الأثر الخالد في الولد والوالد

السيد علي بن الحسين العلوي

الأثر الخالد في الولد والوالد

المؤلف:

السيد علي بن الحسين العلوي


المحقق: السيّد عادل العلوي
الموضوع : الأخلاق
الناشر: منشورات دار الذخائر للمطبوعان
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٧
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

قانون الوراثه

انّ حكم قانون الوراثة يجري في الآباء والابناء ، بمعنى أنّه اذا كان في الوالد طبيعة أو عيب يرثه الولد ، ولو كان بعد عدة أظهر ، و قد جرّب هذا المعنى وثبت علميا .

لذا كان أئمّتنا عليهم السلام يخبرون عن أفراد أشياء ويأمرون شيعتهم بانتظارها فيهم أو في اولادهم .

وهكذا يكون العكس ، بمعنى أنه ينسب لشخص أمر ولا يكون فيه ولكن كان في أبيه أو أحد آبائه .

١ ـ محمّد بن اسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى عن ابراهيم بن عمر اليماني ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : اذا قلنا في رجل قولاً فلم يكن فيه ، وكان في ولده أو ولد ولده ، فلا تنكروا ذلك ، فان الله تعالى يفعل ما يشاء . الكافي ج ١ ، باب في انه اذا قيل في الرجل ، ص ٤٥٠ ، الحديث ٢ .

٢ ـ الحسين بن علي ، عن معلى بن محمّد ، عن الوشاء ، عن احمد بن عائذ ، عن أبي خديجة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : قد يقوم الرجل بعدل او بجور ، وينسب اليه ، ولم يكن قام به . فيكون ذلك ابنه او ابن ابنه من بعده . فهو هو . الكافي ج ١ ، باب في انه اذا قيل في الرجل ، ص ٤٥٠ ، الحديث ٣ .

١٤١
 &

السُّلطة الماليّه

ان سلطة الأب على الولد مما لا يتنازع فيه اثنان ، ولمّا كان الأب هو السبب المباشر ظاهرا في كينونة ابنه كان له حق التصرّف في أمواله ومع عدم علمه ، لذا جاء في شرايع الاسلام :

١ ـ في قطع يد السارق : أن لا يكون والداً من ولده ، ويقطع يد الولد لو سرق من الوالد .

١٤٢
 &

ارث الوالدين

كما أنّ الوالدين يورثان الابناء ، كذلك الابناء تورّث ـ في بعض الأحايين ـ الوالدين والمشرّع الجليل جلّت عظمته لم يهمل حقّا لأحد مهما صغرا وكبر .

١ ـ قال تعالى في محكم كتابه الكريم : يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ، وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ، فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ، فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ، آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ، فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ( النساء ـ ١١ ) .

١٤٣
 &

الارث للولد

لا بد للآباء توريث أبنائهم . أما المال فليس بمهم ، والمهم الادب والحكمة والمعرفة وما اشبه . والخير كل الخير في توريث العلم .

١ ـ قال ابو ذرجمهر : ما ورّثت الآباء الابناء خيرا من ثلاثة اشياء : الادب النافع ، والاخوان الصالحون ، والثناء الجميل . . . معدن الجواهر ص ٣٦ .

٢ ـ من كلمات امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : اين من جمع فأكثر ، واعتقب ، واعتقد ونظر ، بزعمه للولد . . . في كتاب درر الكلم في حرف الألف ، بألف الاستفهام .

٣ ـ وقال تعالى بالنسبة للمال : لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ . . . ( النساء آيه ٧ ) .

٤ ـ وقال تعالى : يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ . . . ( النساء آية ١١ ) .

٥ ـ وقال القدير جلّت قدرته : وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ . . . ( النساء الآية ٣٣ ) .

١٤٤
 &

ارث الاُنثى

ان الانسان يورّث ، والتوريث له أفراد متنوعة ، فبعض يورث العلم والأدب ، وبعض يورث الشرّ في الورثه كما رأيناه بأم اعيننا في زماننا هذا ، فان قبل اعوام مات احدهم واوصا ابنه الاكبر بأنه يبعد عن العلماء فانهم يتحيّلون عليه وعلى اخوته ويأخذون بعض اموالهم باسم الحقوق الشرعية ، وهو مات ولم يؤدّى فلسا واحدا لهؤلاءه هكذا زرع التباغض والتباعد في قلوب اولاده بالنسبة للعلماء ولأهل الدين ولكن ربك بالمرصاد فما مضت الليالي والأيام الّا وقضى على ولده الاكبر بالسرطان وتشتت الباقون هداهم الله تعالى . اما بالنسبه لتوريث المال فقد حدّد الله تعالى للذكور والاناث ، كل حسب ما تقتضيه المصلحة العامة والخاصة .

