تدوين القرآن

الشيخ علي الكوراني العاملي

تدوين القرآن

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

ثم قال يا أيها الناس ليبلغ الشاهد منكم الغائب. (وقال الراوي) فأدنوا نبلغكم كما قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. رواه البزار ورجاله موثقون).

وفي كنز العمال ج ١٠ ص ٢٢٤ (إني أحدثكم الحديث فليحدث الحاضر منكم الغائب ـ طب ـ عن عبادة بن الصامت).

وقال في ص ٢٢٩ (إني أحدثكم بحديث فليحدث الحاضر منكم الغائب (الديلمي ـ عن عبادة بن الصامت).

نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها عني فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه الى من هو أفقه منه (حم ، ه ، ص ـ عن أنس ، الخطيب ـ عن أبي هريرة ، طب ـ عن عمير بن قتادة الليثي ، طس ـ عن سعد ، الرافعي في تاريخه ـ عن ابن عمر) انتهى ، وقد أورد تحت الأرقام التي بعده نحو ثلاثين رواية بألفاظه أو مضمونه أو تأييده .. فهذه المجموعة تؤكد حكما شرعيا وفريضة في أعناق الصحابة ، هي وجوب تبليغ ما سمعوه من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله .. فهل يصح أن نحرفها فنقول : أيها المسلمون ليبلغ الشاهد منكم الغائب إلا إذا نهاكم فلان أو فلان فانتهوا ولا تبلغوا!!

أحاديث : من حفظ على أمتي أربعين حديثا

روى في كنز العمال ج ١٠ ص ١٥٨ (من حفظ على أمتي أربعين حديثا من سنتي أدخلته يوم القيامة في شفاعتي ـ ابن النجار ـ عن أبي سعيد.

من حمل من أمتي أربعين حديثا بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما ـ عن أنس).

وفي ص ١٦٤ (من تعلم أربعين حديثا ابتغاء وجه الله تعالى ليعلم به أمتي في حلالهم وحرامهم حشره الله يوم القيامة عالما ـ أبو نعيم ـ عن علي).

وفي ص ٢٢٤ (من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما ـ عد في العلل ـ عن ابن عباس عن معاذ ، حب في الضعفاء ـ عن ابن عباس ، عد وابن عساكر من طرق ـ عن أبي هريرة ، ابن الجوزي ـ عن أنس.

من حفظ على أمتي أربعين حديثا فيما ينفعهم من أمر دينهم بعث يوم القيامة من العلماء ، وفضل على العالم على العابد سبعين درجة ، الله أعلم بما بين كل

٤٠١

درجتين ـ ع ، عد ، هب ـ عن أبي هريرة). ونحوه الأحاديث التي بعده الى رقم ٢٩١٩٢) انتهى.

ومن المعلوم لمن عرف أسلوب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولمح مقاصده الشريفة أن هدفه من الترغيب في حفظ أربعين حديثا أن تصل أحاديثه وما أوحاه الله اليه الى أوسع نطاق من الأمة والعالم ، وأن يحفظ العلماء والطلبة هذه الأحاديث ويلقوها على الناس ويشرحوها لهم. سواء كان ذلك بتحفيظها أو تكتيبها أو تدوينها ، بل بمختلف الوسائل المناسبة المتجددة في كل عصر. فهل ينسجم ذلك مع سياسة تغييب السنة ومنع التدوين والتحديث والعقوبة عليهما؟!

الخسارة العظمى

إن كل مسلم ، وكل عاقل من أي دين كان ، يدرك أن قرار منع تدوين السنة سبب خسارة كبرى للبشرية ، وضيع على المسلمين ثروة لا تعوض ، وأفقدنا عشرات الألوف من أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .. ثم أفقد الأجيال القدرة الكافية على تمييز الصحيح من المكذوب والدقيق من الموهوم في الأحاديث الموجودة!

ومن الطبيعي أن هذه الخسارة العلمية قد استوجبت في تاريخ الأمة وتاريخ البشرية خسارات أعظم .. حتى ليمكن القول : إنه لو دونت سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاته مباشرة لأثرت على كثير من المفاهيم والأحكام ولأحدثت تغييرا مستمرا في تاريخ الأمة الى الأحسن .. ولما واجهت الأمة انهيارات كبرى كان آخرها نهاية الدولة الإسلامية العثمانية هذه النهاية الذليلة على يد الغربيين!!

إن الذين يهونون من حجم الخسارة التي أصابت الأمة بسبب سياسة منع الحديث لم يلتفتوا الى أنه رب حديث واحد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لو دونه المسلمون وتسالم جيلهم الأول عليه ، لأوقف أنهارا من الدماء في صراعات المسلمين الداخلية! ولم يلتفتوا الى أن بعض الصراعات لو أوقفت في مقطعها التاريخي الحساس لتغير مجرى تاريخ المسلمين .. ومن ثم تاريخ العالم!

