تدوين القرآن

الشيخ علي الكوراني العاملي

تدوين القرآن

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

والطبراني ولفظه : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لنا إن أحدكم لو كان له واد واد ملآن من أعلاه الى أسفله أحب أن يملأ له واد آخر ، والباقي بنحوه. وفي إسناد الطبراني من لم أعرفهم ، وفي إسناد البزاز يوسف بن خالد السمتي وهو كذاب.

وعن أبي سعيد يعني الخدري قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو أن لابن آدم واديا من مال لابتغى إليه ثانيا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. رواه البزاز وفيه عطية العوفي وهو ضعيف. وعن سعد بن أبي وقاص قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى إليهما الثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير حامد بن يحيى البلخي وهو ثقة. وعن أبي أمامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لو كان لابن آدم واديان لتمنى واديا ثالثا وما جعل المال إلا لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولا يشبع ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. رواه الطبراني وفيه جعفر بن الزبير وهو ضعيف كذاب. وعن كعب بن عياض الأشعري عن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لو سيل لابن آدم واديان من مال لتمنى إليهما ثالثا ولا يشبع ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. رواه الطبراني).

ورواه الدارمي في سننه ج ٢ ص ٣١٨ عن أنس بصيغة التشكيك قريبا مما في أحمد ج ٣ ص ٢٧٢ ، ورواه الحاكم في المستدرك ج ٢ ص ٢٢٤ (... عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين .. ومن نعتها : لو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيته سأل ثانيا ، وإن أعطيته ثانيا سأل ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. وإن الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيرا فلن يكفره. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) انتهى.

ويلاحظ أن هذا الحديث الصحيح الاسناد قد خلط بين آيتين مزعومتين ، آية وادي المال وآية النصرانية أو ذات الدين!!

ورواه ابن شبة في تاريخ المدينة ج ٢ ص ٧٠٧ وفيه (قال عمر رضي الله عنه : أفنكتبها؟ قال لا آمرك ، قال أفندعها؟ قال لا أنهاك ، قال : كان إثباتك أولى من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أم قرآن منزل) أي ليتك كنت تثبتت من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هل هي قرآن أم لا؟

١٢١

ورواه السيوطي في الدر المنثور ج ١ ص ١٠٦ وفيه (ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ... قال ابن عباس فلا أدري أمن القرآن هو أم لا) وروى في ج ٦ ص ٣٧٨ رواية ابن عباس التي يسأل فيها عمر : أفأثبتها في المصحف؟ قال : نعم. ثم نقله عن ابن الضريس عن ابن عباس ... فقال عمر أفأكتبها؟ قال لا أنهاك. قال فكأن أبيا شك أقول من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو قرآن منزل؟).

ورواه في كنز العمال على أنه آية ج ٢ ص ٥٦٨ وص ٥٦٩ وفيه (عن أبيّ : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن ، فقرأ عليه ..! ورمز له : ط حم ، ت حسن صحيح ، ك ، ص) ورواه أيضا في ج ٣ ص ٢٠٠ انتهى.

ويتعجب الباحث هنا من سؤال الخليفة لأبيّ بن كعب : أفأكتبها في المصحف؟ فهل أن الملاك في كون نص من القرآن أو ليس منه هو رأي أبي بن كعب كما تقول هذه الرواية؟ أو الملاك رأي الخليفة عمر كما تقول روايات أخرى؟ أو رأي زيد بن ثابت كما تقول ثالثة؟ أو شهادة اثنين من الصحابة كما تقول رابعة؟ .. الى آخر التناقضات الواردة في روايات جمع القرآن في مصادر إخواننا السنة .. لكن المتتبع يعرف أن الملاك الأول والأخير هو رأي الخليفة وأن الباقين لا يجرءون أن يكتبوا شيئا إلا بأمره أو إجازته!

لكن يأتي السؤال هنا أيضا : ما دام الخليفة أمر بإثباتها ، فما لنا لا نراها في القرآن؟ والجواب قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).

٨ ـ نقص (وهو أب لهم) في آية!

قال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ١٨٣ (وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وإسحاق بن راهويه وابن المنذر والبيهقي عن بجالة قال : مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بغلام وهو يقرأ في المصحف : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم! فقال يا غلام حكها ، فقال : هذا مصحف أبيّ! فذهب الى أبيّ فسأله فقال : إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق). ورواه عبد الرزاق في المصنف ج ١٠ ص ١٨١ عن بجالة التيمي.

وروى أحمد في مسنده ج ٣ ص ١٢٢ (... عن قتادة عن أنس قال كنت أسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول فلا أدري أشيء نزل عليه أم شىء يقوله؟ وهو

١٢٢

يقول : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب).

