تدوين القرآن

الشيخ علي الكوراني العاملي

تدوين القرآن

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

ثم قال في صفحة ١١٧ :

وأما القول بأن مثل هذه الروايات توجد عند السنة فليس إلا كذبا وافتراء ، فالحق أنه لا يوجد في كتب أهل السنة المعتمد عليها رواية واحدة صحيحة تدل على أن القرآن الذي تركه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند وفاته نقص منه أو زيد عليه ، بل صرح أهل العلم من المسلمين بأن من يعتقد مثل هذا فقد خرج عن الملة الحنيفية البيضاء ، كما أنهم نصوا على أن الشيعة هم القائلون هذا القول الخبيث.

فهذا الإمام ابن حزم الظاهري يقول في كتابه العظيم (الفصل في الملل والنحل) ما نصه (ومن قول الإمامية كلها قديما وحديثا أن القرآن مبدل زيد فيه ما ليس منه ونقص منه كثير وبدل منه كثير).

وقال أيضا ردا على قول الشيعة إن القرآن محرف ومغير فيه (وأعلموا أنه لو رام اليوم أحد أن يزيد في شعر النابغة أو شعر زهير كلمة أو ينقص أخرى ما قدر لأنه كان يفتضح في الوقت ، وتخالفه النسخ المثبتة ، فكيف القرآن في المصاحف وهي من آخر الأندلس ، وبلاد البربر ، وبلاد السودان الى آخر السند ، وكابل ، وخراسان ، والترك ، والصقالبة ، وبلاد الهند فما بين ذلك ـ فظهر حمق الرافضة).

وقال الأصولي الشافعي المعروف (الأول في الكتاب ، أي القرآن وهو ما نقل إلينا بين دفتي المصاحف تواترا).

وقال الأصولي الحنفي (أما الكتاب فالقرآن المنزل على الرسول عليه‌السلام ، المكتوب في المصاحف ، المنقول عنه نقلا متواترا بلا شبهة).

وقال الآمدي (وأما حقيقة الكتاب هو ما نقل إلينا بين دفتي المصاحف نقلا متواترا).

وقال السيوطي بعد ما ذكر الأقوال بأن القرآن جمعه وترتيبه ليس إلا توقيفيا ، قال (قال القاضي أبو بكر في الانتصار : الذي نذهب إليه أن جميع القرآن أنزله الله وأمر بإثبات رسمه ، ولم ينسخه ولا رفع تلاوته بعد نزوله ، هو هذا الذي بين الدفتين ، الذي حواه مصحف عثمان ، وإنه لم ينقص منه شىء ولا زيد فيه).

٢١

وقال البغوي في شرح السنة (إن الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين ، القرآن الذي أنزله الله على رسوله من غير أن زادوا أو نقصوا منه شيئا).

وقال الخازن في مقدمته تفسيره (وثبت بالدليل الصحيح أن الصحابة إنما جمعوا القرآن بين الدفتين كما أنزله الله عزوجل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من غير أن زادوا فيه أو نقصوا منه شيئا ... فكتبوه كما سمعوه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غير أن قدموا أو أخروا شيئا ، أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على النحو الذي هو في مصاحفنا الآن).

هذا وقد بوب الإمام البخاري بابا في صحيحه بعنوان (باب من قال لم يترك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا ما بين الدفتين) ثم ذكر تحت ذلك حديثا : إن ابن عباس قال في جواب من سأل : أترك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من شىء؟ قال : ما ترك إلا ما بين الدفتين ، وهكذا قاله محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية).

فهذا ما رواه بخارينا ، وذاك ما رواه بخاريهم ، وهذا ما قاله أئمة أهل السنة ، وذلك ما قاله أئمتهم.

وهناك نصوص أخرى في هذا المعنى ، فيقول الإمام الزركشي في كتاب (البرهان) بعد ذكر قول القاضي في (الانتصار) وذلك دليل على صحة نقل القرآن وحفظه وصيانته من التغيير ، ونقض مطاعن الرافضة فيه من دعوى الزيادة والنقص ، كيف وقد قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) وقوله (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) وأجمعت الأمة أن المراد بذلك حفظه على المكلفين للعمل). انتهى محل الحاجة من كلامه.

الهدف من تحويل المسألة النظرية الى مسألة عملية

ما هو الهدف من هذه العشرات من الكتب والمنشورات التي كتبها بعض الكتاب من قلوب تفيض ببغض الشيعة ، وقام آخرون بطباعتها وتوزيعها ونشرها في أنحاء العالم .. ومن أبرزها كتب هذا المؤلف الهندي التي يوزعونها مجانا خاصة على الحجاج في موسم

٢٢

الحج. ويبيعونها في المكتبات بثمن بخس .. ومعها أشرطة مسجلة تكفر الشيعة وتخرجهم من الإسلام!

