التفسير الواضح

دكتور محمّد محمود حجازي

التفسير الواضح

المؤلف:

دكتور محمّد محمود حجازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١٠
الصفحات: ٩٣٨

ربك لا شك فيه ولا ريب ، وأن المكذبين لك والكافرين بالله لهم سوء العذاب في يوم بئيس ، إذا كان الأمر كذلك فلم يبق إلا الصبر والمثابرة وتحمل الأذى ، فاصبر واستعن على ذلك بتسبيح الله الأقدس وتنزيهه عن كل نقص ، واعلم أن اسم الرب كل لفظ يدل على الذات أو على صفة من صفاته كالرحمن الرحيم ، ولا شك أن تنزيه الاسم الخاص تنزيه للذات. والله أعلم.

٧٤١

سورة المعارج

مكية بالإجماع ، وعدد آياتها أربع وأربعون آية.

وتشمل تهديد المشركين بعذاب واقع ، مع التعرض لوصف القيامة ، ثم الكلام على الإنسان وطبعه وعلاجه ، ثم ختام السورة بمثل ما بدئت به.

تهديد المشركين بالعذاب الواقع عليهم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (١) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (٢) مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (٥) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً (٧) يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) كَلاَّ إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (١٦) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعى (١٨)

٧٤٢

المفردات :

(سَأَلَ سائِلٌ) : السؤال يكون تارة بمعنى طلب الشيء واستدعائه ، ويعدّى حينئذ بالباء فتقول : سألت بكذا ، أى : طلبته وعليه قوله : (ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أو بمعنى الاستبخار عن الشيء اعتناء به ، ويعدى عند ذلك بعن أو بالباء تقول : سألت عنه وعن حاله. وسألت به وبحاله ، وعليه قوله تعالى : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً)(دافِعٌ) : مانع وواق. (الْمَعارِجِ) : هي المصاعد والدرجات. (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ) تصعد ، والمراد تلقى الأوامر والنواهي. (كَالْمُهْلِ) : هو مائع كالزيت ، أو مائع الفلزات ـ المعادن ـ المذابة. ولها لون خاص ضارب إلى الخضرة أو الحمرة. (كَالْعِهْنِ) : هو الصوف الملون ، وقيل : المنقوش. (حَمِيمٌ) الحميم : صديق المرء وقريبه الذي يهتم به. (وَصاحِبَتِهِ) : زوجته. (وَفَصِيلَتِهِ) فصيلة الرجل : عشيرته ورهطه الأدنون. (كَلَّا) : كلمة ردع وزجر للمخاطب عن اعتقاد أو رأى أو عمل تغالى في التمسك به. (لَظى) : نار ملتهبة. (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) : هي أعضاء الجسم الخارجية كاليدين والرجلين مثلا ، وقيل : هي جلدة الرأس.

كان المشركون حين يهددهم النبي بعذاب الله يستخفون به وبتهديده ، وينكرون عليه ذلك ، بل ويستعجلونه استهزاء به حتى قال زعيمهم في ذلك وهو النضر بن الحارث : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) وربما كان هذا الموقف مع النبي مما يثير نفسه ، ويجعله يتمنى أن لو نزل عليهم عذاب يردع أمثالهم فيؤثر هذا في انتشار الدعوة الإسلامية ، فأنزل الله هذه الآيات ليطمئن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وليهددهم بعذاب واقع عليهم لا محالة ، ثم يأمره بالصبر الجميل.

المعنى :

سأل سائل (١) وطالب بعذاب واقع ، وكان النضر بن الحارث هو الذي طلب هذا واستدعاه ، أو سألك سائل عن عذاب واقع طالما حدثتهم به ، ويحتمل أن يكون السائل هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسياق الآية لا يأباه.

__________________

١ ـ والتنكير للتحقير ، وإذا كان السائل هو النبي فالتنكير للتعظيم.

٧٤٣

لقد أجاب الله عن هذا السؤال بقوله : هو للكافرين ، ليس له دافع ، أى : هذا العذاب معد ومهيأ للكافرين ، ليس له مانع يمنعه من الله رفيع الدرجات صاحب المعارج والمراقي إلى الكمالات ؛ وهذه المعارج إذا نسبت إلى الحق ـ تبارك وتعالى ـ كانت بمعنى علو الذات وترفعها عن النقائص ووصفها بكل الكمالات.

تعرج وتصعد إليه الملائكة ـ وخاصة جبريل ـ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من سنى الدنيا ، تعرج إلى حظيرة القدس ، حيث يفاض عليها من التجليات الإلهية ، والأوامر الربانية ما به يحصل النظام العام للكون ، وما يتعلق بتدبير الكائنات ، فليس عروجهم وصعودهم إلى مكان لأنه منزه عن الحلول بالمكان.

وهل هذا اليوم الطويل هو كناية عن أيام الدنيا أو الآخرة؟ قيل بهذا وبذاك ، والله أعلم بكتابه ، على أن المراد بقوله : (خمسين ألف سنة) هو الكثرة المطلقة لا التحديد بهذا العدد ، والعرب تفعل هذا كثيرا في كلامها.

