تدوين القرآن

الشيخ علي الكوراني العاملي

تدوين القرآن

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

وقال ابن الأثير في أسد الغابة ج ٤ ص ٤٨ (عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي ثم من بني النجار أخو عمرو بن حزم وأمه خالدة بنت أنس ...)

وقال في أسد الغابة ج ٤ ص ٤٠٠ :

(معمر بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري جد أبي طوالة وهو أخو عمرو بن حزم قاله محمد بن سعد كاتب الواقدي ، شهد بيعة الرضوان وما بعدها وهو أحد العشرة الذين بعثهم عمر بن الخطاب مع أبي موسى الى البصرة أخرجه أبو نعيم وأبو موسى) انتهى. فلو كان النسب الذي ذكروه لزيد صحيحا لكان عمارة وإخوته أبناء حزم ، أولاد عم أبيه ثابت ، ولظهر شىء من هذا النسب الرفيع في ترجمته أو تراجمهم .. مع أنه لا ذكر لشىء من ذلك!

زيد بن ثابت بن الصامت

ذكر الرازي في الجرح والتعديل ج ٩ ص ٢٥٥ أن اسم جده الصامت ، فقال : (يزيد بن ثابت بن الصامت أخو زيد بن ثابت الأنصارى له رؤية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رمي باليمامة ومات في الطريق ، روى عنه خارجة بن زيد بن ثابت سمعت أبي يقول ذلك) انتهى.

ولم أجد لثابت بن الصامت ذكرا في شىء مصادر التاريخ والسيرة والحديث المعروفة .. ولا للصامت بن زيد بن لوذان ، وقد تفرد بذكره الرازي ، ومن المحتمل أن يكون تصحيف الضحاك ، ولكنه أيضا لا يصح!

أعمامه أبو أيوب ورفاعة بن رافع؟

روى أحمد في مسنده ج ٥ ص ١١٥ :

(عن عبيد بن رفاعة بن رافع عن أبيه قال زهير في حديثه رفاعة بن رافع وكان عقبيا بدريا ، قال كنت عند عمر فقيل له إن زيد بن ثابت يفتي الناس في المسجد قال

٢٨١

زهير في حديثه الناس برأيه في الذي يجامع ولا ينزل ، فقال أعجل به فأتي به فقال : يا عدو نفسه أو قد بلغت أن تفتي الناس في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم برأيك؟! قال ما فعلت ، ولكن حدثني عمومتي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال أي عمومتك؟! قال أبي بن كعب قال زهير وأبو أيوب ورفاعة بن رافع! فالتفت إليّ : ما يقول هذا الفتى؟! وقال زهير ما يقول هذا الغلام؟! فقلت كنا نفعله في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال فسألتم عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال كنا نفعله على عهده فلم نغتسل! قال فجمع الناس واتفق الناس على أن الماء لا يكون إلا من الماء إلا رجلين علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل قالا : إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل) انتهى.

ولا بد أن نحمل العمومة في كلام زيد في هذه الرواية على المعنى المجازي ، لأن أيا من هؤلاء الثلاثة المذكورين لا يمكن أن يكون عما حقيقيا لزيد! فأبيّ بن كعب هو كما في أسد الغابة ج ١ ص ٤٩ (أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك ابن النجار واسمه تيم اللات وقيل تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الأكبر الأنصاري الخزرجي).

وأبو أيوب هو كما في أسد الغابة ج ٥ ص ١٤٣ (أبو أيوب الأنصاري واسمه خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم ابن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري شهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن خاصته قال ابن الكلبي وابن إسحاق وغيرهما شهد أبو أيوب مع على الجمل وصفين وكان على مقدمته يوم النهروان). وكذا في مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤٦٣ وفي سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٤٩

ورفاعة بن رافع هو كما في مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٢٣٣ (... ثنا عروة في تسمية من شهد العقبة من الأنصار من بني زريق رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان بن زريق وهو نقيب وذكره أيضا في تسمية من شهد بدرا) وفي سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٥٥

بل قد يفهم من سؤال عمر الشديد لزيد : أي عمومتك؟! أنه لا أعمام لزيد من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله!!

٢٨٢

مهما يكن .. فإن زيد بن ثابت من الصحابة الذين ينبغي البحث عن اسم أبيه وجده وأعمامه وأسرته لأن الأنساب التي ذكروها له تزيد شك الباحث ، لكن استيفاء ذلك خارج عن غرض هذا الكتاب .. والذي يهون الخطب أن دور زيد في جمع القرآن دور تنفيذي لا أكثر كما سترى .. وإن حاول هو أن يعطيه صفة أخرى!!

مناصب زيد في عهود الخلفاء الثلاثة

كان زيد من أنصار السلطة الجديدة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من أول ساعاتها .. فبعد ولادة خلافة أبي بكر في السقيفة ببيعة أفراد محدودين ، ومعارضة سعد بن عبادة زعيم الخزرج .. كان المشروع بحاجة في اليوم الثاني الى بيعة الأنصار الذين هم أهل المدينة ، وكان الصوت المؤيد من الأنصار ذا قيمة عند أبي بكر وعمر حتى لو كان لشاب صغير السن محسوب على الأنصار ، مثل زيد بن ثابت ..

