التفسير الواضح

دكتور محمّد محمود حجازي

التفسير الواضح

المؤلف:

دكتور محمّد محمود حجازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١٠
الصفحات: ٩٣٨

هذا لله وهم السلف ، أما الخلف فيقولون : استوى على ملكه يدبر أمره ، ويحكم سياسته ، فالاستواء كناية عن الاستيلاء والتدبير.

ما لكم من دونه من ولى يلي أموركم ، ويدفع عنكم عذابكم ، وليس لكم شفيع من دونه ينصركم إن جاءكم بأسنا ، فإن خذلكم الله الذي خلقكم لم يبق لكم ولى ولا نصير.

الله ـ سبحانه وتعالى ـ يدبر أمر الدنيا وينظم شئونها وأحوالها التي تقع فيها ، كل ذلك موافق لقضائه السابق ، وجار على وفق إرادته الأزلية التي قضت بهذا النظام الموجود على هذا الترتيب ، وكان تدبير الأمر ونظامه مبتدئا من السماء ومنتهيا إلى الأرض ، لأن التدبير يرجع إلى أمور سماوية ، ومنوط بأسباب علوية ، وهو ينتهى بآثاره إلى الأرض ويظهر عمليا على وجهها ، كل ذلك إلى أن تقوم الساعة ، ثم يعرج إليه ذلك الأمر ويصعد إليه ؛ ليحكم فيه بحكمه العدل يوم القيامة ، يوم مقداره ألف سنة مما تعدون ، وقد جاء في سورة «سأل» كان مقداره خمسين ألف سنة ، والمخلص من هذا أن يوم القيام فيه أيام فمنها ما مقداره خمسون ألف سنة ، ومنها ما مقداره ألف سنة ، وقيل : إن الزمن الواحد تارة يكون طويلا جدا وطورا يكون قصيرا عند صاحبه.

ويوم كظل الرمح قصر طوله

دم الزق عنا واصطكاك المزاهر

وقيل : إن الملك يعرج إلى مكانه المحدد له في يوم مقدر بالنسبة لنا ألف سنة ، وهو عنده لحظة الله أعلم بها.

ذلكم الله خالق السماء والأرض ومدبر هذا الكون ، هو عالم الغيب والشهادة فاحذروا عقابه ، وانظروا في كتابه نظر تأمل وبحث لعلكم ترجعون وتثوبون إلى رشدكم ، وهو العزيز لا يعجزه شيء ، القاهر لا يقف دونه شيء ، ومع هذا فهو الرحيم بخلقه الرحمن بهم ، يدعوهم إلى الخير ، ويرسل لهم رسلا تهديهم إلى الحق ، وينزل عليهم كتبا فيها الشفاء والرحمة والنور والهداية للناس جميعا.

وهو الله لا إله إلا هو الذي أحسن كل شيء خلقه ، إذ هو مرتب وجار على ما اقتضته الحكمة ، وأوحته المصلحة ، فكل شيء في الكون له مكانه ونظامه وترتيبه حتى الكلب العقور والثعبان والحية ، فالله خلق هذا العالم كله ، على نظام دقيق ،

٦١

وترتيب محكم ، وما يعقل هذا إلا العالمون ، وإنك قد ترى نباتا أو حيوانا أو شيئا في هذا الكون وتخفى عليك حكمته ، ويعمى عنك سر وجوده ، تكشف لك الأيام عن أسرار وحكم لا يجليها لوقتها إلا خالقها العليم بها البصير بكنهها.

وهو الذي بدأ خلق الإنسان الأول من طين ثم سواه وأتمه ، ونفخ فيه من روحه فكان الإنسان مكونا من مادة هي طين لازب ثم من روح هي من الحق تبارك وتعالى.

وجعل لكم أيها الناس سمعا وبصرا وقلوبا وأفئدة لعلكم تنظرون فتدركوا الأسرار ، وتقفوا على الحكم والأخبار ، ولا شك أن هذه طرق العلم الصحيح والمعرفة الصادقة ، ولكن قليلا ما تعرفون فتشكرون ، بل ران على قلوبهم ، وختم على سمعهم وأبصارهم ، فهم لا يهتدون ، وقليلا ما يشكرون.

إنكارهم للبعث

وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤)

٦٢

المفردات :

(ضَلَلْنا) العرب تقول : ضل الماء في اللبن : إذا ذهب ، وتقول للشيء غلب عليه غيره حتى خفى فيه أثره : ضل ، وتقول لما غاب في الأرض : ضل ، والمراد هلكنا وصرنا ترابا (يَتَوَفَّاكُمْ) توفى العدد والشيء : إذا استوفاه وقبضه جميعا ، وقالوا : توفاه الله ، أى : قبض روحه ، والتوفي والاستيفاء بمعنى واحد ، والمراد : يقبض أرواحهم حتى لا يبقى أحد منهم (ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) مطأطئوها وخافضوها (الْجِنَّةِ) : الجن.