بقي أن نفهم السر في الارتباط بين سؤال السائل والعذاب الواقع ، وبين عروج الملائكة وترددها بين الله ـ سبحانه وتعالى ـ وبين هذه الأكوان بما يريده منها ويقضيه فيها.

الجواب : أن المعنى : هذا معد للكافرين ، ليس لهم ما يمنعهم من عذاب الله أبدا ، ثم نبههم بقوله : تعرج الملائكة ... الآية إلى أن هذا العذاب إنما يرونه بعيدا لطول مدة الدنيا في نظرهم ، مع أنها ليست كذلك عند الله تعالى ، وبالنسبة إلى الأحقاب التي تربط الأبد بالأزل ، سوى يوم واحد تعرج فيه الملائكة إلى الله بالتدبير لهذه الدنيا التي ترونها خمسين ألف سنة ، فما لكم تستعجلون العذاب؟ فهم يرون العذاب بعيدا جدّا لأن الدنيا في نظرهم طويلة جدّا ، وأما عند الله فالدنيا يوم واحد وزمن قليل فما لكم تستبطئون الحساب؟ (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (١) ترى أن الله قدر اليوم عنده بألف سنة مرة ، وأخرى بخمسين ألف سنة ، والمراد الكثرة لا التحديد بزمن ـ والله أعلم ـ وقيل : المراد باليوم هو يوم القيامة وصف بأنه خمسون ألف سنة تهويلا وتخويفا للكفار ، والخلاصة أن المراد وصف اليوم بالطول مطلقا.

__________________

١ ـ سورة الحج آية ٤٧.

٧٤٤

إذا كان الأمر كذلك فاصبر يا محمد صبرا جميلا لا قلق معه ، فإن الموعود به حاصل لا محالة ؛ إنهم يرون العذاب الذي يتوعدهم به النبي بعيدا زمانه ؛ ونراه قريبا. يوم تكون السماء كدردي الزيت أو مائع النحاس أو الحديد المذاب في النار ، والمراد تغير الوضع واختلاف الحال ، وتكون الجبال كالصوف المندوف (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ* وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) [سورة القارعة الآيتان ٤ و ٥].

هذه حال السماء والأرض في ذلك اليوم ، أما حال الخلائق فهي كما وصف الله ، الناس في شغل شاغل فلا يسأل حميم حميما ، ولا قريب قريبا إذ كل عنده ما يغني (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (١) هل هم لا يسألون أحماءهم وأقاربهم لأنهم لا يرونهم؟ الجواب : إنهم يبصرونهم أى : قد جعلهم الله لا يبصر بعضهم بعضا ، ولكن لكل منهم ساعتها شأن يشغله عن أى شيء آخر ، ومع هذا فيود كل امرئ منهم من صميم قلبه لو يفتدى نفسه من هول ذلك اليوم بأحب الناس إليه وأعزهم عليه كأولاده وزوجته وإخوته وعشيرته التي تؤويه بل يود لو يفتدى نفسه بمن في الأرض ، ثم ينجيه من هذا العذاب البئيس الذي هو فيه (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [سورة المائدة آية ٣٦].

وكأن المكذبين بيوم الدين السائلين عن العذاب المستعجلين له ، يتعللون بالأمانى الكاذبة ، وأنهم يفدون أنفسهم من هذا العذاب ، فكذبهم القرآن وردعهم عن هذا بقوله : «كلا» إن جهنم التي أعدت لهم نار محرقة ، لهبها شديد لا منجى منها ولا هرب ، تكون نزاعة للأطراف من الأرجل والأيادى ، وتنزع كذلك فروة الرأس ، فما أصبرهم عليها!! هذه النار تدعو من أدبر عنها وتولى ، أو من أدبر عن الحق وأعرض عنه في الدنيا ، هذا الدعاء على حقيقته كما روى عن ابن عباس أو هو مجاز (٢).

وتدعو من جمع المال فجعله في وعاء وحفظه وكنزه ولم يؤد حقوق الله فيه ، فليس الجمع وحده معيبا ، وإنما المعيب الجمع مع عدم إخراج حقوق الفقراء والمساكين فيه.

__________________

١ ـ سورة عبس الآيات ٣٤ ـ ٣٧.

٢ ـ حيث شبه تهيؤ جهنم وظهورها للمكذبين وتفتح أبوابها ووقوف الخزنة عليها شبه هذا بالدعاء والطلب لهم ، وهذا ما يسمى بلسان الحال ، وهذا كثير الشيوع في لسان العرب.

٧٤٥

طبيعة الإنسان وعلاج القرآن لها

إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥)

المفردات :

(هَلُوعاً) الهلع : أفحش الجزع. مع الشح وكثرة الضجر. (جَزُوعاً) : كثير الجزع والمراد أنه يؤوس قنوط. (لِلسَّائِلِ) : الفقير الذي يتكفف فيعطى.

(وَالْمَحْرُومِ) : الذي يتعفف فيحرم. (بِيَوْمِ الدِّينِ) : يوم القيامة.

(مُشْفِقُونَ) : خائفون. (ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ) : طلب غير هذا. (العادُونَ) : المتجاوزون الحد.

