تدوين القرآن

الشيخ علي الكوراني العاملي

تدوين القرآن

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

قراءات شخصية ومحاولات تحريف

قراءات للخليفة لم يطعه فيها المسلمون

١ ـ فامضوا الى ذكر الله!

اتفقت مصادر إخواننا السنة على أن الخليفة عمر كان يقرأ (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) في الآية التاسعة من سورة الجمعة (فامضوا الى ذكر الله) حتى في صلاته ، وأنه كان يصر على ذلك ويأمر بمحو (فاسعوا) ويقول إنها منسوخة!!

فما هو سبب ذلك؟ ثم ما هو السبب في أن جميع المفسرين وفقهاء المذاهب السنية لم يطيعوا الخليفة ولم يكتبوها في المصاحف ، ولم يقرءوا بها ، مع أنهم يتعصبون لأقوال الخليفة عمر ويتشبثون بها؟!

أما السر في اجتهاد الخليفة في نص القرآن فهو أن كلمة (السعي) في ذهنه تعني الركض ، بينما المضي تعني الذهاب .. وبما أن المطلوب من المسلمين إذا سمعوا النداء لصلاة الجمعة هو الذهاب بسكينة ووقار وليس الركض .. فلا يصح التعبير بالسعي! وما دام القرآن نازلا من عند الله تعالى فلا بد أنه قال : فامضوا ولم يقل فاسعوا! أو أن الركض للجمعة كان مطلوبا أولا ثم نسخ بالمضي!! أو أنه كان اشتباها من النبي أو جبرئيل ثم صححه أحد لهما!!

قال البخاري في صحيحه ج ٦ ص ٦٣ (قوله وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ، وقرأ عمر : فامضوا الى ذكر الله).

١٤١

وروى ابن شبة في تاريخ المدينة ج ٢ ص ٧١١ (عن إبراهيم عن خرشة بن الحر قال : رأى معي عمر بن الخطاب رضي الله عنه لوحا مكتوبا فيه : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) ، فقال : من أملى عليك هذا؟ قلت أبي بن كعب ، فقال إن أبيا كان أقرأنا للمنسوخ ، اقرأها : فامضوا الى ذكر الله!).

وروى البيهقي في سننه ج ٣ ص ٢٢٧ (عن سالم عن أبيه قال : ما سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرؤها إلا : فامضوا الى ذكر الله ... أنبأ الشافعي ، أنبأ سفيان بن عيينة ، فذكره بنحوه).

وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢١٩ (قوله تعالى : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) .. الآية. أخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف عن خرشة بن الحر قال رأى معي عمر بن الخطاب لوحا مكتوبا فيه إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله فقال : من أملى عليك هذا؟ قلت أبي بن كعب ، قال إن أبيا أقرؤنا للمنسوخ ، اقرأها فامضوا الى ذكر الله!) انتهى.

ورووا أن الخليفة أقنع برأيه هذا عبد الله بن مسعود فمحى من مصحفه (فاسعوا) وكتب فيه (فامضوا)!

روى الهيثمي بسند موثق في مجمع الزوائد ج ٧ ص ١٢٤ (عن إبراهيم قال ، قال عبد الله بن مسعود ... لو قرأتها فاسعوا سعيت حتى يسقط ردائي! وكان يقرؤها فامضوا. رواه الطبراني وإبراهيم لم يدرك ابن مسعود ورجاله ثقات. وعن قتادة قال : في جزء ابن مسعود (مصحفه) فامضوا الى ذكر الله ... رواه الطبراني وقتادة لم يدرك ابن مسعود ولكن رجاله ثقات) انتهى.

أما علي وأهل البيت عليهم‌السلام فكانوا ملتفتين الى أن السعي هنا ليس بمعنى الركض بل بمعنى السعي المعنوي الذي يتناسب مع المشي الى صلاة الجمعة بسكينة ووقار .. روى القاضي المغربي في دعائم الإسلام ج ١ ص ١٨٢ (عن علي عليه‌السلام أنه سئل عن قول الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) ، قال : ليس السعي الاشتداد ولكن يمشون إليها مشيا).

١٤٢

وروى الصدوق في علل الشرائع ج ٢ ص ٣٥٧ (عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا قمت الى الصلاة إن شاء الله فأتها سعيا وليكن عليك السكينة والوقار ، فما أدركت فصل وما سبقت به فأتمه ، فإن الله عزوجل يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ). ومعنى قوله فاسعوا هو الانكفات).

وروى علي بن إبراهيم في تفسيره ج ٢ ص ٣٦٧ عن الإمام الباقر عليه‌السلام (اسعوا : اعملوا لها وهو قص الشارب ، ونتف الابط وتقليم الأظافير والغسل ولبس أفضل ثيابك ، وتطيب للجمعة فهو السعي ، يقول الله : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ) انتهى.

وروى هذا المعنى أيضا عن أبي ذر رحمه‌الله ، قال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢١٩ (وأخرج البيهقي في سننه عن عبد الله بن الصامت قال خرجت الى المسجد يوم الجمعة فلقيت أبا ذر فبينا أنا أمشي إذ سمعت النداء فرفعت في المشي لقول الله : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) ، فجذبني جذبة فقال : أولسنا في سعي؟!) انتهى.

وتؤيد مصادر اللغة هذا الاشتراك في مادة (سعى) فهي تستعمل في المشي السريع الذي هو دون الركض ، وتستعمل في (السعي المعنوي) وهو الاهتمام والجد في الشيء المقصود .. وأكثر ما وردت في القرآن بهذا المعنى الثاني.

