عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٣١

بين التفصيليّ والإجمالي وإن فرض أن التفاوت في طرف المعلوم بالإجمال حقاً أيضاً فقد يكون فعلياً من جميع الجهات وقد لا يكون.

في بطلان التفصيل بين المخالفة القطعية

والموافقة القطعية

(قوله وقد انقدح انه لا وجه لاحتمال عدم وجوب الموافقة القطعية مع حرمة مخالفتها ضرورة ان التكليف المعلوم إجمالا لو كان فعلياً لوجب موافقته قطعاً وإلّا لم يحرم مخالفته كذلك أيضاً ... إلخ)

أي وقد انقدح مما تقدم من ان الملاك في وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي هو كون التكليف المعلوم بالإجمال فعلياً من جميع الجهات بان كان واحداً لما هو العلة التامة للبعث والزجر أي الإرادة والكراهة (انه لا وجه) للتفصيل بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية بأن تحرم الأولى ولا تجب الثانية فإن المعلوم بالإجمال ان كان فعلياً من جميع الجهات وكان على طبقة البعث والزجر أي الإرادة والكراهة وجبت الموافقة القطعية قطعاً وإلّا لم تحرم المخالفة القطعية كذلك (هذا) وقد رد المصنف على التفصيل بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية في بحث القطع بنحو آخر (وحاصله) ان العلم الإجمالي لو كان علة تامة بالنسبة إلى المخالفة القطعية كما زعم المفصل فلا يمكن الترخيص في تمام أطرافه للزوم المناقضة مع الواقع المعلوم بالإجمال فكذلك لا يمكن الترخيص في بعض أطرافه لما فيه من احتمال المناقضة وهو محال كالقطع بالمتناقضين (وعليه) فكما تحرم المخالفة القطعية فكذلك تجب الموافقة القطعية.

(وبالجملة) إن العلم الإجمالي (إن قلنا) انه منجز بنحو العلية التامة وقد

١٦١

أنكره المصنف هناك فلا وجه للتفصيل بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية فكما لا يمكن الترخيص في جميع الأطراف لما فيه من القطع بالمناقضة فكذلك لا يمكن الترخيص في بعض الأطراف لما فيه من احتمال المناقضة (وإن قلنا) انه على قسمين كما هو ظاهره في المقام فقد يكون علة تامة للتنجيز وقد لا يكون كذلك فلا وجه أيضاً للتفصيل إذ التكليف إن كان فعلياً من جميع الجهات فتحرم المخالفة القطعية وتجب الموافقة القطعية وإلا لم تحرم المخالفة القطعية ولم تجب الموافقة القطعية.

(أقول)

هذا كله شرح بطلان التفصيل بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية بناء على كون الوجه في وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي هو عليته التامة للتنجيز أي فعلية التكليف المعلوم بالإجمال من جميع الجهات (واما على الوجهين) الأخيرين من معارضة الأصول في أطراف العلم الإجمالي أو كون التمسك بدليل الأصل في كل من الأطراف تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية فبطلانه ليس إلّا لأجل عدم جريان الأصل في بعض الأطراف كي يحصل به المؤمن من العقاب ولم تجب الموافقة القطعية فتدبر جيداً.

في بطلان ما استند إليه القائلون بعدم

وجوب الموافقة القطعية

(ثم إنك) قد عرفت فيما تقدم في ذيل التعليق على قوله لا يخفى ان التكليف المعلوم بينهما .... إلخ انه لا خلاف في حرمة المخالفة القطعية الا ممن عرفت خلافه (كما انك قد عرفت أيضاً) ان المشهور وجوب الموافقة القطعية وان الشيخ ذكر في الشبهة التحريمية الموضوعية انه ذهب جماعة إلى عدم وجوبها وانه حكى عن

١٦٢

بعض القرعة وذكر في كل من المسألة الأولى والثانية من الشبهة الوجوبية مخالفة المحقق القمي وظهور بعض كلمات المحقق الخوانساري في موافقته معه بل وذكر في المسألة الرابعة مخالفة المحقق القمي في جميع صور الشك في المكلف به فمنع وجوب الزائد على واحدة من المحتملات استناداً إلى قبح التكليف بالمجمل وتأخير البيان عن وقت الحاجة (وكيف كان) قد استدل من لم يقل بوجوب الموافقة القطعية في التحريمية الموضوعية وجوز ارتكاب ما عدى مقدار الحرام المعلوم بالإجمال بوجهين (قال الشيخ) :

(الأول) الاخبار الدالة على حل ما لم يعلم حرمته التي تقدم بعضها وإنما منع من ارتكاب مقدار الحرام إما لاستلزامه للعلم بارتكاب الحرام وهو حرام واما لما ذكره بعضهم من ان ارتكاب مجموع المشتبهين حرام لاشتماله على الحرام (انتهى) (وفيه) ان أخبار الحل إن أخذنا بظاهرها من اعتبار العلم التفصيليّ في الغاية فيجوز ارتكاب تمام الأطراف حتى مقدار الحرام منها لعدم العلم التفصيليّ به الّذي هو غاية الحل وان رفعنا اليد عن ظهورها كما تقدم هنا وفي روايات البراءة وذلك لإعراض الجل بل الكل عنه فيكون حالها كحال بقية اخبار البراءة فلا تجري في شيء من الأطراف أصلا لا كلا ولا بعضاً (ثم إن) الشيخ قد ساق كلامه في الجواب عن هذا الوجه الأول إلى ان قال.