إن الطبعة التي نقلنا منها فقرات التهمة للشيعة هي الطبعة الثلاثون من كتاب يتهمنا بالكفر وعدم الاعتقاد بالقرآن ، وقد طبعت في لاهور ـ باكستان ، وذكر فيها عناوين ثلاث عشرة مكتبة للتوزيع في السعودية!

هل أن السبب في تبني خصوم الشيعة لهذا (الباحث) وكتبه أكثر من غيره ، أنه أفتى بكفر الشيعة وهدر دمائهم وإباحة أعراضهم ، وأسس مع إخوانه منظمة إرهابية في باكستان لقتل الشيعة باسم (ميليشيا الصحابة) تخصصت بمهاجمة مساجد الشيعة ، وقتلت أكبر عدد ممكن منهم في حال صلاتهم في مساجدهم! أو في حال إقامتهم مجالس التعزية في حسينياتهم في ذكرى شهادة الإمام الحسين عليه‌السلام!

أم السبب أنهم وجدوا أن كتب هذا المؤلف هي أقوى ما كتب ضد الشيعة بأسلوب (علمي) فأحبوا أن يطلع الناس على حقيقة الشيعة من قلم هذا المؤلف القدير ونتاجه الموضوعي؟!

وآخر ما قرأت في هذه التهمة ما توصل إليه (دكتور) وهابي من أن الشيعة في مسألة تحريف القرآن قسمان : قسم يعتقد بتحريف القرآن ونقصه ، وهم عدد من علمائهم القدماء والمتأخرين. وهؤلاء تنطبق عليهم فتاوي إحسان ظهير وأمثاله. وقسم يوافق السنة على الاعتقاد بعدم تحريف القرآن ، وهم عدد من علمائهم القدماء والمتأخرين. وهؤلاء لا يصح تكفيرهم من هذه الجهة ، وإن صح تكفيرهم لمغالاتهم في أهل البيت وما يوجبه ذلك من شرك وخروج عن الإسلام!!

ما ذا يمكن أن يكون هدف هؤلاء الكتاب ، وأولئك الناشرين؟

وهل كتب علينا نحن الشيعة أن ندفع دائما الثمن ، وتتوالى علينا سهام الافتراءات والتهم؟ وأن يكون جواب دعوتنا الى الوحدة مع إخواننا السنة في مقابلة موجة العداء العالمية للإسلام ، أن نفاجئ بتحالف النواصب والأجانب ، ثم يقال لنا : اعترفوا بالكفر والخروج عن الدين ، أو تبرئوا من أهل بيت النبي الطاهرين ، الذين أوصى بهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى جانب القرآن!!

٢٣

تحرير المسألة

يقول علماء أصول الفقه : لا بد قبل البحث في المسألة من تحرير محل النزاع فيها .. وهو كلام علمي تماما ، لأن خلط الموضوعات يوجب خلط الأحكام ، فلا بد من إعراب المسألة الخلافية وفك الارتباط بين مفرداتها قبل طرحها للبحث ..

هذه هي المشكلة الأولى في مسألتنا ..

والمشكلة الثانية .. هي التهويل والكلام الفارغ عن المحتوى ..

فإذا استطعنا في هذه الدراسة أن نبتعد عن هاتين المشكلتين ، نكون توفقنا بعون الله تعالى الى تقديم بحث علمي نافع للمسلمين حول القرآن الكريم ، الركن الأهم والثقل الأكبر في الإسلام ، والى نفي تلك التهمة الكاذبة عن مذهب أهل بيت النبي عليهم‌السلام الذين أوصى بهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جنبا الى جنب القرآن.

إن البحث في موضوع مقدس كالقرآن ، وفي مسألة قرآنية خطيرة كمسألتنا .. يوجب على الباحث الذي يحترم نفسه وقلمه ، أن يراعي الأصول التالية :

أولا : معرفة نوع المسألة ، وهل هي مسألة علمية محضة أم مسألة عملية؟ هل المشكلة أنه توجد في مصادر المسلمين وبطون الكتب روايات تتنافى مع صيانة القرآن وسلامته؟ أم المشكلة أن أناسا منهم يعتقدون بتحريف القرآن ، لكي نثبت لهم سلامته وندعوهم الى الإيمان به؟

ثانيا : العدالة في النظر الى الروايات الواردة في مصادر الشيعة والسنة معا. أما أن يرى الكاتب الروايات التي في مصادر الشيعة ويغمض عينيه عما في مصادر السنة ، كما فعل الكتّاب الجدد الذين وجهوا التهمة الى الشيعة في عصرنا .. فهذا عمل لا ينسجم مع العدالة والموضوعية.

ثالثا : تحري الدقة في نقل الروايات وتحليلها والاستنتاج منها.

وإذا راعينا هذه الأصول في مسألتنا ، نجد أن واقعها ليس أكثر من وجود روايات في مصادر الشيعة تقول بنقص القرآن .. وفي مقابلها توجد روايات في مصادر السنة تقول بنقص القرآن ، وروايات أخرى تقول بزيادته ، وروايات أخرى تجوّز التصرف في نص القرآن.