قال الراغب في مفرداته ص ٢٣٣ (السعي المشي السريع وهو دون العدو. ويستعمل للجد في الأمر خيرا كان أو شرا ، قال تعالى (وَسَعى فِي خَرابِها) وقال (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) وقال (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً ، وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ ، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ، إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) وقال تعالى (وَسَعى لَها سَعْيَها ، كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) وقال تعالى (فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ).

وقال الخليل في كتاب العين ج ٢ ص ٢٠٢ (السعي عدو ليس بشديد. وكل عمل من خير أو شر فهو السعي ، يقولون السعي العمل أي الكسب. والمسعاة في الكرم والجود).

١٤٣

وقال الجوهري في الصحاح ج ٦ ص ٢٣٧٧ (سعى الرجل يسعى سعيا أي عدا ، وكذلك إذا عمل وكسب).

وقال الطريحي في مجمع البحرين ج ٢ ص ٣٧٥ (قوله تعالى فاسعوا الى ذكر الله ، أي بادروا بالنية والجد ، ولم يرد للعدو والإسراع في المشي ، والسعي يكون عدوا ومشيا وقصدا وعملا ، ويكون تصرفا بالصلاح والفساد. والأصل فيه المشي السريع لكنه يستعمل لما ذكر وللأخذ في الأمر) انتهى.

* * *

وعند ما وجد إخواننا السنة أنفسهم أمام هذا الواقع ، ورأوا أن قراءة (فامضوا) اشتباه محض من الخليفة وإصرار غير منطقي ، فاختاروا أن يبقوا الآية في مصاحفهم (فاسعوا) وأن يحفظوا كرامة الخليفة في نفس الوقت ولا يخطئوه .. فلذلك لا تجد منهم منتقدا للخليفة ، ولا متسائلا عن معنى شهادة الخليفة بأن اسعوا منسوخة!! بل تجد أن بعضهم فضل السكوت وطلب الستر والسلامة للخليفة ، كما فعل البخاري! وبعضهم قلد الخليفة وأفتى بجواز القراءة بقراءته ، وحاول أن يستر خطأه بالإصرار عليه ، مدعيا أن المضي هو السعي في لغة قريش والحجاز! ولو كان السعي مرادفا للمضي فلما ذا هرب منه الخليفة وجعل ابن مسعود يهرب منه خوفا على ردائه ، وهما حجازيان؟!

وغاية ما وصلت إليه جرأة علماء إخواننا الانتقاد البعيد بالإشارة التي لا يفهمها إلا اللبيب اللبيب .. قال البيهقي في سننه ج ٣ ص ٢٢٧ (قال الشافعي : ومعقول أن السعي في هذا الموضع العمل لا السعي على الأقدام ، قال الله تعالى (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) ، وقال (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ). وقال (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) ، وقال (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى). وقال (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها). قال الشيخ (البيهقي) وقد روي عن أبي ذر ما يؤكد هذا) انتهى. وقد أخذها الشافعي عن أهل البيت كما رأيت!

وتبع الشافعي ابن قدامة في المغني ج ٢ ص ١٤٣ قال (... والمراد بالسعي هاهنا الذهاب إليها لا الإسراع ، فإن السعي في كتاب الله لم يرد به العدو قال الله تعالى (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) وقال (وَسَعى لَها سَعْيَها) وقال (سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها) وقال (وَيَسْعَوْنَ فِي

١٤٤

الْأَرْضِ فَساداً) ، وأشباه هذا لم يرد بشيء منه العدو ، وقد روى عن عمر أنه كان يقرؤها فامضوا الى ذكر الله)!!

ومن أكثرهم أمانة وجمعا لروايات الموضوع جلال الدين السيوطي ، قال في الدر المنثور ج ٦ ص ٢١٩ :

(وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال قيل لعمر إن أبيا يقرأ فاسعوا الى ذكر الله قال عمر : أبيّ أعلمنا بالمنسوخ. وكان يقرؤها فامضوا الى ذكر الله!

وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في سننه عن ابن عمر قال : ما سمعت عمر يقرؤها قط إلا فامضوا الى ذكر الله!

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في سننه عن ابن عمر قال : ما سمعت عمر يقرؤها قط إلا فامضوا الى ذكر الله!!

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن عمر قال : لقد توفي عمر وما يقول هذه الآية التي في سورة الجمعة إلا فامضوا الى ذكر الله!!

وأخرج عبد الرزاق والفريابي وأبو عبيد وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري والطبراني من طرق عن ابن مسعود أنه كان يقرأ : فامضوا الى ذكر الله ، قال ولو كانت فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي!

وأخرج عبد الرزاق والطبراني عن قتادة قال في حرف ابن مسعود فامضوا الى ذكر الله وهو كقوله إن سعيكم لشتى.

وأخرج عبد بن حميد من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب وابن مسعود أنهما كانا يقرءان : فامضوا الى ذكر الله.

وأخرج ابن المنذر عن عبد الله بن الزبير أنه كان يقرؤها فامضوا الى ذكر الله.

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله فاسعوا الى ذكر الله قال : فامضوا.

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل عن قوله فاسعوا الى ذكر الله قال : ما هو بالسعي على الأقدام

١٤٥

ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار ، ولكن بالقلوب والنية والخشوع.

وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في شعب الإيمان عن قتادة في قوله فاسعوا الى ذكر الله قال : السعي أن تسعى بقلبك وعملك وهو المضي إليها ، قال الله (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) قال لما مشى مع أبيه.