المعنى :

وقال المشركون : أإذا هلكنا وصرنا مختلطين بتراب الأرض لا نتميز منه كما يضل الماء في اللبن ، أو غبنا في الأرض بالدفن فيها أنبعث؟ والمعنى : أنبعث إذا متنا وصرنا إلى هذا الحال؟ هم بلقاء ربهم للحساب والجزاء كافرون ، فلم يكفروا بقدرة الله على الإعادة فقط بل هم كافرون بأصل الثواب والعقاب يوم القيامة ، قل لهم : يتوفاكم ملك الموت وهو عزرائيل على الصحيح الذي وكل إليه قبض أرواحكم فلن يفلت منه منكم أحد ، ولن يشغله شيء عن قبض أرواحكم إذ هو عمله المطلوب منه ثم إلى ربكم ترجعون ، تراه خاطبهم بتوفى ملك الموت لهم ثم بالرجوع إلى ربهم بعد ذلك مبعوثين ، وهذا معنى لقاء الله الذي كفروا به.

ذكر هذا المعنى في الأنعام بقوله : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) وفي سورة الزمر : بقوله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) ، ولا منافاة لأن الله ـ تعالى ـ هو المتوفى حقيقة بخلق الموت وأمر الملائكة بنزع الروح ، ولملك الموت أعوان له ينزعون الروح من الأظافر إلى الحلقوم ثم يقبضها عزرائيل الذي هو ملك الموت فلا منافاة بين الآيات.

ولو ترى يا محمد إذ المجرمون ناكسو رءوسهم من الخزي والعار ساعة الحساب لرأيت أمرا فظيعا ولرأيتهم على أسوأ حال وأفظع وضع ، وهذا من باب التمني ، على معنى ليتك ترى يا محمد المجرمين وقت الحساب وهم في الغم والخزي والهم إلى الأذقان ، ليتك تراهم لتشمت بهم حيث تجرعت منهم الغصص ونالك من عداوتهم ما نالك ، يقول المجرمون ساعة الحساب : ربنا أبصرنا وسمعنا ، أبصرنا بصدق وعدك وسمعنا بصدق

٦٣

رسلك ، فهم قد أبصروا حيث لا ينفعهم البصر (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا) (١) يقولون ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا إلى الدنيا نعمل صالحا إنا موقنون ، فوعدك حق ولقاؤك صدق ، وقد علم الله أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ، وكيف يكون من هؤلاء إيمان وتوفيقهم إلى الطاعة ، ولو شئنا لآتينا كل نفس من النفوس هداها فتهتدى بالإيمان والطاعة باختيار منها وكسب لها ولكن لم نشأ توفيق الناس جميعا إلى ذلك ، بل حق القول منى وثبت وحم القضاء ونزل وهو (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (٢) وعند بعض العلماء في مثل هذه الآيات أن المعنى : ولو شئنا إلجاء الناس إلى الهدى لآتينا كل نفس هداها ، ولكن قضت حكمتنا أن يكون للجنة والنار قوم فتركناهم واختيارهم وحق القول منى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ، وتقول لهم الخزنة حين دخولهم النار : ذوقوا العذاب الأليم بسبب نسيانكم هذا اليوم وترككم الاستعداد له فذوقوا عذاب الخلد الدائم بما كنتم تعملون من الكفر والتكذيب.

وفي قوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (٣). وفي قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (٤). مع قوله : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) ، (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) (٥). (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (٦) وقع خلاف بين العلماء هل العبد مجبور لا اختيار له نظرا إلى قوله : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (٧) وأمثالها في القرآن؟ أم هو مختار والاختيار مناط الثواب والعقاب نظرا إلى قوله : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً)؟ والواقع أنه قد فرط أصحاب كل رأى.

والحق ـ والله أعلم ـ أن هناك فرقا بين فعل فعلته باختيارك الظاهري ، وبين فعل فعلته مضطرا كارتعاش اليد مثلا ، فالكل من الله ، والله صاحب التصريف ، ولكن في الأول يظهر الاختيار بصورة واضحة ، وصح تعليق الثواب والعقاب حينئذ بصاحبه ضرورة أنه لا يعرف عند الفعل مشيئة الله له ، وإن كان في الواقع هو مجبور على هذا الفعل الموافق للمشيئة فهو مجبور في صورة مختار.

__________________

١ ـ سورة الكهف آية ٢٦.

٢ ـ سورة هود آية ١١٩.

٣ ـ سورة السجدة آية ١٣.

٤ ـ سورة يونس آية ٩٩.

٥ ـ سورة المزمل آية ١٩.

