عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٣١

وتأخذ بالحائطة لدينك بقرينة عدم مناسبة أمر الإمام عليه‌السلام بالاحتياط عند السؤال عن شبهة حكمية وإن ناسب مقام الفقيه إذا أشكل عليه الأمر والفتوى واشتبه عليه الحكم الواقعي (هو كون السؤال) فيها بنحو الشبهة الموضوعية فكأن السائل يعلم حد الغروب شرعاً ولكن لا يدري انه هل يتحقق ذلك بارتفاع الحمرة فوق الجبل وأذان المؤذنين أم لا يتحقق وهل يصلي حينئذ ويفطر مع هذا الشك والترديد أم لا فكتب عليه‌السلام أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك وذلك على طبق القاعدة وهي استصحاب النهار حتى يعلم بدخول الوقت (ومن الواضح المعلوم) أن الأمر بالاحتياط في الشبهة الموضوعية بمقتضى الأصل العملي الجاري فيه غير مربوط بمقصد الأخباريين من وجوب الاحتياط في الشبهات التحريمية الحكمية (واما رواية) داود بن القاسم التي قال فيها عليه‌السلام لكميل أخوك دينك فاحتط لدينك فهي ظاهرة في استحباب الاحتياط ولا كلام لنا فيه فهي كالقسم الأول من الطائفة الثانية (مثل قوله عليه‌السلام) لا ورع كالوقوف عند الشبهة ونحو ذلك (واما حديث عنوان البصري) الّذي قال فيه عليه‌السلام وخذ بالاحتياط في جميع أمورك ما تجد إليه سبيلا (وهكذا مرسلة الشهيد) التي قال فيها عليه‌السلام لك أن تنظر الحزم وتأخذ بالحائطة لدينك فالجواب فيهما كالجواب عن القسم الرابع من الطائفة الثانية فيدور الأمرين فيهما بين كون الأمر بالاحتياط للوجوب ويلتزم فيهما بتخصيص الأكثر نظراً إلى عدم وجوب الاحتياط في الوجوبية بقسميها حكميها وموضوعيها ولا في الموضوعية التحريمية وبين كون الأمر بالاحتياط فيهما للاستحباب ويلتزم بالتجوز في استعمال الصيغة فيه على القول بوضعها للوجوب والثاني أهون (مضافاً) إلى استقلال العقل بحسن الاحتياط فهو مما يؤكد استحبابه شرعاً لا وجوبه (وأما التمسك) بما أرسل عنهم ليس بناكب على الصراط من سلك سبيل الاحتياط (ففيه) أن أقصى ما يمكن استفادته من الوصف كما حقق في محله هو الانتفاء عند الانتفاء في الجملة أي

٨١

من لم يسلك سبيل الاحتياط فهو ناكب على الصراط في الجملة ولا كلام لنا فيه كما في الشبهات قبل الفحص أو المقرونة بالعلم الإجمالي بل وبعض الشبهات الموضوعية مما أحرز فيه شدة اهتمام الشارع به جداً.

(قوله ولا يصغى إلى ما قيل من أن إيجاب الاحتياط إن كان مقدمة للتحرز عن عقاب الواقع المجهول فهو قبيح وإن كان نفيساً فالعقاب على مخالفته لا على مخالفة الواقع ... إلخ)

القائل هو الشيخ أعلى الله مقامه وقد أساء المصنف معه الأدب سيما مع تعبيره عنه في مواضع عديدة بشيخنا الأستاذ (وعلى كل حال) تفصيل المقام أن الشيخ بعد أن ذكر الطائفة الثانية من الأخبار وذكر الجواب عنها أورد في آخر الأمر على نفسه إشكالا (وقال) ما هذا لفظه فإن قلت إن المستفاد منها يعني من الاخبار احتمال التهلكة في كل محتمل التكليف (إلى ان قال) فيكشف هذه الاخبار عن عدم سقوط عقاب التكاليف المجهولة لأجل الجهل ولازم ذلك إيجاب الشارع الاحتياط إذ الاقتصار في العقاب على نفس التكاليف المختفية من دون تكليف ظاهري بالاحتياط قبيح ثم أجاب عنه (بما هذا لفظه) قلت إيجاب الاحتياط إن كان مقدمة للتحرز عن العقاب الواقعي فهو مستلزم لترتب العقاب على التكليف المجهول وهو قبيح كما اعترف به وإن كان حكماً ظاهرياً نفسياً فالهلكة الأخروية مترتبة على مخالفته لا مخالفة الواقع وصريح الاخبار إرادة الهلكة الموجودة في الواقع على تقدير الحرمة الواقعية (انتهى).

(أقول)

وهذا الجواب مما لا يخلو عن مناقشة ومن هنا قال المصنف ولا يصغى إلى ما قيل إلى آخره (ووجه المناقشة) أن إيجاب الاحتياط وإن لم يكن مقدمة للتحرز عن العقاب الواقعي فإنه مما يستلزم العقاب على الواقع المجهول وهو قبيح ولكن لا يكون حكما ظاهرياً نفسياً بل يكون حكماً ظاهرياً طريقياً أي مقدمياً لحفظ الواقع

٨٢

المجهول ومصححاً للعقاب عليه نظير الأحكام الظاهرية المجعولة في موارد الطرق والأمارات فتكون هي مصححة للعقاب على الواقع المجهول فيما طابقته وعذراً للمكلف فيما خالفته (وعليه) فالحق في الجواب عن الإشكال الّذي أورده الشيخ على نفسه هو ما سيأتي من المصنف من أن مجرد إيجاب الاحتياط ما لم يعلم به لا يصحح العقاب على الواقع المجهول فإن ما لم يعلم به لو صحح العقاب لصح العقاب على نفس الواقع المجهول من غير حاجة إلى استكشاف إيجاب الاحتياط المصحح للعقاب عليه (وعليه) فالمستفاد من تلك الاخبار الآمرة بالتوقف المعللة بالهلكة ليس هو احتمال الهلكة والعقاب في كل محتمل التكليف بل لا بد من حملها كما تقدم على ما إذا كان الواقع فيه منجزاً على المكلف كما في الشبهات الحكمية قبل الفحص والشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي بل وبعض الشبهات الموضوعية مما أحرز اهتمام الشارع به جداً.

