الأثر الخالد في الولد والوالد

السيد علي بن الحسين العلوي

الأثر الخالد في الولد والوالد

المؤلف:

السيد علي بن الحسين العلوي


المحقق: السيّد عادل العلوي
الموضوع : الأخلاق
الناشر: منشورات دار الذخائر للمطبوعان
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٧
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

لا تكلّفهما أن يسألانك شيئا مما يحتاجان اليه ، وان كانا مستغنين عنه ، اليس يقول الله تعالى ( لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) . . . ذرايع البيان ، الآفة الثامنة ، ص ١٧٢ .

١٠١
 &

العبادة

الكلام في العباده مفروغ عنه ، لأن الباري جلّ جلاله لم يكن يخلق الخلق الّا لأجلها ، وهو تبارك وتقدّس القائل في محكم التنزيل : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ( الذاريات ـ ٥٦ ) . ولكن ما هي ؟ . ان مصاديق العباده كثيرة وكثيرة جدا بحيث لا يمكن عدّها وحصرها ، لأنّه يمنن للانسان أن يجعل كل اعماله صغيرة او كبيرة من عبادة الله جلّ جلاله وعلا ، لأن الأعمال بالنيات . ومن العبادات المرموقة التي لا محيص منها حب الأبوين .

١ ـ قال النبي صلوات الله عليه وعلى آله المعصومين : نظر الولد الى والديه حبّا لهما عبادة . . . غوالي الدرر ، حرف النون ، ص ١٥٦ . وتحف العقول ، مواعظ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ص ١٣٢ .

٢ ـ من لا يحضره الفقيه : روي أنّ النظر الى الكعبه عبادة ، والنظر الى الوالدين عبادة ، والنظر الى المصحف من قرائه عبادة ، والنظر الى وجه العالم عبادة ، والنظر الى آل محمّد صلوات الله عليهم عبادة . . . . زندگاني سلطان على وهلال بن على ، ص ٧ .

١٠٢
 &

احب الانباءِ

الواقع أن حب الوالدين لا يختلف بالنسبة لاولادهم ، الّا أنه هناك مزايا ذاتية في بعض الاولاد وهي مما تؤهّلهم لأن يكونوا اقرب الى قلب الوالدين ، او أن في طباعهم حسنات توجب لهم حنان الوالدين اكثر ، وبغضّ النظر عن هذه الأمور لا فرق بين الاولاد صغيرهم وكبيرهم وذرهم وانثاهم كلّهم زينة في هذه الحياة .

١ ـ قال لؤي بن غالب لامرأته : اي بنيك احب اليك ؟ قالت : احبّهم اليّ الذي اجتمع فيه ثمان خصال : منها : ولا يغيّر تبرّه عقوق . . . . . معدن الجواهر ص ٦٤ .

١٠٣
 &

درجات العقوق

العقوق ما يقابل البر ، وكما أن البرّ له درجات ، كذلك العقوق له درجات ، وهذه الدرجات والمراتب تظهر عند الأبناء حين يعصون أبويهم ، أو يؤذونهم ـ والعياذ بالله ـ فكل ما كان الأذى أشدا ، تكون مرتبه العاق أمراً ، وهكذا الى أن تصل النوبة الى عقوق ليس فوقه عقوق . وهذا ما قرّره الامام الصادق جعفر بن محمّد صلوات الله عليهما وعلى آبائهما وأبنائهما الطيبين الطاهرين ، حيث جاء في الحديث :

١ ـ حدّثنا محمّد بن الحسن بن احمد بن الوليد (رض) قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن أبي همّام اسماعيل بن همّام ، عن محمّد بن سعيد بن غزوان ، عن اسماعيل بن مسلم السكوني ، عن جعفر بن محمّد ، عن ابيه عليهما السلام ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال : فوق كل برّ برّ حتى يقتل الرجل في سبيل الله عزّ وجلّ ، فاذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ وفوق كل عقوق عقوق ، حتى يقتل الرجل احد والديه ، فاذا قتل احدهما فليس فوقه عقوق . . . الخصال ص ٩ ، باب الواحد ، الحديث ٣١ .

