تدوين القرآن

الشيخ علي الكوراني العاملي

تدوين القرآن

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

(عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتب الى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم .. فذكر الحديث وفيه قال : ولا يمس القرآن إلا طاهر).

وفي هذا الحديث دلالة على اهتمام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بتدوين الأحكام وإرسالها الى الأمصار .. ومن باب أولى أن يرسل لهم نسخة القرآن .. بل يدل الحديث على وجود نسخة المصحف في اليمن ، أو أن النبي أرسلها مع كتاب الفرائض والسنن والديات المذكور .. وإلا لما صح أن يذكر لهم حرمة مسه لغير المتوضئ. وفيه دلالة أيضا على أن القرآن يستعمل في حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمعنى المصحف كما تقدم ويأتي.

ويدل عليه أيضا :

الحكم الشرعي باستحباب قراءة القرآن في المصحف حتى لمن يحفظه ، قال البخاري في صحيحه ج ١ ص ١٧٠ :

(باب إمامة العبد والمولى وكانت عائشة يؤمها عبدها ذكوان من المصحف ، وولد البغي والأعرابي والغلام الذي لم يحتلم ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله ولا يمنع العبد من الجماعة بغير علة).

وقال مالك في المدونة الكبرى ج ١ ص ٢٢٤ :

(عن ابن شهاب قال كان خيارنا يقرءون في المصاحف في رمضان وأن ذكوان غلام عائشة كان يؤمها في المصحف في رمضان. وقال مالك والليث مثله).

وقال ابن قدامة في المغني ج ١ ص ٦١٣ :

(وقال أبو حنيفة تبطل الصلاة به إذا لم يكن حافظا لأنه عمل طويل ، وقد روى أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف بإسناده عن ابن عباس قال نهانا أمير المؤمنين أن نؤم الناس في المصاحف وأن يؤمنا إلا محتلم. وروي عن ابن المسيب والحسن ومجاهد وإبراهيم وسليمان بن حنظلة والربيع كراهة ذلك ، وعن سعيد والحسن قالا تردد ما معك من القرآن ولا تقرأ في المصحف ، والدليل على جوازه ما روى أبو بكر الأثرم وابن أبي داود بإسنادهما عن عائشة أنها كانت يؤمها عبد لها في المصحف ،

٢٤١

وسئل الزهري عن رجل يقرأ في رمضان في المصحف فقال كان خيارنا يقرءون في المصاحف!).

وعقد الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٧ ص ١٦٥ بابا بعنوان :

(باب القراءة في المصحف وغيره. عن عثمان بن عبد الله بن أوس الثقفي عن جده قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قراءة الرجل في غير المصحف ألف درجة وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك ألفي درجة. رواه الطبراني وفيه أبو سعيد بن عون وثقه ابن معبد في رواية وضعفه في أخرى ، وبقية رجاله ثقات.

وعن عبد الله بن مسعود قال : أديموا النظر في المصحف. رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف.

وقال ابن أبي شيبة في المصنف ج ٧ ص ١٨٠ :

(... عن علقمة قال : أمسكت على عبد الله في المصحف فقال كيف رأيت؟ قلت قرأتها كما هي في المصحف إلا حرف كذا قرأته كذا وكذا).

وقال في ص ١٩١ : (حدثنا معتمر عن ليث قال : رأيت طلحة يقرأ في المصحف).

ويدل عليه أيضا :

ما ورد في كراهة بيع المصاحف ، ومعناه أن نسخها كان رائجا في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده الى حد أن بعضهم اتخذ ذلك تجارة .. قال ابن قدامة في المغني ج ٤ ص ٢٧٧ :

(والصحابة أبا حوا شراء المصاحف وكرهوا بيعها ، وإن أعطى صاحب العمل هدية أو أكرمه من غير إجارة جاز ، وبه قال الشافعي لما روي عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : إذا كان إكراما فلا بأس)!

وقال ابن شبة في تاريخ المدينة ج ٢ ص ٧١٠ :

(... حدثني عطية بن قيس : أن رجلا من أهل الشام خرج الى المدينة لكتب مصحف وخرج معه بطعام وإدام ، في خلافة عمر رضي الله عنه ، فكان يطعم الذين يكتبون ، وكان أبي يختلف إليهم يمل عليهم ، فقال له عمر رضي الله عنه : كيف

٢٤٢

وجدت طعام الشامي؟ قال : إني لأوشك إذا ما نشبت في أمر القوس ، ما طعمت له طعاما ولا إداما).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج ١ ص ٢٩٣ :

(وعن واصل قال أدركت رجلا من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقال له ناجية الطفاوي وهو يكتب المصاحف فأتته امرأة فقالت جئت أسالك عن الصلاة ...).

وقال البيهقي في سننه ج ٦ ص ١٧ :

(... ثنا يونس عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا ببيع المصاحف واشترائها.

... ثنا هشيم ثنا داود عن الشعبي أنه سئل عن ذلك فقال إنما يبتغي ثمن ورقه وأجر كتابه.

... ثنا مالك بن دينار قال دخل على جابر بن زيد وأنا أكتب فقلت كيف ترى صنعتي هذه يا أبا الشعثاء؟ قال ما أحسن صنعتك تنقل كتاب الله عزوجل ورقة الى ورقة وآية الى آية وكلمة الى كلمة ، هذا الحلال لا بأس به.

... ثنا مالك بن دينار أن عكرمة باع مصحفا له ، وأن الحسن كان لا يرى به بأسا).

وقال في كنز العمال ج ٢ ص ٣٣٠ :

(عن عبادة بن نسي أن عمر كان يقول : لا تبيعوا المصاحف ولا تشتروها ـ ابن أبي داود).