روى أحمد في مسنده ج ٥ ص ١٨٥ :

(عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال لما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قام خطباء الأنصار فجعل منهم من يقول يا معشر المهاجرين إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا استعمل رجلا منكم قرن معه رجلا منا فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منا ، قال فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك قال فقام زيد بن ثابت فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان من المهاجرين وإنما الإمام يكون من المهاجرين ونحن أنصاره ، كما كنا أنصار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم! فقام أبو بكر فقال جزاكم الله خيرا من حي يا معشر الأنصار وثبت قائلكم ، ثم قال والله لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم) انتهى.

وروى ابن كثير في السيرة النبوية ج ٤ ص ٤٩٤ (... أن زيد بن ثابت أخذ بيد أبي بكر فقال : هذا صاحبكم فبايعوه ...) انتهى.

ومن ذلك اليوم أخذ زيد موقعه في الدولة الجديدة وصار كاتب دار الخلافة ، ثم مقسم مواريث المسلمين .. ثم مسئول جمع القرآن!

٢٨٣

قال النووي في المجموع ج ١٦ ص ٦٨ :

(... دليلنا ما روى عن زيد بن ثابت أنه قال : ولاني أبو بكر مواريث قتلى اليمامة فكنت أورث الأحياء من الموتى ولا أورث الموتى من الموتى).

وقد أعطى لمنصبه هذا لونا من الشرعية أنه كان أحيانا يكتب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .. قال ابن الأثير في أسد الغابة ج ١ ص ٥٠ :

(... عن الشعبي عن مسروق قال كان أصحاب القضاء من أصحاب رسول الله ستة عمر وعلي وعبد الله وأبيّ وزيد وأبو موسى. قال أبو عمر قال محمد بن سعد عن الواقدي : أول من كتب لرسول الله مقدمه المدينة أبيّ بن كعب وهو أول من كتب في آخر الكتاب وكتب فلان بن فلان ، فإذا لم يحضر أبي كتب زيد بن ثابت ، وأول من كتب من قريش عبد الله بن سعد بن أبي سرح ثم ارتد ورجع الى مكة فنزل فيه (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) وكان من المواظبين على كتاب الرسائل عبد الله بن الأرقم الزهري.

وكان الكاتب لعهوده صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا عاهد وصلحه إذا صالح علي بن أبي طالب.

وممن كتب لرسول الله أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص وحنظلة الأسدي والعلاء بن الحضرمي وخالد بن الوليد وعبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول والمغيرة بن شعبة وعمر وابن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وجهم بن الصلت ومعيقيب بن أبي فاطمة وشرحبيل بن حسنة) انتهى.

وفي عهد عمر صار زيد الكاتب الرسمي لدار الخلافة ، ونائب الخليفة على ولاية المدينة .. قال ابن شبة في تاريخ المدينة ج ٢ ص ٦٩٣ :

(... عن نافع : أن عمر رضي الله عنه استعمل زيدا على القضاء ، وفرض له رزقا ... عن خارجة بن زيد قال : كان عمر رضي الله عنه كثيرا ما يستخلف زيد بن ثابت إذا خرج الى شىء من الأسفار ، وقلما رجع من سفر إلا أقطع زيدا حديقة من نخل! ... عن السائب بن يزيد ، عن أبيه : أن عمر رضي الله عنه قال : أكفني صغار الأمور ، فكان يقضي في الدرهم ونحوه) انتهى.

٢٨٤

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٣٨ :

(وعن يعقوب بن عتبة : أن عمر استخلف زيدا ، وكتب إليه من الشام : الى زيد بن ثابت ، من عمر). يقصد الذهبي أن عمر قدم اسم زيد على اسمه وخالف أعراف العرب والخلافة ، بسبب حبه لزيد!

ثم قال الذهبي :

(... عن خارجة بن زيد ، قال : كان عمر بن الخطاب كثيرا ما يستخلف زيد بن ثابت إذا خرج الى شىء من الأسفار ، وقلما رجع من سفر إلا أقطع زيد بن ثابت حديقة من نخل. ورجاله ثقات.

وعن سليمان بن يسار ، قال : ما كان عمر وعثمان يقدمان على زيد أحدا في الفرائض والفتوى والقراءة والقضاء) انتهى.

وفي عهد عثمان صار زيد والي بيت المال ووالي الصدقات .. قال البخاري تاريخه ج ٨ ص ٣٧٣ (... عن يوسف بن سعد كان زيد بن ثابت عامل عثمان على بيت المال).