٢٤

وإذا نظرنا الى واقع المسلمين الشيعة والسنة نجدهم مجمعين والحمد لله على صحة نسخة القرآن الموجودة في طول بلاد الشيعة وعرضها ، وطول بلاد السنة وعرضها ، لا يعرفون قرآنا غيرها.

فكيف يصح لكاتب والحال هذه أن يصدر حكمه ويقول : إن الطائفة الفلانية يعتقدون بالأمر الفلاني أو لا يعتقدون به ، فإن كلمة (يعتقدون) تعني أن ذلك الأمر موجود في مصادرهم ويقبله علماؤهم ويعتقدون به ويدرّسونه لعوامهم ، فهو من عقائدهم المعاشة في مجتمعاتهم ، كعقيدة الإمامة ، وانتظار الإمام المهدي عليه‌السلام ، عند الشيعة.

إن الفرق كبير بين وجود مطلب في مصادر طائفة من المسلمين ، وبين أن يكون مقبولا عند بعض علمائها أو كلهم .. وحتى لو كان مقبولا عند بعض العلماء فلا يعني ذلك أنه صار من عقائد طائفتهم ، إلا إذا كان أولئك العلماء باعتراف الطائفة ممثلين لمذهبها. فطبيعة المشكلة نظرية محضة لا عملية ، لأن العلماء المعاصرين من السنة والشيعة لا يأخذون بهذه الروايات ، بل يردونها أو يؤولونها .. فلا معنى لإصرار الكاتب على تحويلها إلى مشكلة عملية إلا أنه صاحب جدل وهدف غير نزيه .. وهذا ما ارتكبته الكتابات التي اتهمت الشيعة بأنهم لا يؤمنون بالقرآن!

فلو عكسنا القضية وقلنا إن السنة يعتقدون بتحريف القرآن ، لأن روايات التحريف موجودة في مصادرهم ، فهل يقبل ذلك منا أمثال هذا الكاتب؟!

وإذا استخرجنا له روايات التحريف من مصادرهم وقبلها منا بسبب ضعفه أو جهله ، فهل نكون موضوعيين في حكمنا على السنة بأنهم يعتقدون بتحريف القرآن؟

كلا ، إن غاية ما نستطيع قوله : إنه توجد في مصادرهم روايات تدل على تحريف القرآن ، ولا ندري موقف علمائهم المعاصرين منها ، فقد يقبلونها وقد لا يقبلونها ..

ثم إذا قبلوها وأولوها بتأويلات لا تتنافى باعتقادهم مع صيانة القرآن ، فهل يصح التهريج عليهم بأنكم اعتقدتم بتحريف القرآن وخرجتم بذلك عن الإسلام .. الى آخر الأحكام التي أصدرها على الشيعة خصومهم؟!

٢٥

مثلا ، يعتقد الشيعة بأن القرآن نزل من عند الواحد ، على حرف واحد ، على نبي واحد .. على حد تعبير أئمتنا من أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويعتقد إخواننا السنة أنه نزل على سبعة أحرف ، يعني بسبعة أشكال ، والأشكال السبعة كلها قرآن منزل. أو نزل بأحرف على عدد لغات العرب .. وكلها قرآن منزل!

وعند ما تسألهم : هل القرآن واحد أو متعدد؟ يجيبون : هو واحد.

تسألهم : كيف قلتم إنه نزل سبعة؟!

يقولون : نعم ، هو واحد ، ولكن سبعة!

فهل يصح أن نهوّل عليهم ونقول إنكم لا تعتقدون بالقرآن الواحد ، وتعتقدون بأنه سبعة قراءين؟

كلا ، إنها شبهة عرضت لهم بسبب تبني الخليفة عمر لهذا الرأي وتفسيره الأحرف السبعة التي وردت في حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن معاني القرآن سبعة أقسام ، ففسرها الخليفة عمر بألفاظ القرآن وأنه نزل من عند الله تعالى سبعة أشكال ، ويجوز للمسلم أن يقرأه بأي شكل منها .. فوقعوا في مشكلة أن الواحد سبعة والسبعة واحد!

إن مسألة القرآن أكثر دقة وتفصيلات ، وعلى الباحثين في العقائد أن يفهموا أنه لا يصح التبسيط في الأمر المركب ، ولا الحكم على صوره وحالاته بالجملة ، بل يجب تشخيص الحالة بدقة ، ثم إصدار الحكم على قدرها.

