عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٣١

(واما الأمر الأول) وهو قاعدة الاحتياط حيث يدور الأمر بين التعيين والتخيير (ففيه) منع الصغرى هنا أي الدور ان بينهما لعدم منشأ صحيح لتعين وجوب الأخذ شرعاً بجانب الحرمة أو عقلا ما لم يحرز الأهمية أو احتملت هي في جانب الحرام وهذا واضح.

(واما الأمر الثاني) أي الاخبار الآمرة بالتوقف عند الشبهة (ففيه) ان ظاهرها الشبهات التحريمية لا ما دار أمره بين الحرام والواجب.

(واما الأمر الرابع) أي الاستقراء بناء على ان الغالب تغليب الشارع جانب الحرمة على الوجوب كتحريمه الصلاة في أيام الاستظهار أو أمره بإراقة الإناءين المشتبهين والتيمم كما في موثقة عمار الساباطي فقد تقدم تفصيل الكلام فيه كما ينبغي في آخر اجتماع الأمر والنهي فلا نعيد.

هل التخيير بدوي أو استمراري

(بقي في المقام) أمران لا بأس بالتنبيه عليهما.

(أحدهما) انه على القول بالتخيير فيما نحن فيه (فهل هو) في بدو الأمر فلا يجوز للمكلف أن يختار في الواقعة الثانية غير ما اختاره في الواقعة الأولى (أم هو) مستمر إلى الآخر فله ان يختار في الواقعة الثانية غير ما اختاره في الواقعة الأولى (فإذا فرض) مثلا أن صلاة الجمعة قد دار أمرها بين الوجوب والحرمة واخترنا جانب الوجوب مثلا وأتينا بها في الجمعة الأولى (فهل) لنا ان نختار في الجمعة الثانية جانب الحرمة ولا نأتي بها (أم ليس) لنا ذلك بل يجب علينا الإتيان بها في كل جمعة إلى الآخر (وجهان) بل قال الشيخ أعلى الله مقامه وجوه بضميمة تفصيل ذكره في المسألة (قال) ثم لو قلنا بالتخيير فهل هو في ابتداء الأمر فلا يجوز له العدول عما اختار أو مستمر فله العدول مطلقاً أو بشرط البناء على

١٤١

الاستمرار وجوه يستدل للأول بقاعدة الاحتياط واستصحاب حكم المختار واستلزام العدول للمخالفة القطعية المانعة عن الرجوع من أول الأمر إلى الإباحة (انتهى) ولم يذكر أعلى الله مقامه ما يستدل به للوجه الثاني أي لاستمرار التخيير إلى الآخر كما انه لم يذكر للوجه الثالث شيئاً (وعلى كل حال) قد عرفت في صدر البحث ان التخيير في المقام (إما عقلي) بين الفعل والترك لعدم ترجيح أحدهما على الآخر (وإما شرعي) قياساً لما نحن فيه بتعارض الخبرين الجامعين لشرائط الحجية (وعليه) فالمستدل بقاعدة الاحتياط (ان كان) ممن يقول بالتخيير العقلي فلا وجه للاستدلال المذكور فإن العقل الحاكم بالتخيير لا يكاد يتحير في حكمه فإنه إما يحكم بالتخيير بدواً أو يحكم به إلى الآخر فلا شك له كي يحتاط ويختار في الواقعة الثانية عين ما اختاره في الأولى نظراً إلى دوران الأمر بين التعيين والتخيير (وان كان) ممن يقول بالتخيير الشرعي فله وجه بدعوى احتمال حكم الشارع بوجوب الأخذ بما اختاره أولا على التعيين فيكون المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعيين (ولكن الدافع) لهذا الاحتمال هو استصحاب التخيير السابق كما ان به يندفع استصحاب حكم المختار أيضاً لوروده عليه فإن الأول سببي والثاني مسببي (واما استلزام العدول) للمخالفة القطعية ففيه انه إذا اختار في الواقعة الثانية غير ما اختاره في الواقعة الأولى فالمخالفة القطعية العملية وان كانت تلزم ولكن الموافقة القطعية العملية أيضاً تلزم ولم يعلم أن مصلحة الموافقة القطعية هي أقل من مفسدة المخالفة القطعية (ومن هنا) قد اختار الشيخ أعلى الله مقامه التخيير الاستمراري وصرح به وان كان يظهر منه في المخالفة الالتزامية للعلم الإجمالي في بحث القطع ما يخالف ذلك (قال) فيما أفاده هناك (ما لفظه) لأن المخالفة العملية الغير اللازمة هي المخالفة دفعة وفي واقعة واما المخالفة تدريجاً وفي واقعتين فهي لازمة البتة والعقل حاكم بقبح المخالفة التدريجية إذا كان عن قصد إليها ومن غير تعبد بحكم ظاهري عند كل واقعة لأن ارتكاب ما هو مبغوض للمولى عن قصد قبيح ولو كان

١٤٢

في واقعتين إذا لم يكن له عند كل واقعة ما هو بدل ظاهراً للمعلوم إجمالا في الواقعتين (انتهى).

(أقول)

ويرد عليه ما عرفته آنفاً من أن المخالفة القطعية العملية على القول بالتخيير الاستمراري وان كانت تلزم إذا اخترنا في الواقعة الثانية غير ما اخترناه في الواقعة الأولى إلّا أن الموافقة القطعية العملية أيضاً تلزم وليست مصلحة الثاني بأقل من محذور الأول (ولعله) لذلك قال أخيراً هناك فافهم وعدل في المقام عما أفاده هناك وصرح هاهنا بأن الأقوى هو التخيير الاستمراري كما أشرنا.