٤٠٢

لذلك لا يمكن التهرب من الاعتراف بأن حجم الخسارة من عدم تدوين السنة خسارة عظمى لا يمكن تقديرها بدقة! ويكفينا أن نتصور أن السنة شروح القرآن وتفاصيله فهي شطر الدين ، فخسارة تدوينها خسارة لوضوح وفاعلية شطري الدين معا!!

نعم ، نحمد الله تعالى حيث وصلنا الكثير الكثير من سنة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله. ولكنه عند إخواننا لا يزيد عن شذرات محتوتة مخلوطة ، أو جواهر مهربة من الكنز الأصلي!!

نتائج القرارات على نفس السنة

١ ـ كانت النتيجة أن روايات السنة التي ارتضتها السلطة استثنيت من المنع ، وأخذت طريقها الى الرواية .. ثم الى التدوين!

٢ ـ وكانت النتيجة أن كعب الأحبار وجماعته ، وتميما الداري وجماعته ، صدرت لهم إجازة رسمية بأن يحدثوا الناس في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومساجد بلاد المسلمين بأحاديث اليهود والنصارى .. بينما أمثال عليّ باب مدينة علم النبي ، وأبو ذر أصدق من عليها ، وحذيفة بن اليمان أمين رسول الله وصاحب سره .. ممنوعون من الرواية!

٣ ـ وكانت النتيجة أن دولة عثمان ودولة بني أمية بعده تبنت قرارات عمر وسياسته في منع الحديث والعقوبة عليه مدة قرن من الزمان .. ثم أجازت تدوين الحديث المسموح به فقط ، للمسموح لهم فقط ، وبشرط أن تدون أحاديث النبي وأحاديث عمر معا جنبا الى جنب!!

لقد أمضى الخليفة عمر شهرا وهو يفكر ويستخير الله في تدوين السنة ، ثم خرج بقرار عدم التدوين .. ولكن المقلدين له فكروا واستخاروا الله قرنا من الزمان حتى سمحوا بأن تدون للأمة سنة نبيها تحت نظرهم ، واشترطوا أن تكون معها سنة عمر!

٤ ـ وكانت النتيجة أن سنة النبي صارت سنتين : سنة مسموحة متبناة من الدولة تشجعها وتروجها في جماهير الأمة وعوامها .. وسنة ممنوعة ترويها المعارضة على خوف ووجل وتكذيب ومطاردة!

٤٠٣

٥ ـ وكانت النتيجة أن الدولة التي رفعت في وجه النبي شعار (رفض السنة والاكتفاء بالقرآن) ثم وقفت ضد تدوين السنة وضد روايتها .. صارت هي دولة السنة ، وصار أتباعها (أهل السنة والجماعة) أما أولئك الذين جاهدوا من أجل تبليغ سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتدوينها ، وتحملوا اضطهاد الحكومات لتحديهم سياسة منع التحديث عن نبيهم .. فقد صاروا أعداء أهل السنة وخارجين عن جماعة المسلمين .. كما صاروا من قبل منكرين للقرآن!!

لا تسأل كيف صار ذلك ، بل انظر الى السياسة والأعلام في عصرك .. أما تراهما يجعلان الأبيض أسود كالليل ، والفحم أبيض كالثلج .. وكذلك فعلا في التاريخ!!

موقف أهل البيت عليهم‌السلام من المسألة

وقف علي عليه‌السلام وشيعته ضد سياسة منع الحديث وكان يأمر من يطيعه بالتحديث والتدوين ، ويروي لهم أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتحديث عنه وتدوين حديثه الشريف .. وعلى خطه سار الأئمة من أبنائه عليهم‌السلام ..

روى في كنز العمال ج ١٠ ص ٢٦٢ (... عن علي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أكتبوا هذا العلم فإنكم تنتفعون به إما في دنياكم وإما في آخرتكم ، وإن العلم لا يضيع صاحبه ـ الديلمي).

وروى ابن شهرآشوب في الاحتجاج ج ١ ص ٤٢ (... ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معشر المسلمين واليهود : أكتبوا بما سمعتم ، فقالوا : يا رسول الله قد سمعنا ووعينا ولا ننسى. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الكتابة أذكر لكم). وروى في الكافي ج ١ ص ٥٢ (عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله (الصادق) عليه‌السلام يقول : أكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا.

... عن عبيد بن زرارة قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها).

٤٠٤

وفي الكافي ج ١ ص ٤١ (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تذاكروا وتلاقوا وتحدثوا ، فإن الحديث جلاء للقلوب ، إن القلوب لترين كما يرين السيف وجلاؤها الحديث).

