التفسير الواضح

دكتور محمّد محمود حجازي

التفسير الواضح

المؤلف:

دكتور محمّد محمود حجازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١٠
الصفحات: ٩٣٨

المعنى :

وبنينا السماء بقوة قوية. بنيناها بأيد ، وإنا لقادرون ، وما مسنا في ذلك من تعب ولا مشقة ، وفرشنا الأرض وبسطناها لتستقروا عليها ، وتعيشوا فوقها ، ولا ينافي ذلك كروية الأرض ، وانظر إلى السماء وبنائها ، والشيء المبنى ثابت لا يتغير ، وإلى الأرض وفرشها ، والفراش يبدل وينقل ، وهكذا الأرض وما عليها ، وتبارك من مهدها وبسطها ، ووطأها وسواها وأصلحها (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ).

ومن كل شيء خلق ربك صنفين ونوعين ذكرا وأنثى ، في النبات والحيوان ، وفي الطبيعة ليل ونهار ، ونور وظلام ، وحر وبرد ، وبحر وبر ، وسهل وجبل ، وجن وإنس ، وخير وشر وهكذا (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

وإذا كان الأمر كذلك ، وقد أهلك ربك من كفر وكذب ونجى من آمن وصدق وهذه آياته الشاهدة بقدرته على البعث والثواب والعقاب والجزاء ، إذا كان الأمر كذلك ففروا إلى الله ، فروا من معاصيه إلى طاعاته ، فروا إليه بالتوبة الصادقة والإيمان السليم واقصدوه وحده ، ولا تشركوا به شيئا ، ولا تجعلوا معه إلها آخر ، إنى أنا رسول الله إليكم ، ونذير مبين لكم بين يدي عذاب شديد.

الأمر كذلك (١) أى : الأمر الحق مثل الذي يذكر لك ويأتيك خبره بالوحي ، وهو : ما أتى الذين من قبلهم من رسول إتيانا مثل إتيانهم إلا قالوا في حقه : هو ساحر ، أو قالوا : هو مجنون. أأوصى بهذا القول أولهم آخرهم؟ إن هذا لعجيب (٢).

بل هم قوم طاغون ، فهم مشتركون في الطغيان والظلم الذي حملهم على ذلك ؛ وإذا كان الأمر كذلك وأن مصدر تكذيبهم وعصيانهم هو ما تأصل عندهم من غرائز الطغيان والظلم فأعرض عنهم ، ولا تشتغلن بهم ، فما أنت بملوم على تكذيبهم بل أنت لم تأل جهدا في دعوتهم ، وأنت رسول ، وإنما عليك البلاغ ، وعلى الله الحساب.

__________________

(١) كذلك خبر لمبتدأ تقديره : الأمر ، والجملة تقرير وتوكيد لما مضى وتسلية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم واسم الإشارة يعود على ما سيأتى وهو (ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...) الآية.

(٢) الاستفهام للتعجب والإنكار.

٥٤١

ولكن ذكّر وعظ ، ولا تدع ذلك ، فإن الذكرى تنفع المؤمنين الذين قدر الله لهم الإيمان والاتعاظ.

(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وهذا كلام جديد مستأنف لتقرير وتأكيد الأمر بالتذكر ، فإن خلقهم للعبادة ، مما يدعو النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن دعا بدعوته إلى تذكير الناس دائما حيث خلقهم الله للعبادة ، وما المراد بالعبادة؟ هل هي التسخير الثابت لجميع الخلق والدلالة التامة الكاملة على وجود الخالق ، الذي عبر عنه بالسجود في قوله تعالى : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) (١)؟ أم هي العبادة الاختيارية التي يوصف بها المؤمنون؟ والظاهر هو المعنى الثاني ؛ وعلى ذلك فما معنى كون الجن والإنس ما خلقت إلا للعبادة؟ مع قوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) (٢) أى : خلقنا لجهنم خلقا كثيرا يفعل ما به يدخلها ، وهذا يدل على إرادة المعاصي لكثير ، ويتنافى مع إرادة العبادة من الجن والإنس ، ولعل المخلص من ذلك أن الله خلق الخلق صالحين للعبادة مستعدين لها ، فيهم العقول والحواس التي تدعوهم إلى عبادة الله ، ولما خلقهم على ذلك الوضع جعل خلقهم مغيا بغاية هي العبادة ، والذي يؤيد ذلك أن أفعاله تعالى تنساق إلى الغايات الكاملة ، وكون بعض الناس أو كثير من الناس لا يصل إلى تلك الغاية لا يمنع كون الغاية غاية (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) ما أريد من الخلق رزقا ، وما أريد أن يطعموني ، وقيل : المعنى ما يريد منهم أن يرزقوا أحدا من خلقه ، ولا يريد أن يطعموا أحدا ، فالله حين يكلفهم بشيء لم يكلفهم لغرض يعود عليه ، ولكن لنفع عائد على المكلفين الممتثلين أمر الله.

إن الله هو الرزاق الذي يرزق من يشاء ، ذو القوة والبطش ، القوى المتين.