وقال النووي في المجموع ج ٩ ص ٢٥٢ :

(وعن عمر أنه كان يمر بأصحاب المصاحف فيقول بئس التجارة. وبإسناد صحيح عن عبد الله بن شقيق التابعي المجمع على جلالته وتوثيقه قال : كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكرهون بيع المصاحف. قال البيهقي وهذه الكراهة على وجه التنزيه تعظيما للمصحف عن أن يبتذل بالبيع أو يجعل متجرا. قال وروي عن ابن مسعود الترخيص فيه وإسناده ضعيف. قال وقول ابن عباس اشتر المصحف ولا تبعه ، إن صح عنه يدل على جواز بيعه مع الكراهة ، والله سبحانه وتعالى أعلم).

٢٤٣

ويدل عليه أيضا :

أحاديث ضبط جبرئيل القرآن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مرتين عام وفاته .. فلا معنى لهذا العمل إلا أن الله تعالى أمر نبيه أن يضبط نسخة القرآن على أحد من الأمة .. على شخص يشمله قول الله تعالى لنبيه سنقرئك فلا تنسى أو على نسخ من القرآن مكتوبة .. وقد كانت العرضة الأخيرة بعد اكتمال نزول القرآن ، فلم ينزل بعدها شىء حتى توفي صلى‌الله‌عليه‌وآله ..

قال البخاري في صحيحه ج ٦ ص ١٠١ :

(باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال مسروق عن عائشة رضي الله عنها عن فاطمة رضي الله عنها : أسرّ إليّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن جبريل يعارضني بالقرآن كل سنة وأنه عارضني العام مرتين ، ولا أراه إلا حضر أجلي! ...

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أجود الناس بالخير وأجود ما يكون في شهر رمضان ، لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ ، يعرض عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم القرآن ، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة! ...

عن أبي هريرة قال كان يعرض على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم القرآن كل عام مرة فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض ، وكان يعتكف كل عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض!).

ويدل عليه أيضا :

أن اقتناء نسخة من القرآن كان متعارفا عند الصحابة وغيرهم بكتابتها أو استكتابها .. مما يشعر بأن عملهم كان استمرارا للوضع الطبيعي الذي جروا عليه من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .. فقد روى مسلم في صحيحه ج ٢ ص ١١٢ :

(... عن أبي يونس مولى عائشة أنه قال أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا وقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فلما بلغتها آذنتها فأملت على حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين)

٢٤٤

ورواه النسائي في سننه ج ١ ص ٢٣٦ وأبو داود ج ١ ص ١٠٢ والترمذي ج ٤ ص ٢٨٥ وأحمد في مسنده ج ٦ ص ٧٣ وص ١٧٨ والبيهقي في سننه ج ١ ص ٤٦٢ ورواه في نفس الصفحة والتي بعدها أيضا عن حفصة!

والطريف أن الهيثمي رواه في موضعين ووثقه ، وفيه أن الكاتب هو غلام عمر والمكتوب له بنته .. فأي قرآن كان غير مجموع ويحتاج أن يجمعه زيد أو عمرو؟!

قال في مجمع الزوائد ج ٦ ص ٣٢٠ وج ٧ ص ١٥٤ :

(... عن عمرو بن رافع مولى عمر بن الخطاب حدث أنه كان يكتب المصاحف في عهد أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال فاستكتبتني حفصة مصحفا وقالت إذا بلغت هذه الآية من سورة البقرة فلا تكتبها حتى تأتيني بها فأمليها عليك كما حفظتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال فلما بلغتها جئتها بالورقة التي أكتبها فيها فقالت أكتب حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين. رواه أبو يعلي ورجاله ثقات).

فلم تكن كتابة نسخة من القرآن تحتاج الى أكثر من تكليف كاتب لينسخها عن نسخته هو ، أو عن إحدى النسخ الكثيرة الموجودة في أيدي الناس .. وليس في هذه الرواية الموثقة ذكر للعسب والرقاق واللخاف وصدور الرجال! ولا ذكر للجلوس على باب المسجد وسؤال الناس عن آيات القرآن لجمعها ونسخها في مصحف! بل ليس فيها ذكر لنسخة القرآن التي جمعها الخليفة وأودعها عند بنته حفصة! فإن كان استكتاب حفصة المذكور بعد جمع أبيها للقرآن ، فلما ذا أعرضت عن نسخة أبيها واستكتبت نسخة من المصحف المتداول؟! وهل أن نسخة أبيها تختلف عن المصحف الرائج؟! وإن كان ذلك قبل جمع أبيها للقرآن .. فما معنى قولهم إن القرآن كان موزعا متفرقا وأن جمعه كان عملا كبيرا صعبا؟!

ويدل عليه أيضا :

كثرة الأحاديث التي ورد فيها ذكر نسخ الصحابة ومصاحفهم ، مما يدل على أن نسخه كانت في أيديهم وأيدي الناس قبل ما سموه (جمع القرآن) ..

٢٤٥

قال أحمد في مسنده ج ٥ ص ١٨٣ :

(... عن كثير بن الصلت قال كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف فمروا على هذه الآية فقال زيد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فقال عمر لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت أكتبنيها قال شعبة فكأنه كره ذلك فقال عمر ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد وإن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم).

وقال الحاكم في المستدرك ج ٤ ص ٣٦٠ :

(... عن كثير بن الصلت قال كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف فمرا على هذه الآية فقال زيد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فقال عمرو لما نزلت أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت أكتبها فكانه كره ذلك ... هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه).

وقال البيهقي في سننه ج ٧ ص ٦٩ :

(عن عمرو عن بجالة أو غيره قال : مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بغلام وهو يقرأ في المصحف : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ...) الخ.