وروى أحمد في مسنده ج ٣ ص ٢٢ وفي ج ٥ ص ١٨٧ :

(... عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لما نزلت هذه السورة (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ) قال قرأها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى ختمها وقال : الناس حيز وأنا وأصحابي حيز ، وقال لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ، فقال له مروان كذبت ، وعنده رافع بن خديج وزيد بن ثابت وهما قاعدان معه على السرير ، فقال أبو سعيد لو شاء هذان لحدثاك ، ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه ، وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة فسكتا ، فرفع مروان عليه الدرة ليضربه ، فلما رأيا ذلك قالوا صدق!) انتهى.

وروى الذهبي أن زيدا كان والي القضاء والإفتاء والقراءة والمحاسبة ، طيلة عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي .. قال في سير أعلام النبلاء ج ٤ ص ٤٢٤ :

(ويروي عن الزهري ، عن قبيصة بن ذؤيب ، قال : كنا في خلافة معاوية ، وإلى آخرها ، نجتمع في حلقة بالمسجد ، بالليل أنا ومصعب وعروة ابنا الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبد الملك بن مروان وعبد الرحمن المسور وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ،

٢٨٥

وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وكنا نتفرق بالنهار ، فكنت أنا أجالس زيد بن ثابت وهو مترئس بالمدينة في القضاء ، والفتوى ، والقراءة ، والفرائض ، في عهد عمر ، وعثمان ، وعلي. ثم كنت أنا وأبو بكر بن عبد الرحمن نجالس أبا هريرة ، وكان عروة يغلبنا بدخوله على عائشة) انتهى. لكن زيدا لم يكن مع علي عليه‌السلام بل مع معاوية. والظاهر أن الميزة الأساسية في شخصية زيد التي جعلته مرغوبا فيه عند الخلفاء الثلاثة مضافا الى سيره في خطهم السياسي ، كفاءته في الكتابة والحسابات وأنه موظف مطيع ، فهذه المهنة كانت عزيزة في الجزيرة لا يجيدها إلا القلة .. وكان الكاتب يساوي في عصرنا السكرتير الخاص ووزير المالية .. وقد ورث هذه المهنة عن زيد ولده خارجة بن زيد ، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج ٥ ص ١٨ :

(... وقال ابن أبي خيثمة كان هو وخارجة بن زيد بن ثابت في زمانهما يستفتيان وينتهي الناس الى قولهما ويقسمان المواريث ويكتبان الوثائق) انتهى.

وقال في المدونة الكبرى ج ٤ ص ٤٢٣ (قال مالك : وقد كان خارجة بن زيد بن ثابت ومجاهد يقسمان مع القضاة ويحسبان ولا يأخذان لذلك جعلا) انتهى.

على أن أعظم منصب ديني تحمله زيد بن ثابت في حياته هو منصب كتابة القرآن ، حتى لو كان دوره فيه مجرد كاتب منفذ!

كان زيد يتقن اللغة العبرية

قال البخاري في صحيحه ج ٨ ص ١٢٠ (قال خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود حتى كتبت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتبه وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه).

وقال أحمد في مسنده ج ٥ ص ١٨٢ :

(عن عبيد قال قال زيد بن ثابت قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : تحسن السريانية ، إنها تأتيني كتب. قال قلت لا ، قال فتعلمها ، فتعلمتها في سبعة عشر يوما!).

٢٨٦

وقال السرخسي في المبسوط ج ١٦ ص ٨٩ :

(وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم العبرانية وكان يترجم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمن كان يتكلم بين يديه بتلك اللغة) انتهى.

وهكذا نسج الآخرون على منوال البخاري وأحمد ورووا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر زيدا أن يتعلم العبرية فتعلمها قراءة وكتابة في أسبوعين ، وفسر المحللون ذلك بمعجزة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو بكرامة لزيد ، وذكائه المفرط!

وقد تقدمت شهادة ابن مسعود وأبيّ بن كعب بأن زيدا درس من صغره عند كتاتيب اليهود .. ثم إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يحتاج الى كاتب بالعبرية ، فاليهود الذين في الجزيرة كانوا يكتبون رسائلهم للعرب بالعربية! فلا بد أن يكون هدف زيد من هذه الرواية تبرير معرفته باللغة العبرية وإجادته الكتابة بها ، بأن ذلك كان بأمر النبي ومن أجله صلى‌الله‌عليه‌وآله! وهو أمر يوجب المزيد من الشك في أصله!

هذا بناء على عقيدة إخواننا السنة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أما نحن الشيعة فنعتقد أن النبي ، أي نبي ، وكذا الإمام ، حجة الله تعالى على خلقه .. ومن أول شروط الحجة أن يعرف لغة المحتج عليه .. وبذلك صرحت أحاديثنا الصحيحة عن النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن نبينا وأوصياءه يعرفون كل ما يحتاجون اليه من لغات الناس في عصرهم ، ولا حاجة لهم الى زيد وعمرو ليترجموا لهم!