(قوله والأصول العملية ... إلخ)

الظاهر ان مقصوده من الأصول العملية هو مثل الاستصحاب فانه الّذي صح فيه دعوى ان الحكم الظاهري المجعول في مورده حكم ظاهري طريقي كما في الطرق والأمارات لا ما سواء نظير قاعدة الحل وقاعدة الطهارة ونحوهما من الأصول التي لا نظر لها إلى الواقع أصلا.

(قوله مع ان هناك قرائن دالة على انه للإرشاد فيختلف إيجاباً واستحباباً حسب اختلاف ما يرشد إليه ... إلخ)

هذا جواب ثاني عن مجموع الاخبار وهي الطائفة الثانية والثالثة جميعاً أي ما دل على وجوب التوقف عند الشبهة وما دل على وجوب الاحتياط (وحاصله) ان هناك قرائن دالة على ان ما دل على التوقف أو الاحتياط هو للإرشاد إلى ما في الفعل من الخواصّ والآثار والمنافع والمضار فيختلف إيجاباً واستحباباً بحسب اختلاف الموارد ففي الشبهات الحكمية الحكمية قبل الفحص يجب التوقف والاحتياط لما في

٨٣

تركهما من خوف الهلكة والعقاب على الواقع المجهول وفي الحكمية بعد الفحص وفي الموضوعية يستحب التوقف والاحتياط لما في تركهما من خوف الوقوع في مخالفة الواقع ودرك المفاسد (وقد اقتبس) المصنف هذا الجواب من كلام الشيخ أعلى الله مقامه (قال في ذيل الجواب) عن التمسك بقوله عليه‌السلام أخوك دينك فاحتط لدينك وقد حكاه عن أمالي المفيد الثاني أعني ولد شيخ الطائفة رضوان الله عليه (ما لفظه) واما عن رواية الأمالي فبعدم دلالتها على الوجوب للزوم إخراج أكثر موارد الشبهة وهي الشبهة الموضوعية مطلقاً والحكمية الوجوبية والحمل على الاستحباب أيضاً مستلزم لإخراج موارد وجوب الاحتياط فيحمل على الإرشاد أو على الطلب المشترك بين الوجوب والندب وحينئذ فلا ينافي وجوبه في بعض الموارد عدم لزومه في بعض آخر لأن تأكد الطلب الإرشادي وعدمه بحسب المصلحة الموجودة في الفعل لأن الاحتياط هو الاحتراز عن موارد احتمال المضرة فيختلف رضاء المرشد بتركه وعدم رضاه بحسب مراتب المضرة كما ان الأمر في الأوامر الواردة في إطاعة الله ورسوله للإرشاد المشترك بين فعل الواجبات وفعل المندوبات (انتهى).

(أقول)

وفي الجواب ما لا يخفى وذلك لما عرفت في الفور والتراخي من أن الأمر الإرشادي عبارة عن إنشاء الطلب لا بداعي الإرادة أو الكراهة القلبية الثابتة في النّفس بل لمحض بيان الخواصّ والآثار والتنبيه على المنافع والمضار المترتبة على الفعل من دون ان يكون على طبقها إرادة أو كراهة وحب أو بغض في نفس الآمر كما في أوامر الطبيب ونواهيه حيث لا علاقة بينه وبين المريض كي يحدث بسببها إرادة على طبق المصلحة أو كراهة على طبق المفسدة فإن امتثلهما المريض فلا يقربه إليه وان عصاهما فلا يبعده عنه سوى ما يصيب المريض بنفسه من المنافع والمضار والخواصّ والآثار وهذا المعنى غير ممكن في حق الشارع الّذي له أشد علاقة مع العباد بأن ينشأ الطلب

٨٤

بداعي الخواصّ والآثار من دون أن يكون له على طبقها إرادة وكراهة وحب أو بغض (وعليه) فلا يمكن حمل الاخبار الآمرة بالتوقف أو الاحتياط على الإرشاد من دون أن يكون على طبقها إرادة أو كراهة (مضافاً) إلى ان حمل الأمر على الطلب المشترك الّذي تقدم في كلام الشيخ مما لا يعقل فإن الطلب جنس يجمع الوجوب والندب جميعاً ولا يمكن تحقق الجنس في الخارج من دون أن يكون مع أحد الفصول المنوعة فكما لا يعقل تحقق الحيوان في الخارج من دون أن يكون ناطقاً أو ناهقاً ونحوهما فكذلك لا يعقل ان ينشأ الطلب خارجاً من دون أن يكون وجوباً أو ندباً ونحوهما وهذا واضح.

(قوله ويؤيده انه لو لم يكن للإرشاد لوجوب تخصيصه لا محالة ببعض الشبهات إجماعاً مع أنه آب عن التخصيص قطعاً ... إلخ)

أي ويؤيده انه لو لم يكن ما دل على وجوب التوقف أو الاحتياط للإرشاد كي يختلف إيجاباً واستحباباً بحسب اختلاف ما يرشد إليه على ما عرفت شرحه في كلام الشيخ بل كان أمراً مولوياً لزم تخصيصه وإخراج بعض الشبهات منه إجماعاً حتى من الأخباريين وهو الشبهات الموضوعية مطلقاً والوجوبية الحكمية مع أنه آب عن التخصيص قطعاً.

