تدوين القرآن

الشيخ علي الكوراني العاملي

تدوين القرآن

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

وقد يقول المدافع عن الخليفة : لا يمكننا أن نحمله مسئولية عمل ابنته ، ولا نستطيع الجزم بأن نسخة الكتاب من أبيها عمر ، فقد كانت قصة يوسف معروفة ، ونزلت سورتها في مكة .. والنساء تحب أن تعرف قصة يوسف وتتحدث فيها ، فجاء اليهود الى حفصة بهذا الكتاب وهو من أسفار التوراة أو غيرها وطلبوا منها أن تقرأه على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما طلبوا من أبيها فقرأته بحسن نية .. الخ.

نقول : لو كان هذا الدفاع ممكنا لكان حسنا .. لكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المعروف بتحمله وصبره على كل الناس وعلى عمر وحفصة بالذات ، لا بد أنه رأى أمورا من عمر وجماعته المتهوكين طفح بها الكيل ، فنفد صبره صلى‌الله‌عليه‌وآله عندها وأمره جبريل بأن يدعوا المسلمين لاجتماع طارئ بالسلاح ويبلغهم رسالة ربه ويقيم عليهم الحجة!!

إعلان النفير بالسلاح للتحذير من المتهوكين!

روى السيوطي في الدر المنثور ج ٤ ص ٣ قال (وأخرج أبو يعلي وابن المنذر وابن أبي حاتم ونصر المقدسي في الحجة والضياء في المختارة عن خالد بن عرفطة قال : كنت جالسا عند عمر إذ أتاه رجل من عبد القيس فقال له عمر أنت فلان العبدي قال نعم فضربه بقناة معه! فقال الرجل ما لي يا أمير المؤمنين؟ قال أجلس فجلس ، فقرأ عليه : بسم الله الرحمن الرحيم. الر. تلك آيات الكتاب المبين. الى قوله لمن الغافلين .. فقرأها عليه ثلاثا ، وضربه ثلاثا! فقال له الرجل ما لي يا أمير المؤمنين؟! فقال : أنت الذي نسخت كتاب دانيال؟ قال مرني بأمرك أتبعه. قال : انطلق فامحه بالحميم والصوف ثم لا تقرأ ولا تقرئه أحدا من الناس. فلئن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحدا من الناس لأنهكنك عقوبة. ثم قال أجلس فجلس بين يديه فقال : انطلقت أنا فانتسخت كتابا من أهل الكتاب ثم جئت به في أديم فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما هذا في يدك يا عمر؟ فقلت يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علما الى علمنا ، فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى احمرت وجنتاه ثم نودي

٤٢١

بالصلاة جامعة فقالت الأنصار : أغضب نبيكم ، السلاح! فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا أيها الذين آمنوا إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لي اختصارا ، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون! قال عمر رضي الله عنه فقمت فقلت : رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبك رسولا. ثم نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم!!) انتهى ، ورواه في كنز العمال ج ١ ص ٣٧١ ورمز له (ع ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عق ، ونصر المقدسي ، ص ، في الحجة. وله طريق ثان في المراسيل) ورواه في مجمع الزوائد ج ١ ص ١٧٣ ، وقال (رواه أبو يعلي وفيه عبد الرحمن بن إسحاق ضعفه أحمد وجماعة ويأتي الحديث بقصته وتمامه في باب الاقتداء بالسلف).

وفي لسان الميزان ج ٢ ص ٤٠٨ (... عن عمر رضي الله عنه قال انتسخت كتابا من أهل الكتاب فرآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في يدي فقال ما هذا الكتاب يا عمر؟ قلت انتسخته من أهل الكتاب لنزداد به علما الى علمنا ، فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجاءوا حتى أحدقوا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إني أوتيت جوامع الكلم وخواتمه ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تهيلوا ولا يغرنكم المتهيلون. فقال عمر رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبك رسولا) انتهى.

من مجموع روايات هذه القصة ومن شهادة مضمونها يطمئن الإنسان بوقوعها .. وهي غنية بالدلالات ، ومن أولها أنا نلمس صدق قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت) وأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله تفرد عن الأنبياء السابقين بأنواع جديدة من الأذى لم تكن في عهودهم ، كما تفرد في عمقها الذي هو أشد من حزّ الشّفار وأمرّ من طعم العلقم! ومما كان يزيد فيها أنه لم يكن من مصلحة الإسلام أن يعلن النبي عنها ويكشفها للناس!

إن هذه القصة تكشف عن حلقة بارزة من فعاليات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لإحباط واحدة من خطط اليهود لفرض ثقافتهم على الإسلام وجعل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله واحدا من أنبياء التوراة الذين اضطهدوهم وشوهوا تاريخهم!!

وعند ما يصل طمع اليهود الى مطالبة النبي والمسلمين أن يتبنوا توراتهم المحرفة المعربة .. ويؤثروا على بعض كبار أصحاب النبي وبعض زوجات النبي .. فالله يعلم كم كان حجم نشاطهم وأنواع فعالياتهم وضغوطهم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله؟!

٤٢٢

وثاني هذه الدلالات ، أن الخليفة عمر كان مندفعا في التأثر بالثقافة اليهودية .. فالقصة هنا جديدة وهي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى في يد عمر كتابا فأحس بالخطر! لقد وصل الأمر في الأمة الى التلقي الرسمي من اليهود .. ولم ينفع معهم الشرح والتوضيح والنهي .. ولذا كان على النبي هذه المرة أن يبادر هو بالسؤال (فرآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في يدي فقال ما هذا الكتاب يا عمر؟! ... فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما هذا في يدك يا عمر؟ فقلت يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علما الى علمنا ، فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى احمرت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة!! فقالت الأنصار : أغضب نبيكم ، السلاح!!).

وفي هذا الموقف دلالة واضحة على أن نهي النبي عن ثقافتهم لم يؤثر! بل استمرت حركة اليهود في أصحابه! واستمر أصحابه في خدمة خطتهم عن سذاجة أو اجتهاد!

وأمام هذه الأسلحة القاتلة .. لا بد من إعلان النفير المسلح وإطلاق حكم الله تعالى في ثقافة اليهود وفي المبهورين بها أو عملائها لا فرق ، ولا بد من حفر ذلك في أذهان الأمة حفرا في حالة الغضب .. وتحت السلاح!!

