التفسير الواضح

دكتور محمّد محمود حجازي

التفسير الواضح

المؤلف:

دكتور محمّد محمود حجازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١٠
الصفحات: ٩٣٨

سورة الحشر

وتسمى سورة بنى النضير ، وهي مدنية بالإجماع ، وعدد آياتها أربع وعشرون آية ، وتشتمل السورة على قصة إجلاء بنى النضير ، وحكم الفيء في الإسلام ، وموقف المنافقين من بنى النضير ، ثم وعظ المسلمين بالتقوى وموجباتها.

إجلاء بنى النضير

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (٢) وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤) ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (٥)

٦٤١

المفردات :

(سَبَّحَ لِلَّهِ) أى : نزهه وقدسه. (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) : في وقت أوله ، أى : عند الحشر الأول ، والثاني إخراجهم من خيبر إلى الشام. (حُصُونُهُمْ) ، جمع حصن وهو : ما يمنع صاحبه من العدو. (يَحْتَسِبُوا) أى : لم يخطر لهم على بال. (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) أى : ألقى فيها الخوف إلقاء كإلقاء الحجارة في البئر. (الْجَلاءَ) : الخروج الجماعى. (شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) : عادوه حتى كأنهم في شق وهو في شق. (لِينَةٍ) هي : النخلة مطلقا ، وقيل : هي الكريمة فقط ، وقد تطلق على أغصان الشجر.

إجلاء بنى النضير يحتاج فهمه إلى مقدمة تاريخية بسيطة ، تتلخص في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حينما هاجر إلى المدينة وادع اليهود ، وعقد معهم العهود على أن لا يقاتلهم ، ولا يقاتلوه. وظل الحال كذلك حتى وقع ما جعل المسلمين يحاصرون بنى قينقاع ويجلونهم عن المدينة ، عقب غزوة بدر ، ثم كانت غزوة أحد التي هزم فيها جيش المسلمين ، وكان لهذا أثر عميق في نفوس المنافقين واليهود ، وقبائل العرب مما كان سببا في حوادث تتابعت كيوم الرجيع ـ وفيه قتلت هذيل ثلاثة من خيار الصحابة وأسرت ثلاثة قتلت منهم واحدا في الطريق ، وباعت اثنين لقريش قتلوهما ، وهما زيد بن الدثنة وخبيب ـ ويوم بئر معونة ، وفيه قتل من المسلمين أربعون غيلة. ووجد المنافقون واليهود فيما أصاب المسلمين في بئر معونة والرجيع ، وغزوة أحد ما شجعهم على الانتقاص من محمد وصحبه ، ووجدوا ما أضعف في نفوسهم هيبته ، وفكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كثيرا في هذا الأمر ، وعمل على تقوية الجبهة الداخلية حتى لا يكون هناك خلاف في وجهة النظر في المدينة وما حواليها ، ورأى النبي من الحكمة السياسة أن يستطلع نوايا اليهود ؛ فذهب يوما إلى بنى النضير يسألهم المعونة في دية قتيلين قتلهما أحد المسلمين خطأ وهما من بنى عامر حلفائهم ، ذهب إليهم في عشرة من أصحابه.

فلما ذكر لهم ما جاء من أجله أظهروا الغبطة والسرور ، إلا أنهم بدت فيهم حركة مريبة وأنهم يدبرون قتله على يد عمر بن جحش بن كعب اليهودي بواسطة حجر يلقيه على النبي من فوق السطح وهو جالس بجوار الجدار ، فلما أطلعه الله على ذلك خرج الرسول وحده وقصد المدينة ، وظن من معه من الصحابة أنه قام لبعض شأنه فلما

٦٤٢

استبطئوا النبي طلبوه فعلموا أنه قصد المدينة ودخل المسجد ، فلما ذكر ما رابه من أمر اليهود ، ومن اعتزامهم الغدر به ، قرر المسلمون إجلاءهم من المدينة حتى يهدأ الجو ، ويصفو ، فأرسل النبي لهم محمد بن مسلمة وقال لهم على لسان الرسول : «اخرجوا من بلادي لقد نقضتم العهد الذي جعلت لكم بما هممتم به من الغدر بي ولقد أجلتكم عشرا فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه» ضاقت الدنيا في وجه بنى النضير وتشاوروا في أمرهم وبينا هم كذلك إذ جاءهم رسول عبد الله بن أبى المنافق يشير عليهم بالبقاء والتحصن ، ويعرض عليهم ألفين من قومه وغيرهم ، فانتهى الأمر فيما بينهم إلى التحصن بالحصون ، وظنوا أنها تمنعهم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أما المسلمون فساروا إليهم وحاصروهم عشرين ليلة ، وأمر النبي المسلمين أن يقطعوا نخلهم ويحرقوه حتى لا تبقى اليهود متعلقة بأموالها متحمسة لديارها ، وجزع اليهود ، ونادوا يا محمد : قد كنت تنهى عن الفساد وتعيب من يصنعه ، فما بال قطع النخل وتحريقها!! وفي ذلك نزل قوله : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها) الآية.