٧٤٦

هدد الله المشركين بذكر يوم القيامة ، وما يحصل فيه بعد التعرض للسؤال عن العذاب الواقع ، ثم ذكر هنا طبيعة الإنسان التي تدعوه إلى الكفر واستعجال العذاب والإتيان بأعمال يكون الدافع له حب العاجلة وترك الآجلة ، وتلك من غرائز الناس إلا من آمن به فإنه ينجو منها.

المعنى :

إن الإنسان خلق من طين أسود لازب ، جف حتى صار كالفخار ، ثم نفخ فيه من روح الله ، هذا الإنسان لا بد أن ينزع إلى الشر وإلى الخير ، ونزعه إلى الشر كثير بل هو الأصل ، ولا يخفف هذا إلا دواعي الخير كالإيمان السليم والقرآن الكريم ، والعقل الراجح وبدون هذا فالإنسان حيوان ، لكنه مفكر ، فالإنسان من حيث هو إنسان مادى بطبعه يؤثر الدنيا على الآخرة ، ويحب العاجلة على الباقية ، ولا يمنعه من هذا إلا الإيمان بالله وحبه له ولرسوله ، وامتثال أمر الشرع في أفعاله ، عندئذ يتبصر فيرى الحق ويتبعه وإن خالف نفسه وهواه ويرى الشر فيتجنبه وإن دعته له الدنيا وطبيعته ، فالإنسان خلق كثير الهلع ، شديد الجزع ، إن مسه الشر يستولى عليه يأس قاتل ، وقنوط مميت ، فهو لعدم إيمانه بالله يظن أن هذا الذي نزل به من فقر أو مرض أو مصيبة لا يمكن أن تتحول عنه ، كأنه ليس في الكون إله يقدر على ذلك ، وهو إن مسه الخير ، وصادفه الحظ كان منوعا له عن الناس جميعا ، لأنه يعتقد أن هذا الذي وصل إليه إنما أوتيه على علم عنده وعلى قوة وبصر منه ليس لله فضل عليه ، وليس لمخلوق حاجة لديه ، ولذلك تراه يمنع رفده ، ويضرب عبده ؛ ويأكل وحده ، تراه فظا غليظ القلب جافى الطبع سىء المعاملة.

تلك بعض طبائع الإنسان الموجودة فيه. أما علاجها فهو الإيمان بالله ، وحسن التوكل عليه ، وحب الآخرة ، والبعد عن الدنيا وزينتها ، وخلاصة ذلك : طاعة الحق ، والإشفاق على الخلق ، والإيمان بيوم الدين ، والخوف من العقوبة ، وقد استثنى الله ـ سبحانه ـ من الناس الذين جبلوا على الهلع والجزع ومنع الخير ـ وفي هذا إشارة إلى العلاج ـ المؤمنين الكاملين الواثقين في الله ثقة كاملة ، وهؤلاء هم المصلحون المحافظون على صلاتهم المداومون عليها ، الذين يعطون الفقير حقه من أموالهم ، سواء سأل أو تعفف ، والذين يؤمنون بالغيب ، ويصدقون بيوم البعث ، والذين هم من عذاب ربهم دائما في خوف ، فليس

٧٤٧

عندهم غرور ، ولا تخدعهم تلك الأمانى الكاذبة مع سوء العمل ، إن عذاب ربهم غير مأمون ، إن هؤلاء المؤمنين الكاملين الواثقين في الله لا يجزعون عند حلول شر بهم لأنهم واثقون أن هذا من الله. ولن يفلتوا منه أبدا مهما كان ، وهم لا يمنعون خيرا عن أحد لأنهم واثقون أن الخير من الله وأن الفقراء عيال الله ، وأنهم سيجازون عليه من الله ، والذين هم لفروجهم حافظون. لا ينظرون إلّا لما أحله الله لهم من أزواج أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين على هذا بل مثابون عليه ، فمن طلب غير ذلك وتجاوز حدود الزوجية أو ملك اليمين فأولئك هم العادون ، والذين هم يراعون الأمانة ، يؤدونها كاملة غير منقوصة لأربابها ، وهم عند عهودهم لا يتخطونها ، والذين هم يقيمون الشهادة ، ويؤدونها كاملة حتى لا تضيع الحقوق ، والذين هم على صلاتهم يحافظون على أوقاتها وأركانها وشروطها وسننها وآدابها ، أولئك هم المصوفون بما تقدم في جنات ونعيم ، وهم مكرمون في جوار الله.

هؤلاء هم المكذبون وهذه نهايتهم

فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (٤٤)

المفردات :

(قِبَلَكَ) : ناحيتك وجهتك. (مُهْطِعِينَ) : مسرعين إليك مادى أعناقهم نحوك

٧٤٨

شاخصين بأبصارهم لك. (عِزِينَ) : جمع عزة ، وهي العصبة والجماعة ، وكأنها سميت بذلك لأنها تعزى وتنتسب إلى رأى خاص يجمع بين أفرادها ، والمراد أنهم كانوا يجلسون حوله جماعات. (بِمَسْبُوقِينَ) : بمغلوبين. (فَذَرْهُمْ) : اتركهم. (يَخُوضُوا) : يتحدثوا في الباطل. (الْأَجْداثِ) : جمع جدث ، وهو القبر. (سِراعاً) : مسرعين. (نُصُبٍ) جمع أنصاب ، وهو كل ما نصب وأقيم للعبادة. (يُوفِضُونَ) : يستبقون ويسرعون. (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) : ذليلة كسيرة.