وأخرج عبد بن حميد عن ثابت قال كنا مع أنس بن مالك يوم الجمعة فسمع النداء بالصلاة فقال قم لنسعى إليها.

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء في قوله فاسعوا الى ذكر الله قال : الذهاب والمشي.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد في الآية قال : إنما السعي العمل وليس السعي على الأقدام.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن محمد بن كعب قال : السعي العمل.

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وعكرمة مثله.

وأخرج البيهقي في سننه عن عبد الله بن الصامت قال خرجت الى المسجد يوم الجمعة فلقيت أبا ذر ، فبينا أنا أمشي إذ سمعت النداء فرفعت في المشي لقول الله إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله ، فجذبني جذبة فقال : أولسنا في سعي؟!) انتهى.

وروى في كنز العمال عددا من هذه الروايات ج ٢ ص ٥٩١ تحت الأرقام : ٤٨٠٨٧ و ٤٨٠٩ و ٤٨٢١ و ٤٨٢٢

وقال ابن جزي في كتاب التسهيل ج ٢ ص ٤٤٥ (قرأ عمر : وامضوا الى ذكر الله) انتهى .. ويطول الأمر لو أردنا استعراض بقية المصادر .. والحمد لله أن أحدا من المسلمين لم يطع الخليفة في تحريف هذه الآية ، حتى أشد المتعصبين له. ومن المؤكد أن الخليفة كان مصرا عليها حتى توفي فقد كتبها في مصحفة ، وبما أن مصحفنا الذي كتبه الخليفة عثمان فيه (فاسعوا) فهو دليل على أنه لم ينسخه من مصحف الخليفة عمر ، والحمد لله.

١٤٦

٢ ـ عظاما ناخرة

قال الله تعالى في الآيتين الحادية عشرة والثانية من سورة النازعات : (أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً. قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ). والموجود في القرآن هو (نخرة) فلو أن أحدا في عصرنا قرأها (ناخرة) بالألف بحجة أنه يريد أن تتناسب أواخر الآيات ، أو بحجة أن جنابه تعود على لفظ ناخرة واستحسنه .. فما ذا يقول عنه إخواننا السنة؟

نقول له جميعا : إن القرآن نص منزل من عند الله تعالى ، ولا يجوز لك أن تغير في كلام الله تعالى من عندك. فلا جبرئيل ينزل عليك ، ولا أنت مفوض من الله تعالى بهذا العمل!!

هذا هو الموقف الطبيعي الصحيح من القراءات الذوقية التي نجدها تملأ كتب التفسير ، والتي فتح بابها الخليفة عمر ، فقرأ (فامضوا الى ذكر الله) كما تقدم وشجع عليها بعض الصحابة وكتبها في مصاحفهم ، وفتح بذلك الباب لهم وللتابعين أن يقرأ كل منهم كلمات القرآن باجتهاده وذوقه وسليقته!!

قال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٣١٢ (وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن عمر بن الخطاب أنه كان يقرأ : أئذا كنا عظاما ناخرة ، بألف.

وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود أنه كان يقرأ : ناخرة بالألف.

وأخرج الطبراني عن ابن عمر أنه كان يقرأ هذا الحرف أئذا كنا عظاما ناخرة.

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن مجاهد قال سمعت ابن الزبير يقرؤها : عظاما ناخرة فذكرت ذلك لابن عباس فقال : أو ليس كذلك.

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر من طرق عن ابن عباس أنه كان يقرأ التي في النازعات : ناخرة بالألف وقال بالية.

وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن كعب القرظي وعكرمة وإبراهيم النخعي أنهم كانوا يقرءون : ناخرة بالألف.

وأخرج الفراء عن ابن الزبير أنه قال على المنبر ما بال صبيان يقرءون : نخرة إنما هي ناخرة.

١٤٧

وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك : عظاما ناخرة ، قال بالية.

وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال الناخرة العظم يبلى فتدخل الريح فيه).

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٧ ص ١٣٣ (عن ابن عمر أنه كان يقرأ هذا الحرف : أئذا كنا عظاما ناخرة. رواه الطبراني من طريق زيد بن معاوية عن ابن عمر ولم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح) انتهى.

وروى في كنز العمال ج ٢ ص ٥٩١ (عن عمر أنه كان يقرأ : إذا كنا عظاما ناخرة ، بألف ـ ص وعبد بن حميد).

وقال الطوسي في التبيان ج ١٠ ص ٢٥١ (قرأ أهل الكوفة إلا حفصا (عظاما ناخرة) بألف ، والباقون (نخرة) بلا ألف. من قرأ (ناخرة) اتبع رءوس الآي نحو (الساهرة ، والحافرة) ومن قرأ نخرة بلا ألف قال لأنه الأكثر في كلام العرب ، ولما روي عن علي عليه‌السلام أنه قرأ (نخرة) وقال النحويون : هما لغتان مثل باخل وبخل ، وطامع وطمع ، وقال الفراء : النخرة البالية والناخرة المجوفة).

وقال في ص ٢٥٥ (والنخرة البالية بما حدث فيها من التغيير واختلال البنية ، جذع نخر إذا كان بهذه الصفة ، وإذا لم تختل بنيته لم يكن نخرا وإن بلي بالوهن والضعف. وقيل ناخرة مجوفة تنخر الرياح فيها بالمرور في جوفها. وقيل : ناخرة ونخرة سواء مثل ناخل ونخل ، ونخرة أوضح في المعنى ، وناخرة أشكل برءوس الآي) انتهى.