في اشتباه الواجب بالحرام

(ثانيهما) انه يلحق بدوران الأمر بين المحذورين أي الوجوب والحرمة اشتباه الواجب بالحرام بأن يعلم إجمالا ان أحد الفعلين واجب والآخر حرام ولم يعلم ان هذا واجب وذاك حرام أو بالعكس فيجري في كل من الفعلين جميع ما تقدم في دوران الأمر بين المحذورين حرفاً بحرف فإن كلا من الفعلين من مصاديقه وصغرياته يدور أمره بين الوجوب والحرمة غير ان المخالفة القطعية هناك لم تمكن الا تدريجاً وفي واقعتين كما إذا أتى بالفعل مرة وتركه أخرى وفي المقام تمكن دفعة واحدة بأن يأتي بهما جميعاً أو يتركهما كذلك فتحصل المخالفة القطعية كما تحصل الموافقة القطعية (وقد حكم فيه الشيخ) أعلى الله مقامه بوجوب الإتيان بأحدهما وترك الآخر مخيراً في ذلك قبال ما إذا أتى بهما جميعاً أو تركهما كذلك وذلك لئلا يلزم المخالفة القطعية (قال) في آخر الاشتغال في المطلب الثالث من مطالب الشك في المكلف به بعد تحرير عنوان البحث (ما هذا لفظه) والحكم فيما نحن فيه وجوب الإتيان بأحدهما وترك الآخر مخيراً في ذلك لأن الموافقة الاحتمالية في كلا

١٤٣

التكليفين أولى من الموافقة القطعية في أحدهما مع المخالفة القطعية في الآخر ومنشأ ذلك أن الاحتياط لدفع الضرر المحتمل لا يحسن بارتكاب الضرر المقطوع (انتهى)

(أقول)

ويرد عليه ان الاحتياط بالموافقة القطعية في أحدهما مع المخالفة القطعية في الآخر ليس من دفع الضرر المحتمل بارتكاب الضرر المقطوع بل من دفع الضرر المقطوع بارتكاب الضرر المقطوع إذ لا وجه لتسمية الموافقة القطعية بدفع الضرر المحتمل وتسمية المخالفة القطعية بارتكاب الضرر المقطوع (ومن هنا يظهر) انه لا وجه للإلزام بالموافقة الاحتمالية في كلا التكليفين بإتيان أحدهما وترك الآخر مخيراً في ذلك بل المكلف كما انه مخير عقلا بين الإتيان بأحدهما وترك الآخر فكذلك مخير بين الإتيان بهما جميعاً وتركهما كذلك فإن المخالفة القطعية بالإتيان بهما جميعاً أو بتركهما كذلك وان كانت تلزم ولكن الموافقة القطعية بسبب ذلك أيضاً تلزم وقد أشير آنفاً انه لم يعلم ان مصلحة الموافقة القطعية هي أقل من مفسدة المخالفة القطعية

(قوله فافهم ... إلخ)

قد أشرنا في صدر الحاشية المتقدمة وهي التعليق على قوله ولا وجه لترجيح احتمال الحرمة مطلقاً ... إلخ إلى وجه قوله فافهم فراجع هناك ولا نعيده ثانياً.

في أصالة الاشتغال

(قوله فصل لو شك في المكلف به مع العلم بالتكليف من الإيجاب أو التحريم فتارة لتردده بين المتباينين وأخرى بين الأقل والأكثر الارتباطيين إلى آخره)

واما الأقل والأكثر الغير الارتباطيين فلم يعقد لهما الشيخ ولا المصنف بحثاً مستقلا يختص بهما وكأنه لوضوح الحكم فيهما وان العلم الإجمالي مما ينحل إلى العلم التفصيليّ

١٤٤

بالأقل والشك البدوي في الأكثر فتجري البراءة عن الأكثر وتقدمت الإشارة إليهما في التنبيه الثالث من تنبيهات البراءة وسيأتي الإشارة إليهما في صدر الأقل والأكثر الارتباطيين إن شاء الله تعالى بنحو أبسط فانتظر.

في دوران الأمر بين المتباينين

(قوله المقام الأول في دوران الأمر بين المتباينين ... إلخ)

(قد عقد الشيخ) أعلى الله مقامه لدوران الأمر بين المتباينين حسب مسلكه المتقدم في أصالة البراءة ثمان مسائل أربع للشبهة التحريمية وأربع للشبهة الوجوبية ومن كل أربع ثلاثة للشبهة الحكمية وواحدة للشبهة الموضوعية إذ منشأ الشك في الحكمية إما فقد النص أو إجمال النص أو تعارض النصين وفي الموضوعية اشتباه حال الأمور الخارجية غير ان الشيخ قدم في المقام الشبهة التحريمية الموضوعية محصورها وغير محصورها على الشبهة التحريمية الحكمية نظراً إلى اشتهار عنوانها في كلمات العلماء بخلاف التحريمية الحكمية بل لم يتعرض التحريمية الحكمية بمسائلها الثلاث إلّا باختصار (وعقد المصنف) للمقام مسألة واحدة جمع فيها بين المسائل الثمان كما فعل ذلك في البراءة أيضاً وان كان الأولى أن ينعقد لها أربع مسائل كما أشرنا في البراءة لا ثمان ولا واحدة مسألتان للتحريمية حكميها وموضوعيها ومسألتان للوجوبية حكميها وموضوعيها من غير تعرض لمنشإ الشك في الشبهة الحكمية من فقد النص أو إجمال النص أو تعارض النصين (وعلى كل حال) الحق في تحرير مسائل الدوران بين المتباينين أن يقال هكذا إن التكليف المعلوم بالإجمال المردد بين أمرين متباينين أو أكثر (إن كان) حرمة فالشبهة تحريمية (وان كان) وجوباً فالشبهة وجوبية وفي كل منهما (ان كان) منشأ الشك فقد ان النص أو إجمال النص فالشبهة حكمية كما إذا لم يعلم ان الحرام هل هو تجديد القبر أو تجديده أو لم يعلم ان الواجب في يوم

١٤٥

الجمعة هل هو صلاة الجمعة أو صلاة الظهر (وان كان) منشأ الشك هو اشتباه الأمور الخارجية فالشبهة موضوعية كما إذا لم يعلم ان هذا خمر يحرم شربه أو ذاك أو ان زيداً عالم يجب إكرامه أو عمراً (واما إذا كان) منشأ الشك في الحكمية تعارض النصين فلا ينبغي ذكره في المقام أصلا إذ لا يجب الاحتياط فيه بتركهما جميعاً أو بإتيانهما جميعاً بلا كلام بل اللازم فيه إما الترجيح أو التخيير على الخلاف الآتي في التعادل والتراجيح إن شاء الله تعالى.

