التفسير الواضح

دكتور محمّد محمود حجازي

التفسير الواضح

المؤلف:

دكتور محمّد محمود حجازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١٠
الصفحات: ٩٣٨

فاديتموهم بمال تأخذونه منهم أو برجال أسرى عندهم ، وهو ما يعبر عنه الآن بتبادل الأسرى ، والظاهر ـ والله أعلم ـ أن هذه الآية نزلت بعد غزوة بدر التي عاتب الله النبي فيها على الاستكثار من الأسارى يومئذ ليأخذ منهم الفداء (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [سورة الأنفال آية ٦٧].

وعلماء الأحناف يرون أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة ٥] وعند الأكثرين أنها ليست بمنسوخة والإمام مخير بين المن على الأسير ومفاداته فقط ، ولا يجوز له قتله بعد المعركة وانتهائها فالإمام عقب المعركة مخير بين الأسر أو القتل ، فإذا أسر له أن يمن أو يفادى ، وليس له القتل.

وعلماء الشافعية يقولون : إن الإمام مخير بين أربعة خصال ، يختار الأحسن منها للإسلام والمسلمين ، فله أن يقتل الأسير إن لم يسلم ، أو يمن عليه بلا مقابل ، أو يفاديه بمال أو بفك أسير عندهم منا ، أو استرقاقه ، وقد استدلوا على ذلك بأن النبي من على أبى عزة الجمحي ، وعلى ثمامة بن أتاك ، وفدى رجلا برجلين من المشركين ، وأمر بقتل بعضهم ، كالنضر بن الحارث ، وعقبة بن أبى معيط ، وذلك كله ثابت في كتب التاريخ والسير والسنة.

وهذه الأحكام كلها جارية معهم حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم وعودة البشرية إلى حالة الهدوء والطمأنينة والحرية الكاملة ، وهذا ما ينشده الأئمة والمصلحون ، أما تحققه فهو موكول إلى الله ، وهذا معنى قوله : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) (١) الأمر ذلك فاعرفوه ، ولو شاء الله لانتصر لكم بإهلاكهم بعذاب من عنده لا جهاد لكم فيه ، ولكن مضت سنته وشاءت قدرته أن يجعل سعادة الدنيا والآخرة للناس بأعمالهم وجهادهم ، وذلك ليمحص الله الذين اتقوا ويعلم علم ظهور المنافقين من غيرهم.

والذين قتلوا في سبيل الله ، واستشهدوا في سبيل الدفاع عن الحق ونصرته فلن يضل أعمالهم ، بل سيجازيهم عليها أحسن الجزاء : سيهديهم ويصلح حالهم (٢) ، ويدخلهم

__________________

١ ـ في هذه العبارة مجاز في الإسناد ، والمراد حتى تضع أهل الحرب ، ومجاز في الحرب أطلق وضع آلة القتال وأراد تركه.

٢ ـ الجملة واقعة موقع البيان مما قبلها ولذا فصلت.

٤٦١

الجنة التي عرفها لهم ، ووصف لهم نوع نعيمها الدائم المقيم ، ثم إنه تعالى لما بين ثواب القتال ، وجزاء الاستشهاد ، وعدهم بالنصر في الدنيا زيادة في الحث على القتال فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) (١) على أعدائكم مهما كانوا ؛ فالله يدافع عن الذين آمنوا والله يثبت أقدامكم في الحرب ، ويقوى روحكم المعنوية تقوية بها تخوضون غمار الحرب فائزين منتصرين ، وقد حصل ذلك مع النبي وصحبه ، والذين كفروا فتعسوا تعسا وهلكوا هلاكا وأضل الله أعمالهم ، وأبطل كيدهم ، ورده في نحورهم ، ذلك كله بسبب أنهم كرهوا ما أنزل الله من القرآن والتوحيد والدعوة إلى مكارم الأخلاق ، فكان جزاؤهم أن أحبط الله أعمالهم ، ووجه كراهتهم للدين الجديد أنه جاء بتكاليف وهم قوم ألفوا الإهمال وإطلاق العنان للنفس والهوى ، فلما جاء القرآن بالتكليف وترك الملذات كرهوه.

المؤمنون والكافرون في الدنيا والآخرة

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤)

__________________

١ ـ سورة محمد آية ٧.

٤٦٢

المفردات :

(دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) يقال : دمره الله : أهلكه ، ودمر الله عليه : أهلك ما يختص به من المال والنفس ، والعبارة الثانية أبلغ. (مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) : ناصرهم ومتولى أمورهم. (مَثْوىً لَهُمْ) : محل إقامة ، يقال : ثوى بالمكان : أقام به. (وَكَأَيِّنْ) : بمعنى كم من قرية ، والمراد كثير من القرى. (بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) : على حجة وبرهان ، والمراد أنه يسير على هدى القرآن.

المعنى :

أقعدوا فلم يسيروا في الأرض فينظروا نظر اعتبار بقلوبهم كيف كان عاقبة الذين من قبلهم من الأمم التي كذبت رسلها كقوم عاد وثمود وأصحاب القرية وقوم لوط فإن آثار ديارهم تنبئ عن أخبارهم! وكأن سائلا سأل وقال : كيف كان عاقبتهم؟ فأجاب الحق ـ تبارك وتعالى ـ : دمر الله عليهم ، وأهلك كل ما يختص بهم من النفس والمال والأهل والولد ، ولم يبق إلا آثارهم الشاهدة عليهم.

