عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٣١

(قوله وربما يشكل في جريان الاحتياط في العبادات عند دوران الأمر بين الوجوب وغير الاستحباب من جهة ان العبادة لا بد فيها من نية القربة المتوقفة على العلم بأمر الشارع تفصيلا أو إجمالا ... إلخ)

هذا الإشكال من الشيخ أعلى الله تعالى مقامه قد ذكره في التنبيه الثاني من تنبيهات الشبهة الوجوبية الحكمية (قال) وفي جريان ذلك يعني الاحتياط في العبادات عند دوران الأمر بين الوجوب وغير الاستحباب وجهان أقواهما العدم لأن العبادة لا بد فيها من نية التقرب المتوقفة على العلم بأمر الشارع تفصيلا أو إجمالا كما في كل من الصلوات الأربع عند اشتباه القبلة (انتهى).

(قوله وحسن الاحتياط عقلا لا يكاد يجدى في رفع الإشكال ولو قيل بكونه موجباً لتعلق الأمر به شرعاً بداهة توقفه على ثبوته ... إلخ)

الشيخ أعلى الله مقامه بعد أن ذكر الإشكال المتقدم ذكر وجهين للتفصي عنه ثم أجاب عنهما (اما الوجهان).

(فأحدهما) انه يترتب الثواب على الاحتياط ومن ترتبه عليه نستكشف الأمر به فتصح العبادة.

(وثانيهما) أن العقل مستقل بحسن الاحتياط وبقاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع نستكشف الأمر به شرعاً فتصح العبادة أيضاً (واما الجواب عنهما) فحاصله المنع من ترتب الثواب وأن استقلال العقل بحسن الاحتياط مما لا يكشف عن تعلق الأمر المولوي به الا الإرشادي فإن الاحتياط انقياد بحكم الإطاعة فكما أن الإطاعة الحقيقية مما لا يكون الأمر بها إلا إرشادياً فكذلك الإطاعة الحكمية ومن المعلوم أن الإرشادي مما لا يجدي في جعل الشيء عبادة لعدم حصول القرب به ما لم يكن مولوياً (ثم إن) المصنف قد أشار إلى وجهي التفصي والجواب عنهما جميعاً وأضاف على جواب الشيخ عنهما جواباً آخر قد أخذه من كلام الشيخ أيضاً وقدّمه في الذّكر ونعم ما صنع (فقوله) وحسن الاحتياط ... إلخ إشارة إلى الجواب

١٠١

الآخر عن الوجه الثاني (وقوله) الآتي وقد انقدح بذلك ... إلخ إشارة إلى الجواب الآخر عن الوجه الأول وحاصله أن الأمر بالاحتياط سواء كان من ترتب الثواب عليه أو من استقلال العقل بحسنه هو فرع ثبوت الاحتياط وإمكانه فكيف يعقل أن يكون الأمر به من مبادئ ثبوته وإمكانه وهل هو الا دور صريح.

(أقول)

وهذا الجواب عن الوجهين وإن كان متيناً في محله ولكن الجواب الأول عنهما ضعيف جداً لما عرفته منا في الفور والتراخي مفصلا وأشير في ذيل الجواب عن أخبار الاحتياط مختصراً من أن أوامر الشارع كلها مولوية ليست إرشادية كأوامر الطبيب خالية عن الإرادة والكراهة قد أنشئت لمجرد التنبيه على ما في الفعل من الخواصّ والآثار والمنافع والمضار فراجع ولا نعيد (والحق في الجواب) عن وجهي التفصي مضافاً إلى الجواب الآخر عنهما الّذي اعترفنا انه متين في محله (ان يقال) إن الأمر بالاحتياط مما لا يصحح الاحتياط في العبادات بزعم انه أمر معلوم قطعي فيقصد ويحصل به قصد القربة فان الفعل ما لم يؤت به برجاء مطلوبيته الواقعية لم يكن احتياطاً وإذا أتى به كذلك لم يكن إتيانه به بداعي الأمر المعلوم القطعي وهذا واضح ظاهر.

(قوله وانقدح بذلك انه لا يكاد يجدى في رفعه أيضاً القول بتعلق الأمر به من جهة ترتب الثواب عليه ... إلخ)

قد أشرنا ان قوله هذا إشارة إلى الجواب الآخر عن الوجه الأول للتفصي كما ان قوله وحسن الاحتياط .... إلخ كان إشارة إلى الجواب الآخر عن الوجه الثاني للتفصي

(قوله هذا مع ان حسن الاحتياط لا يكون بكاشف عن تعلق الأمر به بنحو اللم ولا ترتب الثواب عليه بكاشف عنه بنحو الإن ... إلخ)

قد أشار بقوله هذا إلى جواب الشيخ عن وجهي التفصي.

(قوله وما قيل في دفعه من كون المراد بالاحتياط في العبادات هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نية القربة فيه مضافاً ... إلخ)

القائل هو الشيخ أعلى الله مقامه وما قاله هو بمنزلة وجه ثالث للتفصي عن الإشكال

١٠٢

(قال) فيما أفاده في المقام ما هذا لفظه إن المراد من الاحتياط والاتقاء في هذه الأوامر هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نية القربة فمعنى الاحتياط بالصلاة الإتيان بجميع ما يعتبر فيها عدا قصد القربة فأوامر الاحتياط يتعلق بهذا الفعل وحينئذ فيقصد المكلف فيه التقرب بإطاعة هذا الأمر (انتهى) (وقد أورد) عليه المصنف من وجهين.

