تدوين القرآن

الشيخ علي الكوراني العاملي

تدوين القرآن

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

ليس في قرآننا الفعلي لحن ولا غلط

في مصادر إخواننا السنة روايات يفهم منها أن ترتيب القرآن الفعلي كان اجتهادا من الخليفة عثمان أو الصحابة الذين جمعوه ، أو أنهم تدخلوا جزئيا في ترتيبه ، كالذي رواه أبو داود في سننه ج ١ ص ١٨٢ :

(... عن يزيد الفارسي ، قال : سمعت ابن عباس قال : قلت لعثمان بن عفان : ما حملكم أن عمدتم الى براءة وهي من المئين وإلى الأنفال وهي من المثانى فجعلتموهما في السبع الطوال ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال عثمان : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما تنزل عليه الآيات فيدعو بعض من كان يكتب له ويقول له : ضع هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا. وتنزل عليه الآية والآيتان فيقول مثل ذلك ، وكانت الأنفال من أول ما أنزل عليه بالمدينة ، وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها ، فمن هناك وضعتهما في السبع الطوال ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم).

ورواه الترمذي في سننه ج ٤ ص ٣٣٦ ، وأحمد في مسنده ج ١ ص ٥٧ وص ٦٩ وابن شبة في تاريخ المدينة المنورة ج ٣ ص ٥ والحاكم ج ٢ ص ٢٣٠ ، وص ٢٢١ وقال (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) والبيهقي في سننه ج ٢ ص ٤٢ والهندي في كنز العمال ج ٢ ص ٥٧٩

ولا يمكن قبول أمثال هذه الروايات ، لأنها تنافي أوصاف النسخة المذكورة في رسالة الخليفة الى الأمصار ، وتنافي الروايات الأخرى التي تدل على أن الخليفة عثمان لم يتدخل فنيا في جمع القرآن ، بل ترك الأمر للمملي الموثوق سعيد بن العاص.

كما وردت روايات أخرى تدعي أن الكتاب عند ما جمعوا القرآن اشتبهوا في الكتابة ودخلت أغلاطهم في نسخة القرآن! كالتي رواها ابن شبة في تاريخ المدينة ج ٣ ص ١٠١٤ (... عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : سألت عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) وقوله إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة وأشباه ذلك؟ فقالت : أي بني إن الكتاب يخطئون)!

٣٤١

وهي روايات مرفوضة لأن تدوين القرآن كان أدق مما يتصوره أصحاب هذا الكلام .. وقد وجدت رواية يظهر أنها أصدق وصف لعملية التدوين ، وأن كتّاب القرآن كانوا مقيدين حرفيا بما يمليه المملي سعيد بن العاص .. وهي ما رواه ابن شبة في نفس المكان عن أبان بن عثمان ، قال (... عن الزبير أن خاله قال : قلت لأبان بن عثمان وكان ممن حضر كتاب المصحف : كيف كتبتم والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة فقال : كان الكاتب يكتب والمملي يملي ، فقال اكتب ، قال : ما أكتب؟ قال أكتب والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة). انتهى ، وإنما قال له المملي ذلك لأنه يملي من نسخة دقيقة ولا يتصرف فيها بحرف. وقد أشرنا الى أن تمييز أحد المعطوفات بإعراب عن الباقية له دلالة في اللغة العربية ، كما تضع تحت كلمة خطا أو تكتبها بحرف كبير.

كذلك لا يمكن لباحث مدقق أن يقبل الروايات التي تقدمت عن الخليفة عثمان ، التي تدعي أن في القرآن خطأ أو لحنا ، وأن العرب ستقومه بألسنتها! سواء كانت صادرة عن الخليفة أو مكذوبة عليه .. لأنها تتنافى مع واقع القرآن الذي قرأه ملايين العرب بعد جمعه وفيهم الفصحاء والأدباء ، وفيهم العدو الذي يبحث عن نقطة ضعف في القرآن ، ولم يستطيعوا أن يأخذوا على نسخته التي بأيدينا غلطا أو لحنا .. ولأنها تتنافى مع ثقة الخليفة بالمملي والنسخة التي أملاها كما قدمنا.

ومما يؤيد ضعف كل الروايات التي تنتقد نسخة المصحف الإمام ، أن المعارضين لتوحيد القرآن قاموا بجملة كبيرة ، واتهموا النسخة التي جمعها الخليفة عثمان بأن فيها نقاط ضعف ، من أجل تبرير بقائهم على قراءاتهم السابقة! ولا شك أن بعض هذه الروايات إن لم يكن كلها من مقولاتهم وموضوعاتهم!

وقد برأ ابن تيمية الخليفة عثمان من هذه الروايات ولكنه لم يبرئ أم المؤمنين عائشة! قال في تفسيره ج ٥ ص ٢٠٧ :

(وهذا ما يبين غلط من قال في بعض الألفاظ إنه غلط من الكاتب ... قال الزجاج في قوله (الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) قول من قال إنه خطأ بعيد جدا ، لأن الذين جمعوا القرآن هم أهل اللغة والقدوة ، فكيف يتركون شيئا يصلحه غيرهم فلا ينبغي أن ينسب هذا إليهم.

٣٤٢

وقال ابن الأنباري : حديث عثمان لا يصح لأنه غير متصل ، ومحال أن يؤخر عثمان شيئا ليصلحه من بعده) انتهى.