الأحاديث التي رووها في فضل زيد وعلمه

وعلى عادة المؤرخين لشخصيات السلطة ، حاولوا أن يجدوا تاريخا جهاديا لزيد مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا إنه أراد أن يشترك في بدر فاستصغر النبي سنه ، ثم صار في الخندق غلاما ينقل التراب .. وقالوا إن النبي أعطاه راية بني النجار في تبوك التي لم يكن فيها حرب ، ولعلهم جعلوه بدل زيد بن حارثة ، كما جعلوا أباه بدل أحد الصحابة ..

٢٨٧

قال ابن الأثير في أسد الغابة ج ٢ ص ٢٢١ :

(زيد بن ثابت ... وكان عمره لما قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة إحدى عشرة سنة وكان يوم بعاث ابن ست سنين وفيها قتل أبوه ، واستصغره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر فرده وشهد أحدا وقيل لم يشهدها وإنما شهد الخندق أول مشاهده وكان ينقل التراب مع المسلمين ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنه نعم الغلام وكانت راية بني مالك بن النجار يوم تبوك مع عمارة بن حزم فأخذها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودفعها الى زيد بن ثابت فقال عمارة يا رسول الله بلغك عني شىء قال لا ولكن القرآن مقدم وزيد أكثر أخذا للقرآن منك!!) انتهى.

أما الشهادات بعلمه فكثيرة .. روى أحمد وغيره شهادة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لزيد بأنه أعلم الأمة بالرياضيات .. قال في مسنده ج ٣ ص ٢٨١ :

(عن أنس بن مالك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ارحم أمتي بأمتي أبو بكر ، وأشدهم في دين الله عمر. وقال عفان مرة : في أمر الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأقرؤهم لكتاب الله أبيّ بن كعب ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل. ألا وإن لكل أمة أمينا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ، رضي الله عنهم أجمعين). ورواه في كنز العمال ج ١١ ص ٦٤١ وقال في مصادره (حم ، ت ، ن ه ، حب ، ك ، هق ـ عن أنس) انتهى.

وينبغي أن نسجل هنا أن عرب الحجاز لم يكونوا يجيدون الرياضيات والحساب ، بمن فيهم أكثر الصحابة .. فقد روت مصادر الحديث تحير الصحابة والخليفة عمر في مسائل الإرث وحساب سهام الورثة وارتباكه في إرث الكلالة .. لذلك كان يوجه الناس الى تعلم الفرائض أي حساب سهام الإرث في الصور المختلفة ، وينهاهم عن البحث في المسائل العقائدية والمسائل المستحدثة .. فقد روى الحاكم في المستدرك ج ٤ ص ٣٣٣ :

(... عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى أبي موسى الأشعري إذا لهوتم فالهو بالرمي ، وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض. هذا وإن كان موقوفا فإنه صحيح الإسناد).

٢٨٨

وروى البيهقي في سننه ج ٦ ص ٢٠٩ :

(... عن إبراهيم قال قال عمر رضي الله عنه تعلموا الفرائض فانها من دينكم (قال وثنا) يحيى بن يحيى أنا وكيع عن أبي هلال عن قتادة قال كتب عمر : إذا لهوتم فالهو بالرمي وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض) انتهى.

وفي جو كهذا يبرز أصحاب الذهن الرياضي ويتميزون ، وكان زيدا أحد هؤلاء ، ولذلك صار كاتب دار الخلافة ومقسم الفرائض الرسمي ، كما صار عبد الرحمن بن أبزى غلام نافع بن عبد الحارث بن حبالة ، كاتب والي مكة والطائف ونائبه ، كما تقدم.

روى الحاكم في المستدرك ج ٣ ص ٢٧٢ :

(... أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس فقال : من أراد أن يسأل عن القرآن فليات أبيّ بن كعب ، ومن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل ، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت ، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني فإني له خازن. صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه).

وقال الدارمي ج ٢ ص ٣٤١ عن عهد عثمان :

(... قال ابن شهاب لو هلك عثمان وزيد في بعض الزمان لهلك علم الفرائض ، لقد أتى على الناس زمان وما يعلمها غيرهما!) ورواه البيهقي في سننه ج ٦ ص ٢١١

أعلم الأمة بالرياضيات يقع في مشكلات

قام منهج زيد بن ثابت في تقسيم الإرث على ثلاثة أسس :

الأول : آيات القرآن حسب ما يفهمها الصحابي العادي بدون سؤال عنها ، ودون بحث وتعمق.

الثاني : العمل بظنه واحتماله واستنسابه ، فيما لا علم له فيه!

الثالث : ترجيح جانب الدولة ، وتحويل ما أمكن من المواريث الى بيت المال!

ولذلك وقع زيد في مشكلات شرعية كبيرة توجب الشك في الشهادة التي رووها بحقه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وترجح أنها كانت شهادة من الخليفة عمر ثم نسبت الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله!

٢٨٩

وفيما يلي نماذج من أحكام زيد ، يتضح منها ذلك :

قال الترمذي في سننه ج ٣ ص ٢٨٥ :

(واختلف فيه أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فورث بعضهم الخال والخالة والعمة. وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام ، وأما زيد بن ثابت فلم يورثهم وجعل الميراث في بيت المال!).