وفي ج ٣ ص ٢٣٦ (.. قال ابن شهاب حدثني أنس بن مالك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لو أن لابن آدم واديين من ذهب أحب أن له واديان ثالثا ولم يملا فاه إلا التراب والله يتوب على عن تاب).

ورواه ابن شبة في تاريخ المدينة ج ٢ ص ٧٠٨ وزاد في آخره (فمضى عمر رضي الله عنه) ورواه البيهقي في سننه ج ٧ ص ٦٩ والذهبي في سير أعلام النبلاء ج ١ ص ٣٩٧ ورواه في كنز العمال ج ٢ ص ٥٦٩ ورمز له (ص ك). وروى في ج ١٣ ص ٢٥٩ وفيه (وشغلك الصفق بالسواق إذ تعرض رداءك على عنقك بباب ابن العجماء) انتهى ، ويقصد أبي بن كعب : أنك كنت مشغولا ببيع الأردية في سوق المدينة عند بيت ابن العجماء فتضعها على عنقك ليراها المشتري! وابن العجماء عدوي من عشيرة عمر ، وقد ترجمت المصادر لعدة من بناته ، ولم أجد له ترجمة!

والسؤال في هذه الآية المزعومة وأمثالها : ما دام ابن كعب قد أكد أن هذه الزيادة جزء من الآية ، والخليفة قبل منه ذلك .. فلما ذا لا نجد هذه الزيادة وأمثالها في القرآن ، خاصة أن معناها يوافق بقية الآية؟ والجواب : ما تقدم من حس المسلمين في الرقابة على نص القرآن بقطع النظر عن صحة المعنى المدعى أنه كان جزء منه! وصدق الله العظيم : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)!

٩ ـ آية ذات الدين ووادي التراب!

روى الحاكم في المستدرك ج ٢ ص ٢٢٤ (... عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين. ومن نعتها لو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيته لسأل ثانيا ، وإن أعطيته ثانيا سأل ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ، وإن الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيرا فلن يكفره. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه).

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٧ ص ١٤٠ (عن أبيّ ابن كعب قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الله أمرني أن أقرأ عليك قال فقرأ علي : لم يكن الذين

١٢٣

كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة. إن الدين عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يفعل خيرا فلن يكفره. قال شعبة ثم قرأ آيات بعدها ، ثم قرأ : لو كان لابن آدم واديان من مال لسأل ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. قال ثم ختم ما بقي من السورة!! وفي رواية عن أبي بن كعب أيضا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إن الله تبارك وتعالى أمرني أن أقرأ عليك القرآن فذكر نحوه ، وقال فيه : لو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه لسأل ثانيا ولو سأل ثانيا فأعطيه لسأل ثالثا ، والباقي بنحوه. قلت في الترمذي بعضه ، وفي الصحيح طرف منه ، رواه أحمد وابنه ، وفيه عاصم بن بهدلة وثقه قوم وضعفه آخرون ، وبقية رجاله رجال الصحيح) انتهى.

ورواه في كنز العمال ج ٢ ص ٥٦٧ وفيه (... إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن ، فقرأ عليه لم يكن ، وقرأ عليه إن ذات الدين عند الله الحنيفية ... ط حم ت ، حسن صحيح ، ك ص).

وعلى هذه الرواية الصحيحة السند بمقاييس إخواننا السنة ينبغي أن تسمى هذه الآيات المخلوطة من آية وادي التراب وذات الدين وغيرهما : الآية المنزلة الى أبيّ بن كعب! لأنه جاء في نصوصها جميعا قول النبي لابن كعب (إن الله أمرني أن أقرأ عليك)! ولكن ينبغي الشك في كل روايات الزيادة والنقصان المنسوبة الى أبي بن كعب لأنه ثبت في بعضها أنها مكذوبة عليه .. وأن اسمه استغل لإثبات الزيادة والنقص في القرآن!!

١٠ ـ التسبيحات الأربع من القرآن!

وروى أحمد في مسنده ج ٥ ص ١١ (... عن سمرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إذا حدثتكم حديثا فلا تزيدن عليه ، وقال : أربع من أطيب الكلام وهن من القرآن لا يضرك بأيهن بدأت : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر. ثم قال : لا تسمين غلامك أفلحا ولا نجيحا ولا رباحا ولا يسارا)

وفي ج ٥ ص ٢٠ (عن سمرة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهي من القرآن لا يضرك بأيهن بدأت : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر).

