخ فإن المنتزع من أمر خارجي هو التقيد لا القيد.

(ثانيهما) قوله وإما خصوصية متحدة في الوجود مع المأمور به ... إلخ فإن الخصوصية كالإيمان في الرقبة كما صرح به في بعض كلماته هاهنا ليست هي متحدة

٢٢٠