وثالث هذه الدلالات ، أن خطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا بد أنها كانت أطول مما نقله الخليفة عمر أو تذكره منها!!

ولكن الموجود منها بركة ، والأمور الأربعة الواردة فيها كافية لمعرفة الوضع المرضي في الأمة والدواء النبوي له .. (فقال : يا أيها الذين آمنوا إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لي اختصارا ، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون!) :

الأمر الأول ، إذا كان يعجبكم بلاغة حاخامات اليهود ورهبانهم وقلتم إن أحاديثهم لفصاحتها وبلاغتها تأخذ بمجامع قلوبكم! فإن نبيكم أبلغ منهم يا من تدعون معرفة الفصاحة والبلاغة! فقد أعطاه الله تعالى جوامع الكلم وطوع الله له المعاني والألفاظ تطويعا لم يعطه حتى لموسى بن عمران! فما لكم تدعون الايمان بالله ورسوله ثم تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!

٤٢٣

والأمر الثاني ، لقد أتيتكم بالعقيدة الخاتمة والشريعة الخاتمة ، بيضاء نقية ، وهؤلاء قد غيروا عقائدهم وشرائعهم وحرفوها حتى صارت كدرة مخلوطة .. فما لكم تستبدلون الأبلج المشرق بالداكن المظلم ، والزلال الصافي بالآسن الكدر؟!!

والأمر الثالث ، إن الله أمرني أن أنهاكم عن السير وراء هؤلاء والتأثر بهم كثيرا أو قليلا .. وإن فعلتم فأنتم متهوكون ضالون.

والأمر الرابع ، أخبرني ربي بأنكم ستتهوكون وتضيعون كما ضاعت اليهود والنصارى ، وقد بدأت بوادره فيكم .. فإني أحذركم المتهوكين منكم الذين هم في الواقع أتباع لهم ، وضائعون ضالون مثلهم ، وإني أنهاكم عنهم كما نهيتكم عن أسيادهم ، ولعل التأثر بالتابع أسوأ من التأثر بالمتبوع!!

ورابع هذه الدلالات ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ما رأى الكيل طفح والخطر وصل الى البيت ، نفد صبره النبوي .. ولكنه لم يجب عمر على كلامه! بل قرر هذه المرة أن يدعو المسلمين الى اجتماع طارئ ويخاطبهم بدل أن يخاطب عمر .. ولعل السبب في ذلك أن واجبه إقامة الحجة وقد أقامها على عمر مرات .. وقد بقي عليه أن يقيمها على المسلمين .. أو لأنه يريد الاحتفاظ بعلاقته مع عمر ولا يقطعها أو يوترها.

لكن قد يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ما سمع جواب عمر أجابه جوابا شديدا ، ولكن الخليفة لم ينقله ، ولا نقله الرواة خوفا من الخليفة ، كما أنهم لم ينقلوا الرواية إلا عن لسان الخليفة!

مهما يكن ، فقد جاء تحذيره صلى‌الله‌عليه‌وآله قويا شديدا حاسما ، أقام فيه الحجة عليهم جميعا بمن فيهم عمر ، وبين للمسلمين غناهم عن استيراد ثقافة أهل الكتاب ، وخط لهم دونها خطا أحمر!

وخامس هذه الدلالات ، أن أحدا غير الخليفة عمر لم ينقل هذه الحادثة الخطيرة ولا شيئا من خطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الموضوع الخطير ، إلا ما رواه الشيعة! وهذا يدل على سيطرة الخليفة عمر ونفوذه الكامل بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بحيث أن أحدا لا يجرؤ أن ينقل قصة يمكن أن تكون طعنا فيه ، الى أن ينقلها هو بالصيغة التي يختارها .. والحمد لله أن من صفات الخليفة عمر أنه كان كثير الحديث عن أموره بجرأة واطمئنان .. ولو لا ذلك لما وصلت إلينا هذه الرواية وأمثالها!!

٤٢٤

وسادس هذه الدلالات ، ما ذكره العلامة الحلي في تذكرة الفقهاء ج ٢ ص ٤٢٩ ، قال (مسألة : لا يجوز الوقف على كتابة التوراة والإنجيل لأنهما منسوخان محرفان ولا نعلم فيه خلافا ، لما روى العامة أن رسول الله خرج الى المسجد فرأى في يد عمر صحيفة فيها شىء من التوراة فغضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما رأى الصحيفة مع عمر وقال له : أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي. ولو لا أن ذلك معصية لما غضب منه. وكذا لا يجوز الوقف على كتبة كتب الضلال وجميع ما لا يحل كتابته لأنها جهة محرمة) انتهى.

والظاهر أن العلامة الحلي وجد رواية أخرى غير ما ذكرنا وقد خاطب بها النبي عمر مباشرة .. ولا بد أن قصتها كانت قبل دعوته صلى‌الله‌عليه‌وآله المسلمين الى النفير العام والتجمع في المسجد!!

في أول إسلامه أراد زيارة بيت المقدس فنهاه النبي

روى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٤ ص ٥ عن إسلام عمر :

(... وكان آخرهم إسلاما عمر بن الخطاب فلما كانوا أربعين خرجوا الى المشركين (!!) قال جئت رسول الله لأودعه وأردت الخروج الى بيت المقدس فقال لي رسول الله : أين تريد؟ قلت أريد بيت المقدس. قال وما يخرجك اليه ، أفي تجارة؟ قلت لا ، ولكني أصلي فيه. فقال رسول الله : صلاة هاهنا خير من ألف صلاة ثمّ. ورجال الطبراني ثقات. ورجال أحمد فيهم يحيى بن عمران جهله أبو حاتم) انتهى.

روى في كنز العمال ج ١٤ ص ١٤٦ :

(عن سعيد بن المسيب قال : استأذن رجل عمر بن الخطاب في إتيان بيت المقدس فقال له : اذهب فتجهز فإذا تجهزت فأعلمني ، فلما تجهز جاءه فقال له عمر : اجعلها عمرة. (يعني لا تجعلها حجة ، أو الأفضل أن لا تجعلها حجة!) قال : ومر به رجلان وهو يعرض إبل الصدقة فقال لهما من أين جئتما؟ قالا من بيت المقدس ، فعلاهما بالدرة وقال : أحجّ كحج البيت؟ قالا : إنما كنا مجتازين ـ الأزرقي) انتهى.