(قوله لا يخفى ان التكليف المعلوم بينهما مطلقاً ولو كانا فعل أمر وترك آخر ان كان فعلياً من جميع الجهات بان يكون واجداً لما هو العلة التامة للبعث أو الزجر الفعلي مع ما هو عليه من الإجمال والتردد والاحتمال فلا محيص عن تنجزه وصحة العقوبة على مخالفته ... إلخ)

مقصوده من قوله ولو كانا فعل أمر وترك آخر أن يعلم إجمالا أنه إما هذا المعين واجب أو ذاك المعين حرام أو بالعكس فيكون هذا العلم الإجمالي كالعلم الإجمالي بحرمة أحد الأمرين أو بوجوب أحد الأمرين فكما أن في الثاني يحتاط ويترك الأمران جميعاً أو يؤتي بهما جميعاً فكذلك في الأول يحتاط ويؤتي بأحدهما المعين المحتمل وجوبه ويترك الآخر المعين المحتمل حرمته (وأما لو علم) إجمالا أن أحدهما الغير المعين واجب والآخر الغير المعين حرام فهو من اشتباه الواجب بالحرام ويلحق بدوران الأمر بين المحذورين كما نبهنا عليه في آخر أصالة التخيير فراجع.

(ثم إن) حاصل كلام المصنف في العلم الإجمالي بالتكليف المردد بين أمرين متباينين ان التكليف المعلوم بالإجمال (إن كان فعلياً) من جميع الجهات بان كان واجداً لما هو العلة التامة للبعث والزجر وهما الإرادة والكراهة المنقدحتان في نفس المولى على طبق الوجوب والحرمة على ما تقدم من المصنف في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي في العبارة التي ظهر منها ان مقصوده من البعث والزجر هي الإرادة والكراهة وهي قوله وكونه فعلياً انما يوجب البعث أو الزجر في النّفس

١٤٦

النبوية أو الولويّة ... إلخ (فالتكليف) منجز يصح العقاب على مخالفته لا محالة وحينئذ تكون أدلة البراءة الشرعية مما يعم أطراف العلم الإجمالي مخصصة عقلا لوضوح مناقضتها مع البعث والزجر أي الإرادة والكراهة المحققتان على طبق التكليف المعلوم بالإجمال (وإن لم يكن فعلياً) من جميع الجهات وإن كان فعلياً من ساير الجهات غير جهة العلم من البلوغ والعقل والقدرة ونحوها على نحو لو تعلق به العلم التفصيليّ لتنجز وحصل به البعث والزجر والإرادة والكراهة على طبقة (لم يكن منجزاً) حينئذ وجرت أدلة البراءة الشرعية في أطراف العلم الإجمالي جميعاً فضلا عن جريانها في بعضها ولم يجب الاحتياط في شيء من أطرافه لا كلا ولا بعضاً لعدم المانع عن شمولها لها لا عقلا ولا شرعاً.

(أقول)

ومحصل كلام المصنف لدى التأمل إلى التفصيل في العلم الإجمالي (فإن كان التكليف) المعلوم بالإجمال فعلياً من جميع الجهات بأن كان على طبقه الإرادة أو الكراهة كان العلم الإجمالي علة تامة للتنجيز وكان كالعلم التفصيليّ عيناً فلا تجري الأصل في أطرافه لا كلا ولا بعضاً (وإن لم يكن فعلياً) من جميع الجهات بأن لم يكن على طبقه الإرادة أو الكراهة كان العلم الإجمالي مقتضياً للتنجيزي فيجري الأصل في أطرافه كلا وبعضاً لعدم المانع عنه لا عقلا ولا شرعاً وحينئذ يرد عليه.

(أولا) ان الّذي تقدم منه في العلم الإجمالي في بحث القطع هو منجزيته بنحو الاقتضاء لا بنحو العلية التامة حتى انه رد على القول بتأثيره في التنجيز بنحو العلية التامة المستند إلى لزوم المناقضة أو احتمالها المحال من الترخيص في الأطراف كلا أو بعضاً بالنقض بالترخيص في الشبهات الغير المحصورة والشبهات البدوية فكما انه لا محذور في الترخيص فيهما ولا يناقض الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال في الأول أو المحتمل في الثاني فكذلك لا محذور في الترخيص في الأطراف المحصورة للعلم الإجمالي ولا يناقض الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال فيها أبداً.

١٤٧

(نعم) عدل في تعليقته هناك عن القول بمنجزيته بنحو الاقتضاء إلى القول بمنجزيته بنحو العلية التامة ولكن مع ذلك تفصيله هاهنا في العلم الإجمالي مما ينافي ما تقدم منه هناك متناً وهامشاً كما لا يخفى.

(وثانياً) ان مجرد كون العلم الإجمالي مقتضياً للتنجيز فيما لم يكن فعلياً من جميع الجهات مما لا يقتضي عدم وجوب الاحتياط في أطرافه وجواز جريان الأصول الشرعية فيها بدعوى شمول أدلتها لها من دون مانع عنه عقلا ولا شرعاً كيف والأصول متعارضة في أطرافه كما ستعرف تقريبه وكفى بذلك مانعاً عقلياً فكيف يدعي انه لا مانع عن شمول أدلتها لها لا عقلا ولا شرعاً فإن العلم الإجمالي وإن فرض انه على قسمين المنجز بنحو العلية التامة والمنجز بنحو الاقتضاء ولكن يجب الاحتياط في كليهما جميعاً غايته انه في القسم الأول نفس العلم الإجمال مما يكفي في التنجيز من دون حاجة إلى شيء آخر وفي القسم الثاني يكون العلم الإجمالي بضميمة تعارض الأصول في أطرافه مؤثراً في تنجز التكليف جداً.