وللكافرين المشركين من قريش أمثال عقوبتهم ، وقد قتلوا وأسروا يوم بدر بأيدى من كانوا يسومونهم سوء العذاب ، هؤلاء هم الكفار ، وهذا عذابهم في الدنيا ، ولا غرابة في ذلك ، فالله مولى الذين آمنوا ينصرهم ويهديهم ويرشدهم إلى ما فيه خيرهم ، والكافرون لا مولى لهم ينصرهم من آلهتهم وشركائهم الذين عبدوهم من دون الله.

وأما حالهم في الآخرة : فاعلم أن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار لهم فيها نعيم مقيم ، والذين كفروا في الدنيا يتمتعون بمتاعها الفاني أياما قليلة ، ويأكلون أكلا كأكل الأنعام أكلا مجردا عن التفكير والنظر إلى عواقب الأمور ، فهم يأكلون غافلين عن الآخرة والحال أن النار مثوى لهم.

فانظر إلى من عرفوا الدنيا على أنها خيال باطل ونعيم زائل ، فتركوا الشهوات وتفرغوا لعمل الصالحات ، فكانت عاقبتهم النعيم المقيم في مقام كريم ، وهؤلاء الكفار

٤٦٣

غفلوا عن الآخرة ، وغرتهم الدنيا بمفاخرها الكاذبة ، فتمتعوا بشهواتهم ، وكانت عاقبة أمرهم خسرا ، وكانت النار مثوى لهم.

وكم من أهل قرية هم أشد قوة من أهل قريتك الذين أخرجوك أهلكناهم (١) بعذاب بئيس ، ولم يستطيعوا الخلاص منه بأنفسهم ، ولم يكن لهم ناصر ينصرهم من أوليائهم وأصنامهم «فلا ناصر لهم» وعلى ذلك فاصبر كما صبرت الرسل من قبلك : وهذا تقرير لتباين حال الفريقين المؤمنين والكافرين ، وبيان لسبب الحكم على كل منهما (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) (٢) والمعنى : أيستوى الفريقان؟ فمن كان ثابتا على حجة ظاهرة ، وبرهان واضح من ربه الذي تولى تربيته ، وهذا البرهان وتلك الحجة هي القرآن الكريم ، وسائر المعجزات والحجج العقلية الأخرى كمن يزين له الشيطان عمله السيئ من الشرك وسائر المعاصي ، واتبع هواه الداعي إلى الشر من غير أن يكون له شبهة أو حجة؟! أيعقل أن يستوي هذا وذاك؟!.

مثل النعيم والعذاب الأليم يوم القيامة

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥)

__________________

١ ـ كأين بمعنى كم الخبرية وهي مبتدأ ومن قرية تمييز لها وقوله أهلكناهم خبر.

٢ ـ الاستفهام في قوله : أفمن استفهام إنكارى ، والفاء عاطفة على محذوف تقديره أيستوى الفريقان فمن كان.

٤٦٤

المفردات :

(غَيْرِ آسِنٍ) : غير متغير الرائحة لطول مكثه ، وهو من أسن الماء يأسن إذا تغيرت رائحته. (لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) أى : لذيذة لهم ليس فيها ما يسوؤهم. (مُصَفًّى) أى : خال من الشمع والقذى. (حَمِيماً) : ماء حارا شديد الغليان. (أَمْعاءَهُمْ) : جمع معى وهي ما ينتقل إليه الطعام بعد المعدة ، وينتهى به إلى الشرج ـ فتحة الدبر ـ

المعنى :

وهذا بيان الحال فريقى المؤمنين والكافرين في الآخرة مع توضيح الجنة وما بها ، والنار وما فيها ، بعد بيان حالهما في الاهتداء والضلال ؛ صفة الجنة التي وعد المتقون بها ، صفاتها الغريبة التي تشبه المثل ما تسمعون : فيها أنهار من ماء غير آسن ، أى : غير متغير الطعم والريح واللون لطول المكث بل ماؤها عذب فرات ، من شربه لا يظمأ أبدا ، وفيها أنهار من لبن صابح لم يتغير طعمه بحموضة كلبن الدنيا ، وفيها أنهار من خمر لذيذة لكل من يشربها (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) خمر الجنة ليس فيها حموضة ولا غضاضة ، ولا مرارة ، وليس في شربها ذهاب للعقل ، ولا ضياع للمال ، ولا صداع في الرأس بل هي خمر ليس فيها إلا اللذة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفى ، عسل خال من الشوائب والقذى حتى الشمع الذي يكون معه.

وانظر إلى تعبير القرآن عن بعض الأصناف التي في الجنة وعن كثرتها بأنها أنهار ، وصدق الله : ولكم فيها ما تدعون.

وللمتقين في الجنة المعدة لهم من كل الثمرات أشهاها وأحسنها ، ولهم فيها مغفرة من ربهم ورضوان منه أكبر من كل ذلك ، وذلك هو الفوز العظيم. أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله فرآه حسنا؟! أم من هو في هذا النعيم وتلك الجنة وما فيها كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم؟! لا يستويان بحال!!

