تدوين القرآن

الشيخ علي الكوراني العاملي

تدوين القرآن

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

يقال له : إن الله عزوجل نزه أقدار أصحاب رسوله عن ثلب قادح ، وصان أقدارهم عن وقيعة متنقص وجعلهم كالنجوم يقتدى بهم ... فالثلب لهم غير حلال ، والقدح فيهم ضد الايمان ، والتنقيص لأحدهم نفس النفاق ، لأنهم خير الناس قرنا بعد رسول الله بحكم من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

... وإن من تولى رسول الله إيداعهم ما ولاه الله بيانه الناس لبالحري من أن لا يجرح ، لأن رسول الله لم يودع أصحابه الرسالة وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب إلا وهم عنده صادقون جائزو الشهادة ، ولو لم يكونوا كذلك لم يأمرهم بتبليغ من بعدهم ما شهدوا منه ، لأنه لو كان كذلك لكان فيه قدحا في الرسالة. وكفى بمن عدله رسول الله شرفا. وإن من بعد الصحابة ليسوا كذلك ، لأن الصحابي إذا أدى الى من بعده يحتمل أن يكون المبلغ إليه منافقا ، أو مبتدعا ضالا ينقص من الخبر أو يزيد فيه ، ليضل به العالم من الناس ، فمن أجله ما فرقنا بينهم وبين الصحابة ، إذ صان الله عزوجل أقدار الصحابة عن البدع والضلال!).

وقال في ج ١ ص ٣٤ :

(ذكر بعض السبب الذي من أجله منع عمر بن الخطاب الصحابة من إكثار الحديث : حدثنا عمر بن محمد الهمداني قال : ... عن قرظة بن كعب قال : خرجنا نريد العراق فمشى معنا عمر بن الخطاب الى صرار فتوضأ ثم قال : أتدرون لم مشيت معكم؟ قالوا : نعم نحن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مشيت معنا. قال : إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل ، فلا تصدوهم بالأحاديث. جردوا القرآن ، وأقلوا الرواية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، امضوا وأنا شريككم! فلما قدم قرظة قالوا : حدثنا قال : نهانا عمر بن الخطاب.

... قال أبو حاتم (يعني نفسه ابن حبان) لم يكن عمر بن الخطاب وقد فعل يتهم الصحابة بالتقول على النبي ولا ردهم عن تبليغ ما سمعوا من رسول الله ، وقد علم أنه قال (ليبلغ الشاهد منكم الغائب) وأنه لا يحل لهم كتمان ما سمعوا من رسول الله ، ولكنه علم ما يكون بعده من التقول على رسول الله لأنه عليه‌السلام قال (إن الله تبارك وتعالى نزل الحق على لسان عمر وقلبه) وقال (إن يكون في هذه الأمة محدثون

٣٨١

فعمر منهم) فعمر من الثقات المتقنين الذين شهدوا الوحي والتنزيل ، فأنكر عليهم كثرة الرواية عن النبي). انتهى كلام ابن حبان.

ومعنى دفاعه : أنه يفتخر بأن طائفته أهل السنة قد اهتموا بتدوين السنة ، ولولاهم لضاعت السنة. ولا يصح الإشكال على الخليفة عمر بأنه لم يدون السنة بل نهى عن التدوين ، ونهى عن التحديث ، وحبس الصحابة بسبب ذلك ، وأحرق المكتوب ، وأمر ولاته في أرجاء الدولة الإسلامية أن يمحوا ما كتبه المسلمون ...! الخ.

وذلك لأن الصحابة معصومون ، بدليل أن النبي سلمهم أمانة الرسالة وأوصى بهم .. والنبي لا ينطق عن الهوى ، فأمره أمر الله تعالى ونهيه نهيه ، ومجرد تزكيته لصحابته وتسليمهم أمانة تبليغ رسالته للأجيال ، تجعلهم عدولا معصومين وتجعل عملهم حجة علينا فيجب أن نتبعهم ونقدسهم ، سواء دونوا السنة أم حرموا الأمة من تدوينها ، أم أحرقوا المدون منها. وسواء رووها أم منعوا من روايتها وعاقبوا من رواها ..!

فإن قال قائل : إنهم اختلفوا على آراء متناقضة لا يمكن الجمع بينها ، وسب بعضهم بعضا ، وحبس بعضهم بعضا ، وتبرأ بعضهم من بعض ، وقتل بعضهم بعضا ، وكفر بعضهم بعضا .. فهل يعقل أن يعطي الله ورسوله أمانة الرسالة بيد أناس من هذا النوع؟!

يقول ابن حبان : جوابنا على ذلك أنهم جميعا معصومون عن الخطأ مهما عملوا ، وإذا اختلفوا فالحق مع عمر ومن تبعه لأن الله أجرى الحق على لسان عمر! وإن اقتتلوا وتبرأ بعضهم من بعض ولعن بعضهم بعضا فيجب علينا أن نتولى عمر ومن رضي عنه عمر .. وندع الباقين ، والسّلام!

والظاهر أن مقصود إخواننا السنة بكلامهم عن فضائل الصحابة ، وعدالة الصحابة ، ووجوب حب الصحابة وموالاتهم وطاعتهم ، والبراءة ممن ينتقدهم أو يبغضهم .. إنما هو الخليفة عمر فقط ، لأنك عند ما تمدح جماعة أو تجعلهم أعضاء في هيئة ، ثم تقول : إن اختلفوا فالمقدم رأي فلان .. تكون أعطيته حق النقض لقراراتهم وأعطيته الرئاسة الكاملة عليهم ، ويكون مدحك لمجموعهم في الحقيقة مدحا لفلان بالأصالة وللبقية بالتبع! وهكذا يكون جوهر الجواب شخصية عمر ، ويكون معنى قول إخواننا السنة بتسليم أمانة الرسالة الى الصحابة : أن الله ورسوله قد سلما الرسالة الى الخليفة عمر!