وقال ابن أبي شيبة في مصنفه ج ٧ ص ١٨٠ :

(حدثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر قال : كتب رجل مصحفا ، وكتب عند كل آية تفسيرها ، فدعا به عمر فقرضه بالمقراضين).

وقال الحاكم في المستدرك ج ٢ ص ٤٤٧ :

(... عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس رضي الله عنهما وجعلوا الملائكة الذين هم عبد الرحمن أو عباد الرحمن؟ فقال عباد الرحمن. قلت هو في مصحفي عبد الرحمن. قال فامحها واكتب عباد الرحمن. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه).

وفي كنز العمال ج ٢ ص ٣٣٢ :

عن أبي الأسود أن عمر بن الخطاب وجد مع رجل مصحفا قد كتبه بقلم دقيق ، فقال : ما هذا؟ فقال : القرآن كله! فكره ذلك وضربه وقال : عظموا كتاب الله).

٢٤٦

وقال الحاكم في المستدرك ج ٣ ص ٢٤٣ :

(عن أيوب عن أبي مليكة قال كان عكرمة بن أبي جهل يأخذ المصحف فيضعه على وجهه ويبكي ويقول : كلام ربي .. كتاب ربي).

وقال في ج ٣ ص ٤٠٨ :

(حدثنا أبو مكين قال رأيت امرأة في مسجد أويس القرني قالت : كان يجتمع هو وأصحاب له في مسجدهم هذا يصلون ويقرءون في مصاحفهم ، فآتي غداءهم وعشاءهم هاهنا حتى يصلوا الصلوات ، قالت وكان ذلك دأبهم ما شهدوا ، حتى غزوا فاستشهد أويس وجماعة من أصحابه في الرجالة بين يدي علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين).

وقال البخاري في صحيحه ج ٥ ص ١٤٦ :

(باب ما جاء في فاتحة الكتاب. وسميت أم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ، ويبدأ بقراءتها في الصلاة!).

وقد كان اسم الفاتحة أم الكتاب من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله!

ويدل عليه أيضا :

أن عبد الله بن مسعود كان يملي المصاحف على الناس في الكوفة ويكتبونها عنه .. فقد روى أحمد في مسنده ج ١ ص ٢٥ :

(... عن علقمة قال جاء رجل الى عمر رضي الله عنه وهو بعرفة قال معاوية وحدثنا الأعمش عن خيثمة عن قيس بن مروان أنه أتى عمر رضي الله عنه فقال جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل! فقال ومن هو ويحك؟ قال عبد الله بن مسعود فما زال يطفأ ويسرى عنه الغضب حتى عاد الى حاله التي كان عليها ، ثم قال : ويحك والله ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه ، وسأحدثك عن ذلك كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يزال يسمر عند أبي بكر رضي الله عنه الليلة كذاك في الأمر من أمر المسلمين وأنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخرجنا معه فإذا رجل قائم يصلي في المسجد فقام رسول الله صلّى الله عليه

٢٤٧

وسلم يستمع قراءته فلما كدنا أن نعرفه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من : سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ، قال ثم جلس الرجل يدعو فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول له : سل تعطه ، سل تعطه. قال عمر رضي الله عنه : قلت والله لأغدون إليه فلأبشرنه ، قال فغدوت إليه لأبشره فوجدت أبا بكر رضي الله عنه قد سبقني إليه فبشره. ولا والله ما سابقته الى خير قط إلا وسبقني إليه).

ورواه الحاكم في المستدرك ج ٢ ص ٢٢٧ ، والبيهقي في سننه ج ١ ص ٤٥٢

أما في زمن علي عليه‌السلام فصار في الكوفة دور لكتابة القرآن .. قال ابن أبي شيبة ج ٧ ص ١٩٦ :

(حدثنا وكيع عن علي بن مبارك عن أبي حكيمة العبدي قال : كنا نكتب المصاحف بالكوفة فيمر علينا علي فينظر ويعجبه خطنا ويقول : هكذا نوروا ما نور الله).

ويدل عليه أيضا :

أن النساء كان منهن قارئات وعندهن مصاحف .. فقد روى أحمد في مسنده ج ١ ص ٤١٥ :

(عن مسروق أن امرأة جاءت الى ابن مسعود فقالت أنبئت أنك تنهى عن الواصلة؟

قال نعم ، فقالت : أشيء تجده في كتاب الله أم سمعته عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال أجده في كتاب الله وعن رسول الله ، فقالت والله لقد تصفحت ما بين دفتي المصحف فما وجدت فيه الذي تقول؟! قال : فهل وجدت فيه ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا قالت : نعم).

ورواه مسلم في صحيحه ج ٦ ص ١٦٧ وفيه (فقالت المرأة لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته! فقال لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه قال الله عزوجل (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا). ومثله في سنن أبي داود ج ٢ ص ٢٨٣ وفي سنن البيهقي ج ٧ ص ٣١٢

ويدل عليه أيضا :

الروايات التي تذكر عددا كبيرا من الصحابة جمعوا القرآن في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .. وقد حاول أكثر علماء إخواننا أن يفسروا جمعهم للقرآن بحفظهم له دون كتابته ويحصروه بذلك ، ولكن جمع القرآن تعبير يطلق على من حفظه فيكون معناه

٢٤٨

جمعه في صدره ، كما يطلق على من كتبه ودونه فيكون معناه جمعه في مصحف أو كتاب .. وعند ما يرد تعبير جمع القرآن ويوجد معه قرينة تدل على نوع الجمع المقصود فهي المتبعة ، وإن لم توجد قرينة فينبغي أن يحمل الجمع على المعنى الأقرب والأكثر شيوعا وهو جمع القرآن بكتابته ، وإن أبيت فيبقى معناه مجملا يحتمل المعنيين ، لأن ترجيح أحدهما على الآخر بلا مرجح!