المعنى :

يخبر الحق ـ تبارك وتعالى ـ بأن جميع ما في السموات وما في الأرض يسبحه ويقدسه ويصلى له ويوحده ، وينقاد له ويسجد (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (١) وكيف لا يكون ذلك كذلك! وهو العزيز الجناب الحكيم الفعال ، ومن مظاهر هذا إجلاء بنى النضير الذي ذكر في قوله تعالى بما معناه : هو الحق سبحانه الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب ـ وهم بنو النضير ـ من ديارهم وأموالهم بعد ما نقضوا العهود ، وعادوا الرسول والمؤمنين ، أخرجهم في وقت الحشر الأول من ديارهم.

سبحانه أخرج بنى النضير من ديارهم رغم كثرة عددهم ، ووفرة عددهم ، وقرب بنى قريظة وأهل خيبر منهم ، وعرض المنافقين مساعدتهم عليهم ، لهذا كله ما ظن المسلمون أنهم يخرجون ، وقد ظنوا أن حصونهم تمنعهم من بأس الله إذا جاءهم ، فما أغنى عنهم من ذلك شيء أبدا ، وجاءهم من الله ما لم يكن ببالهم ، وقد قذف الله في قلوبهم الرعب ، وكيف لا ...! والنبي نصر بالرعب من مسيرة شهر ، فكان ما أراد

__________________

١ ـ سورة الإسراء آية ٤٤.

٦٤٣

المسلمون وصالحوهم على أن يخرجوا من ديارهم ، ولكل ثلاثة منهم بعير ، يحملون عليه ما شاءوا من مال أو طعام أو شراب ليس لهم غيره ، فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم ليأخذوا ما غلا ثمنه وخف حمله (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) وتفكروا في عاقبة من خاف الله ورسوله ، ومن لم يخف الله ورسوله!!

ولو لا أن كتب الله عليهم هذا الجلاء لكان لهم عذاب في الدنيا أشد ، وهو القتل والأسر ، ولهم في الآخرة على كفرهم عذاب النار.

ذلك كله بسبب أنهم شاقوا الله ورسوله وعادوه ، وأرادوا قتله ، وأطلقوا عليه ألسنتهم وأيديهم بالسوء ، ومن يشاقق الله ورسوله ، فإن الله شديد العقاب ، وانظر إلى القرآن حيث جعل عداوة الرسول عداوة لله ، كما أن طاعته كذلك.

وقد كان المسلمون أثناء الحصار يقطعون نخيلهم ويحرقونه ، فقيل : إن هذا سعى في الأرض بالفساد والله حرمه ، فأجاب العزيز الحكيم بقوله : ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها كما هي بلا قطع فذلك كله بإذن الله وأمره ، وفي هذا خير بلا شك ، والله أمر بهذا ليعز المؤمنين ، وليذل ويخزى الفاسقين.

الفيء وحكمه

وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما

٦٤٤

نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧) لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩) وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٠)

المفردات :

(وَما أَفاءَ) المراد : ما رده الله على رسوله ، والفيء في اصطلاح علماء الإسلام ما أخذ من الكفار بلا حرب ولا إيجاف خيل ، بخلاف الغنيمة ، فإنها ما أخذت بحرب ، ولكل تقسيم يخالف الآخر. (فَما أَوْجَفْتُمْ) وجف الفرس والبعير وجيفا : عدا ، وأوجفه : جعله يعدو أى : يسرع في الجري. (مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) : الخيل معروفة ، والركاب : هي الإبل خاصة. (دُولَةً) يقال : تداول القوم الكرة : كانت في يد هذا ثم في يد هذا ، والاسم الدّولة ـ بضم الدال وفتحها ـ وقال بعضهم : الدولة في الملك ، والدولة في الملك. (تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) : اتخذوها مباءة ومنزلا مع الإيمان. (وَيُؤْثِرُونَ) والإيثار : هو تقديم الغير على النفس في أعراض

٦٤٥

الدنيا. (خَصاصَةٌ) : حاجة. (شُحَّ نَفْسِهِ) الشح : لؤم الطبع ويلزمه البخل مع الحرص. (غِلًّا) : حقدا وحسدا.

وهذا شروع في بيان حكم الأموال التي أخذت منهم بعد بيان ما حل بهم في الدنيا ، وما أعد لهم في الآخرة ، ثم استطرد فذكر أصناف المؤمنين الذين يستحقون الفيء.

المعنى :

وما أعاده الله على رسوله من أموال بنى النضير فما ركبتم لأجلها خيلا ولا إبلا ولا تجشمتم في تحصيلها مشقة ، ولا لقيتم بها حربا ، ولذا كانت هذه الأموال لرسول الله بعد تقسيم خمسها على مستحقيه كما في الآية.

