التفسير الواضح - ج ٢

دكتور محمّد محمود حجازي

التفسير الواضح - ج ٢

المؤلف:

دكتور محمّد محمود حجازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١٠
الصفحات: ٨٨٤

وأخفى ، وليعلمن الله الذين آمنوا بقلوبهم وألسنتهم ، وليعلمن المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم ، الثابتين على النفاق الدائمين على المكر والخداع ، وسيجازيهم على ذلك كله (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) (١).

وانظر إلى مدى فتنة الكفار ، وإغراء المسلمين على ترك دينهم!!! وصحائف التاريخ مملوءة بأخبار المعذبين من الصحابة ، وأخبار العتاة المجرمين من زعماء الكفر ، وليتهم وقفوا عند حد الإغراء بالعذاب والتنكيل بالإيذاء البدني بل لما رأوا أنهم لم يفلحوا في ذلك ، وثبت المسلمون ، أو فروا بدينهم إلى الحبشة ، ثم إلى المدينة.

ولما رأوا أن فتنتهم المادية لم تؤت ثمرها أخذوا يفتنونهم بالحيلة والإغراء بكافة الطرق. انظر إليهم وهم يقولون.

وقال الذين كفروا للذين آمنوا : اتبعوا سبيلنا ، وارجعوا إلى ديننا ، ونحن نتحمل عنكم خطاياكم إن كان هناك حساب أو جزاء.

ولقد ثبت أن صناديد قريش كانوا يقولون لمن آمن منهم لا نبعث ولا أنتم ، فإن كان ذلك فإننا نتحمل عنكم الإثم ، وما هم بحاملين من ذنوبهم وآثامهم شيئا ، إذ كل امرئ بما كسب رهين ؛ إن هؤلاء الزعماء لكاذبون في هذا القول ، وليحملن أثقال أنفسهم وأوزارها ، وأثقالا أخر غير الخطايا التي ضمنوا حملها للمؤمنين ، وهي أثقال وأوزار الذين كانوا سببا في ضلالهم «من سنّ في الإسلام سنّة سيّئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا» حديث شريف.

وقال تعالى : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٢).

وليسألن يوم القيامة سؤال تقريع وتوبيخ عما كانوا يفترون ويختلقون من أكاذيب وأباطيل.

__________________

(١) سورة النساء الآية ١٤٥.

(٢) سورة النحل الآية ٢٥.

٨٦١

نوح وقومه

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ (١٥))

المفردات :

(الطُّوفانُ) ما أطاف وأحاط بكثرة وغلبة من سيل أو موت أو ظلام ليل.

وهذه قصة نوح ـ عليه‌السلام ـ أطول الأنبياء عمرا ، دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، ومع هذا فلم يؤمن معه إلا قليل ، وقد سيقت تسلية وعبرة لمن يعتبر ، وقد ذكر بعدها قصص بعض الأنبياء لهذا الغرض.

المعنى :

ولقد أرسلنا نوحا ـ وقد ورد أنه أول نبي أرسل ـ إلى قومه وكانوا أهل كفر وفسق وعصيان فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله ويذكرهم بيوم القيامة ، ولكنهم كانوا يردون عليه أسوأ رد وأفحشه ، وقد بذل نوح منتهى ما في وسعه كبشر ، وطال الزمن وهو يدعوهم أن يقلعوا عن عبادة الأصنام فلم يزدهم دعاؤه إلا إعراضا واستكبارا ، وقال نوح : رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ، ومكروا مكرا كبارا ، وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ، فقال لما ضاق به الأمر : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا.

وكان أن صنع السفينة وركبها هو والمؤمنون وترك الكفار فغرقوا جميعا ، وأخذهم الطوفان وهم ظالمون ، ونجاه الله هو ومن معه في الفلك المشحون ، وجعل ربك سفينة نوح آية وعبرة للعالمين ، فهل من مدكر؟!!.

٨٦٢

قصة إبراهيم وقومه

(وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١٩) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٢٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٣) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

٨٦٣

(٢٤) وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧))

المفردات :

(أَوْثاناً) الوثن : هو ما اتخذ من جص أو حجر ، والصنم ما كان من معدن ، والتمثال : ما لوحظ فيه أن يكون مثالا لكائن حي (إِفْكاً) الإفك : الكذب مأخوذ من الأفك وهو صرف الشيء عن وجهه ، والكذب كلام مصروف عن وجهه (النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) هي إعادة الخلق في الآخرة (تُقْلَبُونَ) تردون (وَلِيٍ) صديق وناصر أو متولى أمر الإنسان (حَرِّقُوهُ) أحرقوه (مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) لتتوادوا بينكم وتتواصلوا.

وتلك قصة إبراهيم أبى الأنبياء فانظر يا أيها الرسول كيف كان موقفه مع قومه وما انتهى إليه أمره وأمرهم ، والأمر كله لله.