إذا ثبت أن الله تعالى ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه ، وأنه سبحانه ما يريد منهم من رزق ولا يريد منهم أن يطعموه بل هو الرزاق ذو القوة المتين. إذا كان الأمر كذلك فإن للذين ظلموا أنفسهم باشتغالهم بغير ما خلقوا له من العبادة ، وإشراكهم بالله ، وتكذيبهم لرسول الله ، فإن لهؤلاء نصيبا من العذاب كبيرا ، نصيبا مثل نصيب نظرائهم من الأمم السالفة ، وهو واصل لهم بلا شك فلا يستعجلون ولا يطلبون من الله التعجيل فويل ثم ويل للذين كفروا وكذبوا بالبعث من يومهم الذي يوعدونه على لسان الرسل الكرام ، وهذا ختام سورة بديع.

__________________

١ ـ سورة الرحمن آية ٦.

٢ ـ سورة الأعراف آية ١٧٩.

٥٤٢

سورة الطور

وهي مكية كلها في قول الجميع ، وعدد آياتها ثمان وأربعون آية.

وتشتمل هذه السورة على الكلام على البعث ، وما فيه ، واستتبع ذلك وصف الكفار والمؤمنين يوم القيامة ، وأطالت هذه السورة في الكلام على الجنة وما فيها من نعيم مقيم للمتقين ، ثم أخذت في خطاب المشركين ونقاشهم في معتقداتهم الفاسدة ، ثم كان ختام السورة بذكر نصائح للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وللمؤمنين بدعوته.

يوم القيامة والكفار فيه

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالطُّورِ (١) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (٤) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨) يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (٩) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (١٠) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٤) أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (١٥) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦)

٥٤٣

المفردات :

(وَالطُّورِ) الطور : هو الجبل ، وقيل : هو الجبل الذي فيه نبات ، أو هو الذي ناجى عليه موسى ربه ، وهو بطور سيناء. (وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) : وكتاب مكتوب على وجه الانتظام. (رَقٍّ مَنْشُورٍ) الرق : جلد رقيق يكتب فيه. والمنشور : المبسوط. (الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) : هو البيت الآهل بالزوار ، والمراد به هنا الكعبة. (الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) : هو البحر المملوء ماء ، أو هو الفارغ ، وقيل : هو المملوء نارا. (تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) أى : تتحرك وتجيء وتذهب وتضطرب. (خَوْضٍ) وأصل الخوض : المشي في الماء ثم تجوز فيه عن الشروع في كل شيء ، وغلب في الخوض في الباطل. (يُدَعُّونَ) : يدفعون إلى النار دفعا عنيفا شديدا. (اصْلَوْها) : ادخلوها وقاسوا شدائدها.

المعنى :

أقسم الحق ـ تبارك وتعالى ـ بالطور ، وكتاب مسطور في رق منشور ، والبيت المعمور والسقف المرفوع ، والبحر المسجور إن عذاب ربك لواقع ، ما له من دافع.

وهل الطور هو الجبل مطلقا أو هو الذي وقف عليه موسى يناجى ربه؟! يحتمل هذا وذاك ، وما المراد بالكتاب المسطور؟ قيل : هو الكتاب الذي تكتب فيه الأعمال ، ويعطى إلى العبد في يمينه أو شماله يوم القيامة (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) وقيل : هي التوراة أو القرآن ، أو اللوح المحفوظ ، وينبغي ألا يحمل شيء من هذه الأقوال على التعيين ؛ والكتاب المسطور ، أى : المكتوب على وجه النظام والترتيب في جلد منشور ومبسوط ليقرأه الكل.

وأقسم بالبيت المعمور ، وهو بيت الله الحرام الذي يعمر بالحجاج كل عام ، بل هو دائما عامر بمن يطوف حوله مع أنه مكان جدب لا زرع فيه ولا ماء ، ومع ذلك تهوى إليه نفوس كثيرة من المسلمين.

٥٤٤

وأقسم بالسقف المرفوع وهو السماء التي رفعت بلا عمد ترونها ، وأقسم بالبحر المملوء نارا أو هو المملوء ماء ، أقسم بهذا كله على أن عذاب ربك لواقع حتما وليس له من دافع يدفعه.

وقد يسأل سائل : ما وجه ذكر هذه الأشياء المختلفة في القسم؟ والجواب أن كل هذه الأشياء من دلائل القدرة مع الإشارة إلى يوم الحساب ، وما يستتبعه من ثواب أو عقاب ، والطور على أنه محل مناجاة موسى ، والكتاب فيه ذكر ثوابهم وعقابهم ، والبيت الحرام محل تقديس وإجلال ، وطواف الملائكة والرسل به ، وفيه اجتماع كاجتماع الحشر ، والسماء والبحار كلها مظهر من مظاهر العظمة ، ودليل على إمكان البعث ، والله سبحانه أعلم بأسرار كلامه.

إن عذاب ربك لواقع ، ما له من دافع ، يوم تضطرب السماء اضطرابا ، وتزلزل الأرض زلزالا ، فتسير الجبال سيرا ، فتكون هباء منثورا ، وذلك يكون يوم القيامة ، فويل يومئذ يحصل ذلك للمكذبين بالرسل واليوم الآخر ، الذين هم في اندفاع عجيب في الأباطيل والأكاذيب يلهون ، يوم يساقون إلى جهنم سوقا ، ويقال لهم : هذه هي النار التي كنتم بها تكذبون! أفسحر هذا (١) كما كنتم تقولون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ أم أنتم لا تبصرون هذه الحقائق.

ويقال لهم : اصلوا جهنم وادخلوها وقاسوا حرها فاصبروا على ذلك أو لا تصبروا ، الأمران سواء عليكم لا ينفعكم شيء من صبر أو غيره ، إنما تجزون ما كنتم تعملون جزاء واقعا لا شك.