وقال الطريحي في مجمع البحرين ج ٤ ص ٢٨٤ (قال الشيخ أبو علي : قرأ أهل الكوفة ويعني أكثرهم ، عظاما ناخرة بالألف. ثم قال : ناخرة ونخرة لغتان. وقال الفراء النخرة البالية والناخرة المجوفة. وقال الزجاج : ناخرة أكثر وأجود لأجل مراعاة أواخر الآي ، مثل الخاسرة والحافرة. والمنخر كمجلس وكسر الميم للإتباع كمنبر لغة ، والمنخران : ثقبا الأنف ، وفي حديث العابد : فنخر إبليس نخرة واحدة فاجتمع إليه جنوده ، من النخير وهو صوت الأنف ، يقال نخر ينخر من باب قتل ، إذا مد النفس في الخياشيم ، والجمع مناخر) انتهى.

* * *

١٤٨

نفهم من هذه الروايات أن الخليفة عمر كان يجيز لنفسه وللصحابة الاجتهاد في نص القرآن الكريم .. وكأن المسألة أن أحدا كتب نصا وأبقى المجال مفتوحا للقراء لإجراء بعض التحسينات عليه والاجتهادات فيه .. فهل أن نص القرآن الكريم كذلك؟!

إن ملاك الخليفة في اختيار كلمة نخرة أو ناخرة هو الأنسب لقوافي الآيات ، أو للمألوف من الكلمات .. هكذا وبكل بساطة وجرأة .. وكأنه أحاط بعلم الله في اختيار ألفاظ كتابه أو حصل منه على تفويض ..! ثم يجب على العباد أن يقبلوا قراءته ويتعبدوا بها ، ويعتقدوا أنها الكلمة التي أنزلها الله تعالى!

قد يقول قائل : لا فرق يذكر بين قراءة نخرة بدون ألف أو بألف. فالأمر سهل ، ولا يصح أن نعطي المسألة أكثر من حجمها!

ولكن الأمر ليس سهلا والفرق ليس قليلا ، سواء في ألفاظ القرآن أو في معانيه .. لأن بناء القرآن بناء خاص لا يشبهه بناء كلام البشر ، والحرف الواحد منه له دوره بل أدواره في موضعه وفي مجموع القرآن ، بل في عوالم وجود القرآن وتأثيراتها في الوجود .. فالقول بعدم تأثير زيادة حرف أو نقصه قول سطحي يصدر عمن لم يستوعب خطورة البناء اللفظي للقرآن وكونية هذا البناء ..!

والكلام نفسه يصح في زيادة شيء في المعنى القرآني أو نقصه ، أو إحداث أدنى تغيير فيه!

فمن يدري لعل الله تعالى يريد الخروج عن قافية الآيات بكلمة نخرة؟ ثم من يدري ما هو بالضبط القول الذي يريد الله تعالى نقله عن المشركين المستبعدين لبعث العظام البالية .. هل قولهم النخرة أو الناخرة ..؟

إن مقولة عدم الفرق بين هذه اللفظة وتلك مقولة سطحية ، فالترادف الكامل من كل الجهات إن كان موجودا في اللغة العربية فهو غير موجود في ألفاظ القرآن ، والفرق بين الناخرة والنخرة هنا قد يكون من عشرين وجها .. وقد يكون أولها التغيرات الفيزيائية التي تحدث على العظام حتى تكون ناخرة بالية ، أو حتى تكون ناخرة مجوفة ولو لم يكمل بلاها ..!

١٤٩

فمن أين يدري الخليفة أن الله تعالى اختار أن ينقل عن المشركين استبعادهم لإحياء العظام البالية تماما ، أو البالية نصف بلى ، أو البالية الى حد التجويف فقط ، أو البالية مطلقا مجوفة كانت أو غير مجوفة ..؟! الى آخر الاحتمالات في المسألة ..

إن ما يبدو لنا بسيطا هو كبير في البناء القرآني .. فهل يصح مثلا أن نقول : إن المنزل والبيت والمسكن كلمات مترادفة ، فيجوز أن نبادل مواضعها في القرآن ..؟ كلا ، ثم كلا .. فإن الزاوية والأبعاد التي يريدها الله تعالى من الكلمة لها موضعها ودورها الذي لا يؤديه مرادفها! وحروفها لها أدوارها أيضا .. ونغمها .. إلخ.

ثم لو سلمنا أن اللفظين مترادفان من جميع الأبعاد ، وأن المعنى لا يتغير باختيار أحدهما أبدا .. فما هو المجوز الشرعي والأخلاقي لأحد أن يمد يده أو لسانه الى نصوص الآخرين ، فضلا عن نصوص رب العالمين؟!!

إنها نظرة الخليفة عمر المتساهلة الى نص القرآن والسنة ، وفي مقابلها نظرة أهل البيت عليهم‌السلام ، الذين يرون وجوب التمسك بالنص والمحافظة عليه كما نزل. وستعرف أن الخليفة عمر يرى التساهل في نص القرآن الى حد .. التعويم!

٣ ـ صراط من أنعمت عليهم .. وغير الضالين!

قال السيوطي في الدر المنثور ج ١ ص ١٥ (أخرج وكيع وأبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي داود وابن الأنباري كلاهما في المصاحف من طرق عن عمر بن الخطاب أنه كان يقرأ : سراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين.

وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن أبي داود وابن الأنباري عن عبد الله بن الزبير قرأ : صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين ، في الصلاة.