المعنى :

واذكر إبراهيم وقت أن قال لقومه اعبدوا الله ، والمراد ذكر ما حصل في الوقت ، أرسل الله إبراهيم حين بلغ من السن والعلم مبلغا صح معه أن يكون رسولا يهدى إلى الحق فقال لقومه : اعبدوا الله واتقوه ، ما لكم من إله غيره ، وهو المستحق للعبادة

٨٦٤

والتقديس دون سواه ، ذلكم خير لكم ، إن كنتم تعلمون طريق الخير من طريق الشر فاتبعوه ، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ، وتضلوا سواء السبيل.

إنما تعبدون من دون الله أوثانا لا خير فيها ، ولا نفع يرجى منها بل هي حجارة لا تسمع ولا تبصر ، ولا تضر ولا تنفع ، إنما تعبدون من دون الله أوثانا. والحال أنكم تخلقون إفكا ، واختلاقهم الإفك تسميتهم الأوثان آلهة وشركاء لله أو شفعاء له على أنهم هم الذين صنعوها وخلقوها للإفك والكذب.

إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا أبدا قليلا أو كثيرا ، فابتغوا عند الله الرزق كله ، فإنه هو الرزاق ذو القوة المتين ، الذي له ملك السموات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ، وهو الحكيم الخبير ، إذا كان كذلك فاعبدوه وحده ، واشكروا له حق شكره ، إليه وحده ترجعون فاستعدوا للقائه بعبادته وشكره على نعمه.

وإن تكذبوني فلا تضروني أبدا؟ فإن الرسل قبلي قد كذبتهم أمم ، وما أصابهم من ذلك ضرر ، ولكن الأمم قد أضروا أنفسهم بذلك ، إذ الواجب على الرسول البلاغ ، وعلى الله الحساب ، فإذا بلغ كل ما أنزل إليه وأدى الرسالة كاملة فلا عليه شيء بعدها أبدا سواء آمن به الناس أم كفروا.

وهذه الآيات والتي بعدها إلى قوله ـ تعالى ـ : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) : محتملة أن تكون من جملة قول إبراهيم أو هي معترضة نزلت في شأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشأن قريش في أثناء قصة إبراهيم ، والمناسبة بين القصة وبين الكلام المعترض ظاهرة ، إذ كل في موضوع واحد وهو تكذيب الأمم لرسلها ، وقصة إبراهيم ذكرت تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوحدة الموضوع والغرض موجودة ، والآيات التي ذكرت بعد هذه الآية من توابعها ، ألا ترى أن الله بين التوحيد أولا ثم أشار إلى الرسالة ثانيا بقوله (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ).

وقد شرع في بيان الأصل الثالث وهو الحشر ، وهذه الأصول الثلاثة لا ينفك ذكر بعضها عن بعض.

أعموا ولم يروا كيفية بدء الخلق؟ ولما كان العقل يعلم أن البدء من الله بلا شك لأن الخلق الأول لا يتصور أن يكون من مخلوق ، وإلا لما كان أول الخلق ، وإذا كان

٨٦٥

الخلق الأول من الله ـ وهذا معلوم بالضرورة ـ كان ذلك في مقام الرؤية ، والمقصود الاستدلال ـ بما علموه علما أصبح كالرؤية (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) من أحوال بدء الخلق ـ على إثبات المعاد ، فإن من قدر على البدء يقدر بلا شك على الإعادة بل هي أهون عليه في نظرنا ، إن ذلك المذكور من بدء الخلق وإعادته على الله يسير ، فكيف ينكرون الإعادة ويؤمنون بالبدء؟ (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) على معنى قال الله لي : قل ـ يا إبراهيم أو يا محمد ـ لهم سيروا أيها المنكرون للبعث في الأرض لتشاهدوا مظاهر قدرة الله وآياته الدالة على أنه هو الخالق وحده لهذا الكون. وهو المنفرد ببدء الخلق ، ومن قدر على ذلك فهو القادر وحده على أن ينشئ النشأة الأخرى يوم القيامة إن الله على كل شيء قدير ، وفي النشأة الأخرى يعذب من يشاء ممن يستحق العذاب من الكفار والعصاة ، ويرحم من يشاء من عباده فضلا منه ورحمة.

وما أنتم يا بنى آدم بمعجزين الله في الأرض ولا في السماء ، وليس في وسعكم الهرب من قضاء الله في جهة السفل أو جهة العلو ، وما لكم من غير الله ولى ولا نصير ينصركم من عذابه.

والذين كفروا بآيات الله ، ولقائه أولئك يئسوا من رحمة الله ، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ، أولئك لهم عذاب مؤلم موجع ، أما المؤمنون بالله ولقائه فأولئك يرجون رحمته ، إن رحمة الله قريب من المحسنين ؛ ولنرجع إلى إبراهيم ماذا حصل له؟.

لما أمرهم بعبادة الله ـ تعالى ـ ، وبين خطأهم في عبادة الأوثان ، وظهرت حجته عليهم فما كان جواب قومه على قوله لهم : اعبدوا الله واتقوه ، واتركوا عبادة الأوثان ، وما أنا إلا نذير وبشير ، وعلى البلاغ فقط ، واعلموا أن هناك يوما للحساب والعقاب ومن خلق الخلق أولا قادر على الإعادة ثانيا.