ومثال آخر أكثر وضوحا :

هل يقبل هؤلاء الكتاب الذين أصدروا حكمهم على الشيعة بأنهم يعتقدون بتحريف القرآن ، أن يؤلف باحث شيعي كتابا يقول فيه إن السنيين يؤمنون بنبوة عمر بن الخطاب ولا يؤمنون بنبوة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! ثم يسوق لذلك روايات من صحاحهم المعتمدة تذكر أن النبي كان يرى رأيا وعمر يرى رأيا ، ثم ينزل القرآن مخطئا رأي النبي ومؤيدا رأي عمر! أو أن النبي كان يخطئ الخطأ الفاحش فيستنكر ذلك عمر وينهاه عنه ، فيتدارك النبي أخطاءه ويصحح مواقفه بتسديد عمر! ثم يسرد لذلك مجموعة شواهد .. مثل مسألة أسرى بدر ، ومسألة حجاب نساء النبي ، ومسألة أمر

٢٦

النبي المزعوم للمسلمين أن يذبحوا جمالهم في مؤتة ، ومسألة أمر النبي المزعوم بقطع نخيل خيبر وكروم الطائف فنهاه عمر ..! حتى أن بعض محبي الخليفة ألفوا كتبا ونظموا قصائد في موافقات الله تعالى لعمر ، يعنون بذلك نزول القرآن أو الوحي بتخطئة رأي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتأييد رأي عمر!!

والأعظم من ذلك أنه عند ما تقع مواجهة بين عمر والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما حدث في طلب النبي من الحاضرين في مرض وفاته أن يأتوه بدواة وقرطاس ليكتب لهم وصيته لتأمينهم مدى الأجيال من الضلال ، فعارض ذلك عمر وأيده أكثر الحاضرين حتى غلبوا النبي ومنعوه من كتابة وصيته!!

وإلى يومنا هذا يقف إخواننا السنة الى جانب عمر ويبررون عمله ، ولعلهم يخطئون النبي كيف طلب الورق والدواة لكتابة وصيته ، وأراد أن يؤمن أمته من الضلال!!

هل يصح أن نجعل من ذلك مشكلة عملية مع إخواننا السنيين وندعوهم الى الإيمان بنبوة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وترك القول بنبوة عمر؟!

وإذا قال لنا علماء السنة : إنا نشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله ، ولا نقول بنبوة عمر ، بل نرى أن عمر فرد من المسلمين ، يجب عليه أن يكون مطيعا للنبي إطاعة كاملة! فهل يصح أن نصر عليهم ونقول : كلا لا نقبل منكم؟!

تلك هي مشكلتنا مع هؤلاء الباحثين الجدد الذين رفعوا في هذه السنوات راية عدم إيمان الشيعة بالقرآن ، بسبب أنه توجد في مصادرهم روايات تقول بحذف آيات منه نزلت في حق أهل البيت عليهم‌السلام!

معنى القول بتحريف القرآن

يطلق هذا التعبير على ادعاء التحريف اللفظي أو التحريف المعنوي ، أو كليهما.

وأهم أقسام التحريف اللفظي :

١ ـ القول بوجود نقص في القرآن ، أي كلمات أو آيات أو سور أنزلها الله تعالى ، وكانت جزء منه ، ثم ضاعت أو حذفت منه لسبب وآخر.

٢٧

٢ ـ القول بوجود زيادة في القرآن ، أي كلمات أو آيات أو سور لم ينزلها الله تعالى ، ثم أضيفت الى القرآن لسبب وآخر.

٣ ـ القول بوجود الزيادة والنقصان معا في القرآن.

٤ ـ القول بأن القرآن نزل من عند الله تعالى بأكثر من نص ، ولم ينزل بنص واحد ، بل نزل بالقراءات السبع أو العشر ، أو بكل لغات العرب .. فهي جميعا قرآن منزل من عند الله تعالى ، لأنها مروية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو مجازة منه ، أو من صحابته.

٥ ـ القول بأن القرآن نزل من عند الله تعالى بالمعنى لا بالألفاظ! وأن نصه مفتوح للقراءة بأي صيغة ، فيجوز قراءته بالمعنى بشرط أن يكون بألفاظ عربية وأن لا يغير القارئ معانيه الأساسية كأن يجعل العذاب مغفرة والمغفرة عذابا!

٦ ـ القول بأن القرآن الذي أنزله الله تعالى على رسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كتاب آخر غير هذا الموجود بأيدي المسلمين ، وإنكار هذا القرآن الموجود والعياذ بالله!

وأهم أقسام التحريف المعنوي :

١ ـ تأويل القرآن تبعا للهوى والأغراض الدنيوية ، وهو التأويل الذي أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه سيقع في أمته ، فقد روى السنة والشيعة روايات صحيحة أن النبي أخبر بأن عليا سوف يقاتل قريشا على تأويل القرآن ، كما قاتلهم النبي على تنزيله. كما في الترمذي ج ٥ ص ٢٩٨ وصححه ، والحاكم ج ٣ ص ١٢٢ وج ٤ ص ٢٩٨ وصححهما على شرط الشيخين ، وأحمد ج ٣ ص ٨٢ وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٣٣ (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة).