(الثاني) ما دل بنفسه على جواز تناول الشبهة المحصورة فيجمع بينه على تقدير ظهوره في جواز تناول الجميع وبين ما دل على تحريم العنوان الواقعي بأن الشارع جعل بعض المحتملات بدلا عن الحرام الواقعي فيكفي تركه في الامتثال الظاهري كما لو اكتفى بفعل الصلاة إلى بعض الجهات المشتبهة ورخص في ترك الصلاة إلى بعضها وهذه الاخبار كثيرة منها موثقة سماعة قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أصاب مالا من عمال بني أمية وهو يتصدق منه ويصل قرابته ويحج ليغفر له ما اكتسب ويقول إن الحسنات يذهبن السيئات فقال عليه‌السلام إن

١٦٣

الخطيئة لا تكفر الخطيئة وإن الحسنة تحط الخطيئة ثم قال إن كان خلط الحرام حلالا فاختلطا جميعاً فلم يعرف الحرام من الحلال فلا بأس (انتهى).

(أقول)

ووجدت الحديث الشريف في الوسائل في المكاسب المحرمة في باب عدم جواز الإنفاق من الكسب الحرام غير انه قال فيه عن عمل بني أمية (وكيف كان) لم يذكر الشيخ من المستدل في هذا الوجه الثاني غير الحديث المذكور شيئاً من الاخبار الكثيرة سوى ما أفاده (بقوله) ومنها ما دل على جواز أخذ ما علم فيه الحرام إجمالا كأخبار جواز الأخذ من العامل والسارق والسلطان (قال) وسيجيء حمل جعلها أو كلها على كون الحكم بالحل مستنداً إلى كون الشيء مأخوذاً من يد المسلم ومتفرعاً على تصرفه المحمول على الصحة عند الشك (انتهى).

(أقول)

ويرد على هذا الوجه الثاني ان هذه الاخبار إن أخذنا بها فلا بدّ من الاقتصار على موردها وعدم التعدي عنها فما دل على جواز ما اختلط حلاله بحرامه أو جواز الأخذ من العامل لبني أمية ونحوهم أو السارق أو السلطان مع العلم الإجمالي بأن في ماله حرام مغصوب مما لا يدل على جواز الشرب من أحد الإناءين الذين علم إجمالا أن أحدهما خمر أو الأكل من أحد اللحمين الذين علم إجمالا أن أحدهما خنزير أو التوضي بأحد الماءين الذين علم إجمالا أن أحدهما نجس وهكذا وهكذا (وأما ما احتمله الشيخ) أعلى الله مقامه من كون الحل في أخبار جواز الأخذ من العامل والسارق والسلطان مستنداً إلى يد المسلم أو أصالة الصحة في تصرفه (ففي غاية الإشكال) فانه بعد العلم الإجمالي بمغصوبية بعض ما في يد العامل أو السارق أو السلطان كيف يمكن التمسك بقاعدة اليد لملكية ما أخذ منه إلّا إذا لم يكن جميع ما في يده محل ابتلاء الآخذ وهكذا بعد العلم الإجمالي بفساد بعض تصرفاته كيف يحمل تصرفه فيما أعطاه للآخذ على الصحة إلّا إذا لم يكن جميع تصرفاته محلا للابتلاء (وعلى كل حال) هذا تمام

١٦٤

الكلام في حكم ما عدا مقدار الحرام من أطراف العلم الإجمالي في الشبهة التحريمية الموضوعية.

(واما ما ادعاه المحقق القمي) وهكذا المحقق الخوانساري في ظاهر بعض كلماته من عدم وجوب الموافقة القطعية (فتفصيله) انه (قال الشيخ) في المسألة الأولى من مسائل الشبهات الوجوبية بعد الفراغ عن إثبات حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية (ما لفظه) واعلم أن المحقق القمي بعد ما حكى عن المحقق الخوانساري الميل إلى وجوب الاحتياط في مثل الظهر والجمعة والقصر والإتمام قال إن دقيق النّظر يقتضي خلافه فإن التكليف بالمجمل المحتمل لأفراد متعددة بإرادة فرد معين عند الشارع مجهول عند المخاطب مستلزم لتأخير البيان عن وقت الحاجة الّذي اتفق أهل العدل على استحالته وكل ما يدعي كونه من هذا القبيل فيمكن منعه إذ غاية ما يسلم في القصر والإتمام والظهر والجمعة وأمثالها ان الإجماع وقع على أن من ترك الأمرين بان لا يفعل شيئاً منهما يستحق العقاب لا أن من ترك أحدهما المعين عند الشارع المبهم عندنا بأن ترك فعلهما مجتمعين يستحق العقاب (إلى ان قال) نعم لو فرض حصول الإجماع أو ورود النص على وجوب شيء معين عند الله تعالى مردد عندنا بين أمور من دون اشتراطه بالعلم به المستلزم ذلك الفرض لإسقاط قصد التعيين في الطاعة لتم ذلك (انتهى) موضع الحاجة من كلامه (ثم ذكر الشيخ) أعلى الله مقامه من المحقق الخوانساري بعض كلمات يظهر منها الموافقة مع المحقق القمي.

(أقول)

والكلام المذكور للمحقق القمي مما يجري في جميع مسائل الشبهات الوجوبية من الاشتغال سواء كانت موضوعية أو حكمية كان منشأ الشك في الحكمية فقد النص أو إجمال النص أو غير ذلك وقد أشير غير مرة انه ذكر الشيخ في المسألة الرابعة من الوجوبية مخالفة المحقق القمي في جميع صور الشك في المكلف به فمنع وجوب

١٦٥

الزائد على واحدة من المحتملات استناداً إلى قبح التكليف بالمجمل وتأخير البيان عن وقت الحاجة (وعلى كل حال) يرد عليه أن التكليف بالمجمل الّذي يمكن دعوى اتفاق أهل العدل على استحالته هو التكليف بالمجمل رأساً لا بالمجمل المردد بين أمرين أو أمور معدودة بحيث يسع المكلف الإتيان بهما أو بها بلا عسر ولا كلفة (مضافاً) إلى أن التكليف بالمجمل المحتمل لأفراد متعددة بإرادة فرد معين عند الشارع المجهول عند المخاطب لو كان مستحيلا عقلا كما ادعى هو فكيف يمكن حصول الإجمال أو ورود النص على وجوب شيء معين عند الله تعالى مردد عندنا بين أمور من دون اشتراطه بالعلم به وهل يعقل الإجمال أو ورود النص على الأمر المحال كلا وهذا لعمري واضح ظاهر لا يحتاج إلى إطالة الكلام ومزيد النقض والإبرام