فما كان جواب قومه على ذلك إلا أن قال كبارهم ورؤساؤهم : اقتلوه ، أو حرقوه بالنار ، يا عجبا لهم!! يدعوهم إلى الخير ، ويبصرهم بالطريق الحق فيكون المآل القتل أو الإحراق.

ولكن أيتركه ربه الذي أرسله للخلق ووعده بالعصمة والحفظ؟ كلا كلا : فقد أنجاه الله من النار حين قذفوه فيها ، وقال الله لها : يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم

٨٦٦

وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ، إن في ذلك كله لآيات لقوم يؤمنون ، وأى آية أظهر من تلك؟ يلقى إنسان في النار المحرقة فلا تؤثر فيه شيئا سبحانك يا رب أنت القادر على كل شيء!!

وقال إبراهيم بعد خروجه من النار : يا قوم : إنما اتخذتم من دون الله أوثانا تعبدونهم لا ينفعون ولا يضرون.

إن الذي اتخذتموه أوثانا لأجل المودة بينكم ، أى : لتتوادوا بينكم وتتواصلوا لاجتماعكم على عبادتها لا ينفعكم بل يكون عليكم ، بدليل قوله بعد ذلك (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) على معنى أن هذه المودة التي في الدنيا ستنقلب بينكم إلى تلاعن وتباغض ، وتعاد ، يتلاعن المتبوعون والتابعون ، ويتلاعن العبدة كلهم مع الأصنام (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) ، ومأواكم النار جزاء ما عبدتم غير الله ، وما لكم من ناصرين ينصرونكم وقت الشدة ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم خالص من الذنوب ..

ولما خرج من النار إبراهيم سليما معافى آمن لوط بنبوة إبراهيم.

وقال إبراهيم : إنى مهاجر إلى أمر ربي أى : حيث أمرنى ، وقد هاجر من سواد العراق ومعه زوجته سارة ، ولوط ابن أخيه أو ابن أخته ، والله أعلم ، هاجر من سواد العراق إلى حران ثم منها إلى فلسطين ، ونزل لوط قرية سدوم.

ووهبنا إلى إبراهيم ـ بعد إسماعيل ـ إسحاق ومن نسله يعقوب ، وجعلنا في ذريته النبوة فكانت الأنبياء كلها بعد إبراهيم من ذريته ، وآتيناه الكتب فنزلت التوراة على موسى والزبور على داود والإنجيل على عيسى والقرآن على محمد ، وكلهم من نسله ، وآتيناه أجره في الدنيا حيث يحمده الكل ، ويؤمن به ويمجده ، وهو في الآخرة من الصالحين الذين لهم الدرجات العلا.

قصة لوط مع قومه

(وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨)

٨٦٧

أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (٣١) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٢) وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٣) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤) وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٣٥))

المفردات :

(الْفاحِشَةَ) أى : الفعلة الفاحشة المتناهية في القبح ، قيل : هي إتيان الرجال في أدبارها (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) أى : الطريق (الْمُنْكَرَ) الأمر المخالف للشرع المجافى للطبع السلم كاللواط وأنواع الفحش (بِالْبُشْرى) بالبشارة بإسحاق ويعقوب (الْغابِرِينَ) الباقين في العذاب (سِيءَ بِهِمْ) جاءته المساءة والغم بسبهم (ضاقَ

٨٦٨

بِهِمْ ذَرْعاً) أى : ضاق ذرعه بهم ، وذرع الإنسان كقولهم : ضاقت يده عن كذا مثلا (رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) عذابا شديدا منها ، وسمى بذلك لأنه يقلق المعذب مأخوذ من قولهم : ارتجز إذا ارتجس أى : اضطرب.

المعنى :

ـ واذكر لوطا وقت أن قال لقومه : إنكم لتأتون الفعلة المتناهية في الفحش ، التي ما سبقكم بفعلها أحد من الجن والإنس لأنها مما تشمئز منها الطباع ، وتعافها النفوس.

أإنكم لتأتون الرجال في أدبارهم ، وتتركون النساء ، وتقطعون السبيل حيث تفعلون الفاحشة بمن يمر بكم فترك الناس الطريق لذلك : وتأتون في ناديكم المنكر شرعا وعقلا وعرفا ، وذلك أنهم ابتدعوا منكرات ما سبقهم إليها أحدا من خلق الله وقد وعظهم لوط ونصحهم كثيرا وخوفهم عاقبة هذا العمل فلم يأبهوا ولم يرتدعوا ، فلما ألح عليهم بالعظات والإنذار ما كان جواب قومه إلا أن قالوا استهزاء به : ائتنا بعذاب الله الذي تعدنا ، إن كنت من الصادقين في دعواك ، قال لوط لما يئس منهم ، ونفد صبره : يا رب انصرني بإنزال العذاب على هؤلاء القوم الذين عاثوا في الأرض الفساد فاستجاب الله الدعاء ، فأرسل ملائكة لإهلاكهم ، وأمرهم أن يبشروا إبراهيم بذرية طيبة مباركة فجاءوا أولا لإبراهيم بالبشرى بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، وقالوا له : إنا مهلكوا أهل قرية لوط ؛ إن أهلها كانوا ظالمين وكافرين.