(الأول) ان الإتيان بالفعل المجرد عن قصد القربة ليس احتياطاً في العبادات

(نعم) إذا ورد دليل على الاحتياط في العبادات وفرضنا انه عجزنا عن تصوير الاحتياط فيها فعند ذلك لا بد بدليل الاقتضاء وحفظ كلام الحكيم عن اللغو من حمله على الاحتياط بالمعنى المذكور ولكن ستعرف تصوير الاحتياط فيها بلا حاجة إلى الحمل المذكور (وقد أشار) إلى هذا الوجه بقوله فيه مضافاً إلى عدم مساعدة دليل حينئذ على حسنه بهذا المعنى ... إلخ.

(الثاني) ان الاحتياط في العبادات بالمعنى المذكور تسليم للإشكال وعجز في الحقيقة عن تصوير الاحتياط فيها (وقد أشار) إلى هذا الوجه بقوله أخيراً انه التزام بالإشكال وعدم جريانه فيها وهو كما ترى ... إلخ.

(قوله قلت لا يخفى ان منشأ الإشكال هو تخيل كون القربة المعتبرة في العبادة مثل ساير الشروط المعتبرة فيها مما يتعلق بها الأمر المتعلق بها فيشكل جريانه حينئذ لعدم التمكن من إتيان جميع ما اعتبر فيها وقد عرفت انه فاسد ... إلخ)

شروع في الجواب عن الإشكال الّذي أورده الشيخ أعلى الله مقامه في جريان الاحتياط في العبادات من ناحية عدم تمشي قصد القربة الا مع العلم بالأمر ولا علم به في الشبهات البدوية (وحاصل الجواب) ان الإشكال مبتن على كون القربة المعتبرة في العبادة مما يتعلق به الأمر شرعاً كسائر الاجزاء والشرائط فحينئذ يشكل جريان الاحتياط في العبادات لأن الاحتياط فيها عبارة عن الإتيان بكل ما احتمل

١٠٣

وجوبه شرعاً حتى قصد القربة وقصد القربة مما يحتاج إلى الأمر المعلوم تفصيلا أو إجمالا ولا أمر كذلك في الشبهات البدوية.

(واما) إذا كان اعتبار قصد القربة بحكم العقل ولم يكن داخلا في المأمور به كما حققناه في التعبدي والتوصلي فجريان الاحتياط في العبادات في كمال الإمكان للتمكن من الإتيان بكل ما احتمل وجوبه شرعاً من الاجزاء والشرائط غايته انه لا بد أن يؤتي به على نحو لو كان مأموراً به واقعاً كان مقرباً فيؤتى به بداعي احتمال الأمر أو بداعي احتمال محبوبيته فإن كان مأموراً به واقعاً كان امتثالا لأمره وإن لم يكن مأموراً به كان انقياداً للمولى فهو على كل حال يستحق الثواب إما على الطاعة وإما على الانقياد.

(أقول)

والإنصاف أن الإشكال غير مبتن على كون القربة المعتبرة في العبادة كسائر الاجزاء والشرائط مما يتعلق به الأمر شرعاً بل هو إشكال غير مربوط بهذه الناحية أبداً فإن التقرب معتبر في العبادة لا محالة سواء كان بحكم الشرع أو بحكم العقل والمستشكل يدعي توقف التقرب المعتبر فيها إما شرعاً أو عقلا على العلم بالأمر اما تفصيلا أو إجمالا ولا أمر كذلك في الشبهات البدوية (والحق) في جوابه هو المنع عن توقفه على العلم بالأمر بل التقرب كما يحصل بإتيان الفعل بداعي الأمر في صورة العلم به فكذلك يحصل بإتيانه بداعي احتمال الأمر وبرجاء مطلوبيته الواقعية في صورة الشك فيه ولو لا ذلك لم يتمش قصد القربة حتى في صورة العلم الإجمالي بالأمر كما في الصلوات الأربع عند اشتباه القبلة لعدم العلم بالأمر في كل صلاة يصليها المكلف على حده فيكون حالها كحال الصلاة في الشبهات البدوية عيناً (ولو سلم الفرق بينهما فبعد الإتيان بأحد المحتملات يرتفع العلم الإجمالي لاحتمال مصادفة ما أتى به مع المأمور به الواقعي وإن فرض بقاء أثره وهو وجوب الإتيان بباقي المحتملات عقلا فكما يقال حينئذ إن قصد القربة يتمشى بالإتيان بالفعل برجاء كونه مأموراً

١٠٤

به فكذلك يقال في الشبهات البدوية عيناً (هذا كله) مضافاً إلى اعتراف الشيخ بنفسه في قوله المتقدم في صدر المسألة الثاني انه لا إشكال في رجحان الاحتياط بالفعل حتى فيما احتمل كراهته والظاهر ترتب الثواب عليه إذا أتى به لداعي احتمال المحبوبية لأنه انقياد وإطاعة حكمية ... إلخ بجريان الاحتياط في التوصليات وترتب الثواب على الفعل المأتي به بداعي احتمال محبوبيته الواقعية (ومن المعلوم) ان الثواب فيما إذا لم يكن الفعل محبوباً واقعاً وان كان على الانقياد ولكن فيما إذا كان محبوباً واقعاً لا يكاد يكون الا على نفس الفعل والفعل لا يثاب عليه إلّا إذا وقع عبادة ومتقرباً به فلو كان قصد القربة مما يتوقف على العلم بالأمر فكيف وقع الفعل متقرباً به وترتب الثواب عليه مع انتفاء العلم بالأمر (بل اعترف الشيخ) في العبادات أيضاً بعين ما ذكرناه من كفاية الإتيان بداعي احتمال كونه مأموراً به (فقال) ويحتمل الجريان يعني الاحتياط في العبادات (قال) بناء على ان هذا المقدار من الحسن العقلي يكفي في العبادة ومنع توقفها على ورود أمر بها بل يكفي الإتيان به لاحتمال كونه مطلوباً أو كون تركه مبغوضاً ولذا استقرت سيرة العلماء والصلحاء فتوى وعملا على إعادة العبادات لمجرد الخروج عن مخالفة النصوص الغير المعتبرة والفتاوي النادرة (انتهى) كلامه رفع مقامه.