٢ ـ حدّثنا أبي (رض) قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطار قال :

١٠٤
 &

حدّثني ايوب بن نوح عن محمّد بن سنان ، عن موسى بن بكر الواسطي قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام : الرجل يقول لابنه او لابنته بأبي أنت وأمي ، أو بأبوي . أترى بذلك بأسا ؟ . فقال عليه السلام : ان كان ابواه حيين ، فأرى ذلك عقوقا ، وان كانا قد ماتا فلا بأس . قال : ثم قال عليه السلام : كان جعفر عليه السلام يقول : سعد أمرؤ لم يمت حتّى يرى خلفه من بعده ، وقد والله أراني الله خلفي من بعدي . . . الخصال ، ص ٢٢ ، باب الواحد ، الحديث ٩٤ .

٣ ـ حدّثنا ابي (رض) قال : حدّثنا احمد بن ادريس ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن السندي ، عن علي بن الحكم ، عن محمّد بن فضيل عن شريس الوابشي ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ان الجنّة ليوجد ريحها من مسيرة خمسمائه ، عام ولا يجدها عاق ولا ديوث ، قيل يا رسول الله وما الديوث ؟ . قال صلى الله عليه وآله وسلّم : تزني امرأته وهو يعلم . . الخصال ، باب الاثنين ، ص ٣٠ ، الحديث ١٥ .

٤ ـ حدّثنا ابو احمد محمّد بن جعفر البنداء ، قال : جعفر بن محمّد بن نوح ، قال : حدّثنا محمّد بن عمرو ، قال : حدّثنا يزيد بن زريع ، قال : حدّثنا بشر بن نمير ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبي امامة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : اربعة لا ينظر الله اليهم يوم القيامة : عاق ، ومنّان ، ومكذب بالقدر ، ومدّ من خمر . . . الخصال ، باب الاربعه ، ص ١٦٢ ، الحديث ١٨ .

٥ ـ حدّثنا محمّد بن الحسن بن احمد بن الوليد رضي الله عنه ،

١٠٥
 &

قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن ايوب بن نوح وابراهيم بن هاشم جميعا عن محمّد بن ابي عمير ، عن بعض اصحابه عن ابي عبد الله عليه السلام ، قال : وجدنا في كتاب علي عليه السلام أن الكبائر خمس : الشرك بالله عزّ وجلّ . وعقوق الوالدين . وأكل الربا بعد البيّنة . والفرار من الزحف . والتعرّب بعد الهجرة . . . . الخصال ، باب الخمسة ، ص ٢٢٣ ، الحديث ١٦ .

٦ ـ عن ابراهيم بن أبي البلاد ، عن ابيه ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : لو علم الله شيئا أدني من ( اف ) لنهى عنه ، وهو من العقوق ، وهو أدنى العقوق ، ومن العقوق ان ينظر الرجل الى والدين يحدّ النظر اليهما . . . ذرايع البيان ، ص ٢٠٠ ، تكملة .

٧ ـ روى أن موسى عليه السلام ، قال : يا ربّ أين صديقي فلان الشهيد ) . قال جلّ وعلا : « هو » في النار . قال عليه السلام : أو ليس قد وعدت الشهداء الجنّة ؟ . قال تعالى : بلى ، ولكن كان مصرّا على عقوق الوالدين ، وأنا لا أقبل مع العقوق عملاً . . . . المصدر السابق .

٨ ـ قال نبي الاسلام المحبوب صلى الله عليه وآله وسلّم : يا بان معجّلان عقوبتهما في الدنيا : البغى ، والعقوق . . . غوالي الدرر ، حرف الباء ، ص ١٤ .

٩ ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلّم ايضا : ثلث قد حرّم الله عليهم

١٠٦
 &

الجنّة : أ ـ مدمن الخمر . ب ـ والعاق . ج ـ والديوث . . . المصدر السابق ، حرف الثاء ، ص ٣٠ .