وأخرج ابن أبي داود عن إبراهيم قال كان عكرمة والأسود يقرءانها : صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين).

وقال في ص ١٧ (وأخرج ابن شاهين في السنة عن إسماعيل ابن مسلم قال في حرف أبي بن كعب غير المغضوب عليهم وغير الضالين. آمين. بسم الله).

١٥٠

ورواه في كنز العمال ج ٢ ص ٥٩٣ (عن عمر أنه كان يقرأ : سراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ـ وكيع وأبو عبيد ، ص ، وعبد بن حميد وابن المنذر ، وابن أبي داود ، وابن الأنباري معا في المصاحف).

ورواه البغوي في معالم التنزيل ج ١ ص ٤٢ والراغب في محاضراته ج ٢ ص ١٩٩ وابن جزي في التسهيل .. وغيرهم .. وغيرهم.

* * *

ومن الواضح أن قراءة الخليفة عمر أسبق من قراءة عكرمة وابن الزبير ، وأنهما قلداه فيها.

وإذا سألت نفسك لما ذا يقرأ الخليفة هذه القراءة ، وهو يعرف أن المسلمين كلهم يقرءون غيرها ..؟ وهو يروي أن النبي قد أمره وأمر غيره من المسلمين أن يأخذوا القرآن من أشخاص معينين ويقرءوه كما يقرءونه؟! فسوف لا تجد جوابا لهذا السؤال ، إلا أن الخليفة استذوق أن (يصحح) في كلام الله تعالى أو يحسن في عبارته! أو أن ذهنه ولسانه كانا قاصرين عن قراءة القرآن كما أنزل!

لكن نحمد الله تعالى أن أحدا من المسلمين لم يطع الخليفة عمر في هذه التصحيحات أو التحسينات ، ولا في غيرها من قراءاته المستهجنة .. وبذلك يتجلى قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)!

٤ ـ الحي القيّام!

قال البخاري في صحيحه ج ٦ ص ٧٢ (سورة إنا أرسلنا ... ديارا من دور ، ولكنه فيعال من الدوران ، كما قرأ عمر : الحي القيام ، وهي من قمت ...). ودافع عن الخليفة في ج ٨ ص ١٨٤ فقال (.. وقال مجاهد القيوم القائم على كل شىء. وقرأ عمر القيام ، وكلاهما مدح) انتهى.

ولكن المسألة هنا ليست في أن القيّام هل هو مدح أو ذم حتى يقال إنه مدح لله تعالى مثل القيوم ، بل المسألة أن القيوم اسم من أسماء الله الحسنى ، وهو توقيفي لا يجوز فيه التغيير! فهل يصح أن تقول : بسم الله الرحمن الراحم ، وتقول لا فرق كلاهما مدح؟!

١٥١

وروى الحاكم في المستدرك ج ٢ ص ٢٨٧ (... عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن عمر رضي الله عنه أنه صلّى بهم فقرأ : الم الله لا إله إلا هو الحي القيام) ووصف الحديث بأنه صحيح.

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٧ ص ١٥٤ (... عن أبي خالد الكناني عن ابن مسعود أنه كان يقرؤها : الحي القيام. رواه الطبراني ، وأبو خالد لم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات).

وروى السيوطي في الدر المنثور ج ٢ ص ٣ (الله لا إله إلا هو الحي القيوم. وأخرج سعيد بن منصور والطبراني عن ابن مسعود أنه كان يقرؤها القيام. وأخرج ابن جرير عن علقمة أنه قرأ الحي القيوم).

وفي كنز العمال ج ٢ ص ٥٩٢ (عبد الرحمن بن حاطب أن عمر صلّى بهم العشاء الآخرة فاستفتح سورة آل عمران فقرأ : الم الله لا إله إلا هو الحي القيام ـ أبو عبيد في الفضائل ص ، وعبد بن حميد وابن أبي داود وابن الأنباري معا في المصاحف وابن المنذر ، ك).

وقال الطوسي في التبيان ج ٢ ص ٣٨٨ (... وقرأ عمر بن الخطاب : الحي القيام وهي لغة أهل الحجاز ويقولون في الصواغ صياغ. الباقون : قيوم).

وفي صحاح الجوهري ج ٥ ص ٢٠١٨ (والقيوم : اسم من أسماء الله تعالى. وقرأ عمر رضي الله عنه : الحي القيام ، وهو لغة) انتهى.

ولم يتأكد لي من مصادر اللغة أن القيام لغة في القيوم ، ولكن لو تأكد ذلك فإن اسم الله تعالى هو القيوم وليس القيام! وقد صرح الراغب في المفردات بأن القيام بناء آخر ، ولم يقل إنه لغة في القيوم ، قال في ص ٤١٧ (وقوله : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ). أي القائم الحافظ لكل شىء والمعطي له ما به قوامه ، وذلك هو المعنى المذكور في قوله (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) ، وفي قوله (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) وبناء قيوم فيعول ، وقيام فيعال نحو ديون وديان) انتهى.

* * *

وهناك نماذج أخرى متعددة نقلتها مصادر الحديث والتفسير من قراءات الخليفة عمر وكبار شخصيات الصحابة الذين يتعصب إخواننا السنة لرأيهم ، لا نطيل فيها الكلام ، مثل قراءة عمر :

فأخذتهم الصعقة : قال السيوطي في الدر المنثور ج ٢ ص ٢٣٨ (وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن عمر بن الخطاب أنه قرأ : فأخذتهم الصعقة).