قال إبراهيم : إن فيها لوطا ، وأنتم تعرفون من هو .. قالوا : نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته إنها كانت من القوم الفاسقين ، فاستحقت أن تكون من الباقين في العذاب المهين.

ولما أن جاءت رسل الهلاك إلى لوط سىء بهم وحزن ، وضاق بهم صدره ، لأنهم جاءوا في صورة غلمان مرد حسان ، فجاء أهل القرية إلى لوط طالبين ضيوفه ليفعلوا معهم الفاحشة ، وقد جهد لوط في ردهم ، وبالغ في ذلك حتى طلب إليهم أن يأخذوا بناته فلم يصغوا إليه ، فلما رأت الملائكة حيرته وتغير حاله ، قالوا له : لا تخف ولا تحزن إنا جئنا للتنكيل بأولئك القوم ، وإنا منجوك وأهلك إلا امرأتك إنها كانت من الباقين في العذاب ، وإنا يا لوط منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء وعذابا تضطرب له النفس وتتزلزل ، كل ذلك بما كانوا يفسقون ، وقد أخرجت الملائكة لوطا

٨٦٩

وابنتيه وزوجه من القرية ، وأمروهم ألا يلتفتوا ، فصدعوا بالأمر إلى امرأته فإنها التفتت إلى أهل القرية لترى ما يحل بهم ؛ ولقد تركنا منها آية بينة وعبرة وموعظة لقوم يعقلون ويعلمون نتيجة الكفر والإيمان ، ويتدبرون كيف ينجى الله الذين آمنوا ، ويهلك الفاسقين والآية التي تركوها عبرة وعظة هي منازلهم الخربة ، وقيل هي أخبارهم وقصصهم ..

قصص مدين وعاد وثمود وغيرهم

(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩) فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠))

٨٧٠

المفردات :

(الرَّجْفَةُ) الزلزلة يقال رجف يرجف أى اضطرب (جاثِمِينَ) باركين على اركبهم ميتين (سابِقِينَ) فائتين غير مدركين (حاصِباً) ريحا حاصبا أى : فيها حصباء يقال حصبه يحصبه إذا رماه بالحصباء (الصَّيْحَةُ) الصرخة الشديدة.

المعنى :

وإلى مدين أرسلنا لهم أخاهم شعيبا فدعاهم إلى الإيمان بالله وقال لهم : يا قوم اعبدوا الله ربكم مالكم من إله غيره ، وارجوا اليوم الآخر أى : افعلوا ما ترجون به العافية في يوم الحساب والجزاء ، وإياكم والفساد في الأرض ، فإن عاقبته وخيمة.

فكذبوه ولم يؤمنوا به فأخذتهم الصيحة بالعذاب فارتجفت قلوبهم واضطربت حيث لا ينفع الاضطراب والخوف ، وأصبحوا في ديارهم جائمين على ركبهم ميتين كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية؟ فهل من مدكر؟ وأهلكنا عادا لما أرسلنا لهم أخاهم هودا يدعوهم إلى الإيمان بالله ورسله ، فكذبوا وكفروا ، وأهلكنا ثمود لما أرسلنا لهم أخاهم صالحا يدعوهم إلى عبادة الله فكفروا به وكذبوه.

وها أنتم أولاء يا أهل مكة ، ويا مشركي العرب قد تبين لكم ذلك ، أى : إهلاكهم وهم قد زين لهم الشيطان أعمالهم فكانت عاقبة أمرهم خسرا ، وكانوا مستبصرين أى : عقلاء أصحاب فكر ونظر ولكنهم لم ينتفعوا بذلك!!

أفليس من العقل والحكمة أن تعتبروا وتتعظوا بهؤلاء.

وأهلكنا قارون لما طغى ولم يمتثل أمر الله ، وأهلكنا فرعون وهامان ، ولقد جاءهم موسى بالبينات من عند ربهم فاستكبروا في الأرض ، ولكنهم ما كانوا سابقين وفائتين بل أدركهم أمر الله وبطشه إن بطش ربك لشديد.

فكلا من هؤلاء وهؤلاء أخذنا بذنبه إذ كل نفس بما كسبت رهينة فمنهم من أرسلنا عليه ريحا حاصبة أهلكته وهم قوم لوط إنهم كانوا قوما يعملون الخبائث ، ومنهم من أخذته الصيحة بالعذاب كمدين وثمود ، صيحة ترجف الأرض منها والجبال فكانت

٨٧١

بحق هي الرجفة ، ومنهم من خسفنا به وبداره الأرض. وهو قارون ليكون عبرة لكل طاغية جبار.