١٢٤

روى النسائي في سننه ج ٢ ص ١٤٣ (... عن ابن أبي أوفى قال جاء رجل الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمني شيئا يجزئني من القرآن فقال : قل سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله) انتهى.

وهذه الروايات الصحيحة عند إخواننا مناقضة لما ورد في مصادرهم ولما اتفق عليه المسلمون من أن التسبيحات الاربع حديث شريف وليست قرآنا!! ورواية النسائي تحتمل أن يكون متعلق الجار والمجرور (يجزئني) وأن تكون من بمعنى عن ، لكن المرجح أنه صفة أخرى للشيء ، بقرينة الروايات المتقدمة.

١١ ـ آية : ألا بلغوا قومنا ..!

روى البخاري في صحيحه ج ٣ ص ٢٠٤ و ٢٠٨ وج ٤ ص ٣٥ وج ٥ ص ٤٢ عدة روايات أن آية (ألا بلغوا قومنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا) نزلت في شهداء بئر معونة الذين بعثهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى نجد فغدر بهم رعل وذكوان وعصية من بني لحيان ، وأن المسلمين قرءوا هذه الآية!

ورواها مسلم في صحيحه ج ٢ ص ١٣٥ وأحمد في مسنده بعدة روايات ج ٣ ص ١٠٩ و ٢١٠ و ٢١٥ و ٢٥٥ و ٢٨٩ والبيهقي في سننه ج ٢ ص ١٩٩ وغيرهم كثيرون .. وفي أكثر الروايات أنها نسخت بعد ذلك ، وفي بعضها أنها رفعت ، وفي رواية أحمد ج ٣ ص ١٠٩ (ثم رفع ذلك بعد ، وقال ابن جعفر ثم نسخ)!! انتهى.

ولو صح أنها كانت آية ونسخت فلا بد أن يكون قبلها أو بعدها كلام آخر حتى لا تكون مقتصرة على مقول القول فقط .. فتكون مثلا : إن المؤمنين الذين قتلهم أهل نجد المشركون قالوا ألا بلغوا قومنا ... إلخ!! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

١٢ ـ آية عائشة التي أكلتها السخلة!

من الأحكام الشرعية المتفق عليها بين المسلمين : أن الرضاعة تشبه النسب ، فلو أرضعت امرأة طفلا لغيرها صارت أما له وحرمت عليه ، وصارت بناتها أخواته وحرمن عليه .. الخ.

١٢٥

وبعد اتفاق المسلمين على هذا الأصل الذي نص عليه القرآن ، اختلفوا في شروطه ، فقال الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام : يشترط أن يرضع الطفل من تلك المرأة رضاعا متصلا خمس عشرة رضعة ، أو يكون الرضاع بحيث ينبت به لحم الطفل ويشتد عظمه ، وأن لا يكون للطفل غذاء آخر غير الحليب ، وأن يكون الطفل في سن الرضاعة لا أكبر .. فإذا اختلت الشروط فلا أثر للرضاع.

أما المذاهب الأخرى فتساهلوا في شروط الرضاعة ، وكان أول المتساهلين في عدد الرضعات عبد الله بن عمر ولا يبعد أن يكون ذلك مذهب أبيه ، فقال إن الرضعة الواحدة توجب التحريم .. قال السيوطي في الدر المنثور ج ٢ ص ١٣٥ :

(وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر أنه بلغه عن ابن الزبير أنه يؤثر عن عائشة في الرضاعة لا يحرم منها دون سبع رضعات. قال : الله خير من عائشة إنما قال الله تعالى (وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) ولم يقل رضعة ولا رضعتين. وأخرج عبد الرزاق عن طاوس أنه قيل له إنهم يزعمون أنه لا يحرم من الرضاعة دون سبع رضعات ثم صار ذلك الى خمس. قال قد كان ذلك فحدث بعد ذلك أمر جاء التحريم المرة الواحدة تحرم.

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : المرة الواحدة تحرم.

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : المصة الواحدة تحرم) انتهى.

أما أم المؤمنين عائشة فقالت : نزل في القرآن آية تحدد الرضاعة بعشر رضعات ، ثم نسخت ونزلت آية تكتفي بخمس رضعات وأن تلك الآية كانت حتى توفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تقرأ في القرآن وكانت مكتوبة عندها على ورقة وموضوعة تحت سريرها ، ولكنها انشغلت بوفاة النبي وبعدها فدخلت سخلة وأكلت الورقة!

ولكن التساهل الأكبر الذي به صارت عائشة أشهر المتساهلين في المسألة هو تعميمها الرضاع للكبار! فيمكن للرجل الكبير أن يرضع من أي امرأة فيكون ابنها ويصير أقاربها أقاربه ومن المحرمات عليه فيدخل عليهن بدون حجاب!