وقال الدارمي في سننه ج ٢ ص ٣٦١ و ٣٦٢ :

(عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت أن أتي في ابنة أو أخت ، فأعطاها النصف وجعل ما بقي في بيت المال! ... وقال زيد بن ثابت للجدة السدس وللإخوة للأم الثلث ، وما بقي فلبيت المال).

وقال السرخسي في المبسوط ج ٣٠ ص ٢ :

(حكي أن المعتضد سأل أبا حازم القاضي عن هذه المسألة فقال : أجمع أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير زيد بن ثابت على توريث ذوي الأرحام ولا يعتد بقوله بمقابلة إجماعهم. وقال المعتضد أليس أنه يروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان؟ فقال كلا! وقد كذب من روى ذلك عنهم!! وأمر المعتضد برد ما كان في بيت المال مما أخذ من تركة من كان وارثه من ذوي الأرحام. وقد صدق أبو حازم فيما قال!) انتهى.

وقال في المدونة الكبرى ج ٣ ص ٣٨٠ :

(... عن محمد بن سيرين قال مات مولى لعمر بن الخطاب فسأل ابن عمر زيد بن ثابت فقال أيعطى بنات عمر شيئا؟ فقال : ما أرى لهن شيئا وإن شئت أعطيتهن) وكذا في سنن الدارمي ج ٢ ص ٣٩٧

وقال السرخسي في المبسوط ج ٢٩ ص ١٨١ :

(والمروي عن زيد ابن ثابت أنه شبه الأخوين بواد تشعب منه نهران ، والجد مع النافلة بواد تشعب منه نهر ثم تشعب من النهر جدول ، فالقرب بين النهرين يكون أظهر منه بين الجدول وأصل الوادي. وهذا يوجب تقديم الأخوة على الجد إلا أن في جانب الجد معنى الأولاد وبه يسمى أبا ، ولكنه أبعد من الأب الأول بدرجة!).

٢٩٠

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٣٤ :

(... عن الشعبي : أن مروان دعا زيد بن ثابت ، وأجلس له قوما خلف ستر ، فأخذ يسأله وهم يكتبون ففطن زيد ، فقال يا مروان أغدرا ، إنما أقول برأيي. رواه إبراهيم بن حميد الرؤاسي ، عن ابن أبي خالد ، نحوه ، وزاد : فمحوه) انتهى.

ويدل هذا على أن زيدا كان يفتي بظنونه واحتمالاته ، وكانت تلك مدرسة الفتوى بالرأي التي أشاعها الخليفة عمر بن الخطاب ، وسيأتي تصريح زيد بذلك أيضا!

وفقهاء المذاهب قلدوا زيدا

جاء في مجموع النووي ج ٦ ص ٢١٠ :

(باب ترجيح قول زيد بن ثابت على قول غيره من الصحابة رضي الله عنهم في الفرائض ... قلت : ذكر الإمام تاج الدين الفزاري أن المشهور عند الفقهاء أن الشافعي لم يقلد زيدا وإنما وافق رأيه فإن المجتهد لا يقلد المجتهد. وظاهر كلام البيهقي يدل على أنه قلده ، وفيه مخالفة للمشهور عندهم ، وتقليد المجتهد المجتهد. ويقال للشافعي هلا قلدت معاذا في تحليله وتحريمه بعين ما ذكرتم؟ وهلا قلدت عليا في جميع قضائه لقوله عليه‌السلام : أقضاكم علي الحديث .. وإن كان لم يقلد زيدا كما هو المشهور عندهم ففيه أيضا نظر من وجهين : أحدهما ، أن الشافعي لم يضع في الفرائض كتابا ولو لا تقليد زيد لوضع كتابا ليظهر لمتبعيه طريق اجتهاده التي بها وافق زيدا كما فعل في سائر الأبواب. الثاني ، أنه لم يخالف ولا في مسألة ، ويبعد اتفاق رأيين في كتاب من العلم من أوله الى آخره!).

وقال ابن قدامة في المغني ج ٧ ص ٤٦ :

(وذهب زيد بن ثابت الى أن الفاضل عن ذوي الفروض لبيت المال ولا يرد على أحد فوق فرضه ، وبه قال مالك والأوزاعى والشافعي رضي الله عنهم) انتهى.

٢٩١

رأي ابن عباس في علم زيد

قال الدارمي في سننه ج ٢ ص ٣٤٦ :

(... عن عكرمة قال أرسل ابن عباس الى زيد بن ثابت : أتجد في في كتاب الله للأم ثلث ما بقي؟ فقال زيد إنما أنت رجل تقول برأيك ، وأنا رجل أقول برأيي!!)

وقال السرخسي في المبسوط ج ٢٩ ص ١٨٢ :

(فأما أبو حنيفة احتج بما نقل عن ابن عباس أنه كان يقول : ألا يتق الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل أب الأب أبا؟! ومعنى هذا الكلام أن الاتصال بالقرب من الجانبين يكون بصفة واحدة لا يتصور التفاوت بينهما بمنزلة المماثلة بين مثلين) انتهى.