ومنهم من أغرقنا كقوم نوح وفرعون ، لما طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد ، وما كان الله ليظلمهم أبدا ، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ..

مثل اتخاذ الأصنام آلهة

(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (٤٣) خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤))

المفردات :

(أَوْلِياءَ) أصناما يرجون نفعها (الْعَنْكَبُوتِ) حشرة معروفة (أَوْهَنَ) أضعف (مَثَلُ) المثل الصفة التي تشبه المثل في الغرابة.

لما بين الله تعالى أنه أهلك المشركين وأفناهم حينما كذبوا الرسل ، وكان هذا بمثابة تعجيل العذاب لهم في الدنيا زيادة على ما أعد لهم في الآخرة من عذاب مقيم ولم ينفعهم في الدارين من دون الله معبود.

٨٧٢

لما بين هذا ضرب لهم مثلا في اتخاذهم معبوداتهم آلهة باتخاذ العنكبوت بيتا لم يقها من شر عاد عليها.

المعنى :

مثل هؤلاء الذين اتخذوا من دون الله أولياء والحال أنهم لم ينتفعوا منها بشيء أبدا مع أنهم اتخذوها راجين النفع والشفاعة منها كمثل العنكبوت اتخذت بيتا من نسيجها ، وإن أوهن البيوت لبيوت العنكبوت.

ولعل السر في جعل المثل دائرا حول اتخاذ العنكبوت بيتا ولم يقل نسيجا ، أن البيت يكون للظل والوقاية من حر الشمس وزمهرير البرد ، ومنع العدوان إلى غير ذلك من المنافع ، ولكن بيت العنكبوت لا يفيد شيئا ولا يقي خطرا. فكذلك معبوداتهم لا تنفع شيئا ، ولا تدفع ضررا ، على أن نسيج العنكبوت من حيث كونه بيتا لا يفيد فكذلك الأصنام من حيث كونها آلهة لا تنفع ولا تضر ، حقا. وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون!.

ولعل السر في اختيار لفظ الأولياء بدل الآلهة إبطال الشرك الخفى ، وهو العبادة للرياء والسمعة فإن من يفعل ذلك يصدق عليه أنه اتخذ من دون الله وليا ...

وانظر إلى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) بعد التمثيل ...! على معنى إن الله يعلم أنهم لا يدعون من دونه شيئا له وجود ، وهو العزيز الحكيم فكيف يجوز للعاقل أن يترك القادر الحكيم العليم الخبير ، ويشتغل بعبادة ما ليس بشيء أصلا.

وتلك الأمثال الرائعة التي هي من عيون الكلام لعمق أثرها في النفس ، وقوة فعلها في العقل نضربها للناس لا للبهائم والجمادات ، وما يعقلها ويدرك سرها ويقف على إشاراتها إلا العالمون ، ويقول الفخر : العلم الحدسى التجريبى يعلمه العاقل والعلم الفكرى الدقيق يعقله العالم ، وذلك كالأمثال ، ومن هنا ندرك السر في تعبير القرآن :

وما يعقلها إلا العالمون.

٨٧٣

(خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) فإن خلق الله السموات والأرض بالحق هو للمؤمنين بيان ظاهر وبرهان واضح وإن لم يؤمن به على وجه الأرض كافر. أما خلقهما فقط هو آية لكل عاقل كما قال تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ... (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).

آداب إسلامية

(اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (٤٥))

لقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا حزبه أمر ـ أى ألم به أمر شديد ـ هم إلى الصلاة ؛ وحالة الكفار والمشركين الذين لم ينتفعوا بالقصص والأمثال قد تؤلم فجاءت هذه الآية سلوى وعلاجا وإرشادا وتأديبا. فالمناسبة ظاهرة.

ولا شك أن العلاج الوحيد لكل الأزمات ، والدواء الوحيد لكل الأدواء ، هو القرآن وتلاوته العمل بما فيه.

ولعلك يا أخى تستشف معى من وضع هذه الآية هنا أن آلامنا ومتاعبنا كافة مسلمة تدين بالإسلام قد يكون معظمه من تلك الناحية والحوادث تؤيد هذا ، ولعل العلاج من هذا كله ، ومن أمراضنا الداخلية هو القرآن وتلاوته وحفظه للعمل به لا للتغنى به ولا للرقى!!.

المعنى :

اتل يا محمد ، وكذا كل مسلم ، اتل ما أوحى إليك من الكتاب الكامل الذي لا ريب فيه ، واعمل بما فيه ، ففيه نجاتك وخيرك وعلاجك.

٨٧٤

وعليك بالصلاة فهي عماد الدين ، وهي الصلة بين العبد والرب ، فإن ألم بك حادث تكرهه أو جفاك الناس فعليك بالقرآن ، والجأ إلى الصلاة تتصل بالله وإذا اتصلت به كنت ربانيا روحانيّا عند ذلك تدين لك الصعاب ، وتخضع الرقاب ، وتصل إلى ما تريد (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) (١).