وإن كاد مكرهم : قال السيوطي في الدر المنثور ج ٤ ص ٨٩ (وأخرج ابن الأنباري كان المصاحف عن عمر بن الخطاب أنه قرأ : وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال. يعني

١٥٢

بالدال) ورواه في كنز العمال ج ٢ ص ٥٩٦ (عن أبي عبيد ص ، وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف).

يا فلان ما سلككم : قال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٨٥ (أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي داود وابن الأنباري معا في المصاحف وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمرو بن دينار قال : سمعت عبد الله بن الزبير يقرأ في جنات يتساءلون عن المجرمين يا فلان ما سلككم في سقر. قال عمر وأخبرني لقيط قال سمعت ابن الزبير قال سمعت عمر بن الخطاب يقرؤها كذلك) ورواه في كنز العمال ج ٢ ص ٥٩٤ عن (عب ، وعبد بن حميد عم في زوائد الزهد وابن أبي داود وابن الأنباري معا في المصاحف وابن المنذر وابن أبي حاتم).

فتناه بالتشديد : قال البخاري في صحيحه ج ٤ ص ١٣٥ (قرأ عمر : فتناه بتشديد التاء فاستغفر ربه وخرّ راكعا وأناب) انتهى.

.. الى آخر ما ورد من قراءات الخليفة الشاذة المخالفة لما أجمع عليه المسلمون ، أو ما هو مدون في المصاحف! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

* * *

١٥٣

محاولات تحريف فاشلة

روت مصادر إخواننا السنة محاولتين مكشوفتين للخليفة عمر لتغيير آيتين ، إحداهما موجهة ضد الأنصار لمصلحة قريش ، والثانية موجهة ضد بني هاشم لمصلحة قريش! وقد يكون ما لم تروه المصادر أكثر وأعظم!!

١ ـ محاولة تغيير آية الأنصار

قال الله تعالى : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ـ التوبة ٩٧ ـ ١٠٠

وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) ـ التوبة ١١٦ ـ ١١٧

وروى الحاكم في مستدركه ج ٣ ص ٣٠٥ (عن أبي سلمة ومحمد بن إبراهيم التيمي قالا : مر عمر بن الخطاب برجل وهو يقول (السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) .. الى آخر الآية ، فوقف عليه عمر فقال انصرف ، فلما انصرف قال له عمر : من أقرأك هذه الآية؟ قال أقرأنيها أبي بن كعب. فقال : انطلقوا بنا إليه فانطلقوا إليه فإذا هو متكئ على وسادة يرجل رأسه فسلم عليه فرد السّلام فقال : يا أبا المنذر ، قال لبيك ، قال : أخبرني هذا أنك أقرأته هذه الآية؟ قال صدق ، تلقيتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. قال عمر : أنت تلقيتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! قال : نعم أنا تلقيتها من رسول الله صلّى

١٥٤

الله عليه وآله. ثلاث مرات كل ذلك يقوله. وفي الثالثة وهو غضبان : نعم والله ، لقد أنزلها الله على جبريل وأنزلها جبريل على محمد فلم يستأمر فيها الخطاب ولا ابنه!! فخرج عمر وهو رافع يديه وهو يقول : الله أكبر الله أكبر!!).

ورواه في كنز العمال ج ٢ ص ٦٠٥ وقال (أبو الشيخ في تفسيره ، ك ، قال الحافظ ابن حجر في الأطراف : صورته مرسل. قلت : له طريق آخر عن محمد بن كعب القرظي مثله أخرجه ابن جرير وأبو الشيخ ، وآخر عن عمر بن عامر الأنصاري نحوه ، أخرجه أبو عبيد في فضائله ، وسنيد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه هكذا. صححه ، ك) انتهى.

ولكن ابن شبة روى القصة في تاريخ المدينة ج ٢ ص ٧٠٧ بنحو آخر فقال (حدثنا معاذ بن شبة بن عبيدة قال حدثني أبيّ عن أبيه عن الحسن : قرأ عمر رضي الله عنه (والسابقون الأولون من المهاجرين الذين اتبعوهم بإحسان ، فقال عمر رضي الله عنه : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ، وقال عمر رضي الله عنه : أشهد أن الله أنزلها هكذا ، فقال أبي رضي الله عنه : أشهد أن الله أنزلها هكذا ، ولم يؤامر فيها الخطاب ولا ابنه!). وقال في هامشه : في منتخب كنز العمال ٢ : ٥٥ عن عمرو بن عامر الأنصاري أن عمر بن الخطاب قرأ : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين ... ورد في نفس المرجع ٢ : ٥٦ عن أبي سلمة ومحمد بن إبراهيم التيمي قالا ... وروى رواية الحاكم المتقدمة ، ثم قال : وانظر تفسير ابن كثير ٤ : ٢٢٨) انتهى.

وروى في كنز العمال ج ٢ ص ٥٩٧ (عن عمرو بن عامر الأنصاري أن عمر بن الخطاب قرأ : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان. فرفع الأنصار ولم يلحق الواو في الذين ، فقال زيد : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ). فقال عمر : الذين اتبعوهم بإحسان. فقال زيد : أمير المؤمنين أعلم!! فقال عمر : ائتوني بأبي بن كعب ، فسأله عن ذلك؟ فقال أبي : والذين اتبعوهم بإحسان ، فجعل كل واحد منهما يشير الى أنف صاحبه بإصبعه ، فقال أبي : والله أقرأنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنت تتبع الخبط ، فقال عمر : نعم إذن ، فنعم إذن فنعم إذن ، نتابع أبيا ـ أبو عبيد في فضائله ، وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه. وقال في هامشه : الخبط بفتح الخاء والباء ـ الورق ينفض بالمخابط ويجفف ويطحن) انتهى.