ولكن الله يسلط رسله على من يشاء من أعدائه ، وفي هذا بيان أن الأموال للرسول وليست لأصحابه لأنهم لم يوجفوا لها خيلا ، ولم يركبوا لها إبلا ، ولم يقاسوا فيها شدة من شدائد الحرب ، والله على كل شيء قدير يسلط من يشاء على من يشاء.

وكأن الله خلق المال والمتاع ليتقرب به العبد إلى ربه ، فإذا صرف في غير محله ، واستولى عليه الكفار ليصرفوه في غير وجهه فقد خرج عن وضعه الأصلى ، ثم إذا عاد إلى المسلم الذي ينفقه في وجوه الخير فقد عاد إلى الوضع الأول ، ولذا عبر الله بقوله : ما أفاء الله على رسوله.

وكأن سائلا سأل وقال : قد علمنا حكم ما أفاء الله على رسوله من أموال بنى النضير ، فما حكم الفيء إذا كان من غيرهم؟ والجواب هو : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ، ولذي القربى ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل.

والفيء يقسم خمسة أقسام : خمس منها يقسم خمسة أخماس : سهم لله وللرسول ، كان له في حياته ثم يصرف على مصالح المسلمين بعد وفاته ، وسهم لذوي القربى من أقارب الرسول وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل ، وأما الأربعة أخماس الباقية فهي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة ، وقد وزعها في حياته على المهاجرين ولم يعط من الأنصار إلا رجلين أظهرا الفقر ، وبعد وفاته تصرف للمرتزقة من الجند ، أى : للجيش ما لم يوجد لهم تبرع أو مرتب خاص ، أما الغنيمة

٦٤٦

فتقسم خمسة ، خمس لهؤلاء الخمسة كما في سورة الأنفال ، والأربعة الأخماس الباقية للمقاتلين الذين حضروا المعركة على ما مر بيانه في سورة الأنفال ، وإنما كان تقسيم الفيء على هذا النظام كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم يتداولونه بينهم ، ويحرم الفقير منه ، فإذا يفهم من هذا التعليل أن هذا المال يصرف للفقراء المحتاجين كما أنفقه النبي على المهاجرين دون الأنصار.

أيها المسلمون : ما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا ، واتقوا الله ، وهذا هو دستور الإسلام الحق الجامع لكل أمر ونهى ، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) في سبيل الله فكأن الله قال : أعنى بأولئك الأربعة ـ لذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل (١) هؤلاء الفقراء المهاجرين والأنصار والتابعين وقال بعضهم : اعجبوا لهؤلاء الفقراء حيث تركوا الأوطان والأموال وتحملوا الضيق والتغرب في حب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهل الفقر شرط في إعطائهم أو لا؟ قولان. للفقراء المهاجرين الذي أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا : ربنا الله حالة كونهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا ناوين نصرة الرسول ودينه ، أولئك الموصوفون بما ذكر من الصفات الجليلة هم الصادقون في دعوى الإيمان حيث نالهم ما نالهم من أجله.

(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) هم الأنصار ـ رضى الله عنهم ـ نزلوا المدينة واتخذوها مباءة ومنزلا للإسلام ، وموئلا له ، وألفوا الإيمان وأخلصوا له من قبل هجرة المهاجرين إليهم ، يحبون من هاجر إليهم من المهاجرين ، ولا يجدون في صدورهم حسدا ولا غيظا مما أوتوا ـ أى : مما أعطى المهاجرون من الفيء وغيره ـ مع حرمانهم منه ، فنفوسهم لم تتبع ما أعطى المهاجرون ولم تطمح إلى شيء منه تحتاج إليه ، على أنهم يؤثرون على أنفسهم غيرهم ، ويقدمون المهاجرين على أنفسهم في كل شيء من الطيبات مع الحاجة إليه ، حتى إن من كان عنده امرأتان نزل لأخيه المهاجر عن واحدة

__________________

١ ـ هذا إشارة إلى أن قوله (للفقراء المهاجرين) بدل من قوله (لذي القربى) وما عطف عليه ، وبعضهم يرى أنه متعلق بقول مقدر هو : اعجبوا للفقراء المهاجرين ـ وهذا خطاب لكل من يتأتى منه التعجب من حال المهاجرين حيث تركوا أمر أموالهم وأوطانهم ، ويرشحه قوله بعد : ألم تر إلى الذين نافقوا!!

٦٤٧

وخيره فيهما ، وهذا هو مظهر الإخاء الذي فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند ما استقر بالمدينة ، وهذا بلا شك يدل على صفاء النفس من أكدار المادة والدنيا ويدل على قوة الروح ومبلغ العزوف عنها ، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون لا غير ، فالشح داء عضال لا يصدر عنه خير ، وهو سبب الكثير من الجرائم.