هل يجب الاحتياط في الأطراف التدريجية

(قوله ومنه ظهر انه لو لم يعلم فعلية التكليف مع العلم به إجمالا اما من جهة عدم الابتلاء ببعض أطرافه أو من جهة الاضطرار إلى بعضها معيناً أو مردداً أو من جهة تعلقه بموضوع يقطع بتحققه إجمالا في هذا الشهر كأيام حيض المستحاضة مثلا ... إلخ)

أي ومما تقدم من أن الملاك في وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي أن يكون التكليف المعلوم بالإجمال فعلياً من جميع الجهات بأن كان واجداً لما هو العلة التامة للبعث والزجر أي الإرادة والكراهة (ظهر) انه لو لم يعلم فعلية التكليف المعلوم بالإجمال من جميع الجهات (اما من جهة) عدم الابتلاء ببعض أطراف العلم الإجمالي كما سيأتي شرحه في التنبيه الثاني (أو من جهة) الاضطرار إلى بعض الأطراف معيناً أو مردداً كما سيأتي شرحه في التنبيه الأول (أو من جهة) تعلق التكليف بموضوع يعلم بتحققه إجمالا في هذا الشهر ولا يعلم بتحققه فعلا كي يكون التكليف

١٦٦

فعلياً بفعليته كأيام حيض المستحاضة أي حيض المستمرة الدم الناسية للوقت وإن حفظت العدد الفاقدة للتمييز على نحو لا يمكنها الرجوع إلى الصفات لم تجب الموافقة القطعية ولم تحرم المخالفة القطعية (واما إذا علم) فعلية التكليف المعلوم بالإجمال من جميع الجهات ولو في أطراف تدريجية كان ذلك التكليف منجزاً حينئذ ووجبت موافقته القطعية فضلا عن حرمة مخالفته القطعية ولا يكاد يمنع التدرج عن فعليته وتنجزه فان التكليف كما صح تعلقه بأمر حالي ويكون منجزاً فكذلك صح تعلقه بأمر استقبالي ويكون معلقاً كما في الحج بعد الاستطاعة قبل الموسم على ما تقدم لك شرحه في مقدمة الواجب.

(ثم إن) مقصود المصنف من هذا كله هو التنبيه على ما نبه عليه الشيخ أعلى الله مقامه في الاشتغال في التنبيه السادس من تنبيهات الشبهة التحريمية الموضوعية (قال) السادس لو كان المشتبهان مما يوجد تدريجاً كما إذا كان زوجة الرّجل مضطربة في حيضها بأن تنسى وقتها وإن حفظت عددها فتعلم إجمالا انها حائض في الشهر ثلاثة أيام مثلا فهل يجب على الزوج الاجتناب عنها في تمام الشهر ويجب على الزوجة أيضاً الإمساك عن دخول المسجد وقراءة العزيمة تمام الشهر أم لا وكما إذا علم التاجر إجمالا بابتلائه في يومه أو شهره بمعاملة ربوية فهل يجب عليه الإمساك عما لا يعرف حكمه من المعاملات في يومه أو شهره أم لا التحقيق أن يقال انه لا فرق بين الموجودات فعلا والموجودات تدريجاً في وجوب الاجتناب عن الحرام المردد بينها إذا كان الابتلاء دفعة وعدمه لاتحاد المناط في وجوب الاجتناب نعم قد يمنع الابتلاء دفعة في التدريجيات كما في مثال الحيض فإن تنجز تكليف الزوج بترك وطي الحائض قبل زمان حيضها ممنوع فإن قول الشارع فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ظاهر في وجوب الكف عند الابتلاء بالحائض إذ الترك قبل الابتلاء حاصل بنفس عدم الابتلاء فلا يطلب بهذا الخطاب كما انه مختص بذوي الأزواج ولا يشمل العزاب الا على وجه التعليق فكذلك من لم يبتل بالمرأة

١٦٧

الحائض ويشكل الفرق بين هذا وبين ما إذا نذر أو حلف على ترك الوطء في ليلة خاصة ثم اشتبهت بين ليلتين أو أزيد ولكن الأظهر هنا وجوب الاحتياط وكذا في المثال الثاني من المثالين المتقدمين (انتهى) وملخصه بعد التدبر التام فيه ان الملاك في وجوب الاحتياط في الأطراف التدريجية ان يكون التكليف المعلوم بالإجمال فعلياً في الحال وأن مثال النذر أو الحلف من هذا القبيل وهكذا مثال المعاملة الربوية بخلاف مثال الحيض فإن فعلية التكليف فيه بترك وطي الحائض قبل زمان حيضها ممنوع (وفيه) ان التكليف في مثال الحيض أيضاً فعلي في الحال فإن موضوع الأمر بالاعتزال في قوله تعالى فاعتزلوا النساء في المحيض هو النساء وهنّ محققات فعليات في الحال والأمر باعتزالهن في أيام حيضهن ليس إلّا من قبيل الأمر بالحج في الموسم بنحو الواجب المعلق فكما ان التكليف فيه فعلي بعد الاستطاعة قبل الموسم فكذلك الأمر بالاعتزال في المقام بعد التزويج بالنساء قبل أيام حيضهن (هذا مضافاً) إلى ان التحقيق ان الملاك في وجوب الاحتياط في الأطراف التدريجية هو ان يكون التكليف المعلوم بالإجمال فيها إما فعلياً في الحال أو مشروطاً بشرط يعلم إجمالا بتحققه بعداً فإن العلم بالتكليف الحالي كما انه مما يوجب التنجيز ويجب رعايته عقلا فكذلك العلم بالتكليف المشروط الّذي يعلم بتحقق شرطه بعداً فهو أيضاً مما يوجب التنجيز ويجب رعايته عقلا (ومن هنا) قلنا بوجوب بعض المقدمات الوجودية من قبل وجوب ذيها إذا علم بعدم تيسره بعداً وانه يفوت الواجب بسبب عدم حصوله (وعليه) فلو سلم ان التكليف في مثال الحيض مشروط بالحيض وان تحققه في الحال ليس بمعلوم فهو مع ذلك مما يجب رعايته نظراً إلى كونه من المشروط الّذي يعلم بتحقق شرطه بعداً فتأمل جيداً.