١٠٥

لا حاجة في جريان الاحتياط في العبادات

إلى اخبار من بلغه ثواب

(قوله وقد انقدح بذلك انه لا حاجة في جريانه في العبادات إلى تعلق أمر بها بل لو فرض تعلقه بها لما كان من الاحتياط بشيء بل كسائر ما علم وجوبه أو استحبابه منها كما لا يخفى فظهر انه لو قيل بدلالة اخبار من بلغه ثواب ... إلخ)

المقصود من ذلك هو تضعيف ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه (قال) في جملة ما أفاده في المقام (ما لفظه) ثم إن منشأ احتمال الوجوب إذا كان خبراً ضعيفاً فلا حاجة إلى أخبار الاحتياط وكلفة إثبات ان الأمر فيها للاستحباب الشرعي دون الإرشاد العقلي لورود بعض الأخبار باستحباب فعل كل ما يحتمل فيه الثواب كصحيحة هشام بن سالم المحكية عن المحاسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله (إلى ان قال) والاخبار الواردة في هذا الباب كثيرة (انتهى).

(فيقول المصنف) ما حاصله انه قد ظهر بما تقدم انه لا حاجة في جريان الاحتياط في العبادات إلى تعلق أمر معلوم بها ليقصد ويتحقق به القربة لكفاية الإتيان بالفعل بداعي احتمال الأمر وبرجاء مطلوبيته الواقعية بل لو فرض تعلق أمر معلوم بها لم يكن الإتيان بها بداعيه من باب الاحتياط بل كان كسائر المستحبات التي تعلق بها أمر معلوم (وعليه) فلو قيل بدلالة اخبار من بلغه ثواب على استحباب العمل الّذي بلغ عليه الثواب فليست هي مجدية لجريان الاحتياط في العبادات

١٠٦

ومصححاً له فيها بل دالة على استحبابه كسائر ما دل الدليل على استحبابه (انتهى) محصل كلام المصنف.

(ثم إن) اخبار من بلغه ثواب كثيرة كما أشار إليه الشيخ أعلى الله مقامه قد عقد لها باباً في الوسائل في أبواب مقدمة العبادات سماه بباب استحباب الإتيان بكل عمل مشروع روي له ثواب منهم عليهم‌السلام ... إلخ.

(فمنها) صحيحة هشام بن سالم المتقدمة (ويقرب منها) ما رواه هشام عن صفوان عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(ومنها) ما رواه محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان له ذلك الثواب وان كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله.

(ومنها) ما رواه هشام بن سالم أيضاً عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من سمع شيئاً من الثواب على شيء فصنعه كان له وإن لم يكن على ما بلغه.

(ومنها) ما رواه محمد بن مروان أيضاً قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه.

(ومنها) ما رواه الصدوق عن محمد بن يعقوب بطرقه إلى الأئمة من بلغه شيء من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه وان لم يكن الأمر كما نقل إليه.

(ومنها) ما رواه في الإقبال عن الصادق عليه‌السلام قال من بلغه شيء من الخير فعمل به كان له ذلك وإن لم يكن الأمر كما بلغه.

(قوله لا يقال هذا لو قيل بدلالتها على استحباب نفس العمل الّذي بلغ عليه الثواب بعنوانه ... إلخ)

(حاصل الإشكال) انه لو قلنا بدلالة اخبار من بلغه ثواب على استحباب نفس

١٠٧

العمل الّذي بلغ عليه الثواب بما هو هو لم يكن العمل حينئذ احتياطاً بل كان مستحباً كسائر ما دل الدليل على استحبابه (واما إذا قلنا) انها تدل على استحباب العمل المأتي به بداعي كونه محتمل الثواب وبرجاء كونه مطلوباً واقعاً كما دل عليه قوله المتقدم في بعض الروايات فعمل ذلك التماس ذلك الثواب أو ففعل ذلك طلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى غير ذلك فهي دالة على استحباب الاحتياط كالأوامر المتعلقة بالاحتياط بناء على كونها مولوية للاستحباب الشرعي لا للإرشاد فتكون مجدية لجريان الاحتياط في العبادات ومصححة له فيها (وقد أجاب) عنه المصنف بوجهين

(الأول) ان الأمر بالاحتياط ولو فرض كونه مولوياً لكان توصلياً لم ينفع في جعل الشيء عبادة ولا يصحح الاحتياط في العبادات أصلا.

(وفيه) أن الأمر التوصلي إذا قصد وقع الفعل بسببه عبادة كالأمر التعبدي عيناً فلا فرق بينهما من ناحية حصول القرب بهما ووقوع الفعل بسببهما عبادة إذا قصداً أبداً وإن كان بينهما فرق من ناحية أخرى وهي أن التوصلي مما يحصل الغرض منه كيف ما اتفق وإن لم يؤت به على وجه الامتثال والتعبدي لا يكاد يحصل الغرض منه إلا إذا أتى به على وجه الامتثال.