١ ـ قال عزّ من قائل : لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا . . . النساء آية ٧ .

٢ ـ وقال تبارك وتعالى يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ

١٤٥
 &

فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ، آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ، فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ ، إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا . . . . . ( النساء ـ ١١ ) .

١٤٦
 &

خِتٰامُهُ مِسْك

هذا ما وجدته لوالدي قدس سره من كتابه ( الاثر الخالد ) ، و قد طبعته على ما وجدته ، وقد طبعه بيده بالتايپ ـ ولكي يكون ختامه مسك ، إرتأيتُ ان اختمه بدعائين من الصحيفة السجادية لمولانا وامامنا الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، ولكي تعم الفائدة ، نقلتها من كتاب ( في ظلال الصحيفة السجادية ) للكاتب الشهير الشيخ محمد جواد مغنية ( قُدّس سرّهُ ) ثم أردفتُهما بلمحةٍ من حياة السيد الوالد من كتاب ( الكوكب الدُّري في حياة السيد العلوي ) .

أملي من القراء الكرام ان يذكروه بالدعاء وبفاتحةٍ وسورةٍ مباركةٍ من كتاب الله الكريم ، ولهم من الله الاجر و الثواب ، ومن أسرته ألف شكر ، ودمتم بخير .

العبد

عادل العلوي

ايران ـ قم ـ ص ب ٣٦٣٤

١٤٧
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEAthar-Khaled-Walad-Waledimagesrafed.jpg

١٤٨
 &

ـ ٢٤ ـ

لأبويه

أللّهُمَّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ ، وَأهْلِ بَيْتِهِ الطّاهِرينَ ، وَاخْصُصْهُمْ بِأفْضَل صَلواتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَبَرَكَاتِكَ وَسَلامِكَ ؛ وَاخْصُصِ اللّهُمَّ وَالديَّ بِالْكَرامَةِ لَدَيْكَ ، وَالصَّلاةِ مِنْكَ يَا أرْحَمَ الرّاحِمينَ .

أللّهُمَّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِهِ ، وَألْهِمْني عِلْمَ مَا يَجِبُ لَهُمَا عَلَيَّ إلْهَاماً ، وَاجْمَعْ لي عِلْمَ ذَلِكَ كُلّهُ تَمَاماً ، ثُمَّ اسْتَعْمِلْني بِمَا تُلْهِمُني مِنْهُ ، وَوَفّقْني للنّفُوذ فِيمَا تُبْصّرُني مِنْ عِلْمِهِ ، حَتّى لا يفُوتَني اسْتِعْمَالُ شيءٍ عَلّمْتِنيهِ ، وَلا تَثْقُلَ أرْكاني عَنِ الْحَفُوفِ فِيمَا ألْهَمْتَنِيهِ .

( وألهمني علم ما يجب لهما . . . ) العلم بالحلال والحرام لا ينبع من داخل الانسان وأوهامه ، وإنما يؤخذ من الوحي أو من يمضيه الوحي ويقره ، ولذا طلب الإمام من الله سبحانه أن يرشده ويهديه إلى ما يجب عليه لوالديه ، ويتلخص هذا الواجب بطاعتهما في كل شيء الا في معصية الله حيث لا طاعة

١٤٩
 &

لمخلوق في معصية الخالق ، وبهذا نجد تفسير الآية ٨ من العنكبوت : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ) وغيرها من آيات هذا الباب وأحاديثه .

وبالمناسبة أُشير ، لمجرد التنبيه والتحذير ، أني أعرف شيخاً باسمه وشخصه يحلل ويحرم ويحكم بالفروج والأموال بوحي من فهمه ووهمه ، أما الدرس والمراجعة والمطالعة فهي للذين يسيرون على الطريق لا لمن يطفر بلا رابطة وواصلة ! ومع هذا يؤمن ويوقن أنه ألمع من تخرج من مدرسة الإمام جعفر الصادق (ع) ! أعاذنا الله من مضغ هذا الهواء .