وفي الكافي ج ١ ص ٥٧ (... عن سماعة بن مهران ، عن أبي الحسن موسى (الكاظم) عليه‌السلام قال قلت : أصلحك الله إنا نجتمع فنتذاكر ما عندنا فلا يرد علينا شىء إلا وعندنا فيه شىء مسطر وذلك مما أنعم الله به علينا بكم ، ثم يرد علينا الشيء الصغير ليس عندنا فيه شىء فينظر بعضنا الى بعض ، وعندنا ما يشبهه فنقيس على أحسنه؟ فقال : وما لكم وللقياس؟ إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس ، ثم قال : إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به ، وإن جاءكم ما لا تعلمون فها ، وأهوى بيده الى فيه (أي اسكتوا) ... فقلت : أصلحك الله أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس بما يكتفون به في عهده؟ قال : نعم وما يحتاجون إليه الى يوم القيامة ، فقلت : فضاع من ذلك شىء؟ فقال : لا هو عند أهله!

... عن أبان ، عن أبي شيبة قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ضل علم ابن شبرمة عند الجامعة ، إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخط علي عليه‌السلام بيده! إن الجامعة لم تدع لأحد كلاما ، فيها علم الحلال والحرام. إن أصحاب القياس طلبوا العلم بالقياس فلم يزدادوا من الحق إلا بعدا ، إن دين الله لا يصاب بالقياس) انتهى.

ملاحظة : بعد كتابة هذا الفصل اطلعت على كتاب (تدوين السنة) للعلامة الباحث السيد محمد رضا الجلالي الحسيني وهو كتاب غني بل أشمل ما كتب في هذا الموضوع.

* * *

٤٠٥
٤٠٦

الفصل العاشر

موقف إخواننا السنة

من الثقافة اليهودية

٤٠٧
٤٠٨

احترام عرب الجاهلية للثقافة اليهودية

كان اعتداد العرب بقوميتهم ووثنيتهم في الجاهلية اعتدادا قويا الى حد التعصب ، ولم يكونوا يحترمون اليهود كأمة ولكنهم كانوا يحترمون علماءهم وثقافتهم ويرجعون إليهم في العديد من مسائل التاريخ والتنبؤ بالمستقبل والأمور الروحية.

بل كان الكثير من عرب الجاهلية يعيشون حالة الانهزام أمام الثقافة اليهودية .. لأن اليهود أصحاب كتاب سماوي وعلماء وأنبياء ، والعرب أميون وثنيون ، وإن بقيت عندهم بقايا من دين إبراهيم ، واشتركوا مع اليهود في الانتساب الى جدهم الأعلى إبراهيم عليه‌السلام.

والشواهد على ذلك من مصادر التاريخ والتفسير والحديث والفقه كثيرة ، نكتفي منها بالنص التالي الذي يدل على أن تأثيرات الثقافة اليهودية بقيت حتى بعد بعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحتى على ذهن زوجته عائشة وأبيها الخليفة أبي بكر! روى مالك في الموطأ ج ٢ ص ٩٤٣ (عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي ، ويهودية ترقيها! فقال أبو بكر : ارقيها بكتاب الله).

وقال في كتاب الأم للشافعي ج ٧ ص ٢٤١ (باب ما جاء في الرقية. سألت الشافعي عن الرقية فقال : لا بأس أن يرقي الرجل بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله. قلت أيرقي أهل الكتاب المسلمين؟! فقال نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله أو ذكر

٤٠٩

الله ، فقلت وما الحجة في ذلك؟ قال غير حجة ، فأما رواية صاحبنا وصاحبك فإن مالكا أخبرنا عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر ارقيها بكتاب الله. فقلت للشافعي فإنا نكره رقية أهل الكتاب ، فقال : ولم وأنتم تروون هذا عن أبي بكر ، ولا أعلمكم تروون عن غيره من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلافه. وقد أحل الله جل ذكره طعام أهل الكتاب ونساءهم ، وأحسب الرقية إذا رقوا بكتاب الله مثل هذا أو أخف) انتهى. ورواه البيهقي في سننه ج ٩ ص ٣٤٧ ، كما روى أن امرأة عبد الله بن مسعود كانت تذهب بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى يهودي لرقية عينها.

وقال النووي في المجموع ج ٩ ص ٦٤ (فرع في جواز الرقية بكتاب الله تعالى وبما يعرف من ذكر الله ... وروى البيهقي بإسناده الصحيح عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت : دخل أبو بكر رضي الله عنه عليها وعندها يهودية ترقيها فقال : ارقيها بكتاب الله عزوجل. وبإسناده الصحيح عن الربيع بن سليمان قال (سألت الشافعي عن الرقية ...) الى آخر ما تقدم ، انتهى.