والصلاة عملية تطهير لصاحبها ، وتتكرر لتغسل أدرانه ، وما قد يكون علق بنفسه وروحه من غبار الدنيا ، وهي كما يقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما معناه : هي نهر أمام بيتك تغتسل منه خمس مرات فهل يبق عليك درن ووسخ؟!!.

الصلاة الحقيقية التامة الأركان ، المستوفية الشروط ، المقومة بأركانها وسننها وآدابها ، الصادرة من قلب برىء خالص ، سليم من الرياء والنفاق ، مملوء بالخوف من الله والرجاء في عفوه.

هذه الصلاة هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، عن ابن عباس وابن مسعود قالا : «في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصى الله ـ تعالى ـ فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم يزد بصلاته من الله ـ تعالى ـ إلا بعدا» وقال الحسن وقتادة «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال عليه» ومن هنا ندرك كيف يقع من بعض المصلين فحش ومنكر؟ والجواب أنها صلاة بلا روح صلاة بلا خشوع ولا خضوع ، صلاة فيها رياء وسمعة ، صلاة لا يمكن أن تنهى عن فحشاء ومنكر.

فليست الصلاة تنهى بقيامها وركوعها وسجودها لا. إنما تنهى بذكر الله وتذكره (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (٢) ومن هنا قال الله (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) والله يعلم الغيب والشهادة ، وهو العليم بذات الصدور ، فراقبوا الله مراقبة من يعلم أن الله يسمعه ويراه.

والذكر النافع هو الذي يكون مع العلم وإقبال القلب وتفرغ النفس مما سوى الله ، وأما ما لا يتجاوز اللسان فشيء آخر ، والله يعلم ما تصنعون وفقنا الله للخير.

__________________

(١) سورة الطلاق الآية ٢.

(٢) سورة الرعد الآية ٢٨.

٨٧٥

فهرس

المتخلفون بغير عذر وموقف المسلمين منهم.......................................... ٣

كيف كان الأعراب.............................................................. ٥

الناس أنواع...................................................................... ٧

الصدقة ، والتوبة ، والعمل....................................................... ١١

صنف آخر من المتخلفين........................................................ ١٣

مسجد الضرار. ولم بنى ، وموقف الرسول منه....................................... ١٤

من هم المؤمنون الكاملون؟....................................................... ١٩

الاستغفار للمشركين ومتى يؤاخذ الله على الذنب؟.................................. ٢١

التوبة وشروطها ، والصدق وفضله................................................ ٢٣

وجوب الجهاد مع رسول الله وجزاؤه................................................ ٢٧

طلب العلم فريضة.............................................................. ٢٩

توجيهات في قتال الكفار........................................................ ٣١

المنافقون واستقبالهم للقرآن....................................................... ٣٢

الرسول عليه الصلاة والسلام ونفسه الكريمة........................................ ٣٤

سورة يونس عليه‌السلام.......................................................... ٣٦

المظاهر الكونية ودلالتها على أصول الإيمان........................................ ٣٨

المؤمن والكافر وعاقبة كل........................................................ ٤٢

من طبائع الإنسان وغرائزه....................................................... ٤٤

من أوهام المشركين والرد عليهم................................................... ٤٦

هكذا فطر الله الناس............................................................ ٤٩

اقتراح المشركين آيات كونية....................................................... ٥٠

هكذا طبع الإنسان وخلقه....................................................... ٥١

المثل البليغ لحياة الدنيا........................................................... ٥٣

ترغيب في الجنة وتنفير من النار................................................... ٥٥

من مشاهد يوم القيامة.......................................................... ٥٧

نقاش مع المشركين لإثبات التوحيد وبطلان الشرك................................... ٥٨

القرآن كلام الله ومعجزة النبي وموقفهم منه......................................... ٦٢

هكذا الدنيا وهذه نهايتها........................................................ ٦٦

القول الفصل في الرد على المشركين وعلى استعجالهم العذاب......................... ٦٦

القرآن الكريم وأغراضه الشريفة.................................................... ٧٠

لون آخر في ثبات الوحى والنبوة.................................................. ٧٢

مراقبته تعالى لعباده ، واحاطته بكل شيء علما..................................... ٧٣

من هم أولياء الله؟.............................................................. ٧٤

العزة لله....................................................................... ٧٦

كيف يكون لله ولد؟!.......................................................... ٧٧

قصة نوح عليه‌السلام........................................................... ٧٩

٨٧٦

قصة موسى مع فرعون.......................................................... ٨١

الذين أمنوا بموسى.............................................................. ٨٣

من مواقف موسى مع فرعون..................................................... ٨٥

تقرير صدق القرآن.............................................................. ٨٨

إيمان قوم يونس................................................................ ٨٩

إنذار وبشارة ، وحث على العلم.................................................. ٩١

المبادئ العامة للدعوة الإسلامية................................................... ٩٢

خلاصة ما مضى............................................................... ٩٤

سورة هود..................................................................... ٩٧

من أعمال الكفار مع كمال علم الله وقدرته...................................... ١٠٠