(وثالثاً) لو سلم عدم وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي المقتضي للتنجيز دون العلة التامة فما المميز في مقام الإثبات وبما ذا يعرف ان العلم الإجمالي الحاصل بحرمة أحد الأمرين أو بوجوب أحدهما هو من هذا القسم أو من ذاك القسم وان التكليف المعلوم بالإجمال فيهما فعلى من جميع الجهات واجد لما هو العلة التامة للبعث والزجر أي الإرادة والكراهة أم لا كي يعامل مع كل قسم بما هو حقه من وجوب الاحتياط وعدمه.

(ثم إنه) لا بأس بصرف عنان الكلام إلى تحقيق المقام بنحو أبسط (فنقول) إذا علم إجمالا بحرمة أحد الأمرين أو بوجوب أحدهما سواء كان بنحو الشبهة الحكمية أو الموضوعية (فالظاهر) انه لا خلاف في حرمة المخالفة القطعية سوى ما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه في الشبهة التحريمية الموضوعية من انه حكى عن ظاهر بعض جوازها.

١٤٨

(نعم) صرح في المسألة الأولى من مسائل الشبهة الوجوبية انه يظهر من المحقق الخوانساري دوران حرمة المخالفة يعني القطعية مدار الإجماع وان الحرمة في مثل الظهر والجمعة من جهته (ثم قال) ويظهر من الفاضل القمي الميل إليه (انتهى) (وذكر الحدائق) في الماء المشتبه عن الكاشاني في المفاتيح والفاضل الخراسانيّ في الكفاية انهما قد ذهبا إلى حل ما اختلط بالحرام وان كان محصوراً لصحيحة عبد الله ابن سنان المتقدمة في البراءة كل شيء يكون فيه حرام وحلال فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه (كما ان الظاهر) ان المشهور هو وجوب الموافقة القطعية (قال الشيخ) أعلى الله مقامه في الشبهة التحريمية الموضوعية (ما لفظه) اما المقام الثاني يعني به الموافقة القطعية فالحق فيه وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين وفاقاً للمشهور (ثم قال) وفي المدارك انه مقطوع به في كلام الأصحاب ونسبه المحقق البهبهاني في فوائده إلى الأصحاب وعن المحقق المقدس الكاظميني في شرح الوافية دعوى الإجماع صريحاً (ثم قال) وذهب جماعة إلى عدم وجوبه وحكى عن بعض القرعة (انتهى) (وقال) في المسألة الأولى من مسائل الشبهة الوجوبية (ما لفظه) واما الثاني يعني به وجوب الموافقة القطعية ففيه قولان أقواها الوجوب لوجود المقتضي وعدم المانع ثم ذكر بعد الفراغ عن إثبات المقتضي وفقد المانع كلام المحقق القمي القائل بعدم وجوب الموافقة القطعية وهكذا بعض كلمات المحقق الخوانساري التي يظهر منها الموافقة مع المحقق القمي (وقال) في المسألة الثانية منها (ما لفظه) ثم ان المخالف في المسألة ممن عثرنا عليه هو الفاضل القمي والمحقق الخوانساري في ظاهر بعض كلماته (وقال) في المسألة الرابعة منها وهي ما إذا اشتبه الواجب بغيره من جهة اشتباه الموضوع كما في صورة اشتباه الفائتة أو القبلة أو الماء المطلق (ما لفظه) وقد خالف في ذلك الفاضل القمي رحمه‌الله فمنع وجوب الزائد على واحدة من المحتملات مستنداً في ظاهر كلامه إلى ما زعمه جامعاً لجميع صور الشك في المكلف به من قبح التكليف بالمجمل وتأخير البيان عن وقت الحاجة (انتهى).

١٤٩

في وجوه وجوب الاحتياط في أطراف

العلم الإجمالي وعدم جريان شيء من الأصول فيها

(وكيف) كان فما قيل أو يمكن أن يقال في وجه وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي وعدم جريان شيء من الأصول العملية فيها لا كلا ولا بعضاً فتحرم المخالفة القطعية وتجب الموافقة القطعية وجهان بل وجوه ثلاثة.

(الأول) ما تقدم في بحث القطع وأشير إليه آنفاً من كون العلم الإجمالي علة تامة للتنجيز كالعلم التفصيليّ عيناً فلا يمكن الترخيص في أطرافه لا كلا لما فيه من المناقضة مع الواقع المعلوم بالإجمال ولا بعضاً لما فيه من احتمال المناقضة كما إذا صادف الترخيص مع الواقع المعلوم بالإجمال ومن المعلوم ان احتمال المحال محال كالقطع بالمحال (وفيه) أنا قد أبطلنا في العلم الإجمالي هذا الوجه الأول أي العلية التامة للتنجيز أشد إبطال وأوضحنا فساده بما لا مزيد عليه لما أوردنا عليه من النقض والحل جميعاً وأثبتنا جواز الترخيص شرعاً في أطرافه كلا وبعضاً من دون أن يلزم منه مناقضة ولا احتمال مناقضة (ثم لو قلنا) بهذا الوجه الأول وان العلم الإجمالي علة تامة للتنجيز كالعلم التفصيليّ عيناً فمقتضى ذلك أن عدم جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي مما يختص بما إذا لزم من جريانها مخالفة عملية للتكليف المعلوم بالإجمال سواء كانت قطعية أو احتمالية واما إذا لم يلزم منه مخالفة عملية فلا مانع عنه عقلا كما في دوران الأمر بين المحذورين أو في مثل استصحابي النجاسة في طرفي العلم الإجمالي بالطهارة وهكذا.