١٥٥

وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٢٦٩ (قوله تعالى : والسابقون الأولون ... الآية. أخرج أبو عبيد وسنيد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن حبيب الشهيد عن عمرو بن عامر الأنصاري أن عمر بن الخطاب قرأ : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان. فرفع الأنصار ولم يلحق الواو في الذين! فقال له زيد بن ثابت : والذين. فقال عمر الذين؟ فقال زيد أمير المؤمنين أعلم! فقال عمر رضي الله عنه : ائتوني بأبي بن كعب ، فأتاه فسأله عن ذلك فقال أبي : والذين. فقال عمر رضي الله عنه : فنعم إذن نتابع أبيا. (وقد حذفت منه المشادة بينهما كما رأيت! وكذا رواه في كنز العمال ج ٢ ص ٥٩٤).

ثم قال السيوطي : وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال مر عمر رضي الله عنه برجل يقرأ : السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، فأخذ عمر بيده فقال : من أقرأك هذا؟ قال أبي بن كعب. قال : لا تفارقني حتى أذهب بك إليه ، فلما جاءه قال عمر : أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال نعم. قال وسمعتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال نعم. قال : لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا!! فقال أبيّ : تصديق ذلك في أول سورة الجمعة (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ). وفي سورة الحشر (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) وفي الأنفال (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ).

وأخرج أبو الشيخ عن أبا أسامة ومحمد بن إبراهيم التيمي قالا : مر عمر بن الخطاب برجل وهو يقرأ والسابقون الأولون ... وأورد رواية الحاكم) انتهى.

* * *

نفهم من هذه الروايات الصحيحة بمقاييس إخواننا ، أن الخليفة يرى أن قريشا فوق الجميع ، ولا يجوز أن يساوى بها أحد (لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا) وكان يرى أن وجود الواو في الآية يجعل الأنصار على قدم المساواة مع المهاجرين ، فالحل أن تقرأ الآية المائة من سورة التوبة (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان ..) فترفع كلمة الأنصار وتحذف الواو بعدها وتكون جملة (الذين اتبعوهم) صفة للأنصار ، ليكون المعنى : أن الله رضي عن المهاجرين وعن أتباعهم من الأنصار!!

١٥٦

وقد أثار هذا التحريف حفيظة الأنصار ولا شك ، لأنه الله تعالى جعلهم على قدم المساواة مع المهاجرين وإن ذكر اسمهم بعدهم .. ويريد الخليفة عمر أن يجعلهم تابعين لهم!!

أما زيد بن ثابت (الأنصاري) فقد سلم للخليفة (فقال له زيد بن ثابت : والذين. فقال عمر : الذين؟ فقال زيد : امير المؤمنين أعلم!) ولو وقف زيد في وجه الخليفة ولم يخف من سطوته ، لربح المعركة لأن كل الأنصار سيقفون الى جانبه ، وسيؤيدهم أهل البيت عليهم‌السلام ، وعدد من المسلمين الذين لا يسمحون للخليفة أن يحرف آية من كتاب الله تعالى!! ولكن زيدا صغير السن ضعيف الشخصية ، وقد وبخه أبي بن كعب يوما بأنه نشأ مع صبيان اليهود وكان يلعب معهم ، وقد يكون منزله في محلتهم ، فقد تعلم العبرية منهم! بل قد يكون أبوه يهوديا وأمه أنصارية ، فقد قال ابن شبة في تاريخ المدينة ج ٣ ص ١٠٠٨ (حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن ابن إسحاق ، عن أبي الأسود ـ أو غيره ـ قال : قيل لعبد الله ألا تقرأ على قراءة زيد؟ قال : ما لي ولزيد ولقراءة زيد ، لقد أخذت من في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبعين سورة ، وإن زيد بن ثابت ليهودي له ذؤابتان)!! وسيأتي بحث نسبه في فصل جمع القرآن إن شاء الله تعالى.

أما أبي بن كعب فمع أنه يخاف سطوة الخليفة عمر ويداريه كثيرا .. لكنه أكبر سنا من عمر ويرى أنه من صحابة النبي المقربين ، وحافظ القرآن ، ولذا سجلت له الروايات مواقف في مقابل الخليفة ومنها هذا الموقف في هذه المسألة التي تمس كيان الأنصار! وقد يحاول البعض الدفاع عن الخليفة بأن المسألة منه مجرد اشتباه ، وقد رجع عنه عند ما شهد له ابن كعب!

ولكن منطق التغيير الذي أراده الخليفة في الآية ، ومنطق وجود المهاجرين في مدينة الأنصار ، ومواقف الخليفة مع الأنصار في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي السقيفة وبعدها ، وشهادته أنها نزلت هكذا .. كلها تدل على أن المسألة كانت جدية وحامية ، وأن أبيا كان يتكلم وهو مسنود بإجماع الأنصار واستعدادهم للدفاع عن هذا الامتياز الذى منحهم إياه الله تعالى حتى لو أحتاج الأمر الى السلاح ، كما تذكر بعض المصادر!