يلاحظ على هذه الفتوى المجمع عليها عند إخواننا السنيين ، أن الخليفة أبا بكر لم ينه عائشة عن هذا العمل ، وإنما طلب من المرأة اليهودية باحترام أن ترقيها ببعض آيات القرآن ، باعتبار أن ذلك أفضل من الأدعية التي تقرؤها من عندها ، أو أراد منها أن تضم الى أدعيتها آيات من القرآن ليكون ذلك أرجى لشفاء بنته ..! هذا إذا كان مقصوده بكتاب الله : القرآن ، وإلا فيكون قصده : ارقيها بنص من التوراة ، لا بدعاء من عندك! فتعبير كتاب الله كان يتبادر منه عند ما يطلق في ذلك الوقت : التوراة!

وبذلك يتضح أن الشرط الذي شرطه الشافعي وغيره لما يجب أن يقرأه اليهودي أو النصراني في رقية المسلم لا أساس له في الرواية. وغاية ما يمكن استفادته منها أن الأحسن للمسلم أن يطلب من الكتابي أن يقرأ على مريضه شيئا من (القرآن) .. خاصة وأن الذي يكلف أحدا أن يرقي مريضه لا يملي عليه ما ذا يقرأ عليه ، لأنه لا يكلفه بالرقية إلا وهو معتقد بأنه عبد صالح قريب الى الله تعالى ، فهو أعرف بما يقرأ عليه!

٤١٠

كما يلاحظ استغراب السائل لهذه الرواية والفتوى! فأجابه الشافعي بأن الرواية صحيحة ولم يصل إلينا استنكار أحد من الصحابة لعمل عائشة وإقرار أبي بكر. والقاعدة عند إخواننا أنه إذا فعل الصحابي شيئا فهو جائز وحجة على غيره ، إلا إذا عارضه صحابي آخر ، ويشترط أن يكون الصحابي المعارض من الصحابة الذين تؤثر معارضتهم عند الإخوة السنيين .. فبعض الصحابة عندهم لا تضر معارضتهم ، وبعضهم تضر!

ثم أراد الشافعي أن يقنع المعترض أكثر فقاس الرقية على حلية طعام أهل الكتاب وحلية الزواج منهم ، ولكنه قياس مع الفارق ، لأن أكل طعامهم والتزوج منهم ليس اعترافا بعقائدهم وثقافتهم .. بينما الرقية في أقل مدلولاتها احترام لثقافة الراقي الروحية ، واعتراف بصلاحه عند الله تعالى! وكان الأجدر بمثل الشافعي أن يقول : إن هذا النوع من العمل الذي كانت تقوم به عائشة وأمثالها من نساء قريش أو الأنصار ، لم يثبت إمضاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله له ، وبملاحظة آيات القرآن الحاسمة في أمر اليهود والنصارى ، وأحاديثه هو صلى‌الله‌عليه‌وآله .. فإن من البعيد أن يمضيه. واحتمال إمضاء النبي لا يكفي في إثبات المشروعية ، فاحتط لدينك واتركه.

على أي حال ، كان الجو العام عند نساء قريش في الجاهلية وعند نساء الأنصار أيضا أنهن يحترمن الثقافة اليهودية ، وكذلك رجالهن ، بل يوجد نص عن ابن عباس أنه كان يوجد في الأنصار جو تقليد ثقافي لليهود. ويبدو أن رواسب من ذلك بقيت في أذهان البعض حتى بعد الإسلام!

الخليفة عمر واليهود

إن معرفة هذا الجو في الجزيرة من التأثر العام بثقافة اليهود ، تمكننا من تفسير مواقف الخليفة عمر تجاه الثقافة اليهودية .. فقد كان من صغره قبل الإسلام يحترم هذه الثقافة كثيرا ، وتدل عدة نصوص على أنه استمر على احترامها حتى وهو الى جانب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم عند ما صار خليفة.

٤١١

وبهذا نفهم سبب احترامه لكعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام .. وأمثالهم من اليهود الذين أعلنوا دخولهم في الإسلام .. وتميم الداري وأمثاله من النصارى الذين دخلوا في الإسلام .. وكذا ثقته بما عند علماء اليهود والنصارى من كتب وتاريخ وتنبؤات واستنتاجات عن المستقبل! وينبغي للباحث في هذا الموضوع أن يعرف المقومات الأساسية لشخصية الخليفة عمر ..

فهو أولا ، عربي معتز بقوميته الى حد أنه يرى أن المخاطب بقوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ..) هم العرب خاصة! قال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٩٨ (وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب أن هذه الآية في الحجرات (إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) ، هي مكية وهي للعرب خاصة. الموالي أي قبيلة لهم؟ وأي شعاب؟ وقوله (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) ، قال : أتقاكم للشرك) انتهى.

وعلى تفسير الخليفة فإن الآية لا تساوي بين العرب وغيرهم كما فهم منها المسلمون. ولعله لذلك أفتى بأنه لا ملك على عربي وبأن العرب لهم أن يتزوجوا من الأمم الأخرى ولكن ليس لهم أن يزوجوهم ، لأن العربية لا كفؤ لها إلا العربي .. الى آخر فتاواه وقراراته في هذا المجال.