(أقول)

وهذا المؤيد مقتبس أيضاً من الكلام المتقدم للشيخ (حيث قال) واما عن رواية الأمالي فبعدم دلالتها على الوجوب للزوم إخراج أكثر موارد الشبهة وهي الشبهة الموضوعية مطلقاً والحكمية الوجوبية ... إلخ (ومن هنا يظهر) أن المصنف لو علل عدم جواز تخصيص الأخبار بلزوم تخصيص الأكثر كان أولى من تعليله بإبائها عن التخصيص قطعاً.

٨٥

(قوله كيف لا يكون قوله قف عند الشبهة فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة للإرشاد ... إلخ)

ليس في أخبار الباب قوله قف عند الشبهة ... إلخ وانما فيها وقفوا عند الشبهة (إلى ان قال) فإن الوقوف عند الشبهة ... إلخ (وعلى كل حال) هذا مؤيد ثاني للإرشادية غير الإباء عن التخصيص يجري في خصوص ما دل على التوقف عند الشبهة مع التعليل بالهلكة (وحاصله) انه لو لم يكن مثل قوله عليه‌السلام قفوا عند الشبهة فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة للإرشاد بل كان للوجوب المولوي وكان شاملا للشبهات البدوية بعد الفحص على نحو ما زعمه الاخباري لم يلتئم ذلك مع التعليل المذكور فيه بالهلكة إذ لا هلكة في الشبهات البدوية بعد الفحص ما لم يؤمر بالوقوف والاحتياط فكيف يعلل وجوب الوقوف فيها بما ليس موجوداً فيها وهذا بخلاف ما إذا كان الأمر فيه للإرشاد إلى ما في الاقتحام من الهلكة والعقوبة الأخروية فيختص الأمر حينئذ بما يتنجز فيه الواقع على المكلف كالشبهة قبل الفحص والمقرونة بالعلم الإجمالي.

(أقول)

لا فرق في اختصاص الحديث الشريف بقرينة التعليل بالهلكة بما يتنجز فيه الواقع على المكلف بين كون الأمر فيه مولوياً أو إرشاداً فهو على كل حال مما لا يشمل الشبهات البدوية بعد الفحص مضافاً إلى ما عرفت من حال الإرشادية في أوامر الشارع في المقام وغيره.

(قوله لا يقال نعم ولكنه يستكشف عنه على نحو الإن إيجاب الاحتياط من قبل ليصح به العقوبة على المخالفة ... إلخ)

وحاصل الإشكال انه نعم لا عقوبة في الشبهة البدوية بعد الفحص ما لم يؤمر بالوقوف والاحتياط ولكن من أمر الشارع بالوقوف عند الشبهة وتعليله بالهلكة نستكشف إناً أنه قد أمر قبل ذلك بالاحتياط ليصح به العقوبة في الشبهة البدوية

٨٦

حتى بعد الفحص (وحاصل الجواب) أن إيجاب الاحتياط الّذي لم يعلم به مما لا يصحح العقوبة على الواقع المجهول ولا يخرجها عن العقاب بلا بيان فلا فائدة في استكشافه إناً ولو كان ذلك مصححاً للعقاب لصح العقاب على نفس الواقع المجهول من غير حاجة إلى استكشاف إيجاب الاحتياط المصحح للعقاب عليه (وقد تقدم) هذا الإشكال من الشيخ أعلى الله مقامه وأنه قد أورده على نفسه بعد ذكر الطائفة الثانية من الاخبار وذكر الجواب عنها.

(قوله فلا محيص عن اختصاص مثله بما يتنجز فيه المشتبه لو كان كالشبهة قبل الفحص مطلقاً أو الشبهة المقرونة بالعلم الإجماليّ ... إلخ)

تفريع على بطلان الإشكال المذكور من أنه يستكشف إناً من أمر الشارع بالوقوف عند الشبهة وتعليله بالهلكة إيجاب الاحتياط قبلا ليصح به العقوبة في الشبهات البدوية (ووجه التفريع) انه إذا بطل الإشكال من أصله فقهراً يختص الأمر بالوقوف عند الشبهة مع التعليل بالهلكة بما يتنجز فيه الواقع على المكلف لو كان كالشبهة قبل الفحص مطلقاً سواء كانت تحريمية أو وجوبية والشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي بل وبعض الشبهات الموضوعية مما أحرز فيه شدة اهتمام الشارع به جداً على ما عرفت شرحه في ذيل البراءة العقلية فتذكر.

في الاستدلال بالعقل للقول بالاحتياط

(قوله واما العقل فلاستقلاله بلزوم فعل ما احتمل وجوبه وترك ما احتمل حرمته حيث علم إجمالا بوجوب واجبات ومحرمات كثيرة فيما اشتبه وجوبه أو حرمته ... إلخ)

إشارة إلى الوجه الأول من وجهي العقل لوجوب الاحتياط ولم يحسن المصنف تقريره إذ لو علم إجمالا بوجود واجبات ومحرمات لوجب الاحتياط في كل من

٨٧

الشبهات الوجوبية والتحريمية جميعاً مع ان معظم الأخباريين لا يدعون الاحتياط إلا في الشبهات التحريمية (والصحيح) ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في تقريره (قال) واما العقل فتقريره بوجهين أحدهما انا نعلم إجمالا قبل مراجعة الأدلة الشرعية بمحرمات كثيرة يجب بمقتضى قوله تعالى وما نهاكم عنه فانتهوا ونحوه الخروج عن عهدة تركها على وجه اليقين بالاجتناب واليقين بعدم العقاب لأن الاشتغال اليقيني يستدعي اليقين بالبراءة باتفاق المجتهدين والأخباريين وبعد مراجعة الأدلة والعمل بها لا يقطع بالخروج عن جميع تلك المحرمات الواقعية فلا بدّ من اجتناب كل ما احتمل أن يكون منها إذا لم يكن هناك دليل شرعي يدل على حليته إذ مع هذا الدليل يقطع بعدم العقاب على الفعل على تقدير حرمته واقعاً (انتهى).