وهذا ختام للسورة بديع ، إذ بعد أن رد على سؤالهم عن العذاب ، ووصف ما يلاقونه يوم الحساب ، تعرض إلى طبيعة الإنسان ، وبين علاج ذلك ، يذكر صفات المؤمنين عادة إلى المكذبين ليختم السورة ببيان حالهم ونهايتهم وتهديدهم.

المعنى :

كان المشركون إذا سمعوا النبي يتلو القرآن أقبلوا مسرعين عليه مادى أعناقهم إليه شاخصة أبصارهم نحوه ، خائفين مضطربين ، حتى إذا اجتمعوا به هدأت نفوسهم قليلا فجلسوا متفرقين حوله عن اليمين وعن الشمال جماعات جماعات كأنهم يأتون أول الأمر وجلين خائفين حتى إذا هدأت قلوبهم ـ نوعا ما ـ تحلقوا حول النبي حلقا هنا وهناك يتساءلون ـ مع الإعراض والهزء به ـ ماذا قال؟ فإذا سمعوا من آيات الله وصف الجنة ، وما أعد للمؤمنين فيها من نعيم مقيم ، مالت رؤوسهم هازئين ساخرين قائلين : إن كان هؤلاء القوم ـ أتباع محمد ـ سيدخلون هذه الجنة ، فنحن أولى بها فإنا أشراف العرب وساداتها وهم خدمنا وعبيدنا.

فقال تعالى متعجبا من حالهم ومنكرا له : أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم!! عجبا لهؤلاء القوم! كلا وألف كلا! ليس الأمر كما زعموا ؛ إن الجنة أعدت للذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات من الأعمال ، إنا خلقناهم وخلقنا غيرهم مما يعلمون : من ماء مهين ، من نطفة قذرة ، فالكل سواء في هذا ولا فضل لشريف على غيره. وإنما الفضل ـ وأعلاه دخول الجنة ـ يكون بالإيمان لا بغيره ، وما لكم تستبعدون ذلك؟ أليس الله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ... إلخ؟ فالقادر على ذلك قادر على البعث وإعطاء كل ذي حق حقه.

٧٤٩

فلا أقسم برب المشارق والمغارب ـ في كل يوم تشرق الشمس من مشرق وتغيب في مغرب ـ إنا لقادرون ، لا يقسم الله على ذلك لظهوره ووضوحه أكثر من الشمس في رابعة النهار.

فربك القادر على كل شيء ـ وخاصة شروق الشمس ومغربها ـ قادر على تبديل خلق خير من هؤلاء ، فيهلكهم ، ويأتى بخلق جديد ، وما ذلك على الله بعزيز وما هو بمسبوق في ذلك ، وما هم بمعجزى الله في شيء.

وإذا كان الأمر كذلك فذرهم يخوضوا في باطلهم ويذهبوا فيه كل مذهب ويلعبوا فيما لا يجدي ولا ينفع حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون؟!

اذكر يوم يخرجون من القبور مسرعين كأنهم يسرعون إلى أنصابهم التي نصبوها في الدنيا للعبادة أرأيتهم وهم يسرعون نحوها؟ خاشعة أبصارهم ذليلة منكسرة ترهقهم ذلة وتغشاهم وتستولى عليهم.

ذلك هو اليوم الذي كذبوا به ، وسألوه متعجلين مستهزئين به ، ذلك هو اليوم الذي كانوا يوعدون! ويا ليتهم آمنوا به ..

٧٥٠

سورة نوح

وهي مكية بالإجماع. وعدد آياتها ثمان وعشرون آية .. وهي تشتمل على بعض من قصة نوح عليه‌السلام مع قومه.

قوم نوح وتصوير حالهم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢) أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (٣) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤) قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِراراً (٦) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (٨) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (٩) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (١٢) ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (١٤) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ

٧٥١

طِباقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (١٦) وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (١٨) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً (٢٠) قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَساراً (٢١) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (٢٢) وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (٢٣) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً (٢٤) مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً (٢٥) وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً (٢٧) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَباراً (٢٨)

المفردات :

(أَجَلٍ مُسَمًّى) : أجل محدود بحد لا يتجاوزه. (فِراراً) : هربا وتفلتا منه. (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) : جعلوها أغشية وأغطية لهم تستر بدنهم كله. (وَأَصَرُّوا) الإصرار على الأمر : عبارة عن لزومه والانكباب عليه ، وأكثر ما يستعمل في الشرور والآثام. (وَاسْتَكْبَرُوا) : تكبروا. (جِهاراً) : مجاهرة. (مِدْراراً) : كثير الدرور غزير الانسكاب. (وَيُمْدِدْكُمْ) : يعطكم على فترات ما به تنتفعون. (وَقاراً) : عظمة وتوقيرا. (أَطْواراً) : أحوالا مختلفة في الخلق من نطفة إلى

٧٥٢

علقة ، وفي نفس الحياة من طفولة إلى شباب إلى كهولة وغير ذلك (طِباقاً) : متطابقة بعضها فوق بعض. (سِراجاً) : كل ما يضيء بنفسه فهو سراج. (أَنْبَتَكُمْ) : أنشأكم. (بِساطاً) أى : ممهدة كالبسط. (سُبُلاً فِجاجاً) : واسعة. (كُبَّاراً) أى : كبيرا. (وَدًّا). (سُواعاً). (يَغُوثَ). (يَعُوقَ). (نَسْراً) : هذه أسماء آلهة كانوا يعبدونها. وفي الأصل كانت أسماء رجال صالحين في قومهم. (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) : من خطاياهم. (دَيَّاراً) المراد : لا تترك على الأرض من الكافرين أحدا يدور في دار. (فاجِراً) : فاسقا معتديا. (تَباراً) : هلاكا.