وعلى رغم انتقادات ابن عباس لزيد ، فقد روى محبو زيد احترام ابن عباس له الى حد التقديس .. والسبب في ذلك أن خط زيد السياسي صار أمويا وكان ابن عباس في المعارضة!

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٢٦ :

(... عن ابن عباس ، قال : لقد علم المستحفظون من أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن زيد بن ثابت ، من الراسخين في العلم ...

... عن أبي سلمة أن ابن عباس قام الى زيد بن ثابت فأخذ له بركابه! فقال : تنح يا ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم! فقال إنا هكذا نفعل بعلمائنا وكبرائنا!).

قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج ٣ ص ٣٤٥ :

(قال علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب شهدت جنازة زيد بن ثابت ، فلما دلي في قبره قال ابن عباس : من سره أن يعلم كيف ذهاب العلم فهكذا ذهاب العلم ، والله قد دفن اليوم علم كثير. قلت : وقال أبو هريرة يوم مات زيد : مات اليوم حبر الأمة وعسى الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفا) انتهى.

٢٩٢

بل جعلوه أستاذ بن عباس ومعلمه القرآن! قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٢٦ :

(... حدث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعن صاحبيه وقرأ عليه القرآن بعضه أو كله ، ومناقبه جمة. حدث عنه أبو هريرة وابن عباس وقرآ عليه ..!) انتهى.

والمتتبع لشخصية ابن عباس وزيد يدرك أن أمثال هذه الأحاديث من مغالاة أتباع الدولة بزيد ، فالذي لا يحترمه ابن مسعود ويتكلم في نسبه بذلك الكلام الغليظ .. كيف يحترمه ابن عباس الى حد الإجلال والتقديس؟! خاصة أن زيدا لم يكن معروفا بالتقوى ، بل ورد في ترجمته أنه كان عنده عبد مغن ، وربما مغنيات!

رأي الأئمة من أهل بيت النبي في علم زيد

روى الكليني في الكافي ج ٧ ص ٤٠٧ :

(عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : الحكم حكمان حكم الله وحكم الجاهلية ، وقد قال الله عزوجل : ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون. واشهدوا على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية!).

وقال الحر العاملي في وسائل الشيعة ج ١٨ ص ٤٠٥ :

(روت العامة والخاصة أن مكاتبة زنت على عهد عثمان قد عتق منها ثلاثة أرباع ، فسأل عثمان أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يجلد منها بحساب الحرية ، ويجلد منها بحساب الرق ، وسأل زيد بن ثابت فقال : يجلد منها بحساب الرق ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كيف يجلد بحساب الرق وقد اعتق ثلاثة أرباعها؟ وهلا جلدتها بحساب الحرية فإنها أكثر؟ فقال زيد : لو كان ذلك كذلك لوجب توريثها بحساب الحرية فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : أجل ذلك واجب ، فافحم زيد ، وخالف عثمان أمير المؤمنين عليه‌السلام) انتهى.

٢٩٣

كان زيد مع السلطة دائما إلا مع علي

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٢٦ :

(... الواقدي : حدثنا ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، وآخر ، قالا : لما حصر عثمان ، أتاه زيد بن ثابت ، فدخل عليه الدار. فقال له عثمان : أنت خارج الدار أنفع لي منك هاهنا فذب عني. فخرج ، فكان يذب الناس ويقول لهم فيه حتى رجح أناس من الأنصار. وجعل يقول للأنصار كونوا أنصارا لله مرتين انصروه والله إن دمه لحرام فجاء أبو حية المازني مع ناس من الأنصار فقال : ما يصلح معك أمر! فكان بينهما كلام وأخذ بتلبيب زيد ، هو وأناس معه فمر به ناس من الأنصار ، فلما رأوهم أرسلوه ، وقال رجل منهم لأبي حية : أتصنع هذا برجل لو مات الليلة ما دريت ما ميراثك من أبيك!) انتهى.

ومع ذلك قال زيد لعثمان إن الأنصار أطاعوا زيدا ولكن عثمان أمرهم بالرجوع! قال في تاريخ المدينة ج ٤ ص ١٢٠٩ :

(حدثنا قريش بن أنس قال ، حدثنا هشام ، عن محمد قال : دخل زيد بن ثابت على عثمان رضي الله عنه فقال : هؤلاء الأنصار يقولون دعنا نكن أنصار الله مرتين. قال : عزمت عليكم لما رجعتم. قال فرجعوا) انتهى.

وبعد عثمان كان زيد مع المعتزلة الذين لم يبايعوا عليا ..! قال النوري في مستدرك الوسائل ج ١٢ ص ٣٢٣ :

(... ويمكن أن يكون مراده عليه‌السلام من المعتزلة الذين اعتزلوا عن بيعته عليه‌السلام ، ولم يلحقوا بمعاوية ، كسعد بن وقاص وعبد الله بن عمر وزيد ابن ثابت وأشباههم ، وكانوا معروفين بلقب الاعتزال ، والله العالم) انتهى.