( واجمع لي علم ذلك . . . ) إشارة إلى واجبات الوالدين بالكامل ، والمعنى إجعلني عالماً بكل ما عليّ لهما ( ثم استعملني بما تلهمني ، ووفقني للنفوذ . . . ) بعد أن طلب الإمام من الله الهداية إلى العلم بالواجبات سأله التوفيق الى العمل بموجب العلم ، لأن الهدف الأساس من كل علم هو التنفيذ والتطبيق ، وبتعبير فيلسوف معاصر : « ليست المعرفة بناءات ـ أو بنايات ـ تبنى بالذهن ليتعلمها الإنسان ، ثم يأوي إلى مخدعه ليستريح » وكفى .

( ولا تثقل أركاني عن الحفوف . . . ) المراد بالثقل هنا الكسل والفتور وبالأركان الأعضاء التي يتركب منها البدن ، وبالحفوف الخدمة ، من حفف الخدم حوله أي أحدقوا به ، والمعنى : هب لي من لدنك قوة ونشاطاً في طاعة والدي ومرضاتهما .

أللّهُمَّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِهِ ، كَمَا شَرّفْتَنَا بِهِ ، وَصَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِهِ ، كَمَا أوْجَبْتَ لنَا الْحَقَّ عَلى الْخَلْقِ بِسَبَبِهِ .

١٥٠
 &

أللّهُمَّ اجْعَلْني أهَابُهُمَا هَيْبَةَ السّلْطَانِ الْعَسُوفِ ، وَأبَرّهُمَا بِرَّ الأمّ الرَّؤوفِ ؛ وَاجْعَلْ طَاعَتي لِوالدَيَّ وَبِرّي بِهِمَا أقَرّ لِعَيْني مِنْ رَقْدَةِ الْوَسْنَانِ ، وَأثْلَجَ لِصَدْري مِنْ شَربَةِ الظّمآنِ ؛ حَتّى أوثِرَ عَلى هَوايَ هَواهُمَا ، وَأُقَدّمَ عَلى رِضايَ رِضاهُمَا ، وَأسْتَكْثِرَ بِرَّهُمَا بي وَإن قَلَّ ، وَأسْتَقِلَّ بِرّي بِهِمَا وَإنْ كَثُرَ .

( أللهم صل على محمد وآله كما شرفتنا به ) أي بميراثنا لعلمه ، وعملنا بسنته ، وسيرنا على طريقته ، لا بمجرد الإنتساب إليه ، قال سبحانه : « فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ـ ١٠١ المؤمنون . . . إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ـ ١٣ الحجرات » . وسئل الرسول الأعظم (ص) عن أحب الناس إلى الله ؟ فقال : « أنفعهم للناس » . ويأتي في الدعاء ٤٢ : « لترفعنا فوق من لم يطق حمله » أي حمل علم الكتاب والسنة ( كما أوجبت لنا الحق على الخلق بسببه ) يشير بهذا الى الآية ٢٣ من الشورى : « قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ » وما وجبت هذه المودة إلا لأن أهل البيت (ع) امتداد لجدهم الرسول (ص) علماً وعملا وسيرة وسريرة .

( أللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف ) : الظلوم ، يهاب والديه على دنوه منهما وعلمه بأنهما أرأف به من نفسه . ولا غرابة ، إنها هيبة التعظيم والتقدير ، لا هيبة الخوف من العقاب العسير ، هيبة الأبوة التي لا يشعر بها إلا العارفون . كانت فاطمة (ع) بضعة من النبي (ص) ، وأحب الخلق إلى قلبه ومع هذا كانت تقول : ما استطعت أن أُكلم أبي من هيبته ( وأبرهما

١٥١
 &

بر الأم . . . ) ولا شيء عند الأبوين أغلى وأثمن من بر الإبن بهما ، علماً بأنه وفاء لدين سابق . . . ومع هذا يسعدان به سعادة الغارس بثمرات غرسه ، وبهذه السعادة نفسها يشعر الإبن البار اذا تأكد من سعادة أبويه به ، ورضاهما عنه .