يا ويل من هو في النار؟ ويلاقي عذاب الجبار ، ويسقى ماء حميما شديد الغليان إلى درجة أنه يقطع الأمعاء حتى تنزل مع الطعام ، انظر إلى هذا الماء الذي يعطى لهم بدل الأنهار من الماء الزلال ، واللبن الصابح والخمر اللذيذة والعسل المصفى أين هذا من ذاك؟!

٤٦٥

المنافقون والمهتدون

وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩)

المفردات :

(آنِفاً) المراد به : الساعة التي قبل الساعة التي أنت فيها ، أى : ماذا قال قبيل وقتنا أو هو من استأنف الشيء إذا ابتدأه أى : ماذا قال آنفا ، أى : في أول وقت يقرب منا (١). (وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) : ألهمهم ما يتقون به ربهم. (بَغْتَةً) : فجأة. (أَشْراطُها) : جمع شرط وهو العلامة. (ذِكْراهُمْ) : تذكرهم. (مُتَقَلَّبَكُمْ) : تصرفكم واشتغالكم. (مَثْواكُمْ) : سكونكم.

وهذا بيان حال المنافقين ، ومقابلتهم بالمؤمنين المهتدين ، بعد بيان الكفار وتقابلهم بالمؤمنين في الدنيا والآخرة.

__________________

١ ـ وعلى ذلك فهو اسم فاعل لائتنف أو استأنف بعد حذف زوائده ؛ لأن مجرده لم يستعمل ، والذي يقول : إنه الساعة فهو يقصد إلى بيان المعنى لا بيان اللفظ ، وعليه فهو إما حال أو ظرف.

٤٦٦

المعنى :

ومن الناس الذين حقت عليهم كلمة ربك ، وصاروا من أصحاب النار قوم يستمعون إليك بآذانهم ، حتى إذا خرجوا من عندك ، وانتهى مجلسهم معك ، قالوا للذين أوتوا العلم والفهم الصحيح : ماذا قال آنفا؟ ماذا قال في تلك الساعة القريبة؟ لم يقل شيئا يعتد به ، وما قال إلا أخلاطا وأحاديث لا خير فيها.

أولئك هم الذين طبع الله على قلوبهم حتى لا يفقهوا شيئا مما قلت ، وختم عليها حتى لا يدخلها نورك الوضاح ، فهؤلاء تركوا اتباع الحق فأمات الله قلوبهم فلم تفهم ولم تعقل فعند ذلك اتبعوا أهواءهم.

ويقابل هؤلاء ـ والإشارة للتحقير والتوغل في الضلال ـ الذين اهتدوا إلى طريق الحق ، وزادهم الله ـ عزوجل ـ هدى بالتوفيق والإلهام والعمل الصالح ، وآتاهم تقواهم بأن خلق فيهم قدرة على التقوى وفعل الطاعة جازاهم على ذلك.

فهؤلاء الذين طبع الله على قلوبهم فلم يسمعوا الخير ولم يهتدوا به ، هل ينظرون إلا أن تأتيهم الساعة فجأة ، على معنى : هؤلاء لم يتذكروا بأحوال الأمم الخالية ، ولم يتعظوا بما ينزل عليهم من أنباء الساعة وأهوالها. فهم ما ينتظرون إلا إتيان الساعة نفسها بغتة. فقد جاء أشراطها وعلاماتها ، وإذا كان الأمر كذلك فكيف لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة؟ ومن أين لهم التذكر والاتعاظ والتوبة إذا جاءتهم الساعة بغتة؟!

إذا علمت ذلك فاثبت على ما أنت عليه ، ودم على العلم بوحدانية الله والإيمان بالبعث ، واعلم أنه لا إله إلا الله ، فإن ذلك هو النافع المنجى يوم لا ينفع مال ولا بنون.

واستغفر لذنبك ، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والله يعلم تقلبكم في الدنيا وتصرفكم فيها ، ويعلم مكان استقراركم في الآخرة ، وسيثيبكم على ذلك كله فإنه لا تخفى عليه خافية.

أما أمر النبي بالاستغفار فقيل : لتستن به أمته وتقتدى به ؛ فإذا كان هو مأمورا بالاستغفار وهو المعصوم فكيف بنا نحن؟

٤٦٧

وقد روى مسلم عن الأغر المزني قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إنّه ليغان على قلبي ـ الغين : التغطية والستر ، أى : يلبس على قلبي ويغطى ـ حتّى أستغفر الله في اليوم مائة مرّة». وروى البخاري عن أبى هريرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إنى لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرّة».

ولقد عللوا ذلك بأن النبي كان يشتغل فترات من الزمن بأحوال المسلمين فيرى أنه شغل عن الحق ـ تبارك وتعالى ـ فيستغفر الله لذلك ، فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين.

وقد يكون استغفار النبي شكرا لا عن ذنب «أفلا أكون عبدا شكورا» وفي أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالاستغفار للمؤمنين والمؤمنات إكرام لهم وتشريف وتوجيه للاستغفار ، فإنه وصف لازم للمؤمن والمؤمنة.