المتقون وجزاؤهم يوم القيامة

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما

__________________

١ ـ الاستفهام للتوبيخ والتقريع.

٥٤٥

كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (٢١) وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨)

المفردات :

(فاكِهِينَ) أى : أصحاب فاكهة كثيرة ، وقرئ : فكهين والمراد أنهم طيبو النفس يقال : فكه الرجل فهو فكه : إذا كان طيب النفس مزاجا ، ومن معاني الفكه : الأشر والبطر وعليه قوله تعالى في سورة الدخان (وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ) أى : أشرين بطرين. (هَنِيئاً) الأكل والشرب الهنيء : هو ما لا تنغيص فيه ولا نكد ولا كدر. (مَصْفُوفَةٍ) أى : موصولة بعضها إلى بعض حتى تصير صفا واحدا. (بِحُورٍ عِينٍ) حور : جمع حوراء ، وهي المرأة البيضاء ، وعين : جمع عيناء ، وهي المرأة العظيمة العين الواسعة. (أَلَتْناهُمْ) : أنقصناهم. (رَهِينٌ) أى : مرتهن يؤاخذ بالشر ويجازى بالخير. (وَأَمْدَدْناهُمْ) أى : وزدناهم على ما عندهم وقتا فوقتا. (يَتَنازَعُونَ) : يتجاذب بعضهم الكأس من بعض. (كَأْساً) الكأس : إناء الخمر ما دام مليئا فإذا كان فارغا لم يسم كأسا. (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) اللغو : ما

٥٤٦

لا خير فيه ، والتأثيم : من الإثم : كل ما يغضب الله. (مَكْنُونٌ) أى : مصون في أصدافه. (مُشْفِقِينَ) : خائفين من عذاب الله. (السَّمُومِ) : اسم من أسماء النار ، والسموم : الريح الحارة ، وقد تستعمل في لفح البرد وهي في لفح الشمس أكثر.

وهذا شروع في ذكر حال المؤمنين وجزائهم يوم القيامة بعد ذكر البعث وأنه واقع لا محالة ، وما يلاقيه المنكرون له بالإجمال ، وتلك عادة القرآن الكريم في الترهيب والترغيب.

المعنى :

إن المتقين الذين آمنوا بالله وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر إيمانا صحيحا كاملا مقرونا بالعمل في جنات عظيمة ، ونعيم مقيم ، وفضل كبير ، ورضوان من الله أكبر ، هم في جنات الخلد حالة كونهم فاكهين ومتلذذين بما آتاهم ربهم من الإحسان والفضل العميم ، وقد وقاهم ربهم عذاب الجحيم ، ويقال لهم تكريما : كلوا واشربوا ، أكلا وشرابا هنيئا ، بسبب ما كنتم تعملون في الدنيا من صالح الأعمال.

إن المتقين في جنات حالة كونهم متكئين (١) على نمارق موضوعة على سرر مصفوفة وقرناهم بحور عين ، وكأنهم البيض المكنون ، والذين آمنوا ، وأتبعتهم ذريتهم بإيمان أى كانوا مؤمنين ، وإن لم يكونوا في درجة آبائهم ، هؤلاء ألحقنا بهم ذريتهم في الدرجة وما أنقصناهم من عملهم شيئا ، ولكنه فضل من الله ونعمة عليهم. روى عن ابن عباس قال : إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة ، وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه ، ثم قرأ هذه الآية.

كل نفس بعملها مرهونة عند الله ، إن خيرا فخير وإن شرّا فشر ، كأن العمل بمنزلة الدين ونفس العبد بمنزلة الرهن ، فإن كان العمل مقبولا عند الله فكأن صاحبه أدى دينه

__________________

(١) هو حال من الضمير المستكن في الخبر ، ويجوز أن يكون حالا من ضمير كلوا أو آتاهم.

٥٤٧

وفك رهنه ، وإن لم يكن كذلك فهو مرهون (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ* إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) (١) ولعل وجه وضع هذه الآية هنا للإشارة إلى أن المؤمنين فكوا رقابهم ، وغيرهم لا زال أسيرا بعمله السيئ ، على أنه مناسب لعدم نقصان الآباء شيئا من عملهم.

وأمددنا المتقين بفاكهة ولحم مما يشتهون ، أى : وزدناهم على ما كان لهم من أصل التنعيم شيئا فشيئا ووقتا فوقتا حالة كونهم يتنازعون الكأس ، ويتجاذبونها ، هم وجلساؤهم في الجنة كما يفعل الندامى على خمر الدنيا ، ولكن لا لغو في شرب هذه الخمر ولا تأثيم فيها (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) (٢) ويطوف عليهم بالكأس غلمان لهم ممتعون بالنعيم كخدم الملوك كأنهم لؤلؤ مكنون من البياض والصفاء ، وهم في الجنة يتساءلون ويتجاذبون أطراف الحديث عن ماضيهم ولقد قالوا : إنا كنا قبل ذلك في أهلنا مشفقين أرقاء القلوب خائفين من عذاب الله ، ومن هول ذلك اليوم ، فمن الله علينا ، وهدانا ووفقنا إلى العمل الصالح ، ووقانا بفضله عذاب السموم ، والسبب أنا كنا من قبل ندعوه وحده ، ونعبده لا شريك له ، إنه هو البر الرحيم ، المحسن الكريم ذو الفضل العميم سبحانه وتعالى.