٦ ـ سورة الإنسان آية ٣٠ ؛ سورة التكوير آية ٢٩.

٧ ـ سورة الإنسان آية ٢٩.

٦٤

وهؤلاء هم المؤمنون وهذا هو جزاؤهم

إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧) أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (٢٢)

المفردات :

(تَتَجافى) التجافي : الابتعاد والارتفاع (الْمَضاجِعِ) : جمع مضجع ، وهو الموضع الذي يضجع فيه بفرش النوم (قُرَّةِ أَعْيُنٍ) القرة : اسم لما يحصل به القرير ، أى : الفرح والسرور (فاسِقاً) أى : كافرا.

٦٥

المعنى :

لقد مضى ذكر الكفار الذين أجرموا وعملوا السيئات ، وما كان من حالهم يوم القيامة ، وهنا الكلام على المؤمنين الذين عملوا الصالحات :

إنما يؤمن بآياتنا القرآنية والكونية ، ويصدق برسلنا الذين إذا ذكروا بها ، وتليت عليهم بعض آياتها خروا ساجدين لله بأعضائهم ، وسبحوا بحمد ربهم ، أى : جمعوا بين التسبيح والحمد حيث قالوا : سبحان الله وبحمده ، وسبحان ربي الأعلى ، وهم لا يستكبرون عن عبادته بقلوبهم ، فهي عامرة بالإيمان ، ترى في العبادة قرة عينها وراحة ضميرها (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) [غافر ٦].

ترى أن الله ـ سبحانه ـ بين الدرجة العالية للمؤمن الذي إذا ذكر بالقرآن حصل منه سجود بالأعضاء ، وحمد وتنزيه باللسان ، وخضوع بالقلب والجنان ، كل ذلك بمجرد التذكير لا خوفا من عقاب ولا طمعا في ثواب.

ثم ذكر صنفا أقل وهم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ، ويبتعدون عن الفراش الوثير ، ويهرعون إلى الصلاة يدعون ربهم خوفا من عقابه ، وطمعا في ثوابه ، وهم ينفقون بعض ما رزقناهم في سبيل الله.

القيام بالليل والتهجد فيه لون من العبادة عال ، وتوفيق من الله كبير ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وقد ورد فيه مع هذه الآيات آيات وأحاديث كثيرة كلها تهدف إلى بيان فضله ، وجزيل مثوبته.

ففي حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له : «ألا أدلّك على أبواب الخير؟ الصّوم جنّة ، والصّدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النّار ، وصلاة الرّجل في جوف اللّيل ـ قال : ثم تلا (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) حتى بلغ (يَعْمَلُونَ) أخرجه أبو داود. وغير هذا الحديث كثير ، وروى أبو داود عن أنس بن مالك أن هذه الآية المراد بها التنفل بين المغرب والعشاء ، وقيل : هو صلاة الرجل العشاء والصبح في جماعة ، فإن هذا يستدعى انتظار الجماعة وهو مشغول بالذكر والتسبيح وصلاة النفل ، فقد وصل التجافي أول الليل وآخره ، هؤلاء الناس الذين قاموا بالليل أو انتظروا الجماعة في صلاة العشاء والصبح والناس نيام ، قد أخفوا أعمالهم ، وطهروا نفوسهم من الرياء

٦٦

والنفاق ، لهم جزاء من جنس أعمالهم ، فلا تعلم نفس عظمة ما أخفى لهم وأعد في الجنات من النعيم المقيم ، والثواب الجزيل على سبيل التفصيل ، لما أخفوا أعمالهم أخفى الله ثوابها جزاء وفاقا ، قال الحسن البصري : أخفى قوم عملهم فأخفى الله لهم ما لم تر عين ولم يخطر على قلب بشر ، وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : قال الله تعالى : «أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر» قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ).

أولئك الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ، وهم الذين يتقبل الله عنهم أحسن ما عملوا ، ويتجاوز عن سيئاتهم وعد الله الصدق الذين كانوا يوعدون ، ولا غرابة فالعبد يعمل سرا أسره إلى الله لم يعلم به الناس ، فأسر الله له يوم القيامة قرة أعين ، ولعل التقييد بقوله : «عن المضاجع» لمزيد مدحهم وبيان قوة إيمانهم ، لأن المضجع إذا كان مفروشا كان النوم فيه ألذ ، والنفس إليه أميل ، فإذا هجره المؤمن ، والحالة هذه لأجل الصلاة ، ومناجاة ربه ، كان ذلك أمدح له وأدل على كمال يقينه.