(قوله فافهم ... إلخ) ولعله إشارة إلى قوله أو من جهة تعلقه بموضوع يقطع بتحققه إجمالا في هذا الشهر كأيام حيض المستحاضة ... إلخ فإن مثال الحيض إنما يكون من هذا القبيل إذا

١٦٨

كان موضوع التكليف فيه هو الحائض فهو حينئذ مما يقطع بتحققه إجمالا في هذا الشهر ولا يعلم بتحققه فعلا وأما إذا كان موضوع التكليف هو النساء كما يظهر من قوله تعالى فاعتزلوا النساء في المحيض فالمثال من قبيل الواجب المعلق كالحج بعد الاستطاعة قبل الموسم فيكون التكليف فيه حالياً والواجب استقبالياً.

في الاضطرار إلى بعض الأطراف معيناً

أو مردداً

(قوله تنبيهات الأول أن الاضطرار كما يكون مانعاً عن العلم بفعلية التكليف لو كان إلى واحد معين كذلك يكون مانعاً لو كان إلى غير معين ... إلخ)

إشارة إلى ما في التنبيه الخامس من التنبيهات التي عقدها الشيخ أعلى الله مقامه للشبهة التحريمية الموضوعية من الاشتغال (وتوضيح المقام) انه لا خلاف على الظاهر فيما إذا اضطر إلى بعض أطراف العلم الإجمالي بعضها المعين من قبل حصول العلم الإجمالي وانه مانع عن تأثير العلم الإجمالي في التنجيز فلا يجب الاحتياط حينئذ لعدم العلم بالتكليف لاحتمال كون المحرم هو الطرف المضطر إليه (قال الشيخ) أعلى الله مقامه الخامس لو اضطر إلى ارتكاب بعض المحتملات فإن كان بعضاً معيناً فالظاهر عدم وجوب الاجتناب عن الباقي إن كان الاضطرار قبل العلم أو معه لرجوعه إلى عدم تنجز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي لاحتمال كون المحرم هو المضطر إليه (انتهى) (ولكن الخلاف) فيما إذا اضطر إلى بعض الأطراف بعضها الغير المعين من قبل العلم الإجمالي فالشيخ أعلى الله مقامه يقول بوجوب الاجتناب عن الباقي دون المصنف (وقد أفاد الشيخ) في وجه ذلك (ما هذا لفظه) ولو كان المضطر إليه بعضاً غير معين وجب الاجتناب عن الباقي وان كان الاضطرار قبل

١٦٩

العلم الإجمالي لأن العلم حاصل بحرمة واحد من أمور لو علم حرمته تفصيلا وجب الاجتناب عنه وترخيص بعضها على البدل موجب لاكتفاء الأمر بالاجتناب عن الباقي (انتهى) موضع الحاجة من كلامه (وقد أفاد المصنف) في وجه عدم وجوب الاجتناب عن الباقي (ما هذا لفظه) ضرورة انه مطلقاً يعني سواء كان الاضطرار إلى واحد معين أو غير معين موجب لجواز ارتكاب أحد الأطراف أو تركه تعييناً أو تخييراً وهو ينافي العلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بينها فعلا (انتهى).

(أقول)

والحق في هذا التفصيل مع المصنف فلا فرق في الاضطرار من قبل العلم الإجمالي بين ان كان إلى واحد معين أو إلى غير معين ففي كلتا الصورتين لا يؤثر العلم الإجمالي في التنجيز أصلا.

(اما في الاضطرار إلى واحد معين) فواضح وقد عرفت انه مما لا خلاف فيه

(واما في الاضطرار إلى الغير المعين) فلأن مع الاضطرار كذلك لا يكاد يحصل العلم بحرمة واحد من الأطراف كي يجب الاجتناب عن الباقي إذ من المحتمل ان يكون المحرم الواقعي هو الّذي يختاره المضطر لرفع اضطراره وهو معذور فلا يكون ما سواه حراماً وإليه أشار المصنف بقوله المتقدم وهو ينافي العلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بينها فعلا ... إلخ.

(قوله موجب لجواز ارتكاب أحد الأطراف أو تركه تعييناً أو تخييراً إلى آخره)

(اما الترديد) بين ارتكاب أحد الأطراف أو تركه فناظر إلى الفرق بين الشبهة التحريمية والوجوبية فالاضطرار إلى أحد الأطراف في التحريمية موجب لجواز ارتكابه والاضطرار إلى ترك أحد الأطراف في الوجوبية موجب لجواز تركه (واما الترديد) بين التعيين أو التخيير فناظر إلى الفرق بين الاضطرار إلى البعض

١٧٠

المعين أو الغير المعين ففي الأول يجوز الارتكاب أو الترك تعييناً وفي الثاني تخييراً وهذا واضح.