نقاش الكفار في معتقداتهم وختام السورة

فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٤) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا

__________________

١ ـ سورة المدثر الآيتان ٣٨ و ٣٩.

٢ ـ سورة الصافات آية ٤٧.

٥٤٨

السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (٤٤) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٧) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (٤٩)

المفردات :

(بِكاهِنٍ) : هو المخبر عن الأمور الماضية الخفية بلا وحى ، والعراف : هو المخبر عن الأمور المستقبلة ، وكانوا يستمدون ذلك من الجن. (نَتَرَبَّصُ) : ننتظر.

(رَيْبَ الْمَنُونِ) الريب : هو الشك وأطلق على الحوادث ، والمنون : هو الدهر لأنه يقطع الأجل. (أَحْلامُهُمْ) : جمع حلم وهو الأناة والعقل. (طاغُونَ) : ظالمون مجاوزون الحدود بعنادهم. (تَقَوَّلَهُ) : اختلقه وافتراه من عند نفسه.

(الْمُصَيْطِرُونَ) الأرباب الغالبون. (سُلَّمٌ) السلم : هو ما يتوصل به إلى الأماكن العالية. (بِسُلْطانٍ) : بحجة قوية. (مَغْرَمٍ) : غرامة وهي التزام الإنسان ما ليس

٥٤٩

عليه ولم يكن لخيانة منه. (كِسْفاً) جمع كسفة وهي القطعة من الشيء. (مَرْكُومٌ) أى : بعضه فوق بعض. (بِأَعْيُنِنا) : بعناية منا وفي حفظنا وحراستنا (١). (وَإِدْبارَ النُّجُومِ) المراد : وقت إدبارها من آخر الليل ، أى : غيبتها بظهور نور الصبح.

المعنى :

من الناس من هم في أهلهم مشفقون ، ومن عذاب الله خائفون ، وهؤلاء ينفع معهم التذكر ، والنبي مأمور بأن يذكر بالقرآن من يخاف وعيده.

وإذا كان الأمر كذلك فذكر إنما أنت مذكر ، ونبي مرسل ، فما أنت بكاهن تبتدع القول وتخبر به من غير وحى ، ولست مجنونا لا تعى ما تقول ، وهذا رد لقولهم في النبي وبطلان لاعتقادهم فيه أنه كاهن أو مجنون ، كما كان يقول عنه عقبة بن أبى معيط ، وشيبة بن ربيعة ، والمعنى : انتفى عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة الله عليك ، فأنت بحمد الله ونعمته صادق النبوة راجح العقل سليم المنطق (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ؟) (٢) أيقولون : هو شاعر؟ ننتظر به ريب المنون وحوادث الدهر ، فإنهم كانوا يجتمعون ويتشاورون في دعوة محمد وأثرها وخطرها ، وتكثر آراؤهم ثم ينتهى المجلس في أغلب الأوقات ، على أن محمدا شاعر ، من الخير أن ننتظر عليه ونصبر وسيهلك كما هلك زهير والنابغة وغيرهما ؛ قل لهم : تربصوا فإنى معكم من المتربصين أتربص هلاككم ونجاح دعوتي ؛ عجبا لهؤلاء! أتأمرهم أحلامهم بهذا التناقض في قولهم حتى قالوا مرة إنه كاهن ، وأخرى إنه مجنون ، وثالثة إنه شاعر! ما هذا؟ أيجتمع في رجل واحد الشعر والكهانة والجنون؟!!

بل هم قوم طاغون؟ نعم هم قوم أعمت بصيرتهم الضلالة ، وأضلهم العناد وسوء التقليد حتى ختم على قلوبهم ، وجعل على أبصارهم وأسماعهم غشاوة ، فمن يهديهم بعد هذا؟

__________________

١ ـ فالعين مجاز عن الحفظ.

٢ ـ أم التي ذكرت هنا في خمسة عشر موضعا هي بمعنى بل والهمزة ، أما بل فللإضراب الانتقالى والهمزة للإنكار والتقريع والتوبيخ بمعنى ما كان ينبغي أن يحصل ، أو بمعنى ما حصل هذا.

٥٥٠

بل أيقولون تقوله وافتراه من عنده؟ بل هم قوم لا يؤمنون بحال من الأحوال ، وكيف هذا؟ أليس محمد واحدا منكم ونشأ في بيئتكم ، وتربى في مجتمعكم فهل يعقل أن يأتى بهذا القرآن المعجز؟ إذا كان صحيحا ما تقولون فهاتوا حديثا مثل حديثه ، أى : قرآنا مثل قرآنه إن كنتم صادقين. (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ) كيف تكذبون محمدا رسول الله في التوحيد والرسالة والبعث ، وهذا الكون شاهد عدل على ذلك .. أما خلقتم؟ بل أخلقتم من غير شيء أم أنتم الخالقون؟! فأنتم خلقتم أنفسكم فلذلك لا تعبدون الخالق ، ولا تصدقون رسوله ، وتستبعدون خلقه لكم ثانيا في البعث.

بل أخلقوا السموات والأرض؟!! بل لا يوقنون!!