نسختان من القرآن عند علي عليه‌السلام

نذكر فيما يلي بقية الروايات التي وردت في مصادرنا ومصادر إخواننا حول مصحف علي عليه‌السلام لنستخلص النتيجة. فقد روى ابن سعد في الطبقات ج ٢ ق ٢ ص ١٠١ :

(عن محمد بن سيرين قال : نبئت أن عليا أبطأ عن بيعة أبي بكر فلقيه أبو بكر فقال أكرهت إمارتي؟ قال لا ، ولكن آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلا الى الصلاة حتى أجمع القرآن ، قال فزعموا أنه كتبه على تنزيل قال محمد : فلو أصبت ذلك الكتاب كان فيه علم ، قال ابن عون : فسألت عكرمة عن ذلك الكتاب فلم يعرفه). ورواه في كنز العمال ج ٢ ص ٥٨٨ وقال ابن عبد البر في الاستيعاب ج ٣ ص ٩٧٤ :

(حدثنا أيوب السختياني ، عن محمد بن سيرين ، قال : لما بويع أبو بكر الصديق أبطأ على عن بيعته وجلس في بيته فبعث إليه أبو بكر : ما أبطأ بك عني أكرهت إمارتي؟ قال علي : ما كرهت إمارتك ، ولكني آليت ألا أرتدي ردائي إلا الى صلاة حتى أجمع القرآن. قال ابن سيرين : فبلغني أنه كتب على تنزيله ، ولو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير).

ورواه عبد الرزاق في مصنفه ج ٥ ص ٤٥٠ وقال في هامشه : رواه البلاذري عن ابن سيرين موقوفا مختصرا ، راجع أنساب الأشراف ١ : ٥٨٧ انتهى.

وقال ابن جزي في التسهيل ج ١ ص ٦ :

(وكان القرآن على عهد رسول الله متفرقا في الصحف وفي صدور الرجال ، فلما توفي رسول الله قعد علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بيته فجمعه على ترتيب نزوله. ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير ، ولكنه لم يوجد).

وقال عن تميز علي عن الصحابة في علمه بالقرآن ص ١٣ :

(واعلم أن المفسرين على طبقات فالطبقة الأولى الصحابة رضي الله عنهم وأكثرهم كلاما في التفسير ابن عباس ، وكان علي بن أبي طالب رضي الله يثنى على تفسير ابن عباس ويقول كان ينظر الى الغيب من ستر رقيق. وقال ابن عباس : ما عندي من

٣٤٣

تفسير القرآن فهو من علي بن أبي طالب ، ويتلوهما عبد الله بن مسعود ، وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص. وكلما جاء من التفسير من الصحابة فهو حسن).

وقال ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٣١٩ :

(ومن عجب أمره في هذا الباب أنه لا شىء من العلوم إلا وأهله يجعلون عليا قدوة فصار قوله قبلة في الشريعة ، فمنه سمع القرآن.

ذكر الشيرازي في نزول القرآن وأبو يوسف يعقوب في تفسيره عن ابن عباس في قوله لا تحرك به لسانك ، كان النبي يحرك شفتيه عند الوحي ليحفظه وقيل له لا تحرك به لسانك يعني بالقرآن لتعجل به من قبل أن يفرغ به من قراءته عليك إن علينا جمعه وقرآنه ، قال ضمن الله محمدا أن يجمع القرآن بعد رسول الله علي بن أبي طالب. قال ابن عباس : فجمع الله القرآن في قلب علي وجمعه علي بعد موت رسول الله بستة أشهر.

وفي أخبار ابن أبي رافع أن النبي قال في مرضه الذي توفي فيه لعلي : يا علي هذا كتاب الله خذه إليك ، فجمعه على في ثوب فمضى الى منزله فلما قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جلس علي عليه‌السلام فألفه كما أنزله الله وكان به عالما.

وحدثني أبو العلاء العطار والموفق خطيب خوارزم في كتابيهما بالإسناد عن علي بن رباح أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر عليا بتأليف القرآن فألفه وكتبه.

جبلة بن سحيم ، عن أبيه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : لو ثني لي الوسادة وعرف لي حقي لأخرجت لهم مصحفا كتبته وأملاه علي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ...

أبو نعيم في الحلية والخطيب في الأربعين بالإسناد عن السدي عن عبد خير عن علي عليه‌السلام قال : لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقسمت أو حلفت أن لا أضع ردائي عن ظهري حتى أجمع ما بين اللوحين ، فما وضعت ردائي حتى جمعت القرآن.

وفي أخبار أهل البيت عليهم‌السلام أنه آلى أن لا يضع رداءه على عاتقه إلا للصلاة حتى يؤلف القرآن ويجمعه ، فانقطع عنهم مدة الى أن جمعه ، ثم خرج إليهم به في إزار يحمله وهم مجتمعون في المسجد ، فأنكروا مصيره بعد انقطاع مع التيه ، فقالوا : لأمر ما

٣٤٤

جاء أبو الحسن؟ فلما توسطهم وضع الكتاب بينهم ، ثم قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وهذا الكتاب وأنا العترة ، فقام إليه الثاني فقال له : إن يكن عندك قرآن فعندنا مثله ، فلا حاجة لنا فيكما! فحمل عليه‌السلام الكتاب وعاد به بعد أن ألزمهم الحجة ... الخ.

ومنهم العلماء بالقراءات : أحمد بن حنبل وابن بطة وأبو يعلى في مصنفاتهم عن الأعمش عن أبي بكر بن أبي عياش في خبر طويل أنه قرأ رجلان ثلاثين آية من الأحقاف فاختلفا في قراءتهما ، فقال ابن مسعود : هذا الخلاف ما أقرؤه ، فذهبت بهما الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فغضب وعلي عنده فقال علي : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأمركم أن تقرءوا كما علمتم ، وهذا دليل على علم علي بوجوه القراءات المختلفة.

وروي أن زيدا لما قرأ (التابوة) قال علي عليه‌السلام اكتبه (التابوت) فكتبه كذلك.