(قوله وكذلك لا فرق بين أن يكون الاضطرار كذلك سابقاً على حدوث العلم أو لاحقاً ... إلخ)

أي وكذلك لا فرق بين ان يكون الاضطرار إلى المعين أو الغير المعين سابقاً على حدوث العلم الإجمالي أو لا حقاً (وتوضيح ذلك) ان الاضطرار من قبل العلم الإجمالي إلى البعض الغير المعين كما كان محل الخلاف بين الشيخ والمصنف فذهب الشيخ إلى الاحتياط في الباقي دون المصنف (فكذلك) الاضطرار من بعد العلم الإجمالي مطلقاً سواء كان إلى المعين أو الغير المعين هو محل الخلاف بينهما فالشيخ يقول بوجوب الاحتياط في الباقي دون المصنف (وقد أفاد الشيخ) في وجه ذلك (ما هذا لفظه) وان كان بعده يعني الاضطرار بعد العلم الإجمالي فالظاهر وجوب الاجتناب عن الآخر لأن الإذن في ترك بعض المقدمات العلمية بعد ملاحظة وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعي يرجع إلى اكتفاء الشارع في امتثال ذلك التكليف بالاجتناب عن بعض المشتبهات (انتهى) (وقد أفاد المصنف) في وجه عدم وجوب الاحتياط (ما محصله) أن التكليف المعلوم بالإجمال من أول الأمر كان محدوداً شرعاً بعدم طرو الاضطرار إلى متعلقه فإذا طرأ الاضطرار إلى بعض الأطراف كان إلى المعين أو الغير المعين لم يبق معه علم بالتكليف لاحتمال كون التكليف في الطرف الّذي قد اضطر إليه فيما كان الاضطرار إلى المعين أو في الطرف الّذي يختاره المضطر لرفع اضطراره فيما كان إلى الغير المعين ومع عدم بقاء العلم بالتكليف لا يكاد يجب الاحتياط في الباقي (وفيه) ان الاضطرار وإن كان من حدود التكليف شرعاً كالخطاء والنسيان والإكراه والحرج والضرر ونحو ذلك من العناوين الرافعة له ولو بمعنى رفع تنجزه (ولكن فقد الموضوع) أيضاً من حدود التكليف بل من حدوده بطريق أولى كما إذا أريق الخمر مثلا أو مائع آخر حرام

١٧١

غايته انه من حدوده عقلا لا شرعاً والمصنف لا يقول بترك الاحتياط في الطرف الباقي إذا فقد بعض أطراف العلم الإجمالي من بعد العلم كما سيأتي التصريح به ومجرد كون أحدهما من الحدود الشرعية والآخر من الحدود العقلية مما لا يوجب تفاوتاً فيما نحن بصدده من انتهاء التكليف بحصول الحد وحدوثه كما لا يخفى.

(وبالجملة) الحق في هذا التفصيل مع الشيخ أعلى الله مقامه ففرق ظاهر بين الاضطرار من قبل العلم الإجمالي والاضطرار من بعدم العلم الإجمالي.

(ففي الأول) لا يجب الاحتياط في الباقي.

(وفي الثاني) يجب كما هو الحال عيناً فيما إذا فقد بعض الأطراف من بعد العلم الإجمالي أو أتى ببعض الأطراف في الشبهة الوجوبية من بعد العلم الإجمالي (فإن) التكليف المعلوم بالإجمال حرمة كان أو وجوباً بعد ما تنجز بسبب العلم ووجب الخروج عن عهدته عقلا (لم يمكن) الخروج إلّا بترك جميع الأطراف أو بإتيان جميع الأطراف (فإذا اضطر) إلى بعض الأطراف المعين أو الغير المعين من بعد العلم الإجمالي (أو فقد) بعض الأطراف من بعد العلم الإجمالي (أو أتى) ببعض الأطراف في الشبهة الوجوبية من بعد العلم الإجمالي ثم رفع اليد عن الاحتياط في الباقي (لم يكن) معذوراً ان كان التكليف في الطرف الباقي بلا شبهة فيجب عليه الاحتياط بحكم العقل (هذا) وقد يتوهم التمسك للاحتياط في الشبهة الوجوبية بعد الإتيان بأحد أطراف العلم الإجمالي (باستصحاب) الاشتغال (أو استصحاب) وجوب ما وجب سابقاً (أو استصحاب) عدم الإتيان بالواجب الواقعي (وقد أشار الشيخ) إلى الجميع في آخر المسألة الأولى من مسائل الشبهة الوجوبية (ولكن فيه ما لا يخفى) فإن المقصود من الاستصحابات المذكورة (ان كان) إثبات وجوب الطرف الباقي شرعاً فهي قاصرة عن ذلك الا على القول بالأصول المثبتة (وإن كان) المقصود إثبات وجوب الطرف الباقي عقلا فهو مما لا يحتاج إلى ذلك فإن العقل باق على استقلاله بوجوب الاحتياط خروجاً عن عهدة ما تنجز عليه

١٧٢

سابقاً بلا حاجة إلى ذلك كله أصلا وسيأتي الكلام في خصوص استصحاب الاشتغال في الأقل والأكثر الارتباطيين في ذيل الوجوه التي يمكن الاستدلال بها للاحتياط بنحو أبسط فانتظر.

(قوله لا يقال الاضطرار إلى بعض الأطراف ليس إلّا كفقد بعضها إلى آخره)

هذا هو النقض الّذي أوردناه على المصنف من أن فقد الموضوع أيضاً من حدود التكليف فلما ذا يلتزم هو بالاحتياط إذا فقد بعض الأطراف من بعد العلم الإجمالي دون ما إذا اضطر إلى بعض الأطراف من بعد العلم الإجمالي مع أن كلا منهما من حدود التكليف غايته أن الاضطرار من حدوده شرعاً وفقد الموضوع من حدوده عقلا بل فقد الموضوع أولى بكونه حداً فانه مما يرفع التكليف من أصله بخلاف الاضطرار فقد يقال إنه مما يرفع تنجزه كالخطإ والنسيان ونحوهما لا من أصله (ومن هنا يظهر) ما في جوابه عن النقض من أن فقد المكلف به يعني به فقد الموضوع ليس من حدود التكليف وقيوده (فإنه وإن لم يكن) من حدوده شرعاً ولكنه من حدوده عقلا وهو مما يكفي في المقام جداً ومجرد كون أحدهما من الحدود الشرعية والآخر من الحدود العقلية مما لا يوجب تفاوتاً فيما نحن بصدده كما أشرنا آنفاً فتأمل جيداً.

في خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

(قوله الثاني انه لما كان النهي عن الشيء انما هو لأجل أن يصير داعياً للمكلف نحو تركه لو لم يكن له داعي آخر ولا يكاد يكون ذلك الا فيما يمكن عادة ابتلائه به ... إلخ)

إشارة إلى بعض ما في التنبيه الثالث من تنبيهات الشيخ أعلى الله مقامه للشبهة

١٧٣

التحريمية الموضوعية (ومحصله) انه يعتبر في تأثير العلم الإجمالي في التنجيز أن لا يكون أحد أطراف العلم الإجمالي مما لا أثر له على نحو لو كان المعلوم بالإجمال في جانبه لم يترتب عليه أثر شرعي ولم يحدث بسببه تكليف إلهي (وقد مثّل له) بما إذا علم إجمالا بوقوع قطرة من البول في أحد إناءين أحدهما بول أو متنجس بالبول أو كثير لا ينفعل بالنجاسة أو أحد ثوبين أحدهما نجس بتمامه (قال) لعدم العلم بحدوث التكليف بالاجتناب عن ملاقي هذه القطرة إذ لو كان ملاقيها هو الإناء النجس لم يحدث بسببه تكليف بالاجتناب أصلا فالشك في التكليف بالاجتناب عن الآخر شك في أصل التكليف لا المكلف به (انتهى) (وهكذا) يعتبر في تأثير العلم الإجمالي في التنجيز أن لا يكون أحد أطراف العلم الإجمالي خارجاً عن تحت قدرة المكلف على نحو لو كان المعلوم بالإجمال في جانبه لم يصح تعلق التكليف به (وقد مثّل له) بما إذا علم إجمالا بوقوع النجاسة في أحد شيئين لا يتمكن المكلف من ارتكاب واحد معين منهما (قال) فلا يجب الاجتناب عن الآخر لأن الشك في أصل تنجز التكليف لا في المكلف به (انتهى) (وهكذا) يعتبر في تأثير العلم الإجمالي في التنجيز ان لا يكون أحد أطراف العلم الإجمالي خارجاً عن تحت ابتلاء المكلف وان كان تحت قدرته عقلا وعادة على نحو لو كان المعلوم بالإجمال في جانبه كان النهي عنه مستهجناً عرفاً فإنه متروك بنفسه لا ينقدح في نفس المكلف داع إليه بعد فرض خروجه عن تحت ابتلائه فلا حاجة إلى نهيه وزجره (وقد مثّل له) بما إذا تردد النجس بين إنائه وإناء آخر لا دخل للمكلف فيه أصلا (قال) ولهذا لا يحسن التكليف المنجز بالاجتناب عن الطعام أو الشراب الّذي ليس من شأن المكلف الابتلاء به نعم يحسن الأمر بالاجتناب عنه مقيداً بقوله إذا اتفق لك الابتلاء بذلك بعارية أو بملك أو إباحة فاجتنب عنه (ثم قال) والحاصل ان النواهي المطلوب فيها حمل المكلف على الترك مختصة بحكم العقل والعرف بمن يعد مبتلى بالواقعة المنهي عنها ولذا يعد خطاب غيره بالترك مستهجناً الا على وجه التقييد

١٧٤

بصورة الابتلاء ولعل السر في ذلك أن غير المبتلى تارك للمنهي عنه بنفس عدم الابتلاء فلا حاجة إلى نهيه فعند الاشتباه يعني به اشتباه التكليف وترديده بين الطرف المبتلى به والطرف الغير المبتلى به لا يعلم المكلف بتنجز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي (قال) وهذا باب واسع ينحل به الإشكال عما علم من عدم وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة في مواقع مثل ما إذا علم إجمالا بوقوع النجاسة في إنائه أو في موضع من الأرض التي لا يبتلي بها المكلف عادة أو بوقوع النجاسة في إنائه أو في موضع من الأرض التي لا يبتلي بها المكلف عادة أو بوقوع النجاسة في ثوبه أو ثوب الغير فإن الثوبين لكل منهما من باب الشبهة المحصورة مع عدم وجوب اجتنابهما (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ثم إن) المصنف لم يؤشر إلا إلى الأمر الثالث من الأمور المتقدمة وهو اعتبار أن لا يكون أحد أطراف العلم الإجمالي خارجاً عن تحت ابتلاء المكلف (وقد أفاد) في وجهه ما حاصله أن النهي عن الشيء ليس إلّا لصيرورته داعياً نحو ترك المنهي عنه فلو كان الشيء بنفسه خارجاً عن تحت الابتلاء بحيث لا ينقدح الداعي في نفس المكلف نحو فعله فلا موقع للنهي عنه أبداً إذ لا ثمرة فيه ولا فائدة كما لا يخفى (وعليه) فإذا كان أحد الأطراف خارجاً عن تحت الابتلاء فلا يحصل معه العلم الإجمالي بالتكليف أصلا.