١٠ ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلّم : ثلثة لا يحجبون النار : أ ـ المنّان . ب ـ وعاق والديه . ج ـ ومدمن خمر . . . . المصدر السابق ص ٣٢ .

١١ ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلّم : شر الاولاد : العاق لوالديه . . . . المصدر السابق ، حرف الشين ، ص ٩٤ .

قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى ذراريه اجمعين : من أحزن والديه فقد عقّهما . . . . المواعظ العددية ، باب الاربعمائة ص ٢٩٥ .

١٣ ـ وفي كتاب ( الكبائر ) للحافظ محمّد بن احمد بن عثمان بن قايماز الذهبي ، التركماني الفارقي الأصل ، الدمشقي الشافعي ، المتوفى سنه ٧٤٨ هـ ص ٤٠ في الكبيرة الثامنة ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : لو علم الله شيئا أدنى من الأُفّ لنهى عنه ، فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنّة ، فليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار . . . . ذرايع البيان ، الآفة الثامنة ، ص ١٧٦ .

١٤ ـ وروى عن علي بن موسى الرضا عليه وعلى آبائه وابنائه الصلاة والسلام ، عن ابيه ، عن جدّه أبي عبد الله عليهم السلام ، قال : لو علم الله لفظة أوجز في ترك عقوق الوالدين من أفّ لأتى به . . . .

١٠٧
 &

مجمع البيان ، ج ٦ ، ص ٤٠٩ ، ذيل آية ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ ) من سورة بني اسرائيل .

١٥ ـ فيه ايضا : وفي رواية اخرى عنه ، قال عليه السلام : أدنى العقوق أف ولو علم الله شيئا أيسر منه وأهون منه لنهى عنه . . . نفس المصدر .

١٦ ـ فيه ايضا : وفي خبر آخر فليعمل العاق ما يشاء أن يعمل فلن يدخل الجنّة ، فالمعنى : لا تؤذهما بقليل ولا كثير . . . . نفس المصدر .

١٠٨
 &

حيّيان او ميّتان

يظن البعض من الأبناء أن الوالدين ان توفيّا انقضت العلاقة بينه وبينهما فلا حقّ ولا حقوق ولا عقوق ، لكن يجب أن ينبّه هؤلاء بأن العلاقة التي صاغتها السماء غير قابلة للانفصام فهي باقية حتى الأبد ، وحتى الأبوين كالقلاوة المطوّقة للجيد ، فلا خلاص ولا مناص ، ويجب البر بهما واداء حقّهما حيّين كانا أو ميّتين ، ويمكن أن يقال ان حقّهما وهما متوفّيان آكد من حقّهما في أيام حياتهما لأنهما بعد هذه الحياة تقصر أيديهما عن العمل فيستحقّا النجدة بالخير والخيرات من الحج والصلوات ، والصوم والصدقات ، والصلاة المتتاليات ، ومن ثم يدعوان للانسان ، وعلى الله الاستجابة والغفران .

١ ـ عنه « اي عدة من اصحابنا » عن محمّد بن علي ، عن الحكم بن مسكين ، عن محمّد بن مروان ، قال : قال أبو عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام : ما يمنع الرجل منكم أن يبّر والديه حيّين وميّتين ؟ . يصلّى عنهما ، ويتصدّق عنهما ، ويحج عنهما ، ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع لهما ، وله مثل ذلك ، فيزيده الله عزّ وجلّ ببرّه وصلته خيرا كثيرا . . . . الكافي ، ج ٢ ، ص ١٢٧ ، باب البر ، الحديث ٧ .

٢ ـ الحسين بن محمّد ، عن معلى بن محمّد ، عن الحسن بن علي

١٠٩
 &

عن عبد الله بن سنان ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه الصلاه والسلام ، قال : ان العبد ليكون بارا بوالديه في حياتهما ، ثم يموتان فلا يقضى عنهما ويوفّهما ، ولا يستغفر لهما ، فيكتبه الله عاقا ، وانّه ليكون عاقا لهما في حياتهما ، غير بار بهما ، فاذا ماتا قضى دينهما ، و استغفر لهما ، فيكتبه الله عزّ وجلّ بارا . . . . الكافي ج ٢ ، ص ١٣٠ ، باب البر ، الحديث ٢١ .