والقراء السبعة الى قراءته يرجعون ، فأما حمزة والكسائي فيعولان على قراءة علي عليه‌السلام وابن مسعود ، وليس مصحفهما مصحف ابن مسعود ، فهما إنما يرجعان الى علي ويوافقان ابن مسعود فيما يجري مجرى الأعراب ، وقد قال ابن مسعود : ما رأيت أحدا أقرأ من علي بن أبي طالب عليه‌السلام للقرآن.

فأما نافع وابن كثير وأبو عمرو فمعظم قراءتهم ترجع الى ابن عباس ، وابن عباس قرأ على أبي بن كعب وعلي عليه‌السلام ، والذي قرأه هؤلاء القراء يخالف قراءة أبي ، فهو إذا مأخوذ عن علي عليه‌السلام.

وأما عاصم فقرأ على أبي عبد الرحمن السلمي ، وقال أبو عبد الرحمن : قرأت القرآن كله على علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقالوا أفصح القراءات قراءة عاصم ، لأنه أتى بالأصل ، وذلك أنه يظهر ما أدغمه غيره ، ويحقق من الهمز ما لينه غيره ، ويفتح من الألفات ما أماله غيره.

٣٤٥

والعدد الكوفي في القرآن منسوب الى علي عليه‌السلام ليس في الصحابة من ينسب إليه العدد غيره ، وإنما كتب عدد ذلك كل مصر عن بعض التابعين.

ومنهم المفسرون كعبد الله بن العباس وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ، وهم معترفون له بالتقدم.

تفسير النقاش قال ابن عباس : جل ما تعلمت من التفسير من علي بن أبي طالب عليه‌السلام وابن مسعود ، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها إلا وله ظهر وبطن ، وإن علي بن أبي طالب عليه‌السلام علم الظاهر والباطن.

فضائل العكبري : قال الشعبي : ما أحد أعلم بكتاب الله بعد نبي الله من علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

تاريخ البلاذري وحلية الأولياء : قال علي عليه‌السلام والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت ، أبليل نزلت أم بنهار نزلت ، في سهل أو جبل. إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا سئولا.

قوت القلوب : قال علي عليه‌السلام لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا في تفسير فاتحة الكتاب. وما وجد المفسرون قوله إلا ويأخذون به) انتهى.

ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج ٤٤ ص ١٥٥ وج ٩٣ ص ٥١

وروى العياشي في تفسيره ج ١ ص ١٤ :

(عن الأصبغ بن نباتة قال : لما قدم أمير المؤمنين عليه‌السلام الكوفة صلّى بهم أربعين صباحا يقرأ بهم (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال فقال المنافقون : لا والله ما يحسن ابن أبي طالب أن يقرأ القرآن! ولو أحسن أن يقرأ القرآن لقرأ بنا غير هذه السورة!

قال : فبلغه ذلك فقال : ويل لهم! إني لأعرف ناسخه من منسوخه ومحكمه من متشابهه وفصله من فصاله وحروفه من معانيه ، والله ما من حرف نزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا أني أعرف فيمن أنزل وفي أي يوم وفي أي موضع!

ويل لهم! أما يقرءون (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) والله عندي ، ورثتهما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد أنهى الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من إبراهيم وموسى عليهما‌السلام.

٣٤٦

ويل لهم! والله أنا الذي أنزل الله فيّ وتعيها أذن واعية فإنما كنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيخبرنا بالوحي فأعيه أنا ومن يعيه ، فإذا خرجنا قالوا : ما ذا قال آنفا؟!).

وروى الكليني في الكافي ج ١ ص ٦٢ :

(... عن سليم بن قيس الهلالي ، قال : قلت لأمير المؤمنين عليه‌السلام : إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غير ما في أيدي الناس ، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنتم تخالفونهم فيها ، وتزعمون أن ذلك كله باطل ، أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متعمدين ، ويفسرون القرآن بآرائهم؟!

قال : فأقبل علي فقال : قد سألت فافهم الجواب :

إن في أيدي الناس حقا وباطلا ، وصدقا وكذبا ، وناسخا ومنسوخا ، وعاما وخاصا ، ومحكما ومتشابها ، وحفظا ووهما ، وقد كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على عهده حتى قام خطيبا فقال : أيها الناس قد كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار ، ثم كذب عليه من بعده.

وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس : رجل منافق يظهر الإيمان ، متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متعمدا ، فلو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ، ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورآه وسمع منه وأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله! وقد أخبر الله عن المنافقين بما أخبر ووصفهم بما وصفهم فقال عزوجل (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ). ثم بقوا بعده فتقربوا الى أئمة الضلالة والدعاة الى النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الأعمال ، وحملوهم على رقاب الناس ، وأكلوا بهم الدنيا ، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله ، فهذا أحد الأربعة.

٣٤٧

ورجل ، سمع من رسول الله شيئا لم يحمله على وجهه ووهم فيه ، ولم يتعمد كذبا ، فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه فيقول : أنا سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه.

ورجل ثالث ، سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم ، أو سمعه ينهى عن شىء ثم أمر به وهو لا يعلم ، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ ، ولو علم أنه منسوخ لرفضه ، ولم علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.

وآخر رابع ، لم يكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مبغض للكذب خوفا من الله وتعظيما لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم ينسه بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه ، وعلم الناسخ من المنسوخ ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ ، فإن أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل القرآن ناسخ ومنسوخ وخاص وعام ومحكم ومتشابه ، قد كان يكون من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الكلام له وجهان : كلام عام وكلام خاص مثل القرآن وقال الله عزوجل في كتابه : (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ، فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عني الله به ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وليس كل أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسأله عن الشيء فيفهم ، وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه ، حتى أن كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي والطاري فيسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يسمعوا. وقد كنت أدخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كل يوم دخلة وكل ليلة دخلة فيخليني فيها أدور معه حيث دار ، وقد علم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري فربما كان في بيتي يأتيني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر ذلك في بيتي ، وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عني نسائه فلا يبقى عنده غيري ، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة ولا أحد من بني ، وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني ، فما نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها

٣٤٨

وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وخاصها وعامها ، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علما أملاه علي وكتبته ، منذ دعا الله لي بما دعا ، وما ترك شيئا علمه الله من حلال ولا حرام ، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته ، فلم أنس حرفا واحدا ، ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علما وفهما وحكما ونورا ، فقلت : يا نبي الله بأبي أنت وأمي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا ولم يفتني شىء لم أكتبه أفتتخوف علي النسيان فيما بعد؟ فقال : لا لست أتخوف عليك النسيان والجهل).