٤٢٥

ومعنى جوابهما : أننا حججنا الى بيت المقدس كحج البيت ولكنا لم نقصده قصدا كما يقصد البيت الحرام ، بل كان في طريقنا! فرضي الخليفة بذلك ولم يعقب بشيء ، لأن المهم أن تبقى للكعبة ميزة ما على بيت المقدس ، وقد بقيت الميزة بأن الكعبة تقصد للحج والعمرة ، وبيت المقدس يحج إليه ولكن يقصد للعمرة فقط لا للحج!!

وروى البيهقي في سننه ج ٥ ص ٤١ (... عن عباد يعني ابن عبد الله بن الزبير قال حدثت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما دخل بيت المقدس قال : لبيك اللهم لبيك!).

وفي كنز العمال ج ٨ ص ١٤٤ (عن أبي مريم عبيد قال : دخلت مع عمر بن الخطاب محراب داود فقرأ فيه (ص) وسجد).

وفي الدر المنثور ج ٥ ص ٣٠٥ :

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مريم قال لما قدم عمر الشام أتى محراب داود عليه‌السلام فصلّى فيه فقرأ سورة ص ، فلما انتهى الى السجدة سجد) انتهى.

ولكن ابن الأثير خفف لون عمل الخليفة في بيت المقدس ، فقال في البداية والنهاية ج ٧ ص ٦٥ (ويقال إنه لبى حين دخل بيت المقدس فصلّى فيه تحية المسجد بمحراب داود!) انتهى.

الخليفة يثق بتنبؤات أهل الكتاب عن المستقبل!

لم يكن عرب الجاهلية يرون بأسا بسؤال أحبار اليهود ورهبان النصارى عن الأمور الروحية وعن تنبؤاتهم عن المستقبل .. بشرط الحذر من أن يستغل الحبر أو الراهب ذلك لأغراض سياسية تضر العرب .. فأهل الكتاب في نظر العرب ـ وخاصة قريش ـ أصحاب علم من كتبهم ، وعندهم تنبؤات صحيحة إذا صدقوا ولم يكذبوا!

كذلك كان أكثر الناس يرجعون الى الكهان المنتشرين في بلاد الجزيرة وبواديها ليعرفوا من الكاهن أخبار المستقبل ، أو ليساعدهم في حل مشكلة ، أو ليحكم بينهم أيّ الشخصين أو القبيلتين أفضل (المنافرة).

٤٢٦

وبعد بعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإسلام العرب انتهى دور الكهان بشكل عام لأنهم رجال دين الوثنية التي انتهت ..

أما دور الأحبار والرهبان فلم ينته في الحس العام للعرب! بل قد تعزز في حس بعضهم فلم يكونوا يرون بأسا بالاستفادة من علماء أهل الكتاب ، خاصة فيما فاتهم أن يسألوا عنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله! ولم أجد استثناء من هذه الظاهرة إلا الأئمة من أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله!

ومن الممكن أن يكون عند الأحبار والرهبان في ذلك الزمان أثارة من علم وبقايا ورثوها من الأنبياء والأوصياء السابقين ، ولكنها في الغالب مشوبة ومحرفة لا يمكن الوثوق بها ..

وقد كان الخليفة عمر في علاقاته مع أهل الكتاب مهتما بهذا الجانب ، قبل الإسلام وبعده ، فكان يسألهم عما يجدونه عندهم عن النبي وأمته ، وعمن يحكم هذه الأمة بعد نبيها ، والأخطار التي تهدد مستقبلها وبقاءها ..

بل كان وهو خليفة يروي قصة الراهب الذي تنبأ له بأنه سيحكم العرب ويفتح الشام ، قال ابن جزي في التسهيل لعلوم القرآن ج ١ ص ٣٢٣ (ومن حديث زيد بن أسلم عن أبيه وهو عندنا بالإسناد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج زمان الجاهلية مع ناس من قريش في التجارة الى الشام ، قال فإني لفي سوق من أسواقها إذا أنا ببطريق قد قبض على عنقي فذهبت أنازعه فقيل لي لا تفعل فإنه لا نصيف لك منه! فأدخلني كنيسة فإذا تراب عظيم ملقى فجاءني بزنبيل ومجرفة فقال لي أنقل ما هاهنا! فجعلت أنظر كيف أصنع ، فلما كان من الهاجرة وافاني وعليه ثوب أرى سائر جسده منه ، فقال أئنك على ما أرى ما نقلت شيئا ، ثم جمع يديه فضرب بهما دماغي! فقلت : واثكل أمك يا عمر أبلغت ما أرى؟! ثم وثبت الى المجرفة فضربت بها هامته فنشرت دماغه ثم واريته في التراب وخرجت على وجهي لا أدري أين أسير فسرت بقية يومي وليلتي من العد الى الهاجرة فانتهيت الى دير فاستظللت فناءه ، فخرج إلي رجل منه فقال لي : يا عبد الله ما يقعدك هنا؟ فقلت أضللت أصحابي ، فقال لي ما

٤٢٧

أنت على طريق وإنك لتنظر بعيني خائف ، فادخل فأصب من الطعام واسترح ، فدخلت فأتاني بطعام وشراب وأطعمني ، ثم صعّد فيّ النظر وصوّبه ، فقال قد علم والله أهل الكتاب أنه ما على الأرض أعلم بالكتاب مني ، وإني لأرى صفتك الصفة التي تخرجنا من هذا الدير وتغلبنا عليه ، فقلت يا هذا لقد ذهبت بي في غير مذهب ، فقال لي ما اسمك فقلت عمر بن الخطاب ، فقال أنت والله صاحبنا فاكتب لي على ديري هذا وما فيه ، فقلت يا هذا إنك قد صنعت إلي صنيعة فلا تكررها ، فقال إنما هو كتاب في رق ، فإن كنت صاحبنا فذلك ، وإلا لم يضرك شيء. فكتب له على ديره وما فيه ، فأتاني بثياب ودراهم فدفعها إلي ثم أو كف أتانا فقال لي أتراها؟ فقلت نعم ، قال سر عليها فإنك لا تمر بقوم إلا سقوها وعلفوها وأضافوك ، فإذا بلغت مأمنك فاضرب وجهها مدبرة فإنهم يفعلون بها كذلك حتى ترجع إليّ!!

قال فركبتها فكان كما قال حتى لحقت بأصحابي وهم متوجهون الى الحجاز ، فضربتها مدبرة وانطلقت معهم!