وهذه السورة الكريمة جاءت تقص على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قصة نوح مع قومه في بعض المواقف الخاصة التي تدور حول دعاء نوح لهم ، وكيف وقفوا منه ، ليتأسى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما حصل لنوح ، ولا يأسى من قومه ، وليعتبر أهل مكة بما حصل لغيرهم.

المعنى :

إنا أرسلنا نوحا إلى قومه ، أى : حملناه قولا إلهيا ، ورسالة سماوية هي : أن أنذر (١) قومك ، وحذرهم عاقبة كفرهم ، ونهاية شركهم من قبل فوات الفرصة ومن قبل أن يأتيهم عذاب أليم شديد الألم للغاية ... وماذا قال نوح! قال يا قومي : إنى لكم رسول أمين ونذير مبين ، جئت بأمر هو أن اعبدوا الله وحده ، ولا تشركوا به شيئا ، واتقوا عذابه وأطيعون ، فإنه من أطاع الرسول فقد أطاع الله ، إن تعبدوا الله حقا يغفر لكم ذنوبكم ، أى : يغفر لكم أفعالكم التي هي ذنوبكم (٢) ويؤخركم إلى أجل مسمى معلوم عنده إن آمنتم ، أى : جعل لهم أجلا إن ظلوا كافرين ، وأجلا إن آمنوا إن أجل الله إذا جاء وقته وحينه لا يؤخر مطلقا ، ليتكم تعلمون ذلك فتعملوا له ولكنهم مع هذا الدعاء

__________________

١ ـ هذا إشارة إلى الموقف أن «أن» تفسيرية ، ويصح أن تكون مصدرية مجرورة بحرف ، أى : بأن أنذر ، وهكذا (أن) في أن اعبدوا الله تفسيرية كالإنذار.

٢ ـ هذا إشارة إلى أن (من) بيانية ، وقيل : ابتدائية أو تبعيضية.

٧٥٣

اللين والعرض الجميل أصروا على كفرهم ؛ فماذا كان موقف نوح؟ إنه ناجى ربه وقال آسفا : رب إنى دعوت قومي ـ كما تعلم ـ إلى الإيمان والطاعة ليلا ونهارا وسرّا وإعلانا ، فلم أر منهم إلا عنادا واستكبارا عن الحق وعن الصراط المستقيم ، وإنى كلما دعوتهم إلى الإيمان لتغفر لهم أصموا آذانهم عن سماع تلك الدعوة ، وحجبوا عيونهم عنها ، وأصروا واستكبروا استكبارا.

وانظر إلى القرآن الكريم وهو يصور حالهم العجيبة حيث يعبر عن عدم سماعهم بأنهم جعلوا أصابعهم في آذانهم ، والجعل يقتضى دوام الوضع ، والأصابع يفهم منها المبالغة في السد ؛ فإن الذي يوضع طرف الإصبع لا الإصبع كله ، وانظر إلى قوله (واستغشوا ثيابهم) فإن المعنى أنهم بالغوا في التغطى بها مبالغة كأنهم طلبوا من ثيابهم أن تغشى الجسم كله لا عيونهم فقط.

ثم إلى دعوتهم جهارا ، ثم إنى أعلنت لهم الحال وبينته لهم على كل وضع بحيث جمعت بين الإعلان والإسرار.

تلك هي المرحلة الأولى في الدعوة ، تلتها مرحلة ثانية هي مرحلة الشرح وبيان الحجة حيث قال نوح :

فقلت : استغفروا ربكم ، وتوبوا إليه ، إنه يقبل التوبة عن عباده ، ويعفو عن السيئات ، إنه كان غفارا ؛ على أنكم إن آمنتم بربكم يرسل السماء عليكم بالمطر الكثير الذي يخصب الأرض ويأتى بالخير ، ويمددكم ربكم عند ذلك بأموال نافعة وأبناء وذرية صالحة ، ويجعل لكم جنات وبساتين. ويجعل لكم فيها الأنهار والعيون ، أى : إن آمنتم أمدكم بسعادة دنيوية تكفل لكم حياة رغدة وعيشة راضية.

ولكنهم مع ذلك لم يؤمنوا فناقشهم بقوله : أى شيء ثبت لكم حالة كونكم لا ترجون وقارا كائنا لله؟ والوقار العظمة ، والرجاء الخوف أو الاعتقاد ، فكأن المعنى أى سبب حصل لكم حال كونكم غير خائفين أو غير معتقدين لله تعالى عظمة توجب عليكم الإيمان بالله والطاعة لرسوله؟!! إن هذا لشيء عجيب ، وشيء تنكره العقول السليمة.