(الثاني) انه لو فرض كونه مولوياً عبادياً لم يصحح الاحتياط في العبادات قطعاً لما تقدم في الأمر بالاحتياط المستكشف لما من حسن الاحتياط عقلا أو المستكشف إناً من ترتب الثواب عليه شرعاً أن الأمر بالاحتياط فرع ثبوت الاحتياط وإمكانه فكيف يعقل أن يكون الأمر به من مبادئ ثبوته وجريانه (وعليه) فأخبار من بلغه ثواب مما لا تجدي لتصحيح الاحتياط في العبادات كالأمر بالاحتياط عيناً إلّا الإتيان بها برجاء مطلوبيتها الواقعية وبداعي احتمال الأمر بها كما قلنا آنفاً.

(قوله ثم انه لا يبعد دلالة بعض تلك الاخبار على استحباب ما بلغ عليه الثواب فإن صحيحة هشام بن سالم ... إلخ)

(ظاهر الشيخ) أعلى الله مقامه بل صريحه في العبارة المتقدمة أعنى قوله ثم إن منشأ

١٠٨

احتمال الوجوب إذا كان خبراً ضعيفاً ... إلخ هو كون أخبار من بلغه ثواب دالة على استحباب نفس العمل الّذي بلغ عليه الثواب (لكن) أورد عليه بعداً من وجوه وناقش في تلك الوجوه الا الأول منها (ومحصل) الأول أن ثبوت الأجر مما لا يدل على استحباب نفس العمل الّذي بلغ عليه الثواب (قال) لأن الظاهر من هذه الأخبار كون العمل متفرعاً على البلوغ وكونه الداعي على العمل ... إلخ ويعني بذلك ان العمل بقرينة التفريع على البلوغ كما تقدم في لسان الاخبار هو العمل المأتي به بداعي البلوغ فالثواب يكون على العمل المأتي به كذلك أي على الاحتياط لا على نفس العمل الّذي بلغ عليه الثواب بما هو هو (ثم قال) ويؤيده تقييد العمل في غير واحد من تلك الاخبار بطلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والتماس الثواب الموعود (انتهى)

(فيقول المصنف) إنه لا يبعد دلالة بعض تلك الاخبار كالصحيحة المتقدمة وما شاكلها مما ليس فيه تقييد بالإتيان بداعي طلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو بالتماس ذلك الثواب على استحباب نفس العمل الّذي بلغ عليه الثواب بما هو هو فانها ظاهرة في كون الأجر مترتباً على نفس العمل لا على العمل المأتي به بداعي البلوغ وبرجاء الثواب.

(وفيه) (مضافاً) إلى ما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه من ان الظاهر من الاخبار المذكورة بقرينة التفريع هو كون الأجر والثواب مترتبين على العمل المأتي به بداعي البلوغ وبرجاء الثواب لا على نفس العمل بما هو هو وان تقييد بعضها بالإتيان بداعي طلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو التماس الثواب مما يؤيد ذلك (انه من المستبعد جداً) أن يصير نفس العمل الّذي قد بلغ عليه الثواب بما هو هو مستحباً شرعاً بحيث كان البلوغ بخبر ضعيف مما له موضوعية وسببية في انقلاب الفعل عما هو عليه وفي صيرورته مستحباً شرعياً بل الثواب المذكور في الاخبار هو الثواب على الاحتياط الّذي يستقل به العقل غير ان العقل يستقل بمجرد استحقاق الثواب فقط وهذه الاخبار تخبر عن تفضل الله تبارك وتعالى على المحتاط بإعطائه عين ذلك

١٠٩

الثواب الموعود الّذي بلغه وشخص ذلك الأجر الّذي قد أتي بالفعل برجائه والتماسه وهذا لدى التدبر واضح فتدبر.

(واما الثمرة بين القولين) فقد قال الشيخ أعلى الله مقامه (ما لفظه) ثم إن الثمرة بين ما ذكرنا وبين الاستحباب الشرعي يظهر في ترتب الآثار المترتبة الشرعية على المستحبات الشرعية مثل ارتفاع الحدث المترتب على الوضوء المأمور به شرعاً فإن مجرد ورود خبر غير معتبر بالأمر به لا يوجب إلّا استحقاق الثواب عليه ولا يترتب عليه رفع الحدث فتأمل وكذا الحكم باستحباب غسل المسترسل من اللحية في الوضوء من باب مجرد الاحتياط لا يسوغ جواز المسح ببلله بل يحتمل قوياً أن يمنع من المسح ببلله وإن قلنا بصيرورته مستحباً شرعياً فافهم (انتهى) كلامه رفع مقامه

(أقول)

لو كان الأمر بالوضوء منحصراً بالأمر الغيري لأجل غاية من الغايات لكان مما تظهر فيه الثمرة كما ذكر الشيخ (فإذا) ورد خبر غير معتبر بأن من توضأ مثلا ودخل المسجد فله كذا وكذا فعلى القول باستحباب نفس العمل الّذي بلغ عليه الثواب يكون الوضوء مستحباً شرعياً ولو غيرياً يرتفع به الحدث وعلى القول باستحباب إتيان العمل بداعي البلوغ وبرجاء الثواب أي باستحباب الاحتياط لم يعلم كون الوضوء مستحباً حينئذ إذ لم يعلم صدق الخبر الّذي قد بلغ المكلف فلا يعلم ارتفاع الحدث به (وأما إذا قلنا) ان الوضوء مستحب نفسي كما يستفاد ذلك من بعض الروايات مثل قوله (من أحدث ولم يتوضأ جفاني) أو (أكثر من الطهور يزيد الله في عمرك) إلى غير ذلك من الاخبار فلا تظهر فيه الثمرة فإذا ورد خبر غير معتبر يأمر بالوضوء لغاية من الغايات فهو مستحب نفسي على كل حال يرتفع به الحدث لا محالة سواء كان الخبر صادقاً أو كاذباً (ولعله) لهذا قال أعلى الله مقامه فتأمل (وأما غسل) المسترسل من اللحية فالظاهر انه على القول باستحبابه شرعاً كما عن الإسكافي لا مانع عن المسح ببلله فإنه حينئذ جزء من أجزاء الوضوء غايته أنه من