فلما وافى عمر الشام في زمان خلافته جاءه ذلك الراهب بالكتاب وهو صاحب دير العرس فلما رآه عرفه ، فقال قد جاء ما لا مذهب لعمر عنه ، ثم أقبل على أصحابه فحدثهم بحديثه فلما فرغ منه أقبل على الراهب فقال هل عندكم من نفع للمسلمين ، قال نعم يا أمير المؤمنين ، قال إن أضفتم المسلمين ومرضتموهم وأرشدتموهم فعلنا ذلك قال نعم يا أمير المؤمنين فوفى له عمر رضي الله عنه ورحمة!) انتهى ، وهو يدل على أن حمارة الراهب من الملائكة ، فلا بد أن يكون الراهب من ملائكة العرش!!

وروى أبو داود في سننه ج ٢ ص ٤٠٣ (... عن الأقرع مؤذن عمر بن الخطاب ، قال : بعثني عمر الى الأسقف ، فدعوته ، فقال له عمر : وهل تجدني في الكتاب؟ قال : نعم ، قال : كيف تجدني؟ قال : أجدك قرنا ، فرفع عليه الدرة ، فقال : قرن مه؟ فقال : قرن حديد ، أمين شديد ، قال : كيف تجد الذي يجيء من بعدي؟ فقال : أجده خليفة صالحا غير أنه يؤثر قرابته ، قال عمر : يرحم الله عثمان! ثلاثا ، فقال : كيف تجد الذي بعده؟ قال : أجده صدأ حديد ، فوضع عمر يده على رأسه فقال : يا دفراه يا دفراه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنه خليفة صالح ولكنه يستخلف حين يستخلف

٤٢٨

والسيف مسلول والدم مهراق! قال أبو داود : الدفر النتن) ورواه في تهذيب التهذيب ج ١ ص ٣٢٣ ، وروى ابن شبة في تاريخ المدينة ج ٣ ص ١٠٧٨ :

(... عن أقرع مؤذن عمر قال : بعثني عمر رضي الله عنه الى الأسقف فدعوته فجعلت أظلهما من الشمس ، فقال عمر رضي الله عنه : يا أسقف هل تجدنا في الكتب؟ قال نعم. قال فكيف تجدني؟ قال أجدك قرنا. قال فرفع عليه الدرة وقال : وعلى قرني مه؟ قال قرنا حديدا أمينا شديدا. قال فكيف تجد الذي بعدي؟ قال : خليفة صالحا غير أنه يؤثر قرابته. قال يرحم الله عثمان ، يرحم الله عثمان ـ ثلاثا ـ قال : فكيف تجد الذي بعده؟ قال أجد حدا حديدا. فوضع عمر رضي الله عنه يده على رأسه وقال وا زفراه ، وا زفراه ، وا زفراه. قال يا أمير المؤمنين إنه خليفة صالح ولكن يستخلف حين يستخلف والسيف مسلول والدم مهراق!).

وفي معجم ما استعجم للأندلسي ج ٤ ص ١١٥٣ (لدّ. مدينة بالشام بضم أوله وتشديد ثانيه. جاء في الحديث أن المسيح عليه‌السلام يقتل الدجال بباب لدّ رواه الزهري ، عن سالم عن أبيه أن عمر سأل رجلا من اليهود ، فقال له : قد بلوت منك صدقا فحدثني عن الدجال. فقال يقتله ابن مريم بباب لد) انتهى. أما في أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام فإن الدجال قائد حركة ضد الإسلام يخرج بعد ظهور الإمام المهدي ، والذي يقتله هو الإمام المهدي عليه‌السلام.

مهما يكن ، فقد كان الخليفة عمر بن الخطاب قبل الإسلام يعتقد بالكهان والأحبار والرهبان ، أما بعد الإسلام فالظاهر أنه لم يضعف اعتقاده بهم بل تأكد .. وأكبر شاهد على ذلك المكانة التي أعطاها لكعب الأحبار في الدولة الإسلامية وثقافة الإسلام!

مكانة كعب الأحبار عند الخليفة

كان كعب الأحبار حاخاما يهوديا من يهود اليمن ، وعند ما قصد من اليمن الى بيت المقدس مر على المدينة فخرج الخليفة عمر الى استقباله أو الى زيارته في مكان إقامته ، إكراما له واحتراما! وقالوا دعاه الى الإسلام ولكنه لم يستجب .. وواصل سفره الى بيت المقدس ثم سكن في الشام وهو على يهوديته ، ورافق الخليفة عمر في زيارته الى بيت المقدس وهو على يهوديته! وكان يتردد على المدينة إجابة لدعوة الخليفة!

قال السيوطي في الدر المنثور ج ٢ ص ١٦٨ (وأخرج ابن جرير عن عيسى بن المغيرة قال : تذاكرنا عند إبراهيم إسلام كعب فقال : أسلم كعب في زمان عمر أقبل وهو يريد بيت المقدس فمر على المدينة فخرج إليه عمر فقال : يا كعب أسلم. قال

٤٢٩

ألستم تقرءون في كتابكم (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) ، وأنا قد حملت التوراة فتركه. ثم خرج حتى انتهى الى حمص فسمع رجلا من أهلها يقرأ هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً) ، قال كعب يا رب آمنت يا رب أسلمت. مخافة أن تصيبه هذه الآية ثم رجع فأتى أهله باليمن ثم جاء بهم مسلمين) انتهى.

وقد طوت هذه الرواية مدة من حياة كعب وأحداثا أشرنا إليها ، وكانت علاقته بالخليفة وثيقة ..

وأيا كان ، فقد أخذ كعب في قلب الخليفة ودار الخلافة مكانة علمية استشارية ، وصار له نفوذ في الدولة! وقد أثر بحكم هذه المكانة على ثقافتنا الإسلامية .. بل بلغت ثقة الخليفة بعلم كعب وثقافته أنه صار مشاورا دينيا للخليفة على أعلى مستوى يمكن أن يتصوره إنسان! فكعب مصدر لمعرفة أخبار الغيب والآخرة .. ومصدر لمعرفة تاريخ الأنبياء .. ومصدر لتفسير القرآن .. ومصدر للفتاوي الشرعية .. ومصدر لمعرفة المستقبل السياسي والديني للأمة الإسلامية .. ومصدر لمعرفة مستقبل الخليفة عمر شخصيا .. ومصدر لمعرفة مقام الخليفة عند الله تعالى ومكانه في الجنة!! ولا يتسع المجال الى استقصاء الأحاديث في ذلك وفيها الأحاديث الصحيحة عند إخواننا بأعلى درجات الصحة .. لذا نكتفي بذكر نماذج منها :

روى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٩ ص ٦٥ عن كعب الأحبار ، تحت عنوان : (باب شدته رضي الله عنه في الله وكراهيته للباطل. عن عمر بن ربيعة أن عمر بن الخطاب أرسل الى كعب الأحبار فقال : يا كعب كيف تجد نعتي؟ قال أجد نعتك قرن من حديد. قال وما قرن من حديد؟ قال أمير شديد لا تأخذه في الله لومة لائم. قال ثم مه؟ قال ثم يكون من بعدك خليفة تقتله فئة).