وسترى أنه يوجد في عدد من أحاديث الجمع قرائن تدل على أن المقصود به جمع الكتابة ، كقول أبي بن كعب جمع القرآن فلان ابن عمنا وتوفي ونحن ورثناه .. فإنه يقصد ورثنا مصحفه لا ورثنا حفظه للقرآن ، خاصة وأن أبيا قد يكون حفظه قبله!! قال البخاري في صحيحه ج ٤ ص ٢٢٨ :

(باب مناقب زيد بن ثابت ... عن أنس رضي الله عنه : جمع القرآن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربعة كلهم من الأنصار : أبي ، ومعاذ بن جبل ، وأبو زيد ، وزيد ابن ثابت. قلت لأنس من أبو زيد؟ قال أحد عمومتي).

وروى البخارى في ج ٦ ص ١٠٣ :

(... حدثنا قتادة قال سألت أنس ابن مالك رضي الله عنه من جمع القرآن على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال أربعة كلهم من الأنصار أبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد. تابعه الفضل ... عن أنس قال : مات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء : ومعاذ بن جبل : وزيد بن ثابت : وأبو زيد ، قال ونحن ورثناه).

وروى الأول مسلم في ج ٧ ص ١٤٩ وص ١٥٠ والترمذي في ج ٥ ص ٣٣١ وأحمد في ج ٣ ص ٢٣٣ وص ٢٧٧ والبيهقي في سننه ج ٦ ص ٢١١ ورواه أحمد في مسنده ج ٣ ص ٢٣٣ و ٢٧٧ وغيرها وابن الأثير في أسد الغابة ج ٣ ص ١٠٦ والمزي في تهذيب الكمال ج ١٤ ص ١٨٦ والهندي في كنز العمال ج ٢ ص ٥٧٦ والذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٦ .. وغيرهم.

وقال ابن الأثير في أسد الغابة ج ٤ ص ٢١٦ :

(قال أبو عمر إنما أراد أنس بهذا الحديث الأنصار. وقد جمع القرآن من المهاجرين جماعة منهم علي وعثمان وابن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص وسالم مولى أبي حذيفة أخرجه الثلاثة).

٢٤٩

وقال الدكتور صبحي الصالح في كتابه مباحث في علوم القرآن ص ٦٦ :

(والسيوطي في الإتقان يذكر بعض هؤلاء القراء بأسمائهم التي وردت في كتاب القراءات المنسوب الى أبي عبيد ، فيفهم منه أن أبا عبيد (عد من المهاجرين الخلفاء الأربعة ، وطلحة ، وسعدا ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وسالما ، وأبا هريرة ، وعبد الله بن السائب ، والعبادلة ، وعائشة ، وحفصة ، وأم سلمة ، ومن الأنصار عبادة بن الصامت ، ومعاذا الذي يكنى أبا حليمة ، ومجمع بن جارية ، وفضالة بن عبيد ، ومسلمة بن مخلد. وقد صرح بأن بعضهم إنما كمله بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وهؤلاء الذين عدهم القاسم بن سلام من المهاجرين والأنصار وأمهات المؤمنين ليسوا إلا طائفة من الأصحاب الذين جمعوا كتاب الله في صدورهم (...) وتيسر لهم أن يعرضوه على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكانوا بذلك تلامذة له وكان شيخا لهم. لكن الذين حفظوا القرآن من الصحابة من غير أن يعرضوه على الرسول لا يحصون عددا ، ولا سيما إذا أدخلنا في عدادهم من لم يكمل له الجمع إلا بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وفي مقدمة (طبقات القراء) للحافظ الذهبي ما يبين ذلك ، وأن هذا العدد هم الذين عرضوه على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واتصلت بنا أسانيدهم ، وأما من جمعه منهم ولم يتصل بنا سندهم فكثير) انتهى.

ونحن نكتفي بذكر نماذج من هؤلاء الذين جمعوا القرآن وكتبوه ، والذين يصر بعض علماء إخواننا السنة على تسميتهم بالحفاظ فقط ، حتى تبقى فضيلة كتابة القرآن لغيرهم .. ونلفت الى أن الحافظ لكتاب يحتاج الى نسخته ليحفظ منها ، ومن النادر أن يحفظ شخص كتابا من ٤٠٠ صفحة بدون تكرار قراءة نسخته! ولو كان حفظ هؤلاء الحفاظ عن طريق تكرار السماع من حافظ آخر لورد ذكر للحافظ الذي حفظ فلانا أو فلانا بتكرار القرآن عليه حتى حفظه! مع أنه لم يرد شىء من ذلك!

قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٩ ص ٣١٢ :

(وعن عامر الشعبي قال جمع القرآن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ستة من الأنصار زيد بن ثابت وأبو زيد ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وسعد بن عبادة وأبيّ بن

٢٥٠

كعب وكان جارية بن مجمع قد قرأه إلا سورة أو سورتين. رواه الطبراني مرسلا وفيه إبراهيم بن محمد بن عثمان الحضرمي ولم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح).

ونحوه في كنز العمال ج ٢ ص ٥٨٩ وأسد الغابة ج ١ ص ٢٦٣ وج ٤ ص ٣٠٣ وتهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٤٣.

وقال في مجمع الزوائد ج ٩ ص ٤٠٢ :

(عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كان سعد بن عبيد يسمى على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم القاري. رواه الطبراني مرسلا ورجاله رجال الصحيح).

