تدوين القرآن

الشيخ علي الكوراني العاملي

تدوين القرآن

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

الفصل الحادي عشر

صفات القرآن من

كلمات النبي وآله وصحبه

٤٦١
٤٦٢

صفات القرآن من كلمات النبي وآله وصحبه

نورد في هذا الفصل عددا من النصوص التي تصف القرآن الكريم وتبين مكانته العظيمة ، من كلمات النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكلمات الصحابة .. ونبدأ بما ورد عن الصحابة لأنه قليل مختصر ..

صفات القرآن من كلمات الخليفة أبي بكر وعمر

تتبعنا الصحاح الستة وأكثر من خمسين مجلدا غيرها من مصادر إخواننا السنة ، فلم نجد للخليفة أبي بكر كلاما في وصف القرآن ، إلا هذا السطر ، وأقل منه للخليفة عمر.

هذا كتاب الله فيكم لا يطفأ نوره

(... عن عبد الله بن عكيم قال خطبنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمد الله واثنى عليه بما هو له أهل قال أوصيكم بتقوى الله وإن تثنوا عليه بما هو له أهل وإن تخلطوا الرغبة بالرهبة فإن الله اثنى على زكريا وأهل بيته فقال أنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين. ثم اعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقه أنفسكم وأخذ على ذلك مواثيقكم واشترى منكما لقليل الفاني بالكثير الباقي ، وهذا كتاب الله فيكم لا يطفأ نوره ولا تنقضى عجائبه فاستضيئوا بنوره

٤٦٣

وانتصحوا كتابه واستضيئوا منه ليوم الظلمة ، فإنه إنما خلقكم لعبادته ووكل بكم كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ... هذا حديث صحيح الإسناد). الحاكم في المستدرك ج ٢ ص ٣٨٣ وكنز العمال ج ١٦ ص ١٤٧ ومجمع الزوائد ج ٢ ص ١٨٩

عليكم بالقرآن فأتموا به وأموا به

(... وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : ... فعليكم بالوقوف عند الشبهات حتى يبرز لكم واضح الحق بالبينة فإن الداخل فيما لا يعلم بغير علم آثم ومن نظر لله نظر الله له. عليكم بالقرآن فأتموا به وأموا به ، وعليكم بطلب أثر الماضين فيه ولو أن الأحبار والرهبان لم يتقوا زوال مراتبهم ، وفساد منزلتهم بإقامة الكتاب وتبيانه ما حرفوه ولا كتموه ولكنهم لما خالفوا الكتاب بأعمالهم التمسوا أن يخدعوا قومهم عما صنعوا مخافة أن تفسد منازلهم وأن يتبين للناس فسادهم فحرفوا الكتاب بالتفسير وما لم يستطيعوا تحريفه كتموه فسكتوا عن صنيع أنفسهم إبقاء على منازلهم وسكتوا عما صنع قومهم مصانعة لهم ، وقد أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ليبيننه للناس ولا يكتمونه بل مالوا عليه ورفقوا لهم فيه). سنن الدارمي ج ١ ص ١٦٣

من كلمات النبي (ص) في وصف القرآن

لا تنقضي عجائبه ، ولا يخلقه كثرة الرد

(عن علي رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال :

لا خير في العيش إلا لمستمع واع أو عالم ناطق ، أيها الناس : إنكم في زمان هدنة ، وإن السير بكم سريع ، وقد رأيتم الليل والنهار يبليان كل جديد ، ويقربان كل بعيد ، ويأتيان بكل موعود ، فاعدوا الجهاد لبعد المضمار.

فقال المقداد يا نبي الله ما الهدنة؟ قال : بلاء وانقطاع ، فإذا التبست الأمور عليكم كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع ، وما حل مصدق ، ومن جعله أمامه قاده الى الجنة ، ومن جعله خلفه قاده الى النار ، وهو الدليل الى خير سبيل ، وهو

٤٦٤

الفصل ليس بالهزل ، له ظهر وبطن ، فظاهره حكم ، وباطنه علم. عميق بحره ، لا تحصى عجائبه ولا يشبع منه علماؤه ، وهو حبل الله المتين ، وهو الصراط المستقيم ، وهو الحق الذي لم تناه الجن إذ سمعته أن قالوا (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ) من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ، ومن عمل به هدي الى صراط مستقيم ، فيه مصابيح الهدى ، ومنار الحكمة ، ودال على الحجة ـ العسكري)

كنز العمال ج ٢ ص ٢٨٨

فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم

(... عن علي قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : كتاب الله فيه خبر ما قبلكم ، ونبأ ما بعدكم وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق عن كثرة رد ، ولا تنقضي عجائبه ، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله لله ، هو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، هو الذي من عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هدي الى صراط مستقيم).