٣٨٢

ويكون شعارهم (القول ما قاله عمر) نفس الشعار الذي واجه بها الصحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم يودعونه وأيدوا رأي عمر بمنع النبي من كتابة وصيته وقالوا له (القول ما قاله عمر!!).

وما ذا يملك الإنسان أمام هذه الحالة سوى أن يتذكر حسرة النبي يومذاك وقوله لهم (قوموا عني!).

دفاع الذهبي

ومن أكثر المتحمسين في الدفاع عن قرارات منع الخلفاء من الحديث والتدوين ، الحافظ الذهبي التوفي سنة ٧٤٨ ، قال في كتابه تذكرة الحفاظ ج ١ ص ٢ :

(١ ـ أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أفضل الأمة وخليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... أن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال (إنكم تحدثون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا! فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه) فهذا المرسل يدلك أن مراد الصديق التثبت في الأخبار والتحري ، لا سد باب الرواية ، ألا تراه لما نزل به أمر الجدة ولم يجده في الكتاب ، كيف سأل عنه في السنة فلما أخبره الثقة ما اكتفى حتى استظهر بثقة آخر ولم يقل حسبنا كتاب الله كما تقوله الخوارج.

... نعم فرأس الصادقين في الأمة الصديق وإليه المنتهى في التحري في القول وفي القبول. وقد نقل الحاكم فقال حدثني بكر بن محمد الصيرفي بمرو أنا محمد بن موسى البربري أنا المفضل بن غسان أنا علي بن صالح أنا موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن عن إبراهيم بن عمر بن عبيد الله التيمي حدثني القاسم بن محمد قالت عائشة جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكانت خمسمائة حديث فبات ليلته يتقلب كثيرا قالت فغمني فقلت أتتقلب لشكوى أو لشىء بلغك؟ فلما أصبح قال أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنار فحرقها ، فقلت لم أحرقتها؟ قال

٣٨٣

خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذاك. فهذا لا يصح والله أعلم) انتهى.

وقد نسي الذهبي أن (حسبنا كتاب الله) قبل أن يكون مقولة الخوارج كان مقولة عمر للنبي نفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن أبا بكر وغيره أيدوه ، وأن ذلك مروي بست روايات في البخاري ، وبأكثر منها في غيره!

وما ذا يريد الذهبي أكثر صراحة من الحديث الذي رواه هو عن أبي بكر في منع السنة (إن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال : إنكم تحدثون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا! فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه)!

وهل يسمح لنا الذهبي والذهبيون بأن نجيبهم بما رواه الشافعي في مسنده ص ٣٩٠ وص ٤٢٠ وفي كتاب الأم ج ٧ ص ١٦ و ٣٠٣ :

(... عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول ما ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه!. قال الشافعي رضي الله عنه : الأريكة السرير).

ورواه في كنز العمال ج ١ ص ١٧٣ (ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه! وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله).

وفي ص ١٩٤ (عسى أحدكم إن يكذبني وهو متكئ على أريكته يبلغه الحديث عني فيقول ما قال ذا رسول الله! دع هذا وهات ما في القرآن!) انتهى.

ونستفتيهم : هل ينطبق كلام النبي هذا على ما قاله الخليفة أبو بكر أم لا ، أفتونا مأجورين!

ثم قال الذهبي :

(٢ ـ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبو حفص العدوي الفاروق وزير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن أيد الله به الإسلام وفتح به الأمصار وهو الصادق

٣٨٤

المحدث الملهم الذي جاء عن المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال (لو كان بعدي نبي لكان عمر) الذي فر منه الشيطان وأعلى به الايمان وأعلن الأذان. قال نافع بن أبي نعيم عن نافع عن ابن عمر قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه).

فيا أخى إن أحببت أن تعرف هذا الإمام حق المعرفة فعليك بكتابي (نعم السمر في سيرة عمر) فإنه فارق فيصل بين المسلم والرافضي ، فو الله ما يغض من عمر إلا جاهل دائص أو رافضي فاجر ، وأين مثل أبي حفص؟ فما دار الفلك على مثل شكل عمر ، وهو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل وربما كان يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب ، فروى الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن أبا موسى سلم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات فلم يؤذن له فرجع فأرسل عمر في أثره فقال لم رجعت؟ قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يجب فليرجع. قال لتأتيني على ذلك بينة أو لأفعلن بك! فجاءنا أبو موسى منتقعا لونه ونحن جلوس فقلنا ما شأنك؟ فأخبرنا وقال فهل سمعه أحد منكم فقلنا نعم كلنا سمعه فارسلوا معه رجلا منهم حتى أتى عمر فأخبره.

أحب عمر أن يتأكد عنده خبر أبي موسى بقول صاحب آخر ، ففي هذا دليل عن أن الخبر إذا رواه ثقتان كان أقوى وأرجح مما انفرد به واحد ، وفي ذلك حض على تكثير طرق الحديث لكى يرتقى عن درجة الظن الى درجة العلم ، إذ الواحد يجوز عليه النسيان والوهم ولا يكاد يجوز ذلك على ثقتين لم يخالفهما أحد.

وقد كان عمر من وجله أن يخطئ الصاحب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأمرهم أن يقلوا الرواية عن نبيهم ولئلا يتشاغل الناس بالأحاديث عن حفظ القرآن.

وقد روي عن شعبة وغيره عن بيان الشعبي عن قرظة بن كعب قال لم لما سيرنا عمر الى العراق مشى معنا عمر وقال أتدرون لم شيعتكم؟ قالوا نعم تكرمة لنا. قال : ومع ذلك إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل ، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم. جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله ، وأنا شريككم) فلما قدم قرظة بن كعب قالوا حدثنا فقال نهانا عمر رضي الله عنه!