وهو ثانيا : قرشي يحب قريش ويعتز بها اعتزازا شديدا .. حتى بالطلقاء وقادة الأحزاب بعد انهزامهم وإسلامهم .. فيقول عن معاوية : كسرى العرب ، وعن أبي سفيان : سيد العرب! بل يثقل عليه يوم فتح مكة أن يدخل أنصاري براية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يتحدى قادة الأحزاب من قريش في عقر دارهم .. فقد روى البيهقي في سننه ج ١٠ ص ٢٢٨ (... عن أنس قال دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة فقام أهلها سماطين ينظرون الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإلى أصحابه قال وابن رواحة يمشي بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال ابن رواحة :

خلوا بني الكفار عن سبيله

فاليوم نضربكم على تنزيله

ضربا يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

يا رب إني مؤمن بقيله

٤١٢

(فقال عمر رضي الله عنه : يا ابن رواحة أفي حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر!! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : مه يا عمر ، فوالذي نفسي بيده لكلامه هذا أشد عليهم من وقع النبل)!

وروى نحوه الترمذي في سننه ج ٤ ص ٢١٧ ، والذهبي في سير أعلام النبلاء ج ١ ص ٢٣٥

وعلى هذا الأساس يجب أن نعرف أن إعجاب الخليفة عمر بالثقافة اليهودية لا يتنافى في نظره مع عروبته وقرشيته بل يخدمهما .. وقد كان تقريبه لكعب الأحبار وتميم الداري وغيرهما ، مشروطا بأن يحترموا العرب وخاصة قريش .. فإذا شعر منهم انتقاصا للعرب أو لقريش لم يتردد في اتخاذ الموقف الحاسم منهم .. وقد عنّف كعب الأحبار وتميما الداري أكثر من مرة.

إنها نظرة مركبة الى اليهود من عناصر متعددة في ذهنية الخليفة ، وقد نتجت عنها هذه السياسة المركبة مع اليهود ، ومع أن فيها مواقف مضادة لهم لكنها على العموم كانت ترضيهم. وقد روت المصادر المحبة للخليفة مواقفه الدالة على هذه السياسة ، وروت أن بعض مواقفه جاء على شكل اندفاع خطير منه لإدخال الثقافة اليهودية في الإسلام ، فنهاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مرات متعددة عن ذلك .. ثم ذات يوم غضب النبي منه غضبا شديدا ودعا المسلمين الى اجتماع طارئ ليحذرهم من خطورة ما يريده عمر وأصحابه!

كان عمر في زمن النبي يدرس عند اليهود!

روى في كنز العمال ج ٢ ص ٣٥٣ (من مسند عمر رضي الله عنه عن الشعبي قال : نزل عمر بالروحاء ، فرأى ناسا يبتدرون أحجارا فقال : ما هذا؟ فقالوا يقولون إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى الى هذه الأحجار ، فقال : سبحان الله ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا راكبا ، مر بواد فحضرت الصلاة فصلّى!

ثم حدث فقال : إني كنت أغشى اليهود يوم دراستهم ، فقالوا : ما من أصحابك أحد أكرم علينا منك لأنك تأتينا ، قلت وما ذاك إلا أني أعجب من كتب الله كيف

٤١٣

يصدق بعضها بعضا ، كيف تصدق التوراة الفرقان والقرآن التوراة ، فمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا أكلمهم يوما ، فقلت نعم ، فقلت أنشدكم بالله وما تقرءون من كتابه أتعلمون أنه رسول الله؟ قالوا : نعم فقلت : هلكتم والله ، تعلمون أنه رسول الله ثم لا تتبعونه؟! فقالوا لم نهلك ولكن سألناه من يأتيه بنبوته؟ فقال : عدونا جبريل لأنه ينزل بالغلظة والشدة والحرب والهلاك ونحو هذا ، فقلت : ومن سلمكم من الملائكة؟ فقالوا : ميكائيل ، ينزل بالقطر والرحمة وكذا ، قلت وكيف منزلتهما من ربهما؟ قالوا : أحدهما عن يمينه ، والآخر من الجانب الآخر. فقلت إنه لا يحل لجبريل أن يعادي ميكائيل ولا يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل ، وإني أشهد أنهما وربهما سلم لمن سالموا وحرب لمن حاربوا. ثم أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنا أريد أن أخبره ، فلما لقيته قال : ألا أخبرك بآيات أنزلت علي؟ فقلت : بلى يا رسول الله فقرأ : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ..) حتى بلغ (الكافرين) قلت يا رسول الله والله ما قمت من عند اليهود إلا إليك لا خبرك بما قالوا لي وقلت لهم ، فوجدت الله قد سبقني ، قال عمر : فلقد رأيتني وأنا أشد في دين الله من الحجر ـ ق وابن راهويه وابن جرير وابن أبي حاتم) وسنده صحيح لكن الشعبي لم يدرك عمر ، وروى سفيان بن عيينة في تفسيره عن عكرمة نحوه ، وله طرق أخرى مرسلة تأتي في المراسيل) انتهى.