وكانت عائشة تعمل بذلك فترسل الرجل الذي تريده أن يدخل عليها الى إحدى قريباتها فترضعه خمس رضعات فيصير محرما ويدخل عليها بدون حجاب .. وقد ذكر

١٢٦

الرواة أسماء بعض الرجال الذين أرضعتهم عائشة عند أقاربها ليدخلوا عليها بدون حرج. وعرفت هذه المسألة في الفقه برضاع الكبير.

والذي يهمنا في بحثنا هو قول عائشة بأن آية الخمس رضعات كانت في القرآن ثم ضاعت ، ولكن نورد ما يتعلق بالمسألتين لتداخل رواياتهما وارتباطها.

قال مسلم في صحيحه ج ٤ ص ١٦٧ :

(... عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة أنها قالت كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن!!).

ورواه الدارمي في سننه ج ٢ ص ١٥٧

ورواه ابن ماجة في سننه ج ١ ص ٦٢٥ وروى بعده (... عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : لقد نزلت آية الرجم ، ورضاعة الكبير عشرا. ولقد كان في صحيفة تحت سريري ، فلما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتشاغلنا بموته ، دخل داجن فأكلها) انتهى ، ومعنى الداجن : الحيوان الأهلي الذي يربى في المنزل وكان السائد منه في المدينة الماعز ، ولذلك جعلنا العنوان : أكلتها السخلة. وفي هذه الرواية دليل على أن مرض النبي ووفاته لم يكن في غرفة عائشة وإلا لما دخلتها السخلة ، وبحث ذلك خارج عن موضوعنا.

وروى النسائي في سننه ج ٦ ص ١٠٠ (... عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت كان فيما أنزل الله عزوجل ، وقال الحرث فيما أنزل من القرآن ، عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهي مما يقرأ من القرآن!).

وقال الترمذي في سننه ج ٢ ص ٣٠٩ :

(قالت عائشة : أنزل في القرآن : عشر رضعات معلومات ، فنسخ من ذلك خمس وصار الى : خمس رضعات معلومات ، فتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والأمر على ذلك .. وبهذا كانت عائشة تفتي وبعض أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهو قول الشافعي وإسحاق ، وقال أحمد بحديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تحرم المصة ولا

١٢٧

المصتان ، وقال : إن ذهب ذاهب الى قول عائشة في خمس رضعات فهو مذهب قوى. وجبن عنه أن يقول فيه شيئا. وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وغيرهم : يحرم قليل الرضاع وكثيره إذا وصل الى الجوف ، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ووكيع وأهل الكوفة) انتهى.

وبذلك يكون هؤلاء الذين ذكرهم الترمذي أكثر تساهلا من عائشة! لانهم لم يشترطوا خمس رضعات بل ولا رضعة واحدة واكتفوا بمصة واحدة! والمقصود ببعض أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله غير عائشة في حديث الترمذي هو حفصة لا غير.

وروى أحمد في مسنده ج ١ ص ٤٣٢ ما يوافق مذهب أهل البيت عليهم‌السلام فقال : (عن أبي موسى الهلالي عن أبيه أن رجلا كان في سفر فولدت امرأته فاحتبس لبنها فجعل يمصه ويمجه فدخل حلقه فأتي أبا موسى فقال حرمت عليك قال فأتى ابن مسعود فسأله فقال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشر العظم).

وقال في ج ٦ ص ٢٧١ (... كانت عائشة تأمر أخواتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيرا خمس رضعات ثم يدخل عليها وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحدا من الناس حتى يرضع في المهد وقلن لعائشة والله ما ندري لعلها كانت رخصة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسالم من دون الناس) انتهى.

أما البخاري فلم يرو في صحيحه قصة هذه الآية ولا رضاع الكبير ، واكتفى برواية ما حول الموضوع .. فقال في صحيحه ج ٣ ص ١٥٠ :

(... عن مسروق أن عائشة رضي الله عنها قالت دخل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعندي رجل قال يا عائشة من هذا قلت أخي من الرضاعة قال يا عائشة أنظرن من إخوانكن! فإنما الرضاعة من المجاعة). ورواه في ج ٣ ص ١٤٩ والنسائي في ج ٦ ص ١٠١

وروى البخاري في ج ٦ ص ١٢٥ (عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل عليها وعندها رجل فكأنه تغير وجهه كأنه كره ذلك!! فقالت إنه أخي فقال أنظرن من إخوانكن! فإنما الرضاعة من المجاعة.