(نعم يرد عليهم) حينئذ (مضافاً) إلى ما سيأتي من انحلال هذا العلم الإجمالي من أصله النقض بالشبهات الوجوبية عيناً فإنا كما نعلم إجمالا قبل مراجعة الأدلة الشرعية بمحرمات كثيرة يجب بمقتضى قوله تعالى وما وما نهاكم عنه فانتهوا الخروج عن عهدة تركها على وجه اليقين فكذلك نعلم إجمالا قبل مراجعة الأدلة الشرعية بواجبات كثيرة يجب بمقتضى قوله تعالى وما آتيكم الرسول فخذوه الخروج عن عهدة فعلها على وجه اليقين فكما ان الأول مقتضي لوجوب الاجتناب عن كل ما احتمل حرمته فكذلك الثاني مقتضي لوجوب الإتيان بكل ما احتمل وجوبه مع انهم لا يلتزمون بوجوب الاحتياط في الشبهات الوجوبية الا جماعة منهم كما عرفت في أول نقل احتجاج الأخباريين.

(قوله ولا خلاف في لزوم الاحتياط في أطراف العلم الإجماليّ الا من بعض الأصحاب ... إلخ)

بل من جماعة كما يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه (قال في الشبهة المحصورة) واما المقام الثاني يعني به وجوب الموافقة القطعية فالحق وجوب الاجتناب عن كلا

٨٨

المشتبهين وفاقاً للمشهور (قال) وفي المدارك انه مقطوع به في كلام الأصحاب ونسبه المحقق البهبهاني في فوائده إلى الأصحاب وعن المحقق المقدس الكاظميني في شرح الوافية دعوى الإجماع صريحاً وذهب جماعة إلى عدم وجوبه وحكى عن بعض القرعة (انتهى).

(قوله والجواب أن العقل وإن استقل بذلك إلّا أنه إذا لم ينحل العلم الإجماليّ إلى عليم تفصيلي وشك بدوي وقد انحل ... إلخ)

(وحاصل الجواب) أنا وإن علمنا إجمالا بوجود واجبات ومحرمات في المشتبهات ولكن قد انحل هذا العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي بعد ما قامت الطرق والأصول المعتبرة على التكاليف بمقدار المعلوم بالإجمال أو أزيد وحينئذ فلا علم بتكاليف أخر غير التكاليف الفعلية في موارد المثبتة من الطرق والأصول العملية فلا يبقى بعد ذلك مقتضي لوجوب الاحتياط في المشتبهات أصلا.

(قوله كذلك علم إجمالا بثبوت طرق وأصول معتبرة مثبتة لتكاليف بمقدار تلك التكاليف المعلومة ... إلخ)

وفي التعبير مسامحة إذ لو علم إجمالا لا تفصيلا بثبوت طرق وأصول معتبرة مثبتة للتكاليف بمقدار تلك التكاليف المعلومة بالإجمال لكانت النتيجة انحلال العلم الإجمالي الكبير إلى العلم الإجمالي الصغير بما في موارد الطرق والأصول المثبتة للتكاليف لا انحلاله إلى العلم التفصيليّ والشك البدوي كما ادعاه ولو قال بدل ذلك هكذا كذلك علم تفصيلا بثبوت طرق وأصول ... إلخ لم يلزم ذلك.

(قوله ان قلت نعم لكنه إذا لم يكن العلم بها مسبوقاً بالعلم بالواجبات إلى آخره)

(وحاصل الإشكال) انه نعم لا علم بتكاليف أخر غير التكاليف الفعلية المعلومة في موارد المثبتة من الطرق والأصول العملية فلا وجه للاحتياط فيما سواها من

٨٩

المشتبهات لكن إذا لم يكن العلم بها مسبوقاً بالعلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرمات وإلا فلا ينحل العلم الإجمالي السابق بهذا التفصيليّ اللاحق (وحاصل الجواب) ان العلم الإجمالي السابق انما لا ينحل بالتفصيلي اللاحق إذا كان المعلوم بالتفصيل أمراً حادثاً غير المعلوم بالإجمال كما إذا علم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين بوقوع قطرة من البول في أحدهما ثم وقعت قطرة من الدم في أحدهما المعين فهاهنا هنا لا ينحل العلم الإجمالي السابق بالتفصيلي اللاحق (واما إذا كان) المعلوم بالتفصيل اللاحق مما ينطبق عليه المعلوم بالإجمال السابق كما إذا قامت البينة على نجاسة أحدهما بالخصوص ونحن نحتمل ان هذا هو عين ما علمنا إجمالا بنجاسته سابقاً فحينئذ ينحل العلم الإجمالي السابق بهذا التفصيليّ اللاحق والمقام من قبيل الثاني لا الأول فإن التكاليف التي قامت عليها الطرق والأصول المثبتة إن لم تكن هي عين المعلوم بالإجمال السابق فنحن نحتمل لا محالة أن تكون هي عينه فينحل العلم من أصله.