وفي أسباب النزول للسيوطي ج ١ ص ٢١ أن عمر كان يأتي اليهود فيسمع منهم التوراة.

وينبغي هنا نشير الى أن ضعف السند في بعض الأحيان لا يضر بالاطمئنان بالرواية .. فعند ما لا يكون للرواة ولا لجوهم العام الذي هو جو السلطة أو جو المعارضة ، غرض في جعل الرواية ، أو لا يستطيع الرواة أن يجعلوا الرواية حتى لو أرادوا ذلك .. وتكون القرائن من أحاديث أخرى أو من التاريخ تؤيد مضمون الرواية .. فإن ذلك يدل على أن الرواية لم تولد من فراغ ، بل جاءت من واقع كان له نحو من الوجود .. وهذه الرواية من ذلك النوع الذي لا مصلحة للرواة الذين رووها في وضعها ، بل لو أرادوا أن يضعوها عن لسان الخليفة لما استطاعوا!

٤١٤

هذا مضافا الى شهادة بعض علماء إخواننا بصحة سندها ، وهم يقبلون من الشعبي رواياته عن عمر حتى لو لم يذكر الواسطة بينه وبينه.

ونلاحظ في الرواية أن هدف الخليفة منها أن يقول إن اتخاذكم مصلّى من مكان مر عليه النبي وصلّى فيه هو من الغلو! فإنما هو راكب مر بمكان وصلّى فيه! ومع احترامي له فإني أحدثكم عن نفسي كيف ناقشت اليهود فنزل كلامي معهم آية في القرآن ..!

ومما يساعد على أن الخليفة كان يدرس عند اليهود ، أن بيته كان في عوالي المدينة قريبا من بني قريظة ، وكان (بيت المدارس) لليهود في العوالي .. فبعض الروايات تقول إن الخليفة عمر بسبب بعد منزله مقدار ساعة أو ساعة ونصف عن وسط المدينة ، كان يذهب الى مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كل يومين مرة .. فقد روى البخاري ج ١ ص ٣١ (... عن عمر قال كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة ، وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره وإذا نزل فعل مثل ذلك فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته ...) وروى نحوه في ج ٨ ص ٤ ورواه البيهقي في سننه ج ٧ ص ٣٧.

وقد نهاه النبي عن حضور دروسهم!

قال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ١٤٨ :

(وأخرج البيهقي وضعفه عن عمر بن الخطاب قال سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن تعلم التوراة فقال لا تتعلمها وآمن بها وتعلموا ما أنزل اليكم وآمنوا به!!). ورواه في كنز العمال ج ١ ص ٣٧٠

وقد يكون تضعيف البيهقي للحديث من ناحية فنية بسبب رواته .. وقد يكون بسبب مضمونه وأنه لم يثبت النهي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تعلم التوراة .. ومن البعيد أن يكون تضعيفه له لاستبعاد أن الخليفة عمر استأذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أن يدرس التوراة!

٤١٥

واقترح على النبي أن يكتب الصحابة أحاديث اليهود!

قال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ١٤٨ :

وأخرج ابن الضريس عن الحسن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يا رسول الله إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا ، وقد هممنا أن نكتبها!! فقال يا ابن الخطاب أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى! أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، ولكني أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الحديث اختصارا!) انتهى.

وهذه الرواية لم يضعفها ابن الضريس .. وهي تدل على أن الخليفة عمر لم يكن وحده مغرما بثقافة اليهود ، بل معه آخرون من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله! وأنهم بلغ إعجابهم بأحاديث اليهود أنهم فكروا أن يكتبوها! وقد يكونوا كتبوها بالفعل ، لكنهم أرادوا إمضاء النبي لعملهم!

ويدل طلبهم هذا فيما يدل ، على أن التدوين في مفهوم العرب كان يعني القبول والإعجاب ، وأن كل ما يأخذ بقلب الإنسان لبلاغته أو صدقه ، فهو يستحق الكتابة والتدوين ليحفظ ويستفاد منه .. إلا سنة النبي المظلوم صلى‌الله‌عليه‌وآله!!

مهما يكن ، فقد كان منزل عمر مجاورا ليهود بني قريظة ، وكان يحضر درسهم أو درس غيرهم ، وكان هو وأصحابه يستمعون الى أحاديثهم بإعجاب .. ولا بد أن اليهود اهتموا بهؤلاء التلاميذ الذين لم يحصلوا على مثلهم من الأنصار ، وخصصوا لهم مدرسا أو أكثر باللغة العربية ، لأن تدريسهم لبعضهم ومراسمهم كانت بالعبرية! ولما رأوا إعجاب عمر ورفقائه بدروسهم أرادوا أخذ الاعتراف من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بثقافتهم ، فقالوا للخليفة عمر وجماعته أطلبوا من نبيكم أن يأذن لكم بكتابة أحاديثنا .. فطلب عمر من النبي ذلك!!