والذين جاءوا من بعدهم إلى الدين الجديد حيث تأخر زمانهم ، أو جاءوا بعد المهاجرين وآمنوا بعد الفتح واستتباب الدولة الإسلامية حالة كونهم يقولون : ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، فهي أخوة في الدين ، ولا شك أنها أعز من أخوة النسب ، اللهم لا تجعل في قلوبنا غلا ولا حقدا للذين آمنوا مطلقا ، ربنا إنك رءوف بنا رحيم بخلقك ، ومن هذا يظهر موقف الصحابة ومكانتهم ، وأن الواجب أن ندعو لهم بخير وأن نفهم فيهم الصدق والإخلاص الكامل ، وفي الحديث : «أصحابى كالنّجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم».

هكذا المنافقون واليهود

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً

٦٤٨

مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥) كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧)

المفردات :

(لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) : ليفرن من الميدان. (رَهْبَةً) : خوفا. (جُدُرٍ) : سور. (بَأْسُهُمْ) : حربهم. (جَمِيعاً) : مجتمعين. (شَتَّى) : متفرقة. (وَبالَ أَمْرِهِمْ) : عاقبة كفرهم.

وهذه هي صفات المنافقين واليهود وخلالهم التي تدعو إلى العجب بعد ذكر صفات المؤمنين على اختلاف طبقاتهم.

المعنى :

انظر ـ يا من يتأتى منه النظر ـ متعجبا إلى الذين نافقوا في إيمانهم وبعثوا إلى بنى النضير ـ كما سبقت إشارتنا إليه ، وهو ما فعله عبد الله بن أبى بن سلول ـ يقول هؤلاء المنافقون لإخوانهم الذين كفروا من اليهود ، وهم بنو النضير ، وكانوا إخوانهم في الدين والكفر والصداقة يقولون : والله لئن أخرجتم من دياركم كما يطلب محمد وصحبه منكم لنخرجن معكم ، ولا نطيع في شأنكم أحدا يمنعنا من الخروج وإن طال الزمن ، وو الله لئن قوتلتم لننصرنكم ، ولنعاوننكم على عدوكم ، ولو كانوا هم المسلمين.

٦٤٩

والله يشهد إن المنافقين لكاذبون في مواعيدهم وعهودهم المؤكدة بالأيمان ، والله لئن أخرج اليهود لا يخرجون معهم لأنهم منافقون ، وو الله لئن قوتل اليهود ، أى : بنو النضير لا ينصرهم المنافقون أبدا ، وهذا وعد وإخبار بالغيب وقد تحقق ذلك كله ، ولئن نصروهم ـ فرضا وتقديرا ـ ليولن الأدبار ويمنعون في الفرار ، ولا يلوون على شيء فإنهم المنافقون وكفى!

لأنتم ـ أيها المسلمون ـ أشد رهبة في صدورهم من الله ـ عزوجل ـ فهم يرهبونكم في السر رهبة أشد مما يظهرونه لكم من رهبة الله ـ عزوجل ـ ذلك بسبب أنهم قوم لا يفقهون ولا يعرفون عظمة الله فيخشونه حق خشيته.

لا يقاتلونكم ـ أى : اليهود والمنافقون ـ جميعا إلا في قرى محصنة بالتحصينات التي عرفوها والتي ستعرف في المستقبل ، أو من وراء جدار ، نعم رأيناهم في حروب فلسطين لا يقاتلون الناس إلا كذلك ، فإن أفئدتهم هواء ، وقلوبهم مليئة بالجبن والخور والضعف وحب الدنيا وكراهية الموت والخوف الموروث من المسلمين ، وهم إن أبدوا شجاعة ظاهرية لا تلبث أن تذهب ، ولقد صدق الله في وصفهم هذا الوصف الدقيق : (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) فهم كما يقول الشاعر :

وإذا ما خلا الجبان بأرض

طلب الطعن وحده والنزالا

وما أروع قول الله : (بَيْنَهُمْ) أما إذا كان البأس والحرب بينهم وبين غيرهم كانوا أجبن من الجبن ، تحسبهم جميعا مجتمعين ، والواقع أن قلوبهم واتجاهاتهم شتى ، الله يقول ذلك عن اليهود ، وهو أصدق القائلين ، بقي من يقاتلهم هل هو مثلهم أو أشد ، أم أصبح المسلمون تتوزعهم الفرقة والخلافات والإحن والتارات وأصبحوا يجرون وراء أمريكا وانجلترا ، وتركوا دينهم وقرآنهم وراءهم ظهريّا!! ولا حول ولا قوة بالله!!