وكيف ينكرون الرسالة لأنها جاءت لمحمد رسول الله من عند ربه الذي خلقه ، وهو أعلم بخلقه ، وهو المتصرف في هذا الكون لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ، بل أعندهم خزائن رزقه ورحمته حتى يرزقوا من يشاءون ، ويقولون : لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم!! بل أهم المسيطرون والأرباب الغالبون؟ لا هذا ولا ذاك ، فالله وحده هو الغنى ، وعنده مفاتح السموات والأرض ، وهو الغالب القادر على كل شيء دون سواه ، وهو أعلم حيث يجعل رسالته.

ومن الذي أعلمهم بأسرار الكون ونظامه؟ بل ألهم سلّم يرقون به فيستمعون إلى هذه الأخبار؟ وإذا كان هذا صحيحا فليأت مستمعهم بحجة واضحة ودليل قوى على ما يقول.

عجبا لكم تجعلون لله البنات ولكم البنين! بل أله البنات حيث تقولون : إن الملائكة بنات الله ، وتجعلون لكم البنين مع أنه إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودّا وهو كظيم ، فإذا كان لا يرضى بشيء لنفسه فكيف يرضاه الله؟

عجبا لهؤلاء كيف يكذبون رسالتك ولا يتبعون شرعك مع قيام الشواهد على صدقك ، بل أتسألهم أجرا على هذا؟ فهم مثقلون بتلك الغرامة ، منكرون لها ، بل أعندهم علم الغيب فهم يكتبون منه ويخبرون به الناس؟ فإن العقل لا يرى أى دليل على صدق دعواهم الباطلة.

بل أيريدون كيدا بك وبشرعك؟ فالذين كفروا هم المكيدون الذين يحيق بهم المكر السيئ ، ويعود عليهم وباله ، وقد حصل هذا.

٥٥١

بل ألهم إله غير الله يعينهم ويحرسهم ويملى عليهم تلك الأباطيل؟! سبحان الله وتعالى عما يشركون!!

هؤلاء الناس قد ناقشهم القرآن نقاشا معقولا ، وأقام عليهم الحجة ، وألزمهم البرهان ومع هذا فهم لا يؤمنون ، وإن يروا قطعة عظيمة من السماء ساقطة ليعذبهم يقولوا من فرط عنادهم وطغيانهم : هذا سحاب تراكم بعضه على بعض ، جاء يمطرنا بالخير والبركات ولم يصدقوا أنه سحاب ساقط عليهم من السماء لعذابهم. وهكذا الإنسان المغرور.

وإذا كان الأمر كذلك ، وقد لزمتهم الحجة وظهروا بمظهر المعاند المجادل بالباطل فذرهم غير مكترث بهم ، ولا يهمنك أمرهم حتى يلاقوا يومهم المشهود ، اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون ، يوم الصواعق والشدائد ، اليوم الذي لا يغنى عنهم كيدهم ولا مكرهم شيئا من الإغناء.

وإن للذين ظلموا أنفسهم وغيرهم هؤلاء عذابا دون ذلك يأخذونه في الدنيا ، وليس لهم ما يخفف عنهم أو يسليهم أو يريح ضمائرهم أو يقوى عزائمهم كالمؤمنين المصابين في الدنيا ، إذا لنا العزاء والتسلية والصبر وحسن الأجر ، ورضا الرب الجليل كل ذلك يخفف عنا ما يصيبنا ، ولكن أكثرهم لا يعلمون ذلك.

ما مضى كان في شأن الكفار المعاندين الذين وقفوا من النبي موقف العناد والطغيان لم يسمعوا لحجة ، ولم يلتفتوا لبرهان ، بل ظلوا سادرين في غلوائهم مغرورين بقوتهم وبدنياهم ؛ أما أنت أيها الرسول الكريم فاسمع لنصيحة ربك وأنت خير من يعمل بها واصبر لحكم ربك ، فكل ما يحكم به ويقدر فهو خير ورحمة ، وإن كان فيه ألم وتعب فإنك أيها الرسول في كلاءة ربك وحفظه وعنايته ، والله عاصمك من الناس ومؤيدك ومبلغك ما تصبو إليه نفسك الشريفة ، وما عليك إلا الرضا بالقضاء وأن تسبح ربك حين تقوم لأى عمل من الأعمال ، فسبحه في جوف الليل حيث يسكن الناس وينامون ويبقى الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ، وسبحه في إدبار النجوم ، أى : قبيل الفجر عند مغيبها حيث تصحو النفس نشيطة صافية من الأكدار.

اللهم وفق كل من يعمل لنشر دينك واستقرار دعوتك إلى العمل الصالح باتباع نصائح القرآن ، وتتبع سيرة إمام الأنبياء وخاتم المرسلين.

٥٥٢

سورة النجم

مكية على القول الصحيح ، وعدد آياتها ثنتان وستون آية ، وهي أول سورة أعلنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة.

وتشتمل هذه السورة على إثبات الرسالة وصدق الرسول في أن القرآن من عند الله ، ثم الكلام على الأصناف وبيان أنها أسماء لا مسميات لها ، ثم الكلام على الذات الأقدس ببيان آثاره في الوجود ، وذكر حقائق إسلامية وجد بعضها في الكتب السابقة.