ما لكم لا تخشون الله وقدرته على كل شيء؟ وما لكم لا ترهبون سطوته فتؤمنوا به وتصدقوا برسله؟ وهو القادر على كل شيء ، وهو الذي خلقكم في أطوار مختلفة وفي

٧٥٤

أحوال تكاد تكون متباينة ، ألم يخلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم أخرجكم أطفالا ثم كنتم شيوخا ، أليس صاحب هذا بقادر على كل شيء فما لكم لا تخافون عظمة الله؟ ولا تؤمنون بيوم القيامة!

ثم لفت نظرهم إلى هذا الكون بعد أن نبههم إلى ما في أنفسهم من آيات فقال : ألم تروا السماء كيف خلقت؟ لقد خلقها الله سبع سموات طباقا ، ما ترى فيها من نقص ولا تفاوت ، وجعل القمر في إحداهن نورا ، وجعل الشمس في أخرى سراجا وهاجا.

يا سبحان الله لقد جعل الحكيم العليم للقمر نورا ، وللشمس سراجا ، لأن الدنيا ستصبح بنور الشمس على أنه نور قوى شديد ، ونور القمر بسيط يضيء في الليل نوعا ما ، وهو نور منعكس ليس من ذات القمر و (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) (١) وقد توصل العلم إلى بعض الحقائق الثابتة في كتاب الله .. ثم لفت نظرهم إلى أنفسهم فقال : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) نعم هو خلقنا من تراب ، فعناصرنا المادية تراب مخلوط بماء ، ثم كانت النطفة ، والنطفة خلاصة الدم ، والدم من الغذاء والغذاء من الأرض ، فالله سبحانه أنبت الإنسان من الأرض نباتا كالشجر ، ولكنه ميزه عنه بالحياة الحيوانية ، ثم كمله بالعقل والتفكير ، وشرفه بالرسالات الإلهية ، فما لكم لا تؤمنون ، لأى سبب تكفرون.

ثم بعد هذا يعيدكم إلى الأرض أمواتا ، ثم يخرجكم منها إخراجا للبعث والجزاء ... ثم لفت نظرهم إلى الأرض التي أقلتهم فقال : لقد جعلت لكم الأرض بساطا ، فهي ممهدة للعيش ، ميسرة سهلة للانتقال ، لتسلكوا منها طرقا واسعة توصلكم إلى أغراضكم.

هذا هو الدور الثالث في القصة.

وقد أخذ نوح بعد هذا يشكو إلى ربه عصيان قومه مبينا سبب هذا العصيان ونهايته ، وفي هذا كشف لحقيقة كان يجهلها عامة المشركين.

قال نوح : رب إنهم عصوني وخالفوا أمرى واتبعوا رؤساءهم الذين حملوهم على الكفر ، وأشاروا عليهم به لأنهم أصحاب مال وأولاد. فاغتروا بهم ، واستكبروا واشتروا الضلالة بالهدى ، وآثروا هذا الجاه الكاذب على النعيم الدائم ، هؤلاء الرؤساء مكروا بعامتهم وبنوح مكرا كثيرا. فأما مكرهم بالشعب فلأنهم ضللوهم عن اتباع الحق ، وحالوا بينهم وبين الإيمان بنوح ـ عليه‌السلام ـ وأما مكرهم بنوح فلأنهم

__________________

١ ـ سورة يونس آية ٥.

٧٥٥

كانوا يتظاهرون أمامه بأن الأمر متروك للناس! وما كانوا يظهرون له أعمالهم الحقيقية ، مكروا مكرا كبيرا ، ولكن الله مكر بهم ، وهو خير الماكرين.

ومن طرق المكر التي كان يسلكها أشرافهم ورؤساؤهم أنهم أشاروا عليهم بل ونهوهم عن التفريط في آلهتهم ، وكانوا يظهرون لهم في ثوب الناصح الشفوق. لا تدعن آلهتكم التي عبدتموها وعبدها آباؤكم من قبل ، ولا تدعن خاصة ودّا ، ولا سواعا ، ولا يغوث ، ولا يعوق. ونسرا ، إذ تلك زعماء الآلهة ، وكأن الآلهة كالبشر فيها السوقة والخاصة ، وفيها الأشراف والعامة ، وقد انتقلت هذه الأصنام للعرب (١).

يا رب : هؤلاء الأشراف والرؤساء هم سبب البلاء والشقاء فقد أضلوا كثيرا ، وما زالوا يضلون ، يا رب : لا تزد الظالمين إلا ضلالا فهذه إرادتك ، وهذا عملهم فلا أمل فيهم يرجى ، فيا رب نفذ فيهم إرادتك بهلاكهم.

من خطاياهم أغرقوا فأدخلوا نارا ، بسبب خطاياهم التي أعظمها الكفر وإيذاء نوح وقد جاء خبره مفصلا في سورة هود ، أغرقوا بالطوفان وماتوا فأدخلوا نارا ليأخذوا عذاب الآخرة بعد عذاب الدنيا ؛ ومع هذا كله لم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ينصرونهم ويردون عنهم هذا العذاب ، فأين آلهتهم وأصنامهم وأوثانهم؟ وأين (ود. وسواع. ويغوث. ويعوق ، ونسر؟) أين هؤلاء.