أيها المسلمون : تشجعوا واتحدوا ، ولا يهمنكم أمر تلك الشرذمة من العصابات اليهودية مهما ساعدتها أمريكا وإنجلترا وروسيا فإنه يقول : تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ؛ ذلك بأنهم قوم لا يعقلون.

مثل اليهود من بنى النضير كمثل الذين من قبلهم حيث ذاقوا وبال أمرهم ، وعاقبة

٦٥٠

كفرهم قريبا ، فلم تتأخر عقوبتهم إلى يوم القيامة ، ولهم عذاب النار ، وقد كان ذلك مع المشركين يوم بدر ، ومع بنى قريظة قبل بنى النضير.

ومثل المنافقين الذين وعدوا بنى النضير بالمساعدة ثم خانوهم كمثل الشيطان إذ قال للإنسان : اكفر ، وأغراه على الكفر ، فلما كفر بالله وعصى رسله ، ووقع في عاقبة كفره تبرأ الشيطان منه ولم يقف معه وقال كذبا ورياء : إنى برىء منك إنى أخاف الله رب العالمين ، فكان عاقبتهما ـ لمن وسوس بالكفر ومن كفر ـ أنهما في النار خالدين فيها ، وذلك جزاء الظالمين مطلقا.

التقوى وموجباتها

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩) لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣)

٦٥١

هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٤)

المفردات :

(لِغَدٍ) المراد به : يوم القيامة ، أطلق عليه لقربه وتحقق وقوعه كالغد (١). (الْمَلِكُ) : المالك المتصرف في خلقه وملكه تصرفا تاما. (الْقُدُّوسُ) : البليغ في البعد عن النقص ، أو الكامل في ذاته وصفاته وأفعاله. (السَّلامُ) : ذو السلامة من كل نقص وعيب. (الْمُؤْمِنُ) : المصدق لنفسه ورسله فيما بلغوه عنه بالقول أو خلق المعجزات على أيديهم ، أو واهب الأمن لعباده. (الْمُهَيْمِنُ) : الرقيب الحافظ لكل شيء ، مأخوذ من قولهم : أمن الراعي الذئب على غنمه : إذا حفظهم حفظا كاملا من كل سوء. (الْعَزِيزُ) : الغالب ، من عز إذا غلب ، أو هو الذي لا مثل له ، من قولهم : هذا شيء عزيز أو نادر المثال. (الْجَبَّارُ) : الذي جبر خلقه على ما أراد. (الْمُتَكَبِّرُ) : البليغ الكبرياء والعظمة. (الْخالِقُ) : المقدر لخلقه على حسب ما تقتضيه حكمته. (الْبارِئُ) : الموجد لخلقه بريئا من التفاوت المخل به. (الْمُصَوِّرُ) : الموجد لصور الأشياء وكيفياتها. (الْأَسْماءُ الْحُسْنى) : الأسماء الدالة على محاسن المعاني.

ما مضى كان في الكلام على اليهود والمنافقين ، وبيان نهايتهم في الدنيا والآخرة ، ولما أتم هذا شرع في وعظ المسلمين وتنبيههم إلى يوم القيامة وما فيه ، وأنه لا يستوي العاصي والمطيع ، ولفت نظرهم إلى القرآن الكريم وما فيه ، ثم ذكر بعض صفات الحق ـ تبارك وتعالى ـ التي تغرس في النفوس الإيمان الصحيح ، والعقيدة الراسخة وكان هذا ختاما للسورة ما أجمله!!

__________________

١ ـ في لفظ (الغد) استعارة تصريحية وتنكيره للتعظيم والإبهام ، وتنكير نفس للتقليل.

٦٥٢

المعنى :

يا أيها الذين آمنوا : اتقوا الله حيثما كنتم ، وفي أى عمل عملتم ، ولتنظر كل نفس إلى أى شيء قدمته من الأعمال ليوم القيامة ، ولتحاسب نفسها عما عملت ، قبل أن تحاسب هي عليه ، وفي هذا حث عظيم على النظر فيما ينفع لغد ، وبيان أن النظر فيه قليل ، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ، وسيجازيكم عليه إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشر.

وإياكم أن تكونوا كالذين نسوا حقوق الله وما قدروا الله حق قدره ، ولم يراعوا الواجب عليهم نحو الذات الأقدس ـ جل شأنه ـ لا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم الله بسبب ذلك أنفسهم فلم يعملوا لخيرها ، ولم يحصلوا ما يخلصها يوم القيامة ، أولئك الذين نسوا الله هم الفاسقون الكاملون في الفسق والفجور ، فإياكم أن تكونوا مثلهم ، واعلموا أنه لا يستوي أصحاب النار الذين عملوا لها حيث خالفوا أمر الله في كل شيء وأصحاب الجنة الذين اتقوا الله فاستحقوا الخلود في الجنة ، أصحاب الجنة هم الفائزون وحدهم ، وفي هذا تنبيه للناس وأى تنبيه؟ وإيذان لهم بأنهم لفرط غفلتهم وقلة تفكيرهم في الآخرة وأحوالها ، كأنهم لا يعرفون أن هناك فرقا بين أصحاب الجنة وأصحاب النار ، وهذا كما تقول لمن يسيء إلى أخيه : هذا أخوك.