(أقول)

هذا كله إذا كان أحد الأطراف الّذي لا أثر له أو كان خارجاً عن تحت القدرة أو الابتلاء هو من قبل حصول العلم الإجمالي (واما إذا كان) من بعد العلم الإجمالي فلا يكاد يمنع ذلك عن تأثير العلم في التنجيز بل يجب الاحتياط في الطرف الباقي لا محالة لعين ما تقدم قبلا في الاضطرار إلى بعض الأطراف معيناً أو مردداً من بعد العلم الإجمالي أو في فقد بعض الأطراف من بعد العلم الإجمالي أو الإتيان ببعض الأطراف في الشبهة الوجوبية من بعد العلم الإجمالي حرفاً بحرف (كما أن جميع ما تقدم) في طرو الاضطرار من قبل العلم الإجمالي يجري حرفاً بحرف في فقد بعض

١٧٥

الأطراف أو الإتيان ببعض الأطراف في الشبهة الوجوبية من قبل العلم الإجمالي فلا يجب الاحتياط حينئذ في الطرف الباقي إذ لا يحدث معه علم إجمالي بالتكليف أصلا

(قوله ومنه قد انقدح أن الملاك في الابتلاء المصحح لفعلية الزجر وانقداح طلب تركه في نفس المولى فعلا هو ما إذا صح انقداح الداعي إلى فعله في نفس العبد ... إلخ)

أي ومما تقدم ظهر لك أن المعيار في الابتلاء هو صحة انقداح الداعي إلى الفعل في نفس العبد (وقد جعل الشيخ) أعلى الله مقامه المعيار صحة النهي وحسنه (قال) فيما أفاده في المقام (ما لفظه) والمعيار في ذلك وإن كان صحة التكليف بالاجتناب عنه على تقدير العلم بالنجاسة وحسن ذلك من غير تقييد التكليف بصورة الابتلاء واتفاق صيرورته واقعة له إلا أن تشخيص ذلك مشكل جداً (انتهى).

(أقول)

ومرجع المعيارين هو إلى شيء واحد فصحة النهي وحسنه مسببان عن صحة انقداح الداعي إلى الفعل في نفس العبد وحدوثه فيها فالشيخ جعل المعيار المسبب والمصنف جعل المعيار السبب.

(قوله ولو شك في ذلك كان المرجع هو البراءة لعدم القطع بالاشتغال لا إطلاق الخطاب ... إلخ)

هذا تضعيف لما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه فإنه في بدو الأمر جوّز الرجوع إلى البراءة عند الشك في حسن التكليف التنجيزي لأجل الشك في الابتلاء (لكن قال) بعده ما هذا لفظه إلا أن هذا ليس بأولى من أن يقال أن الخطاب بالاجتناب عن المحرمات مطلقة غير معلقة والمعلوم تقييدها بالابتلاء في موضع العلم بتقبيح العرف توجيهها من غير تعلق بالابتلاء كما لو قال اجتنب عن ذلك الطعام النجس الموضوع قدام أمير البلد مع عدم جريان العادة بابتلاء المكلف به (إلى ان قال) واما إذا شك في قبح التنجيز فيرجع إلى الإطلاقات فيرجع المسألة إلى أن المطلق المقيد بقيد

١٧٦

مشكوك التحقق في بعض الموارد لتعذر ضبط مفهومه على وجه لا يخفى مصداق من مصاديقه كما هو شأن أغلب المفاهيم العرفية هل يجوز التمسك به أولا والأقوى الجواز فيصير الأصل في المسألة وجوب الاجتناب الا ما علم عدم تنجز التكليف بأحد المشتبهين على تقدير العلم بكونه الحرام (انتهى) ومحصل كلامه أعلى الله مقامه بعد التدبر فيه ان النهي مقيد بالابتلاء لا محالة ولكن الابتلاء مجمل مفهوماً يعني انه مردد بين الأقل والأكثر ففي الزائد على الأقل يكون الشك في أصل التقييد فيرجع فيه إلى الإطلاق.

(أقول)

نعم إن الكبرى مسلمة ولذا قد رجعنا في المجمل المفهومي المردد بين الأقل والأكثر للخاص إلى العام ولكن إذا كان القيد المجمل مفهوماً مردداً بين المتباينين أو كان مجملا مصداقاً فلا يكاد يرجع فيه إلى الإطلاق بل يرجع فيه إلى البراءة للشك في الحرمة من جهة الشك في تحقق القيد المعتبر فيها (وإليه يرجع) قول المصنف ضرورة انه لا مجال للتشبث به يعني الإطلاق الا فيما إذا شك في التقييد بشيء بعد الفراغ عن صحة الإطلاق بدونه ... إلخ (وعليه) فيرجع النزاع بين الشيخ والمصنف لفظياً لا حقيقياً فتفطن.

(قوله لا فيما شك في اعتباره في صحته ... إلخ)

في العبارة مسامحة واضحة والصحيح هكذا لا فيما شك في تحقق ما اعتبر في صحته يعني في صحة الإطلاق وهو تحقق الابتلاء.

١٧٧

في الشبهة الغير المحصورة

(قوله الثالث انه قد عرفت انه مع فعلية التكليف المعلوم لا تفاوت بين ان يكون أطرافه محصورة وان يكون غير محصورة ... إلخ)

إشارة إلى ما تعرضه الشيخ أعلى الله مقامه في الاشتغال في المقام الثاني من مقامي الشبهة التحريمية الموضوعية (قال بعد الفراغ) عن المقام الأول المنعقد للشبهة المحصورة وتنبيهاتها التسعة (ما هذا لفظه) المقام الثاني في الشبهة الغير المحصورة والمعروف فيها عدم وجوب الاجتناب ويدل عليه وجوه.

(الأول) الإجماع الظاهر المصرح به في الروض وعن جامع المقاصد وادعاه صريحاً المحقق البهبهاني في فوائده وزاد عليه نفي الريب فيه وأن مدار المسلمين في الأعصار والأمصار عليه وتبعه في دعوى الإجماع غير واحد ممن تأخر عنه وزاد بعضهم دعوى الضرورة عليه في الجملة (قال) وبالجملة فنقل الإجماع مستفيض وهو كاف في المسألة (ثم قال).