٢ ـ تفسير القرآن خارج الضوابط التي عينها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي ضوابط في المفسر وفي منهج التفسير. وقد ثبت بحديث إني تارك فيكم الثقلين أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عيّن عترته مفسرين شرعيين للقرآن ، فلا يجوز تجاوز تفسيرهم ، كما ثبت تحريم تفسير القرآن بالظنون والترجيحات والاحتمالات.

فالتفسير غير الشرعي إن كان عن هوى دنيوي دخل في التأويل ، وإلا فهو منهج خاطئ في تفسير كتاب الله تعالى ، وفي كلا الحالتين يصح أن يسمى تحريفا لمعانيه.

٢٨

أما التأويل الصحيح فليس تحريفا ولا تأويلا مذموما ، بل هو علم الكتاب المخصوص بأهله الراسخين في العلم ، الذين آتاهم الله تعالى الكتاب والحكمة وعلمهم تأويل الأحاديث. وهم عندنا عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين نص عليهم. واختلف إخواننا السنة في تحديد الراسخين في العلم الذين عندهم علم الكتاب ، فادعاه بعضهم لبعض الصحابة ، ونفى بعضهم وجودهم في الأمة ، حتى أنه لما رأى أن قوله تعالى قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب لا يمكن تفسيرها بغير علي ، حرّف الآية وقرأ (من) فيها بالكسر ، فقال (ومن عنده علم الكتاب) ليكون المعنى : وعند الله علم الكتاب!

معنى المصادر المعتمدة

يختلف معنى المصادر المعتمدة في الحديث والتفسير والتاريخ والفقه عندنا عن معناه عند إخواننا السنة ، فروايات مصادرنا المعتمدة وفتاواها جميعا قابلة للبحث العلمي والاجتهاد عندنا .. ولكل رواية في هذه المصادر أو رأي أو فتوى ، شخصيتها العلمية المستقلة ، ولا بد أن تخضع للبحث العلمي.

أما إخواننا السنيون فيرون أن مصادرهم المعتمدة فوق البحث العلمي ، فصحيح البخاري عندهم كتاب معصوم ، كله صحيح من الجلد الى الجلد ، بل أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى ، ورواياته قطعة واحدة ، فإما أن تأخذها وتؤمن بها كلها ، أو تتركها كلها. وبمجرد أن تحكم بضعف رواية واحدة من البخاري فإنك ضعفته كله ، وخرجت عن كونك سنيا .. وصرت مخالفا للبخاري ، ولأهل السنة والجماعة!

وينتج عن هذا الفرق أن الباحث الشيعي يمكن أن يبحث جديا في رواية من كتاب الكافي ، ويتوصل الى التوقف في سندها ، أو الى الاعتقاد بضعف سندها ، فلا يفتي بها ، ولا يضر ذلك في إيمانه وتشيعه .. بينما السني محروم من ذلك ، وإن فعل صدرت فيه فتاوى الخروج عن المذاهب الأربعة ، وقد يتهم بالرفض ومعاداة الصحابة!

٢٩

وينتج عنه أن الباحث إذا وجد رواية في تحريف القرآن في البخاري فإن من حقه أن يلزم السني بأن الاعتقاد بتحريف القرآن جزء من مذهبه! بينما إذا وجد رواية مثلها في الكافي لا يستطيع أن يلزم الشيعي بأنها جزء من مذهبه حتى يسأله : هل تعتقد بصحتها أم لا؟ أو هل يعتقد مرجع تقليدك بصحتها أم لا؟ فإن أجابه نعم ، ألزمه بها ، وإلا فلا.

الصيغة العلمية ل (التهمة)

صار بإمكاننا الآن أن نضع صيغة علمية للتهمة ، وذلك بأن نسأل هذا الكاتب وأمثاله :

ـ ما ذا تقصد بقولك : إن الشيعة يعتقدون بتحريف القرآن فهم غير مسلمين؟

ـ أقصد التحريف اللفظي طبعا ، وليس المعنوي.

ـ حسنا ، أي أقسام التحريف اللفظي تقصد؟

ـ القول بنقص القرآن ، وأنه حذف منه آيات نزلت في مدح أهل البيت وذم مخالفيهم.

ـ إذن روايات التهمة كلها تدور حول أن نسخة القرآن الفعلية ناقصة ، فهل رأيت نصا في مصادرنا يقول بزيادة سورة أو كلمة في القرآن الموجود؟

ـ كلا ، لم أر نصا يقول بذلك.

ـ الحمد لله على أنه لا توجد في مصادر الشيعة روايات تدعي الزيادة في القرآن ، فالقرآن الموجود محل اتفاق ، والروايات التي هي محل الكلام تدعي وجود إضافة لما هو موجود. هذا هو تحديد التهمة.

وإن من أبسط أصول العدالة إذا وجه إليك أخوك تهمة ما ، أن تقول له : أنظر أيها الأخ الى نفسك .. فإن رأيت نفس التهمة موجودة فيك ، فكن أنت الحكم ، وأصدر الحكم عليّ بما تصدره على نفسك!!