وقال الطبري في تاريخه ج ٢ ص ٤٠٨ :

(قال الواقدي : في هذه السنة قدم جرير بن عبد الله البجلي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسلما في رمضان فبعثه رسول الله الى ذى الخلصة فهدمها. قال وفيها قدم وبر بن يحنس على الأبناء باليمن يدعوهم الى الإسلام فنزل علي بنات النعمان بن بزرج فأسلمن ، وبعث الى فيروز الديلمي فأسلم ، والى مركبود وعطاء ابنه ووهب بن منبه وكان أول من جمع القرآن بصنعاء ابنه عطاء بن مركبود ووهب بن منبه. قال وفيها أسلم باذان وبعث الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإسلامه).

وقال البلاذري في فتوح البلدان ص ٢١٠ :

(قال ابن الكلبي : عمير بن سعد عامل عمر هو عمير بن سعد بن شهيد بن عمرو أحد الأوس. وقال الواقدي : هو عمير بن سعد بن عبيد ، وقتل أبوه سعد يوم القادسية. وسعد هذا هو الذي يروي الكوفيون أنه أحد من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

وقال ابن الأثير في أسد الغابة ج ٣ ص ٣٣٣ :

(عبد الواحد غير منسوب أخرجه الباطرقاني في طبقات المقرئين روى ابن وهب عن خلاد بن سليمان ، قال وكان ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو وعبد الله بن مسعود ... قال أبو زرعة : عبد الواحد لم ينسب ، وخلاد مصري).

٢٥١

وقال ابن كثير في البداية والنهاية ج ٧ ص ٧٢ :

(عمرو بن زيد بن عوف الأنصاري المازني شهد العقبة وبدرا ، وكان أحد أمراء الكراديس يوم اليرموك ، وقتل يومئذ ، وله حديث قال : قلت يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ قال : في خمس عشرة الحديث ، قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي : ففيه دليل على أنه ممن جمع القرآن في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

وقال في كنز العمال ج ١٣ ص ٦٢٨ :

(عن الوليد بن عبد الله بن جميع قال حدثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصاري وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يزورها ويسميها الشهيدة وكانت قد جمعت القرآن ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين غزا بدرا قالت له : أتأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وامرض مرضاكم لعل الله يهدي لي شهادة؟ قال : إن الله مهد لك شهادة ، فكان يسميها الشهيدة وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أمرها أن تؤم أهل دارها وكان لها مؤذن ... ـ ابن سعد وابن راهويه ، حل ، ق ، وروى د بعضه).

وقال السمعاني في الأنساب ج ٢ ص ١٣٤ :

(الجهني : بضم الجيم وفتح الهاء وكسر النون في آخرها ، هذه النسبة الى جهينة وهي قبيلة من قضاعة ... ومنهم ... عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدي بن عمرو بن رفاعة بن مودوعة بن عدي بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة الجهني ، شهد فتح مصر واختط بها وولي الجند بمصر ... توفي بمصر سنة ثمان وخمسين ، وقبر في مقبرتها بالمقطم ، وكان يخضب بالسواد ، وكان عقبة قارئا عالما بالفرائض والفقه ، وكان فصيح اللسان شاعرا ، وكان له السابقة والهجرة ، وكان كاتبا ، وكان أحد من جمع القرآن ومصحفة بمصر الى الآن بخطه ، رأيته عند علي بن الحسن بن قديد على غير التأليف الذي في مصحف عثمان ، وكان في آخره : وكتب عقبة بن عامر بيده ، ورأيت له خطا جيدا ، ولم أزل أسمع شيوخنا يقولون إنه مصحف عقبة لا يشكون فيه ، وروى عن رسول الله حديثا كثيرا). ونحوه في تهذيب التهذيب ج ٧ ص ٢١٦

٢٥٢

وقال في تعجيل المنفعة ص ١٤٠ :

(زهير بن قيس البلوى عن علقمة بن رمثة البلوي وعنه سويد ابن قيس ... وشهد فتح مصر وقتل ببرقة سنة ست وسبعين شهيدا. قال وكان سبب قتله أن الروم نزلوا ببرقة فأمره عبد العزيز بن مروان أن ينهض إليهم وكان عبد العزيز عليه واجدا لأنه كان عامل أيلة فقاتل عبد العزيز لما دخل أبوه مصر ، فدار بينهما كلام فقال له عبد العزيز إنك جلف جاف! فقال له زهير : يا ابن ليلى أتقول لرجل جمع القرآن قبل أن يجتمع أبواك؟! وهو ذا أمر لا ردني الله إليك ومضى معه على البريد فالتقى بالروم واستشهد هو ومن معه كلهم. وذكره ابن أبي حاتم ومن قبله البخاري ولم يذكرا فيه جرحا).

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج ٥ ص ٩٨ :

(عبادة بن الصامت بن قيس ... أحد النقباء ليلة العقبة. شهد بدرا فما بعدها ... وقال محمد بن كعب القرظي هو أحد من جمع القرآن في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رواه البخاري في تاريخه الصغير. قال وأرسله عمر الى فلسطين ليعلم أهلها القرآن فأقام بها الى أن مات. وقال ابن سعد عن الواقدي عن يعقوب بن مجاهد عن عبادة عن أبيه مات بالرملة سنة أربع وثلاثين وهو ابن ٧٢ سنة) انتهى.

هذه الأدلة التي يمكن أن يضاف إليها غيرها حتى تبلغ خمسين دليلا .. يكفي بعضها لإثبات أنه لم تكن توجد مشكلة عند المسلمين اسمها جمع القرآن!!