وروى في كنز العمال ج ١٢ ص ٥٦٧ :

(عن سفيان بن أبي العوجاء قال : قال عمر بن الخطاب : والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟ فإن كنت ملكا فهذا أمر عظيم ، قال قائل : يا أمير المؤمنين! إن بينهما فرقا ،

٤٣٠

قال ما هو؟ قال : الخليفة لا يأخذ إلا حقا ولا يضعه إلا في حق ، فأنت بحمد الله كذلك. والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا ، فسكت عمر! ـ ابن سعد.

... عن سلمان أن عمر قال له : أملك أنا أم خليفة؟ قال له سلمان : إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة فاستعبر عمر ـ ابن سعد.

... عن رجل من بني أسد أنه شهد عمر بن الخطاب سأل أصحابه وفيهم طلحة وسلمان والزبير وكعب فقال : إني سائلكم عن شىء فإياكم أن تكذبوني فتهلكوني وتهلكوا أنفسكم ، أنشدكم بالله! أخليفة أنا أم ملك؟ فقال طلحة والزبير : إنك لتسألنا عن أمر ما نعرفه ، ما ندري ما الخليفة من الملك ، فقال سلمان يشهد بلحمه ودمه : إنك خليفة ولست بملك ، فقال عمر إن تقل فقد كنت تدخل فتجلس مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قال سلمان : وذلك أنك تعدل في الرعية وتقسم بينهم بالسوية وتشفق عليهم شفقة الرجل على أهله وتقضي بكتاب الله ، فقال كعب : ما كنت أحسب أن في المجلس أحدا يعرف الخليفة من الملك غيري ولكن الله ملا سلمان حكما وعلما.

ثم قال كعب : أشهد أنك خليفة ولست بملك فقال له عمر وكيف ذاك؟ قال : أجدك في كتاب الله قال عمر : تجدني باسمي؟ قال : لا ولكن بنعتك أجد : نبوة ثم خلافة ورحمة على منهاج نبوة ، ثم خلافة ورحمة على منهاج نبوة ، ثم ملكا عضوضا ـ نعيم بن حماد في الفتن.

... عن كعب أن عمر بن الخطاب قال : أنشدك بالله يا كعب! أتجدني خليفة أم ملكا؟ قال : بل خليفة : فاستحلفه فقال كعب : خليفة والله! من خير الخلفاء ، وزمانك خير زمان ـ نعيم بن حماد في الفتن) انتهى.

والسبب في إصرار الخليفة عمر على أن يعرف من كعب أو غيره هل أنه خليفة أو ملك؟ أن الأحبار أخبروه بأن اسمه أو صفته مذكورة في كتبهم التي ورثوها عن أنبيائهم وأنه سيحكم العرب بعد نبيهم .. فهو يريد أن يعرف نفسه وهل هو عند الله تعالى

٤٣١

خليفة صالح من أهل الجنة أم أنه ملك من الملوك الذين ورد ذمهم في القرآن والكتب السماوية؟! فكان كعب الأحبار وغيره يطمئنونه بأنه خليفة وليس ملكا.

وكذلك أسئلة الخليفة لكعب عن مساكن عدن الخاصة في الجنة ، التي أخبره الأحبار بأن مسكنه فيها :

روى السيوطي في الدر المنثور ج ٤ ص ٥٧ (عن الحسن البصري أن عمر قال لكعب : ما عدن؟ قال هو قصر في الجنة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم (حاكم) عدل).

وفي ج ٥ ص ٣٤٧ (وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه ... في قوله تعالى (وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ) قال : إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : يا كعب ما عدن؟ قال : قصور من ذهب في الجنة يسكنها النبيون والصديقون وأئمة العدل).

وفي كنز العمال ج ١٢ ص ٥٦١ (عن الحسن قال : قال عمر بن الخطاب : حدثني يا كعب عن جنات عدن. قال : نعم يا أمير المؤمنين ، قصور في الجنة لا يسكنها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل ، فقال عمر : أما النبوة فقد مضت لأهلها ، وأما الصديقون فقد صدقت الله ورسوله ، وأما الحكم العدل فإني أرجو الله أن لا أحكم بشيء إلا لم آل فيه عدلا ، وأما الشهادة فأني لعمر بالشهادة؟! ابن المبارك وأبو ذر الهروي في الجامع) انتهى.

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٣٣١ :

(... عن عبد الله بن الحرث قال كنت عند عائشة وعندها كعب الأحبار فذكر إسرافيل فقالت عائشة : يا كعب أخبرني عن إسرافيل؟ فقال كعب : عندكم العلم قالت أجل ، قالت فأخبرني. قال : له أربعة أجنحة جناحان في الهواء وجناح قد تسربل به وجناح على كاهله والقلم على أذنه ، فإذا نزل الوحي كتب القلم ، ثم درست الملائكة وملك الصور جاث على إحدى ركبتيه وقد نصب للأخرى فالتقم الصور محنى ظهره وقد أمر إذا رأى اسرافيل قد ضم جناحه أن ينفخ في الصور!! فقالت عائشة : هكذا سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول! رواه الطبراني في

٤٣٢

الأوسط وإسناده حسن). ورواه السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٣٣٨ ، وقال (وأخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط بسند حسن) انتهى.