١٢٨

... عن عروة بن الزبير عن عائشة أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب فأبيت ان آذن له فلما جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبرته بالذى صنعت فأمرني أن آذن له). ورواه في ج ٦ ص ١٦٠

وقال الحاكم في المستدرك ج ٢ ص ١٦٣ بعد أن روى حديث رضاع سالم (هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ، وفيه أن الشريفة تزوج من كل مسلم).

وأورد عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه ج ٧ ص ٤٥٨ نحو خمسين رواية تحت عنوان : باب رضاع الكبير يفهم منها أن المجتمع الإسلامي كان يستغرب ذلك بل يستنكره .. قال (... عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أن القاسم بن محمد بن أبي بكر أخبره أن عائشة أخبرته أن سهلة بنت سهيل بن عمرو جاءت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : يا رسول الله! إن سالم مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا ، وقد بلغ ما يبلغ الرجال ، وعلم ما يعلم الرجال ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أرضعيه تحرمي عليه ، قال ابن أبي مليكة : فمكثت سنة أو قريبا منها لا أحدث به رهبة له ، ثم لقيت القاسم فقلت : لقد حدثتني حديثا ما حدثته بعد ، قال : وما هو؟ فأخبرته ، فقال حدث به عني أن عائشة أخبرتني به!

... فأخذت بذلك عائشة فيمن كانت تريد أن يدخل عليها من الرجال ، فكانت تأمر أم كلثوم ابنة أبي بكر وبنات أخيها يرضعن لها من أحبت أن يدخل عليها من الرجال ، وأبى سائر أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يدخل عليهن أحد من الناس بتلك الرضاعة ، قلن : والله ما نرى الذي أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم به سهلة إلا رخصة في رضاعة سالم وحده) انتهى.

وقد تكون عائشة اعتمدت على سهلة بنت سهيل بن عمرو .. وسهيل هذا من قادة الأحزاب والمشركين ، وممن كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقنت بالدعاء عليه ويلعنه ، وقد أسلم تحت السيف يوم فتح مكة ولكنه بقي الناطق باسم قريش في مواجهة النبي والإسلام .. فمن أين يأتي الصدق والتدين الى بنته؟!

وقال عبد الرزاق (... عن معمر عن الزهري أن عائشة أمرت أم كلثوم أن ترضع سالما ، فأرضعته خمس رضعات ، ثم مرضت ، فلم يكن يدخل سالم على عائشة.

١٢٩

... أخبرنا ابن جريج قال : سمعت نافعا يحدث أن سالم بن عبد الله حدثه أن عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسلت به الى أختها أم كلثوم ابنة أبي بكر ، لترضعه عشر رضعات ، ليلج عليها إذا كبر ، فأرضعته ثلاث مرات ، ثم مرضت ، فلم يكن سالم يلج عليها ، قال زعموا أن عائشة قالت : لقد كان في كتاب الله عزوجل عشر رضعات ، ثم رد ذلك الى خمس ، ولكن من كتاب الله ما قبض مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

... أخبرنا ابن جريج قال : سمعت نافعا مولى ابن عمر يحدث أن ابنة أبي عبيد امرأة ابن عمر ، أخبرته أن حفصة بنت عمر زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أرسلت بغلام نفيس (...) لبعض موالي عمر الى أختها فاطمة بنت عمر ، فأمرتها أن ترضعه عشر مرات ، ففعلت ، فكان يلج عليها بعد أن كبر) انتهى.

كما روى عبد الرزاق عددا من الروايات المخالفة لمذهب عائشة في رضاع الكبير .. قال (... عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم عن النزال عن علي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لا رضاع بعد الفصال.

... عن الثوري عن جويبر عن الضحاك عن النزال عن علي قال : لا رضاع بعد الفصال ، وسمعته يقول لمعمر : إنه لم يبلغ به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال معمر : بلى ..... جابر عن أبيهما جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لا يمين لولد مع يمين والد ، ولا يمين لزوجة مع يمين زوج ، ولا يمين لمملوك مع يمين مالك ، ولا يمين في قطيعة ، ولا نذر في معصية ، ولا طلاق قبل نكاح ، ولا عتاقة قبل ملك ، ولا صمت يوم الى الليل ، ولا مواصلة في الصيام ، ولا يتم بعد حلم ، ولا رضاع بعد الفطام ، ولا تعرب بعد الهجرة ، ولا هجرة بعد الفتح .... عن الثوري عن عمرو بن دينار عمن سمع ابن عباس يقول : لا رضاع بعد الفطام .... عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال : لا رضاع إلا لمن أرضع في الصغر ، ولا رضاعة لكبير) انتهى. ورواه عنه البيهقي في سننه ج ٧ ص ٤٦١

وقال مالك في الموطأ ج ٢ ص ٦٠١ :

(عن نافع ، أن عبد الله بن عمر كان يقول : لا رضاعة إلا لمن أرضع في الصغر ، ولا رضاعة لكبير.