المؤمنون الصادقون والمنافقون الكاذبون

وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ

٤٦٨

مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢)

المفردات :

(مُحْكَمَةٌ) : لا شبهة فيها ولا غموض ولا تشابه. (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ)(مَرَضٌ) : شك ونفاق. (نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) : نظرا كنظر المحتضر الذي لا يطرف بصره. (فَأَوْلى لَهُمْ) : تلك عبارة تهديد ووعيد ، والمراد قاربهم ما يهلكهم ، على أنها مشتقة من الولي وهو القرب ، أو هي مشتقة من الويل بمعنى الهلاك. (عَزَمَ الْأَمْرُ) : جد ووجب ، والمراد بالأمر القتال.

٤٦٩

(عَسَيْتُمْ) : عسى للتوقع ، وهي هنا من الله فتفيد التحقق. (أَقْفالُها) : جمع قفل.

(سَوَّلَ) : زين لهم خطاياهم. (وَأَمْلى لَهُمْ) : مد لهم في الأمل ووعدهم بطول الأجل. (إِسْرارَهُمْ) أى : سرهم ، وفي قراءة : أسرارهم على أنه جمع سر.

(وَأَدْبارَهُمْ) المراد : ظهورهم. (مَرَضٌ) المرض : فتور في الجسم ، ولا شك أن النفاق فتور في الإيمان ، وعلى ذلك فسمى الله شكهم ونفاقهم مرضا. (أَضْغانَهُمْ) : أحقادهم الدفينة. (بِسِيماهُمْ) : بعلامتهم. (فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) أى : بسببه ، ولحن القول : صرف الكلام عن التصريح إلى التلويح والتعريض. (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) : نعاملكم معاملة المختبر بالتكليف بالجهاد. (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) : خالفوه حتى كأنهم في شق وجانب ، وهو في شق وجانب. (وَسَيُحْبِطُ) : سيبطل.

المعنى :

المؤمنون الصادقون حريصون على الجهاد ، تواقون لبذل النفس والنفيس في سبيل إعلاء كلمة الله ، ولذلك يقولون حرصا منهم على الجهاد وثوابه : هلا أنزلت سورة يؤمر فيها بالجهاد!

هؤلاء هم المؤمنون يتمنون أن تنزل سورة وفيها الأمر بالجهاد ، أما المنافقون فإذا أنزلت سورة محكمة ، لا شبهة فيها ولا خفاء ، وذكر فيها القتال على أنه فرض واجب على المسلمين رأيت ، ويا هول ما رأيت!

رأيت الذين في قلوبهم مرض الشك ، ينظرون إليك نظرا كنظر المحتضر الذي لا يطرف بصره ، تراهم تشخص أبصارهم إليك جبنا وهلعا ، أو من شدة العداوة لك ، أو من خوف الفضيحة الفاضحة لهم ، وما أروع تصوير القرآن لهم حيث قال : (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) فأولى لهم. ثم أولى لهم (١)! وهذا تهديد لهم ووعيد بقرب هلاكهم ، وحصول الويل لهم.

__________________

١ ـ أولى لهم مبتدأ وخبر.

٤٧٠

طاعة وقول معروف خير لهم وأولى بهم (١) وقيل المعنى : أولى بهم من النظر إليك نظر المغشى عليه من الموت طاعة وقول معروف (٢).

فإذا عزم الأمر وجد الجد ، فلو صدقوا الله في نيتهم وأخلصوا العمل لكان (٣) خيرا لهم وأفضل من نفاقهم وكذبهم ، فإن وبال ذلك عليهم وحدهم.

فهل يتوقع منكم إن توليتم عن الحق ، وأعرضتم عن القرآن أن تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ، وتقطعوا الأرحام؟ وهذا التوقع والاستفهام إنما يكون مع غير الله من كل إنسان يقف على أمور المنافقين ، ويعرف إسرارهم على حقيقته ، والتوقع من الله إنما هو إخبار عن شيء حاصل قطعا وعلى ذلك فمعنى الآية : هؤلاء المنافقون ضعاف في الدين شديد والحرص على الدنيا بشكل ظاهر ، فهم جديرون بأن يتوقع منهم الإفساد لا الإصلاح وتقطيع الأرحام لا صلتها ، كل إنسان عرف حالهم ويقول لهم : فهل عسيتم ...؟ والمراد بإفسادهم وتقطيع الأرحام أنهم يعودون إلى الجاهلية الجهلاء والضلالة العمياء التي كانوا فيها ، يعودون إليها بعد أن رأوا نور الهدى على يد خير الخلق ، وبين سطور القرآن الكريم ، فهل يفهم المسلمون الآن أنهم تولوا عن القرآن وأعرضوا عن الدين فأفسدوا في الأرض الفساد ، وقطعوا وشائج الأرحام فصب عليهم ربك سوط عذاب حتى وصلوا إلى ما وصلوا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله!!!

أولئك الذين لعنهم الله وأبعدهم عن رحمته ، فأصمهم عن الحق فلم يسمعوه وأعمى أبصارهم عن النور فلم يروه.

أفلا يتدبرون القرآن ، وما فيه من مواعظ وزواجر؟ حتى لا يقعوا فيما وقعوا فيه من الموبقات؟!

بل أعلى قلوب أقفالها؟ حتى لا يمكن التدبر والاتعاظ بها ، وهم كذلك.