(الثاني) ما استدل به جماعة من لزوم المشقة في الاجتناب ولعل المراد به لزومها في أغلب افراد هذه الشبهة لأغلب أفراد المكلفين فيشمله عموم قوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وقوله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج بناء على ان المراد ان ما كان الغالب فيه الحرج على الغالب فهو مرتفع عن جميع المكلفين حتى من لا حرج بالنسبة إليه (إلى ان قال).

(الثالث) الاخبار الدالة على حلية كل ما لم يعلم حرمته فانها بظاهرها وان عمت الشبهة المحصورة إلّا ان مقتضي الجمع بينها وبين ما دل على وجوب الاجتناب بقول مطلق هو حمل أخبار الرخصة على غير المحصور وحمل اخبار المنع على المحصور (إلى ان قال).

١٧٨

(الرابع) بعض الأخبار الدالة على ان مجرد العلم بوجود الحرام بين المشتبهات لا يوجب الاجتناب عن جميع ما يحتمل كونه حراماً مثل ما عن محاسن البرقي عن أبي الجارود قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجبن فقلت أخبرني من رأي انه يجعل فيه الميتة فقال أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في الأرض فما علمت فيه ميتة فلا تأكله وما لم تعلم فاشتر وبع وكل والله إني لأعترض السوق فأشتري اللحم والسمن والجبن والله ما أظن كلهم يسمون هذه البرية وهذه السودان (الخبر) فإن قوله عليه‌السلام من أجل مكان واحد ... إلخ ظاهر في أن مجرد العلم بوجود الحرام لا يوجب الاجتناب عن محتملاته وكذا قوله عليه‌السلام والله ما أظن كلهم يسمون فإن الظاهر منه إرادة العلم بعدم تسمية جماعة حين الذبح كالبرية والسودان (إلى ان قال).

(الخامس) أصالة البراءة بناء على ان المانع من إجرائها ليس إلّا العلم الإجمالي بوجود الحرام لكنه إنما يوجب الاجتناب عن محتملاته من باب المقدمة العلمية التي لا يجب إلّا لأجل وجوب دفع الضرر وهو العقاب المحتمل في فعل كل واحد من المحتملات وهذا لا يجري في المحتملات الغير المحصورة ضرورة أن كثرة الاحتمال يوجب عدم الاعتناء بالضرر المعلوم وجوده بين المحتملات ألا ترى الفرق الواضح بين العلم بوجود السم في أحد الإناءين أو واحد من ألفي إناء (إلى ان قال).

(السادس) ان الغالب عدم ابتلاء المكلف إلا ببعض معين من محتملات الشبهة الغير المحصورة ويكون الباقي خارجاً عن محل ابتلائه وقد تقدم عدم وجوب الاجتناب في مثله مع حصر الشبهة فضلا عن غير المحصورة (انتهى) موضع الحاجة من كلامه (وقد ناقش) أعلى الله مقامه في أكثر هذه الوجوه (ومن هنا قال) بعد ذكرها جميعاً هذا غاية ما يمكن أن يستدل به على حكم الشبهة الغير المحصورة وقد عرفت ان أكثرها لا يخلو من منع أو قصور لكن المجموع منها لعله يفيد القطع أو الظن بعدم وجوب الاحتياط في الجملة والمسألة فرعية يكتفي فيها بالظن (انتهى)

١٧٩

(هذا كله من أمر الشيخ) أعلى الله مقامه في الشبهة الغير المحصورة.

(واما المصنف) فقد تقدم منا في أوائل الفصل لدى التعليق على قوله ثم إن الظاهر انه لو فرض ان المعلوم بالإجمال كان فعلياً من جميع الجهات لوجب عقلا موافقته مطلقاً ولو كانت أطرافه غير محصورة ... إلخ ما محصل كلامه من أن المناط في وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي سواء كانت محصورة أو غير محصورة هو فعلية التكليف المعلوم بالإجمال من جميع الجهات بأن كان واجداً لما هو العلة التامة للبعث والزجر أي الإرادة والكراهة على ما تقدم لك شرحهما فإن كان التكليف المعلوم بالإجمال فعلياً من جميع الجهات وجب الاحتياط في أطرافه وان كانت الأطراف كثيرة غير محصورة وإلّا لم يجب الاحتياط وان كانت الأطراف قليلة محصورة فإذاً لا عبرة بكثرة الأطراف وعدمها.

(نعم) قد يلازم كثرة الأطراف وعدم حصرها لزوم العسر الموجب لسقوط التكليف المعلوم بالإجمال عن الفعلية كما إذا كانت الأطراف الكثيرة مما اشتد به الحاجة على نحو إذا اجتنب عن الكل وقع في العسر الشديد فلا يجب الاحتياط حينئذ لكن لا من جهة تفاوت في ناحية العلم الإجمالي بل من جهة التفاوت في ناحية المعلوم بالإجمال فإن التكليف الشرعي إن كان عسرياً حرجياً لم يجب امتثاله ولو كان معلوماً بالتفصيل فكيف بما إذا كان معلوماً بالإجمال وهذا واضح

(أقول)

وينبغي من المصنف أن لا يرفع يده هنا عن الاحتياط في الأطراف الغير المحصورة وإن كانت موجبة للعسر وذلك لما تقدم منه عند التكلم حول المقدمة الرابعة للانسداد من دعوى عدم حكومة دليل العسر على الاحتياط إذا كان تحكم العقل نظراً إلى عدم العسر في متعلق التكليف وانما هو في الجمع بين محتملاته (اللهم) إلّا أن يقال إنه رجع أخيراً إلى القول بحكومته عليه (فقال) نعم لو كان معناه نفي الحكم الناشئ من قبله العسر كما قيل لكانت قاعدة نفيه محكمة على قاعدة الاحتياط ... إلخ

١٨٠