تحقيق أمر الوحى

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١) أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨)

٥٥٣

المفردات :

(وَالنَّجْمِ) : هو النجم المعروف ، والمراد كل ما طلع من النجوم ، وقيل : بل المراد به معين هو الثريا أو زهرة ، وقيل : هو المقدار من القرآن النازل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والله أعلم به. (إِذا هَوى) أى : سقط ، والمراد : غرب أو طلع أو انقض على الشيطان. (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ) : ما عدل عن طريق الحق إلى طريق الباطل والإثم ، والمراد بالصاحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (وَما غَوى) الغي : هو الجهل مع الاعتقاد الفاسد ، أى : هو الجهل المركب. (شَدِيدُ الْقُوى) أى : صاحب القوى الشديد ، وهو جبريل ـ عليه‌السلام ـ. (ذُو مِرَّةٍ) : ذو حصافة في العقل ، واستحكام في المنطق ، وأصل المعنى مأخوذ من قولهم : أمررت الحبل : إذا أحكمت فتله ، فالمرة تدل على المرة بعد المرة ، ولا شك أنها تدل على زيادة القوى. (فَاسْتَوى) : استقام على صورته الحقيقية التي خلق عليها ، فالاستواء بمعنى اعتدال الشيء في ذاته الذي هو ضد الاعوجاج ، وعليه : استوى الثمر إذا نضج. (بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) أى : الجهة العليا من السماء المقابلة للناظر. (دَنا) : قرب. (فَتَدَلَّى) : فتعلق في الهواء. (قابَ قَوْسَيْنِ) : قد جاء التقدير بالقوس كالذراع والشبر والرمح ، والقاب : المقدار أيضا ، والمراد به هنا مقدار ما بين مقبض القوس وسيتها ـ ما عطف من طرفيها ـ وعلى ذلك فلكل قوس قابان لأن له طرفين ، وعلى ذلك ففي الكلام قلب ، والمراد : قابى قوس ، وبعضهم نقل أنه يجوز أن تقول : قاب قوسين. وقابى قوس ، وبعضهم فسر القاب : أنه المقدار الذي بين المقبض والوتر ، والعرب كانت عند الاتفاق تأتى بقوسين وتجعلهما في وضع واحد ثم ترمى بهما دفعة واحدة إشارة إلى تمام الاتفاق ونهاية القرب والالتصاق ، وعلى ذلك فيكون قاب واحد لقوسين ، وعن ابن عباس : القوس : ذراع يقاس به ، أى : مقدار ذراع ، وعلى الجملة فالمعنى اللفظي : فكان مقدار مسافة قربه منه مثل مقدار مسافة قاب قوسين.

(أَوْ أَدْنى) : أو أقرب من ذلك. (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) أتكذبونه فتجادلونه على ما يراه معاينة ، وهذا مأخوذ من المراء ، الذي هو مشتق من مرى الناقة إذا مسح ضرعها وظهرها ليخرج لبنها ، شبه به الجدال لأن كلا من المتجادلين يحاول

٥٥٤

إبراز ما عند صاحبه ليلزمه الحجة. (نَزْلَةً) : مرة أخرى. (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) : مكان في السماء الله أعلم به. (جَنَّةُ الْمَأْوى) : الجنة التي تأوى إليها أرواح المؤمنين. (يَغْشَى) : من الغشيان بمعنى التغطية والستر. (ما زاغَ الْبَصَرُ) : ما مال البصر. (ما طَغى) : ما تجاوز حده المرسوم له.

يقول العلامة الفخر في تفسيره ـ أجزل الله مثوبته ـ (باختصار) : السور التي تقدمت وافتتحها الله بالقسم بالأسماء دون الحروف هي : والصافات ، والذاريات ، والطور ، وهذه السورة ، والأولى أقسم فيها لإثبات الوحدانية له ، وفي الثانية لإثبات الحشر ووقوعه والثالثة لإثبات دوام العقاب والعذاب يوم الساعة كما قال : إن عذاب ربك لواقع ، وفي هذه السورة أقسم لإثبات النبوة لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبذلك تكمل أصول الدين الثلاثة ، ويلاحظ أن القسم على إثبات التوحيد وإثبات رسالة محمد قليل وقوعه في القرآن ، والقسم على إثبات البعث كثير ، ألا ترى إلى سورة الذاريات والطور ، والليل إذا يغشى ، والشمس وضحاها ، والسماء ذات البروج إلى غير ذلك مما سيأتى ، ولعل هذا لأن دلائل التوحيد وإثبات الرسالة ظاهرة وآياتها في الكون وفي معجزات الرسول واضحة ، أما البعث فإمكانه بالعقل ، ووقوعه بالفعل لا يمكن ثبوته إلا بالدلائل السمعية ، أى : القرآن والحديث ، لذا أكثر الله في القرآن من القسم عليه ليؤمن به الناس.

المعنى :

أقسم الحق ـ تبارك وتعالى ـ بجنس النجم الصادق بالثريا وغيرها إذا هوى (١) أى : غرب أو طلع أو انقض على الشياطين المسترقة للسمع ، وقيل : إنه أقسم به على أنه جزء من القرآن نازل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي القسم بالنجم الذي شأنه أن يهتدى به السارى إشارة إلى أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم علم الاهتداء ، ومنارة الوصول إلى خير الدنيا والآخرة ؛ والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم عن طريق الحق ولا عدل عن الصراط المستقيم الذي هو مسلك الآخرة ، وما غوى في اعتقاد فاسد أبدا ، وهو صاحبكم ، وأنتم أدرى الناس به ، وما ينطق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما يصدر عنه من قول أو فعل أتاكم به من جهته ـ سبحانه وتعالى ـ

__________________

(١) ظرف لأقسم المقدر ، وقد تجردت إذا من الزمان المستقبل ، وأريد بها مطلق زمان.