١١٠

أجزائه المستحبة كبعض أجزاء الصلاة فلا وجه لما احتمله الشيخ قوياً من المنع عن المسح ببلله وإن قلنا بصيرورته مستحباً شرعياً (هذا مضافاً) إلى عدم ورود خبر على الظاهر معتبر أو غير معتبر بغسل المسترسل من اللحية كي تظهر فيه الثمرة ولعله إلى أحد الأمرين قد أشار الشيخ بقوله فافهم (والصحيح) في الثمرة انها تظهر في النذر وشبهه فإذا نذر أن يأتي بمستحب شرعي وقد بلغه شيء من الثواب بخبر غير معتبر فعمله لا بداعي البلوغ وبرجاء الثواب فعلى القول باستحباب نفس العمل الّذي بلغ عليه الثواب قد أتى بالنذر وحصل البرء وعلى القول باستحباب إتيان العمل بداعي البلوغ وبرجاء الثواب لم يف بالنذر ولم يحصل البرء أصلا فتأمل جيداً.

(قوله وكون العمل متفرعاً على البلوغ وكونه الداعي إلى العمل غير موجب ... إلخ)

تضعيف للكلام المتقدم من الشيخ أعلى الله مقامه (وهو قوله) لأن الظاهر من هذه الاخبار كون العمل متفرعاً على البلوغ وكونه الداعي على العمل ... إلخ (وحاصله) ان تفرع العمل على البلوغ وكون البلوغ هو الداعي إليه مما لا يوجب أن يكون الثواب مترتباً عليه فيما إذا أتى به برجاء كونه مطلوباً وبعنوان الاحتياط فان الداعي إلى الفعل مما لا يوجب للفعل وجهاً وعنواناً يؤتي به بذاك الوجه والعنوان (وفيه ما لا يخفى) فإن الداعي إلى الفعل مما يوجب لا محالة وجهاً وعنواناً للفعل يكون الإتيان به بذاك الوجه والعنوان وإلّا لم يكن الداعي داعياً (فإن التأديب) الداعي إلى ضرب اليتيم مثلا مما يوجب لا محالة حدوث وجه وعنوان للضرب يكون الإتيان به بذلك الوجه والعنوان (وهكذا التعظيم) الداعي إلى القيام مثلا مما يوجب لا محالة حدوث وجه وعنوان للقيام يكون الإتيان به بذاك الوجه والعنوان (وهكذا التقرب) الداعي إلى الإتيان بالصلاة مما يوجب لا محالة حدوث عنوان للصلاة يكون الإتيان بها بذلك العنوان وهكذا وهكذا (وعليه) ففي المقام احتمال الثواب وبلوغه الداعي إلى الفعل مما يوجب لا محالة حدوث وجه وعنوان للفعل يكون الإتيان به بذلك

١١١

الوجه والعنوان وهو عنوان الاحتياط (والظاهر) من أخبار من بلغه ثواب كما تقدم قبلا ان الثواب مترتب على الفعل المعنون بهذا العنوان فيكون هو المستحب لا على نفس الفعل الّذي قد بلغ عليه الثواب بما هو هو فتدبر جيداً.

(قوله وإتيان العمل بداعي طلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما قيد به في بعض الأخبار وان كان انقياداً ... إلخ)

إن قول المصنف هذا وهكذا قوله الآتي أو التماساً للثواب الموعود ... إلخ تضعيف أيضاً للكلام المتقدم من الشيخ أعلى الله مقامه وهو قوله ويؤيده تقييد العمل في غير واحد من تلك الاخبار بطلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والتماس الثواب الموعود ... إلخ (وحاصل التضعيف) ان تقييد بعض الاخبار بطلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو بالتماس الثواب الموعود غير مربوط بصحيحة هشام المتقدمة إذ الثواب فيها مترتب على نفس العمل فلا وجه لتقييدها به بل لو أتى بالعمل طلباً لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو التماساً للثواب الموعود لترتب الثواب على نفس العمل بمقتضى إطلاق الصحيحة (وفيه) ما تقدم آنفاً من ان ظاهر الاخبار جميعاً مع قطع النّظر عن التقييد في بعضها بطلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو بالتماس ذلك الثواب بقرينة التفريع على البلوغ الموجود في الكل هو كون الثواب مترتباً على العمل المأتي به بداعي البلوغ وبرجاء كونه مأموراً به لا على نفس العمل بما هو هو (هذا مضافاً) إلى ما عرفت من انه من المستبعد جداً أن يصير نفس العمل الّذي قد بلغ عليه الثواب بما هو هو مستحباً شرعاً بحيث كان البلوغ بخبر ضعيف مما له موضوعية وسببية في انقلاب الفعل عما هو عليه وفي صيرورته مستحباً شرعياً بعد أن لم يكن مستحباً واقعاً.

(قوله فيكون وزانه وزان من سرح لحيته أو من صلى أو صام فله كذا ... إلخ)

أي فيكون وزان قوله عليه‌السلام من بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له ... إلخ وزان قوله عليه‌السلام من سرح لحيته فله كذا وكذا

١١٢

فكما أن من ترتب الثواب على العمل في الثاني يعرف استحباب العمل وكونه مطلوباً شرعاً فكذلك من ترتبه عليه في الأول (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى ذلك ثم ردّ عليه (قال) واما ما يتوهم من استفادة الاستحباب الشرعي فيما نحن فيه نظير استفادة الاستحباب الشرعي من الاخبار الواردة في الموارد الكثيرة المقتصر فيها على ذكر الثواب للعمل مثل قوله عليه‌السلام من سرح لحيته فله كذا مدفوع (وقد أفاد) في وجه الدفع ما حاصله ان الثواب هناك لا يكون إلّا مع الإطاعة الحقيقية والإطاعة الحقيقية لا تكون الا مع الأمر الشرعي فالثواب لازم للأمر يستدل به عليه استدلالا إنياً واما الثواب في المقام فهو باعتبار الإطاعة الحكمية أي الاحتياط فهو لازم للعمل المأتي به بداعي البلوغ واحتمال الصدق وان لم يرد به أمر آخر.