طباع الإنسان وتهذيب الدين لها................................................. ١٠٤

تقوية الروح المعنوية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتحديهم بالقرآن......................... ١٠٦

من يؤثر الدنيا على الآخرة..................................................... ١٠٩

المؤمنون بالآخرة............................................................... ١١٠

الكافرون وأعمالهم في الدنيا وجزاؤهم عليها ، وكذلك المؤمنون....................... ١١١

القصة في القرآن.............................................................. ١١٣

قصة نوح عليه‌السلام.......................................................... ١١٥

اشتداد الحال حتى استعجلوا العذاب............................................. ١١٩

صنع نوح للسفينة............................................................. ١٢١

نهاية القوم واستشفاع نوح لابنه................................................. ١٢٣

خاتمة القصة وما تشير إليه قصة هود عليه‌السلام.................................. ١٢٧

قصة صالح عليه‌السلام........................................................ ١٣١

قصة إبراهيم عليه‌السلام وبشارته................................................ ١٣٤

قصة لوط مع قومه وكيف نجا المؤمنون وهلك الكافرون............................. ١٣٦

قصة شعيب................................................................. ١٣٩

من قصة موسى وفرعون....................................................... ١٤٤

العبرة والعظة من القصص بعذاب الدنيا.......................................... ١٤٥

تحذير وتثبيت................................................................ ١٤٩

نتيجة ما مضى من السورة...................................................... ١٥٠

السبب العام في هلاك الأمم السابقة............................................ ١٥٣

خاتمة السورة................................................................. ١٥٦

سورة يوسف................................................................. ١٥٨

يوسف في دور الطفولة مع أبيه................................................. ١٥٩

يوسف وأخوته وما كان بينهم.................................................. ١٦١

يوسف مع السيارة............................................................ ١٦٦

يوسف في مصر.............................................................. ١٦٧

يوسف مع امرأة العزيز وكيف كانت محنته........................................ ١٦٩

شيوع الخبر في المدينة ما يترتب على ذلك........................................ ١٧٣

٨٧٧

يوسف في السجن............................................................ ١٧٦

تأويل يوسف لرؤيا صاحبيه.................................................... ١٧٨

تأويل يوسف لرؤيا ملك مصر.................................................. ١٨٠

طلب الملك له وحكمة يوسف.................................................. ١٨٢

النفس أمارة بالسوء............................................................ ١٨٥

يوسف وقد تولى زمام الأمر في مصر............................................. ١٨٦

موقف أخوة يوسف معه ثم مع أبيه.............................................. ١٨٨

يعقوب يوصى أبناءه الذاهبين إلى مصر.......................................... ١٩٢

يوسف يتعرف على أخيه بنيامين ويحتال على على إبقائه عنده...................... ١٩٣

حوار بين يوسف وإخوته وبينهم وبين أبيهم...................................... ١٩٦

تعرف إخوة يوسف عليه واعترافهم بالذنب....................................... ٢٠١

يعقوب وقد جاء البشير........................................................ ٢٠٣

تأويل رؤيا يوسف من قبل..................................................... ٢٠٥

القصة وما تشير إليه من أهداف................................................ ٢٠٧

سورة الرعد : القرآن حق والله قادر على كل شيء................................. ٢١٢

بعض أقوالهم والجزاء عليها...................................................... ٢١٥

من مظاهر علمه وحكمته...................................................... ٢١٧

من مظاهر قدرة الله وألوهيته.................................................... ٢٢٠

هذا مثل للحق وأهله وللباطل وحزبه............................................. ٢٢٣

من هم أولو الألباب وما جزاؤهم؟............................................... ٢٢٦

من هم الأشقياء وما جزاؤهم؟.................................................. ٢٢٩

من أوصافهم أيضا............................................................ ٢٣٠

رد على المشركين وبيان قدرة الله على كل شيء.................................... ٢٣٢

وصف الجنة ، ومناقشة المعترضين من أهل الكتاب المشركين......................... ٢٣٦

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مبلغ والله محاسب ومنتقم................................ ٢٤٠

سورة إبراهيم : نعمة إنزال القرآن وإرسال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأثرهما............... ٢٤٣

مهمة الرسل.................................................................. ٢٤٦

بعض أنباء الأمم السابقة...................................................... ٢٤٨

العاقبة للمتقين............................................................... ٢٥١

حوار بين أهل النار........................................................... ٢٥٤

مثل كلمة الحق وكلمة الباطل................................................... ٢٥٨

هكذا يفعل الكفار............................................................ ٢٦٠

وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها.................................................. ٢٦٢

دعاء إبراهيم عليه‌السلام....................................................... ٢٦٤

تذكير وعظة بأيام القيامة ومشاهدها............................................. ٢٦٧

٨٧٨

سورة الحجر.................................................................. ٢٧١

من مظاهر قدرته وآثار نعمته................................................... ٢٧٥

قصة آدم وتكوينه ، وعلاقته بالملائكة والجن...................................... ٢٧٨

المتقون يوم القيامة............................................................. ٢٨٤