أفبعد ما بيناه من التفاوت بين المؤمن الذي ذكرت أوصافه ، والفاسق الكافر الذي ذكرت أحواله يكون المؤمن كالفاسق؟ لا. إنهم لا يستوون أبدا في الدنيا والآخرة. أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فأولئك لهم جنات المأوى التي فيها المساكن والدور والغرف العالية التي أعدت وهيئت لتكون نزلا ، أى : للضيافة والكرم جزاء لهم بما كانوا يعملون ، وأما الذين فسقوا وخرجوا عن الطاعة فالنار هي المأوى لهم ، التي يأوون لها من شدة الموقف حتى إذا ما دخلوها وجدوها نارا تلظى ، فيحاولون الخروج ، وأنى لهم ذلك؟ إذ كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وقيل لهم تأنيبا وتقريعا : ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون.

ولا غرابة في هذا فالله يقول : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ) [الجاثية ٢١](أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [سورة ص آية ٢٨](أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) وليس من العدل في شيء أن يسوى بين المؤمن العامل والكافر الفاسق!!

٦٧

ولنذيقنهم ، أى : الكفار والعصاة بعض العذاب الأدنى من مصائب الدنيا وآفاتها لعلهم يرجعون ويتنبهون ، لنذيقنهم بعض العذاب البسيط دون العذاب الكبير لعلهم يثوبون إلى رشدهم ، ويؤمنون بربهم ، وتلك سنة الله مع الأمم (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ) [سورة الأعراف آية ١٣٣].

ولا غرابة في ذلك فلا أحد أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها عتوا واستكبارا وحسدا من عند نفسه! وهذا الصنف من الناس جزاؤه واجب ، وعقابه أمر محتم أوجبه العدل والحكم القسط ، إن ربك من المجرمين منتقم جبار ، سينتقم منهم أشد الانتقام.

مواعظ وعبر

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٢٣) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (٢٤) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٢٥) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨)

٦٨

قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠)

المفردات :

(مِرْيَةٍ) : شك (أَئِمَّةً) : جمع إمام ، أى : زعماء وقادة في الدين (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) : أو لم يتبين لهم (الْقُرُونِ) : الأمم السابقة (الْجُرُزِ) : هي الأرض اليابسة التي جرز نباتها ، أى : قطع لرعى أو لعدم الماء فيها مع صلاحيتها للإنبات ، وقيل : رجل جروز إذا كان لا يبقى شيئا إلا أكله ، وناقة جروز ، أى : تأكل كل شيء تجده ، وسيف جروز ، أى : قاطع ماض (مَتى هذَا الْفَتْحُ) متى هذا الحكم؟ إذ الفتح القضاء ، وقيل للحاكم : فاتح وفتاح لأن الأشياء تنفتح على يديه وتنفصل ، وعليه قوله تعالى : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ).

وهذا رجوع إلى أحد الأصول الثلاثة ، وهي الرسالة والتوحيد وإثبات البعث التي تعنى بها السور المكية ، وإنما اختار موسى لكثرة الشبه بينه وبين النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولكثرة أتباعه وقوة تأثيرهم في المجتمع العربي. وكل من المسيحيين واليهود يؤمنون به ، ومع هذا كثير من المواعظ والعبر.

المعنى :

ولقد آتينا موسى أخاك الكتاب فأوذى وكذّب وناله ما ناله من ألوان العذاب والسخرية ، فلا تكن في شك من أنه سيلقاك ما لقيه من التكذيب والأذى ، إذ تلك سنة الكون ونظام الناس. لا بد من اصطراع أهل الحق مع أهل الباطل ، وجعلنا الكتاب الذي أنزل على موسى هدى ونورا لبنى إسرائيل ، وجعلنا منهم أئمة وقادة ، وهم أنبياء بنى إسرائيل يهدون الناس بأمرنا ، ويدعونهم ويعظونهم ، وكانوا بآياتنا يوقنون ، كل ذلك لما صبروا على أحكام الدين وتكاليفه ، وصبروا على البلاء وعلى متاع الدنيا الزائل.

٦٩

إن ربك هو يفصل بين المؤمنين والكافرين المنكرين للرسالة ، ويقضى بحكمه العدل فيجازى كلا على عمله ، ويعطيه ما يستحق من ثواب أو عقاب ، وقيل : المعنى : إن ربك يقضى بين الأنبياء وأممهم بالحق.

أغفلوا ولم يتبين لكفار مكة إهلاكنا كثيرا من الأمم السابقة ـ حالة كونهم يمشون في مساكنهم ـ فيعبتروا ويتعظوا بما حل بغيرهم؟! إن في ذلك لآيات دالات على قدرة الله وحكمه العدل بين الكفار والمؤمنين ، أفلا يسمعون سماع قبول وتدبر بقلوبهم؟

وأعموا ولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز التي لا نبات فيها بواسطة المطر أو الأنهار والسيول فنخرج بالماء زروعا وثمارا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون؟! ألم يروا إلى مثل مصر فإنها هبة النيل ، ولو لا أن الله ساقه إليها لبقيت مصر قطعة من الصحراء لا خير فيها ولا حياة ، وإن ربك على كل شيء قدير أفلا يبصرون ذلك فيعتبرون ويتعظون؟.