مصنف ابن أبي شيبة ج ٧ ص ١٦٤

إن على كل صواب نورا

(... عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه).

الكافي ج ١ ص ٦٩

حبل ممدود من السماء الى الأرض

عن زيد بن أرقم (قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ، ثم قال : أما بعد ألا أيها

٤٦٥

الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله ورغب فيه .. ثم قال : وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي .. أذكركم الله في أهل بيتي .. أذكركم الله في أهل بيتي ..!!) وورد وصف القرآن في كثير من روايات هذا الحديث بأنه (حبل ممدود من السماء الى الأرض) صحيح مسلم ج ٧ ص ١٢٢ ورواه الترمذي ج ٥ ص ٣٢٧ والدارمي ج ٢ ص ٤٣١ وأحمد ج ٤ ص ٣٦٦ وج ٥ ص ١٨٩ والبيهقي في سننه ج ٢ ص ١٤٨ وج ٧ ص ٣٠ والحاكم ج ٣ ص ١٠٩ وقال (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله) ورواه في ص ١٤٨ برواية أخرى ، وقال (هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه).

لا يموج فيقوم ، ولا يزيغ فيتشعب

(فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين! أخبرنا عن أحاديث البدع ، قال : نعم ، سمعت رسول الله يقول : إن أحاديث ستظهر من بعدي حتى يقول قائلهم : قال رسول الله وسمعت رسول الله ، كل ذلك افتراء علي ، والذي بعثني بالحق لتفترقن أمتي على أصل دينها وجماعتها على ثنتين وسبعين فرقة ، كلها ضالة مضلة تدعو الى النار ، فاذا كان ذلك فعليكم بكتاب الله عزوجل ، فإن فيه نبأ ما كان قبلكم ونبأ ما يأتي بعدكم ، والحكم فيه بين ، من خالفه من الجبابرة قصمه الله ، ومن ابتغى العلم في غيره أضله الله ، فهو حبل الله المتين ، ونوره المبين ، وشفاؤه النافع ، عصمة لمن تمسك به ، ونجاة لمن تبعه ، لا يموج فيقام ، ولا يزيغ فيتشعب ولا تنقضي عجائبه ، ولا يخلقه كثرة الرد ، هو الذي سمعته الجن فلم تناه أو ولوا الى قومهم منذرين قالوا : يا قومنا! (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن تمسك به هدي الى صراط مستقيم.

فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين! أخبرنا عن الفتنة هل سألت عنها رسول الله؟ قال : نعم ، إنه لما نزلت هذه الآية من قول الله عزوجل : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

٤٦٦

حي بين أظهرنا فقلت : يا رسول الله! ما هذه الفتنة التي أخبرك الله بها؟ فقال : يا علي! إن أمتي سيفتنون من بعدي ، قلت : يا رسول الله! أو ليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين وحزنت على الشهادة فشق ذلك علي فقلت لي : أبشر يا صديق فإن الشهادة من ورائك ، فقال لي : فإن ذلك لكذلك ، فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذا! وأهوى بيده الى لحيتي ورأسي ، فقلت : بأبي وأمي يا رسول الله! ليس ذلك من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشري والشكر! فقال لي : أجل ...

ثم قال لي : يا علي! إنك باق بعدي ، ومبتلي بأمتي ، ومخاصم يوم القيامة بين يدي الله تعالى فأعدد جوابا ، فقلت : بأبي أنت وأمي! بين لي ما هذه الفتنة التي يبتلون بها وعلى ما أجاهدهم بعدك؟ فقال : إنك ستقاتل بعدي الناكثة والقاسطة والمارقة ـ وحلاهم وسماهم رجلا رجلا ، ثم قال لي : وتجاهد أمتي على كل من خالف القرآن ممن يعمل في الدين بالرأي ، ولا رأي في الدين ، إنما هو أمر من الرب ونهيه ، فقلت : يا رسول الله فأرشدني الى الفلج عند الخصومة يوم القيامة ، فقال : نعم ، إذا كان ذلك فاقتصر على الهدى ، إذا قومك عطفوا الهدى على العمى ، وعطفوا القرآن على الرأي فتأولوه برأيهم ...