(أقول)

ويمكن أن يقال في الدفع ان الثواب في مثل من سرح لحيته فله كذا وكذا وان كان مترتباً على نفس العمل فهو مما يكشف عن استحبابه شرعاً ولكن في المقام لم يترتب على نفس العمل كي يكشف عن استحبابه شرعاً بل رتب على ما يظهر من الاخبار كما تقدم قبلا على العمل المأتي به بداعي البلوغ وبداعي احتمال الثواب وهو عبارة أخرى عن الاحتياط ولا كلام لنا في رجحانه عقلا واستحبابه شرعاً فتأمل جيداً.

١١٣

في دفع توهم لزوم الاحتياط في الشبهات

التحريمية الموضوعية

(قوله الثالث انه لا يخفى ان النهي عن شيء إذا كان بمعنى طلب تركه في زمان أو مكان بحيث لو وجد في ذاك الزمان أو المكان ولو دفعة لما امتثل أصلا ... إلخ)

المقصود من عقد هذا الأمر الثالث هو دفع ما قد يتوهم في المقام من لزوم الاحتياط في الشبهات التحريمية الموضوعية بل وفي الشبهات الوجوبية الموضوعية أيضاً بدعوى أن الشارع إذا بيّن حرمة الخمر مثلا أو وجوب قضاء ما فات من الصلاة مثلا فيجب الاجتناب عن كل ما احتمل كونه خمراً أو الإتيان بكل ما احتمل فوته من الصلاة من باب المقدمة العلمية (قال الشيخ) أعلى الله مقامه في الشبهة التحريمية الموضوعية (ما لفظه) وتوهم عدم جريان قبح التكليف بلا بيان هنا نظراً إلى ان الشارع بين حكم الخمر مثلا فيجب حينئذ اجتناب كل ما يحتمل كونه خمراً من باب المقدمة العلمية فالعقل لا يقبح العقاب خصوصاً على تقدير مصادفة الحرام مدفوع بأن النهي عن الخمر يوجب حرمة الافراد المعلومة تفصيلا أو المعلومة إجمالا المتردد بين محصور والأول لا يحتاج إلى مقدمة علمية والثاني يتوقف على الاجتناب من أطراف الشبهة لا غيرها واما ما احتمل كونه خمراً من دون علم إجمالي فلم يعلم من النهي تحريمه وليس مقدمة للعلم باجتناب فرد محرم يحسن العقاب عليه فلا فرق بعد فرض عدم العلم بحرمته ولا بتحريم خمر يتوقف العلم باجتنابه على اجتنابه بين هذا الفرد المشتبه وبين الموضوع الكلي المشتبه حكمه كشرب التتن في قبح العقاب عليه (إلى ان قال) ونظير هذا التوهم قد وقع في الشبهة الوجوبية حيث

١١٤

تخيل بعض أن دوران ما فات من الصلاة بين الأقل والأكثر موجب للاحتياط من باب وجوب المتقدمة العلمية وقد عرفت وسيأتي اندفاعه (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ومحصل الدفع) أن النهي عن الخمر بنحو الكبرى الكلية مما يوجب تنجزم حرمة الصغريات المعلومة تفصيلا أو إجمالا المترددة بين أطراف محصورة والاجتناب عن الأول مما لا يحتاج إلى مقدمة علمية والاجتناب عن الثاني وان كان يحتاج إليها ولكن المقدمة العلمية هي أطراف العلم الإجمالي فقط لا كل ما احتمل كونه خمراً وهكذا الأمر في الأمر بقضاء الفوائت حرفاً بحرف (هذا محصل) كلام الشيخ أعلى الله مقامه.

(واما المصنف) فمحصل كلامه ان النهي عن الشيء على قسمين :

(فتارة) يكون بمعنى طلب تركه في زمان أو مكان على نحو يكون المطلوب فيه هو مجموع التروك من حيث المجموع بحيث لو أتى به في ذاك الزمان أو في ذاك المكان دفعة واحدة لم يمتثل أصلا كما إذا نهي عن الإجهار بالصوت في زمان خاص أو مكان خاص لغرض مخصوص مثل أن لا يشعر بهم العدو وهو في مكان قريب منهم يسمع كلامهم إذا أجهروا فإذا أجهر آناً ما لم يحصل الغرض ولم يمتثل النهي أصلا.

(وأخرى) يكون بمعنى طلب ترك كل فرد منه على حده على نحو يكون المطلوب فيه تروكاً متعددة فكل ترك مطلوب مستقل كما في النهي عن الخمر أو الكذب أو الغيبة ونحو ذلك فالمحرم فيه ينحل إلى محرمات عديدة بتعدد أفراد الخمر أو الكذب أو الغيبة (فإن كان) النهي من القسم الأول وجب الاحتياط وترك الأفراد المشتبهة رأساً تحصيلا للقطع بفراغ الذّمّة فإذا شك في صوت بنحو الشبهة الموضوعية انه هل هو إجهار أم لا كما إذا كان في سمعه خلل لا يميز الجهر من غيره وجب حينئذ تركه إلا إذا كان مسبوقاً بترك الإجهار فيستصحب الترك مع الإتيان بالفرد المشكوك (وان كان) من القسم الثاني فيقتصر في الترك على الأفراد المعلومة

١١٥

واما المشكوكة فتجري البراءة عن حرمتها بلا كلام.