ولا بد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رفض هذا الاقتراح ولم يأذن لعمر أو غيره بكتابة أحاديث اليهود! لأن الذين ضلوا ولم يستطيعوا هداية أنفسهم لا يمكنهم هداية غيرهم ، كما جاء في نهيه الآتي صلى‌الله‌عليه‌وآله للمسلمين أن يسألوهم عن شىء!!

٤١٦

ولعل استئذان عمر بدراسة التوراة كان بعد نهي النبي له عن كتابة ثقافتهم ، ومعنى هذا الطلب أننا لا ندرس أحاديثهم ولا نكتبها ، لكن اسمح لنا بدراسة التوراة المنزلة على موسى! فيكون ذلك حركة من اليهود لأخذ اعتراف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشرعية توراتهم المحرفة ، وتعميم دراستها على المسلمين ، بعد أن يئسوا من الاعتراف بثقافتهم ككل!! ولا بد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رفض هذا الاقتراح أيضا ولم يأذن لعمر أو غيره بدراستها!!

لكن تدل الروايات على أن علاقة عمر بقيت قائمة مع اليهود ومستمرة ، لأن اقتراحاته لمصلحة الثقافة اليهودية تواصلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأشكال متعددة ، لأخذ الاعتراف منه بشرعية التوراة .. وبالطبع فشلت كلها!!

والظاهر أن عمر واصل التلقي منهم ، لأنهم حسب اجتهاده أصحاب كتاب إلهي وعلوم دينية ، وينبغي أن يستفيد من علومهم الى علمه الذي يتعلمه من هذا النبي المبعوث من قريش ومن بني هاشم ..

ويدل على ذلك أنه بعد مجيئه بنسخ التوراة المعربة عدة مرات .. رآه النبي يوما يحمل كتابا فقال له (ما هذا في يدك يا عمر؟! فقلت يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علما الى علمنا ، فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى احمرت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة) وحضر الأنصار بالسلاح .. وكان الاجتماع التاريخي .. كما سيأتي!!

بنو قريظة عربوا التوراة وتبنى مشروعها عمر!

روى أحمد في مسنده ج ٣ ص ٤٦٩ (... عن عبد الله بن ثابت قال جاء عمر بن الخطاب الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال يا رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال فتغير وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال عبد الله : فقلت له ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال عمر : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا. قال فسري عن

٤١٧

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قال : والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم. إنكم حظي من الامم وأنا حظكم من النبيين).

ورواه أحمد في ج ٤ ص ٢٦٥

وروى الدارمي في سننه ج ١ ص ١١٥ (... عن جابر أن عمر بن الخطاب أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنسخة من التوراة فقال يا رسول الله هذه نسخة من التوراة فسكت ، فجعل يقرأ ووجه رسول الله يتغير ، فقال أبو بكر : ثكلك الثواكل ما ترى ما بوجه رسول الله! فنظر عمر الى وجه رسول الله فقال : أعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والذي نفس محمد بيده لو بدى لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل ، ولو كان حيا وأدرك نبوتي لاتبعني) انتهى. ورواه في أسد الغابة ج ٣ ص ١٢٦ وقال (رواه خالد وحريث ابن أبي مطر وزكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن ثابت بن يزيد ، ورواه هشيم وحفص ابن غياث وغيرهما عن مجالد عن الشعبي عن جابر ، أخرجه ابن مندة وأبو نعيم). وروى شبيها له مختصرا في ج ١ ص ٢٣٥ وقال (أخرجه ابن مندة وأبو نعيم) ورواه السيوطي في الدر المنثور ج ٢ ص ٤٨ عن أحمد. وفي ج ٥ ص ١٤٨ وقال (وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن الضريس والحاكم في الكني والبيهقي في شعب الإيمان). ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ١ ص ١٧٣ عن عبد الله بن ثابت ، وقال (رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح ، إلا أن فيه جابر الجعفي وهو ضعيف) انتهى ، ولكن رأيت أنه روي بطرق أخرى عن ابن ثابت وجابر .. الخ.

ما ذا يعلق الإنسان على هذه الحادثة الخطيرة؟!

وهل يمكن للباحث أن يعتبرها حادثة واحدة ، أو مزلقا واحدا أوقع اليهود فيه الخليفة عمر واستغلوا طيبته واستماعه الى أحاديثهم عن أنبيائهم وتاريخهم .. فخططوا للكيد بالإسلام ورسوله ، فرد الله كيدهم ، وانتبه الخليفة عمر الى خطئه فتاب الى الله ورسوله وقطع علاقته مع أولاد الافاعي ...؟ لو كان هذا القول ممكنا لكان حسنا!!