يا علي إن القوم سيفتنون ويفتخرون بأحسابهم وأموالهم ويزكون أنفسهم ويمنون دينهم على ربهم ، ويتمنون رحمته ويأمنون عقابه ، ويستحلون حرامه بالمشتبهات الكآبة ، فيستحلون الخمر بالنبيذ والسحت بالهدية والربا بالبيع ، ويمنعون الزكاة ويطلبون البر ، ويتخذون فيما بين ذلك أشياء من الفسق لا توصف صفتها ، ويلي أمرهم السفهاء ، ويكثر اتباعهم على الجور والخطأ ، فيصير الحق عندهم باطلا والباطل حقا ، ويتعاونون عليه ويرمونه بألسنتهم ، ويعيبون العلماء ويتخذونهم سخريا ، يا رسول الله! فبأية المنازل هم إذا فعلوا ذلك بمنزلة فتنة أو بمنزلة ردة؟ قال : بمنزلة فتنة ، ينقذهم الله بنا أهل البيت عند ظهورنا ... يا علي! بنا فتح الله الإسلام وبنا يختمه ، بنا أهلك الأوثان ومن يعبدها ، وبنا يقصم كل جبار وكل منافق ، حتى إنا لنقتل في الحق مثل من قتل في الباطل!

٤٦٧

يا علي! إنما مثل هذه الأمة مثل حديقة أطعم منها فوجا عاما ثم فوجا عاما ، فلعل آخرها فوجا أن يكون أثبتها أصلا وأحسنها فرعا ، وأحلاها جنى ، وأكثرها خيرا ، وأوسعها عدلا ، وأطولها ملكا ، يا علي! كيف يهلك الله أمة أنا أولها ومهدينا أوسطها ، والمسيح ابن مريم آخرها.

يا علي! إنما مثل هذه الأمة كمثل الغيث لا يدري أوله خير أم آخره ، وبين ذلك نهج أعوج لست منه وليس مني.

يا علي! وفي تلك الأمة يكون الغلول والخيلاء وأنواع المثلات ، ثم تعود هذه الأمة الى ما كان خيار أوائلها ... ـ نعيم بن حماد ، طس ، وأبو نعيم في كتاب المهدي ، خط في التلخيص).

كنز العمال ج ١٦ ص ١٩٣

صفات القرآن من كلمات أهل البيت عليهم‌السلام

حددهم النبي (ص) وقال إنهم صفوة الله من خلقه

(... ثنا الأوزاعي عن شداد أبي عمار عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن الله عزوجل اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم.

... ثنا الأوزاعي عن شداد أبي عمار قال دخلت علي وائلة بن الأسقع وعنده قوم فذكروا عليا فلما قاموا قال لي ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قلت بلى ، قال : أتيت فاطمة رضي الله تعالى عنها أسألها عن علي قالت توجه الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه علي وحسن وحسين رضي الله تعالى عنهم آخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة فاجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه أو قال كساء ثم تلا هذه الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق!).

مسند أحمد ج ٤ ص ١٠٧

٤٦٨

ونبأه اللطيف الخبير أنهم مع القرآن في كل عصر

(... عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عزوجل ، وعترتي. كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض ، وعترتي أهل بيتي .. وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض! فانظروني بم تخلفوني فيهما!!).

مسند أحمد ج ٣ ص ١٤ وص ١٧ وص ٢٦ وص ٥٩

وقال علي عليه‌السلام (... إن الله تبارك وتعالى طهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه ، وحجته في أرضه ، وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا ، لا نفارقه ولا يفارقنا).

الكافي ج ١ ص ١٩١

من كلمات علي عليه‌السلام في وصف القرآن

القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق

(ومن كلام له عليه‌السلام في ذم اختلاف العلماء في الفتيا : ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه ، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا وإلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد!! أ

فأمرهم الله تعالى بالاختلاف فأطاعوه ، أم نهاهم عنه فعصوه ، أم أنزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه ، أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ، أم أنزل الله سبحانه دينا تاما فقصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تبليغه وأدائه ، والله سبحانه يقول (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ... تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ ..) وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضا وأنه لا اختلاف فيه فقال سبحانه (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ...) وإن القرآن ظاهره أنيق ، وباطنه عميق. لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف الظلمات إلا به).

نهج البلاغة ج ١ ص ٥٥

٤٦٩

فيه دواء دائكم ، ونظم ما بينكم

(... أرسله على حين فترة من الرسل ، وطول هجعة من الأمم ، وانتقاض من المبرم .. فجاءهم بتصديق الذي بين يديه ، والنور المقتدى به .. ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق ، ولكن أخبركم عنه .. ألا إن فيه علم ما يأتي ، والحديث عن الماضي ، ودواء دائكم ، ونظم ما بينكم!).