ولكن الباحثين في أمور القرآن وعلومه من إخواننا السنة يريدون منا أن نغمض عيوننا عن أدلة وجود نسخ القرآن وانتشارها في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعهد أبي بكر وعمر .. مع أن الإسلام بلغ مناطق واسعة من الشرق والغرب ، وأقبلت الشعوب من ورثة الحضارة الفارسية والرومانية على قراءة القرآن ودراسته .. وكان في كل مدينة وربما في كل قرية من يقرأ ويكتب ويريد نسخة من القرآن المنزل على النبي الجديد .. بل كانت الرغبة والتعطش لسماع القرآن وتعلمه وقراءته موجة عارمة في شعوب كل البلاد المفتوحة ، حتى أولئك الذين لا يعرفون العربية!!

يريدون منا أن نغمض عيوننا عن هذا الواقع وأن نقبل بدله نصوصا قالت إن نسخة القرآن كانت تواجه خطر الضياع ، لأنها كانت مكتوبة بشكل بدائي ساذج على ..

٢٥٣

العظام وصفائح الحجارة وسعف النخل .. الخ. وأن الدولة شمرت عزيمتها ونهضت لإنقاذ كتاب الله من الضياع والاندثار .. وشكلت لجنة تاريخية ، بذلت جهودا مضنية في جمع القرآن .. حتى أنها استعطت آياته وسوره من الناس استعطاء على باب المسجد!

لا بأس أن نمدح الصحابة وجهودهم لخدمة الدين والقرآن .. لكن بالمعقول! فالمدح غير المعقول ابن عم الذم!!

ولا بأس أن نمدح الصحابة وجهودهم لخدمة الدين والقرآن .. لكن بشرط أن لا نوهن الدين والقرآن والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله!

والنتيجة : أن العقل والنصوص تقول لنا : لم تكن مشكلة في نسخ القرآن ونشره ، بل كانت نسخه ميسرة والمصاحف منتشرة ..

ونصوص أخرى تقول : بل كانت توجد مشكلة .. وقد نهض الخلفاء أبو بكر وعمر لحلها.

حسنا .. لننظر ما ذا كانت المشكلة ..؟!

وصية النبي التي يرويها السنة بشأن القرآن

صح عند إخواننا السنة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شهد لعدة أشخاص من صحابته بأنهم حفاظ القرآن ، وأمر المسلمين بأن يأخذوا القرآن منهم!

فقد روى البخاري في صحيحه ج ٦ ص ١٠٢ (عن مسروق ذكر عبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود فقال لا أزال أحبه ، سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وسالم ، ومعاذ ، وأبيّ بن كعب)

وفي ج ٤ ص ٢٢٨ (عن مسروق قال ذكر عبد الله بن مسعود عند عبد الله بن عمرو فقال ذاك رجل لا أزال أحبه سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود فبدأ به وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب). ورواها مسلم في صحيحه ج ٧ ص ١٤٨ و ١٤٩ وجعل سالما الرابع.

ورواها أحمد في مسنده ج ٢ ص ١٦٣ وص ١٩٠ وص ١٩١ وجعل سالما الرابع.

٢٥٤

وروى الأولى الترمذي في سننه ج ٥ ص ٣٣٨ وقال (هذا حديث حسن صحيح).

ورواها أحمد في مسنده ج ٢ ص ١٩١ والحاكم في مستدركه ج ٣ ص ٢٢٥ و ٢٢٧ بصيغة أخرى وقال (صحيح الإسناد ولم يخرجاه) والهندي في كنز العمال ج ٢ ص ٤٩

والهيثمي في مجمع الزوائد ج ٩ ص ٣١١ ، وروى في ج ٩ ص ٥٢ :

(وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : خذوا القرآن من أربعة من ابن أم عبد ومعاذ وأبيّ وسالم ولقد هممت أن أبعثهم في الأمم كما بعث عيسى بن مريم الحواريين في بني إسرائيل) انتهى.

وصية النبي التي يرويها السنة والشيعة بشأن القرآن

وصح عند الشيعة والسنة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى أمته بأن تتمسك بعده بالقرآن والعترة ، وتأخذ منهم معالم دينها .. وذلك في حديث الثقلين الذي أكده النبي مرارا ، والذي صحت روايته عند الطرفين .. وهو برأينا حاكم على كل وصية أخرى ..

فمن نصوصه ما رواه أحمد في مسنده ج ٣ ص ١٧ (عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عزوجل وعترتي. كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا بم تخلفوني فيهما؟!).

وقد بلغت مصادر هذا الحديث من الكثرة وتعدد الطرق في المصادر ، أن أحد علماء الهند ألف في جمع أسانيده كتاب (عبقات الأنوار) من عدة مجلدات.

وبموجب هذه الوصية كان على المسلمين بعد فقد نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأخذوا القرآن والسنة من آل النبي وعترته الذين عينهم ونص عليهم بأسمائهم ، وقد صحت أحاديث تسميتهم عند الطرفين أيضا .. فقد روى مسلم في صحيحه ج ٧ ص ١٢٠ :

(... عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال ما منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلن أسبه ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم! سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه فقال له علي يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فتطاولنا لها فقال ادعوا لي عليا فأتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلاء أهلي).

٢٥٥

ورواه أحمد في مسنده ج ١ ص ١٨٥ وروى الترمذي القسم الأخير منه ج ٤ ص ٢٩٣ .. وقال مسلم في ج ٧ ص ١٣٠ :

(... عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة قالت قالت عائشة خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسن فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

ورواه الترمذي في ج ٥ ص ٣٠ وص ٣٢٨ في قصة أخرى قال :

(... عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لما نزلت هذه الآية على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، في بيت أم سلمة فدعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعليّ خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت أم سلمة : وأنا معهم يا نبي الله ، قال أنت على مكانك وأنت على خير. هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث عطاء عن عمر بن أبي سلمة)

ورواه الحاكم في مستدركه ج ٢ ص ٤١٦ وقال (هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه) ورواه في ج ٣ ص ١٠٨ وقال (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة).