بنو زريق عربوا التوراة وتبنى مشروعها عمر!

روى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ١ ص ١٧٤ (عن أبي الدرداء قال جاء عمر بجوامع من التوراة الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال يا رسول الله جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زريق فتغير وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال عبد الله بن زيد الذي أري الأذان : أمسخ الله عقلك ألا ترى الذي بوجه رسول الله

٤١٨

صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟! فقال عمر : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما. فسري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالا بعيدا ، أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين. رواه الطبراني في الكبير وفيه أبو عامر القاسم بن محمد الأسدي ، ولم أر من ترجمه وبقية رجاله موثقون) انتهى.

وقد يقول المدافع عن الخليفة هنا : إنها حادثة واحدة ، وقد اشتبه الراوي فقال من بني زريق بدل بني قريظة .. ولكن الرواية التالية تقول شيئا آخر ..

يهود خيبر عربوا التوراة وتبنى مشروعها عمر!

روى في كنز العمال ج ١ ص ٣٧٢ (عن جبير بن نفير عن عمر قال : انطلقت في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أتيت خيبر فوجدت يهوديا يقول قولا فأعجبني ، فقلت : هل أنت مكتبي بما تقول؟ قال نعم ، فأتيته بأديم فأخذ يملي عليّ فلما رجعت قلت : يا رسول الله إني لقيت يهوديا يقول قولا لم أسمع مثله بعدك! فقال : لعلك كتبت منه؟ قلت : نعم قال : ائتني به فانطلقت فلما أتيته قال : أجلس اقرأه فقرأت ساعة ونظرت الى وجهه فإذا هو يتلون فصرت من الفرق لا أجيز حرفا منه ، ثم رفعته إليه ثم جعل يتبعه.

(قال في الهامش : وفي المنتخب ، ع ، وابن جرير ، قط ، في الإفراد ، طب ، وأبو نعيم .. والديلمي رسما رسما يمحوه بريقه وهو يقول لا تتبعوا هؤلاء فإنهم قد تهوكوا حتى محا آخر حرف ، حل).

وفي كنز العمال ج ١ ص ٢٠١ (حم ، ه ، عن ابن عباس) إن عمر أتى النبي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فغضب ، قال فذكره ..

لتهوكون كما تهوكت اليهود والنصارى لقد جئتكم بها بيضاء نقية لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي) انتهى.

وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ١٤٨ :

(وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر برجل يقرأ كتابا فاستمعه ساعة فاستحسنه ، فقال للرجل أكتب لي من هذا الكتاب. قال نعم ، فاشترى أديما فهيأه ثم جاء به إليه فنسخ له في ظهره وبطنه ، ثم أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجعل يقرؤه عليه وجعل وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتلون ، ضرب رجل من الأنصار بيده الكتاب وقال ثكلتك أمك يا ابن الخطاب! أما ترى

٤١٩

وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منذ اليوم ، وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب؟! فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند ذلك : إنما بعثت فاتحا وخاتما وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه واختصر لي الحديث اختصارا ، فلا يهلكنكم المتهوكون) انتهى.

وروى أحمد في مسنده ج ٣ ص ٣٨٧ (... عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه النبي ، فغضب فقال : أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شىء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به ، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني).

ورواه في مجمع الزوائد ج ٨ ص ٢٦٢ ـ عن أحمد.

وروى في ج ١ ص ١٧٤ عن (عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فغضب وقال أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شىء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسى كان فيكم حيا ما وسعه إلا أن يتبعني. رواه أحمد وأبو يعلى والبزار وفيه مجالد بن سعيد ضعفه أحمد ويحيى بن سعيد وغيرهما.

وعن جابر أيضا قال نسخ عمر كتابا من التوراة بالعربية فجاء به الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتغير فقال رجل من الأنصار ويحك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شىء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا وإنكم إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل. والله لو كان موسى بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني. رواه البزار وعند أحمد بعضه وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف اتهم بالكذب) انتهى.

وقد يقول المدافع عن الخليفة : إنها آخر مرة .. وقد تاب بعدها الخليفة الى الله ورسوله .. ولكن الروايات تقول إن طمع اليهود وصل الى بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن طريق زوجته حفصة بنت الخليفة عمر! فهل يكون طمع من هذا النوع إلا مع وجود تقبل من نوع ما؟!

اليهود عربوا قصة يوسف وتبنت مشروعها حفصة!

روى عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه ج ٦ ص ١١٣ (عن الزهري أن حفصة زوج النبي جاءت الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكتاب من قصص يوسف في كتف فجعلت تقرؤه عليه والنبي يتلون وجهه فقال : والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني لضللتم) انتهى.

٤٢٠