لذا نرجو أن يسمح لنا إخواننا السنة بأن نسجل تهمة أخرى لمصادرهم بأنها يوجد فيها روايات كثيرة في تحريف القرآن ، أكثر وأخطر من التي عندنا ، ففيها روايات تدعي

٣٠

نقص القرآن وتقول إن القرآن الموجود لا يبلغ ثلث القرآن المنزل .. وروايات تقول بوجود سور وآيات زيدت على القرآن .. وروايات أخرى تقول بأن ما نزل من عند الله تعالى ليس قرآنا واحدا بل هو قراءين متعددة بعدد لهجات قبائل العرب!

ثم تبلغ المصيبة أوجها عند ما نجد في مصادرهم أحاديث (موثقة) تحرر المسلمين من النص القرآني وتجوز قراءته بالمعنى .. وتدعي أن كل قراءة له تكون قرآنا منزلا من عند الله تعالى!!

ومع كل هذا .. فنحن نوجه التهمة الى تلك المصادر وأصحاب تلك الروايات ، ولا نصدر الحكم على إخواننا السنة بأنهم يعتقدون بتحريف القرآن ، ولا نكفر ملايين المسلمين لأنهم لا بد أنهم يعتقدون بتلك الروايات!

كنا نأمل أن تتوقف موجة التهمة لنا بأنا لا نعتقد بالقرآن ، أو أن ينبري بعض إخواننا علماء السنة فيجيبوا أصحاب هذه التهمة ، ويأخذوا على يد السفهاء الذين يرفعونها شعارا ضد الشيعة ...

ولكنا لم نر شيئا من ذلك مع الأسف .. فكان لا بد أن نستخرج نماذج من روايات مصادر إخواننا في هذه الصفحات ، راجين أن يعالجوها معالجة علمية كما نعالج الروايات التي في مصادرنا ، وأن ينتهي هذا التنابز والتهريج بأن الشيعة أو السنة لا يؤمنون بالقرآن .. حتى تتوجه جهودنا وجهودهم الى بحوث القرآن وتعريف المسلمين بجواهره وكنوزه .. ودعوة العالم الى هداه .. فذلك خير لنا عند الله وعند الناس.

٣١
٣٢

الفصل الثاني

خلاصة ردود علماء الشيعة

٣٣
٣٤

خلاصة ردود علماء الشيعة

صدرت عن علماء الشيعة ردود عديدة على تهمة القول بتحريف القرآن ، نذكر خلاصة أفكارها بما يلي :

١ ـ أن واقع الشيعة في العالم يكذب التهمة

فالشيعة ليسوا طائفة قليلة تعيش في قرية نائية أو مجتمع مقفل ، حتى يخفى قرآنهم الذي يعتقدون به ويقرءونه. بل هم ملايين الناس وعشرات الملايين ، يعيشون في أكثر بلاد العالم الإسلامي ، وهذه بلادهم وبيوتهم ومساجدهم وحسينياتهم ومدارسهم وحوزاتهم العلمية ، لا تجد فيها إلا نسخة هذا القرآن .. ولو كانوا لا يعتقدون به ويعتقدون بغيره دونه أو معه ، فلما ذا يقرءونه في بيوتهم ومراكزهم ومناسباتهم ولا يقرءون غيره؟ ولما ذا يدرسونه ولا يدرسون غيره؟!

٢ ـ ومذهب التشيع مبني على التمسك بالقرآن والعترة

قام مذهب التشيع لأهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على الاعتقاد بأن الله تعالى أمر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يوصي أمته بالتمسك بعده بالقرآن وعترة النبي ، لأنه اختارهم للإمامة وقيادة الأمة بعد نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وحديث الثقلين حديث ثابت عند الشيعة والسنة ، فقد رواه أحمد في مسنده ج ٣ ص ١٧ (عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إني أوشك أن ادعى

٣٥

فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عزوجل وعترتي. كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض ، وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروني بم تخلفوني فيهما؟!).

وقد بلغت مصادر هذا الحديث من الكثرة وتعدد الطرق عند الطرفين بحيث أن أحد علماء الهند ألف في أسانيده وطرقه كتاب (عبقات الأنوار) من عدة مجلدات.

وعند ما يقوم مذهب طائفة على التمسك بوصية النبي بالثقلين ، الثقل الأكبر القرآن والثقل الأصغر أهل بيت نبيهم .. فكيف يصح اتهامهم بأنهم لا يؤمنون بأحد ركني مذهبهم؟!

إن مثل القرآن والعترة ـ الذين هم المفسرون للقرآن والمبلغون للسنة ـ في مذهبنا ، كمثل الأوكسجين والهيدروجين ، فبدون أحدهما لا يتحقق وجود مذهب التشيع ..