٣٨٥

... عن أبي هريرة قلت له : أكنت تحدث في زمان عمر هكذا؟ فقال : لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخفقته!

... عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن عمر حبس ثلاثة ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري فقال قد أكثرتم الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ابن علية عن رجاء بن سلمة قال : بلغني أن معاوية كان يقول عليكم من الحديث بما كان في عهد عمر فإنه كان قد أخاف الناس في الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم) انتهى.

والذهبي كما ترى يؤكد على جانب واحد هو أن الخليفة أبا بكر وعمر ما عملا الذي عملاه من إحراق أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومحوها ، ومنع الناس من كتابتها ، ومنع الصحابة من تحديث الناس عن نبيهم .. إلا من أجل الحفاظ على سلامة سنة النبي وبقائها ووصولها الى الأجيال!

وقد شحن كلامه بتأجيج عاطفة الحب التي تربى عليها إخواننا السنيون للخليفة عمر ، وعلى تحريك بغضهم الذي تربوا لأولئك الرافضة الذين لا يقبلون هذه الأعذار ، ولا يدركون أسرار الحكمة في عمل الخليفة المسدد من الله تعالى في كل أقواله وأفعاله!!

وبقطع النظر عن الكلام العاطفي : هل يكون موقف الذهبي والذهبيين نفس الموقف إذا وجدوا في تاريخ الأنبياء السابقين أن أحد الحكام بعد إبراهيم أو بعد موسى أو بعد سليمان عليهم‌السلام قد منع أمته من تدوين أحاديثه وروايتها؟!

بل ما هو موقفهم لو أن عثمان أو عليا أو حاكما مسلما بعد عمر ، منع من رواية أحاديث عمر وسيرته وفتاواه ، وعاقب على ذلك بحجة المحافظة على صحتها وسلامتها ووصولها الى الأجيال؟!

وهل سمعتم في التاريخ أن أصحاب نبي منعوا من رواية سنته وتدوينها من شدة حرصهم على سنته وسيرته .. حتى ضاع ما ضاع منها واختلط صحيحها بمكذوبها؟!

أو سمعتم أن ولدا من شدة محافظته على جواهر أبيه وحرصا منه على إيصالها سالمة الى أولاده من بعده .. أخفى مكانها ولم يخبر به أحدا .. حتى مات وضاع ما ضاع منها ، وحصل ما حصل منها غير سليم؟!

٣٨٦

لا أدري بأي ذهن يفكر هؤلاء الذين يدافعون عن سياسة تغييب سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومنع روايتها وتدوينها؟!

وهل يخفى عليهم أمر بديهي مثل هذا الأمر؟ أم يتصورون أنه كان خافيا على الخلفاء؟ كلا .. ولكنه التعصب للأشخاص يعمى عن السواطع ، ويصم عن القوارع! وعلى هذا التعصب قام تاريخ وبنيت ثقافة وتربت أجيال .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!!

أيها الأخ المسلم .. أحبب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حبا مطلقا غير مشروط. أما غيره فأحببهم حبا مشروطا بأن لا يصطدم مع بدائه العقل ، فإذا اصطدم مع عقلك فكن .. مع عقلك!

ومشروطا بأن لا يصطدم مع أمر النبي ونهيه ، فإذا اصطدم فكن مع .. نبيك!

ومشروطا بأن لا يصطدم مع أمر النبي ونهيه ، فإذا اصطدم فكن مع .. نبيك! ومشروطا بأن لا يصطدم مع سنة نبيك وسيرته ، فإذا اصطدم فكن مع .. سنة نبيك وسيرته!

فنحن وأنت لسنا مسئولين يوم القيامة عن تبرير أعمال الصحابة .. ولا مسئولين عن التعبد بأفعالهم وأقوالهم!

الدفاع العصري عن تغييب السنة

وإعطاء عمر حق النقض على أحاديث النبي!!

وأحدث مسلك في الدفاع عن الخلفاء ، هو أن نرفع المسئولية عن عاتقهم ونضعها على عاتق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونقول إنه هو الذي نهى عن كتابة الحديث .. ثم نعطى لكبار الصحابة حق النقض على سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله!!

وقد سلك الشيخ رشيد رضا صاحب تفسير المنار هذا المسلك ، فأهمل أحاديث الأمر بكتابة السنة ومنها حديث عبد الله بن عمرو الصحيح .. وأهمل مجموعات أخرى من الأحاديث الصحيحة في مصادرهم ، سنذكر طرفا منها .. وعبر عن بدائه العقل وتاريخ الأنبياء والناس .. ثم بحث .. وبحث ، حتى وجد روايات عن النبي (تنهى)

٣٨٧

المسلمين عن كتابة حديثه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأفتى بترجيح روايات المنع من التدوين على ما ربما يوجد من روايات الأمر به .. وجعل دليله على الترجيح نفس فعل الخليفة عمر ومن كان على رأيه من الصحابة .. أي استدل بالمدعى عليه على إثبات الدعوى!! قال الشيخ رشيد رضا (ج ١٠ ص ٧٦٦ وج ١٩ ص ٥١١ كما نقله عنه الشيخ أبو رية في كتابه أضواء على السنة المحمدية).

(... وقول عمر بن الخطاب عند الفكر في كتابة الأحاديث أو بعدم الكتابة مع كتاب الله في الرواية الأولى وقوله في الرواية الثانية بعد الاستشارة في كتابتها : والله إني لا أشوب كتاب الله بشيء أبدا. وقول ابن عباس : كنا نكتب العلم ولا نكتبه. أي لا لأحد أن يكتب عنا. ونهيه في الرواية الأخرى عن الكتابة ... ومحو زيد بن ثابت للصحيفة ثم إحراقها ، وتذكيره بالله من يعلم أنه توجد صحيفة أخرى في موضع آخر ولو بعيدا أن يخبره بها ليسعى إليها ويحرقها ... وقول سعيد بن جبير عن ابن عمر ، إنه لو كان يعلم بأنه يكتب عنه لكان ذلك فاصلا بينهما. ومحو عبد الله بن مسعود للصحيفة التي جاءه بها عبد الرحمن بن الأسود وعلقمة ، وقوله عند ذلك : إن هذه القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره.