(أقول)

وفي كلام المصنف إلى هنا موضعان للنظر.

(أحدهما) ان المحرم كما سيأتي في صدر الأقل والأكثر الارتباطيين وتقدم في صدر النواهي هو على ثلاثة أقسام لا على قسمين.

(الأول) ما كان المطلوب فيه مجموع التروك من حيث المجموع ومرجعه لدى الحقيقة إلى واجب ارتباطي غايته ان الارتباطي قد يكون وجودياً كالصلاة وقد يكون عدمياً كالصيام كما انه قد يكون بصورة الأمر كما إذا قال في المثال المتقدم أخفت صوتك وقد يكون بصورة النهي كما إذا قال لا تجهر بصوتك.

(الثاني) المحرم الغير الارتباطي وهو الّذي ينحل إلى محرمات عديدة بتعدد أفراده كما في النهي عن الخمر أو الكذب أو الغيبة ونحوها وهذان القسمان قد ذكرهما المصنف كما عرفت.

(الثالث) المحرم الارتباطي وهو الّذي كان المبغوض فيه المجموع من حيث المجموع بحيث لو أتى بالجميع الا واحداً لم يعص سواء كان وجودياً كما في النهي عن الغناء بناء على كونه هو الصوت مع الإطراب والترجيع أو عدمياً كما في النهي عن هجر الفراش أربعة أشهر وهذا القسم من النهي لم يذكره المصنف.

(ثانيهما) ان مرجع التوهم المتقدم هو إلى النزاع في الأقل والأكثر الغير الارتباطيين غايته انه نزاع في الشبهات الموضوعية منهما أي هل يقتصر في الامتثال تركاً أو إتياناً على الأفراد المعلومة وتجري البراءة عن المشكوكة أن يجب مراعاة تمام الأفراد حتى المشكوكة منها (والبراءة) وان كانت هي تجري عن الافراد المشكوكة للمحرم الغير الارتباطي كما تجري عن الأفراد المشكوكة للواجب الغير الارتباطي كقضاء الفوائت وأداء الدين وشبههما (ولكن) لا يجب الاحتياط في الافراد المشكوكة للقسم الأول من المحرم أي الّذي مرجعه إلى الواجب الارتباطي بنحو

١١٦

الإطلاق (فإذا قال) مثلا لا تكرم الفساق وعلمنا من الخارج ان المطلوب فيه هو مجموع التروك من حيث المجموع بحيث إذا أكرم أحدهم لم يمتثل أصلا من قبيل ما إذا لم يأت بأحد أجزاء الصلاة عمداً ثم شك في كون زيدا فاسقاً أم لا فهما هنا لا يجب الاحتياط بترك إكرامه (وهكذا) إذا قال أكرم العلماء وعلمنا من الخارج ان المطلوب فيه هو إكرام المجموع من حيث المجموع بحيث إذا لم يكرم أحدهم لم يمتثل أصلا وشك في كون عمرو عالماً أم لا فهاهنا أيضاً لا يجب الاحتياط بإكرامه وذلك لعين ما سيأتي في وجه عدم وجوب الاحتياط في الشبهة الحكمية من الأقل والأكثر الارتباطيين حرفاً بحرف كالشك في وجوب السورة في الصلاة ونحوها

(نعم) إذا قال في المثال لا تكرم الفساق وكان المطلوب هو مجموع التروك من حيث المجموع وعلمنا ان زيداً فاسق يحرم إكرامه ولكن شك في رجل انه زيد أم لا فيجب الاحتياط حينئذ بترك إكرامه وترك إكرام كل من احتمل كونه زيداً إذ المفروض إحراز جزئية ترك إكرام زيد (وهكذا) إذا قال أكرم العلماء وكان المطلوب هو إكرام المجموع من حيث المجموع وعلم ان عمراً عالم يجب إكرامه وشك في رجل انه عمرو أم لا فيجب إكرامه وإكرام كل من احتمل كونه عمراً إذ المفروض أيضاً إحراز جزئية إكرام عمرو (نظير) ما إذا أمر بالصلاة وأحرز أن السورة جزئها والطهور شرطها ولم يعلم ان الصلاة المأتية بها هل هي مع السورة أو الطهور أم لا فيجب الاحتياط حينئذ بعدم إحراز جزئية السورة وشرطية الطهور بإتيان صلاة قد أحرز وجودهما فيها ولو بأمارة شرعية أو بأصل شرعي وستأتي الإشارة إلى هذا كله في الأقل والأكثر الارتباطيين إن شاء الله تعالى

(قوله فيما كان المطلوب بالنهي طلب ترك كل فرد على حده ... إلخ)

يعني به القسم الثاني من المحرم وهو الّذي ينحل إلى محرمات عديدة بتعدد الافراد المعبر عنه بالحرام الغير الارتباطي.

١١٧

(قوله أو كان الشيء مسبوقاً بالترك ... إلخ)

يعني به القسم الأول من المحرم لكن فيما كانت الحالة السابقة هي الترك ليمكن استصحابه مع الإتيان بالفرد المشكوك وقد تقدم التمثيل له آنفاً فتذكر.

(قوله وإلّا لوجب الاجتناب عنها عقلا لتحصيل الفراغ قطعاً ... إلخ)

قد عرفت التفصيل آنفاً في الاحتياط في القسم الأول من المحرم الّذي مرجعه إلى الواجب الارتباطي وانه لا يجب الاجتناب فيه بنحو الإطلاق كما يظهر من المصنف فلا تغفل.

