التفسير الواضح - ج ٢

دكتور محمّد محمود حجازي

التفسير الواضح - ج ٢

المؤلف:

دكتور محمّد محمود حجازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١٠
الصفحات: ٨٨٤

سورة النمل

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (١) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٣) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤) أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٥) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦))

المفردات :

(طس) تقرأ هكذا طاسين بمد في السين (يَعْمَهُونَ) يترددون متحيرين ، وهذا افتتاح لسورة النمل ، يشبه افتتاح سورة القصص ، والله وحده هو العالم بالفرق والسر الخفى بين (طسم) ، و (طس). (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا).

المعنى :

هذه الآيات ـ آيات تلك السورة ـ آيات من القرآن ، وآيات من كتاب مبين ظاهر في كل أغراضه ومعانيه ، ومقاصده وأحكامه ، وإننا نقرأ في أول سورة الحجر (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ). وهنا (تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) فنجد مرة ذكر الكتاب مقدما معرفا ، ومرة ذكر القرآن مقدما فنرى أن الله جمع لكلامه بين الصفتين بأنه قرآن وأنه كتاب ، يظهر بالقراءة والكتابة ، فكل واحد يصلح مكان الآخر والتنكير في هذا المقام يفيد ما تفيده المعرفة.

٧٨١

هو هدى وهداية ، وبشرى وبشارة ، ولكن المنتفع بذلك حقّا هم المؤمنون ، وإن كان القرآن نزل هداية للناس جميعا (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ) (١) هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ، ويؤدونها كاملة تامة الأركان والشروط مقومة أحسن تقويم ، وهذه هي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والتي تصل العبد بربه ، والتي هي علاج روحي للعبد (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً* إِلَّا الْمُصَلِّينَ) (٢) وهم الذين يؤتون الزكاة التي هي علاج للمؤمنين كجماعة من الجماعات فوق أنها علاج للفرد كذلك ، وهم بالآخرة وما فيها هم يوقنون ، ويؤمنون بها إيمانا يقينيا صادرا عن علم وبحث واقتناع ؛ هؤلاء الموصوفون بتلك الصفات التي تعتبر رموزا لجميع أحكام الدين هم الذين ينتفعون انتفاعا حقيقيا بالقرآن ونوره ، وهذا لا يمنع أن العالم كله قد انتفع بنوره.

أما الذين لم يهتدوا بنور الحق ، وهدى القرآن فهم الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وهؤلاء زين الله لهم أعمالهم ، وحسن لهم أعمال الخير ولكنهم لم يعملوها بل ساروا على الطريق المعوج الذي يسير عليه المغضوب عليهم والضالون ، نعم زين الله أعمال الخير بإرسال الرسل وإنزاله الكتب تبين الحلال والحرام ، وتبشر العاملين ، وتنذر العصاة والمقصرين ، وقيل : إن المعنى. الله زين لهم عملهم القبيح حيث أودع فيهم الشهوة والميل إلى الشر ، ومكن الشيطان من إغوائهم حتى رأوا الحسن قبيحا ، والقبيح حسنا في نظرهم ، فوقعوا في الهلاك والآثام ، وهم يعمهون ، ويتحيرون ، وفي الضلال يتيهون ، أولئك الذين لهم العذاب السيئ الشديد في الدنيا والآخرة ، وهم في الآخرة هم الأخسرون أعمالا ، والتفضيل بالنسبة للزمان والمكان ، فالمفضل عليه هو أنفسهم لكن باعتبار حالهم في الدنيا أى إن خسرانهم في الآخرة أشد من خسرانهم في الدنيا.

وإنك يا رسول الله لتلقى القرآن ، وينزل عليك من لدن حكيم عليم خبير بصير. يفعل ما تقتضيه الحكمة والعلم الصحيح.

وهذه الآية بساط وتمهيد لما سيذكر بعدها من الأخبار والقصص ، وهي دعوى تفيد أن القرآن من عند الله ، والدليل على صحة ذلك ما سيذكر من أخبار الماضين وأحوالهم.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨٥.

(٢) سورة المعارج الآيات ١٩ ـ ٢٢.