ورواه الصدوق في الخصال ص ٢٥٥ ، والعياشي في تفسيره ج ١ ص ١٤ ، والنعماني في الغيبة ص ٥٩ ، والمجلسي في بحار الأنوار ج ٤٠ ص ٢٧٥ وج ٤٤ ص ١٣٩.

وأصل هذه الرواية أكبر مما نقله الكليني ، وقد أوردت المصادر بقية أجزائها .. ومن ذلك ما رواه العياشي في تفسيره ج ١ ص ٢٥٣ :

(عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت عليا عليه‌السلام : يقول ما نزلت على رسول الله آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها عليّ فاكتبها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها ، ودعا الله لي أن يعلمني فهمها وحفظها فما نسيت آية من كتاب الله ولا علما أملاه عليّ فكتبته بيدي على ما دعا لي ، وما نزل شىء علمه الله من حلال ولا حرام ، أمر ولا نهي كان أو يكون من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته فلم أنس منه حرفا واحدا ، ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علما وفهما وحكمة ونورا فلم أنس شيئا ولم يفتني شىء لم أكتبه ، فقلت : يا رسول الله أتخوفت عليّ النسيان فيما بعد؟ فقال : لست أتخوف عليك نسيانا ولا جهلا ، وقد أخبرني ربي أنه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك ، فقلت : يا رسول الله ومن شركائي من بعدي؟ قال : الذين قرنهم الله بنفسه وبي فقال : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ، الأئمة ، فقلت : يا رسول الله ومن هم؟ فقال الأوصياء مني الى أن يردوا عليّ الحوض كلهم هاد مهتد لا يضرهم من خذلهم ، هم مع القرآن ، والقرآن معهم ، لا يفارقهم ولا يفارقونه ، بهم تنصر أمتي ، وبهم يمطرون وبهم يدفع عنهم ، وبهم يستجاب دعاؤهم ،

٣٤٩

فقلت : يا رسول الله سمهم لي ، فقال لي : ابني هذا ووضع يده على رأس الحسن ، ثم ابني هذا ووضع يده على رأس الحسين ، ثم ابن له يقال له علي ، وسيولد في حياتك فأقرأه مني السلام ، ثم تكملة الى اثني عشر من ولد محمد ، فقلت له : بأبي وأمي أنت سمهم فسماهم لي رجلا رجلا ، فيهم والله يا أخا بني هلال مهدي أمة محمد الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملأت جورا وظلما ، والله إني لأعرف من يبايعه بين الركن والمقام ، وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم. وذكر الحديث بتمامه) انتهى.

وهي رواية صريحة بأن القرآن كله كان مكتوبا عند علي عليه‌السلام من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن النبي كان حريصا على أن يكتب عنه علي ، أو مأمورا من الله تعالى أن يبلغ القرآن وما يوحيه إليه الله تعالى الى من يعيه ويبلغه من بعده ..

ويأتي هنا سؤال ، وهو أنه يفهم من روايات مصادر إخواننا السنة أن عليا لم يكن عنده نسخة القرآن ، بل كتبها بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن ذلك كان سبب تأخره عن بيعة أبي بكر.

والجواب : أن عليا عليه‌السلام كان في اليوم الأول لوفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مشغولا بمراسم جنازته ودفنه .. أما الأيام التي تلت ذلك فقد كانت مليئة بالأحداث السياسية المهمة التي روتها مصادر الشيعة والسنة ، ولا بد أن عليا كان مشغولا بها .. ويكفي أن بيته الذي كان يعرفه المسلمون ببيت فاطمة عليهما‌السلام ، كان مركز اعتصام المعزين بوفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمعارضين لبيعة أبي بكر من أنصار ومهاجرين ، وقد ذكرت المصادر أسماء عدد منهم .. وفي تلك الأيام قامت السلطة الوليدة بالهجوم على بيت فاطمة مطالبين بأن يبايع المعتصمون وإلا أحرقوا البيت عليهم بمن فيه .. الى آخر الأحداث!

وقد اختلف المؤرخون والمحدثون في تاريخ بيعة علي لأبي بكر ، وذهب المحققون منهم الى أن فاطمة غضبت ولم تبايع ، وأن عليا لم يبايع إلا بعد وفاتها عليهما‌السلام.

قال ابن الأثير في أسد الغابة ج ٣ ص ٢٢٢ :

(... وتخلف عن بيعته علي وبنو هاشم والزبير ابن العوام وخالد بن سعيد بن العاص وسعد بن عبادة الأنصاري. ثم أن الجميع بايعوا بعد موت فاطمة بنت رسول

٣٥٠

الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلا سعد بن عبادة فإنه لم يبايع أحدا الى أن مات ، وكانت بيعتهم بعد ستة أشهر على القول الصحيح ، وقيل غير ذلك) انتهى.