ولم تقتصر تأكيدات النبي على التمسك بعترته على حديث الثقلين ، بل كانت متكررة وممتدة طوال حياته الشريفة ، وكان أولها مبكرا في مرحلة دعوة عشيرته الأقربين ـ التي يقفز عنها كتاب السيرة في عصرنا ويسمونها مرحلة دار الأرقم ـ يوم نزل قوله تعالى (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) فجمع بني عبد المطلب ودعاهم الى الإسلام ، وأعلن لهم أن عليا وزيره وخليفته من بعده!

قال السيد شرف الدين في المراجعات ص ١٨٧ (... فدعاهم الى دار عمه أبي طالب وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه ، وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب ، والحديث في ذلك من صحاح السنن المأثورة ، وفي آخره قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ، جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على أمري هذا على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم عنها غير علي ـ وكان أصغرهم ـ إذ قام فقال : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ رسول الله برقبته وقال : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا. فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع!) انتهى.

وتواصلت تأكيدات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد حديث الدار في مناسبات عديدة ، كان منها حديث الثقلين ، وكان منها تحديد من هم أهل بيته الذين أذهب الله عنهم

٣٦

الرجس .. ثم كان أوجها أن أخذ البيعة من المسلمين لعلي في حجة الوداع في مكان يدعى غدير خم .. وقد روت ذلك مصادر الفريقين أيضا ، وألف أحد علماء الشيعة كتاب (الغدير) من عدة مجلدات في جمع أسانيده وما يتعلق به.

٣ ـ والشيعة عندهم قاعدة عرض الأحاديث على القرآن

من مباحث أصول الفقه عند الشيعة والسنة : مسألة تعارض الأحاديث مع القرآن ، وتعارض الأحاديث فيما بينها .. وفي كلتا المسألتين يتشدد الشيعة في ترجيح القرآن أكثر من إخوانهم السنة ، فعلماء السنة مثلا يجوزون نسخ آيات القرآن بالحديث حتى لو رواه صحابي واحد .. ولذلك صححوا موقف الخليفة أبي بكر السلبي من فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، حيث صادر منها (فدك) التي نحلها إياها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانت بيدها في حياة أبيها ، ثم منعها إرثها من أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله بدعوى أنه سمع النبي يقول (نحن معاشر الأنبياء لا نورّث) فما تركه النبي يكون صدقة بيد الدولة .. واحتجت عليه فاطمة الزهراء بالقرآن وقالت له كما روى النعماني المغربي في شرح الأخبار ج ٣ ص ٣٦ يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ..؟! لقد جئت شيئا فريّا ، فقال علماء السنة إن عمل أبي بكر صحيح ، وآيات الإرث في القرآن منسوخة بالرواية التي رواها أبو بكر وحده ، ولم يروها غيره!

أما إذا تعارض الحديثان فقد وضع علماء الأصول والحديث لذلك موازين لترجيح أحدهما على الآخر ، ومن أولها عند الفريقين الأخذ بالحديث الموافق لكتاب الله تعالى وترك ما خالفه .. إلخ. وزاد علماء الشيعة على ذلك أنه بقطع النظر عن وجود التعارض بين الأحاديث أو عدم وجوده ، فإنه يجب عرض كل حديث على كتاب الله تعالى ، والأخذ بما وافقه إن استكمل بقية شروط القبول الأخرى ، ورد ما خالفه وإن استجمع شروط القبول الأخرى ، ورووا في ذلك روايات صحيحة عن النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله .. ففي الكافي ج ١ ص ٦٩ (عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه.

٣٧

... عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : خطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنى فقال : أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله.

... عن عبد الله بن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به؟ قال إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلا فالذي جاءكم به أولى به.

... عن أيوب بن الحر قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كل شىء مردود الى الكتاب والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف).

وفي تهذيب الأحكام للطوسي ج ٧ ص ٢٧٥ (... فهذان الخبران قد وردا شاذين مخالفين لظاهر كتاب الله ، وكل حديث ورد هذا المورد فإنه لا يجوز العمل عليه ، لأنه روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الأئمة عليهم‌السلام أنهم قالوا إذا جاءكم منا حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فاطرحوه أو ردوه علينا. وهذان الخبران مخالفان على ما ترى ..) انتهى.

فكيف يتهم الشيعة بعدم الاعتقاد بالقرآن ، والقرآن هو المقياس الأول في مذهبهم ، وهم يخوضون معركة فكرية مع إخوانهم السنة ويكافحون من أجل تحكيم نصوص القرآن ، وقد اشتهرت عنهم إشكالاتهم على اجتهادات الخلفاء في مقابل نص القرآن والسنة ، وما زال علماء السنة الى عصرنا يسعون للإجابة على هذه الإشكالات!