وقال نوح من كثرة ما لاقى منهم : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ـ المعاصرين له ـ شخصا واحدا منهم يسكن دارا أو يدور ويتحرك ، وهذه العبارة تفيد الدعاء عليهم بمحوهم بالكلية ، وقد أجاب الله دعاءه (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) ثم أخذ نوح يذكر سبب هذا الدعاء ـ والأمر كله لله ـ إنك إن تتركهم بدون هذا العذاب العاجل يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا ذرية تكون فجرة كفرة بسبب إنحاء الكفر لهم وتقليدهم فيه.

أما المؤمنون الذين آمنوا بالله وبرسوله فيقول نوح في شأنهم : رب اغفر لي واستر ذنبي ـ إن كان ـ واغفر لي ولوالدي ، ولمن دخل بيتي ـ ولعله أراد شريعته أو سفينته ـ واغفر للمؤمنين والمؤمنات من كل أمة وفي كل زمن.

ولا تزد الظالمين لأنفسهم بالكفر ولغيرهم بالإضلال إلا تبارا وهلاكا.

__________________

١ ـ كان (ود) لبنى كلب بدومة الجندل ، وكان على صورة رجل ، و (سواع) لهمدان أو هذيل ، وكان على صورة امرأة ، و (يغوث) لمذحج ، و (يعوق) لمراد أو لهمدان وكان على صورة فرس ، و (نسر) لحمير وكان على صورة نسر.

٧٥٦

سورة الجن

وهي مكية باتفاق الجميع ، وعدد آياتها ثمان وعشرون آية.

وهي تتضمن حقائق إسلامية نطق بها القرآن على لسان الجن ، مع ذكر توجيهات إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحقائق تتعلق بالرسالة.

الجن واستماعهم للقرآن

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (٢) وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (٣) وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً (٤) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً (٥) وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (٦) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً (٧) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (٨) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (٩) وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (١٠) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ

٧٥٧

وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (١١) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (١٢) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (١٣) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤) وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (١٥)

المفردات :

(أُوحِيَ) الوحى : هو ما يلقى إلى الأنبياء من عند الله ، وفيه معنى الخفاء والسرعة ، والإيحاء : أن تلقى إلى غيرك ما يريده عن طريق الإيماء أو الإشارة أو الرسالة أو الكتابة أو الإلهام. (نَفَرٌ) النفر : العدد القليل ، هو من الثلاثة إلى العشرة.

(اسْتَمَعَ) : أصغى. (عَجَباً) المراد : يثير العجب ويدعو للغرابة والدهشة.

(جَدُّ رَبِّنا) يقال : جد هذا في عيني ، أى : عظم ، فالمراد : تعالى جلال ربنا وعظمته ، وقيل الجد : الملك والسلطان. (يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً) السفيه : من عنده خفة وطيش تنشأ عن حمق وجهل ، والقول الشطط : الذي تخطى صاحبه فيه حد العدل والحق. (يَعُوذُونَ) : يطلبون النجاة والعون. (رَهَقاً) : طغيانا وإثما ، أو ذلة وخوفا لا يطاق. (لَمَسْنَا السَّماءَ) : طلبنا بلوغها واستماع أخبارها.

(حَرَساً) : لفظ يدل على الجمع ، والمراد عليها حراس من الملائكة شداد.

(شُهُباً) : وهي شعلة من نار ساطعة. (رَصَداً) : يرصده ويرقبه لينقض عليه.

(رَشَداً) المراد : خيرا ورحمة. (نُعْجِزَ اللهَ) : لن نفوته ونفلت من قدرته.

(بَخْساً) أى : انتقاصا من حقه في الثواب فيعطى أقل مما له. (وَلا رَهَقاً) : لا يخاف ظلما غير محتمل. (تَحَرَّوْا رَشَداً) أى : طلبوا الأحرى والأهدى من الطريقين. (الْقاسِطُونَ) قسط : ظلم وجار وأقسط : أزال الظلم والجور أى : عدل.

٧٥٨

لقد ثبت في الصحاح أن الجن (١) استمعوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يصلى بأصحابه ، ويقرأ القرآن بصوت أمال الجن فصرفهم إليه ، فلما استمعوا ، وأفهموا حقائق من كلام الله انطلقوا إلى أهليهم يبشرونهم ويحملون إليهم ما عرفوه ، ولقد أوحى الله إلى النبي بهذا ليطمئن خاطره ، وتستمر نفسه كما هي قوية شديدة في دعوتها ، فإن أعرض عنها المشركون فها هم أولاء الجن يؤمنون ويدعون غيرهم للإيمان بها ، نزلت هذه الآية بالإجمال في سورة الأحقاف ، الآيتان : ٢٩ ، ٣٠ ومرة بالتفصيل كما هنا ، نزلت فيما نزلت تبكيتا لقريش والعرب ، حيث تباطأوا عن الإيمان وكانت الجن أسرع منهم في قبول الدعوة مع أنهم من غير جنس البشر ، أما القرشيون والعرب فقد كذبوا حسدا من عند أنفسهم وبغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده.