٥٥٥

كالقرآن مثلا ، أى : ما صدر عنه ذلك عن هوى نفسه ورأيه ، إن هو ـ أى : القرآن ـ إلا وحى من الله ـ عزوجل ـ يوحى به إليه (١).

علم النّبىّ جبريل ـ عليه‌السلام ـ الذي هو شديد القوى ، علمه القرآن ، ولا عجب في ذلك فقد قلع قرى قوم لوط ، وصاح بقوم صالح فأصبحوا جاثمين ، وكان هبوطه على الأنبياء في لمح البصر ، وهو القادر بأمر الله على التشكل بأشكال مختلفة ، وهو ذو مرة ، أى : صاحب حكمة وحصافة في العقل ، وبعد في النظر ، فالله قد وصفه بقوة الجسم وقوة العقل والرأى.

فهل رآه النبي على صورته الحقيقية؟ فقيل في الجواب : نعم رآه فاستوى واستقام على صورته الحقيقية التي خلقه الله تعالى عليها ؛ له ستمائة جناح كل جناح منها يسد الأفق على ما روى ، رآه والحال أن جبريل بالأفق الأعلى ، وفي المروي أن ذلك في أول البعثة ، ثم قرب جبريل من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتدلى ، أى : كان معلقا في الهواء ، فكان قريبا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمقدار قابى قوسين أو أقرب من ذلك ، وأو للشك من جهة العباد لا من الله سبحانه ، أى : من يراه يظن أنه كذلك أو أقرب.

فأوحى جبريل إلى عبد الله (٢) ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من القرآن ما أوحى ، وفي الصورة الحقيقية أو غيرها ما كذب فؤاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما رآه ببصره ، أى : لم يقل بقلبه لما رآه ببصره : لم أعرفك فيكون كذبه.

ويقول العلامة الآلوسي نقلا عن الكشف : إن هذه الآيات سيقت لتحقيق أمر الوحى ، ونفى الشبهة والشك فيه ليتأكد الكل أن هذا الوحى ليس من الشعر ولا من الكهانة ، فليس للشيطان ولا للجن أى قدرة على تصورهم للنبي في صورة جبريل الحقيقة أو غيرها لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عرفه بقلبه وبصره ، ورآه في حالاته المتعددة ، ومن ثم لم يكن من المعقول أن يشتبه عليه ، انظر إلى قوله : فاستوى ، ثم إلى قوله : ثم دنا فتدلى ، فأوحى ، ما كذب الفؤاد ما رأى ، ومن هنا كان ترتيب قوله تعالى : أفتمارونه

__________________

(١) هذه الجملة واقعة في جواب سؤال مقدر نشأ بعد قوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) ، لذلك فصلت وجملة يوحى وصف لوحى لدفع المجاز وتأكيد الإيحاء.

(٢) نعم هو عبد الله فقط ، وما كان عبدا لأى كائن في الدنيا! وكيف يكون غير ذلك!!

٥٥٦

على ما مضى ترتيبا إلهيا ، وكفى!! أى : أبعد ذلك تكذبونه في دعواه فتجادلونه على ما يرى ويعتقد ويحدثكم به.

وتالله لقد رأى جبريل مرة أخرى في السماء عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ، ما زاغ البصر وما طغى ، نعم لقد رأى النبي جبريل على حقيقته مرة أخرى في هذا المكان من السماء عند جنة المأوى وقت أن يغشاها ما يغشى ، وما زاغ بصره أبدا وما تجاوز حده المرسوم ، وقد كان ذلك في المعراج ، لقد رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك الوقت وهذا المكان الآيات الكبرى من آيات ربه ، وآيات الله الكبرى ليلة المعراج لا تحصى ، ولذا قيل : إن المعنى : لقد رأى بعض آيات ربه الكبرى ساعتها ، سرنا في التفسير على أن الرؤية من النبي لجبريل ، وبعضهم يراها أنها من النبي إلى الله والله وحده هو العالم بالحقيقة ، وإن كان ظاهر النظم الجليل من الدنو والتدلي ، وقوله : وهو بالأفق الأعلى ، أن ذلك كله كان بين جبريل والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

تلك هي آلهتهم التي لا تغنى عنهم شيئا

أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (٢٣) أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦)

٥٥٧

إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١)

المفردات :

(اللَّاتَ) : اسم صنم كان لثقيف بالطائف ، وقيل : كان لرجل يلت السويق للحاج على حجر فلما مات عبدوا ذلك الحجر إجلالا له وسموه بذلك.

(وَالْعُزَّى) : كانت لغطفان وهي على المشهور شجرة ببطن نخلة ، وهي تأنيث الأعز ، وقيل : كانت ثلاث شجرات. (وَمَناةَ) : صخرة كانت لهذيل وخزاعة ، وقيل : كانت بالكعبة واستظهر بعضهم أن هذه الأصنام الثلاثة كانت بالكعبة.

(ضِيزى) أى : جائرة لا عدل فيها. (مِنْ سُلْطانٍ) : من برهان وحجة قوية.

(الظَّنَ) المراد به هنا : التوهم.