(قوله إن قلت انما يوجب العلم بقيام الطرق المثبتة له بمقدار المعلوم بالإجمال ذلك إذا كان قضية قيام الطريق على تكليف موجباً لثبوته فعلا واما بناء ... إلخ)

(وحاصل الإشكال) ان قيام الطرق على التكاليف بمقدار المعلوم بالإجمال إنما يوجب انحلال العلم الإجمالي السابق إذا قلنا في الطرق بجعل أحكام ظاهرية طريقية وأن قيامها سبب لحدوث تكليف ظاهري طريقي على طبق مؤدياتها في قبال القول بسببية قيامها لحدوث مصلحة نفسية أو مفسدة كذلك موجبة لجعل حكم واقعي نفسي على طبقها المشتهر بالقول بالسببية (وأما إذا قلنا) في الطرق والأمارات بجعل الحجية أي المنجزية عند الإصابة والعذرية عند الخطأ كما في العلم عيناً غايته ان المنجزية والعذرية في العلم ذاتيتان وفي الطرق والأمارات مجعولتان بجعل الشارع فلا يكاد ينحل العلم الإجمالي السابق بقيام الطرق والأمارات إذ لا حكم مجعول في مواردها على طبق مؤدياتها كي توجب انحلال العلم الإجمالي السابق (وحاصل الجواب)

٩٠

ان مجرد قيام الحجة على التكاليف المنطبقة عليها المعلوم بالإجمال السابق مما يوجب انحلال العلم الإجمالي ولو تعبداً بمعنى انه يوجب صرف تنجز المعلوم بالإجمال إلى ما قامت عليه الحجة فإن طابقته وكان ما قامت عليه الحجة هو عين المعلوم بالإجمال فهي ناقلة لاستحقاق العقاب عليه إلى ما قامت عليه الحجة وإن أخطأته وكان ما قامت عليه الحجة هو غير المعلوم بالإجمال فهي عذر لفوت المعلوم بالإجمال (نظير ما إذا علم إجمالا) بوجود غنم موطوء في القطيع ثم قامت الحجة على أن هذا الغنم موطوء فهي توجب صرف تنجز المعلوم بالإجمال إليه فإن طابقته وكان هذا هو الغنم الّذي علمنا إجمالا بكونه موطوءاً فهي ناقلة لاستحقاق العقاب على المعلوم بالإجمال إلى هذا الغنم وإن أخطأته ولم يكن هذا هو ما علمنا إجمالا بكونه موطوءاً فهي عذر لعدم الاجتناب عن المعلوم بالإجمال ولو لا ذلك لم ينفع القول بجعل الأحكام الظاهرية الطريقية في موارد الطرق والأمارات في انحلال العلم الإجمالي السابق فإن الظاهرية المجعولة على القول بها ليست هي إلّا أحكاماً طريقية حادثة بسبب قيام الأمارات غير التكاليف الواقعية المعلومة بالإجمال كما لا يخفى.

(قوله قضية الاعتبار شرعاً على اختلاف ألسنة أدلته وان كان ذلك على ما قوّينا في البحث ... إلخ)

بل قد عرفت منا في بحث إمكان التعبد بالأمارات أن قضية غير واحد من الاخبار هي تنزيل المؤدي منزلة الواقع لا جعل الحجية أي المنجزية والعذرية وإن حققنا هناك ان كلا من جعل الحجية المعتبر عنه بتتميم الكشف وتنزيل الأمارة منزلة العلم وجعل الأحكام الظاهرية الطريقية المعبر عنه بتنزيل المؤدي منزلة الواقع هو مما لا ينفك عن الآخر فيقع الكلام في أن المستفاد من الأدلة في مقام الإثبات أولا هل هو جعل الحجية كي يستلزمه جعل أحكام ظاهرية طريقية أو بالعكس أي المستفاد منها أولا هو جعل أحكام ظاهرية طريقية ويستلزمه جعل الحجية.

٩١

(قوله هذا إذا لم يعلم ثبوت التكاليف الواقعية في موارد الطرق المثبتة بمقدار المعلوم بالإجمال ... إلخ)

وإلّا فينحل العلم الإجمالي الكبير إلى العلم الإجمالي الصغير بما في موارد الطرق المثبتة ولا يكاد يبقى حينئذ مقتضي لوجوب الاحتياط في المشتبهات أصلا (والفرق) بين هذا الجواب وسابقة أن في الجواب السابق قد ادعينا قيام الطرق المعتبرة على التكاليف بمقدار المعلوم بالإجمال مع عدم العلم بوجود التكاليف الواقعية في مجموع ما أدته الطرق بمقدار المعلوم بالإجمال بل كنا نحتمل فقط انطباق المعلوم بالإجمال على ما أدته الطرق فمجرد ذلك قد أوجب انحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيليّ بالتكاليف الفعلية التي أدته الطرق والشك البدوي فيما سواه (وفي هذا الجواب) ندعي العلم الإجمالي بوجود التكاليف الواقعية في مجموع ما أدته الطرق بمقدار المعلوم بالإجمال فينحل به العلم الإجمالي الكبير إلى العلم الإجمالي الصغير بما في موارد الطرق المثبتة ولا يكاد يبقى حينئذ مانع عن جريان البراءة في المشتبهات أصلا كما لم يبق على الجواب الأول أيضاً.

(قوله وربما استدل بما قيل من استقلال العقل بالحظر في الأفعال الغير الضرورية قبل الشرع ولا أقل من الوقف ... إلخ)

(إشارة) إلى الوجه الثاني من وجهي العقل لوجوب الاحتياط (قال الشيخ) أعلى الله مقامه الوجه الثاني أن الأصل في الأفعال الغير الضرورية الحظر كما نسب إلى طائفة من الإمامية فيعمل به حتى يثبت من الشرع الإباحة ولم يرد الإباحة فيما لا نصّ فيه وما ورد على تقدير تسليم دلالته معارض بما ورد من الأمر بالتوقف والاحتياط فالمرجع إلى الأصل ولو تنزلنا عن ذلك فالوقف كما عليه الشيخان قدس‌سرهما أي المفيد والطوسي واحتج عليه في العدة بأن الإقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه كالإقدام على ما يعلم فيه المفسدة (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

٩٢

(أقول)

إن مجرد كون الأصل في الأفعال الغير الضرورية الحظر أو الوقف حتى يرد فيها الرخصة على تقدير تسليمه مما لا يكفي فيما شك في ورود الرخصة فيه إلا بضميمة استصحاب عدم ورود الرخصة فيه (كما ان مجرد كون الأصل) في الأشياء الإباحة حتى يرد فيها النهي مما لا يكفي فيما شك في ورود النهي فيه إلا بضميمة استصحاب عدم ورود النهي فيه (وقد تقدم) تفصيل ذلك كله في ذيل حديث كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي (اللهم) إلّا أن يقال إن القول بالوقف حيث كان ملاكه قبح الإقدام على ما لا يؤمن مفسدته كالإقدام على ما علم مفسدته فالملاك بعينه موجود حتى مع الشك في ورود الرخصة فيه من غير حاجة إلى استصحاب عدم ورود الرخصة فيه أصلا.