لكن مع ذلك يطمئن الإنسان بأن عليا كتب نسخة من القرآن في المرحلة الأولى من خلافة أبي بكر وقدمها لهم ، لأن روايتها وردت في مصادر السنة كما تقدم ، وفي مصادرنا أيضا ، كالذي رواه الكليني في الكافي ج ٢ ص ٦٣٣ :

(... عن سالم بن سلمة قال : قرأ رجل على أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم ، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله عزوجل على حده ، وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه‌السلام. وقال : أخرجه علي عليه‌السلام الى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم : هذا كتاب الله عزوجل كما أنزله الله على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد جمعته بين اللوحين فقالوا : هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه ، فقال أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا! إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه!).

والذي رواه الطبرسي في الاحتجاج ج ١ ص ٢٢٥ :

(وفي رواية أبي ذر الغفاري أنه قال : لما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع علي عليه‌السلام القرآن وجاء به الى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم ، لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله). ورواه المجلسي في البحار ج ٩٦ ص ٤٢ ـ ٤٣ والحويزي تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٢٢٦ ، انتهى.

ويفهم من هذه الروايات وغيرها أن عليا عليه‌السلام كان عنده نسختان من القرآن : نسخة كتبها في عهد النبي بإملائه صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي النسخة الموروثة المذخورة للإمام المهدي عليه‌السلام .. وقد تظافرت الروايات عنها في مصادرنا وفيها روايات صحيحة .. وأن الله تعالى يظهرها على يده فيما يظهر من معجزات أحقية الإسلام وتأويل آيات القرآن*. وقد تكون هي التي تحدث عنها ابن سيرين وابن سعد وعاصم وابن جزي ، بان تأليفها على حسب التنزيل.

٣٥١

أما النسخة الأخرى فقد كتبها علي عليه‌السلام بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي بأسلوب التأليف الذي بين أيدينا ولا بد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد علمه أسلوب تأليفها أيضا وأوصاه بعرضها عليهم كما نصت رواية الطبرسي (وجاء به الى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم ، لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله).

والظاهر أنها النسخة التي يصفها الخليفة عثمان بافتخار في رسالته الى الأمصار بأنها (القرآن الذي كتب عن فم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أوحاه الله الى جبريل ، وأوحاه جبريل الى محمد ، وأنزله عليه ، وإذا القرآن غض!!). ولا يبعد أن يكون الرواة خلطوا أحيانا بين النسختين .. أما الفرق بينهما فهو في الترتيب فقط .. وقد نصت مصادر إخواننا على أن ترتيب نسخة علي عليه‌السلام على حسب النزول كما تقدم.

ونصت مصادرنا الشيعية أيضا على ذلك .. قال المفيد في الإرشاد ج ٢ ص ٣٦٠ (وروى جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : إذا قام قائم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن على ما أنزل الله عزوجل ، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم ، لأنه يخالف فيه التأليف). ورواه النيسابوري في روضة الواعظين ص ٢٦٥ ، والمجلسي في بحار الأنوار ج ٥٢ ص ٣٣٩ ، وغيرهم.

أسرار ترتيب القرآن لم تكتشف بعد

مع أن ما كشف لنا من أسرار القرآن كاف لكل منصف لأن يؤمن بأنه كلام الله تعالى ، فإن أكثر أسرار القرآن لم تكتشف بعد ، ومنها أسرار ترتيبه .. سواء في ذلك ترتيب سوره وآياته .. بل ترتيب حروفه ونظمها في السور والآيات والكلمات!!

وعلى كثرة الحقائق والشواهد التي قدمها العلماء والباحثون في إعجاز القرآن وبنائه الفريد ، فإني أذكر حقيقة واحدة وردت في روايات أهل البيت عليهم‌السلام ، تخضع لها الأفكار والأعناق .. فقد روى القاضي المغربي المصري من علماء القرن الرابع في كتابه القيم دعائم الإسلام ج ٢ ص ١٤٦ قال :

٣٥٢

(عن علي عليه‌السلام أنه قال : اعتل الحسين فاشتد وجعه ، فاحتملته فاطمة فأتت به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مستغيثة مستجيرة ، فقالت : يا رسول الله أدع الله لابنك أن يشفيه ، ووضعته بين يديه ، فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى جلس عند رأسه ثم قال : يا فاطمة يا بنية إن الله هو الذي وهبه لك هو قادر على أن يشفيه! فهبط عليه جبرئيل فقال : يا محمد ، إن الله لم ينزل عليك سورة من القرآن إلا فيها فاء ، وكل فاء من آفة! ما خلا (الحمد لله) فإنه ليس فيها فاء ، فادع بقدح من ماء فاقرأ فيه (الحمد) أربعين مرة ثم صبه عليه ، فإن الله يشفيه! ففعل ذلك ، فكأنما أنشط من عقال!) انتهى.

يعني ذلك : أن ما يبدو لنا من القرآن عاديا بسبب سذاجتنا* ، وراءه حساب ، بل حسابات .. حسابات إلهية لا بشرية! وأن هذه الحروف الثمانية والعشرين في القرآن عوالم من الرياضيات والعلوم والحقائق .. وليست حروف كتاب بشري!

فوجود الحرف له دلالة بل دلالات ، وعدم وجوده ، وعدده ، وتوزيعه في الآية ، وفي السورة .. وفي كل القرآن!!

الله أكبر .. فحيثما كانت الفاء في سورة أو موضوع ، فهي تدل على وجود آفة .. وحيثما وجدت الباء ، والسين .. وكل الحروف .. تدل على حقائق أخرى؟

ثم ما معنى الآفة؟ وما معنى خلو سورة الحمد منها؟ وما معنى قراءة كلام الله الذي ليس فيه آفة على قدح ماء؟ وما ذا يؤثر تكرار القراءة؟ وهل يتغير تركيب الماء بذلك؟ ثم هل تؤثر فيزياؤه المطورة في بدن المريض وتذهب منه الآفة ..؟!