عمر يسأل كعبا عن مستقبل الأمة وعن مستقبله الشخصي

وروى أحمد في مسنده ج ١ ص ٤٢ (... أن عمير بن سعد الأنصاري كان ولاه عمر حمص فذكر الحديث قال عمر يعني لكعب : إني اسألك عن أمر فلا تكتمني قال والله لا أكتمك شيئا أعلمه. قال ما أخوف شىء تخوفه على أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال أئمة مضلين. قال عمر : صدقت قد أسر ذلك الي وأعلمنيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم). ورواه في مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٣٩ ، وقال (رواه أحمد ورجاله ثقات) وروى ابن شبة في تاريخ المدينة ج ٣ ص ٨٩١ (... عن عبد الله بن زيد ابن أسلم ، عن أبيه ، عن جده قال : لما قدم عمر رضي الله عنه من مكة في آخر حجة حجها أتاه كعب فقال : يا أمير المؤمنين ، اعهد فإنك ميت في عامك ، قال عمر رضي الله عنه وما يدريك يا كعب؟ قال : وجدته في كتاب الله. أنشدك الله يا كعب هل وجدتني باسمي ونسبي ، عمر بن الخطاب؟ قال : اللهم لا ، ولكني وجدت صفتك وسيرتك وعملك وزمانك!).

وروى الطبري في تاريخه ج ١ ص ٣٢٣ :

(... عن سالم النصرى قال بينما عمر بن الخطاب يصلي ويهوديان خلفه وكان عمر إذا أراد أن يركع خوى فقال أحدهما لصاحبه أهو هو؟! قال فلما انفتل عمر قال أرأيت قول أحدكما لصاحبه أهو هو؟ فقالا إنا نجد في كتابنا قرنا من حديد يعطي ما أعطى حزقيل الذي أحيا الموتى بإذن الله! فقال عمر ما نجد في كتابنا حزقيل ولا أحيا الموتى بإذن الله إلا عيسى ابن مريم! فقالا أما تجد في كتاب الله (وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) ، فقال عمر بلى قالا وأما إحياء الموتى فسنحدثك أن بني اسرائيل وقع فيهم الوباء فخرج منهم قوم حتى إذا كانوا على رأس ميل أماتهم الله فبنوا عليهم حائطا حتى اذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل فقام عليهم فقال ما شاء الله فبعثهم الله له ، فأنزل الله في ذلك : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) انتهى.

٤٣٣

الخليفة يطلب من كعب الموعظة!

روى السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٥٧ (... فقال عمر بن الخطاب عند ذلك ألا تسمع يا كعب ما يحدثنا به ابن أم عبد عن أدنى أهل الجنة ، ماله فكيف بأعلاهم؟ قال يا أمير المؤمنين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، إن الله كان فوق العرش والماء فخلق لنفسه دارا بيده فزينها بما شاء وجعل فيها ما شاء من الثمرات والشراب ، ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه منذ خلقها ، جبريل ولا غيره من الملائكة ، ثم قرأ كعب (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ...) الآية وخلق دون ذلك جنتين فزينهما بما شاء وجعل فيهما ما ذكر من الحرير والسندس والإستبرق وأراهما من شاء من خلقه من الملائكة. فمن كان كتابه في عليين نزل تلك الدار ، فإذا ركب الرجل من أهل عليين في ملكه لم يبق خيمة من خيام الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه حتى أنهم ليستنشقون ريحه ويقولون واها هذه الريح الطيبة ، ويقولون لقد أشرف علينا اليوم رجل من أهل عليين! فقال عمر : ويحك يا كعب إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها. فقال كعب يا أمير المؤمنين إن لجهنم زفرة ما من ملك ولا نبي إلا يخر لركبتيه حتى يقول إبراهيم خليل الله : رب نفسي نفسي! وحتى لو كان لك عمل سبعين نبيا الى عملك لظننت أن لن تنجو منها) انتهى.

يقول كعب إن الخوف يوم القيامة يشمل كل الناس فينشغل كل إنسان بنفسه ، حتى إبراهيم عليه‌السلام الذي هو أفضل الخلق يقول يا رب نفسي .. وهذا موافق لعقيدة اليهود ، أما نحن المسلمين فعقيدتنا أن نبينا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من جميع الخلق حتى إبراهيم عليه‌السلام.

ولكن السؤال هنا وفي العديد من روايات كعب : من أين جاء كعب بها؟! فأمور غيب الله تعالى لا يمكن لأحد أن يتكلم عنها إلا بإسناد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكعب لم ير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يسند إليه! فهل كان يروي للخليفة والمسلمين من كتب اليهود ، أم كان يلتقط منهم ومن المسلمين ثم ينتقي الأخبار ويتبناها ويتكلم بها من عنده باعتباره مصدرا للعلم بالآخرة والغيب؟!

٤٣٤

وقد وردت في مصادرنا رواية عن أهل البيت عليهم‌السلام تكذب ما قاله كعب .. فقد روى الكليني في الكافي ج ٨ ص ٣١٢ عن الإمام محمد الباقر عليه‌السلام أنه قال (قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبرني الروح الأمين أن الله لا إله غيره إذا أوقف الخلائق وجمع الأولين والآخرين أتي بجهنم تقاد بألف زمام ، آخذ بكل زمام مائة ألف ملك من الغلاظ الشداد ، ولها هدة وتحطم وزفير وشهيق ، وإنها لتزفر الزفرة فلو لا أن الله عزوجل أخرها الى الحساب لأهلكت الجميع ، ثم يخرج منها عنق يحيط بالخلائق البر منهم والفاجر ، فما خلق الله عبدا من عباده ملك ولا نبي إلا وينادي يا رب نفسي نفسي ، وأنت تقول : يا رب أمتي أمتي) انتهى ، وصدق رسول الله وآله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله.

نظرية كعب والخليفة في شفاعة نبينا (ص)!

قال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٨٥ (وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن ميمون أن كعبا دخل يوما على عمر بن الخطاب فقال له عمر حدثني الى ما تنتهي شفاعة محمد يوم القيامة؟ فقال كعب قد أخبرك الله في القرآن أن الله يقول (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ...) الى قوله اليقين قال كعب : فيشفع يومئذ حتى يبلغ من لم يصل صلاة قط ، ويطعم مسكينا قط ، ومن لم يؤمن ببعث قط ، فإذا بلغت هؤلاء لم يبق أحد فيه خير!) انتهى.

وبهذا أفتى كعب بأنه لا يدخل النار من صلّى حتى صلاة واحدة ، ولا من أطعم حتى مسكينا واحدا ، ولا من آمن بيوم الدين حتى لو لم يؤمن بالأنبياء!! لأن جميع هؤلاء تشملهم شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة!!