أصحاب الأيكة وأصحاب الحجر............................................... ٢٨٩

توجيهات إلهية إلى الحبيب المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم............................. ٢٩١

سورة النحل : من دلائل وحدانية الله............................................. ٢٩٦

من نعمة الله علينا أيضا........................................................ ٣٠٠

هذا هو الخلاق المنعم فأين الشركاء.............................................. ٣٠٢

المستكبرون وجزاؤهم........................................................... ٣٠٤

المتقون وجزاؤهم............................................................... ٣٠٦

عاقبة الكفار................................................................. ٣٠٨

بعض حججهم الواهية........................................................ ٣٠٩

جزاء المؤمنين ، وتهديد الكافرين................................................. ٣١١

مناقشة المشركين في عقائدهم وأعمالهم........................................... ٣١٤

من مظاهر قدرته ونعمه علينا................................................... ٣١٨

من عجائب قدرة الله وآيات وحدانيته............................................ ٣٢٢

مثل الأوثان والأصنام.......................................................... ٣٢٥

من نعم الله علينا.............................................................. ٣٢٧

مشهد من مشاهد يوم القيامة................................................... ٣٢٩

أجمع آية للخير والشر......................................................... ٣٣٢

من أدب القرآن وتوجيهه....................................................... ٣٣٦

المرتدون عن الإسلام والعياذ بالله................................................ ٣٣٨

عاقبة من يكفر بالنعمة........................................................ ٣٤١

نقاش المشركين في معتقداتهم.................................................... ٣٤٣

منهاج الوعاظ والدعاة......................................................... ٣٤٥

سورة الإسراء................................................................. ٣٤٩

خلاصة لتاريخ بنى إسرائيل..................................................... ٣٥٣

من نعم الله علينا.............................................................. ٣٥٧

من أراد العاجلة ومن أراد الباقية................................................. ٣٦١

دعائم المجتمع الإسلامى....................................................... ٣٦٣

الرد على من يدعى لله شريكا................................................... ٣٧٤

السر في كفرهم وعنادهم....................................................... ٣٧٦

شبهتهم في البعث والرد عليهم.................................................. ٣٧٧

مناقشة المشركين في عقائدهم................................................... ٣٨٠

أصل الداء................................................................... ٣٨٣

من نعم الله علينا.............................................................. ٣٨٥

بعض مشاهد يوم القيامة....................................................... ٣٨٧

٨٧٩

إرشادات ومواعظ............................................................. ٣٩٠

القرآن هو المعجزة الباقية....................................................... ٣٩٣

شبهتهم في الرسالة والرد عليها.................................................. ٣٩٥

تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم................................................... ٣٩٨

بما ذا ندعوا الله............................................................... ٤٠١

سورة الكهف................................................................. ٤٠٣

قصة أهل الكهف............................................................ ٤٠٥

توجيهات إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم............................................. ٤١٢

مثل للمعتز بالدنيا المغرور بها.................................................... ٤١٥

مثل الحياة الدنيا.............................................................. ٤١٨

من مشاهد يوم القيامة......................................................... ٤٢٠

توجيهات إلهية................................................................ ٤٢١

إنذار وتخويف................................................................ ٤٢٣

قصة موسى مع الخضر........................................................ ٤٢٦

جواز ارتكاب أخف الضررين................................................... ٤٣٢

قصة ذي القرنين.............................................................. ٤٣٣

عاقبة الكفار يوم القيامة....................................................... ٤٣٨

عاقبة الإيمان والعمل الصالح.................................................... ٤٤٠

كمال علمه واحاطته بكل شيء................................................ ٤٤١

سورة مريم ـ قصة زكريا.......................................................... ٤٤٣

يحيى عليه‌السلام.............................................................. ٤٤٦

قصة ولادة عيسى بن مريم..................................................... ٤٤٧

القول الحق في عيسى عليه‌السلام................................................ ٤٥٢

قصة إبراهيم مع أبيه.......................................................... ٤٥٤

ذكر بعض الأنبياء عليهم‌السلام................................................ ٤٥٨

من آثار بعثة الرسل عليهم‌السلام................................................ ٤٦١

الأمر كله بيد الله............................................................. ٤٦٢

المنكرون للبعث وجزاؤهم....................................................... ٤٦٤

حجة واهية.................................................................. ٤٦٧

هؤلاء هم المشركون............................................................ ٤٧٠

فرية اتخاذ الولد............................................................... ٤٧٢

ختام السورة.................................................................. ٤٧٣

سورة طه ـ القرآن ومن أنزله..................................................... ٤٧٦

قصة موسى مع فرعون وبنى إسرائيل............................................. ٤٧٩

موسى بالوادي المقدس......................................................... ٤٨٠

بعثة موسى عليه‌السلام وما طلبه من ربه.......................................... ٤٨٣

بعض الألطاف التي صادفت موسى............................................. ٤٨٥

دعوة موسى لفرعون ، ومحاجته له............................................... ٤٨٨

٨٨٠