(قوله والفرد المشتبه وان كان مقتضى أصالة البراءة جواز الاقتحام فيه إلّا ان قضية لزوم إحراز الترك اللازم وجوب التحرز عنه ... إلخ)

بل قد ظهر لك مما تقدم انه إذا قال مثلا لا تكرم الفساق وعلمنا من الخارج ان المطلوب فيه هو مجموع التروك من حيث المجموع بنحو الواجب الارتباطي وشك في كون زيد مثلا فاسقاً أم لا لم يجب الاحتياط بترك إكرامه للشك في جزئية ترك إكرامه بل تجري البراءة عنه شرعاً وعقلا كما هو الحال في الشبهة الحكمية من الأقل والأكثر الارتباطيين عيناً وسيأتي اعتراف المصنف في الحكمية بجريان البراءة الشرعية وأنه يرتفع بها الإجمال والترديد في الواجب المردد وتعينه في الأقل دون الأكثر فانتظر.

١١٨

في حسن الاحتياط عقلا ونقلا حتى مع

قيام الحجة على العدم

(قوله الرابع انه قد عرفت حسن الاحتياط عقلا ونقلا ولا يخفى انه مطلقاً كذلك حتى فيما كان هناك حجة على عدم الوجوب أو الحرمة أو أمارة معتبرة على انه ليس فرداً للواجب أو الحرام ... إلخ)

المقصود من عقد هذا الأمر الرابع هو الإشارة إلى التنبيه الثالث من تنبيهات الشيخ للشبهة التحريمية الموضوعية (قال) أعلى الله مقامه (ما لفظه) الثالث انه لا شك في حكم العقل والنقل برجحان الاحتياط مطلقاً حتى فيما كان هناك أمارة مغنية عن أصالة الإباحة (انتهى) ومقصوده ان الاحتياط كما تقدم حسنه في الشبهات حتى مع جريان البراءة فيها فكذلك يحسن حتى مع قيام الأمارة فيها على العدم غير ان الشيخ أعلى الله مقامه خص هذا المعنى بالشبهات التحريمية الموضوعية والمصنف عممه إلى مطلق الشبهات سواء كانت وجوبية أو تحريمية حكمية أو موضوعية (وإلى ذلك قد أشار) بقوله حتى فيما كان هناك حجة على عدم الوجوب أو الحرمة يعني بهما الشبهات الحكمية من الوجوبية والتحريمية (وبقوله) أو أمارة معتبرة على انه ليس فرداً للواجب أو الحرام يعني بهما الشبهات الموضوعية من الوجوبية والتحريمية (ومن هنا) يتضح ان التعبير بالحجة أو الأمارة المعتبرة تفنن في التعبير وإلّا فلا فرق بينهما أصلا.

(قوله ما لم يخل بالنظام فعلا ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) إلّا أن الاحتياط في الجميع موجب لاختلال النظام كما ذكره المحدث المتقدم ذكره يعني به الحر العاملي

١١٩

رحمه‌الله بل يلزم أزيد مما ذكره فلا يجوز الأمر به من الحكيم لمنافاته للغرض (إلى ان قال) فيحتمل التبعيض بحسب الاحتمالات فيحتاط في المظنونات واما المشكوكات فضلا عن انضمام الموهومات إليها فالاحتياط فيها حرج مخل بالنظام (وقد أشار المصنف) إلى هذا التبعيض بقوله وكان احتمال التكليف قوياً أو ضعيفاً (إلى ان قال الشيخ) ويحتمل التبعيض بحسب المحتملات فالحرام المحتمل إذا كان من الأمور المهمة في نظر الشارع كالدماء والفروج بل مطلق حقوق الناس بالنسبة إلى حقوق الله يحتاط فيه وإلّا فلا (وقد أشار المصنف) إلى هذا التبعيض بقوله كان في الأمور المهمة كالدماء والفروج أو غيرها (إلى ان قال الشيخ) ويحتمل التبعيض بين موارد الأمارة على الإباحة وموارد لا يوجد إلّا أصالة الإباحة فيحمل ما ورد من الاجتناب عن الشبهات على الثاني دون الأول لعدم صدق الشبهة بعد الأمارة الشرعية على الإباحة (وقد أشار المصنف) إلى هذا التبعيض بقوله كانت الحجة على خلافه أم لا (إلى ان قال الشيخ) هذا ولكن أدلة الاحتياط لا ينحصر فيما ذكر فيه لفظ الشبهة بل العقل مستقل بحسن الاحتياط مطلقاً فالأولى الحكم برجحان الاحتياط في كل موضع لا يلزم منه الحرج (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه وقد سلك المصنف مسلك الشيخ أيضاً وحذا حذوه عيناً فقال بحسن الاحتياط مطلقاً ما لم يلزم منه الإخلال بالنظام سواء كان في الأمور المهمة أم لا كان الاحتمال قوياً أم لا كانت الأمارة قائمة على خلاف الاحتياط أم لا وإذا لزم الإخلال بالنظام فلا يكون الاحتياط حسناً كذلك أي مطلقاً.

(قوله وان كان الراجح لمن التفت إلى ذلك من أول الأمر ترجيح بعض الاحتياطات احتمالا أو محتملا ... إلخ)

هذا ما تفطنه المصنف بالخصوص دون الشيخ أعلى الله مقامه (وحاصله) ان الاحتياط في الجميع بعد ما كان موجباً لاختلال النظام فالراجح لمن التفت إلى ذلك من أول الأمر أن يرجح بعض الاحتياطات على بعض فينتخب الاحتياط في

١٢٠