٧٨٢

موسى بالوادي المقدس

(إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨) يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤))

المفردات :

(بِشِهابٍ) بشعلة نار ، وقال بعضهم : كل أبيض ذي نور فهو شهاب (قَبَسٍ) القبس النار المقبوسة (تَصْطَلُونَ) المراد رجاء أن تستدفئوا بها يقال صلى بالنار واصطلى بها إذا استدفأ بها (لَمْ يُعَقِّبْ) لم يرجع يقال : عقب فلان إذا رجع (جَيْبِكَ) طوق قميصك (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) من غير برص (مُبْصِرَةً) واضحة بينة (وَجَحَدُوا بِها) كذبوا مستيقنين بها.

٧٨٣

وهذا العنصر من قصة موسى ـ عليه‌السلام ـ ، وهو وجوده بالوادي المقدس طوى ، قد ذكر في عدة مواضع من القرآن كما ذكرنا ذلك في سورة الشعراء ، مع اختلاف يتناسب وأسلوب القصة التي ذكر فيها.

المعنى :

اذكر وقت قول موسى لأهله ، والمراد زوجه بنت شعيب في مسيرة من مدين إلى مصر بعد قضاء الأجل المضروب بينه وبين شعيب ، وكان إذ ذاك في الوادي المقدس طوى ، وكانت ليلته باردة عاصفة مظلمة يحتاج المسافر فيها إلى نار ، ولما ضل الطريق أراد نارا يستدفئ بها هو وأهله حتى الصباح فأورى زنده فلم يخرج نارا ، فالتفت يبحث فوجد نارا على بعد ، فقال لأهله : امكثوا في مكانكم لا تبرحوه ، إنى آنست نارا سآتيكم منها بشعلة مقبوسة رجاء أن تصطلوا بها وتستدفئوا ، فلما جاءها نودي من قبل الرب ـ سبحانه وتعالى ـ أن بورك من في قرب النار ، ومن هو حولها ، والنار نور ، ولكن موسى ظنها نارا ، وقد نزه الله نفسه فقال : وسبحان الله رب العالمين ، وتنزيها له عن مشابهة أحد من خلقه ، يا موسى إنه الحال والشأن أنا الله العزيز الحكيم ، يا موسى : ألق عصاك فألقاها من يده فصارت حية فلما رآها تهتز وتتحرك كما يتحرك الجان ، وهي الحية البيضاء شبهها بالجان لخفة حركتها. وشبهها في موضع آخر بالثعبان لعظمها ، فلما رآها كالجان ، ولى مدبرا وخائفا ، ولم يعقب على شيء ، ولم يلتفت فلما وقع منه ذلك قال الله له : يا موسى لا تخف من الحية وضررها ، إنى لا يخاف لدىّ المرسلون ، فلا تخف أنت لكن من ظلم نفسه ثم تاب وآمن ، وبدل حسنا بعد سوء فإنى غفور رحيم. يا موسى : أدخل يدك في جيب قميصك تخرج يدك بيضاء من غير برص فذانك برهانان من ربك إليك لتعلم أنك بأعيننا ، والله معك يرعاك ويحيطك بعنايته.

يا موسى اذهب إلى فرعون وقومه في تسع آيات إنهم كانوا قوما فاسقين. أما الآيات فهي العصا. واليد. والطوفان. والجراد. والقمل. والضفادع. والدم. والسنون ونقص الثمرات .. وبعضهم عدها بشكل آخر.

فلما جاءتهم آياتنا التسع مبصرة واضحة جلية شاهدة على صدق موسى كأنها لفرط وضوحها تبصر نفسها. قالوا : هذا سحر مبين ظاهر لا يحتاج لبرهان ، وجحدوا بها ،

٧٨٤

وكذبوها. والحال أنهم متيقنون أنها آيات مؤيدة لموسى حالة كونهم ظالمين باغين متعالين.

فانظر يا محمد وكذا كل مخاطب كيف كانت عاقبة المفسدين؟ فقد كان جزاؤهم الغرق والإهلاك ، ونجاة موسى ومن معه من بنى إسرائيل ، حقا لقد صدق الله (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) [سورة النمل آية ٦].

من نعم الله على داوود وسليمان وقصة النملة

(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩))

المفردات :

(مَنْطِقَ الطَّيْرِ) المنطق والنطق : كل صوت يعبر به عما في الضمير (حُشِرَ) جمع (يُوزَعُونَ) يرد أولهم إلى آخرهم ويكفون ، والوازع في الحروب الموكل

٧٨٥

بالصفوف يزع من تقدم منهم ، الوزع الكف والمنع (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) لا يكسرنكم.