(الثاني) معارضة الأصول في أطراف العلم الإجمالي فلا تجري الأصول في شيء منها لا كلا ولا بعضاً فإذا لم تجر الأصول في أطرافه أثر العلم الإجمالي قهراً

١٥٠

في التنجيز إذ المفروض انه إن لم يكن علة تامة للتنجيز فهو مقتضي له لا محالة فإذا كان المقتضي له موجوداً وكان المانع عن تأثيره في التنجيز وهو الترخيص الشرعي في الأطراف مفقوداً تنجز التكليف المعلوم بالإجمال عقلا (وأحسن) ما قيل أو يمكن أن يقال في تقريب معارضة الأصول وعدم جريان شيء منها في أطراف العلم الإجمالي على نحو لا يختص بأصل دون أصل بل يجري في عموم الأصول العملية جميعاً ان أدلة الأصول قاصرة عن الشمول لأطراف العلم الإجمالي كلا وبعضاً.

(فإنها إن شملت) تمام أطراف العلم الإجمالي فالمناقضة بين الترخيص فيها وبين الواقع المعلوم بالإجمال وإن لم تلزم بعد ما منعنا منجزية العلم الإجمالي بنحو العلية التامة وجوزنا الترخيص الشرعي في أطرافه كلا وبعضاً من دون أن تلزم منه مناقضة ولا احتمال مناقضة (ولكن) المناقضة في نفس أدلة الأصول مما يلزم لا محالة بمعنى أنه تلزم المناقضة (أما بين الصدر والذيل) كما في دليل الاستصحاب على ما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه في تعارض الاستصحابين (قال ما لفظه) فإذا فرض اليقين بارتفاع الحالة السابقة في أحد المستصحبين فلا يجوز إبقاء كل منهما تحت عموم حرمة النقض بالشك لأنه مستلزم لطرح الحكم بنقض اليقين بمثله (انتهى) فإذا كان هناك إناءان طاهران مثلا ثم علم إجمالا انه تنجس أحدهما فصدر الحديث وهو قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين بالشك مما يأمرنا باستصحاب طهارة كل منهما بمقتضى اليقين السابق فيه والشك اللاحق وذيله وهو قوله عليه‌السلام ولكن ينقضه بيقين آخر مما ينهانا عن ذلك نظراً إلى حصول اليقين الآخر بنجاسة أحدهما ولو إجمالا وهذا هو عين المناقضة بين الصدر والذيل إذا كان دليل الاستصحاب شاملا لأطراف العلم الإجمالي جميعاً (وإما تلزم المناقضة بين المنطوق والمفهوم) كما في أدلة البراءة الشرعية على ما يستفاد بالتدبر في كلام الشيخ أيضاً في الشبهة الوجوبية من الاشتغال في الموافقة القطعية (قال ما لفظه) ومما ذكرنا يظهر عدم جواز التمسك في المقام بأدلة البراءة مثل رواية الحجب والتوسعة ونحوهما لأن العمل

١٥١

بها في كل من الموردين بخصوصه يوجب طرحها بالنسبة إلى أحدهما المعين عند الله المعلوم وجوبه فإن وجوب واحدة من الظهر والجمعة أو من القصر والإتمام مما لم يحجب الله علمه عنا فليس موضوعاً عنا ولسنا في سعة منه فلا بدّ إما من الحكم بعدم جريان هذه الأخبار في مثل المقام مما علم وجوب شيء إجمالا وإما من الحكم بأن شمولها للواحد المعين المعلوم وجوبه ودلالتها بالمفهوم على عدم كونه موضوعاً عن العباد وكونه محمولا عليهم ومأخوذين به وملزمين عليه دليل علمي بضميمة حكم العقل بوجوب المقدمة العلمية على وجوب الإتيان لكل من الخصوصيّتين (انتهى) ففي المثال الّذي ذكره الشيخ أعلى الله مقامه من الظهر والجمعة أو القصر والإتمام منطوق أدلة البراءة مما يدل على رفع وجوب كل منهما ووضعه عنا وكوننا في سعة منه ولكن مفهومها مما يدل على عدم رفع أحدهما المعلوم بالإجمال وعدم وضعه عنا وعدم كوننا في سعة منه وهذا هو عين المناقضة بين المنطوق والمفهوم إذا شملت أدلة البراءة الشرعية لأطراف العلم الإجمالي تماماً (وإما تلزم المناقضة بين الغاية والمغيا) كما في دليل قاعدة الطهارة فإذا علم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين مثلا فقوله عليه‌السلام كل شيء نظيف يشمل كلا منهما ويدل على طهارتهما جميعاً وقوله عليه‌السلام حتى تعلم انه قدر يشمل أحدهما المعلوم بالإجمال ويدل على نجاسته شرعاً وهذا هو عين المناقضة بين الغاية والمغيا (هذا كله) إن شملت أدلة الأصول العملية لأطراف العلم الإجمالي تماماً.

(واما إن شملت) أحد طرفي العلم الإجمالي أحدهما المعين دون الجميع فيعارضه الطرف الآخر لاشتراكه معه في مناط الدخول فلا وجه لترجيح أحدهما على الآخر والالتزام بدخوله دون صاحبه وهذا واضح لا يحتاج إلى إطالة الكلام ومزيد النقض والإبرام.

(وإن شملت) أحدهما الغير المعين فهو ليس فرداً غير الفردين المعينين في الخارج فانه إما هذا وإما ذاك وقد عرفت عدم صلاحية أدلة الأصول لشمول شيء منهما أصلا.