كل هذا الذي أورده ابن عبد البر ، وأمثاله مما رواه غيره كإحراق أبي بكر لما كتبه ، وعدم وصول شىء من صحف الصحابة الى التابعين ، وكون التابعين لم يدونوا الحديث لنشره إلا بأمر الأمراء .. يؤيد ما ورد من أنهم كانوا يكتبون الشيء لأجل حفظه ثم يمحونه) انتهى.

وإلى هنا لم يأت الشيخ رشيد رضا بجديد ولم يزد شيئا على كلام ابن حبان والذهبي إلا أنه ألبسه ثوبا علميا! ولكن هذا المفسر المثقف لم يسأل نفسه : لو كان هناك أثارة من علم عن النبي تنهى عن رواية الحديث أو تدوينه لتمسك بها الخليفة أبو بكر وعمر .. مع أن المتتبع لأعذارهم وتبريراتهم لا يجد شيئا من ذلك!!

لقد طلب أبو بكر من الناس أن يأتوه بما دونوه من سنة النبي حتى جمعه عنده وتأرق ليله كما تقول عائشة وهو يفكر قبل أن يحرقها ، ثم اعتذر عن قراره بإحراقها بوجوب التحقق الدقيق من نسبة الحديث الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله!! فلو كان هناك أثارة

٣٨٨

من علم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو شبهة تنهى عن التدوين لاستند إليها وأراح نفسه .. ولو لم يطلع عليها أبو بكر لاستند إليها الصحابة وقالوها للخليفة عمر عند ما استشارهم في تدوين السنة فأشاروا عليه كلهم بالتدوين ، ولم تذكر الروايات مخالفا واحدا لذلك!

ألا يكفي ذلك للحكم بأن أحاديث المنع وضعت بعد ذلك لتبرير عمل أبي بكر وعمر؟ ألا يكفي ذلك لأن يتوقف الباحث في أمرها على الأقل ، ويتوقف عن معارضة أحاديث الأمر بالتدوين بها ، فضلا عن ترجيحها عليها؟!

ثم جاء رشيد رضا بجديد تكاد تخر منه الجبال هدا .. فقال :

(وإذا أضفت الى هذا ما ورد في عدم رغبة كبار الصحابة في التحديث بل في رغبتهم عنه بل في نهيهم عنه ، قوى عندك ترجيح كونهم لم يريدوا أن يجعلوا الأحاديث (كلها) دينا عاما دائما كالقرآن. ولو كانوا فهموا من النبي أنه يريد ذلك لكتبوا ولأمروا بالكتابة ولجمع الراشدون ما كتب وضبطوا ما وثقوا به وأرسلوه الى عمالهم ليبلغوه ويعملوا به ، ولم يكتفوا بالقرآن) انتهى.

وينبغي لنا أولا أن نقدر للشيخ رشيد رضا ما توصل اليه من تتبعه آراء (كبار) الصحابة في مسألة التدوين وأنهم (لم يريدوا أن يجعلوا الأحاديث (كلها) دينا عاما دائما كالقرآن) فهو لعمري وصف دقيق لتحير الخليفة أبي بكر ثم تحير الخليفة عمر وتصرفاته المتفاوتة المتضاربة ، ومواقفه المركبة من سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله! فقد أراد أن يكون (بعض) سنة النبي دينا عاما دائما كالقرآن ولكن ليس (كلها) ولا تفسير لمنعه النبي من كتابة وصيته ، ثم منعه من تدوين سنته ، ثم منعه من إطلاق حرية الصحابة في تحديث الأمة عن نبيها .. ثم تحديثه هو عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .. إلا أنه يريد اختيار هذا (البعض) الذي يصلح لأن يكون جزءا من دين الله تعالى ، واستبعاد ذلك (البعض) الذي لا يصلح لذلك! نعم هذا هو لب المسألة الذي لم يتجرأ باحث أن يفصح عنه مثل رشيد رضا .. فالمسألة هي تعيين دائرة الدين ، وجعل هذا الشيء جزء منه أو خارجا عنه ..

٣٨٩

لكن ليسمح لنا رشيد رضا وكل أهل الأرض أن نقول :

إن الذي يملك هذا الحق هو فقط رسول الله محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله! لا عمر ، ولا علي ، ولا كل الصحابة مجتمعين!

ويظهر أن إخواننا السنة يرون أن الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أعطيا هذا الحق الى الصحابة ، بدعوى أنهم أمناء على الرسالة بعد النبي! ولا بد أنهم فهموا من النبي عدم كون سنته (كلها) دينا عاما ولذا لم يدونوها!!

إن هذا المنطق الذي يبدو حسنا لأنه دفاع عن الصحابة ، منطق خطير ، ومعناه تأسيس دين جديد .. لأنه يعطي صحابة النبي حق الانتقاء والحذف من الدين!! وهو حق لم يعطه الله تعالى لرسوله فقال ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين!

ولا بد من الإشارة الى أن إخواننا السنة عند ما يتكلمون عن مقام الصحابة وعن حقوق الصحابة ، فهم يعنون الخليفة عمر بن الخطاب لا غير ، لأنهم عند اختلافه مع الصحابة لا يهتمون بمن خالفه .. فتكون النتيجة أن الله تعالى أعطى لعمر بن الخطاب حق الحذف والإثبات في سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! وهو عينه حق الحذف والإثبات في الإسلام!!

وبهذا يولد عند إخواننا أصل جديد من أصول الإسلام وهو : عدم حجية سنة النبي وعدم كونها جزء من الدين إلا ما دل الدليل على أن الخليفة عمر جعله جزءا من الدين!