نهج البلاغة ج ٢ ص ٥٣

اتهموا عليه آراءكم

(... واعلموا عباد الله أن المؤمن لا يصبح ولا يمسي إلا ونفسه ظنون عنده ، فلا يزال زاريا عليها ومستزيدا لها ، فكونوا كالسابقين قبلكم والماضين أمامكم ، قوضوا من الدنيا تقويض الراحل ، وطووها طي المنازل.

واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش ، والهادي الذي لا يضل ، والمحدث الذي لا يكذب .. وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان : زيادة في هدى ، أو نقصان في عمي. واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ، ولا لأحد قبل القرآن من غني .. فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لأوائكم ، فإن فيه شفاء من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغي والضلال .. فاسألوا الله به وتوجهوا إليه بحبه ، ولا تسألوا به خلقه .. إنه ما توجه العباد الى الله بمثله.

واعلموا أنه شافع مشفع ، وقائل مصدق ، وأنه من شفع له القرآن يوم القيامة شفع فيه ، ومن محل به القرآن يوم القيامة صدق عليه ، فإنه ينادي مناد يوم القيامة : ألا إن كل حارث مبتلي في حرثه وعاقبة عمله ، غير حرثة القرآن .. فكونوا من حرثته وأتباعه ، واستدلوه على ربكم ، واستنصحوه على أنفسكم ، واتهموا عليه آراءكم ، واستغشوا فيه أهواءكم .. العمل العمل ، ثم النهاية النهاية. والاستقامة الاستقامة ، ثم الصبر الصبر والورع الورع. إن لكم نهاية فانتهوا الى نهايتكم ، وإن لكم علما فاهتدوا

٤٧٠

بعلمكم. وإن للإسلام غاية فانتهوا الى غايتكم. واخرجوا الى الله بما افترض عليكم من حقه ، وبين لكم من وظائفه .. أنا شاهد لكم وحجيج يوم القيامة عنكم).

نهج البلاغة ج ٢ ص ٩١

ربيع القلب ، وينابيع العلم

(وإنما الناس رجلان : متبع شرعة ، ومبتدع بدعة ، ليس معه من الله سبحانه برهان سنة ولا ضياء حجة .. وإن الله سبحانه لم يعظ أحدا بمثل هذا القرآن ، فإنه حبل الله المتين وسببه الأمين ، وفيه ربيع القلب ، وينابيع العلم ، وما للقلب جلاء غيره ، مع أنه قد ذهب المتذكرون وبقي الناسون والمتناسون. فإذا رأيتم خيرا فأعينوا عليه ، وإذا رأيتم شرا فاذهبوا عنه ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : يا ابن آدم اعمل الخير ودع الشر فإذا أنت جواد قاصد).

نهج البلاغة ج ٢ ص ٩٥

أنواع أحكام الله تعالى في القرآن

(... ولم يخل سبحانه خلقه من نبي مرسل ، أو كتاب منزل ، أو حجة لازمة ، أو محجة قائمة .. رسل لا تقصر بهم قلة عددهم ، ولا كثرة المكذبين لهم ، من سابق سمي له من بعده ، أو غابر عرفه من قبله ..

على ذلك نسلت القرون ، ومضت الدهور ، وسلفت الآباء ، وخلفت الأبناء ، الى أن بعث الله سبحانه محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لإنجاز عدته ، وتمام نبوته ، مأخوذا على النبيين ميثاقه ، مشهورة سماته ، كريما ميلاده ، وأهل الأرض يومئذ ملل متفرقة ، وأهواء منتشرة ، وطوائف متشتتة ، بين مشبه لله بخلقه ، أو ملحد في اسمه أو مشير الى غيره .. فهداهم به من الضلالة ، وأنقذهم بمكانه من الجهالة.

ثم اختار سبحانه لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لقاءه ، ورضي له ما عنده وأكرمه عن دار الدنيا ورغب به عن مقارنة البلوى ، فقبضه إليه كريما صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخلف

٤٧١

فيكم ما خلفت الأنبياء في أممها ، إذ لم يتركوهم هملا بغير طريق واضح ، ولا علم قائم : كتاب ربكم فيكم ، مبينا حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ، ورخصه وعزائمه ، وخاصه وعامه ، وعبره وأمثاله ، ومرسله ومحدوده ، ومحكمه ومتشابهه ، مفسرا مجمله ، ومبينا غوامضه .. بين مأخوذ ميثاق في علمه ، وموسع على العباد في جهله ، وبين مثبت في الكتاب فرضه ، ومعلوم في السنة نسخه ، وواجب في السنة أخذه ، ومرخص في الكتاب تركه .. وبين واجب بوقته ، وزائل في مستقبله ، ومباين بين محارمه من كبير أوعد عليه نيرانه ، أو صغير أرصد له غفرانه. وبين مقبول في أدناه موسع في أقصاه).