ويبدو أن الخليفة وافق كعبا على هذه السعة في شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل يفهم من صيغة سؤاله له أنه يعرف جوابه ، لكن أراد أن يعرّف الحاضرين سعة شفاعة النبي وأنها تشمل حتى الكفار والملحدين .. ولكنها برأي إخواننا السنة لا تشمل الشيعة المحبين للنبي وأهل بيته ، كما لا تشمل أجداد النبي وجداته صلّى الله عليه وعليهم!

٤٣٥

وقد كنت أنظر الى روايات شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التي جعلها كعب تشمل كل أهل الكتاب وغيرهم أيضا .. بنظرة طبيعية وأن كعبا يقصد منها إثبات أنه مسلم مؤمن بمقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ربه .. ولكني لاحظت أن روايات شفاعة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله في مصادر السنة والشيعة مخصوصة بأمته ، ولم أجد رواية واحدة منها تدل على شمولها للكفار والملحدين كما يدعي كعب! لذا ترجح عندي أن المقصود بروايات كعب بيان مقام الشمفوع لهم من أهل الكتاب ، وليس مقام الشفيع صلى‌الله‌عليه‌وآله!

ثم وجدت أن توسعة كعب للشفاعة جزء من نظرية أوسع .. تقول بأن العقاب الإلهي في الآخرة محدود ، وأن النار تفنى وتنتهي ويدخل كل أهلها الجنة حتى الطغاة والمجرمين والمفسدين في البلاد ، وسفاكي دماء العباد ، وقتلة الأنبياء!! ووجدت رواية عن صاحب كعب عبد الله بن سلام تقول بنفس النظرية! وهي نظرية يهودية!!

ثم وجدت أن الشيخ محمد رشيد رضا ينسبها الى الخليفة عمر .. قال في تفسير المنار ج ٨ ص ٧٢ دار المعرفة بيروت :

(السابع : قول من يقول بل يفنيها ربها وخالقها تبارك وتعالى فإنه جعل لها أمدا تنتهي إليه ثم تفنى ويزول عذابها. قال شيخ الإسلام وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم ، وقد روى عبد بن حميد وهو من أجل أئمة الحديث في تفسيره المشهور : حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن قال : قال عمر لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه. وقال حدثنا حجاج ابن منهال عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن عمر بن الخطاب قال لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه. ذكر ذلك في تفسير ثابت عند قوله تعالى (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) ، فقد رواه عبد وهو من الأئمة الحفاظ وعلماء السنة عن هذين الجليلين سليمان بن حرب وحجاج بن منهال وكلاهما عن حماد بن سلمة وحسبك به ، وحماد يرويه عن ثابت وحميد وكلاهما يرويه عن الحسن وحسبك بهذا الإسناد جلالة ، والحسن وإن لم يسمع من عمر فإنما رواه عن بعض التابعين ولو لم يصح عنده ذلك عن عمر لما جزم به وقال قال

٤٣٦

عمر بن الخطاب ، ولو قدر أنه لم يحفظ عن عمر فتداول هؤلاء الأئمة له غير مقابلين له بالإنكار والرد مع أنهم ينكرون على من خالف السنة بدون هذا فلو كان هذا القول عند هؤلاء الأئمة من البدع المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله واجماع الأئمة لكانوا أول منكر له. قال : ولا ريب أن من قال هذا القول عن عمر ونقله عنه. إنما أراد بذلك جنس أهل النار الذين هم أهلها ، فأما قوم أصيبوا بذنوبهم فقد علم هؤلاء وغيرهم أنهم يخرجون منها وأنهم لا يلبثون قدر رمل عالج ولا قريبا منه ، ولفظ أهل النار لا يختص بالموحدين بل يختص بمن عداهم كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (أما أهل النار الذين هم أهلها فهم لا يموتون فيها ولا يحيون) ولا يناقض هذا قوله تعالى (خالِدِينَ فِيها) ، وقوله (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) بل ما أخبر الله به هو الحق والصدق الذي لا يقع خلافه. لكن إذا انقضى أجلها وفنيت كما تفني الدنيا لم تبق نارا ولم يبق فيها عذاب!) انتهى.

ومعنى هذا الرأي أن المسلمين لا يدخلون النار إلا النادر منهم ، وأن أهل النار عذابهم موقت حتى لو كانوا من أكفر الكافرين وألحد الملحدين ، وحتى لو كانوا طغاة وكانت جرائمهم بمقدار قتل سكان الكرة الأرضية! فهم يخرجون من النار ويدخلون الجنة!!

ولكن ذلك يخالف آيات القرآن وأحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما اعترف به رشيد رضا .. كما أنه يستلزم لوازم كبيرة لا يمكن الالتزام بها .. وتفصيلها خارج عن بحثنا ..

وقبل هذا وذاك : أين الدليل على هذا الكلام من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فالخليفة عمر قال ذلك ولم يسنده الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحتى لو أسنده إليه فنحن مأمورون من النبي أن لا نقبل عنه ما خالف كتاب الله تعالى لأنه لا يقول ما خالف كتاب الله! ولا يمكننا أن نفسر ما هم فيها بخارجين بأنهم يخرجون منها!

وأما كعب الأحبار فهو يتحدث من عنده بدون إسناد ، ونادرا ما يسند الحديث الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد يقول وجدت في كتب الله تعالى! وهذا إسناد لا يمكن لعالم أن يقبله! إن كعبا يتحدث عن السماوات والأرضين كأنه تجول فيها .. وعن

٤٣٧

أوضاع وأحوال الآخرة والحساب والعقاب والجنة والنار .. وعن خلق الله تعالى وأفعاله كأنه سكرتيره! فكيف يجوز لنا أن نقبل رواياته ولم تثبت عندنا نبوته! ولا نص النبي على صدق قوله وحجيته علينا ..؟!

هل تسربت روايات التجسيم من كعب؟

روى السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٣٠٥ في تفسير قوله تعالى عن نبيه داود على نبينا وآله وعليه‌السلام : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ ...) عن السدي بن يحيى قال حدثني أبو حفص رجل قد أدرك عمر بن الخطاب أن الناس يصيبهم يوم القيامة عطش وحر شديد فينادى المنادي داود فيسقى على رءوس العالمين ، فهو الذي ذكر الله (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) ، ثم روى عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ذكر يوم القيامة فعظم شأنه وشدته قال ويقول الرحمن لداود عليه‌السلام : مرّ بين يدي ، فيقول داود يا رب أخاف أن تدحضني خطيئتي ، فيقول : خذ بقدمي فيأخذ بقدمه عزوجل فيمر. قال فتلك الزلفى التي قال الله (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) انتهى ، ورواه في كنز العمال ج ٢ ص ٤٨٨.