يا أيها الذين آمنوا : ألم تعلموا أن معكم حبل الله المتين ، وكلامه الكريم ، وقرآنه المجيد ، فكيف لا تتعظون به؟ وكيف لا تملأ قلوبكم خشية عند سماع كلامه؟ مع العلم أنه لو أنزل هذا القرآن على جبل ، وكان له عقل يميز ـ مع أن الجبل علم في القساوة ـ لرأيته خاشعا متشققا من خشية الله ، وهذا تمثيل وتخييل لعلو شأن القرآن وقوة تأثير ما فيه من المواعظ والزواجر.

وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون.

واعلم أن الذي أنزل القرآن وأمر بالتقوى هو الله ـ جل جلاله ـ واجب الوجود أزلا وأبدا ، الحاضر الذي لا يزول ، المعبود فلا أحد يستحق العبادة غيره ولا معبود بحق

٦٥٣

سواه ، هو الرحمن الرحيم بخلقه في الدنيا والآخرة (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (١) هو الله الذي لا إله إلا هو ، صاحب الملك والملكوت بيده الأمر (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (٢) يعز من يشاء ويذل من يشاء وهو على كل شيء قدير ، هو الملك القدوس المتنزه عن كل نقص وعيب ، الكامل في كل شيء ، ذو السلامة من كل ما يشينه ذاتا وصفات وأفعالا ، وهو المؤمن المصدق لنفسه ولرسله بما أنزل من كتاب وما خلق من معجزات ، سبحانه وتعالى وهب الأمن لعباده في الدنيا والآخرة ، وهو المهيمن والرقيب على خلقه وملكه ، أو هو الذي أمن على خلقه وملكه من كل شيء لإحاطة علمه وكمال قدرته ، وهو العزيز الجبار الذي جبر خلقه على ما أراد ، لا راد لأمره ، ولا معقب لحكمه ، وهو المتكبر الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله ، والكبرياء في صفات الله مدح ، وفي صفات المخلوقات ذم ، وفي الصحيح عن أبى هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال فيما يرويه عن ربه ـ تبارك وتعالى ـ أنه قال : «الكبرياء ردائي والعظمة إزارى فمن نازعنى في واحدة منهما قصمته قذفته في النّار».

سبحانه وتعالى عما يشركون!! هو الله الخالق المقدر لكل شيء ، البارئ لهذا الكون والموجد له خاليا من تفاوت يخل به ، وهو الذي أوجد صوره على حسب حكمته وإرادته.

لله سبحانه الأسماء الحسنى الدالة على محاسن المعاني وفضائلها وأشرافها.

يسبح له لأجل هذا كل ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم الجامع للكمال كله.

روى عن ابن عباس : اسم الله الأعظم في ست آيات من آخر سورة الحشر ، وفي رواية عن البراء عن علىّ ـ رضى الله عنهما ـ أنه قال : يا براء إذا أردت أن تدعو الله باسمه الأعظم فاقرأ من أول سورة الحديد عشر آيات. وآخر الحشر ثم قل : يا من هو كذلك ، وليس شيء هكذا غيره ، أسألك أن تفعل لي كذا وكذا.

والعبرة في هذا كله بالإخلاص وصفاء الروح ، والقرآن كله ـ وخاصة أمثال هذه الآيات ـ مما يصفى الروح ، وينقيها ويجعل دعاءها مقبولا ... نفعنا الله بالقرآن آمين.

__________________

١ ـ سورة الأعراف آية ١٥٦.

٢ ـ سورة الأعراف آية ٥٤.

٦٥٤

سورة الممتحنة

وهي مدنية في قول الجميع ، وعدد آياتها ثلاث عشرة آية.

وهذه السورة تحدد موقف المسلمين من المشركين تحديدا تامّا من ناحية الصلة والمودة ، ومن ناحية القتال والمسالمة ، ومن ناحية العلاقة الزوجية القائمة بين المسلم وغيره ، وكيف بايع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم النساء ، وفي الختام ـ كما في البدء ـ النهى عن موالاة الكفار.