__________________

١ ـ وعلى ذلك فطاعة مبتدأ وخبره محذوف تقديره خير لهم.

٢ ـ وعلى ذلك فأولى مبتدأ ولهم متعلق به على أن اللام بمعنى الباء وطاعة خبر.

٣ ـ جواب الشرط (إذا) قوله : فلو صدقوا الله ، ولا يضر اقترانه بالفاء ، وجواب (لو) قوله : لكان.

٤٧١

إن الذين ارتدوا على أدبارهم ، وكفروا بعد إيمانهم ، كل ذلك من بعد ما تبين لهم الهدى ، وظهر لهم الحق جليا ، إن الذين وصفوا بهذا : الشيطان سول لهم وزين خطاياهم «وأملى لهم ، أى : مد لهم في الأمل» ، ووعدهم بطول العمر ومد الأجل ، هذا الكلام قيل : إنه في أهل الكتاب ، والظاهر أنه في المنافقين ، والكلام موصول فيهم لا مقطوع بدليل قوله : ذلك الارتداد والكفر بعد الإيمان بسبب أنهم قالوا : أى المنافقون الذين كرهوا ما أنزل الله ، وهم بنو قريظة والنضير من يهود المدينة قالوا لهم : سنطيعكم في بعض الأمر (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ : لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ، وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً ، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) [سورة الحشر آية ١١] والله يعلم إسرارهم وإخفاءهم.

فكيف حالهم؟ إذا توفتهم الملائكة ظالمي أنفسهم (١) حالة كون الملائكة تضرب وجوههم وأدبارهم ، وضرب الوجه والظهر في حالة الحرب مما يتقيه الكريم ، فهم تجنبوا ذلك في الدنيا فضربوا عليها في الآخرة ، وذلك كله بسبب أنهم اتبعوا ما أسخط الله من الكفر والمعاصي وكرهوا رضوانه وطاعاته ، فأحبط أعمالهم ، وأبطل كيدهم ، بل أحسب الذين في قلوبهم مرض النفاق أن لن يخرج الله أضغانهم ، ويظهر حقدهم وحسدهم المدفون؟ لا تظنوا هذا فالله عالم يعلم الغيب والشهادة ، وهو العليم بذات الصدور.

ولو يشاء ربك يا محمد أن تراهم وتعرفهم لعرفك إياهم ، فلتعرفنهم (٢) بعلامتهم الدالة عليهم ، ولتعرفنهم بسبب لحن القول وفحواه.

والمعنى : إنك يا محمد لتعرفن المنافقين فيما يعرضونه عليك من القول ولحنه ، فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا عرفه بقوله ، واستدل بفحوى كلامه على فساد باطنه ، وضعف إيمانه ونفاقه ، ولا غرابة فالله يعلم أعمالكم الظاهرة والخافية.

__________________

١ ـ الفاء فاء التفريع لترتب ما بعدها على ما قبلها ، وكيف خبر لمبتدأ محذوف وتقديره حالهم.

٢ ـ الفاء هنا فاء تفريع لمعرفته صلى‌الله‌عليه‌وسلم على تعريف الله عزوجل واللام بعدها كاللام في لأريناكهم واقعة في جواب لو ، واللام في «ولتعرفنهم» جواب قسم محذوف.

٤٧٢

وبالله لنبلونكم ونعاملنكم معاملة المختبر بأمركم بالجهاد في سبيل الله وغيره حتى نعلم علم ظهور وانكشاف ، ويعلم الكل حقيقة حالكم.

إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله بالقول أو الفعل أو إذاعة السوء وتحريف الأخبار ، وتحريف الكلم من بعد مواضعه ، إن الذين فعلوا ذلك وشاقوا الرسول وخالفوه من بعد ما تبين لهم الهدى : فوصف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عندهم ظاهر في كتبهم قبل تحريفها ، وكانوا يستفتحون النبي على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ، والمنافقون قوم آمنوا ثم كفروا ، وخالفوا بعد ما اهتدوا ، هؤلاء لن يضروا الله شيئا ، وسيحبط أعمالهم ، ويبطل مكرهم ، ولا يثيبهم الله يوم القيامة على أعمالهم التي يظنونها خيرا.

ختام السورة

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨)

٤٧٣

المفردات :

(فَلا تَهِنُوا) أى : فلا تضعفوا. (السَّلْمِ) : هو السلام والمصالحة.

(يَتِرَكُمْ) قال الزمخشري في تفسيره ـ على أنه من أئمة اللغة ـ : وحقيقته : أفردته من قريبه أو ماله من الوتر وهو الفرد ، فشبه إضاعة عمل العامل وتعطيل ثوابه بوتر الواتر وهو من فصيح الكلام ، وقال أبو عبيدة والمبرد : هذا اللفظ مأخوذ من : وترت الرجل : إذا قتلت له قتيلا من ولد أو أخذ حميم ، أو سلبته ماله وذهبت به ، والمراد باللفظ في الآية : لن يظلمكم ، أو لن ينقصكم ، أو لن يضيع عليكم شيئا من أعمالكم. (لَعِبٌ وَلَهْوٌ) المراد : باطل وغرور وليس فيه خير. (فَيُحْفِكُمْ) الإحفاء : المبالغة في الطلب. (أَضْغانَكُمْ) : أحقادكم.