١١٠
 &

الجنة

لو فكّرنا قليلاً وامعنّا النظر لرأينا الجنّة هي غاية الغايات ، وهي لا تحصل الّا بأمور ، وأهمّها خدمة الوالدين ورضاهما ، فانّ الجنّة تحت اقدام الأمهات ، فلا يسعنا الّا أن نخدم والدينا ، سواء في حياتهم او بعد وفاتهم ، وان كانت طريقة الخدمة تختلف عند الحياة وبعد الممات ، الّا اننا مسؤلون في كلتا الحالتين ، فالنهيئ أنفسا ، ولنستمع الى ما جاء من كبرائنا ، اهل بيت العصمة ، وموضع الرسالة محمّد وآله الطاهرين ، صلوات الله عليهم اجمعين .

١ ـ حدّثنا محمد بن علي ماجيلويه (رض) قال : حدّثني عمّي محمد بن أبي القاسم ، عن احمد عن محمد بن خالد ، عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان ، عن ابي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : اربع من كنّ فيه ، بني الله له بيتا في الجنة : من آوى اليتيم ، ورحم الضعيف ، واشفق على والديه ، ورفق بمملوكه . . . . الخصال ، باب الاربعة ، ص ١٨٠ ، الحديث ٥٣ . وفي المحاسن ، البرقي عن ابن محبوب ، كتاب الاشكال والقرائن ، الحديث ٢٣ ص ٧ .

٢ ـ حدّثنا احمد بن علي بن ابراهيم بن هاشم ، عن ابيه ، عن جدّه ، عن عبد الله بن ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن ابيه عليهما

١١١
 &

السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : اربع من كنّ فيه ، نشر الله عليه كنفه وادخله الجنة في رحمته : حسن خلق يعيش به في الناس ، ورفق بالمكروب ، وشفقة على الوالدين ، واحسان الى المملوك . . . . الخصال باب الاربعة ، الحديث ٥٧ ص ١٨١ .

٣ ـ وقد ورد عن الرسول الأعظم محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم من اصبح مرضيا لأبويه ، اصبح له بابان مفتوحان الى الجنّة ، ومن أمسى فمثل ذلك ، وان ظلما ، وان ظلما ، وان ظلما . . . . ذرايع البيان ، الآفة الثامنة ، ص ١٧٨ .

١١٢
 &

النّار

نعوذ بالله من النار ومن غضب الجبّار ، ان المعاصي كثيرة ، و بعضها كبيرة ، ومن اكبرها سخط الوالدين ، فانه داء وبيل ، من ابتلى لا ينجيه ملك مقرّب ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يحذّرنا من سخط الوالدين وينذرنا النار وغضب الجبار . اللهم أرض عنا والدنيا بمحمّد وآله الأطهار صلواتك عليهم أجمعين .

١ ـ وقد ورد عن الرسول الاعظم محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم : ومن اصبح مسخطاً لأبويه ، أصبح له بابان مفتوحان الى النار ، ومن أمسى مثل ذلك ، وان كان واحداً فواحد ، وان ظلما ، وان ظلما ، و ان ظلما . . . . ذرايع البيان الآفة الثامنة ، ص ١٧٨ .