من المؤكد أنه يوجد ارتباط بين النظام الفيزيائي والروحي للكون ، وبين نظام القرآن ، وأن للقرآن إمكانات تأثير متنوعة على عالمي الروح والمادة ، هي لون أو ألوان من فاعليات الله تعالى في الكون ، لأن القرآن كلامه سبحانه!!

ومن المؤكد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطي من معرفة ذلك أقصى ما يمكن أن يعطاه إنسان ويحتمله ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل بني الانسان ، بل أفضل المخلوقات .. فهو المصطفى منها جميعا ، ولقد أجاد الشاعر الأزري بقوله :

قلّب العالمين ظهرا لبطن

فرأى ذات أحمد فاصطفاها

٣٥٣

ولكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يستعمل ذلك إلا بأمر الله تعالى أو إجازته .. وهذه قضية مهمة في شخصيته وسلوكه صلى‌الله‌عليه‌وآله .. حيث أعطي وسائل العمل الإعجازي ، ومع ذلك كان يعمل في كل أموره بالأسباب والقوانين الطبيعية العادية ، ولا يستعمل الإعجاز إلا عند ما يؤمر ، أو عند (الضرورة).

إن الفرق بينه وبين موسى والخضر أن الخضر أعطي العلم اللدني أو علم الباطن فهو يعمل بموجبه ، وموسى أعطي الشريعة أو علم الظاهر فهو يعمل بموجبها .. أما نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد أعطي العلمين معا ، ولكنه يعمل بالظاهر ، إلا عند ما يؤمر أو عند الضرورة!! وهذه هي سنة الله تعالى ، فهو لا يطلع على غيبه أحدا إلا من ارتضاه .. ولا يرتضيه إلا إذا استوعب مسألة العمل بالقوانين الطبيعية والغيبية وسلم لإرادة الله فيها .. ثم يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا!!

والقرآن أكبر ، أو من أكبر ، تلك الوسائل التي أعطاها الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله .. وقد كان له ترتيب نزل به منجما في بضع وعشرين سنة ، وكان يؤدي فيه إدارة أحداث النبوة وصناعة الأمة وتوجيه النبي والأمة ، وتسجيل كل ذلك للأجيال ..

ثم صار له ترتيب ككتاب تقرؤه الأجيال ، كتاب له مقدمة وفصول وفقرات .. أحدث من كل ما أنتجه وينتجه المؤلفون في منهجة التأليف والأسلوب!!

فما المانع أن يكون للقرآن ترتيب ثالث ، ورابع ، وخامس ، أملاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على علي عليه‌السلام ، وادخره عنده مع وصيته المحفوظة وعهده المعهود الى ولده المهدي الذي بشر به الأمة والعالم؟ والذي يظهر الله على يديه صدق دين جده على الدين كله ، فتخضع لبراهينه العقول والأعناق .. أرواحنا فداه وعجل الله ظهوره.

أما نحن الشيعة فنعتقد بأن ذلك حدث ، وأن نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله قد ورّث علومه ونسخة القرآن المؤلفة تأليفا يؤثر تأثيرا معجزا في المادة والروح ، ويظهر بها إعجاز القرآن وتأويله ، الى علي والحسن والحسين .. الى أن وصلت الى يد خاتم الأوصياء الموعود على لسان خاتم الأنبياء ، الإمام المهدي أرواحنا فداه ونوّر نواظرنا بطلعته المباركة.

٣٥٤

وما ذا نصنع إذا كانت النصوص في مصادرنا تصرح بذلك ، وفي مصادر إخواننا تؤيده؟!

فهل نغمض أعيننا عنها ونقول لا يوجد شىء .. حتى يرضى عنا زيد أو عمرو؟!

وهل نفع الأمم السابقة إغماضهم عن نصوص أنبيائهم ووصاياهم .. حتى نقلدهم ونقول : كلا ، كلا .. لم يقل نبينا شيئا ، ولم يوص بشيء ، ولم يورث شيئا؟!!

وهل إذا قلنا إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رتب القرآن بأكثر من ترتيب .. وإن الروايات تدل على أن النسخة المعهودة منه الى ولده الإمام المهدي يختلف ترتيبها عن النسخة الموجودة بأيدينا .. صرنا من الكافرين بالقرآن الذي بين أيدينا ، والقائلين بتحريفه؟!!

على أي حال ، نحن أتباع النص الثابت عن نبينا وأهل بيته ، وليقل عنا الناس ما يقولون!

مواريث النبي التي عند أهل بيته

شهد علماء الحديث بأنه صدر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أحاديث في حق علي عليه‌السلام لم يصدر مثلها في حق أحد من الصحابة .. ومن ذلك شهادات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بتميز علي في العلم عن بقية الصحابة .. وقد أكدت ذلك شهادات الخلفاء في حق علي عليه‌السلام ، وما رأته الأمة من علمه ، وما دونته عنه!!

لكن مصادر إخواننا عندها حساسية من أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى الى علي بشيء! أو ورث عليا أو أحدا من أهل بيته شيئا .. من ماله الشخصي ، أو العام ، وخاصة من العلم! فتراهم يبادرون الى نفي ذلك وتأكيده بقولهم : كلا .. كلا .. لم يوص النبي بشيء ، ولا ورث شيئا ، لا لأهل بيته ، ولا لأحد!!

وأكثر المتحمسين للنفي أم المؤمنين عائشة المعروفة بحساسيتها من علي حتى في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتي لم ينفعها نهي النبي إياها عن ذلك ، بل تصاعدت حساسيتها حتى وصلت الى حرب الجمل وعشرين ألف قتيل ، ومصائب ما زالت تعاني منها الأمة!