لما ذكر الله ـ سبحانه وتعالى ـ الوحى وصاحبه. بعد القسم بالنجم ، وهذا كله من آثار قدرة الله تعالى ، ومعالم وحدانيته ، عرج على آلهتهم التي لا تسمن ولا تغنى من جوع لعلهم يلتفتون إلى الحق فيتبعوه.

٥٥٨

المعنى :

لما قص الله الأقاصيص العجيبة التي تمثل صدق الوحى وثبوته قال للمشركين موبخا لهم : أفرأيتم ما تعبدون من دون الله؟ أى : أخبرونى عن الآلهة التي تعبدونها من دون الله. هل لها قدرة توصف بها؟ هل أوحت لكم بشيء كما أوحى الله إلى محمد؟ أم هي جمادات لا تعقل ولا تنفع ، وقد ذكر من هذه الأصنام ثلاثة مشهورة ، وكانت معظمة عندهم جميعا ، والظاهر ـ والله أعلم ـ أنها كانت في أماكن متعددة ، أى : بالطائف ومكة وغيرهما ، أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى التي هي غاية في الذم والحقارة؟ ألكم الذكر وله الأنثى؟ وكيف تجعلون لله ما تكرهون من الإناث وتجعلون لأنفسكم ما تحبون من الذكور ، وذلك قولهم : الملائكة بنات الله ، تلك إذا قسمة ضيزى قسمة جائرة غير عادلة ، وهذا ، أى : قوله (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) توبيخ آخر لهم.

ما الأوثان والأصنام التي تدعونها آلهة إلا أسماء محضة ليس فيها شيء من معنى الألوهية لأنها لا تسمع ولا تبصر ، ولا تغنى ولا تنفع ، فما هي إلا أسماء لا مسميات لها ولا حقائق ، تلك أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم من قبل ، ما أنزل الله بها من سلطان ، ولا حجة ولا برهان ، وما حجتهم في ذلك؟ ما يتبعون فيما ذكر من التسمية واتخاذهم الأصنام آلهة إلا العمل بالظن الذي لا يغنى من الحق شيئا ، ولا يتبعون إلا ما تهواه نفوسهم وتشتهيه ، ولقد جاءهم من ربهم الهدى والبيان الرائع ، جاءهم : أن اعبدوا الله وحده ، ولا تشركوا به شيئا ، وأن هذه الأصنام لا تغنى ولا تنفع ، وجاءهم كل هذا في القرآن الحكيم الذي يدعوهم إلى التوحيد بالدليل والبرهان القوى الذي لا يقبل الشك ... أم للإنسان ما تمنى؟ (١) نعم ليس للإنسان شيء مملوك له مما يتمناه ، يتصرف فيه حسب ما يريد ، ومن باب أولى هؤلاء الكفار وأمانيهم الباطلة ، ترى أن الله أضرب عن اتباعهم الظن الذي هو مجرد التوهم وعن اتباعهم هوى النفس الأمارة بالسوء ، وانتقل إلى إنكار أن يتحقق لهم ما يتمنون كأن تنفعهم الأصنام أو تشفع لهم ، ثم علل ذلك بقوله. فلله أمور الآخرة والدنيا فما شاءه كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ثم أكد ذلك

__________________

(١) هي أم المنقطعة بمعنى بل الإضرابية وهمزة الاستفهام التي للإنكار.

٥٥٩

وزاد في بطلان شفاعة الأصنام لهم يوم القيامة فقال : وكثير من الملائكة ، في السموات لا تغنى شفاعتهم ولا تنفع إلا بعد إذن الله لمن يشاء ، والله لا يأذن إلا للمقربين من خلقه ، فكيف تشفع الأصنام ؛ إن هؤلاء الناس الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ليسمون الملائكة تسمية الأنثى بقولهم : إن الملائكة بنات الله فجعلوهم إناثا ، وسموهم بنات ومن أين لهم هذا؟ أعندهم علم بذلك؟ أم لهم كتاب يدرسون فيه هذا ، بل هم لا علم لهم أبدا ، وما يتبعون إلا الظن الذي لا يبنى على أساس بل على مجرد الوهم ، ولا شك أن هذا الظن في مثل هذه المسائل لا يغنى من الحق شيئا من الإغناء ، وإذا كان الأمر كذلك فأعرض عمن أعرض عن ذكرنا ، ولم يستمع لكلامنا ، أعرض عن هؤلاء ، ولا تأبه بهم ، ولا تجادلهم ، فهؤلاء قصروا نظرهم على الدنيا ، ولم يفكروا فيما بعد الموت ، فشغلتهم الدنيا عن الآخرة ، ذلك (١) ـ والإشارة إلى التولي عن الآخرة وقصر النظر على الدنيا ـ مبلغهم من العلم ، فأعرض عن هؤلاء لأن الله أعلم بمن ضل عن سبيله ، وركب رأسه وهو أعلم بمن اهتدى ، وسيجازى كلا على عمله وها هي ذي آثار قدرته الكاملة (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) له كل ذلك ملكا وخلقا وعبيدا وتصريفا ، وسيجازى الذين أساءوا بعملهم ، والذين أحسنوا بالمثوبة الحسنى ، وتلك عاقبة أمر الخلق الذين فيهم المحسن والمسيء.

من هم المحسنون

الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢)

__________________

١ ـ والجملة مسوقة لتقرير جهلهم واتباعهم الظن فهي مستأنفة ، وقيل : معترضة بين العلة والمعلل ، أى : بين الأمر بالأعراض وعلته.

٥٦٠