١٣٠

... عن يحيى بن سعيد ، أنه قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : لا رضاعة إلا ما كان في المهد. وإلا ما أنبت اللحم والدم. وحدثني عن مالك ، عن ابن شهاب ، أنه كان يقول : الرضاعة ، قليلها وكثرت تحرم. والرضاعة من قبل الرجال تحرم. قال يحيى : وسمعت مالكا يقول : الرضاعة ، قليلها وكثيرها إذا كان في الحولين تحرم. فأما ما كان بعد الحولين ، فإن قليله وكثيره لا يحرم شيئا ، وإنما هو بمنزلة الطعام.

... عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنها قالت : كان فيما أنزل من القرآن ـ عشر رضعات معلومات يحرمن ـ ثم نسخن ب ـ خمس معلومات ـ فتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو فيما يقرأ من القرآن. قال يحيى ، قال مالك : وليس على هذا العمل) انتهى.

وقال الشافعي في مسنده ص ٤١٦ :

(عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر سهلة بنت سهيل أن ترضع سالما خمس رضعات فتحرم بهن. أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت كان فيما أنزل الله في القرآن : عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهن مما يقرأ من القرآن).

وقال في كتاب الأم ج ٥ ص ٢٩ :

(رضاعة الكبير. قال الشافعي رحمه‌الله تعالى ... فجاءت سهلة بنت سهيل وهي قال الشافعي : فإن قال قائل : ما دل على ما وصفت؟ قال الشافعي : فذكرت حديث سالم الذي يقال له مولى أبي حذيفة عن أم سلمة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أمر امرأة أبي حذيفة أن ترضعه خمس رضعات يحرم بهن ، وقالت أم سلمة في الحديث وكان ذلك في سالم خاصة وإذا كان هذا لسالم خاصة فالخاص لا يكون إلا مخرجا من حكم العام ، وإذا كان مخرجا من حكم العام فالخاص غير العام ولا يجوز في العام إلا أن يكون رضاع الكبير لا يحرم ولا بد إذا اختلف الرضاع في الصغير والكبير من طلب الدلالة على الوقت الذي إذا صار إليه المرضع فأرضع لم يحرم.

١٣١

قال : والدلالة على الفرق بين الصغير والكبير موجودة في كتاب الله عزوجل ، قال الله تعالى (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) ، فجعل الله عزوجل تمام الرضاع حولين كاملين).

... قال الشافعي : فإن قال قائل : فقد قال عروة قال غير عائشة من أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما نرى هذا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا رخصة في سالم. قيل : فقول عروة عن جماعة أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير عائشة لا يخالف قول زينب عن أمها إن ذلك رخصة مع قول أم سلمة في الحديث هو خاصة وزيادة قول غيرها ما نراه إلا رخصة مع ما وصفت من دلالة القرآن وإني قد حفظت عن عدة ممن لقيت من أهل العلم إن رضاع سالم خاص.

فإن قال قائل : فهل في هذا خبر عن أحد من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما قلت في رضاع الكبير؟ قيل نعم : أخبرنا مالك عن أنس عن عبد الله بن دينار قال جاء رجل الى ابن عمر وأنا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير فقال ابن عمر جاء رجل الى عمر ابن الخطاب فقال كانت لي وليدة فكنت أطؤها فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها فدخلت عليها فقالت دونك فقد والله أرضعتها. فقال عمر بن الخطاب أوجعها وائت جاريتك فإنما الرضاع رضاع الصغير.

... قال الشافعي : فجماع فرق ما بين الصغير والكبير أن يكون الرضاع في الحولين فإذا ارضع المولود في الحولين خمس رضعات كما وصفت فقد كمل رضاعه الذي يحرم) انتهى.

وقال في كتاب الأم ج ٧ ص ٢٣٦ :

باب في الرضاع. قال الشافعي : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر سهلة ابنة سهيل أن ترضع سالما خمس رضعات فيحرم بهن.

قال الشافعي : أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة أنها قالت كان فيما أنزل الله في القرآن : عشر رضعات معلومات

١٣٢

يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهن مما يقرأ من القرآن!

قال الشافعي : أخبرنا مالك عن نافع أن سالم بن عبد الله أخبره أن عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسلت به وهو يرضع الى أختها أم كلثوم فأرضعته ثلاث رضعات ثم مرضت فلم ترضعه غير ثلاث رضعات فلم يكن يدخل على عائشة من أجل أن أم كلثوم لم تكمل له عشر رضعات ...