ورواه في ج ٣ ص ١٤٧ وما بعدها ، بعدة روايات وأكثر من مناسبة ، وقال فيها : (هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه .. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه!) ورواه أحمد في مسنده ج ٦ ص ٢٩٢ وص ٣٠٤

وأما بناء على الوصية التي تفرد بروايتها إخواننا السنة ، فقد كان الواجب بعد وفاة النبي أن ترجع الدولة الى الأربعة الذين عينهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم ابن كعب وابن مسعود وابن معاذ وسالم غلام أبي حذيفة .. وتأخذ القرآن من أي واحد منهم ..

بأي الوصيتين أخذ الخليفة عمر؟

لا نريد هنا مناقشة مواقف إخواننا السنة وخلفائهم من وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعترته وأهل بيته عليهم‌السلام .. فكلنا نعرف أن العترة الطاهرة قد واجهت في يوم وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، التهديد بحرق بيت فاطمة بمن فيه ..!! ومع ذلك فقد قام علي عليه‌السلام بواجبه نحو الأمة وقدم لهم نسخة القرآن بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وخط علي ، ولكنهم رأوا (المصلحة) في عدم جعلها نسخة القرآن الرسمية .. ورووا أن النبي أمر أن يؤخذ القرآن من هؤلاء القراء الأربعة .. فكان على الخليفة أن

٢٥٦

يكتب القرآن من إملاء أي واحد من هؤلاء الأربعة ، أو يجمعهم ليتداولوا فيما قد يكون بينهم من اختلاف في النص ، ثم يتفقوا على نسخة القرآن ، ويعممها الخليفة على بلاد المسلمين ..

على هذا .. لم يكن هناك شىء اسمه مشكلة في أخذ القرآن .. أو القراءات ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عين للأمة مصدر القرآن سواء بالرواية المشتركة ، أو بالرواية التي تفرد بها إخواننا السنة.

ولكن المشكلة نشأت لأن الخليفة لم يأخذ القرآن من أحد ..! فقد كان له حساباته الخاصة التي أوجبت برأيه أن تبقى الدولة طيلة عهد أبي بكر وطيلة عهده بلا نسخة قرآن رسمية .. كما أبقاها بلا نسخة مدونة من الحديث النبوي ، بل منع حتى رواية الحديث ..

فمن هذا الفراغ القرآني المتعمد .. نشأت مشكلة القراءات والمصاحف!!

أما لما ذا اختار الخليفة عمر هذا الفراغ؟!

فالجواب : يعلم ذلك عمر ، ورب عمر!

وأما كيف سكت المسلمون ، ولم يطلبوا من الخليفة تعميم مصحف أهل البيت أو أحد مصاحف هؤلاء الأربعة؟!!

فالجواب : لقد طلب المسلمون من الخليفة ، وطالبوه ، وحاولوا أن يقوموا هم بجمع القرآن .. ولكن عمر منعهم وقال لا أسمح أن يقوم أحد بذلك ، أنا أقوم بجمع القرآن!!

قال عمر بن شبة في تاريخ المدينة ج ٢ ص ٧٠٥ :

(حدثنا هارون بن عمر الدمشقي قال ، حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن إسماعيل بن عياش ، عن عمر بن محمد ، عن أبيه قال : جاءت الأنصار الى عمر رضي الله عنه فقالوا : نجمع القرآن في مصحف واحد ، فقال : إنكم أقوام في ألسنتكم لحن ، وإني أكره أن تحدثوا في القرآن لحنا. فأبى عليهم.

حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال ، حدثنا جرير ابن حازم ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الله بن معقل بن معاوية قال : قال عمر رضي الله عنه : لا يملينا في مصاحفنا إلا فتيان قريش وثقيف)!!

٢٥٧

وقال ابن أبي شيبة في مصنفه ج ٧ ص ١٥١ :

(حدثنا أبو أسامة عن عمر بن حمة قال أخبرني سالم أن زيد بن ثابت استشار عمر في جمع القرآن فأبى عليه فقال : أنتم قوم تلحنون ، واستشار عثمان فأذن له).

وقال في كنز العمال ج ٢ ص ٥٧٨ :

(حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمر بن محمد بن زيد عن أبيه أن الأنصار جاءوا الى عمر بن الخطاب فقالوا : يا أمير المؤمنين نجمع القرآن في مصحف واحد؟ فقال : انكم أقوام في ألسنتكم لحن وأنا أكره أن تحدثوا في القرآن لحنا وأبي عليهم! ...

عن جابر بن سمرة قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : لا يملين في مصاحفنا هذه إلا غلمان قريش أو غلمان ثقيف ـ أبو عبيد في فضائله وابن أبي داود) انتهى.

يعني هذا القرار : أن الخليفة عمر رفض اعتماد مصحف علي الذي وجهه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لتأليفه!

ثم رفض اعتماد مصحف واحد من الأربعة المشهود لهم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله!

ثم رفض قبول أي مصحف تجمعه الأنصار .. وبذلك أسقط اثنين من الأربعة الذين عينهم النبي لأنهما أنصاريان ، وهما : معاذ بن جبل وأبي بن كعب!! وأراد قرآنا يمليه فتيان قريش وثقيف ، فأسقط بذلك عبد الله بن مسعود المكي لأنه هذلي ليس من قريش ولا ثقيف!!

ولم يبق من الأربعة إلا سالم الفارسي غلام أبي حذيفة الأموي ..! فهل اعتبره الخليفة قرشيا وأخذ منه القرآن ..؟!