٣٥٥

قال البخاري في صحيحه ج ٣ ص ١٨٦ :

(... عن الأسود قال ذكروا عند عائشة أن عليا رضي الله عنهما كان وصيا ، فقالت : متى أوصى إليه! وقد كنت سندته الى صدري أو قالت حجري ، فدعا بالطست فلقد انخنث في حجرى فما شعرت أنه قد مات! فمتى أوصى إليه؟!).

ورواه أيضا في ج ٥ ص ١٤٣ ، ورواه مسلم ج ٥ ص ٧٤ والنسائي ج ١ ص ٣٢ وص ٧٥ وج ٦ ص ٢٤١ ، وابن ماجة ج ١ ص ٥١٩ ، وأحمد ج ٦ ص ٣٢.

وقال مسلم في ج ٥ ص ٧٥ (عن مسروق عن عائشة قالت ما ترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دينارا ، ولا درهما ، ولا شاة ، ولا بعيرا ، ولا أوصى بشيء!). ورواه النسائي ج ٦ ص ٢٤٠ ، وابن ماجة ج ٢ ص ٩٠٠ ، وأبو داود ج ١ ص ٦٥٤.

ولكن الحاكم روى حديثا وصححه بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يتوف في حجر عائشة ، بل توفي وهو يناجي عليا ، قال في المستدرك ج ٣ ص ١٣٨ :

(... عن أم سلمة رضي الله عنها قالت والذي أحلف به أن كان علي لأقرب الناس عهدا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. عدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غداة وهو يقول جاء علي جاء علي مرارا؟! فقالت فاطمة رضي الله عنها كأنك بعثته في حاجة ، قالت فجاء بعد. قالت أم سلمة فظننت أن له إليه حاجة فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب وكنت من أدناهم الى الباب ، فأكب عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعل يساره ويناجيه ، ثم قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يومه ذلك. فكان علي أقرب الناس عهدا. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه!).

وروى أحمد أن عائشة أقسمت بأنها كانت غائبة يومين بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم تشهد جنازته! قال في مسنده ج ٦ ص ٦٢ :

(عن عمرة عن عائشة قالت والله ما علمنا بدفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى سمعت صوت المساحي من آخر الليل ليلة الأربعاء!) ورواه البيهقي في سننه ج ٣ ص ٤٠٩ ، فكيف ينطبق ذلك مع وفاته في غرفتها وفي حجرها! وهل أغمض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عينيه في حجرها فتركت جنازته وبدأت حدادها عليه بالذهاب الى هنا وهناك لتدبير أمر الخلافة لأبيها؟!

ثم ، لو صح أن النبي توفي في حجر عائشة .. فهل يجب عليه أن يخبر عائشة بما يوصي به لعلي أو يورثه من العلم ، وأن يكون ذلك بحضورها؟!!

٣٥٦

مهما يكن ، فإن البخاري كان ألين من عائشة بعض الشيء في توريث النبي ، فقال في ج ٥ ص ١٤٤ :

(... عمرو بن الحرث قال : ما ترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها ، وسلاحه ، وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة!) انتهى. ولا بد أن النبي برأي البخاري جعل هذه الأرض سائبة .. بدون وصي ولا متول!!

هذا ، ولكن بقيت أمام مصادر إخواننا مشكلة أكبر من البغلة .. مشكلة صحيفة صغيرة من العلم كانت في ذؤابة سيف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث كان المسلمون يرون سيف النبي مع علي وفي ذؤابته الصحيفة! وقد طال عمر علي بعد النبي ثلاثين سنة ، وسيف النبي بيده ، وقد حارب به في الجمل وصفين والنهروان ..!

وقد توصل الرواة الى حل لهذه المشكلة .. بأن هذه الصحيفة الصغيرة هي الاستثناء الوحيد والعلم الوحيد الذي ورثه النبي لأهل بيته .. وليس فيها كثير علم ، بل فيها أحكام عامة!!

لهذا السبب تواجهك في كل مصادر إخواننا تأكيدات وتكرار مقصود لرواية عن لسان علي وأهل بيته يحلفون فيها الايمان المغلظة بأن النبي لم يورثهم غير هذه الصحيفة الصغيرة ، وأن مضمونها عام وعادي! فقد روى البخاري هذه الرواية في كتابه ثمان مرات على الأقل! كلها عن علي وأولاد علي وكلها يؤكد فيها علي (براءته) من تهمة توريث النبي إياه شيئا من العلم غير هذه الصحيفة! قال في ج ٢ ص ٢٢١ :

(... عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال ما عندنا شىء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة حرم ما بين عائر الى كذا من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل وقال ذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل ومن تولى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل. قال أبو عبد الله عدل فداء).

٣٥٧

وقال في ج ٤ ص ٣٠ :

(عن أبي حجيفة رضي الله عنه قال قلت لعلي رضي الله عنه هل عندكم شىء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن وما في هذه الصحيفة. قلت وما في الصحيفة؟ قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر!).

وكرر البخاري ذلك بصيغ متضاربة عن مضمون هذه الصحيفة في ج ٤ ص ٦٧ وص ٦٩ وج ٨ ص ١٠ وص ٤٥ وص ٤٧ وص ١٤٤ ، ثم قلدته أكثر المصادر كما في مسلم ج ٤ ص ١١٥ وص ٢١٧ وج ٦ ص ٨٥ وابن ماجة ج ٢ ص ١٦٨ وأبو داود ج ١ ص ١٦٨ وج ٢ ص ١٧٧ والنسائي ج ٨ ص ٢٣ ولكن يبقى الإمام أحمد صاحب الرقم القياسي حيث رواها في المجلد الأول من مسنده وحده عشر مرات في الصفحات ٩٧ و ٨١ و ١٠٠ و ١٠٢ و ١١٠ و ١١٨ و ١١٩ و ١٢٦ و ١٥١ و ١٥٢!!