لكن كيف يمكن لهم أن يعرفوا ما أمضاه عمر من سنة النبي وما لم يمضه ، فالأحاديث عن عمر في أكثر الفتاوي الفقهية متفاوتة بل متناقضة؟! فلا بد من الاحتياط بترك السنة حتى نعلم إمضاءها من الخليفة عمر!!

يعني لو فرضنا أن سنة النبي عشرون ألف حديثا ثابتة قطعية الصدور عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمفروض أننا نعلم أن بعضها جزء من الدين وبعضها ليس جزءا منه ، ولا نعلم ما هو؟ فيجب علينا أن نتوقف عن نسبة أي حديث منها الى الدين ولا ندخل في دين الله تعالى ما ليس منه ، حتى يثبت عندنا إمضاء الخليفة عمر لذلك الحديث!!

٣٩٠

فيكون المطلوب في البحث العلمي صحة السند الى عمر لا الى النبي ، ويكون الميزان ما قبله عمر من قول النبي وليس ما قاله النبي .. وتكون القاعدة أننا كلما شككنا في أمر من أوامر النبي ، أو نهي من نواهيه ، أو فعل من أفعاله ، أنه حجة أم لا؟ فالأصل عدم حجيته حتى لو ثبت باليقين ، لأن الحجة الشرعية قبول عمر أورده!

وعلى هذا الأصل لا يسلم من أحاديث السنة ربع صحيح البخاري!

وعلى هذا الأصل يكون حق إطاعة الخليفة عمر على الأمة أعظم من حق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأن حق النبي في مثل قوله تعالى (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) مشروط ضمنا بأن لا يزيد النبي حرفا ولا ينقص حرفا من أوامر ربه .. بينما يحق للخليفة عمر أن ينقص ما شاء من أحاديث النبي ويمنع من العمل به!!

لا نظن أن المدافعين عن الخليفة عمر يقبلون الهوي في هذه الأودية ..!

ولكن ما ذا نصنع لهم إذا اختاروا لأنفسهم طريقا تنتهي بهم الى إعطاء حق النقض على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للخليفة عمر بن الخطاب ، وبالتالى التخلي عن سنة النبي واتباع سنة عمر بن الخطاب؟!

إن المدخل الذي أتي منه إخواننا أنهم حملوا في أذهانهم فرضية مسبقة وتشبثوا بها مهما كانت النتائج ، وهي : أن عمل الخليفة عمر يجب أن يكون صحيحا لأنه معصوم! وكان الأجدر بهم أن يقولوا : لا عصمة إلا لرسول الله ومن نص الرسول على عصمته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

نقد المقولات الثلاث

مقولة التثبت من الحديث

هذه المقولة لم ترد في مصادر إخواننا حسب اطلاعي على لسان الخليفة أبي بكر مباشرة بل وردت في رواية عائشة التي ذكرت فيها حادثة جمع أبيها لما كتبه المسلمون من سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم أحرقها! فهي تروي للمسلمين عذر أبيها ليعذروه على هذا العمل ولا يسمونه حارق سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله!

٣٩١

غير أنه لو كانت السلطة تريد تعليم الأمة والرواة التثبت في رواية الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكان لذلك طرقه الطبيعية .. ومنها أن تعلن السلطة لكل من عنده شىء مدون من السنة أن يحضره الى دار الخلافة ليخضع لعملية التثبت التي تريد السلطة أن تجريها .. ثم تكلف السلطة شخصا أو هيئة للتثبت وطلب الشهود على كل حديث من هذه المدونات التي جمعتها. ثم تعطي المدونات الصحيحة أو المصححة الى المسلمين ، وتعلن قانونا يقضي بأن لا يدون أحد من سنة النبي شيئا إلا بشاهدين مثلا ، أو بإمضاء رسمي من السلطة.

هذه هي الطريقة المنطقية الطبيعية لإجراء التثبت وتعليمه للمسلمين .. أما أن تقوم السلطة بإحراق المدونات التي جمعتها ثم تنهى عن رواية الحديث! فهو تصرف غير طبيعي يدل على وجود أمر كبير في المسألة ، غير معلن!

وهذا الأمر هو : أن السلطة لا تريد سنة النبي أصلا .. ولذا جمعتها لتحرقها! أو أنها تريد بعضها دون بعض ولا تستطيع التصريح بذلك خوفا من الرأي العام! أو تريد أن تكسر هوس المسلمين بجمع سنة النبي وتدوينها .. الخ.

وأخيرا ، فإن نهي الخليفة أبي بكر عن الحديث كليا كما ورد في رواية الذهبي وأمره بالاكتفاء بما حلله وحرمه القرآن فقط .. لا ينسجم مع عذر التثبت ، بل يكشف عن اتجاه السلطة ، وإن حاول الذهبي أن يؤوله!

نعم ورد في بعض روايات قرارات منع الخليفة عمر عن الحديث تعليله ذلك بكذب الراوي كقوله لأبي هريرة (ما أكثر ما كذبت على رسول الله يا أقرع) فيدخل ذلك تحت العذر المنسوب الى أبي بكر وهو التثبت في نسبة الحديث.

ولكن أكثر الروايات التي نقلت قرارات المنع جاءت بنص النهي أو الزجر بدون تعليل .. أو جاء فيها عذر آخر!

مقولة أن الحديث يشغل الناس عن القرآن

ورد هذا العذر في قرار المنع الذي أبلغه الخليفة عمر باحترام وتأكيد ، لمجموعة الصحابة المسافرين الى الكوفة ، في الرواية المعروفة عن قرظة بن كعب. والموجود في

٣٩٢

الرواية : هو الأمر بتقليل الحديث عن النبي وعدم إشغال الناس عن القرآن بحديث النبي .. ولكن قرظة صرح في آخر الرواية بأن الخليفة نهاهم عن الحديث ومنعهم منه منعا باتا ، لكي لا يشغلوا الناس به عن القرآن!