وكان المسلمون يقولون : غدا سيفتح الله علينا ، ويحكم بيننا بالحق وهو خير الفاصلين. فكان المشركون يقولون : متى هذا الفتح؟ استبعادا وإنكارا واستهزاء بالنبي وصحبه ، قل لهم : يوم الفتح ، والقضاء الفصل هو يوم القيامة ، يومئذ لا ينفع الذين كفروا إيمانهم بأنهم على باطل ، وأنهم تركوا الصراط المستقيم واتبعوا سبل الشيطان فضلوا عن سواء السبل ، لا ينفعهم إيمانهم بأن النبي والقرآن حق ، ولا هم ينظرون بل يأخذون جزاءهم فورا.

فأعرض عنهم ، وانتظر ما يحل بهم من العذاب في الدنيا والآخرة ، إنهم منتظرون بك حادث موت أو قتل فيستريحون منك ، وما علموا أن الله عاصمك من الناس ومؤيدك ، حتى تؤدى رسالتك كاملة غير منقوصة.

٧٠

سورة الأحزاب

مدنية في قول جميع العلماء ، وعدد آياتها سبعون آية.

نزلت هذه السورة تفضح المنافقين ، وتبين إيذاءهم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وطعنهم فيه ، وفي نكاحه لأزواجه. وكيف كان موقف المنافقين والكفار في غزوة الأحزاب وغيرها ، مع بيان الآداب النبوية لبيت النبي ، وقصة زيد بن حارثة ، وغير ذلك من الآداب الإسلامية ، التي يحتاجها المجتمع الإسلامى الجديد في المدينة وخاصة بعد غزوة بدر الكبرى.

توجيهات وآداب

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٢) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٣) ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ

٧١

فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥)

المفردات :

(تُظاهِرُونَ) الظهار : أن يقول الرجل لامرأته أنت على كظهر أمى قصدا إلى تحريمها (أَدْعِياءَكُمْ) : جمع دعى ، وهو من يدعى لغير أبيه على أنه ابنه وفي الواقع هو ابن غيره (أَقْسَطُ) : أعدل وأقوم (وَمَوالِيكُمْ) المراد : هم بنو عمومتكم (جُناحٌ) : ذنب.

المعنى :

يا أيها النبي دم على تقوى الله ، واجتهد في الازدياد منها فإنها باب لا يبلغ مداه ، وأنت أولى الناس بها ، ولا تطع الكافرين والمنافقين ، فلا تساعدهم على شيء ، ولا تقبل لهم رأيا ، ولا تجعل منهم صاحبا أو صديقا ، ولا تطمع فيهم بل احترس منهم فإنهم أعداء الله ورسوله ، إن الله كان عليما بحالك وحالهم ، حكيما في كل ما أمر به ..

روى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما هاجر إلى المدينة كان حريصا على إيمان اليهود فإنهم أهل كتاب ، ولهم رأى وكلام مسموع في هذا الباب وخاصة عند العرب ، وكان يعرف فيهم بعض المنافقين ، ويلين لهم الجانب ، ويعاملهم معاملة كريمة ، ويسمع لهم ويطيع أمرهم ، فنزلت.

روى أن أبا سفيان بن حرب وعكرمة بن أبى جهل وأبا الأعور السلمى قدموا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الموادعة التي كانت بينه وبينهم. وقام معهم عبد الله بن أبىّ رأس المنافقين ، ومعتب بن قشير ، والجد بن قيس ، فقالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ارفض ذكر آلهتنا ، وقل : إنها تشفع وتنفع ، وندعك وربك ، فشق ذلك على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى المؤمنين ، وهمّ عمر ـ وكان حاضرا ـ بقتلهم ، فنزلت ، وهذا نهى للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن إطاعة الكفار والمنافقين ، وأمر له بإعلان الحرب عليهم غير آبه بهم ولا ملتفت إليهم ، وفي هذا من الخطر ما فيه عند العقلاء.