كلا .. ما أخذ القرآن من سالم ، ولا من غيره! حتى قتل سالم في حرب اليمامة في أواخر خلافة أبي بكر .. مع أن عمر صرح قبل وفاته بأن سالما لو كان حيا لجعله خليفة على المسلمين من بعده!! قال ابن شبة في تاريخ المدينة ج ٣ ص ٩٢٢ :

(حدثنا موسى بن إسماعيل قال ، حدثنا أبو هلال قال ، حدثنا الحسن ، وعبد الله بن بريدة قالا : لما طعن عمر رضي الله عنه قيل له : لو استخلفت؟ قال : لو شهدني أحد رجلين استخلفته ـ إني قد اجتهدت ولم أتم ـ أو وضعتها موضعها ، أبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة).

٢٥٨

وفي نفس المصدر ج ٣ ص ٨٨١ (يا ابن عباس ... لو كان فيكم مثل سالم مولى أبي حذيفة لم أشكك في استخلافه ، لأني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول سالم مولى أبي حذيفة آمن وأحب الله فأحبه) انتهى.

ـ فكيف يقولون جمع الخليفة عمر القرآن ، الجمع الأول أو الجمع الثاني .. ثم جمعه عثمان الجمع الثالث .. وما قصة هذه الجموع؟!

الجواب : الجمع لا يكون جمعا إلا إذا كانت له ثمرة .. فالجمع بلا مجموع اسم بلا مسمى .. وهكذا كان جمع الخليفة عمر للقرآن في عهد أبي بكر ثم في عهده ، كان اسم جمع واسم لجنة بلا نتيجة!!

ـ ولما ذا قام الخليفة عمر بهذا العمل الشكلي؟!

الجواب : لأن أهل البيت جاءوا بمصحفهم فرده عمر عليهم .. وأراد الأنصار جمع القرآن فنهاهم عمر .. وقد يكون آخرون طالبوا بجمع القرآن أو أرادوا جمعه .. فنهاهم ، وقد يكون هددهم أو ضربهم! بعد ذلك أعلن الخليفة أنه قام بتشكيل (لجنة) برئاسة شاب أنصاري ويقال يهودي هو زيد بن ثابت ، وجمع زيد أو عمر القرآن لكن بقيت نسخته عند عمر لا يراها إلا هو ، ولم تصل نسخة القرآن الى المؤمنين مع تشوقهم إليها ، وكأن المؤمنين أطفال اشترى لهم أبوهم عمر شيئا عزيزا ، لكن خبأه لهم عند أمهم حفصة!!

بل حتى الخليفة عمر لم يرو عنه أنه رجع يوما ولا أرجع أحدا الى النسخة الأم التي عند الأم .. وحتى أم المؤمنين حفصة لم تستفد من هذه النسخة ، فقد تقدم أنها استكتبت نسخة لها!

من هنا بدأت مشكلة تفاوت القراءات والمصاحف .. ثم أخذت تتراكم ، حتى تحولت الى أزمة وانفجرت في خلافة عثمان ، فكتب عثمان نسخة المصحف الرسمي ونشرها والحمد لله!!

ويظهر من سياسة الخليفة عمر أنه كان يميل الى إبقاء نص القرآن مفتوحا لاجتهاداته ، بحجة أنه أساسا نزل مفتوحا لسبعة أحرف وأكثر ، ولا يريد فعلا حصره في نسخة واحدة! ولعله كان ناويا أن يكتب نسخة القرآن بالقراءة والمواصفات التي يثق بها ، ولكن الأجل لم يمهله!

٢٥٩

وهكذا تحول موقف الخليفة عمر الغريب وغير المبرر ، الى فضيلة لعمر وخدمة للقرآن ، وتحول قرآن علي وغيره من الصحابة ، الى تهمة بالخروج عن إجماع الأمة .. وكأن الأمة تعني عمر ، حتى لو كان الذين خالفوه كل الأمة ومعهم وصية نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله!!

مواقف الخليفة عمر من حملة القرآن

أولا : مع كبير القراء أبي بن كعب الأنصاري

شهادة عظيمة لأبي بن كعب رووها وخالفوها!!

روى إخواننا السنة في صحاحهم أن الله جلت عظمته قد أمر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يعلم القرآن لأبي بن كعب .. وبذلك فقد وجب على جميع المسلمين بمن فيهم أبو بكر وعمر وعثمان أن يأخذوا القرآن من أبي بن كعب ..!!

قال البخارى في صحيحه ج ٦ ص ٩٠ :

(... عن قتادة عن أنس بن مالك أن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأبي بن كعب : إن الله أمرني أن أقرئك القرآن قال آلله سماني لك؟! قال نعم. قال وقد ذكرت عند رب العالمين؟! قال نعم. فذرفت عيناه!!).

وقال مسلم في ج ٢ ص ١٩٥ :

(... حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أنس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي بن كعب أن الله أمرني أن أقرأ عليك : لم يكن الذين كفروا ، قال وسماني لك؟ قال نعم ، قال فبكى) انتهى. ورواه مسلم في ج ٧ ص ١٥٠ ، ورواه البخاري في ج ٤ ص ٢٢٨ ، وروى قريبا من معناه ابن ماجة في سننه ج ١ ص ٥٤ ـ وأحمد في مسنده ج ٣ ص ٢٨١

ولعل الخليفة عمر وجه المسلمين في أول خلافته الى أبي بن كعب ليأخذوا عنه القرآن ، ثم تراجع ونهاهم .. فقد روى البيهقي في سننه ج ٦ ص ٢١٠ :

(... حدثني موسى بن علي عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس بالحابية فقال من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبيّ بن كعب ، ومن أراد أن

٢٦٠