والظاهر أن مقصود الخليفة من قوله المعروف عنه (جردوا القرآن) أن الحديث يشغل عن القرآن ، ولذلك يجب التركيز على القرآن دون الحديث!.

ومعنى يشغل عنه : أنه يلحق ضررا بقراءته ، لأن الحديث يأخذ وقت طلبة العلم والمسلمين ، فلا يبقى لهم وقت لقراءة القرآن. أو أنه يلحق ضررا بفهمهم للقرآن لأنه يشوش معانيه في أذهانهم ، بسبب الاختلاف الموجود بين الصحابة في نقل الأحاديث مثلا.

فمقصود الخليفة إما إن يكون ضرورة التوازن في صرف المسلمين لأوقاتهم بين القرآن والسنة ، وإما الحفاظ على فهمهم للقرآن وعدم تشويشه .. ولكن كيف يكون ترك تحديث المسلمين علاجا لواحد المعنيين أو المشكلتين؟!

فمسألة الوقت ـ على أنها بعيدة عن قصد الخليفة ـ علاجها بتوجيه قسم من المسلمين الى الاهتمام بالقرآن وتعليمه ، وقسم آخر الى السنة.

ومسألة التشويش على فهم القرآن علاجها بتعيين مفسرين من الصحابة عايشوا نزول القرآن وتفسير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لآياته ، من الموثوقين عند الخليفة يقومون بتفسير القرآن للمسلمين بالأحاديث التي يرتضيها الخليفة.

فلم يبق وجه معقول لمقصود الخليفة إلا أنه يريد أن يقرأ المسلمون النص القرآني وحده ولو من غير فهم ، ولا يشغلوا أنفسهم بالسؤال عن معاني آياته ، حتى بأحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله! وقد تقدم ما يؤيد هذا الرأي في منع الخليفة البحث في القرآن!

مقولة اختلاط السنة بالقرآن

لو قال غير الخليفة عمر : لا تدونوا السنة حتى لا تختلط بالقرآن لسخر منه العلماء وقالوا هذا امتهان للعقل!! فالقرآن والسنة طبيعتان متميزتان وقد كانا معا ولم يختلطا ولم يشتبها ، حتى عند متوسطي الثقافة والمعرفة ، فضلا عن العلماء والفقهاء!

٣٩٣

ولكنه صار عذرا مقبولا عند علماء إخواننا لمجرد أنه عذر صدر عن الخليفة عمر! وهكذا يبحث الناس عن وجه معقول للكلام غير المعقول ، بسبب أنه صدر عن عن شخصية مقدسة عندهم ، والويل لغيره إذا صدر منه نفس الكلام!

يقول الباحث المصري الشيخ محمود أبو رية في كتابه أضواء على السنة المحمدية ص ٥٠ عن هذا العذر :

(... وهو سبب لا يقتنع به عاقل عالم ... اللهم إلا إذا جعلنا الأحاديث من جنس القرآن في البلاغة وأن أسلوبها في الإعجاز من أسلوبه ـ وهذا ما لا يقره أحد حتى الذين جاءوا بهذا الرأي ، إذ معناه إبطال معجزة القرآن وهدم أصولها من القواعد ... وبين الحديث والقرآن ولا ريب فروق كثيرة يعرفها كل من له بصر بالبلاغة وذوق في البيان ... على أن هذا السبب الذي يتشبثون به قد زال بعد أن كتب القرآن في عهد أبي بكر على ما رووه ، وبعد أن نسخ في عهد عثمان ووزعت منه نسخ على الأمصار وأصبح من العسير بل من المستحيل أن يزيدوا على القرآن حرفا واحدا ...) انتهى.

هل كان أبو بكر وعمر مضطرين الى هذا القرار؟

ما هو السر الذي جعل الخليفة أبا بكر وعمر يصران على هذا القرار الصعب .. قرار منع التحديث عن النبي وتدوين سنته؟!

فالأمة تقدس نبيها وترى أن أقواله وأفعاله حجة كالقرآن ، وهي تريد من الصحابة الذين عاشوا معه كل شىء عن نبيها .. فهل يمكن لقرار من السلطة أن يكم أفواه الصحابة ويجعلهم يكتفون بقراءة القرآن للأمة فقط ، ولا ينبسوا ببنت شفة عن نبيهم ، حتى في تفسير ما يقرءون لهم من القرآن!!

لا بد أنهما فكرا فيما سيحدث .. وأن ذلك سوف يعرضهما لانتقاد الصحابة الجريئين .. وستكون النتيجة عدم تقيد الجميع بقرار المنع ، فيبقى التحديث ويبقى التدوين .. وبالفعل حدث شىء كثير من ذلك!

لا بد أنهما كانا مدركين لهذه الأبعاد وغيرها .. لكنهما مع ذلك مقتنعان بأن يتحملا نتائج قرار المنع ، لأنه أهون من تحمل السماح برواية السنة وتدوينها!

٣٩٤

كان القرار في حساباتهما قرارا لا بديل عنه .. فأقدما على عمل صعب ضد التيار ، وبذلا جهودهما لإحداث تيار معاكس ، ونجحا في ذلك لمدة قرن من الزمان! وقد كان التيار قويا الى حد أن أبا بكر بقي يتقلب ليلته ولم ينم كما قالت ابنته عائشة! والى حد أن عمر بعد أن استشار الصحابة فشجعوه على التدوين ، بقي شهرا يفكر ويقلب الأمر على وجوهه ويحسب منافعه ومضاره .. ثم قرر أبو بكر الإحراق .. وقرر عمر الإحراق وعدم التدوين ، ثم الكتابة الى الأمصار بالإحراق أو المحو ، ثم مضاعفة العقوبة على من يروي سنة النبي من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .. ولا حول وقوة إلا بالله العلي العظيم!!