١٥٧

والذي يهمنا هنا ليس سياسة الخليفة عمر مع الأنصار ، وإنما شهادته بأن الآية نزلت بدون واو ، وأن الله مدح الأنصار فيها بأنهم تابعون للمهاجرين!! قال عمر (أشهد أن الله أنزلها هكذا ـ ابن شبة ـ ج ٢ ص ٧٠٧) فإذا كان قوله هذا اجتهادا من عنده ، لأن مكانة قريش برأيه عند الله أعلى من مكانة الأنصار .. فوا مصيبتاه من هذه الجرأة على تحريف آية من كتاب الله!! وإن كان صادقا ، فلما ذا تراجع بمجرد شهادة أبي بن كعب وتأكيده؟! فقول أبي شهادة في مقابل شهادة ، والشهادتان المتعارضتان تتكافآن وتتساقطان ، ويجب الرجوع الى شهادات الصحابة .. فلما ذا لم يسأل عمر عددا من المهاجرين والأنصار عن الآية التي نزلت بالأمس قبل وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشهور! وكيف خضع لشهادة أبي بن كعب؟ ثم كيف أمر بكتابتها في القرآن كما قال ابن كعب ولم يطلب حتى شاهدا آخر معه عليها؟!

مهما يكن من أمر ، فلولا موقف أبي بن كعب لقام الخليفة بتغيير آية في كتاب الله تعالى ، بضربة فنية وحذف واو واحدة! ولكن الله تعالى حفظ كتابه ، وهو القائل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)!

٢ ـ محاولة تحريف آية نزلت في علي

آية : ومن عنده علم الكتاب

في القرآن الكريم عدة تعبيرات عن العلم بالكتاب الإلهي .. منها تعبير : إيتاء الكتاب ، ويستعمل بمعنى الإيتاء العام للأمم ، حتى لأولئك الذين انحرفوا عن الكتاب الإلهي وضيعوه ولم يعرفوا منه إلا أماني .. قال الله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) ـ آل عمران ١٩

ويستعمل بمعنى الإيتاء الخاص للأنبياء وأوصيائهم ، قال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ. أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ، قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) ـ الأنعام ٩٠

١٥٨

ومنها تعبير : توريث الكتاب ، ويستعمل أيضا بمعنى عام وخاص ، وقد اجتمعا في قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) ـ فاطر ٣٢

ومنها تعبير : الراسخون في العلم ، قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) ـ آل عمران ٧

ومنها تعبير : الذي عنده علم من الكتاب ، قال تعالى : (قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ. قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ. قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) ـ النمل ٣٨ ـ ٤٠

ومنها تعبير : الذي عنده علم الكتاب ، قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ. يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ. وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ. أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ. وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ. وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) ـ الرعد ـ ٤٣ وقد وردت الروايات الصحيحة عندنا أن الراسخين في العلم ، والذين عندهم علم الكتاب ، هم بعد النبي أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ويدل عليه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني أوشك إن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عزوجل وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروني بم تخلفوني فيهما ، الذي رواه أحمد في مسنده ج ٣ ص ١٧ وغيره ، وغيره .. بأسانيد صحيحة عند إخواننا ، فإنه لا معنى لإخبار الله تعالى لرسوله أنهما لن يفترقا الى يوم القيامة ، إلا أنه سيكون منهم إمام في كل عصر ، وأن علم الكتاب عنده ، فيكون أفضل من وزير سليمان ووصيه آصف بن برخيا الذي عنده علم من الكتاب.

١٥٩

وبما أن نص الآية الموجود في القرآن ومن عنده علم الكتاب فتكون من موصولة بمعنى الذي .. لكن يطالعك في مصادر إخواننا أن الخليفة عمر حاول إبعاد الآية عن علي عليه‌السلام فقرأها ومن عنده فكسر من وكسر عنده! وأراد بهاتين الكسرتين أن يغير معنى الآية من أساسه ليصير : قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عند الله علم الكتاب. وهذه القراءة لا معنى لها لأنها تقطع الربط بين الفقرتين ، وتجعل من عنده ابتداء بجملة جديدة بعيدة عن الموضوع ، مع أن الآية آخر آية في سورة الرعد! والعجيب أن عمر نسب ذلك الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله!!

قال السيوطي في الدر المنثور ج ٤ ص ٦٩ (وأخرج تمام في فوائده وابن مردويه عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ ومن عنده علم الكتاب ، قال : من عند الله علم الكتاب).

وفي كنز العمال ج ٢ ص ٥٩٣ (عن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ : ومن عنده علم الكتاب ـ قط في الافراد وتمام وابن مردويه).

وفي ج ١٢ ص ٥٨٩ (عن ابن عمر قال : قال عمر وذكر إسلامه فذكر أنه حيث أتى الدار ليسلم سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ : ومن عنده علم الكتاب ـ ابن مردويه).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٧ ص ١٥٥ (وعن ابن عمر قال قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن عنده علم الكتاب ـ رواه أبو يعلى وفيه سليمان بن أرقم وهو متروك) انتهى.

والحمد لله أن إخواننا السنة لم يطيعوا هذه الروايات ، فالموجود في مصحف الجميع (ومن عنده علم الكتاب)!

وبعد فشل محاولة قراءة (ومن عنده) بكسر (من) يبقى السؤال عن هذا الذي جعله الله شاهدا في الأمة على نبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

أما أهل البيت وشيعتهم فقد رووا أن هذا الشاهد عليّ عليه‌السلام .. قال الحويزي في تفسير نور الثقلين ج ٢ ص ٥٢٣ (في أمالي الصدوق رحمه‌الله بإسناده الى أبي سعيد الخدري قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قول الله جل ثناؤه (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ)؟ قال : ذاك أخي علي بن أبي طالب).

١٦٠