١١٣
 &

وآله ، وقال للرسول : قل لها : ان قدرت على المسير الى رسول الله صلى الله عليه وآله ، والّا فقرّي في المنزل حتى يأتيك ، فجاء اليها الرسول فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم . فقالت : نفسي له الفداء ، انا احق بأتيانه ، فتوكأن على عصى ، واتت الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، فسلّمت ، فردّ عليها السلام ، و قال لها : يا أم علقمة أصدقيني ، وان كذبتيني جاء الوحي من الله تعالى ، كيف كان حال ولدك علقمة ؟ . قالت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، كثير الصلاة وكثير الصيام ، وكثير الصدقة . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : فما حالك ؟ . قال : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم انا عليه ساخطة . قال صلى الله عليه وآله وسلّم : ولِمَ ؟ قالت : يا رسول الله يؤثر عليّ زوجته ويعصيني . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ان سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة ، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلّم : يا بلال انطق واجمع لي حطبا كثيراً ! قالت : يا رسول الله صلى وما تصنع به ؟ . قال صلى الله عليه وآله وسلّم : احرقه بالنار بين يديك . قالت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ولدي لا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي . قال صلى الله عليه وآله وسلّم : يا أم علقمة عذاب الله اشّد وأبقى ، فان سرّك أن يغفر الله له فارضي عنه . فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته ولا بصدقته ما دمت عليه ساخطة . فقالت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : اني اشهد الله تعالى وملائكته ومن حضرني من المسلمين : اني قد رضيت عن ولدي علقمة . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : انطلق يا بلال اليه فانظر هل يستطيع أن يقول : لا اله الّا الله . أم لا ، فلعلّ أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياء

١١٤
 &

الجنّة من النّار

الوقاية خير من العلاج ، والحمية رأس السلامة ، فمن توقّى واحتمى سلم . هذه احاديث من الرسول والآل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعليهم اجمعين . أمامكم فتوقّوا بها ، واحتموا بمباديها ، فانها خير وقايه للمتقين ، وامنع حماية للمحتمين . قد اوضحوا لنا الطريق واناروه وعلّمونا ما لم نكن نعلم ، فها ، طرق الجنّة ، وذى مهاوى النار ـ و العياذ بالله ـ . ومما علّمونا هو خدمة الأبوين فانها وقاية وحمية ، و جنّة من النار . اللهم اجعل محبتنا لآبائنا الكرام جنّة لنا من النار ، بمحمّد وعترته الطيّبين الأطهار ، صلواتك عليهم اجمعين ، آمين .

١ ـ محمد بن يحيى عن احمد بن محمّد بن عيسى عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميره ، عن عبد الله بن مسكان ، عن ابراهيم بن شعيب ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه أفضل السلام : انّ أبي قد كبر جدا وضعف ، فنحن نحمله اذا أراد الحاجة ، فقال : ان استطعت أن تلى ذلك منه فافعل ، ولقّمه بيدك ، فانه جنّة لك غدا . . . الكافي ج ٢ ، ص ١٢٩ ، باب البر ، الحديث ١٣ .

١١٥
 &

كفران النّعمة

الانسان كفور ، لم يقم وزنا لأنعم الله تعالى ، في حين انّ أنعمه جلّت عظمته لا تعد ولا تحصى ، واكثر من ذلك أنّه يكفر ، وهذا يكون سببا لقطع الرّحمة ، وقلّة البركة ، وعدم رضى المولى جلّ جلاله ، والى آخر ما ينشأ من هذه القضية من مآسي ، ومحن يشيب لها الاطفال و اعظم الكفران ، أن الفجرة من بنى الانسان نسبوا الى الله ما لا ينبغي ، طالع ما قاله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم .

١ ـ يا ابا ذر : انّ الله جلّ ثناءه لمّا خلق الأرض ، وخلق ما فيها من الشّجر ، لم تكن في الأرض شجرة يأتيها بنوا آدم الّا اصابوا منها منفعة ، فلم تزل الأرض والشجر كذلك ، حتى تكلّم فجرة بني آدم بالكلمة العظيمة ، قولهم : ( اتخذ الله ولدا ) فلمّا قالوها اقشعرّت الأرض ، وذهبت منفعة الأشجار . . . پندهاى گرانمايهٔ پيغمبر ، ص ٤٠ ، الحديث ٨٢ .