( الوسنان ) : من أخذ النعاس ( واستكثر برهما بي وان قل ، واستقل بري بهما وإن كثر ) الخير منه ضئيل وصغير بالغاً ما بلغ ، ومنهما جليل وكبير وإن كان حبة من خردل ؟! وليس هذا تواضعاً ، بل إيماناً وعظمة نفس ، وشعوراً حياً بمسؤولية التكليف ، وهو أمره تعالى : « أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ـ ١٤ لقمان » وكل شيء قليل في جنب الله والشكر له لمن قرن شكره بشكره . وهكذا العظيم يستصغر الحسنة منه وإن كبرت ، ويستكبر السيئة وإن صغرت على العكس تماماً من الحقير ، وفي الحديث الشريف : « المؤمن يرى ذنبه فوقه كالجبل ، يخاف أن يقع عليه ، والمنافق يرى ذنبه كذباب مر على أنفه فأطاره » . وقال قائل لأحد المتقين حقاً : رأيت في منامي أنك في الجنة . فقال له : ويحك أما وجد الشيطان من يسخر منه غيري وغيرك ؟ .

أللّهُمَّ خَفّضْ لَهُمَا صوتي ، وَأطِبْ لَهُمَا كَلامي ، وَألِنْ لَهُمَا عَريكَتي ، وَاعْطِفْ عَلَيْهِمَا قَلْبي ، وَصَيّرني بِهِمَا رَفيقاً ، وَعَلَيْهِمَا شَفِيقاً ؛ أللّهُمَّ اشْكُرْ لَهُمَا تَربِيَتي ، وَأثِبْهُمَا عَلى تَكْرِمَتي ، وَاحْفَظْ لَهُمَا مَا حَفِظَاه مِنّي في صِغَري .

أللّهُمَّ وَمَا مَسّهُمَا مِنّي مِنْ أذىً ، أوْ خَلَصَ إلَيْهِمَا عَنّي مِنْ مَكْرُوهٍ ، أوْ ضاعَ قِبَلي لَهُمَا مِنْ

١٥٢
 &

حَقّ . . . فاجْعَلْهُ حِطّةً لِذُنوبِهِمَا ، وَعُلُوّاً في دَرَجَاتِهِمَا ، وَزِيَادَةً في حَسَنَاتِهِمَا ؛ يَا مُبَدّلَ السّيّئاتِ بِأضْعَافِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ .

( أللهم خفّض لهما صوتي ) غض الصوت وخفضه من الآداب الشرعية والعرفية ، بخاصة عند مخاطبة الكبار وأهل المكانة . وفي الآية ١٩ من لقمان : « وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ » ( وأطب لهما كلامي ) قال سبحانه : « فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ـ ٢٣ الأسراء » على أن الكلمة الطيبة بوجه عام كالشجرة الطيبة « أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ـ ٢٥ إبراهيم » ( عريكتي ) طبيعي ( رفيقاً ) : لطيفاً لا فظاً غليظاً .

( أللهم واشكر لهما . . . ) أجزهما بالإحسان إحساناً ، وبالسيئات عفواً وغفراناً ( واحفظ لهما ما حفظاه مني في صغري ) أجزل لهما الأجر والثواب على ما لقيا من التعب والعناء في سبيلي رضيعاً وصبياً . وقال رجل للنبي (ص) : إن أبوي بلغا من الكبر عتياً ، وأنا أُولي منهما ـ أُباشر ـ ما وليا مني في الصغر فهل قضيت حقهما ؟ قال : لا ، فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك ، وأنت تفعله ، وتريد موتهما ( أللهم وما مسهما مني من أذى . . . ) كل ما أصابهما بسبي من مكروه ( فاجعله حطة ) : محواً ( لذنوبهما وعلواً ) لمقامهما عندك بحيث يكون شقاؤهما بي في الدنيا سبباً لسعادتهما في الآخرة .

( يا مبدل السيئات بأضعافها حسنات ) لمحو السيئات العديد من الطرق ، منها التوبة ، ومنها إصلاح ذات البين وكل عمل نافع مفيد للفرد والجماعة ، ومنها المرض فإنه يحط السيئات ، ويحتها حت الأوراق ، على حد تعبير

١٥٣
 &

نهج البلاغة ، ومنها العدوان حيث يتحمل المعتدي سيئات المعتدى عليه ، وأيضاً يأخد هذا حسنات ذاك ، وسبقت الإشارة إلى ذلك في الدعاء ٢٢ عند تفسير « تقاضي به من حسناتي وتضاعف به من سيئاتي » .