نهج البلاغة ج ١ ص ٢٤

الإمام المهدي يعطف الرأي على القرآن

(يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى ، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي.

منها : حتى تقوم الحرب بكم على ساق باديا نواجذها ، مملوءة أخلافها ، حلوا رضاعها ، علقما عاقبتها. ألا وفي غد ـ وسيأتي غد بما لا تعرفون ـ يأخذ الوالي من غيرها عمالها على مساوي أعمالها ، وتخرج له الأرض أفاليذ كبدها ، وتلقي إليه سلما مقاليدها ، فيريكم كيف عدل السيرة ، ويحيي ميت الكتاب والسنة).

نهج البلاغة ج ٢ ص ٢١

(ألا ومن أدركها منا يسري فيها بسراج منير ، ويحذو فيها على مثال الصالحين ليحل فيها ربقا ، ويعتق رقا ، ويصدع شعبا ، ويشعب صدعا ، في سترة عن الناس لا يبصر القائف أثره ولو تابع نظره. ثم ليشحذن فيها قوم شحذ القين النصل ، تجلى بالتنزيل أبصارهم ، ويرمى بالتفسير في مسامعهم ويغبقون كأس الحكمة بعد الصبوح).

نهج البلاغة ج ٢ ص ٣٥

٤٧٢

المتقون يستثيرون بالقرآن دواء دائهم

(روي أن صاحبا لأمير المؤمنين عليه‌السلام يقال له همام كان رجلا عابدا ، فقال يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم. فتثاقل عليه‌السلام عن جوابه ثم قال : يا همام اتق الله وأحسن فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ، فلم يقنع همام بهذا القول حتى عزم عليه ، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال :

أما بعد ، فإن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم ، آمنا من معصيتهم ، لأنه لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه. فقسم بينهم معيشتهم ، ووضعهم من الدنيا مواضعهم. فالمتقون فيها هم أهل الفضائل. منطقهم الصواب ، وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع. غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم ، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم. نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء. ولو لا الأجل الذي كتب لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا الى الثواب ، وخوفا من العقاب. عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم ، فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون ، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون. قلوبهم محزونة ، وشرورهم مأمونة. وأجسادهم نحيفة ، وحاجاتهم خفيفة ، وأنفسهم عفيفة. صبروا أياما قصيرة أعقبتهم راحة طويلة. تجارة مربحة يسرها لهم ربهم. أرادتهم الدنيا فلم يريدوها. وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها. أما الليل فصافون أقدامهم تالين لاجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا. يحزنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم. فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا ، وتطلعت نفوسهم إليها شوقا ، وظنوا أنها نصب أعينهم. وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم فهم حانون على أوساطهم ، مفترشون لجباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم ، يطلبون الى الله تعالى في فكاك رقابهم. وأما النهار فحلماء علماء ، أبرار أتقياء .. قد براهم الخوف بري القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض ويقول قد خولطوا ولقد خالطهم أمر

٤٧٣

عظيم. لا يرضون من أعمالهم القليل. ولا يستكثرون الكثير. فهم لأنفسهم متهمون. ومن أعمالهم مشفقون إذا زكي أحدهم خاف مما يقال له فيقول : أنا أعلم بنفسي من غيري ، وربي أعلم بي من نفسي. اللهم لا تؤاخذني بما يقولون ، واجعلني أفضل مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين ، وحزما في لين ، وإيمانا في يقين ، وحرصا في علم ، وعلما في حلم. وقصدا في غنى وخشوعا في عبادة ، وتجملا في فاقة ، وصبرا في شدة ، وطلبا في حلال ونشاطا في هدى ، وتحرجا عن طمع ، يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل. يمسي وهمه الشكر ، ويصبح وهمه الذكر. يبيت حذرا ، ويصبح فرحا ..).

نهج البلاغة ج ٢ ص ١٦٠

الزاهدون اتخذوا القرآن شعارا والدعاء دثارا

(وعن نوف البكالي قال رأيت أمير المؤمنين عليه‌السلام ذات ليلة وقد خرج من فراشه فنظر في النجوم ، فقال لي يا نوف : أراقد أنت أم رامق؟ فقلت بل رامق يا أمير المؤمنين ، قال يا نوف ، طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة. أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطا ، وترابها فراشا ، وماءها طيبا ، والقرآن شعارا ، والدعاء دثارا ، ثم قرضوا الدنيا قرضا على منهاج المسيح.