١١٦
 &

المضر

أعاذنا الله تعالى من أن نكون من المضرّين أو المتضررين ، فالأنسان ان لم يحفظه الله تعالى من شرور نفسه الأمّارة بالسوء ، سيكون و العياذ بالله امّا والد سوء ، أو ولد سوء ، وكلاهما مما يبعثان على شقاءه في الدنيا والآخرة ، اجارنا الله تعالى وأبنائنا من سوء السريرة وعقوق الوالدين .

١ ـ من اقوال سيّد الوصيين أمير المؤمنين عليه السلام قال : والد السوء يعرّ السلف ويفسد الخلف . هذا بالنسبة الى الوالد ، وأمّا بالنسبه الى الولد : قال عليه السلام : ولد السوء يهدم السلف ويشين الشرف . وقال عليه السلام أيضاً : ولد عقوق محنة وشوم . . . درر الكلم ، حرف الواو ، ص ٢٨٧ .

١١٧
 &

لا ضرر ولا ضرار

من القواعد المسلّمة التي سنّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم هي قاعدة لا ضرر ولا ضرار ، وهذه كانت في قصة سمرة بن جندب مع أحد الأنصار الذي كان قد باعه دارا فيها نخلة ، وكان يأتيها سمرة كل يوم فاستثقل الأنصاري الأمر ، فشكا الى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فبعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الى سمرة واحضره ، فقال له : بعه النخلة ، فأبي سمرة ، واخيرا أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بقلع النخلة واعطائها ايّاه ، وقال : لا ضرر ولا ضرار في الاسلام . وفيما نحن فيه احدى مصاديق الضرر والضرار ، فقال العلي القدير جلّت قدرته :

١ ـ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ، لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ، وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ، وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ، فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( البقرة ـ ٢٣٣ ) .

١١٨
 &

الهرب بعد الطلب

لقد خلق الانسان هلوعاً ، يحرص على سلامته مهما كلّف الأمر ، و يبخل بماله مهما قلّ أو كثر ، وتهزّمه أصغر صعوبة ، ويخيفه أقلّ شين وليس له صبر ولا تصبّر على مكاره الدهر ، حتى ولو كان يضرّه في دينه أو دنياه ، وهذا ديدنه من قديم الزمان ، يمتنع عن الخير ، ويجزع من الشرّ ، فما صلح من هذا النوع الّا القليل ، اولئك الذين هداهم الله تعالى فاهتدوا ، وهدوا الى صراط السويّ ، والباقون لا يعبئون بقول ولا فعل ، ها هو القرآن الكريم يحدّثنا عن بعضهم ، وهم الذين طلبوا من نبيّ لهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه في سبيل الله تعالى محتجّين بطردهم عن ديارهم ، وابنائهم ، ولكن لمّا حصص الحق و حان وقت العمل تولّوا الّا قليلا منهم ، فهربوا بعد الطلب .

١ ـ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ، . . . ، وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ، وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ . . . . ( البقرة ـ ٢٤٦ ) .

١١٩
 &

اولاد ابليس

هكذا اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يكون المولّدون ثلاثة ، وكل يولد حسب ما تقتضيه طبيعته الأولية ، ثم انه يمكن لاولادهم أن يختاروا غيرما هم عليه ، فمثلا ابليس لا يلد الّا الكافر ، ولكن آمن أحد اولاده واسمه هام بن هيم بن لاقيس بن ابليس وهذا خلاف ما تقتضيه ذاته .

١ ـ حدّثنا محمّد بن الحسن بن احمد بن الوليد (رض) قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، قال : حدّثنا احمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن اسماعيل ، عن الحسن بن طريف عن أبي عبد الرحمن ، عن معاويه بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الاباء ثلاثه : ١ ـ آدم : ولد مؤمنا . ٢ ـ والجان : ولد مؤمنا وكافرا . ٣ ـ وابليس : ولد كافرا . وليس فيهم نتاج ، انمّا يبيض ويفرخ ، وولده ذكور ، ليس فيهم اناث . . . الخصال ، باب الثلاثة ، ص ١٢٠ ، الحديث ١٨٦ .

١٢٠