لكن هل نفعت هذه الروايات وأمثالها في إقناع المسلمين بأن نبيهم كان بدعا من الرسل والأنبياء الذين أمروا أممهم بالوصية وأوصوا جميعا! كل واحد الى وصيه وأهل بيته! إلا خاتم النبيين فإنه بلغ المسلمين وجوب الوصية على كل مسلم ، وأخبره ربه بوفاته قبل عام ، وحج بالمسلمين حجة الوداع .. ثم مات ولم يكتب شيئا ، ولم يوص بشيء!

قال البخاري في صحيحه ج ٣ ص ١٨٦ :

(حدثنا طلحة بن مصرف قال سألت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما ، هل كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوصى؟ فقال : لا. فقلت : كيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بالوصية؟! قال أوصى بكتاب الله!!) ورواه في ج ٥ ص ١٤٤ وج ٦ ص ١٠٧ وتبعه الباقون فرووه عشرات المرات؟

الظاهر أن إخواننا السنة اقتنعوا بأن نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو أعظم الأنبياء وخاتمهم ، كان أكثر الأنبياء سذاجة ، فترك أمته سياسيا بدون راع .. وتركها فكريا من أفقر الأمم فلم يكتب لها شيئا من توجيهاته! ولا شبيها بالوصايا العشر التي كتبها نبي الله موسى لليهود ، أو عيسى للحواريين؟! وحتى كتاب الله خاتم الكتب الذي أوصاهم به ، تركه موزعا مهددا بالضياع حتى .. جمعه الصحابة بعد جهود مضنية!!

والظاهر أنهم اقتنعوا بأن الله تعالى الذي اختار آل نوح وآل عمران وآل إبراهيم وورثهم علوم الأنبياء ، وجعل أممهم بعد أنبيائها غنية بهم .. لم يختر آل محمد ، بل

٣٥٨

حرمهم من إرث محمد العلمي ، والسياسي ، وحتى المادي ، ومرغ أنوفهم بالتراب .. ويجعلهم من يوم وفاته أفرادا عاديين! إما أن يبايعوا أو يحرق عليهم دارهم بمن فيه؟!!

ومن اقتنع بذلك من إخواننا فهو حر بقناعته .. ومن وقع في شك فساعده الله للخروج من شكه .. أما نحن الشيعة فلنا رأي آخر ..

نحن نتفهم سبب حساسية إخواننا حتى من الحديث عن وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .. ومن حقهم أن يكونوا كذلك ، لأن القول بوجود وصية يعني أنها لعلي .. ويعني طرح الأصل والأساس الذي بنيت عليه الخلافة للبحث .. لذلك رأوا أن أسلم الطرق هو نفي وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بكل أنواعها .. وأن الأحوط استثناء النبي من أحكام الإرث والتوريث الشرعي بأنواعه!

لكن إذا ابتعدنا عن مسألة الخلافة ، فإن إخواننا السنة مستعدون للاعتراف بالامتياز العلمي لعلي عليه‌السلام ، وبتمييز النبي له عن غيره بأمر الله تعالى .. لكن في العلم فقط!! ولذا تجد في مصادرهم أحاديث كثيرة في ذلك ، رووها في جو بعيد عن الخلافة ، أو فلتت من رقابة الدولة ، فجاءت شاهدة لعلي بأكثر من صحيفة ذؤابة سيف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .. بل صريحة بأن الله تعالى الذي أقرأ رسوله فلا ينسى ، أمره أن يعد عليا ويقربه ويعلمه ، وأعطى عليا وعيا وحفظا فلا ينسى .. قال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٦٠ :

(وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن مكحول قال لما نزلت وتعيها أذن واعية قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سألت ربي أن يجعلها أذن علي. قال مكحول فكان علي يقول ما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا فنسيته!

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والواحدي وابن مردويه وابن عساكر وابن النجاري عن بريدة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي ، وحق لك أن تعي. فنزلت هذه الآية وتعيها أذن واعية!

٣٥٩

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن علي قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا علي أن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي فأنزلت هذه الآية (وتعيها أذن واعية) فأنت أذن واعية لعلمي!!) انتهى.

وبهذا الحد ينبغي أن يكتفي الباحث من مصادر إخواننا السنة ولا يحرجها .. فهي تفتح له الباب وتشهد بأن الله تعالى أمر نبيه أن يعد عليا إعدادا علميا خاصا لما بعده .. أما كيف أعده وما ذا ورّثه فيجب أن يبحث عنه في مصادر شيعته ..

روى الكليني في الكافي ج ١ ص ٢٣٥ :

(... عن حجر ، عن حمران ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عما يتحدث الناس أنه دفعت الى أم سلمة صحيفة مختومة فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما قبض ورث عليا عليه‌السلام علمه وسلاحه وما هناك ، ثم صار الى الحسن ثم صار الى الحسين عليهما‌السلام ، فلما خشينا أن نغشى استودعها أم سلمة ، ثم قبضها بعد ذلك علي بن الحسين عليه‌السلام ، قال فقلت : نعم ثم صار الى أبيك ثم انتهى إليك ، قال : نعم).

وفي ج ١ ص ٢٢٨ :

(... عن عمرو بن أبي المقدام عن جابر قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب ، وما جمعه وحفظه كما نزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده.

... عن عمار بن مروان عن المنخل ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء).

وفي ج ١ ص ٢٣٨ :

(... عن أحمد بن عمر الحلبي ، عن أبي بصير قال دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت له : جعلت فداك إني أسألك عن مسألة ، هاهنا أحد يسمع كلامي؟ قال : فرفع أبو عبد الله عليه‌السلام سترا بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال : يا أبا محمد سل عما بدأ لك ، قال قلت : جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علم عليا عليه‌السلام بابا يفتح له منه ألف باب؟ قال فقال : يا أبا

٣٦٠