قال الشافعي : فرويتم عن عائشة أن الله أنزل كتابا أن يحرم من الرضاع بعشر رضعات ثم نسخن بخمس رضعات وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم توفي وهي مما يقرأ من القرآن ، وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أمر بأن يرضع سالم خمس رضعات يحرم بهن ، ورويتم أن عائشة وحفصة أمي المؤمنين مثل ما روت عائشة وخالفتموه ، ورويتم عن ابن المسيب أن المصة الواحدة تحرم ، فتركتم رواية عائشة ورأيها ورأى حفصة بقول ابن المسيب وأنتم تتركون على سعيد بن المسيب رأيه برأى أنفسكم مع أنه روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل ما روت عائشة وابن الزبير ووافق ذلك رأي أبي هريرة. وهكذا ينبغي لكم أن يكون عندكم العمل) انتهى.

ونحوه في مجموع النووي ج ١٨ ص ٢١٠ و ٢١٢

وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٢ ص ١٣٥ :

(وأخرج مالك وعبد الرزاق عن عائشة قالت كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن.

وأخرج عبد الرزاق عن عائشة قالت لقد كانت في كتاب الله عشر رضعات ثم رد ذلك الى خمس ولكن من كتاب الله ما قبض مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأخرج ابن ماجة وابن الضريس عن عائشة قالت كان مما نزل من القرآن ثم سقط لا يحرم إلا عشر رضعات أو خمس معلومات.

١٣٣

وأخرج ابن ماجة عن عائشة قالت لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها) انتهى. وروى البيهقي أكثر ذلك في سننه ج ٧ ص ٤٥٣

وقال ابن قدامة في المغني ج ٩ ص ١٩٢ :

(مسألة : قال أبو القاسم رحمه‌الله (والرضاع الذي لا يشك في تحريمه أن يكون خمس رضعات فصاعدا) في هذه المسألة مسألتان : أحدهما ، أن الذي يتعلق به التحريم خمس رضعات فصاعدا هذا الصحيح في المذهب وروي هذا عن عائشة وابن مسعود وابن الزبير وعطاء وطاوس وهو قول الشافعي. وعن أحمد رواية ثانية أن قليل الرضاع وكثيره يحرم. وروي ذلك عن علي وابن عباس ، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن ومكحول والزهري وقتادة والحكم وحماد ومالك والأوزاعي والثوري والليث وأصحاب الرأي وزعم الليث أن المسلمين أجمعوا على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهد ما يفطر به الصائم ...).

وقال الكاشاني الحنفي في بدائع الصنائع ج ٤ ص ٧ :

(ويستوى في الرضاع المحرم قليله وكثيره عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم وروى عن عبد الله بن الزبير وعائشة رضي الله عنهما أن قليل الرضاع لا يحرم وبه أخذ الشافعي فقال لا يحرم إلا خمس رضعات متفرقات واحتج بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كان فيما نزل عشر رضعات يحرم ثم صرن الى خمس فتوفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو فيما يقرأ ...

وأما حديث عائشة رضي الله عنها فقد قيل أنه لم يثبت عنها وهو الظاهر فإنه روي أنها قالت توفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو مما يتلى في القرآن فما الى نسخه (سبيل) ولا نسخ بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولا يحتمل أن يقال ضاع شىء من القرآن ولهذا ذكر الطحاوي في اختلاف العلماء أن هذا حديث منكر ، وإنه من صيارفة الحديث ولئن ثبت فيحتمل أنه كان في رضاع الكبير فنسخ العدد بنسخ رضاع الكبير) انتهى.

١٣٤

وقال ابن حزم في المحلى ج ١٠ ص ١٤ :

(قال أبو محمد : وهذان أثران في غاية الصحة والحجة بهما قائمة ، ثم نظرنا فيما احتج به من قال : لا يحرم من الرضاع أقل من خمس رضعات فوجدنا ما رويناه من طريق حماد بن سملة عن يحيى بن سعيد الأنصاري. وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق كلاهما عن عمرة عن عائشة أم المؤمنين قالت : نزل القرآن أن لا يحرم إلا عشر رضعات ثم نزل بعد وخمس معلومات هذا لفظ يحيى بن سعيد ، ولفظ عبد الرحمن قالت : كان مما نزل من القرآن ثم سقط لا يحرم من الرضاع إلا عشر رضعات ثم نزل بعد وخمس معلومات ، ومن طريق القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات يحرمن ، فتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهن مما يقرأ من القرآن ، وروينا أيضا معناه من طريق مسلم نا القعنبي ومحمد بن المثنى قال ابن المثنى نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، وقال القعنبي نا سليمان بن بلال ثم اتفق سليمان وعبد الوهاب كلاهما عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة أم المؤمنين قالت لما نزل في القرآن عشر رضعات معلومات ثم نزل أيضا خمس معلومات ...