جبال أخرى أمام المدافعين عن تغييب السنة!

عند ما يصل المدافعون عن سياسة تغييب السنة الى أحاديث وجوب طلب العلم وبذله ، أو أحاديث وجوب أن يبلغ الشاهد الغائب ، وثواب حفظ الأحاديث والتحديث ، الخ. يحاولون العبور عنها وتجاهلها كما عبروا عن أحاديث الأمر بكتابة السنة ، أو يحاولون الالتفات عليها بأنها تقصد التبليغ الشفهي وليس المكتوب ، وتقصد الحفظ في الصدر دون التدوين ..!

لكن هل يستطيع عاقل أن يقنع نفسه بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أكد على أمته فقال : احفظوا أحاديثي ، لكن يحرم عليكم أن تكتبوها! وبلغوها الى الأجيال تبليغا شفهيا فقط؟!

وبما ذا نجيب مثقفي الأمم الأخرى بل عوامها ، إذا قالوا لنا : ما هذه المفارقة من نبيكم؟!

الواقع أنها ليست مفارقة من نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله .. بل من غيره!!

وفيما يلي نورد نماذج لأربعة أنواع من الأحاديث من مصادر إخواننا .. تأمر كلها بالتحديث وتدوين الحديث ، أو تستلزم ذلك بالضرورة ..

٣٩٥

أحاديث وجوب طلب العلم

أحاديث وجوب طلب العلم متفق عليها لأن منها أحاديث صحيحة ، وهي بمجموعها متواترة في مصادر الشيعة والسنة .. فإذا كان طلب العلم فريضة ، وعلم الدين إنما هو في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله .. فهو يستلزم بالضرورة وجوب بذل العلم على الصحابة ووجوب تحديثهم ما سمعوا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .. كما يستلزم إجازة الكتابة والتدوين ، لأنه لا يمكن لأكثر المسلمين أن يحفظوا الحديث من إلقائه مرة أو مرتين ، بل ولا ثلاث مرات ولا خمسة!

فهل سقطت هذه الفريضة بمجرد أن توفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأن الخليفة نهى عن التحديث بالسنة وعن تدوينها؟ أم بقيت فريضة طلب العلم وأراد الخليفة عمر أن يحصر مصدره به شخصيا وبمن أجاز لهم التحديث فقط؟! وبشرط أن يكون طلب العلم وتعليمه شفهيا لا خطيا؟!

نكتفي من أحاديث طلب العلم بما يلي :

روى البخاري في صحيحه ج ١ ص ٢٨ (باب فضل من علم وعلم ... عن أبي موسى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلا والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا. وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلا ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به).

وروى ابن ماجة ج ١ ص ٨١ (... عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : طلب العلم فريضة على كل مسلم).

وفي ص ٨١ (... قال فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا الى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم ، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب. إن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر).

٣٩٦

وعقد أبو داود في سننه ج ٢ ص ١٧٥ بابا باسم (باب الحث على طلب العلم) وأورد فيه روايات. وعقد الترمذي في ج ٤ ص ١٣٧ بابا باسم (باب فضل طلب العلم) وأورد فيه روايات. وشبيه بذلك أو أوسع منه تجده في مستدرك الحاكم ج ١ ص ٨٩ وج ٣ ص ٥١١ ومسند أحمد ج ٤ ص ٢٤٠ والدارمي ج ١ ص ٩٥ والبيهقي ج ١ ص ٢٨٢ والهيثمي ج ١ ص ١٢٤ و ١٣١ و ١٩١ و ٢٠١ وكنز العمال ج ١٠ ص ١٣٠ الى ٢٦١ وج ١٢ ص ٨٥ وج ١٣ ص ٤٢٦ وج ١٥ ص ٨٤٠ وج ١٦ ص ١٢٧ ... وغيرها.

وعقد الترمذي في سننه ج ٤ ص ١٣٨ بابا باسم (باب ما جاء في الاستيصاء بمن يطلب العلم. وروى فيه :

(... عن أبي هارون قال : كنا نأتي أبا سعيد فيقول مرحبا بوصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن الناس لكم تبع وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين ، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا. قال علي بن عبد الله ، قال يحيى بن سعيد : كان شعبة يضعف أبا هارون العبدي. قال يحيى : وما زال ابن عون يروي عن أبي هارون العبدي حتى مات.

... عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يأتيكم رجال من قبل المشرق يتعلمون ، فإذا جاءوكم فاستوصوا بهم خيرا. قال فكان أبو سعيد إذا رآنا قال مرحبا بوصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري) انتهى.

فكيف نفذ الخلفاء هذه الوصية ، وأي صدمة كان يواجهها طالب العلم عند ما كان يأتي الى مدينة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومركز أصحابه ، فلا يجد شخصا يعلمه أو يحدثه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! لأن خليفة الرسول منع التحديث عن الرسول تحت طائلة العقوبة العمرية اللينة!!

آيات وأحاديث النهى عن كتمان العلم

قال الله تعالى (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى ، قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ـ البقرة ـ ١٤٠

٣٩٧

وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ـ البقرة ١٥٩ ـ ١٦٠

وروى البخاري في صحيحه ج ١ ص ٣٨ ونحوه في ج ٣ ص ٧٤ (... عن أبي هريرة قال : إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ، ولو لا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا. ثم يتلو (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) .. الى قوله الرحيم. إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم ، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشبع بطنه ، ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون).

وروى في ج ١ ص ٤٨ (... قال ابن شهاب ولكن عروة يحدث عن حمران فلما توضأ عثمان قال ألا أحدثكم حديثا ، لو لا آية ما حدثتكموه سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لا يتوضأ رجل يحسن وضوءه ويصلّى الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة حتى يصليها. قال عروة الآية : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا ...).