يا نوف ، إن داود عليه‌السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال : إنها ساعة لا يدعو فيها عبد إلا استجيب له إلا أن يكون عشارا أو عريفا أو شرطيا أو صاحب عرطبة وهي الطنبور أو صاحب كوبة وهي الطبل).

نهج البلاغة ج ٤ ص ٢٣

نموذج من كلام علي عليه‌السلام حول آية

(ومن كلام له عليه‌السلام قاله عند تلاوته (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) :

أدحض مسئول حجة ، وأقطع مغتر معذرة. لقد أبرح جهالة بنفسه.

يا أيها الإنسان ما جرأك على ذنبك ، وما غرك بربك ، وما آنسك بهلكة نفسك؟! أما من دائك بلول ، أم ليس من نومتك يقظة؟! أما ترحم من نفسك ما ترحم من غيرك. فربما ترى الضاحي لحر الشمس فتظله ، أو ترى المبتلي بألم يمض جسده فتبكي

٤٧٤

رحمة له .. فما صبّرك على دائك ، وجلّدك على مصابك ، وعزاك عن البكاء على نفسك وهي أعز الأنفس عليك؟! وكيف لا يوقظك خوف بيات نقمة وقد تورطت بمعاصيه مدارج سطواته؟!

فتداو من داء الفترة في قلبك بعزيمة ، ومن كرى الغفلة في ناظرك بيقظة. وكن لله مطيعا ، وبذكره آنسا. وتمثل في حال توليك عنه إقباله عليك ، يدعوك الى عفوه ، ويتغمدك بفضله ، وأنت متول عنه الى غيره.

فتعالى من قوي ما أكرمه ، وتواضعت من ضعيف ما أجرأك على معصيته وأنت في كنف ستره مقيم ، وفي سعة فضله متقلب ، فلم يمنعك فضله ولم يهتك عنك ستره ، بل لم تخل من لطفه مطرف عين ، في نعمة يحدثها لك ، أو سيئة يسترها عليك ، أو بلية يصرفها عنك. فما ظنك به لو أطعته؟!

وأيم الله لو أن هذه الصفة كانت في متفقين في القوة ، متوازيين في القدرة ، لكنت أول حاكم على نفسك بذميم الأخلاق ومساوي الأعمال.

وحقا أقول ما الدنيا غرتك ولكن بها اغتررت! ولقد كاشفتك العظات وآذنتك على سواء .. ولهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك والنقص في قوتك ، أصدق وأوفى من أن تكذبك أو تغرك. ولرب ناصح لها عندك متهم ، وصادق من خبرها مكذب.

ولئن تعرفتها في الديار الخاوية والربوع الخالية لتجدنها من حسن تذكيرك وبلاغ موعظتك بمحلة الشفيق عليك والشحيح بك!

ولنعم دار من لم يرض بها دارا ، ومحل من لم يوطنها محلا. وإن السعداء بالدنيا غدا هم الهاربون منها اليوم إذا رجفت الراجفة ، وحقت بجلائلها القيامة ، ولحق بكل منسك أهله ، وبكل معبود عبدته ، وبكل مطاع أهل طاعته ، فلم يجز في عدله وقسطه يومئذ خرق بصر في الهواء ، ولا همس قدم في الأرض إلا بحقه. فكم حجة يوم ذاك داحضة ، وعلائق عذر منقطعة!

فتحر من أمرك ما يقوم به عذرك ، وتثبت به حجتك ، وخذ ما يبقى لك مما لا تبقى له ، وتيسر لسفرك ، وشم برق النجاة ، وارحل مطايا التشمير).

نهج البلاغة ج ٢ ص ٢١٣

٤٧٥

الزهد كله بين كلمتين

(الزهد كله بين كلمتين من القرآن قال الله سبحانه : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ). ومن لم يأس على الماضي ، ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه).

نهج البلاغة ج ٤ ص ١٠٢

من أعطي أربعا لم يحرم أربعا

(وقال عليه‌السلام : من أعطي أربعا لم يحرم أربعا : من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة ومن أعطي التوبة لم يحرم القبول ، ومن أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة ، ومن أعطي الشكر لم يحرم الزيادة وتصديق ذلك كتاب الله تعالى قال الله عزوجل في الدعاء (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وقال في الاستغفار (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) وقال في الشكر (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) وقال في التوبة (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً).

نهج البلاغة ج ٤ ص ٣٣

لا خير في قراءة ليس فيها تدبر

(... عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ولم يؤمنهم من عذاب الله ، ولم يرخص لهم في معاصي الله ، ولم يترك القرآن رغبة عنه الى غيره ، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم ، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر ، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكر).