٧٢

لذلك جاء الإسلام يعلل ويعالج ، ولا يترك المحتاج يتخبط بل يرسم الطرق الحكيمة ، ويضع العلامات واللافتات حتى تصبح الصراط المستقيم ، فاستمع إلى القرآن وهو يغرس في نفوس المسلمين العزة والكرامة ، ويربيهم على أنهم لا يلتفتون إلى الكفار والمنافقين مهما كان شأنهم ، يقول : إن الله كان عليما بالمصلحة والصواب حكيما لا يأمر ولا ينهى إلا بداعي الحكمة الحكيمة. فنفذوا النهى ، وامتثلوا الأمر فإن هذا خير لكم ، والعلاج الثاني هو أن يتبع ومن معه ما يوحى إليه من لدن رب العالمين ، إنه بما تعملون خبير فيوحى إليكم بكل نافع ؛ إذ هو خبير بالعباد بصير ، والعلاج الثالث هو التوكل على الله حقا ، والاعتماد على جنابه اعتمادا حقيقيا ، لا شبهة فيه ولا ادعاء ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، وكفى به وكيلا.

يا لله ، كأن القرآن ينادينا ويحذرنا من طاعة الكفار المنافقين والركون إليهم والاستماع لهم ما داموا يقفون منا موقف العناد ، ويثيرون علينا غبار الذل والهوان ، ولا علينا شيء بعد هذا ، ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، ثم يقول : ثقوا بالله ، إنه عليم حكيم فنفذوا أمره واجتنبوا نهيه ، وعليكم باتباع القرآن وتنفيذه في كل صغير وكبير مع أنفسكم ومع إخوانكم وفي بيوتكم وأسركم ، ثم بعد هذا توكلوا على الله فإنه من يتوكل عليه يكفيه كل مكروه ، واعلموا أن الله يدافع عن الذين آمنوا.

وعلى هذا فالواجب علينا ما دمنا مؤمنين بالقرآن والنبي أن نطبق هذا الحكم ، وأن نعالج أنفسنا وأمراضنا باتباع القرآن حقا في كل شيء ، والتوكل على الله.

وانظر إلى قوله تعالى بعد هذا : ما جعل الله لرجل ـ أيا كان ـ قلبين في جوفه ، والقلب محل التوجيه ، ومبعث الاتجاهات والعواطف ، فإذا كنت مع الله ورسوله وليس في قلبك مثقال ذرة من كفر أو نفاق ، فلن تكون غير مؤمن صالح كامل متبع للقرآن داع له ولحكمه ، متوكل على الله ، والعرب تفهم في هذا أنه لا يجتمع اعتقادان متغايران في قلب كما لا يجتمع قلبان في جوف ، ولا يصح أن تكون أخلاقنا وآدابنا من واد وديننا من واد ، ونظامنا واقتصادنا من واد آخر.

ومن هنا كان استدراجا محكما حيث نفى اجتماع الزوجية مع الظهار ، والتبني مع النسب الصريح بعد ما نفى وجود اجتماع اتجاهين مضادين في قلب واحد.

٧٣

ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ، وما جعل أزواجكم اللاتي تظاهرون منهن أمهاتكم كما كانوا يقولون ـ على سبيل التحريم ـ : أنت على كظهر أمى ، أى : أنت محرمة على كتحريم ظهر أمى على ، فجعل زوجته كأمه ، ولكن الله ـ سبحانه وتعالى ـ ما جعل الزوجة كالأم ، وإن من يظاهر من امرأته ليقول منكرا من القول وزورا ، فإذا عاد في ظهاره بمعنى أنه مضى عليه وقت يتمكن فيه من الطلاق ولم يطلق وجبت عليه كفارة الظهار (عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا) وسيأتى في سورة المجادلة تفصيل وبيان لذلك.

(وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) ذكر القرطبي في تفسيره : أنه أجمع أهل التفسير على أن هذه نزلت في زيد بن حارثة ، وروى الأئمة أن ابن عمر قال : ما كنا ندعو زيد ابن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ).

وزيد هذا كان مسبيا من الشام ، سبته خيل من تهامة فابتاعه حكيم بن حزام بن خويلد فوهبه لعمته خديجة ثم وهبته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعتقه وتبناه ، وقد اختار زيد الرق مع رسول الله على الحرية مع أهله وقومه ، فتبناه النبي وقال : «يا معشر قريش اشهدوا أنّه ابني يرثني وأرثه» ومن هنا نفهم أن التبني كان معمولا به في الجاهلية ، وأقره الإسلام مدة ، ثم جاء فحرمه حيث قال :

ذلكم ، أى : دعاؤكم الذين تبنيتموهم قول باللسان فقط لا أساس له من شرع أو عقل ، وذلك تأكيد لبطلان القول بهذا ، بل الواجب أن تدعوهم لآبائهم في النسب لا في التبني ، فالله يقول الحق ، وهو يهدى إلى سواء السبيل ، والواجب أن تترك تلك العادة وأن تدعوا الإنسان إلى أبيه في النسب ؛ فقد قال الحق تبارك وتعالى ما معناه ..

ادعوا الذين تبنيتموهم لآبائهم هو أقسط عند الله وأعدل ، فمثلا يقال : زيد بن حارثة لا زيد بن محمد كما كان الناس يقولون.