١٥٢

(وإن شملت) أحدهما على البدل بمعنى أن يدل الدليل على جواز إعمال الأصل في أحدهما مخيراً فإن أعملناه في هذا تركناه في ذاك وإن أعملناه في ذاك تركناه في هذا (لزم) مضافاً إلى عدم وفاء الدليل بذلك (استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد) فدليل واحد يشمل الشبهات البدوية على التعيين والشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي على التخيير وهو كما ترى (هذا غاية) ما يمكن ان يقال في تقريب المعارضة بنحو يجري في عموم الأصول العملية بالتشقيقات الأربعة المذكورة ومجموع التشقيقات يستفاد من مواضع متفرقة من كلام الشيخ أعلى الله مقامه فثلاثة منها قد أفادها في تعارض الاستصحابين (قال) بعد عبارته المتقدمة في ذلك المشتملة على التشقيق الأول (ما لفظه) ولا إبقاء أحدهما المعين لاشتراك الآخر معه في مناط الدخول من غير مرجح واما أحدهما المخير يعني به الغير المعين فليس من أفراد العام إذ ليس فرداً ثالثاً غير الفردين المتشخصين في الخارج فإذا خرجا لم يبق شيء (انتهى) (واما الشق الأخير) من التشقيقات الأربعة وهو الشمول لأحدهما على البدل (فقد أفاده) في موضعين (في صدر) التعادل والتراجيح في المتكافئين (وفي بحث) الاشتغال في الشبهة التحريمية الموضوعية في الموافقة القطعية عند تقريب شمول قاعدة الحل لأطراف العلم الإجمالي على البدل غير انه في الأول صرح باستلزام البدلية استعمال اللفظ في أكثر من معنى وفي الثاني قال إن البدلية ليس منها في الروايات عين ولا أثر.

(ثم إن) من جميع ما ذكر إلى هنا يظهر لك ضعف ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في بحث القطع في العلم الإجمالي من جواز إجراء الأصل في أطرافه في الشبهة الموضوعية والحكمية جميعاً ما لم يستلزم مخالفة عملية (ووجه الضعف) ان المحصل من كلامه في ذلك كما لا يخفى على من راجعه بطوله انه لا مانع عن جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي سوى المخالفة العملية نظراً إلى كونها معصية لخطاب معلوم بالتفصيل فان لم يستلزم مخالفة عملية فلا مانع عنه (والمحصل) من التشقيقات

١٥٣

الأربعة المتقدمة المستفادة من مواضع متفرقة من كلماته الشريفة ان أدلة الأصول بنفسها قاصرة عن الشمول لأطراف العلم الإجمالي كلا وبعضاً فلا يشمل شيئاً منها أبداً لا من جهة لزوم محذور خارجي وهذا مما لا يخلو عن تناقض وتناف (وكيف كان) ملخص هذا الوجه الثاني من وجوه وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي هو معارضة الأصول فيها وأن أدلة الأصول قاصرة عن الشمول لها رأساً

(وفي قبال هذا الوجه الثاني) توهم شمول دليل الأصل لتمام أطراف العلم الإجمالي غايته انه يتعذر العمل به في الكل فيجب العمل به في البعض لأنه غاية المقدور كما هو الشأن في كل مورد من موارد التزاحم فالدليل يشمل جميع الافراد والتزاحم مما يلجئنا إلى التخيير العقلي بينهما (قال) الشيخ أعلى الله مقامه في تعارض الاستصحابين بعد ما ادعى ان دليل الاستصحاب لا يشمل شيئاً من أطراف العلم الإجمالي وذكر شقوقاً ثلاثة من التشقيقات الأربعة المتقدمة كما أشير آنفاً (ما لفظه) وربما يتوهم ان عموم دليل الاستصحاب هو نظير قوله أكرم العلماء وأنقذ كل غريق واعمل بكل خير في أنه إذا تعذر العمل بالعامّ في فردين متنافيين لم يجز طرح كليهما بل لا بد من العمل بالممكن وهو أحدهما تخييراً وطرح الآخر لأن هذا غاية المقدور (انتهى) (وفيه) ان المتوهم قد خلط بين تعارض الفردين وبين تزاحمهما ولم يتفطن ان دليل الأصل بالنسبة إلى طرفي العلم الإجمالي هو من قبيل الأول وان الأمثلة التي قد ذكرها آنفاً هي من قبيل الثاني وان الفردين هما متعارضان إذا كان التنافي بينهما في مقام الجعل والتشريع بان كان الدليل بنفسه قاصراً عن الشمول لكليهما كما في المقام على نحو يعلم إجمالا بخروج أحدهما عن تحت الدليل بلا كلام وأن تزاحم الفردين لا يكاد يكون إلّا إذا كان التنافي بينهما في مقام الامتثال بان كان المكلف هو الّذي قد عجز عن الجمع بينهما لا يقدر على الإتيان بكليهما جميعاً كما في إنقاذ الغريقين دفعة واحدة لا في مقام الجعل والتشريع كما هو شأن باب التعارض مطلقاً سواء كان بين الدليلين أو بين الفردين وهذا واضح ظاهر لا ينبغي الارتياب فيه أبداً.

١٥٤

(الوجه الثالث) من وجوه وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي وعدم جريان شيء من الأصول العملية فيها لا كلا ولا بعضاً هو كون التمسك بدليل الأصل في كل من الأطراف تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية فإذا لم يصح التمسك بدليل الأصل في شيء منها وجب الاحتياط عقلا إذ المفروض ان العلم الإجمالي مؤثر في التنجيز لا محالة ولو بنحو الاقتضاء فإذا لم يثبت الترخيص الشرعي المانع عن تأثير العلم في التنجيز أثر العلم قهراً في التنجيز لوجود المقتضي وفقد المانع (وبيان هذا) كله مما يبتني على ذكر مقدمات أربع.

(الأولى) ان المعلوم بالإجمال سواء كان حكماً تكليفياً أو وضعياً أو موضوعاً من الموضوعات هو مما يحتمل وجوده في كل من طرفي العلم الإجمالي بمعنى ان له واقع معين نحن لا نعلمه إثباتاً وإن علمنا إجمالا انه مما لا يخرج عن هذين الطرفين وهذا واضح.

(الثانية) ان العلم تابع للمعلوم فإن العلم من الصفات الحقيقية ذات الإضافة وإضافته شبه خيط متصل من النّفس إلى متعلق العلم فطرف منه متصل بالنفس وطرفه الآخر متصل بالمتعلق أي بالمعلوم (وعليه) فكما ان المعلوم بالإجمال مما يحتمل وجوده في كل من طرفي العلم الإجمالي وله واقع معين وموضع خاص نحن لا نعلمه إثباتاً فكذلك العلم المتعلق به مما يحتمل قهراً وجوده في كل منهما بتبع المعلوم بالإجمال وله واقع معين وموضع خاص نحن لا نعلمه إثباتاً.