أللّهُمَّ وَمَا تَعَدَّيَا عَلَيَّ فيِهِ مِنْ قَوْلٍ ، أوْ أسْرَفا عَلَيَّ فِيهِ مِنْ فِعْلٍ ، أوْ ضَيّعَاهُ لي مِنْ حَقٍّ ، أوْ قَصّرا بي عَنْهُ مِنْ واجِبٍ . . . فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَهُمَا ، وَجُدْتُ بِهِ عَلَيْهِمَا ، وَرَغِبْتُ إلَيْك في وَضْعِ تَبِعَتِهِ عَنْهُمَا ، فإنّي لا أتّهِمُهُمَا عَلى نَفْسي ، وَلا أسْتَبْطِئُهُمَا في بِرّي ، وَلا أكْرَهُ مَا تَوَلّيَاهُ مِنْ أمْرِي يَا رَبّ ؛ فَهُمَا أوْجَبُ حَقّاً عَلَيّ ، وَأقْدَمُ إحْسَاناً إلَيَّ ، وَأعظَمُ مِنّةً لَدَيَّ . . . مِنْ أنْ أُقَاصّهُمَا بِعَدْلٍ ، أوْ أُجَازِيَهُمَا عَلى سِئْلٍ .

أيْنَ إذاً يَا إلَهي طُولُ شُغْلِهِمَا بتَربِيَتي ! ؟ وَأيْنَ شِدَّةُ تَعَبِهِمَا في حِراسَتي ؟ ! وَأيْنَ إقْتَارُهُمَا عَلى أنْفُسِهِمَا للتَوْسِعَةِ عَلَيَّ ؟ ! هَيْهَاتَ مَا يَسْتَوفِيَانِ مِنّي حَقّهُمَا ، وَلا أُدْرِكُ مَا يَجِبُ عَلَيَّ لَهُمَا ، وَلا أنَا بِقَاضٍ وَظيفَةَ خِدْمَتِهِمَا .

( أللهم وما تعديا علي فيه . . . ) كما أوجب سبحانه حقوقاً للوالدين على والولد ، أوجب أيضاً حقوقاً له عليهما ، ومن أهمل وقصّر استحق اللوم والعقاب والداً كان أو ولداً ، والامام السجاد (ع) يتجاوز ويتنازل عما

١٥٤
 &

افترضه الله له على أبويه ، وحملهما من حقه أياً كان نوعه ويكون ، وعبّر عن هذا التسامح والتجاوز بقوله : ( وهبته لهما . . . ) أسألك اللهم أن لا تؤاخذ أبوي على أي شيء يتصل بي من قريب أو بعيد ( فإني لا أتهمهما على نفسي . . . ) هما عندي وفي عقيدتي من الناصحين المخلصين لا تواني منهما في حقي ولا تقصير ( ولا أكره ما توليا من أمري ) مهما أتى من المحبوب محبوب ، والعكس بالعكس .

( فهما أوجب حقاً علي وإحساناً إلي . . . ) لي حق ولهما حق ، ولكن حقهما أقدم وأعظم ( من أن أُقاصهما بعدل . . . ) لا مقاصة عادلة إلا مع المساواة ، ولا مكان لها بين المنعم والمنعم عليه . ومن هنا يُقتل الولد بوالده ، ولا يُقتل الوالد بالولد .

( أين اذن يا إلهي طول شغلهما . . . ) لقد تحملا الضيق والشدة لأعيش في سعة ، والتعب والعناء لأكون في راحة ، والذل والهوان من أجل سعادتي ( هيهات ) بفتح التاء وكسرها وضمها : إسم فعل بمعنى بعدُ ( ما يستوفيان حقهما . . . ) أُقر وأعترف بالعجز عن القيام بحقهما مهما اجتهدت وبالغت ، لأنه جسيم وعظيم .

وبعدُ ، فمن أراد أن يستدرك ما فرط من حق أبويه بعد موتهما ، فليستغفر الله لهما ، ويقض دينهما ، ان كان عليهما شيء منه لله أو للناس وإلا تصدق عنهما بما يستطيع . وفي الحديث : من الأبرار يوم القيامة رجل بر والديه بعد موتهما .

فَصَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِهِ ؛ وَأعِنّي يَا خَيْرَ مَنْ أسْتَعينُ بِهِ ، وَوَفِّقْني يَا أهْدى مَنْ رُغِبَ إلَيْهِ ،

١٥٥
 &

وَلا تَجْعَلْني في أهْلِ الْعُقُوقِ لِلآباءِ وَالأمّهَاتِ يَوْمَ تُجْزى كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ .

أللّهُمَّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِهِ وَذُرّيّتِهِ ، وَاخْصُصْ أبَويَّ بِأفْضَلِ مَا خَصَصْتَ بِهِ آباءَ عِبَادِكَ الْمُؤمِنِينَ وَأمّهَاتِهِمْ ؛ يَا أرْحَمَ الرَّاحِمينَ .

( وأعني يا خير من أستعين به . . . ) كل أدعية أهل البيت (ع) ومناجاتهم ، تهدف إلى طلب الهداية والعون والتوفيق للعلم بالحق والخير والعمل بموجبه ، لأن التوفيق هو الأصل والمنطلق لكل نفع وصلاح دنيا وآخرة ( ولا تجعلني في أهل العقوق ) : العصيان والتمرد ( للآباء والأمهات ) ولا أدري كيف يعق الولد والديه ، وهو على علم اليقين أنهما أرحم به من نفسه ، وأنهما يضحيان بالنفس والنفيس من أجله ، ولا يجزي الإحسان بالإساءة إلا من فيه طبع الحية والعقرب .

( وصل على محمد وآله وذريته ) قيل : الذرية أخص من الآل ، لأن الآل لكل ذي رحم ، والذرية للنسل فقط . ولكن المراد هنا العكس ، لأن القصد من كلمة الآل في الصلاة عليه وعليهم ، المعصومون بالخصوص ، أما الصلاة على الذرية فتعم كل مؤمن صالح من نسل الرسول الأعظم (ص) ( واخصص أبوي بأفضل ) ما تخص به المقربين لديك .

أللّهُمَّ لا تُنْسِني ذِكْرَهُمَا في أدْبَارِ صَلَواتي ، وفي إنىً مِنْ آنَاءِ لَيْلي ، وفي كُلّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ نَهَاري .

١٥٦
 &

أللّهُمَّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِهِ ؛ وَاغْفِرْ لي بِدُعَائي لَهُمَا وَاغْفِرْ لَهُمَا بِبِرّهِمَا بي مَغْفِرَةً حَتْماً ؛ وَارْضَ عَنْهُمَا بِشَفَاعَتي لَهُمَا رِضىً عَزْماً ، وَبَلّغْهُمَا بِالْكَرامَةِ مَواطِنَ السّلامَةِ .

أللّهُمَّ وَإنْ سَبَقَتْ مَغْفِرَتُكَ لَهُمَا فَشَفّعْهُمَا فيَّ ، وَإنْ سَبَقَتْ مَغْفِرَتُكَ لي فَشَفّعْني فِيهِما ، حَتّى نَجْتَمِعَ بِرَأفتِكَ في دارِ كَرامَتِكَ وَمَحَلّ مَغْفِرَتِكَ وَرَحْمَتِكَ .

إنّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ، وَالْمَنّ الْقَديمِ ، وَأنْتَ أرْحَمُ الرَّاحِمينَ .

( أللهم لا تنسني ذكرهما في أدبار صلواتي ) كان الشعب العاملي ، المعروف الآن بجنوب لبنان ، من أشد الناس ولاءً لأهل البيت (ع) وأحرصهم على حفظ مناقبهم وآثارهم ، وبخاصة الأدعية حيث يكررونها صباح مساء ، وكان من عادة العامليين أن يقرأوا سورة الفاتحة بعد الصلاة ، ويهدون ثوابها إلى الأبوين ، وما زال الكثير منهم على ذلك . وغير بعيد أن يكون المصدر هذا الدعاء بالذات ( وفي آناء من آناء ليلي وفي كل ساعة . . . ) لا تنسني ذكرهما في أي وقت وحين .

( واغفر لي . . . ) اجعل ثوابي عندك على البر بهما ، وثوابهما على البر بي ـ مغفرتك ورحمتك لي ولهما ( حتماً ) : غفراناً محتوماً ( رضىً عزماً ) : معزوماً أي مقصوداً ( وبلغهما بالكرامة ومواطن السلامة ) تكرم

١٥٧
 &

عليهما بالجنة وتفضل ( وإن سبقت مغفرتك لهما . . . ) إن تك منزلتهما لديك أعلى وأرفع من مكانتي فارحمني بشفاعتهما ، وإن تك منزلتي أعلى فارحمهما بشفاعتي ( حتى نجتمع ) في جنانك ، ونسعد برضوانك .