موالاة الكفار وعلاقتنا بهم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣) قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ

٦٥٥

إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦) عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧) لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩)

المفردات :

(أَوْلِياءَ) جمع ولى ، والمراد به الصديق الذي توليه بالسر. (بِالْمَوَدَّةِ) المراد : النصيحة. (مَرْضاتِي) : رضائى. (يَثْقَفُوكُمْ) : يظفروا بكم. (أَرْحامُكُمْ) : قرابتكم. (أُسْوَةٌ) : قدوة حسنة. (بُرَآؤُا) : جمع برىء ، أى : لا نعتد بكم ولا بشأن آلهتكم. (وَبَدا) : ظهر. (الْعَداوَةُ) : ضد

٦٥٦

الصداقة والمحبة ، والبغضاء : وهي شدة البغض ، ضد المحبة. (فِتْنَةً) أى : مفتونين للذين كفروا ، أى : معذبين بسببهم أو بسبب غيرهم. (مَوَدَّةً) : صلة وقربى. (وَتُقْسِطُوا) أى : تحكموا بينهم بالعدل. (الْمُقْسِطِينَ) : العادلين. (وَظاهَرُوا) أى : وعاونوا الغير وتعاونوا على إخراجكم.

روى الأئمة ـ واللفظ لمسلم ـ عن على ـ رضى الله عنه ـ قال : «بعثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا والزبير والمقداد فقال : ائتوا روضة خاخ ـ موضع بين مكة والمدينة ـ فإن بها ظعينة ، أى : امرأة في هودج ، معها كتاب فخذوه منها» قال علىّ : فانطلقنا مسرعين حتى أدركنا المرأة ، وطلبنا منها الكتاب فأبت أول الأمر ، فلما رأت منا الجد والإصرار والتهديد أخرجت الكتاب من عقاصها ـ شعرها ـ فأتينا به رسول الله ، فإذا هو من حاطب بن أبى بلتعة إلى مشركي مكة يخبرهم ببعض أمر الرسول.

فقال رسول الله : يا حاطب ما هذا؟ قال : لا تعجل علىّ يا رسول الله ، إنى كنت امرأ ملصقا في قريش فأحببت أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي ، ولم أفعله كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «صدق» وهم عمر يضربه بالسيف ، فأجيب بأنه من أهل بدر ، وأنزل الله ـ عزوجل ـ هذه الآية ، وفي معناه نزلت آيات عدة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) [المائدة ٥١](لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران ٢٨] ... إلخ.

المعنى :

يا أيها الذين اتصفتم بالإيمان : لا يليق بكم ـ لأجل هذا الوصف ـ أن تتخذوا عدو الله وعدوكم (١) أولياء وأصدقاء ، ولو في الظاهر ، فالله ينهانا عن موالاتهم والإسرار إليهم بأخبارنا ، ولو كان هذا في الظاهر ، لا عن عقيدة وإيمان : لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء حالة كونكم تلقون إليهم بالمودة ، وتسرون إليهم بها كما فعل أخوكم حاطب بن أبى بلتعة عن حسن نية ، لا تتخذوهم أولياء والحال أنهم كفروا بما جاءكم من الحق والقرآن ، فأنتم مؤمنون به مصدقون له ، وهم كافرون فبينكم عداوة شديدة في العقيدة فكيف تلتقون؟ هم كفروا بالله ورسوله ، والحال أنهم يخرجون الرسول وإياكم من

__________________

(١) عدو على زنة فعول مصدر ، لهذا صح أن يقع على الواحد والجمع.

٦٥٧

دياركم وأموالكم وأوطانكم لا لشيء أبدا إلا لأنكم تؤمنون بالله ربكم ، عجبا كيف تجعلونهم أولياء وتسرون إليهم بالمودة؟!!

إن كنتم خرجتم للجهاد في سبيل الله وابتغاء مرضاته فلا تتخذوهم أولياء ، أى : لا تتولوا أعدائى إن كنتم أوليائى.

كيف تلقون إليهم بالمودة؟ تسرون (١) إليهم بأخبار الرسول سرّا ، وأنا أعلم السر وأخفى ، نعم الله يعلم ما أخفيتم وما أعلنتم ، ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ، وأخطأ طريق الهدى والحق.

كيف هذا مع أنهم إن يظفروا بكم ويدركوكم ـ على أى وضع ـ يكونوا لكم أعداء ويعاملوكم معاملة العدو اللدود ، ويسطوا إليكم أيديهم بالضرب والسبي والقتل وألسنتهم بالشتم والسب والذم ، ولا عجب فإنهم يودون من صميم قلوبهم لو تكفرون.

وما لكم توادون أعداء الله وأعداءكم من أجل قرابتكم وأولادكم؟ مع أنه لن تنفعكم أرحامكم ولا قراباتكم ، ولن تنفعكم أولادكم وأموالكم في شيء ، يوم القيامة يفصل بينكم ويقضى بحكمه فاعملوا لأجل هذا اليوم ، وانظروا ماذا قدمتموه لهذا الغد ، واعلموا أن الله بما تعملون بصير فسيجازيكم على كل عمل.