المعنى :

قل لهم يا محمد : لقد أوحى الله إلىّ أنه استمع نفر من الجن إلى القرآن فقالوا لقومهم عند رجوعهم إليهم : إنا سمعنا قرآنا جليل الشأن بديعا يدعو إلى العجب لأنه مخالف لكلام البشر ، بل ولكل الكتب السابقة ، في نظامه وأسلوبه وأغراضه ومعانيه ، وهو كتاب يهدى إلى الرشد وإلى الخير والحق ، وإلى الصراط المستقيم ، فنشأ عن ذلك أننا آمنا به وبمن أنزل عليه ، وبعد ما آمنا بالقوى القادر الذي أنزله على عبده محمد ، ولن نشرك بعد هذا بربنا أحدا من خلقه أيّا كان.

(وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا) (٢) أى : وصدقنا أن الحال والشأن ارتفع جلال ربنا وعظمته أى : عظمت عظمته وتعالى سلطانه ، فهو صاحب الملك والسلطان ، تبارك

__________________

(١) عالم آخر غير عالمنا ، مستتر لا يرى ، الله أعلم بحقيقته ، ولا نعرف عنه الا ما أخبرنا به الحق أو رسوله في خبره الصحيح ، فهو مخلوق من نار (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) وقد بعثت لهم الرسل كما نص القرآن (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ)؟ وهم كالبشر سواء بسواء ، يثاب مؤمنهم ، ويعاقب كافرهم ، وهل أمر النبي بدعوتهم فدعاهم أو هم صرفوا إليه فدعاهم ثانيا ، الله أعلم. هذا عالم غيبي فلا نقول فيه إلا ما قاله خالقه الذي يعلمه.

(٢) هنا بضع عشرة آية مفتتحة بأن ، وقد اختلف القراء في فتح أن وكسرها وقيل : الكسر في الجميع ، وقيل : اتفقوا على الفتح في (أنه استمع). (وأن المساجد لله) ووجه الخلاف في ذلك أن قوله تعالى : قل أوحى إلى أنه استمع ، وقوله : فقالوا إنا سمعنا .. فآمنا به تصلح أن تكون معطوفا عليه ثم جاءت هذه الآيات فهل تعطف بالفتح على الموحى به الذي هو أنه استمع؟ أو بالكسر على المقول أى : إنا سمعنا ، وجوز بعضهم الفتح عطفا على محل الجار والمجرور في قوله : آمنا به كأنه قيل : صدقنا به ، وصدقنا بأنه تعالى جد ربنا ، كذلك البواقي ، ولك أن تقدر له فعلا يناسب المقام كما ذكر في الشرح.

٧٥٩

اسمه وتعالى سره ، ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ، كأن الجن حينما سمعوا القرآن نبههم ذلك إلى خطأ كان يعتقده الكفرة من الجن حيث شبهوا الله بالحادث المحتاج إلى الصاحبة والزوجة والذي يجوز عليه الانفصال والاتصال ، ويحتاج إلى الأولاد ، وكيف يكون ذلك مع أنه تعالى الغنى عن كل شيء؟

آمنا بالله وصدقنا بأن ما كان يقوله سفيهنا في حقه ـ سبحانه وتعالى ـ كان شططا وخروجا عن حد المعقول ؛ لفرط بعده عن الحق إذ كان ينسب الصاحبة والولد إليه عزوجل.

وها هم يعتذرون عن تقليدهم لسفيههم وقائدهم في الشر فيقولون : آمنا بالله وصدقنا بخطئنا في ظننا الذي لأجله اعتقدنا ما اعتقدنا في نسبة ما لا يليق بالله ، لأننا كنا نظن أن من المستحيل أن يقول واحد من الإنس والجن على الله قولا كاذبا فيه كنسبة الصاحبة والولد له جل شأنه.

كان الرجل من العرب إذا أمسى في واد مقفر ، وخاف على نفسه نادى بأعلى صوته يا عزيز هذا الوادي ـ يريد رئيس الجن فيه ـ أعوذ بك من سفهاء قومك ، فإذا سمع الجن ذلك استكبروا وزادهم هذا إرهاقا وتعنتا وعتوا (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) بمعنى : آمنا بالله وآمنا بأنه كان رجال من الإنس يلجئون إلى الجن يستعيذون بهم ، فكان الجن يزدادون بذلك عتوّا واستكبارا وقيل إن معنى الآية : وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال منهم وهم الكهان والمنجمون والعرافون ، يستجيرون بهم من أذى الجن ، فيزداد الكهان والعرافون عتوّا واستكبارا ، وهذا علاج جاء على لسان إخواننا الجن لرد البشر إلى الصواب في اعتقادهم في الجن. وعلى ذلك فكاذب من يقول : إن بعض الناس يستخدم الجن أو إن للجن عملا نافعا أو ضارّا في حياتنا ؛ يقول الآلوسي : ولعل تعلق الإيمان بهذا باعتبار ما يشعر به من كون ذلك ضلالا موجبا لزيادة الرهق.

وآمنا بأن الإنس ظنوا خطأ كما ظننتم أن الله لن يبعث أحدا من الرسل إلى أحد من العباد ، وقيل المعنى : أوحى إلى أن الجن ظنوا كما ظننتم أيها الكفرة أن الله لن يبعث أحدا من خلقه بعد موته.

٧٦٠