فإن لم تعلموا آباءهم فهم إخوانكم في الدين ومن بنى عمومتكم فمثلا تقولون لغير معروف النسب : يا فلان. يا أخى. يا بن عمى .. (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات ١٠].

ولو نسب الإنسان إلى أبيه من التبني لا من النسب فإن كان ذلك على جهة الخطأ من غير تعمد فلا إثم ولا مؤاخذة (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ

٧٤

قُلُوبُكُمْ) ولا يدخل في نطاق التحريم ما غلب عليه اسم التبني ، كما حصل مع المقداد ابن عمرو ، فإنه كان قد غلب عليه نسب التبني فلا يكاد يعرف إلا بالمقدار بنى الأسود فإن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبناه في الجاهلية وعرف به ، فلما نزلت الآية قال : المقداد بن عمرو ، ومع ذلك فبقى الإطلاق عليه ، ولم يسمع فيمن مضى حكم على من أطلق ذلك عليه أنه عصى بذلك ، وكان الله غفورا رحيما برفع إثم الخطأ.

النبي عليه الصلاة والسلام ومكانته

النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٦) وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٧) لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (٨)

المفردات :

(مَسْطُوراً) : مكتوبا (مِيثاقَهُمْ) الميثاق : هو العهد المؤكد (مِيثاقاً غَلِيظاً) : ميثاقا شديدا.

المعنى :

النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أولى بالمؤمنين من أنفسهم في كل شيء من أمور

٧٥

الدنيا والدين ، فواجب عليهم أن يكون الله ورسوله أحب إليهم من كل ما سواه حتى أنفسهم ، وأن يكون حكمه أنفذ عليهم من حكم أنفسهم ، وحقه أثبت لديهم من حقوق أنفسهم وتكون نفوسهم فداء له وأجسامهم وقاية له من كل شر ، وكل ما يملكون تحت قدميه ، وكل ما أمر به أو نهى عنه أقبلوا عليه مؤمنين به ، إذ هو إرشاد لهم وتوجيه ، ليظفروا بسعادة الدارين ، فهو أولى بالمؤمنين ، على معنى أرأف بهم وأعطف عليهم وأنفع لهم من أنفسهم.

وأزواجه أمهاتهم في التعظيم والمحبة والإجلال وحرمة النكاح (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) (١) وهذه كرامة لهن فقط ، وحفظ لحقوقهن فقط فليس بناتهن إخوة ، ولا أخواتهن خالات للمؤمنين.

وكان المسلمون في صدر الإسلام يتوارثون بالولاية في الدين وبالهجرة لا بالقرابة ، فبين الله تعالى أن القرابة أولى من الحلف ، والوراثة باسم الدين والهجرة ، وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ـ القرآن ـ أى : أولى من سائر المؤمنين والمهاجرين.

لكن أن تفعلوا إلى أوليائكم ، أى : من توالونهم وتوادونهم من المؤمنين والمهاجرين والأجانب ، أن تفعلوا معروفا كوصية فجائز لا شيء فيه ، وإنما المحرم الإرث ، كان ذلك ، أى : تحريم الإرث بالإيمان والهجرة ووجوب الإرث بالقرابة والرحم ، كان ذلك في الكتاب ، أى : القرآن مكتوبا ومسطورا.

واذكر وقت أن أخذنا من النبيين ميثاقهم وعهدهم المؤكد عليهم بأن يبشر بعضهم ببعض ، ويصدق بعضهم بعضا ، وإذ أخذنا منك يا محمد ، ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وخص هؤلاء بالذكر مع اندراجهم في النبيين لأنهم أصحاب شرائع وكتب ، وهم أولو العزم من الرسل ، وهذا مما يؤكد تحريم التوارث بين المؤمن والكافر المفهوم من السياق ، فهو مما لم تختلف فيه شريعة نوح ومن معه مع شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والخلاصة : أنه كان في ابتداء الإسلام توارث بالهجرة ثم توارث بالقرابة مع الإيمان ، وأما التوارث بين مؤمن وكافر فلم يكن دين أحد من الأنبياء الذين أخذ عليهم الميثاق ، فلا تداهنوا في الدين ، ولا تمالئوا الكفار.

__________________

١ ـ سورة الأحزاب آية ٥٣.

٧٦

وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ، أى : عهدا وثيقا على الوفاء بما التزموا من تبليغ للرسالات وتصديق بعضهم بعضا ، فالله أكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه وأخذ عليهم المواثيق لأجل إثابة المؤمنين على صدقهم وإيمانهم ، ولتعذيب الكفار والعصاة بالعذاب الأليم.