أسوة إبراهيم في هذا : كيف تتخذون أعدائى وأعداءكم أولياء؟ ألا تقتدون بأبيكم إبراهيم؟ قد كانت لكم أسوة حسنة ، وقدوة طيبة في أبيكم إبراهيم الخليل والذين معه من المؤمنين إذ قالوا (٢) لقومهم : إنا برآء منكم ومما تعبدون فنحن لا نعتد بكم ، ولا نحفل بآلهتكم بل أنكرنا ، وبدا بيننا وبينكم العداوة لا المحبة ، والبغضاء لا الصداقة في كل وقت ، كل هذا حتى تؤمنوا بالله وحده ، وتكفروا بشرككم. اقتدوا بأقوال إبراهيم وأفعاله إلا قوله لأبيه : لأستغفرن لك.

واستثناء قول إبراهيم هذا من الأسوة ـ الحسنة ، لأنها ـ واجب اتباعها وتقليد إبراهيم فيها حيث ذكر بعدها هذا الوعيد (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)

__________________

(١) هذه الجملة بدل بعض من كل في قوله تلقون.

(٢) (إذ قالوا) بدل اشتمال من (إبراهيم).

٦٥٨

واستغفار إبراهيم لأبيه حيث لم يعرف إصراره على الكفر وموته عليه بمعنى الدعاء له بالتوفيق جائز شرعا بدليل قوله : فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ، والحكم في الإسلام على هذا بالجواز حيث لم نعلم أن الكافر مصر على الكفر أو مات عليه ، فالاستغفار بهذا المعنى جائز لا واجب ، ولهذا استثنى من القدوة الواجب اتباعها ، وبعضهم أجاب عن هذا بقوله : إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ استغفر حيث لم يعلم إصرار أبيه ، وقد كان وعده ، أما أنتم فتعرفون إصرار هؤلاء وفظاعة عنادهم وشدة كراهيتهم لكم فلا ينبغي أبدا أن تجاملوهم وتدعوا لهم بالخير بعد أن وصف الله لكم نياتهم ورأيتم أفعالهم ، وهذا تخريج حسن بلا شك.

لأستغفرن لك ربي والحال أنى لا أملك لك من الله شيئا فاعمل بما يرضيه فلن أغنى عنك من الله شيئا يا أبت!

ربنا : عليك توكلنا ، وإليك وحدك أنبنا وتبنا ، وإليك وحدك المصير.

ربنا : لا تجعلنا فتنة للذين كفروا فتعذبنا على أيديهم أو بعذاب من عندك فيظنوا أنهم على حق ونحن على باطل فيفتنوا لذلك ، وللأسف ما يحصل اليوم هو هذا. فيا رب لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ، واغفر لنا سيئاتنا ، وقنا عذاب الخزي في الدنيا والآخرة ، ربنا إنك أنت العزيز الحكيم.

لقد كان لكم في إبراهيم ومن معه أسوة حسنة لمن (١) كان يرجو الله واليوم الآخر ، ومن يتول عن ذلك ، ولا يقتدى بالصالحين فليعلم أن الله هو الغنى عنه وعن عمله ، المحمود في السموات والأرض ، وهذا تهديد لمن لا يقتدى بالقدوة الحسنة.

وأما أنتم ـ أيها المسلمون ـ فلا يشقن ذلك عليكم عسى أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتموهم في الدين من أقاربكم وأهليكم المشركين ، عسى الله أن يجعل بينكم وبينهم مودة وصلة وأخوة في الإسلام ، والله على كل شيء قدير ، وهو الغفور لما فرط من الذنوب الرحيم بخلقه إذا تابوا وأنابوا.

__________________

(١) بدل من (لكم) بإعادة حرف الجر وهذا كثير لغة.

٦٥٩

وفي هذه الآية حدد علاقتنا بالكفار : فقد نهانا عن مودتهم واصطفائهم بأخبار الحروب والأخبار التي تضر الأمة الإسلامية ، ولكن هل نحن منهيون عن البر بهم ماديا والقسط إليهم والعدل معهم؟ ولقد أجاب الله عن ذلك جوابا شافيا فقال ما معناه : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في أمر الدين وشأنه ، ولم يخرجوكم من دياركم ، لا ينهاكم الله عن الذين لم يفعلوا هذا أن تبروهم بالخير ، وتقسطوا إليهم بالعدل ، وتعاملوهم بالحسنى ما داموا لم يسيئوا إليكم في الدنيا إن الله يحب المقسطين ، إنما ينهاكم الله عن موالاة ومحبة من قاتلوكم في الدين ، وجاهدوكم عليه بكل نفس ونفيس كما فعلت قريش مثلا حيث قاتلوكم لأجل الدين ، وأخرجوكم من دياركم وأموالكم وظاهروا الغير وتعاونوا على إخراجكم ، ينهاكم الله عن موالاتهم ومحبتهم ومن يتولهم ويتخذهم أنصارا وأحبابا فأولئك هم الظالمون.

المهاجرات من النساء ومبايعتهن

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١)

٦٦٠