ونحوه في صحيح مسلم ج ١ ص ١٤٢ وج ٧ ص ١٦٧ وابن ماجة ج ١ ص ٩٧ ومسند أحمد ج ٢ ص ٢٤٠ و ٢٤٧ والحاكم ج ٢ ص ٢٧١ والسيوطي في الدر المنثور ج ١ ص ١٦٣ وقال في ج ٢ ص ١٦٢ :

(وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله الذين يبخلون الآية .. قال هؤلاء يهود يبخلون بما آتاهم الله من الرزق ، ويكتمون ما آتاهم الله من الكتب إذا سئلوا عن الشيء!!

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كان علماء بني إسرائيل يبخلون بما عندهم من العلم وينهون العلماء أن يعلموا الناس شيئا فعيرهم الله بذلك فأنزل الله الذين يبخلون .. الآية!!

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ، قال : هذا في العلم ليس للدنيا منه شىء!!).

وعقد الترمذي في سننه ج ٤ ص ١٣٨ بابا باسم (باب ما جاء في كتمان العلم) وروى فيه (عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من سئل عن

٣٩٨

علم ثم كتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار. ثم قال : وفي الباب عن جابر وعبد الله بن عمر. قال أبو عيسى ـ يقصد نفسه الترمذي ـ هذا حديث حسن).

وفي سنن ابن ماجة ج ١ ص ٩٧ :

(... عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من كتم علما مما ينفع الله به في أمر الناس ، أمر الدين ، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من النار) انتهى.

فما ذا نسمى رفض الصحابة للحديث عن النبي رغم إلحاح المسلمين عليهم ، خاصة أولئك الذين دخلوا في الإسلام جديدا ولم يروا نبيهم ، وهم في أشد الشوق لأن يسمعوا أحاديثه ويتعرفوا على أخباره؟!

وإذا لم يكن امتناع قرظة وأمثاله عن التحديث كتمانا ، فما هو الكتمان الذي تنهى عنه هذه الأحاديث؟! وإذا لم يكن النهي عن الحديث أمرا بالكتمان ، فهل هو أمر ببذل العلم؟!

قال الحاكم في المستدرك ج ١ ص ١٠٢ (فلما قدم قرظة قالوا حدثنا ، قال : نهانا ابن الخطاب! هذا حديث صحيح الإسناد له طرق تجمع ويذاكر بها) انتهى.

وهل يصح أن نحكم باستثناء هذا الكتمان المكشوف من الكتمان المحرم ، ونقدم نهي الخليفة أبي بكر وعمر على أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ بل على أمر الله تعالى؟!

أحاديث وجوب التبليغ والتحديث

وما ذا يصنع المدافع عن تغييب السنة بهذه المجموعة من الروايات المتواترة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، التي تنص على أنه كان يوصي دائما بأن يبلغ الحاضر الغائب ..؟! فقد عقد البخاري في ج ١ ص ٣٤ بابا باسم (باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب) وأورد فيه ما يدل على وجوب تبليغ أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .. وكذا في ج ٢ ص ١٩١ وفيها (قال اللهم أشهد. فليبلغ الشاهد الغائب ، فرب مبلغ أوعى من سامع) ونحوه في ج ٥ ص ٩٤ وص ١٢٧ وفي ج ٦ ص ٢٣٦ (ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، فلعل بعض

٣٩٩

من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه). ثم قال البخاري (وكان محمد إذا ذكره قال : صدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قال : ألا هل بلغت إلا هل بلغت؟) وكرره في ج ٨ ص ١٨٦ وفي ج ٨ ص ٩١ (فإنه رب مبلغ يبلغه من هو أوعى له) وفي ص ١١٥ (ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه). ونحوه في صحيح مسلم ج ٥ ص ١٠٨ وابن ماجة ج ١ ص ٨٥ و ٨٦ والترمذي ج ٢ ص ١٥٢ وعقد في ج ٤ ص ١٤١ بابا باسم (باب في الحث على تبليغ السماع) وروى فيه عن زيد بن ثابت (سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره ، فرب حامل فقه الى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه ثم قال الترمذي : وفي الباب عن عبد الله ابن مسعود ومعاذ بن جبل وجبير بن مطعم وأبي الدرداء وأنس. وروى نحوه عن عبد الله بن مسعود ثم قال : هذا حديث حسن صحيح) وكذا في مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٧٤ وسنن البيهقي ج ٥ ص ١٤٠ وج ٦ ص ٩٢ وفيه (ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، مرتين ، فرب مبلغ هو أوعى من سامع). ونحوه في ج ٨ ص ٢٠ وج ٩ ص ٢١٢ وفي سنن النسائي ج ٥ ص ٢٠٦ ومسند أحمد ج ١ ص ٨٣ و ٤٣٧ وج ٤ ص ٣١ وكذا في ج ٥ ص ٣٧ و ٣٩ و ١٨٣ وفي ص ٤ منه (ألا إن ربي داعيي وإنه سائلي هل بلغت عبادي؟ وأنا قائل له رب قد بلغتهم. ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب). وفي ص ٤١ منه (فلعل الغائب أن يكون أوعى له من الشاهد). وفي ص ٤٥ منه (ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، مرتين). وفي ص ٧٣ منه (ثم قال ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ أسعد من سامع. قال حميد قال الحسن حين بلغ هذه الكلمة : قد والله بلغوا أقواما كانوا أسعد به). وفي ٣٦٦ منه (فليبلغ الشاهد الغائب. (ثم قال الراوي) ولو لا عزمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما حدثتكم). وفي ج ٦ ص ٤٥٦ (فمن حضر مجلسي وسمع قولى فليبلغ الشاهد منكم الغائب). وفي مجمع الزوائد لابن هيثم ج ١ ص ١٣٩ :

(... وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول إني محدثكم الحديث فليحدث الحاضر منكم الغائب. رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. وفيه (... فرفع يديه صلى‌الله‌عليه‌وسلم الى السماء فقال : اللهم أشهد.

٤٠٠