وسرعان ما خرج زيد من اعتزاله وانضم الى صف معاوية ، ورويت عنه الروايات الموضوعة في مدح معاوية ومدح أهل الشام! قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٣ ص ١٢٩ :

٢٩٤

(عن زيد بن ثابت : دخل النبي عليه‌السلام على أم حبيبة ، ومعاوية نائم على فخذها ، فقال : أتحبينه؟ قالت : نعم. قال : لله أشد حبا له منك له ، كأني أراه على رفارف الجنة!!).

وروى عنه أحمد في مسنده ج ٥ ص ١٨٤ :

(... عن ابن شماسة عن زيد بن ثابت قال بينما نحن عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما حين قال طوبى للشام طوبى للشام قلت ما بال الشام قال الملائكة باسطوا أجنحتها على الشام) انتهى.

لكنه كان في زمن النبي شيعيا

كان زيد في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله غلاما عاديا يدور حول النبي وأهل بيته ، ويروي عن النبي فضائل علي وفاطمة والحسن والحسين صلّى الله عليه وعليهم .. وقد بقيت بعض مروياته مدونة في مصادر الحديث .. وروى بعضها أحمد في مسنده ، قال في ج ٥ ص ١٨١ ونحوه ص ١٨٩ :

(... عن القاسم بن حسان عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء الى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).

وروى عنه الصدوق في علل الشرائع ج ١ ص ١٤٤ حديثا في وجوب حب علي عليه‌السلام ، قال :

(حدثنا أبو حاتم قال : حدثنا أحمد بن عبدة قال : حدثنا أبو الربيع الأعرج قال : حدثنا عبد الله بن عمران ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحب عليا في حياتي وبعد موتي كتب الله له الأمن والإيمان ما طلعت الشمس أو غربت. ومن أبغضه في حياتي وبعد موتي مات ميتة جاهلية وحوسب بما عمل) انتهى.

٢٩٥

من شئون زيد الشخصية

اهتم الرواة والمترجمون بحياة زيد ، فرووا أيضا عدة روايات عن شئونه الشخصية منها أنه كان ناعما يغطي وجهه في طريق الحج ، مع أن المحرم لا يغطي وجهه!

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٢٦ :

(... وروى الأعمش ، عن ثابت بن عبيد ، قال : كان زيد بن ثابت من أفكه الناس في أهله وأزمته عند القوم).

وقال النووي في المجموع ج ٢ ص ٨٥ :

(أما حكم المسألة فقال أصحابنا يكره البول قائما بلا عذر كراهة تنزيه ولا يكره للعذر وهذا مذهبنا. وقال ابن المنذر اختلفوا في البول قائما فثبت عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل بن سعد أنهم بالوا قياما ...).

وقال السرخسي في المبسوط ج ١٧ ص ٩٩ :

(روى عن عمر رضي الله عنه أنه كان له جارية وكان يطأها فجاءت بولد ونفاه وقال اللهم لا يلحق بآل عمر من لا يشبههم ، فأقرت أنه من فلان الراعي. وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه كان يطأ جاريته فجاءت بولد فنفاه فقال كنت أطأها ولا أبغي ولدها أي أعزل عنها). ورواه الشافعي في كتاب الأم ج ٧ ص ٢٤٢

وذكروا من شئون زيد الشخصية كثرة حديثه عن نفسه .. فقد روت مصادر إخواننا كثيرا من ذلك كالذي رواه البخاري عنه بأنه كان مقربا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى أن النبي كان يتكئ على فخذه ثم يوحى إليه فيثقل بدنه ... مما لا يناسب مقام النبوة ولا صفة الوحي! قال البخاري في صحيحه ج ١ ص ٩٧ :

(وقال زيد بن ثابت : أنزل الله على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفخذه على فخذي فثقلت عليّ حتى خفت أن ترض فخذي)!

وقال في ج ٣ ص ٢١١ :

(عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال رأيت مروان بن الحكم جالسا في المسجد فأقبلت حتى جلست الى جنبه فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره أن

٢٩٦

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أملى عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله قال فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها عليّ فقال يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان رجلا أعمى فأنزل الله تعالى على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفخذه على فخذي فثقلت عليّ حتى خفت أن ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل الله عزوجل غير أولى الضرر)!! ورواه أيضا في ج ٥ ص ١٨٢ ، وأحمد في مسنده ج ٥ ص ١٩١ ، وأبو داود في سننه ج ١ ص ٥٦٣ ورواه مسلم في صحيحه ج ٦ ص ٤٣ عن البراء وعن زيد ، وليس فيه وصف الوحي واتكاء النبي على زيد!

وروى النوري في مستدرك الوسائل ج ٤ ص ٣٧١ :

(... زيد بن ثابت أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبين السين فيه) وهو مروي عن علي عليه‌السلام ، ولعل زيدا نسبه الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

* * *

٢٩٧

مشروع جمع القرآن في عهد أبي بكر وعمر

زيد بن ثابت يدعي أنه بطل جمع القرآن ، جمعه أربع مرات في ربع قرن!!