(قوله وفيه أولا انه لا وجه للاستدلال بما هو محل الخلاف ... إلخ)

(ومحصل الجواب) ان الاستدلال بما هو محل الخلاف بل كاد يكون الإجماع على خلافه لما تقدم في ذيل حديث كل شيء مطلق من ان الصدوق رضوان الله عليه جعل إباحة الأشياء حتى يثبت الحظر من دين الإمامية (مصادرة) لا يصار إليها وإلّا لصح الاستدلال على البراءة بكون الأصل في الأفعال هو الإباحة إلى أن يرد الحظر (قوله وثانياً انه تثبت الإباحة شرعاً لما عرفت من عدم صلاحية ما دل على التوقف أو الاحتياط للمعارضة لما دل عليها ... إلخ)

(وحاصل الجواب الثاني) انه لو سلم ان الأصل في الأفعال الغير الضرورية الحظر أو الوقف حتى يثبت من الشرع الإباحة فقد ثبت من الشرع الإباحة للأدلة المتقدمة الدالة على البراءة الشرعية كحديث الرفع والسعة والحجب وغيرها بل وبعض الآيات أيضاً (واما ما دل) على الاحتياط أو التوقف فقد عرفت الجواب عنه وانه مما لا يصلح للمعارضة مع ما دل على الإباحة أصلا.

٩٣

(قوله وثالثاً انه لا يستلزم القول بالوقف في تلك المسألة للقول بالاحتياط في هذه المسألة لاحتمال أن يقال معه بالبراءة لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ... إلخ)

(وحاصل الجواب الثالث) ان القول بالحظر هناك وإن فرض انه يستلزم القول بالاحتياط هاهنا ولكن القول بالوقف في تلك المسألة مما لا يستلزم القول بالاحتياط في هذه المسألة وذلك لجواز ان يقال مع الالتزام بالوقف هناك بالبراءة العقلية هاهنا وهي قاعدة قبح العقاب بلا بيان (وفيه ما لا يخفى) فإن القائل بالوقف هناك وإن فرض انه مأمون من ناحية العقاب هاهنا لكونه عقاباً بلا بيان ولكنه ممن لا يرفع يده عن الاحتياط من ناحية أخرى وهي كون الإقدام على ما لا يؤمن مفسدته قبيح كالإقدام على ما علم مفسدته (ومن هنا) صار المصنف بصدد المنع عن ذلك فقال وما قيل من أن الإقدام على ما لا تؤمن المفسدة فيه كالإقدام على ما تعلم فيه المفسدة ممنوع ... إلخ.

(أقول)

هذا كله مضافاً إلى المنع عن القول بالحظر أو الوقف من أصله فلا يبقى معه مجال للاستدلال به هاهنا أصلا (اما المنع عن الحظر) فلضعف مدركه وهو كون التصرف فيما لم يرد فيه رخصة تصرفاً في ملك الغير بغير إذنه فيحرم فإن قياس الباري جل وعلا بسائر المالكين قياس مع الفارق (مضافاً) إلى ان الحديث الشريف المتقدم كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي مما يرد ذلك كله فإنه قد دل كما تقدم على إباحة الأشياء حتى يرد فيها نهي وإذا شك في ورود النهي في مورد فالأصل عدمه (واما المنع عن الوقف) فقد عرفت شرحه في ذيل البراءة العقلية لدى التعليق على قول المصنف ان قلت نعم ولكن العقل يستقل بقبح الإقدام على ما لا يؤمن مفسدته ... إلخ من شهادة الوجدان ومراجعة ديدن العقلاء من أهل الملل والأديان على خلافه.

٩٤

(وبالجملة) إن القائل بالاحتياط في الدليل العقلي (إن استند) إلى العلم الإجمالي فقد عرفت الجواب عنه (وان استند) إلى كون الأصل في الأشياء الحظر أو الوقف إلى ان يرد الرخصة فقد عرفت أيضاً حاله (وإن استند) إلى قاعدة دفع الضرر المحتمل (فإن كان) الضرر هو العقاب الأخروي فنحن لا نحتمله بعد استقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان وقد تقدم تفصيل ذلك في البراءة العقلية (وان كان) هو الضرر الدنيوي فنحن

نمنع استقلال العقل بوجوب دفع مظنونه فضلا عن محتمله وموهومه إلّا إذا كان من الأضرار المهمة جداً كقتل أو حرق وما أشبههما فيجب دفع موهومه فضلا عن محتمله ومظنونه وقد تقدم تفصيل ذلك أيضاً فلا نعيد.