الكافي ج ١ ص ٣٦

سيأتي زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه

(يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه مساجدهم يومئذ عامرة من البنى خراب من الهدى! سكانها وعمارها شر أهل

٤٧٦

الأرض ، منهم تخرج الفتنة وإليهم تأوي الخطيئة! يردون من شذ عنها فيها ، ويسوقون من تأخر عنها إليها!) نهج البلاغة ج ٤ ص ٨٧

دعاء الإمام زين العابدين عليه‌السلام عند ختم القرآن

(وكان من دعائه عليه‌السلام عند ختم القرآن :

اللهم إنك أعنتني على ختم كتابك الذي أنزلته نورا ، وجعلته مهيمنا على كل كتاب أنزلته ، وفضلته على كل حديث قصصته ، وفرقانا فرقت به بين حلالك وحرامك ، وقرآنا أعربت به عن شرائع أحكامك ، وكتابا فصلته لعبادك تفصيلا ، ووحيا أنزلته على نبيك محمد صلواتك عليه وآله تنزيلا ، وجعلته نورا نهتدي من ظلم الضلالة والجهالة باتباعه ، وشفاء لمن أنصت بفهم التصديق الى استماعه ، وميزان قسط لا يحيف عن الحق لسانه ، ونور هدى لا يطفأ عن الشاهدين برهانه ، وعلم نجاة لا يضل من أم قصد سنته ، ولا تنال أيدي الهلكات من تعلق بعروة عصمته ، اللهم فإذ أفدتنا المعونة على تلاوته ، وسهلت جواسي ألسنتنا بحسن عبارته ، فاجعلنا ممن يرعاه حق رعايته ويدين لك باعتقاد التسليم لمحكم آياته ، ويفزع الى الإقرار بمتشابهه وموضحات بيناته.

اللهم إنك أنزلته على نبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله جملا ، وألهمته علم عجائبه كملا ، وورثتنا علمه مفسرا ، وفضلتنا على من جهل علمه ، وقويتنا عليه لترفعنا فوق من لم يطق حمله ، اللهم فكما جعلت قلوبنا له حملة ، وعرفتنا برحمتك شرفه وفضله ، فصل على محمد الخطيب به ، وعلى آله الخزان له ، واجعلنا ممن يعترف بأنه من عندك حتى لا يعارضنا الشك في تصديقه ولا يختلجنا الزيغ عن قصد طريقه.

اللهم صل على محمد وآله ، واجعلنا ممن يعتصم بحبله ، ويأوي من المتشابهات الى حرز معقله ، ويسكن في ظل جناحه ، ويهتدي بضوء صباحه ، ويقتدي بتبلج أسفاره ويستصبح بمصباحه ولا يلتمس الهدى في غيره.

اللهم وكما نصبت به محمدا علما للدلالة عليك ، وأنهجت بآله سبل الرضا إليك ، فصل على محمد وآله ، واجعل القرآن وسيلة لنا الى أشرف منازل الكرامة ، وسلما

٤٧٧

نعرج فيه الى محل السلامة ، وسببا نجزى به النجاة في عرصة القيامة ، وذريعة نقدم بها على نعيم دار المقامة.

اللهم صل على محمد وآله ، واحطط بالقرآن عنا ثقل الأوزار ، وهب لنا حسن شمائل الأبرار ، واقف بنا آثار الذين قاموا لك به آناء الليل وأطراف النهار ، حتى تطهرنا من كل دنس بتطهيره ، وتقفو بنا آثار الذين استضاءوا بنوره ، ولم يلههم الأمل عن العمل فيقطعهم بخدع غروره.

اللهم صل على محمد وآله ، واجعل القرآن لنا في ظلم الليالي مؤنسا ، ومن نزغات الشيطان وخطرات الوساوس حارسا ، ولأقدامنا عن نقلها الى المعاصي حابسا ، ولألسنتنا عن الخوض في الباطل من غير ما آفة مخرسا ، ولجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجرا ، ولما طوت الغفلة عنا من تصفح الاعتبار ناشرا ، حتى توصل الى قلوبنا فهم عجائبه وزواجر أمثاله ، التي ضعفت الجبال الرواسي على صلابتها عن احتماله.

اللهم صل على محمد وآله ، وأدم بالقرآن صلاح ظاهرنا ، واحجب به خطرات الوساوس عن صحة ضمائرنا ، واغسل به درن قلوبنا وعلائق أوزارنا ، واجمع به منتشر أمورنا ، وأرو به في موقف العرض عليك ظمأ هواجرنا ، واكسنا به حلل الأمان يوم الفزع الأكبر في نشورنا.