نلاحظ في روايات جمع القرآن الأساسية أن راويها زيد بن ثابت ، وأنه صوّر المسألة على أن الخليفة أبا بكر وعمر كلفاه بجمع القرآن فامتنع من ذلك لتقواه! ولكنهما أصرا عليه مرارا حتى قبل هذه المسئولية الثقيلة احتسابا لخدمة الدين والقرآن ..

ولكن الواقع أن زيدا لم يكن أكثر من كاتب ، وكان القرار في هذا الموضوع حتى في خلافة أبي بكر للخليفة عمر ، ثم كان القرار في خلافة عثمان للخليفة عثمان ولمملي القرآن سعيد بن العاص .. وكان زيد كاتبا فقط كما سيأتي!

والأهم من ذلك أن القرآن كان مجموعا من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ..

فما معنى تكليف زيد بجمعه بعد النبي؟ وخوف زيد من الله تعالى؟!

وما معنى أن يجمعه زيد عدة مرات ، مرة له ، وثلاث مرات للخلفاء؟!

وهل ضاعت نسخة زيد الأولى ، والثانية ، والثالثة؟!

وما هو الفرق بين هذه النسخ؟! ... الى آخر الأسئلة التي ستعرف أجوبتها!

كان أبيّ بن كعب يملي القرآن ولا وجود لمشكلة

قال أحمد في مسنده ج ٥ ص ١٣٤ :

(عن أبي العالية عن أبيّ بن كعب أنهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلافة أبي بكر رضي الله عنه فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبيّ بن كعب فلما انتهوا الى هذه الآية من سورة براءة (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) ، فظنوا أن هذا آخر ما أنزل من القرآن ، فقال لهم أبيّ بن كعب إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٢٩٨

أقرأني بعدها آيتين (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) الى (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) ثم قال هذا آخر ما أنزل من القرآن ، قال فختم بما فتح به بالله الذي لا إله إلا هو وهو قول الله تبارك وتعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) انتهى.

هذه الرواية طبيعية ومنسجمة مع ما ثبت من وجود نسخ القرآن من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتوفرها عند كثيرين .. ومنسجمة مع اعتراف المسلمين بحفظ أبي بن كعب للقرآن وخبرته بنصه .. فالمسألة لا تحتاج الى أكثر من كاتب وممل موثوق ، ومع وجود أبي بن كعب فلا حاجة لأمثال زيد بن ثابت ولا دور له في الإملاء.

كذلك هي منسجمة مع حاجة المسلمين في المناطق المختلفة لنسخ القرآن وقيام الصحابة في المدينة بدل الدولة بكتابة نسخ عديدة وإرسالها إليهم ، وإن لم تعتمد الدولة نسخة رسمية منها!

ثم بقدرة قادر ولدت المشكلة وطرح عمر وأبو بكر مشروعا لحلها

يقول زيد بن ثابت : ولدت المشكلة من اللامشكلة ، وضاعت نسخ المصحف كلها .. وغاب أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وغيرهم من الحفاظ المشهود لهم .. ولم يبق إلا زيد بن ثابت ومكتوبات القرآن المشتتة ، ومحفوظاته الموزعة .. فنهض زيد بعد تردد وخوف من الله تعالى ، وبعد تكليف رسمي والتماس متكرر من الخليفتين أبي بكر وعمر .. وتحمل زيد صعوبات جمة وبذل جهودا كبيرة متنوعة .. حتى أكمل جمع القرآن في سنتين وأكثر والحمد لله! ولكن نسخته لم تر النور!!

روى البخاري في صحيحه ج ٥ ص ٢١٠ عن زيد :

(... أخبرني ابن السباق أن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه وكان ممن يكتب الوحي قال : أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه ، وإني لأرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر قلت لعمر كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟

٢٩٩

فقال عمر هو والله خير فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري ، ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد بن ثابت وعمر عنده جالس لا يتكلم ، فقال أبو بكر إنك رجل (...) شاب عاقل ولانتهمك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فتتبع القرآن فاجمعه. فو الله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن! قلت كيف تفعلان شيئا لم يفعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال أبو بكر هو والله خير ، فلم أزل أراجعه (...) حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر ، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره ، (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) الى آخرها). وروى البخاري في ج ٦ ص ٩٨ عن زيد أيضا :

(... عن عبيد بن السباق أن زيدا بن ثابت رضي الله عنه قال : أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر رضي الله عنه أن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ، قلت لعمر كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال عمر هذا والله خير ، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر ، قال زيد : قال أبو بكر إنك رجل شاب عاقل لانتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتتبع القرآن فاجمعه ، فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن ، قلت كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال هو والله خير ، فلم يزل أبو بكر يراجعني (...) حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) حتى خاتمة براءة ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه.

٣٠٠