ونحن لا نعرف مدى صحة هذه الرواية عن الخليفة ، فإن صحت فلا بد أن يكون أصلها من ثقافة كعب اليهودية التي تنص على تجسم الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وتعطي لنبي الله داود على نبينا وآله وعليه‌السلام مقاما يكاد يكون فوق مقام كل الأنبياء! وكذلك ينبغي لعلماء إخواننا السنة أن ينقدوا روايات طقطقة العرش وصريره وأطيطه وأزيزه من ثقل الله تعالى .. لأنها تستوجب أن يكون وجوده تعالى داخل الزمان والمكان ، مع أنه ليس كمثله شىء ، وهو الذي خلق المكان ، وبدأ شريط الزمان .. فهو متعال عن صفات المكين والزمين .. وما دام العرش مخلوقا تحمله الملائكة كما نص القرآن الكريم ، فيستحيل أن يكون الله تعالى عليه أوفيه ، بل يمكن أن يكون بتعبير عصرنا شبيه السنترال الذي يدار منه الكون. وإدارة الكون المادي لا تستلزم أن يكون الله تعالى وجودا ماديا .. الى آخر مسائل تنزه وجوده سبحانه عن شبه مخلوقاته ، وعن أن يحويه مكان أو يحكمه زمان!

٤٣٨

تفسير كعب للأئمة الانثي عشر الموعودين

ومن طرائف ما وجدت من أخبار كعب خبر يدل على قراءته للتوراة ، فقد روى ابن الأثير في البداية ج ٦ ص ٢٨١ عن نعيم ابن حماد المتوفى سنة ٣٢٧ ، ولعلي رأيت ذلك في مخطوطة كتابه (الفتن) في نسخة مصورة من المتحف البريطاني ، وليست الآن عندي ـ قال : حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن أبي المنهال عن أبي زياد عن كعب قال : إن الله وهب لإسماعيل من صلبه اثني عشر قيما ، أفضلهم أبو بكر وعمر وعثمان). وهو يقصد ما ورد في العهد القديم ـ الا صحاح السابع عشر (وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا. اثني عشر رئيسا يلد ، وأجعله أمة كبيرة). وقد ترجمها كعب (قيما) وترجمها ناشرو التوراة (رئيسا) وذكر بعض أهل الخبرة أن ترجمتها الصحيحة (إماما) فيكون تأييدا لأحاديث الأئمة الاثني عسر من أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا ندري من أين أتى كعب بتطبيق النص على أبي بكر وعمر وعثمان؟ ويظهر أنه حدث بذلك في زمن معاوية ، ولذلك لم يذكر معهم عليا عليه‌السلام؟!

معنى تعصب كعب للشام ضد الحجاز والعراق!

روى في كنز العمال ج ١٤ ص ١٤٨ ثلاث روايات عن مسند عمر ، تقول أولاها : (... عن الهيثم بن عمار قال : سمعت جدي يقول : لما ولي عمر بن الخطاب زار أهل الشام فنزل بالجابية ... فبلغ أهل العراق أنه زار أهل الشام فكتبوا إليه يسألونه أن يزورهم كما زار أهل الشام ، فهم أن يفعل فقال له كعب : أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تدخلها! قال : ولم؟ قال : فيها عصاة الجن وهاروت وماروت يعلمان الناس السحر ، وفيها تسعة أعشار الشر وكل داء معضل ، قال عمر : قد فهمت كل ما ذكرته غير الداء المعضل فما هو؟ قال : كثرة الأموال ، هو الذي ليس له شفاء ، فلم يأتها عمر ـ كر). ونحوه في ص ١٧٣ حديث رقم ٣٨٢٧٩ ورقم ٣٨٢٨٠. وفي كنز

٤٣٩

العمال ج ١٤ ص ١٤٣ (عن قتادة وغيره أن عمر بن الخطاب قال لكعب : ألا تتحول الى المدينة فيها مهاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقبره! فقال كعب : يا أمير المؤمنين! إني وجدت في كتاب الله المنزل أن الشام كنز الله من أرضه ، فيها كنز من عباده ـ كر) انتهى.

وينبغي للباحث أن يتثبت بشكل عام من الأحاديث المتضمنة مدح بلدان وأقوام أو ذمهم ، لأن دواعي الوضع فيها قوية .. وبلاد الشام قديما تشمل سورية وفلسطين ولبنان والأردن ، وأكثر أحاديث فضلها وتفضيلها غير مسندة الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل هي من كلام كعب وحزبه ومعاوية وحزبه ، وقليل منها مسند!

ومع أن كعب الأحبار من أهل اليمن ، ومع أنه أسلم كما يقول ، ولكنه ظل يتبنى روايات اليهود والنصارى في تفضيل منطقة أنبيائهم على مكة والمدينة والعراق ، وقد اتفق هدف الأمويين مع هدف هؤلاء في هذا الموضوع ، خاصة في مدح الشام وذم العراق! وقد يكون سبب ذم كعب الشديد للعراق وإصراره على ثني عزم الخليفة عمر عن زيارته ، أن الصحابة الذين كانوا في الكوفة كانوا متشددين ضد اليهود والنصارى أكثر من الذين في المدينة ، مضافا الى أن ثقل قبائل اليمن المسلمين كانوا في الكوفة ، وهم يعرفون كعبا وأسرته وتاريخه .. فخشي كعب أن يؤثروا على مكانته عند الخليفة!

شهادة كعب للنميري بأنه ذهب الى الجنة ورجع!

قال الحموي في معجم البلدان ج ٤ ص ٣٨٦ (القلت : قال هشام بن محمد : أخبرني ابن عبد الرحمن القشيري عن امرأة بن حباشة النميري قالت خرجنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أيام خرج الى الشام فنزلنا موضعا يقال له القلت ، قالت : فذهب زوجي شريك يستقي فوقعت دلوه في القلت فلم يقدر على أخذها لكثرة الناس فقيل له : أخر ذلك الى الليل ، فلما أمسى نزل الى القلت ولم يرجع فأبطأ وأراد عمر الرحيل فأتيته وأخبرته بمكان زوجي فأقام عليه ثلاثا وارتحل في الرابع ، وإذا شريك قد

٤٤٠