(قوله فان المفسدة المحتملة في المشتبه ليس بضرر غالباً ... إلخ)

قد عرفت ضعف ذلك في البراءة العقلية لدى التعليق على قوله مع ان احتمال الحرمة أو الوجوب لا يلازم احتمال المضرة وان كان ملازماً لاحتمال المفسدة أو ترك المصلحة ... إلخ (ووجه الضعف) كما تقدم شرحه ان المصالح والمفاسد التي هي مناطات الأحكام وإن لم تكن هي دائماً من قبيل المنافع والمضار ولكن قد تكون منها بل يتفق ذلك كثيراً فإذا احتمل المفسدة في الشبهة فقد احتمل الضرر فيها احتمالا معتداً به لا ضعيفاً لا يعتني به كما صرح في المتن (ولكنك) قد عرفت منا التحقيق في الجواب عن الضرر المحتمل على تقدير كونه هو الضرر الدنيوي فتذكر

(قوله مع ان الضرر ليس دائماً مما يجب التحرز عنه عقلا بل يجب ارتكابه أحياناً فيما كان المترتب عليه أهم في نظره ... إلخ)

قد عرفت ضعف ذلك أيضاً في البراءة العقلية لدى التعليق على قوله واما ضرر غير العقوبة فهو وان كان محتملا إلّا أن المتيقن منه فضلا عن محتمله ليس بواجب الدفع شرعاً ولا عقلا ... إلخ (ووجه الضعف) كما تقدم تفصيله أن عدم وجوب التحرز عن بعض المضار بل وجوب ارتكابه أحياناً شرعاً وعقلا كتسليم النّفس

٩٥

للحدود والقصاص أو تعريضها للقتل في الجهاد مما لا يكون دليلا على عدم وجوب التحرز عن بقية الأضرار كما لا يخفى.

في تنبيهات البراءة وبيان انه لا تجري

مع أصل موضوعي

(قوله بقي أمور مهمة لا بأس بالإشارة إليها الأول انه انما تجري أصالة البراءة شرعاً وعقلا فيما لم يكن هناك أصل موضوعي مطلقاً ولو كان موافقاً لها ... إلخ)

وحاصل الكلام في هذا الأمر أن أصالة البراءة انما تجري في الشبهة الحكمية أو الموضوعية إذا لم يكن هناك أصل موضوعي جار فيها إذا لا مجال لها مع الأصل الموضوعي بلا كلام لوروده عليها وارتفاع موضوعها بسببه وهو الشك ولو رفعاً تعبدياً عبر عنه الشيخ في الأغلب بالحكومة (ثم إن المصنف) قد جمع في هذا الأمر الأول بين تنبيهين من تنبيهات الشيخ أي التنبيه الخامس من تنبيهات الشبهة التحريمية الحكمية والتنبيه الأول من تنبيهات الشبهة التحريمية الموضوعية (قال) أعلى الله مقامه في الموضع الأول (ما لفظه) الخامس أن أصل الإباحة في مشتبه الحكم انما هو مع عدم أصل موضوعي حاكم عليه فلو شك في حل أكل حيوان مع العلم بقبوله التذكية جرى أصالة الحل وان شك فيه من جهة الشك في قبوله للتذكية فالحكم الحرمة لأصالة عدم التذكية لأن من شرائطها قابلية المحل وهي مشكوكة فيحكم بعدمها وكون الحيوان ميتة (انتهى) (وقال) أعلى الله مقامه في الموضع الثاني (ما لفظه) الأول إن محل الكلام في الشبهة الموضوعية المحكومة بالإباحة ما إذا لم يكن هناك أصل موضوعي يقضي بالحرمة يعني كما إذا شك في حلية لحم لتردده

٩٦

بين لحم الغنم الحلال ولحم الثعلب الحرام مع العلم بوقوع التذكية عليه على كل حال (إلى ان قال) ومن قبيل ما لا يجري فيه أصالة الإباحة اللحم المردد بين المذكي والميتة فإن أصالة عدم التذكية المقتضية للحرمة والنجاسة حاكمة على أصالتي الإباحة والطهارة (انتهى).

(ثم إنه) لا فرق في عدم جريان أصالة البراءة في الشبهة الحكمية أو الموضوعية مع الأصل الموضوعي بين ان كان الأصل الموضوعي مخالفاً لها كما في المثالين المتقدمين في كلامي الشيخ أعلى الله مقامه أحدهما في الموضع الأول والآخر في الموضع الثاني أو كان الأصل الموضوعي موافقاً لها فإن ملاك عدم الجريان هو الورود أو الحكومة وهو موجود في كلتا الصورتين جميعاً (وإليه أشار المصنف) بقوله مطلقاً ولو كان موافقاً لها ... إلخ (فإذا شك) بنحو الشبهة الحكمية أن الجلل في الحيوان المأكول هل هو مما يوجب ارتفاع قابليته للتذكية فيحرم أم لا فيستصحب قابليته للتذكية من قبل زمان الجلل ولا يبقى معه مجال لأصل الحل والإباحة أصلا وان كان موافقاً معه في النتيجة وهي الحلية (وإذا شك) بنحو الشبهة الموضوعية بعد الفراغ عن كون الجلل في الحيوان مما يوجب ارتفاع قابليته للتذكية فيحرم انه هل طرأ الجلل فيه أم لا فيستصحب عدمه ولا يبقى أيضاً معه مجال لأصل الحل والإباحة وإن كان موافقاً معه أيضاً فهذه أمثلة أربعة فاضبطها.

(قوله فأصالة عدم التذكية تدرجها فيما لم يذك وهو حرام إجماعاً كما إذا مات حتف أنفه فلا حاجة إلى إثبات أن الميتة تعم غير المذكى شرعاً ... إلخ)

وتوضيح المقام انه يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه في التنبيه الأول من تنبيهات الشبهة التحريمية الموضوعية انه قد أشكل على أصالة عدم التذكية بمعارضتها بأصالة عدم الموت وأن الحرمة والنجاسة من أحكام الميتة (وقد أجاب عنه الشيخ) أعلى الله مقامه من وجهين.

(قال أولا) بأنه يكفي في الحكم بالحرمة عدم التذكية ولو بالأصل

٩٧

ولا يتوقف على ثبوت الموت حتى ينتفي بانتفائه ولو بحكم الأصل والدليل عليه استثناء ما ذكيتم من قوله وما أكل السبع يعني به الآية الشريفة حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم الآية (قال) فلم يبح الشارع إلا ما ذكي وإناطة إباحة الأكل بما ذكر اسم الله عليه وبغيره من الأمور الوجودية المعتبرة في التذكية فإذا انتفى بعضها ولو بحكم الأصل انتفت الإباحة.