بعد بيان أحوال الكفار والمنافقين ، في الدنيا والآخرة أمر المؤمنين بطاعة الله ورسوله ، وحثهم على الجهاد والبذل ، وكره إليهم الدنيا ، وهددهم إن لم يؤمنوا أن يستبدل قوما غيرهم ثم لا يكونوا أمثالهم.

المعنى :

يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله : أطيعوا الله وأطيعوا رسوله في كل أمر ونهى ؛ فها أنتم أولاء قد رأيتم من يشاقق الرسول وعاقبته ، وإياكم أن تبطلوا أعمالكم الصالحة بالمن والأذى ، ولا تحبطوها بالكفر والعصيان ، أو بالسمعة والرياء ، أو بالشك والنفاق ، أو بالعجب والتكبر ؛ فإن ذلك كله يبطل صالح الأعمال : واعلموا أن الذين كفروا بالله ورسوله ، وصدوا عن سبيل الله أنفسهم وغيرهم ، ثم ماتوا وهم كفار ، فلن يغفر الله لهم. قيل نزلت هذه الآية في أهل القليب ، وهم المشركون الذين ماتوا في غزوة بدر ، وحكمها عام في من مات على الكفر.

إذا علمتم وجوب الجهاد وتأكده ، وأن الله مع المؤمنين بالنصر والتأييد ، وأن الله أوعد الكافرين بالخذلان والهلاك. إذا علمتم ذلك فلا تهنوا في ابتغاء القوم ، ولا تضعفوا ، إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وأكثر. والوهن : حب الدنيا وكراهية الموت ، فإياكم والوهن والخضوع للكفار وطلب الصلح إذا لقيتموهم ، والحال

٤٧٤

أنكم الأعلون ، فجهادكم في سبيل الله ستثابون عليه ثوابا جزيلا ، وحربهم في سبيل الشيطان سيلقون به عذابا شديدا ، وأنتم الأعلون ؛ فمقصدكم إعلاء كلمة الله وإحباط كيد الشيطان ، والله معكم بالنصر والتأييد ، والمعونة والمثوبة ، ومن كان معه الله فلا يضره شيء بعد هذا ، وكفاكم شرفا وفخرا وتأييدا أن الله معكم ، ولن ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا ، ولا تنسوا أن قتلاكم شهداء في الجنة ، وقتلاهم في سعير جهنم.

واعلموا أن الدنيا لعب ولهو ، وزينة وتفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد ، وهذا كله باطل إلا ما كان منها في عبادة الله ـ عزوجل ـ وطاعته ، وإذا كان الأمر كذلك فيجب ألا تشغلكم الدنيا عن الآخرة والفوز بلذائذها الفاخرة ، فالآخرة خير وبقي ؛ وإن تؤمنوا وتتقوا أيها الناس يؤتكم أجوركم ، ولا يسألكم أموالكم كلها : إنما يسألكم قليلا من المال هو في الواقع تحصين لكم ولمالكم ، وإنما أنتم في الواقع خلفاء لله في ماله ، فأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ، إن يسألكموها فيحفكم ويبالغ في طلبها كلها تبخلوا ولا تقرضوه قرضا حسنا تثابون عليه ، ويخرج هذا أضغانكم وحبكم للمال ، إذ كراهيتكم للإنفاق كراهية طبيعة.

ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله ، فمنكم من يبخل ، ومن يبخل فإنما بخله وعاقبته على نفسه وحده ، والله الغنى عن إنفاقكم ، وإنما سبحانه قد ربط أسباب النجاح والفلاح بالإنفاق والجهاد في سبيل الله والله الغنى وأنتم الفقراء إليه.

وإن تتولوا وتعرضوا يستبدل قوما غيركم ، ثم لا يكونوا أمثالكم ، بل يكونوا طائعين مؤمنين عاملين.

٤٧٥

سورة الفتح

وهي مدنية بالإجماع. وعدد آياتها تسع وعشرون آية. ونزلت ليلا بين مكة والمدينة في شأن صلح الحديبية.

خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المدينة في ذي القعدة من السنة السادسة معتمرا (زائرا للبيت) لا يريد حربا ، وإنما هو مشتاق إلى رؤية بلده الحبيب ، خرج ومعه حوالى ١٥٠٠ من المهاجرين والأنصار ومن دخل في الإسلام من الأعراب وساق معه الهدى ـ ما يهدى إلى الحرم من النعم ـ وأحرم بالعمرة من (ذي الحليفة) وخرج معه من نسائه أم سلمة ـ رضى الله عنها ـ ولم يكن مع رسول الله وصحبه إلا سلاح المسافر : السيوف في القرب ، فلما أصبح على مرحلتين من مكة لقيه بشر بن سفيان الكعبي قائلا : يا رسول الله هذه قريش علمت بمسيرك فخرجوا ومعهم العوذ المطافيل (النوق ذات اللبن والأولاد) أى : خرجوا عازمين على طول الإقامة ، وقد نزلوا بذي طوى يحلفون بالله لا تدخلها عليهم أبدا. وأخذت الرسل من قبل قريش تفاوض رسول الله وقد أرسل رسول الله في هذه الأثناء إلى قريش عثمان بن عفان يبلغهم قصد رسول الله وأنه لا يريد إلا العمرة ، وفي غيبة عثمان في مكة مفاوضا أشيع أنه قتل ، فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسلمين إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت شجرة الرضوان ، روى سلمة بن الأكوع ـ رضى الله عنه ـ قائلا : بايعناه وبايعه الناس على عدم الفرار ، وأنه إما الفتح وإما الشهادة.