والخلاصة أن للوالدين حقوقاً تمتاز عن أكثر الحقوق حتى عن حق المؤمن على المؤمن ولو كان الأبوان مشركين بنص القرآن الكريم : « وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ـ ١٥ لقمان » .

١٥٨
 &

ـ ٢٥ ـ

لولده

أللّهُمَّ وَمُنَّ عَلَيَّ بِبَقَاءِ وُلْدي ، وَبِإصْلاحِهِم ليَ وَبِإمْتَاعي بِهِمْ ؛ إلَهي امْدُدْ لي في أعْمَارِهِمْ ، وَزِدْ لي في آجَالِهِم ْ ، وَرَبّ لي صَغِيرَهُمْ ، وَقَوّ لي ضَعِيفَهُمْ ، وَأصِحَّ لي أبْدانَهُمْ وَأدْيَانَهُمْ وَأخْلاقَهُمْ ، وَعَافِهِمْ في أنْفُسِهِم وَفي جَوارِحِهِمْ وَفي كُلّ ما عُنِيتُ بِهِ مِنْ أمْرِهِمْ ، وَأدْرِرْ لي وَعَلى يَدي أرْزاقَهُمْ ؛ وَاجْعَلْهُمْ أبْراراً أتْقِيَاءَ بُصَراءَ سَامِعينَ مُطِيعينَ لَكَ ، وَلأوْلِيَائِكَ مُحبِّينَ مُنَاصِحينَ ، وَلِجَميعِ أعْدَائِكَ مُعَانِدينَ وَمُبْغِضينَ ؛ آمينَ . . .

( أللهم ومنّ عليّ ببقاء ولدي ) يتمنى الوالد طول الحياة لولده ، لأنه امتداد لوجوده وذكره وأجله وعمره ( وبإصلاحهم لي ) اجعلهم من أهل الإيمان والصلاح كي يطيعوك شاكرين ، ويسمعوا مني غير عاصين ( وبامتناعي بهم . . . ) أتقوى بهم في شيخوختي ، ويخدموني في ضعفي وعلتي ( وربّ لي صغيرهم ) مدني بالعون من فضلك على تربيتهم تربية صالحة نافعة .

١٥٩
 &

التوكل في العمل لا في البطالة والكسل

( وقوّ لي ضعيفهم وأصح . . . ) أسألك يا إلهي أن يكون أولادي بالكامل اصحاء آقوياء وأبراراً أتقياء . . . وليس معنى هذا أن يهمل الوالد شأن أولاده بالمرة ، ويترك تدبيرهم لله وهو واقف ينظر ويتفرج ، بل معناه أن يأخذ للأمر هبته من أجلهم ويكافح بلا كلل وملل ، في سبيلهم متوكلاً على الله مستعيناً به في التوفيق وبلوغ الغاية ، والله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، كيف وقد أمر بالجهاد والنضال وقال فيما قال : « اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ ـ ١٠٥ التوبة » وندد بمن يعيش كلا على سواه في الآية ٧٦ من النحل .

وما من شك أن من ترك الكدح والعمل مع طاقته وقدرته بزعم الإتكال على الله ـ فقد تمرد على أمره تعالى ، ووضع رأيه فوق مشيئة الخالق وإرادته من حيث يريد أو لا يريد ، وتواتر عن الرسول الأعظم (ص) : « إعقلها وتوكل » وقال حكيم قديم : إن الله سبحانه أمرنا بالتوكل عليه في العمل لا في البطالة والكسل . وبكلام آخر أن التربية من صنع الإنسان ، ولها أُسس وقوانين تماماً كالصناعة والزراعة وغيرهما ، والإمام (ع) في دعائه هذا يسأل الله سبحانه أن يهد له السبيل إلى التنفيد والقيام بما فرضه عليه من تربية الأولاد والعناية بهم والكدح من أجلهم ، وسبق الكلام عن ذلك في الدعاء رقم ٢٠ وأيضاً قد يأتي بأُسلوب ثالث أو رابع .

١٦٠