(وثانياً) إن الميتة عبارة عن غير المذكي إذ ليست الميتة خصوص ما مات حتف أنفه بل كل زهاق روح انتفى فيه شرط من شروط التذكية فهي ميتة شرعاً وتمام الكلام في الفقه (انتهى) فالمصنف قد اختار الوجه الأول من وجهي الجواب وأن الحرمة هي من آثار عدم التذكية غير أن الشيخ قد استند في ذلك إلى الآيتين أعني قوله تعالى (إلا ما ذكيتم) في أول المائدة وقوله تعالى (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) في سورة الأنعام والمصنف قد استند فيه إلى الإجماع ولم يختر المصنف الوجه الثاني وكأنه رأى ان إثبات كون الميتة عبارة عن غير المذكي مما لا يخلو عن كلفة (فقال) فلا حاجة إلى إثبات أن الميتة تعم غير المذكي شرعاً ... إلخ.

(وبالجملة) إن الحرمة هي من آثار عدم التذكية وهو مما يثبت بالأصل وليست هي من آثار الموت حتف أنفه كي ينفي بالأصل ويترتب عليه عدم الحرمة إذ لا مدخل للموت في الحرمة أصلا سوى انه من أفراد ما لم يذك (ثم إن) الظاهر انه لا وجه لتأنيث الضمير في قول المصنف تدرجها والصحيح تدرجه ولعل ذلك سهو من القلم والله العالم.

(قوله وذلك بأن التذكية انما هي عبارة عن فري الأوداج الأربعة مع ساير شرائطها عن خصوصية في الحيوان ... إلخ)

وهي التي عبر عنها الشيخ في العبارة الأولى المتقدمة بقابلية المحل (وعلى كل حال) قول المصنف هذا تعليل لقوله المتقدم فأصالة عدم التذكية تدرجها فيما لم يذك وبيان

٩٨

لكيفية اندراج الحيوان المشكوك حليته بسبب الأصل في غير المذكي والكيفية ان التذكية عبارة عن فري الأوداج الأربعة بشرائطه من التسمية والاستقبال وإسلام الذابح وغيرها عن خصوصية في الحيوان وقابلية فيه فإذا شك في حيوان خاص بنحو الشبهة الحكمية انه هل هو واجد لتلك الخصوصية أم لا فبأصالة عدم تحقق التذكية بمجرد الفري بشرائطه تندرج فيما لم يذك فيحرم شرعاً.

(قوله التي بها تؤثر فيه الطهارة وحدها أو مع الحلية ... إلخ)

فإن الخصوصية في الحيوان بسببها تؤثر التذكية في الطهارة وحدها كما في الأرانب والثعالب والسنجاب ونحوها أو في الطهارة مع الحلية جميعاً كما في الغنم والبقر والإبل ونحوها.

(قوله هذا إذا لم يكن هناك أصل موضوعي آخر مثبت لقبوله التذكية إلى آخره)

شروع في التمثيل للأصل الموضوعي الموافق للبراءة والمثال السابق كان للأصل الموضوعي المخالف لها وكل منهما للشبهة الحكمية وبقي عليه التمثيل للمخالف والموافق من الشبهة الموضوعية وسيذكرهما.

(قوله ومما ذكرنا ظهر الحال فيما اشتبهت حليته وحرمته بالشبهة الموضوعية من الحيوان ... إلخ)

شروع في التمثيل للأصل الموضوعي المخالف للبراءة والموضوعي الموافق لها وكل منهما للشبهة الموضوعية وقد عرفت شرح الأمثلة الأربعة فلا نعيد.

٩٩

في حسن الاحتياط شرعاً وعقلا

(قوله الثاني انه لا شبهة في حسن الاحتياط شرعاً وعقلا في الشبهة الوجوبية أو التحريمية ... إلخ)

قد جمع المصنف أيضاً في هذا الأمر الثاني بين تنبيهين من تنبيهات الشيخ أعلى الله مقامه أي التنبيه الثالث من تنبيهات الشبهة التحريمية الحكمية والتنبيه الثاني من تنبيهات الشبهة الوجوبية الحكمية (قال) في الموضع الأول (ما لفظه) لا إشكال في رجحان الاحتياط عقلا ونقلا كما يستفاد من الاخبار المذكورة وغيرها ... إلخ (وقال) في الموضع الثاني (ما لفظه) الثاني انه لا إشكال في رجحان الاحتياط بالفعل حتى فيما احتمل كراهته والظاهر ترتب الثواب عليه إذا أتى به لداعي احتمال المحبوبية لأنه انقياد وإطاعة حكمية ... إلخ.

(أقول)

(أما حسن الاحتياط) في الشبهات عقلا سواء كانت تحريمية أو وجوبية بل وسواء كانت حكمية أو موضوعية فلاحتمال وجود الواقع فيها ولرجحان حفظ الواقع عقلا مهما أمكن ولو مع الأمن من العقاب (وأما حسنه) شرعاً فلكثير من الاخبار المتقدمة الآمرة بالتوقف أو الاحتياط مما كان ظاهره الاستحباب والرجحان دون الحتم والإلزام.

(نعم) إذا ارتفع موضوع الاحتياط وهو الشك واحتمال وجود الواقع في المشتبه بأن حصل القطع الوجداني بالعدم أو أوجب الاحتياط العسر والحرج على المكلف أو الإخلال بالنظام أو الضرر أو الوسواس فعند ذلك لا يحسن الاحتياط لا عقلا ولا شرعاً بل يحرم الاحتياط في صورة الإخلال بالنظام أو الضرر أو الوسواس كما لا يخفى.

١٠٠