علمت قريش بهذا فأرسلت سهيل بن عمرو لعقد الصلح ، وقد تم ذلك وسمى صلح الحديبية ، وخلاصة شروطه : أن يكف الفريقان عن الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس فلا قتال ولا اعتداء ، على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ، ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يرده عليه ، وأن بين القوم عيبة مكفوفة ، وأن من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده من القبائل دخل فيه. ومن أراد أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه ، وقد سارعت خزاعة فدخلت في عقد محمد وحالفته ، وتواثبت بنو بكر فقالوا : نحن في عهد قريش وعقدهم ؛ هذا على أن المسلمين يرجعون عن مكة

٤٧٦

هذا العام فلا يدخلونها ، وإذا كان العام القابل خرجت قريش من مكة ودخلها المسلمون ثلاثة أيام ، معهم سلاح الراكب : السيوف في القرب.

رجع المسلمون عن مكة بعد الصلح ، وقد كان هذا الصلح مثار اعتراض بعض كبار المسلمين إلا أبا بكر فحينما اعترض عمر بن الخطاب على الصلح قال له : الزم غرزه (أى ركابه وسر مع النبي) يا ابن الخطاب ، وقد أثبتت الأيام أنه كان فتحا جديدا ونصرا مبينا للمسلمين ، ونزلت في شأنه : هذه السورة الكريمة.

صلح الحديبية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً (٣) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٤) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً (٥) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (٧)

٤٧٧

المفردات :

(فَتَحْنا) الفتح : الظفر بالبلد عنوة أو صلحا بحرب أو بغيره ؛ لأنه منغلق ما لم يظفر به ، فإذا ظفر به وحصل في اليد فقد فتح ، مأخوذ هذا المعنى من فتح باب الدار وهذا على أن المراد فتح مكة ، وقيل : هو صلح الحديبية ، والمراد : أوجدنا لك سبب الفتح (١). (عَزِيزاً) : ذا عز لا ذل معه ، أو عزيزا أى : فريدا لا شبيه له. (السَّكِينَةَ) : الطمأنينة. (السَّوْءِ) ساءه يسوءه سوءا ومساءة : نقيض سرّه ، والاسم : السوء ، والمراد : الهزيمة والشر. (دائِرَةُ) وهي في الأصل : عبارة عن الخط المحيط بالمركز ؛ ثم استعملت في الحادثة المحيطة بالإنسان كإحاطة الدائرة بالمركز إلا أن أكثر استعمالها في الشر والمكروه والمراد : دائرة هي السوء.

المعنى :

يخبر الله تعالى عن نفسه بنون العظمة أنه فتح للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتحا عظيما بعقد صلح الحديبية بينه وبين المشركين بمكة ، فقد كانت هذه أول مرة اعترفت فيها قريش بمحمد لا على أنه ثائر خارج ، أو طريد لا يعبأ به ، بل اعتبرت محمدا وصحبه قوة يحسب لها حساب ، ويجب أن يعقد معها صلح ، ثم إن تسليمها بحق الزيارة للمسلمين في العام القابل اعتراف صريح بأن الإسلام دين مقرر معترف به ، وهذه الهدنة قد جعلت المسلمين يأمنون شر عداوة المشركين ألد أعدائهم الخطرين ، ويوجهون عنايتهم لنشر دعوتهم الإسلامية في أرجاء الجزيرة العربية ، ولذا نرى الرسول بعث البعوث وأوفد الرسل لكسرى والمقوقس وهرقل وأمراء الغساسنة وعمال كسرى في اليمن ، وإلى نجاشى الحبشة ، وفيها صفى حسابه مع اليهود ؛ وقد انتشر الإسلام بعد هذا الصلح انتشارا واسعا بسبب تلك الهدنة التي اندفع الدعاة للدين الجديد يشرحون للناس الإسلام حتى دخلوا في دين الله أفواجا ، وها هو ذا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدخل مكة بعدها بعامين اثنين في عشرة آلاف مقاتل.

__________________

١ ـ وعلى ذلك فهو مجاز مرسل من إطلاق السبب على المسبب ، أو هو استعارة تبعية في فتحنا حيث إنه أطلق الفتح وأراد الصلح لعلاقة المشابهة في الظهور والغلبة.

٤٧٨

وقد كان أشد شيء على نفوس المسلمين وخاصة أمثال عمر ـ رضى الله عنه ـ شرطا قبله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخلاصته أن من ارتد من المسلمين قبله المشركون ، ومن جاء من المشركين إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رده النبي ولم يقبله ، وحجة النبي في ذلك أن من ارتد عن الإسلام فلا حاجة لنا به ، ومن جاء مسلما منهم وحاول اللحاق بالمسلمين فليصبر وسيجعل الله له مخرجا.