قال أبو محمد : وهذان خبران في غاية الصحة وجلالة الرواة وثقتهم ولا يسع أحدا الخروج عنهما ... لكن لما جاءت رواية الثقات التي ذكرنا بأنه لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان وأنه إنما يحرم خمس رضعات كانت هذه الأخبار زائدة على ما في تلك الآية وفي تلك الأخبار وكانت رواية ابن جريج في حديث أبي حذيفة أرضعيه خمس رضعات هي زائدة.

وقالوا أيضا : قول الراوي فمات عليه الصلاة والسّلام وهو مما يقرأ من القرآن قول منكر وجرم في القرآن ولا يحل أن يجوز أحد سقوط شىء من القرآن بعد موت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلنا : ليس كما ظننتم إنما معنى قول عبد الله بن أبى بكر في روايته لما ذكرتم ثم أي أنه عليه الصلاة والسّلام مات وهو مما يقرأ مع القرآن بحروف

١٣٥

الجر يبدل بعضها من بعض ، ومما يقرأ من القرآن الذي بطل أن يكتب في المصاحف وبقي حكمه كالآية الرجم سواء سواء فبطل اعتراضهم المذكور ...

فمن ذلك قلنا إن استنفاد الراضع ما في الثديين متصلا رضعة واحدة. وأن المصة لا تحرم إلا إذا علمنا أنها قد سدت مسدا من الجوع) انتهى.

وهكذا وافق ابن حزم عائشة في الخمس رضعات التي أكلت آيتها السخلة ، وزاد عليها أنه اعتبر المصة الطويلة رضعة ، فيكفي عنده خمس مصات متفرقات.

ثم كان من النادرين الذين آنسوا وحدة أم المؤمنين في رضاع الكبير ، فيكفي عنده أن يرضع رجل كبير ولو كان عمره خمسين سنة من امرأة غير محرم عليه! خمس مصات متفرقات فتصير أمه وتحرم عليه هي وقريباتها!!

قال في ص ١٩ : (قال أبو محمد : وقالت طائفة : إرضاع الكبير والصغير يحرم كما ذكرنا قبل عن أبي موسى وإن كان قد رجع عنه ... ومن طريق مالك عن ابن شهاب أنه سئل عن رضاع الكبير؟ فقال : أخبرني عروة بن الزبير بحديث أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سهلة بنت سهيل بأن ترضع سالما مولى أبي حذيفة خمس رضعات وهو كبير ففعلت فكانت تراه ابنا لها قال عروة : فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال فكانت تأمر أختها أم كلثوم وبنات أخيها يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال. ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج قال : سمعت عطاء بن أبي رباح وسأله رجل فقال : سقتني امرأة من لبنها بعد ما كنت رجلا كبيرا أفأنكحها؟ قال عطاء لا. قال ابن جريج فقلت له وذلك رأيك قال : نعم كانت عائشة تأمر بذلك بنات أخيها وهو قول الليث بن سعد ...

قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة وزفر ومالك ، فلا خفاء بفسادها إلا على قول من يقول في النهار أنه ليل مكابرة ونصرا للباطل ، ومن عجائب الدنيا قول بعض المفتونين لما قال الله تعالى : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ...

قال أبو محمد : فجمع هذا القول مخالفة لله عزوجل ومكابرة الحس ...) انتهى.

١٣٦

فهذه أحاديث تدعي زيادات لا وجود لها في كتاب الله تعالى ، وكثير منها بمقاييس إخواننا أحاديث صحيحة على شرط البخاري ومسلم ، أو شرط غيرهما ، أو موثقة .. فهل يمكن لأحد أن يقبلها ويضيف هذه الآيات والزيادات المزعومة في كتاب الله والعياذ بالله بحجة التمسك بالحديث إذا صح سنده!!

أم أن علماء إخواننا يردونها كما نفعل نحن الشيعة ، فيقلدوننا في هذا الموضوع من أجل الحفاظ على كتاب الله تعالى؟!

أم يبحثون لها عن تأويلات بعيدة لا تقبلها عبارة عربية مستقيمة؟!

١٣٧
١٣٨

الفصل الخامس

قراءات شخصية

ومحاولات تحريف

١٣٩
١٤٠