٤ ـ وتاريخ الشيعة وثقافتهم مبنيان على القرآن

والشيعة ليسوا طائفة مستحدثة ، بل جذورهم ضاربة الى زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث كان عدد من الصحابة يلتفون حول علي عليه‌السلام ، فشجعهم النبي على ذلك ، ومدحهم وأبلغهم مدح الله تعالى لهم ، كما ترويه مصادر السنة والشيعة .. فقد روى السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٣٧٩ في تفسير قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) فقال :

(وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأقبل عليّ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون

٣٨

يوم القيامة. ونزلت : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ). فكان أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أقبل عليّ قالوا : جاء خير البرية.

وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعا : عليّ خير البرية.

وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لما نزلت : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ). قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين.

وأخرج ابن مردويه عن علي قال قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألم تسمع قول الله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ، أنت وشيعتك. وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب ، تدعون غرا محجلين) انتهى.

فعليّ وشيعته كانوا وجودا مميزا في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم الذين كانوا مشغولين مع علي بجنازة النبي ، عند ما بادر الآخرون الى السقيفة ورتبوا بيعة أبي بكر ، فأدان علي وفاطمة وشيعتهم هذا التصرف ، واتخذوا موقف المعارضة .. وعند ما بويع علي بالخلافة كانوا معه في مواجهة الانحراف وتنفيذ وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقتال على تأويل القرآن .. ثم كانوا مع أبنائه الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام .. وعبر القرون كان الشيعة قطاعا كبيرا حيويا واسع الامتداد في الأمة تمثل في مجتمعات ودول ، وتاريخ معروف مدون .. وثقافتهم ومؤلفاتهم كثيرة وغزيرة ، وقد كانت وما زالت في متناول الجميع ، ومحورها كلها القرآن والسنة ، ولا أثر فيها لوجود قرآن آخر!!

٥ ـ وتفاسيرهم ومؤلفاتهم حول القرآن

يمكن القول بأن نسبة عدد الشيعة عبر العصور المختلفة كانت خمس عدد الأمة الإسلامية ، وبقية المذاهب السنية أربعة أخماس .. فالوضع الطبيعي أن تكون نسبة مؤلفاتهم في تفسير القرآن ومواضيعه الأخرى خمس مجموع مؤلفات إخوانهم السنة ..

وإذا لاحظنا ظروف الاضطهاد التي عاشها الشيعة عبر القرون ، نكون منصفين إذا توقعنا من علمائهم عشر ما ألفه إخوانهم السنة حول القرآن بل نصف العشر .. بينما نجد أن مؤلفات الشيعة حول القرآن قد تزيد على الثلث!

٣٩

وقد أحصت دار القرآن الكريم في قم التي أسسها مرجع الشيعة الراحل السيد الكلبايكاني رحمه‌الله ، مؤلفات الشيعة في التفسير فقط في القرون المختلفة ، فزادت على خمسة آلاف مؤلف ..

فكيف يصح أن نعمد الى طائفة أسهموا على مدى التاريخ الإسلامي أكثر من غيرهم في التأليف في تفسير القرآن وعلومه .. ونتهمهم بعدم الإيمان بالقرآن ، أو بأن عندهم قرآنا آخر!!

٦ ـ وفقه الشيعة في احترام القرآن أكثر تشددا

توجد مجموعة أحكام شرعية عند الشيعة تتعلق بوجوب احترام نسخة القرآن الكريم وحرمة إهانتها .. فلا يجوز عندنا مس خط القرآن لغير المتوضئ ، ولا يجوز القيام بأي عمل يعتبر عرفا إهانة للقرآن ولو لم يقصد صاحبه الإهانة ، كأن يضع نسخة القرآن في مكان غير مناسب ، أو يرميها رميا غير لائق ، أو ينام ونسخة المصحف في مكان مواجه لقدميه ، أو يضعها في متناول طفل يعبث بها .. الى آخر هذه الأحكام التي تشاهدها في كتب الفقه العملي الذي يعلم الناس الصلاة والوضوء والأحكام التي يحتاجها الشيعي في حياته اليومية .. فأي قرآن تقصد هذه الأحكام التي تعلمها نساء الشيعة لأطفالهن ..؟ هل تقصد قرآن الشيعة المزعوم الذي لا يعرفه الشيعة ولا رأوه؟!

٧ ـ وفتاوى علماء الشيعة بعدم تحريف القرآن

الذين يمثلون الشيعة في كل عصر هم علماؤهم ، فهم الخبراء بمذهب التشيع لأهل البيت عليهم‌السلام ، الذين يميزون ما هو جزء منه وما هو خارج عنه .. وعند ما نقول علماء الشيعة نعني بالدرجة الأولى مراجع التقليد الذين يرجع إليهم ملايين الشيعة ويقلدونهم ، ويأخذون منهم أحكام دينهم في كيفية صلاتهم وصومهم وحجهم ، وأحكام زواجهم وطلاقهم وإرثهم ، وأحكام معاملاتهم .. فهؤلاء الفقهاء ، الذين هم كبار المجتهدين في كل عصر ، يعتبر قولهم رأي الشيعة ، وعقيدتهم عقيدة الشيعة.

٤٠