غزوة الخندق أو الأحزاب

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢) وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً (١٣) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلاَّ يَسِيراً (١٤) وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً (١٥) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً

٧٧

لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٦) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧) قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٨) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٩) يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (٢٠) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً (٢١) وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢٢) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣) لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ

٧٨

أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤) وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (٢٥)

المفردات :

(مِنْ فَوْقِكُمْ) من أعلى الوادي ، أى : من جهة المشرق (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) أى : أسفل الوادي من جهة المغرب (زاغَتِ الْأَبْصارُ) : مالت فلم تلتفت إلا إلى عدوها دهشا من فرط الهول (الْحَناجِرَ) : جمع حنجرة ، وهي منتهى الحلقوم (ابْتُلِيَ) : اختبروا بهذه الغزوة (وَزُلْزِلُوا) : حركوا حركة شديدة من الفزع (مَرَضٌ) : ضعف اعتقاد ، وشك ونفاق (غُرُوراً) : باطلا لا ينفع (يا أَهْلَ يَثْرِبَ) : يا أهل المدينة (عَوْرَةٌ) : غير حصينة ، يقال : دار معورة : ودار عورة إذا كان يسهل دخولها (إِلَّا فِراراً) أى : هربا (مِنْ أَقْطارِها) أى : من جوانبها ونواحيها ، جمع قطر ، وهو الجانب (لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) أصل الأدبار جمع دبر ، وهو ما قابل القبل ، ويطلق على الظهر ، والمراد الهزيمة والفرار من الصف (الْمُعَوِّقِينَ) : المثبطين الذين يصدون المسلمين عن القتال مع رسول الله (الْبَأْسَ) : القتال (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) : جمع شحيح ، أى : بخلاء بالمعونة لكم من حفر أو نفقة في سبيل الله (سَلَقُوكُمْ) السلق : الأذى. والمراد آذوكم بألسنة سليطة (الْأَحْزابَ) : هم القبائل المتجمعة لحرب النبي والقضاء عليه (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) : قدوة حسنة (نَحْبَهُ) : مات ، وأصل النحب : النذر ، فجعلوه كناية عن الموت.

هذه هي غزوة الخندق الذي حفر حول المدينة ، وسميت غزوة الأحزاب (لتجمع الأحزاب من قريش وغطفان وقبائل نجد مع يهود المدينة).

وهذه الآيات الكريمة تكلمت فيما تكلمت فيه عن :

١ ـ الوصف العام للغزوة ... من آية ٩ إلى آية ١١.

٢ ـ موقف المنافقين واليهود من المسلمين من آية ١٢ إلى آية ٢١.

٧٩

٣ ـ موقف المؤمنين .. من آية ٢٢ إلى آية ٢٥.

٤ ـ نهاية المعركة .. آية ٢٥.

٥ ـ نهاية اليهود الذين ظاهروا المشركين .. من آية ٢٦ إلى آية ٢٧.

المعنى :

يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود لا قبل لكم بها ، تجمعت لإبادتكم والقضاء عليكم ، فأرسل الله عليهم ريحا قلعت خيامهم وأثارت خيولهم ، وكفأت قدورهم ، وأرسل عليهم جنودا من الملائكة لم تروها ، وكان الله بما تعملون بصيرا وعلى كل شيء قديرا.

رأى اليهود أن القبائل العربية لا طاقة لها بحرب النبي وصحبه متفرقين ، فأخذوا يجمعون الجموع ويعقدون الأحلاف ، ويحزبون الأحزاب حتى ترمى العرب المشركون الإسلام عن قوس واحدة يضربونه ضربة رجل واحد ، فيمحونه من الوجود ويستريحون ، وكان حيي بن أخطب وغيره من قادة اليهود يقومون بهذا فألبوا قريشا وغطفان ، وبنى مرة ، وأشجع وغيرها ، وخرجت تلك القبائل بقيادة أبى سفيان لقريش ، وعيينة بن حصن لغطفان ، والحارث بن عوف على بنى مرة ، ومسعر على قبيلة أشجع.

ولما سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم باجتماعهم تشاور هو وصحبه فيما يعملون ، فأشار سلمان الفارسي بحفر الخندق حول المدينة مما يلي السهل ، وقد اشترك المسلمون على رأسهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حفر الخندق بهمة ونشاط ، وإذا استعصت عليهم صخرة جاء النبي ففتتها بفأسه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ولما فرغ الرسول وصحبه من حفر الخندق وأقبلت قريش ومن معها من قبائل كنانة وأهل تهامة من أسفل الوادي جهة الشرق ، وأقبلت أسد وغطفان بمن معها من أهل نجد من أعلى الوادي جهة الغرب حتى نزلوا إلى أحد ، خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون حتى نزلوا بظهر سلع ـ جبل المدينة ـ في ثلاثة آلاف ، وضربوا خيامهم ، والخندق بينهم وبين المشركين.

٨٠