اللهم صل على محمد وآله ، واجبر بالقرآن خلتنا من عدم الإملاق ، وسق إلينا به رغد العيش وخصب سعة الأرزاق ، وجنبنا به الضرائب المذمومة ومداني الأخلاق ، واعصمنا به من هوة الكفر ودواعي النفاق ، حتى يكون لنا في القيامة الى رضوانك وجنانك قائدا ، ولنا في الدنيا عن سخطك وتعدي حدودك ذائدا ، ولما عندك بتحليل حلاله وتحريم حرامه شاهدا.

اللهم صل على محمد وآله ، وهون بالقرآن عند الموت على أنفسنا كرب السياق ، وجهد الأنين وترادف الحشارج إذا بلغت النفوس التراق ، وقيل من راق ، وتجلى ملك الموت لقبضها من حجب الغيوب ، ورماها عن قوس المنايا بأسهم وحشة الفراق ، وداف لها من زعاف الموت كأسا مسمومة المذاق ، ودنا منا الى الآخرة رحيل

٤٧٨

وانطلاق ، وصارت الأعمال قلائد في الأعناق ، وكانت القبور هي المأوى الى ميقات يوم التلاق.

اللهم صل على محمد وآله ، وبارك لنا في حلول دار البلى ، وطول المقامة بين أطباق الثرى ، واجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا ، وافسح لنا برحمتك في ضيق ملاحدنا ، ولا تفضحنا في حاضري القيامة بموبقات آثامنا ، وارحم بالقرآن في موقف العرض عليك ذل مقامنا ، وثبت به عند اضطراب جسر جهنم يوم المجاز عليها زلل أقدامنا ، ونور به قبل البعث سدف قبورنا ، ونجنا به من كل كرب يوم القيامة ، وشدائد أهوال يوم الطامة ، وبيض وجوهنا يوم تسود وجوه الظلمة في يوم الحسرة والندامة ، واجعل لنا في صدور المؤمنين ودا ، ولا تجعل الحياة علينا نكدا.

اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما بلغ رسالتك ، وصدع بأمرك ، ونصح لعبادك.

اللهم اجعل نبينا صلواتك عليه وعلى آله يوم القيامة أقرب النبيين منك مجلسا ، وأمكنهم منك شفاعة ، وأجلهم عندك قدرا ، وأوجههم عندك جاها.

اللهم صل على محمد وآل محمد ، وشرف بنيانه ، وعظم برهانه ، وثقل ميزانه ، وتقبل شفاعته ، وقرب وسيلته ، وبيض وجهه ، وأتم نوره ، وارفع درجته ، وأحينا على سنته ، وتوفنا على ملته ، وخذ بنا منهاجه ، واسلك بنا سبيله ، واجعلنا من أهل طاعته ، واحشرنا في زمرته ، وأوردنا حوضه ، واسقنا بكأسه ، وصل اللهم على محمد وآله ، صلاة تبلغه بها أفضل ما يأمل من خيرك وفضلك وكرامتك إنك ذو رحمة واسعة ، وفضل كريم.

اللهم أجزه بما بلغ من رسالاتك ، وأدى من آياتك ، ونصح لعبادك ، وجاهد في سبيلك ، أفضل ما جزيت أحدا من ملائكتك المقربين ، وأنبيائك المرسلين ، والسّلام عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين).

الصحيفة السجادية ـ دعاء رقم ٤٢ ص ١٩٨

٤٧٩

من كلمات الأئمة عليهم‌السلام حول القرآن

القرآن والسنة يستوعبان كل حاجات المجتمع البشري

(عن مرازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شىء حتى والله ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد ، حتى لا يستطيع عبد يقول : لو كان هذا انزل في القرآن؟ إلا وقد أنزله الله فيه.

... عن عمر بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة إلا أنزله في كتابه وبينه لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعل لكل شىء حدا وجعل عليه دليلا يدل عليه ، وجعل على من تعدى ذلك الحد حدا.

... عن حماد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : ما من شىء إلا وفيه كتاب أو سنة.

... عن المعلى بن خنيس قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله عزوجل ، ولكن لا تبلغه عقول الرجال.

... عن سماعة ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال قلت له : أكل شىء في كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ أو تقولون فيه؟ قال : بل كل شىء في كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله).

الكافي ج ١ ص ٥٩

نصيحتهم عليهم‌السلام للمفسرين بالظنون والاحتمالات

(... عن زياد بن أبي رجاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ما علمتم فقولوا ، وما لم تعلموا فقولوا الله أعلم ، إن الرجل لينتزع الآية من القرآن يخر فيها أبعد ما بين السماء والأرض!).

الكافي ج ١ ص ٤٢

٤٨٠