(الثالثة) أن العلم المحتمل وجوده في كل من طرفي العلم الإجمالي بتبع احتمال وجود المعلوم بالإجمال هو مانع عن الأصول العملية فإن المستفاد من أدلتها على اختلاف ألسنتها ان الشك موضوع للأصل العملي قد أخذ في لسان الدليل شرعاً فمهما حصل العلم ارتفع الشك ولم يجر الأصل العملي أبداً.

(الرابعة) أن مع احتمال وجود المانع في كل من طرفي العلم الإجمالي يكون التمسك بدليل الأصل فيه تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية فلا يجوز التمسك به

١٥٥

قهراً فإذا لم يجز التمسك به ولم يجر الأصل الشرعي في أطراف العلم الإجمالي لا كلا ولا بعضاً أثر العلم الإجمالي كما أشير آنفاً في التنجيز لا محالة لوجود المقتضي وهو العلم الإجمالي وعدم المانع عنه وهو الترخيص الشرعي المانع عن التنجيز فيجب الاحتياط عقلا فتأمل جيداً فإن المقام لا يخلو عن دقة.

قاعدة الحل بظاهرها تشمل تمام أطراف

العلم الإجمالي

(ثم إن) انها أمرين لا بأس بالتنبيه عليهما.

(أحدهما) أن قاعدة الحل هي بظاهرها مما تشمل أطراف العلم الإجمالي جميعاً من دون ان يكون التمسك بأدلتها في كل طرف من الأطراف تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية (وذلك) لأن أدلتها على اختلاف ألسنتها (مثل) قوله عليه‌السلام في رواية مسعدة بن صدقة كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه (وقوله عليه‌السلام) في رواية عبد الله بن سليمان كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه إلى غير ذلك مما تقدم تفصيله في البراءة ظاهرة في اعتبار العلم التفصيليّ في الغاية وهو مفقود في أطراف العلم الإجمالي فإذا جرت في جميعها لفقد الغاية لم يكن التمسك به في كل منها تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية إذ المفروض أن هذا الأصل من بين ساير الأصول لا يكون مطلق العلم مانعاً عنه بل المانع عنه هو خصوص العلم التفصيليّ وهو مما لا يحتمل وجوده في شيء من الأطراف (واما ما ادعاه الشيخ) في الاشتغال في الشبهة التحريمية الموضوعية في ذيل بيان حرمة المخالفة القطعية من ان قوله عليه‌السلام بعينه في رواية مسعدة كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه تأكيد للضمير الراجع

١٥٦

إلى الشيء جيء به للاهتمام في اعتبار العلم كما يقال رأيت زيداً نفسه لدفع توهم وقوع الاشتباه في الرؤية وانه مما لا ينافى إجمالية العلم فإذا علم إجمالا أن إناء زيد المردد بين الإناءين حرام فالإناء مما يصدق عليه انه شيء علم حرمته بعينه (فهو) وإن كان حقاً في الجملة ولكن مع ذلك تأكيد الضمير الراجع إلى الشيء بكلمة بعينه مما يوجب ظهور الشيء في الأمر المفروز الممتاز في الخارج بحيث يمكن الإشارة الحسية إليه (ولو سلم عدم ظهوره في ذلك فالحديث الثاني وهو قوله عليه‌السلام كلما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه ظاهر في ذلك جداً وقد اعترف الشيخ بنفسه بذلك فقال فيه ان قوله عليه‌السلام بعينه قيد للمعرفة فمؤداه اعتبار معرفة الحرام بشخصه ولا يتحقق ذلك إلا إذا أمكنت الإشارة الحسية إليه (انتهى).

(وبالجملة) إن أدلة قاعدة الحل ظاهرة في كون الحلية المجعولة في ظرف الشك في مغياة بالعلم التفصيليّ بالحرام وهو مفقود في أطراف العلم الإجمالي فلا تأبي عن الشمول لها بل تشملها ولا تكون مناقضة مع الحرمة المعلومة بالإجمال إذ من شمولها لها يعرف ان الحرمة الواقعية هي مما لا كراهة على طبقها ما لم يعلم بها تفصيلا كما لا يلزم منه المناقضة بين الغاية والمغيا أصلا بعد كون الغاية هي العلم التفصيليّ المفقود في الأطراف ولا كون التمسك بها للحلية في كل من الأطراف تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية بعد كون المانع في خصوص هذا الأصل هو العلم التفصيليّ لا مطلق العلم ولو كان إجمالياً.

(نعم الإنصاف) أن هذا الظهور غير معمول به عند الأصحاب كما تقدم في روايات البراءة فلا يمكن الاعتماد عليه ولا الاستناد إليه فلا يفتى بحلية كل من الإناءين اللذين علم إجمالا أن أحدهما خمر أو نجس أو غصب ولم يعلم أن أحداً من الأصحاب قد أفتى بذلك سوى ما ذكره الشيخ في الشبهة التحريمية الموضوعية من الاشتغال من انه حكى عن ظاهر بعض جوازها يعني المخالفة القطعية وسوى ما حكاه

١٥٧

الحدائق في الماء المشتبه عن المحدث الكاشاني في المفاتيح والفاضل الخراسانيّ في الكفاية من انهما قد ذهبا إلى حل ما اختلط بالحرام وان كان محصوراً استناداً إلى صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في البراءة كل شيء يكون فيه حرام وحلال فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه.