وقد أثبتت الحوادث أن هذا العهد كله ـ خاصة هذا الشرط الذي ظنه المسلمون مجحفا بهم ـ حكمة سياسية ، وبعد نظر كان له أكبر الأثر في الدعوة الإسلامية. فهذا أبو بصير وقد إلى النبي مسلما ينطبق العهد عليه برده إلى قريش لأنه خرج بغير رأى مولاه ، فقال له النبي حينما طلب إليه الرجوع : يا أبا بصير إنا قد أعطينا لهؤلاء عهدا ولا يصح لنا الغدر ، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا فانطلق إلى قومك ، قال أبو بصير : أتردنى إلى المشركين يفتنونى في ديني؟!

وأخيرا بعد حوار مع مرافقيه نزل في مكان على ساحل البحر الأحمر في طريق قريش إلى الشام ، واجتمع معه جمع من المسلمين الفارين بدينهم ، وأخذوا يقطعون على قريش سبيل تجارتهم حتى ضجوا وطلبوا من النبي بإلحاح أن يجيرهم من هؤلاء ، وأن يبقيهم معه في المدينة ، وسقط بذلك الشرط الذي أقلق عمر وغيره.

أليس هذا فتحا مبينا فتح الله به على المسلمين ، وكان فتحا مبينا ، وفوزا عظيما؟! نعمه هو أعظم الفتوح ؛ فقد رضى المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالراح ـ الراحة ـ ويسألوكم القضية ، ويرغبوا إليكم في الأمان ، ويعاملوكم معاملة الأنداد ؛ وقيل : هو فتح مكة ، ولتحقق وقوعه عبر عنه الله بقوله : فتحنا.

وهل الفتح علة لمغفرة الله لنبيه ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ وقد أجاب العلامة الزمخشري عن ذلك بقوله : لم يجعل علة للمغفرة فحسب ، ولكن لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة ، وهي المغفرة ، وإتمام النعمة ، وهداية الصراط المستقيم ، والنصر العزيز ، كأنه قيل : يسرنا لك فتح مكة ـ هو يرى أن الفتح لمكة ـ ونصرناك على عدوك لنجمع لك بين عز الدارين والجزاء العاجل والآجل ، ويجوز أن يكون الفتح من حيث هو جهاد للعدو سببا للغفران والثواب والهداية للصراط المستقيم ، والنصر العظيم وما تقدم من الذنب وما تأخر المراد به : ما فرط من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو المعصوم عن

٤٧٩

معصية ربه ـ من خلاف الأولى بالنسبة لمقامه فهو من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وقيل : المراد ما هو ذنب في نظره العالي ، وإن لم يكن في الواقع كذلك ، ولعل الإضافة في قوله : (ذنبك) تشير إلى هذا المعنى ، وبعض العلماء يفسر المغفرة للذنب بالستر بينه وبين صاحبه فلا يقع منه ، أو بالستر بين الذنب وبين عقابه ، والمعنى الأول يعامل به المعصومون من الأنبياء ، والثاني يعامل به بقية البشر ، ويتم نعمته عليك بإعلاء الدين وانتشاره ودخول الناس فيه أفواجا ، وما أفاضه عليك ربك من نعم الدنيا والآخرة.

ويريك صراطا مستقيما في تبليغ الرسالة ، وينصرك الله نصرا عزيزا ذا عز ، لا ذل معه ، أو هو عزيز المنال فريد المثال ، والنصر لا يكون إلا من عند الله ، ولذا أظهر لفظ الجلالة معه.

وهذا فضل الله على نبيه ، أما فضل الله على المؤمنين من أصحابه فقال الله فيه : هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ، ووضع فيها الطمأنينة والثبات بعد التزعزع والاضطراب الذي جعل عمر يقول : ألسنا مسلمين؟ ألسنا على الحق؟ فعلام نعطى الدنية في ديننا؟! ، ولكن الله بعد هذا أنزل الطمأنينة في قلوبهم وأثلج صدورهم ببرد اليقين ، وشرحها لما رآه النبي ، وصدقت الأيام رأيه كما مر ، أنزل في قلوبهم السكينة ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ، ويقينا على يقينهم ، ولا غرابة في ذلك فلله جنود السموات والأرض ، وما يعلم جنود ربك إلا هو ، وكان الله عليما كامل العلم بجميع الأمور حكيما كامل الحكمة فلا يضع الشيء إلا في موضعه.

دبر سبحانه ما دبر من تسليط المؤمنين على الكافرين ليعرفوا نعمة الله ـ تعالى ـ في ذلك ويشكروها فيدخلهم الجنة (١) ، ويكفر عنهم سيئاتهم ، وكان ذلك عند الله فوزا عظيما ؛ وفعل ذلك أيضا ليعذب المنافقين والمنافقات لغيظهم من تمام النعمة على المسلمين ، ولا شك أن ازدياد الإيمان بالعمل مما يغيظ المنافقين والمشركين ، ولعل تقديم المنافقين والمنافقات على المشركين والمشركات لأنهم أكثر ضررا على المسلمين ، أعنى بهم

__________________

١ ـ العلة في الحقيقة معرفة النعمة والشكر عليها لكنها لما كانت سببا في دخول الجنة أقيم المسبب ـ دخول الجنة ـ مقام السبب.

٤٨٠