في قيام الأمارات في أطراف العلم الإجمالي

(ثانيهما) انه بعد ما عرفت حال جريان الأصول العملية في أطراف العلم الإجمالي وانها مما لا تجري فيها لا كلا ولا بعضاً فلا بأس بالإشارة إلى حال قيام الأمارات في أطرافها كلا وبعضاً (فنقول) أما قيام الأمارات في تمام أطراف العلم الإجمالي (فان كانت) الأمارة على وفق المعلوم بالإجمال فلا إشكال في جوازه كما إذا علمنا إجمالا بنجاسة أحد الإناءين وقامت أمارة على نجاسة هذا وأمارة أخرى على نجاسة ذاك (واما إذا كانت) على خلاف المعلوم بالإجمال فلا إشكال في عدم جوازه كما إذا علمنا إجمالا بنجاسة أحد الإناءين وقامت أمارة على طهارة هذا وأمارة أخرى على طهارة ذاك فإنا نعلم حينئذ بكذب إحدى الأمارتين فتتعارضان الأمارتان وتتساقطان وسيأتي تفصيل مقتضي القاعدة الأولية في تعارض الأمارتين في صدر التعادل والتراجيح وانه التساقط.

(نعم) مقتضي القاعدة الثانوية المستفادة من الإجماع والاخبار العلاجية في خصوص الخبرين المتعارضين هو عدم التساقط بل الترجيح أو التخيير على الخلاف الآتي إن شاء الله تعالى (هذا كله) إذا قامت الأمارة في تمام أطراف العلم الإجمالي على وفق المعلوم بالإجمال أو على خلافه (واما إذا قامت) في بعض أطرافها فلا إشكال في جوازه أيضاً (فإن قامت) على وفق المعلوم بالإجمال (فان كان) ما قامت عليه الأمارة بمقدار المعلوم بالإجمال انحل العلم الإجمالي من أصله كما إذا

١٥٨

علمنا إجمالا بوجود عشرة شياة موطوءة في قطيع الغنم ثم قامت الأمارة على موطوئية عشرة معينة منها (وان كان) دون المعلوم بالإجمال فينحل العلم الإجمالي بمقدار ما قامت عليه الأمارة بحيث إذا قامت أمارة أخرى على مقدار آخر وكان المجموع بمقدار المعلوم بالإجمال انحل العلم الإجمالي من أصله (واما إذا كانت) الأمارة القائمة في بعض الأطراف على خلاف المعلوم بالإجمال فيخرج موردها عن كونه طرفاً للعلم الإجمالي ولم يبق موجب للاحتياط فيه أصلا الا في سائر الأطراف ففي مثال القطيع إذا قامت الأمارة على عدم موطوئية غنم معين لم يجب الاحتياط فيه وانحصر الاجتناب بما سواه وهذا واضح.

(قوله ومن هنا انقدح انه لا فرق بين العلم التفصيليّ والإجماليّ ... إلخ)

أي ومما تقدم من أن التكليف المعلوم بينهما إن كان فعلياً من جميع الجهات فلا محيص عن تنجزه وصحة العقوبة على مخالفته وان لم يكن فعلياً كذلك لم يكن هناك مانع عقلا ولا شرعاً عن شمول أدلة البراءة الشرعية للأطراف انقدح انه لا فرق بين العلم التفصيليّ والإجمالي أصلا وانما الفرق هو في طرف المعلوم بالإجمال فقد يكون فعلياً من جميع الجهات وقد لا يكون كذلك (وفيه ما لا يخفى) إذ بعد الاعتراف بأن التكليف المعلوم بالإجمال قد لا يكون فعلياً من جميع الجهات بل يكون فعلياً من ساير الجهات على نحو لو علم به تفصيلا لتنجز دون ما إذا علم به إجمالا (فلا محالة) يكون فرق بين العلم التفصيليّ والإجمالي من ناحية التأثير في التنجيز وعدمه وإلّا لم يعقل ان يكون تكليف واحد قد فرض فعليته من ساير الجهات يصير منجزاً بالعلم التفصيليّ دون الإجمالي (ولعله) إليه أشار أخيراً بقوله فافهم.

(قوله فافهم ... إلخ)

قد أشير الآن إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.

١٥٩

(قوله ثم ان الظاهر انه لو فرض ان المعلوم بالإجمال كان فعلياً من جميع الجهات لوجب عقلا موافقته مطلقاً ولو كانت أطرافه غير محصورة إلى آخره)

قد عرفت ان الملاك في وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي بنظر المصنف هو كون التكليف المعلوم بالإجمال فعلياً من جميع الجهات بان كان واجداً لما هو العلة التامة للبعث والزجر أي الإرادة والكراهة على ما تقدم لك شرحهما قبلا (وعليه) فالتكليف المعلوم بالإجمال ان كان واجداً لهذا الملاك بان كان فعلياً من جميع الجهات وجب الاحتياط عقلا في أطرافه وان كانت كثيرة غير محصورة وإلّا لم يجب الاحتياط وان كانت قليلة محصورة فلا عبرة إذاً بحصر الأطراف وعدم حصرها في وجوب الاحتياط وعدمه بل العبرة بفعلية التكليف المعلوم بالإجمال من جميع الجهات وعدمها.

(نعم قد تلازم) كثرة الأطراف وعدم حصرها ما يوجب سقوط التكليف المعلوم بالإجمال عن الفعلية كما إذا كانت الأطراف الكثيرة مما اشتد به الحاجة على نحو لو اجتنب عن الكل وقع في العسر والحرج الرافعين للتكليف فلا يجب الاحتياط حينئذ لكن لا من جهة تفاوت في العلم الإجمالي بل من جهة التفاوت في ناحية المعلوم بالإجمال (هذا مجمل القول) في الشبهة الغير المحصورة وسيأتي الكلام فيها بنحو أبسط في التنبيه الثالث من تنبيهات هذا البحث وقد استعجل المصنف في التعرض لها من غير ملزم.

(قوله وقد عرفت آنفاً انه لا تفاوت بين التفصيلي والإجماليّ في ذلك ما لم يكن تفاوت في طرف المعلوم أيضاً ... إلخ)

أي قد عرفت آنفاً انه لا تفاوت بين العلم التفصيليّ والإجمالي في التنجيز وعدمه ما لم يكن تفاوت في طرف المعلوم بالإجمال (هذا) ولكنك قد عرفت منا آنفاً الفرق

١٦٠