وهذا جزء من قصة داوود وسليمان ابنه ـ عليهما الصلاة والسلام ـ.

المعنى :

ولقد آتينا داوود نبي الله وسليمان ابنه ـ عليهما الصلاة والسلام ـ آتاهما ربهما علما من لدنه ، علما شريفا يتعلق بذاته تعالى ، وبوصفه بصفات الجلال والكمال ، وتنزهه عن كل نقص وما هو في حقه من المحال ، علما هو أشرف العلوم والمعارف ، علما جامعا لخيرى الدنيا والآخرة ، ولقد آتيناهما علما فعملا به حتى امتلأ قلبهما يقينا وعزما أكيدا على فعل الطاعات ، وهجر المحرمات ، والشكر لله ـ سبحانه ـ حتى قالا : الحمد لله وحده ، الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ، بهذه العلوم والمعارف المصحوبة بالعمل القلبي والبدني واللساني ، وفي هذا رفع لمرتبة العلم والعلماء. إذ قد أوتيا من الملك ما لم يؤت غيرهما فلم يكن شكرهما على الملك كشكرهما على العلم.

وكان لداود أولاد كثيرة ، ولكن سليمان ورث أباه في العلم والنبوة والملك والحكم لا في المال لأن الأنبياء لا تورث فيه «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» حديث شريف ، ومما يؤيد هذا ما سيأتى من معرفة منطق الطير ، والإتيان من كل شيء ، وذكر جنود سليمان من الجن والإنس والطير.

وقال سليمان تحدثا بنعمة الله ، وإشهارا لها ، وتنويها بها ، ودعاء للناس ليصدقوا بها على أنها معجزة. قال سليمان : أيها الناس : قد علمنا منطق الطير والحيوان. وإنما خص الطير لأنه من جنوده التي كان لها مواقف بارزة في حياته كما سيأتى في قصة الهدهد.

وللطير منطق إذ هو يصوت بأصوات مختلفة تدل دلالة قوية على أحاسيسه وحاجاته فصهيل الفرس عند طلبها الأكل غير صهيلها عند طلبها الحصان للفساد ، وصوتها عند الألم والضرب غير صوتها وهي تدعو رضيعها ليرضعها ، وهكذا كل حيوان ، فمواء القطة عند حبسها في مكان ضيق غير موائها عند طلبها الأكل أو السفاد مثلا ـ هذه حقائق معترف بها وكما قال الشيخ البيضاوي في تفسيره ما معناه ، ولعل سليمان كان إذا صوت حيوان علم بقوته الحدسية التخيلية صوته والغرض الذي توخاه به ، ومن

٧٨٦

ذلك ما حكى عنه أنه مر ببلبل يصوت ويرقص فقال سليمان : إنه يقول «ليت الخلق لم يخلقوا» فلعل صوت البلبل كان على شبع وفراغ بال. وصياح الفاختة عن مقاساة شدة وتألم قلبها.

وعلى كل فإدراك أصوات الحيوانات خصوصا الطير ، وما يقصد منه لم يكن إلا هبة من الله ـ تعالى ـ ، وقد وهبها سليمان (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).

ويقول سليمان تحدثا بنعمة الله (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) وهذا يفيد كثرة نعم الله عليهما إن هذا لهو الفضل المبين ، وأى فضل أظهر من هذا؟ وفيه تقرير للحمد والثناء على الله ـ سبحانه وتعالى ـ ، ولا تنس أنه يقر بأنهما أوتيا من كل شيء يتصل بالنبوة والملك والحكم.

وأما قوله ـ تعالى ـ : (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) فهو دليل على قوة سليمان ، وكثرة سلطانه ، وتعدد جنده من الجن والإنس والطير أما جند سليمان من الجن فظاهر من قوله ـ تعالى ـ : (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ* يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) [سبأ الآيتان ١٢ ، ١٣] وأما الطير فقصة الهدهد ستأتى إن شاء الله ، وأما الإنس فمعلوم أنه كان لسليمان ملك وجند بنص القرآن الكريم.

وهؤلاء الجند لهم قواد وحكام ونظام فهم يوزعون ، ويكفون عن الفوضى (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) [سورة الأنعام آية ٣٨].

قصة النملة مع سليمان :

حتى إذا أتى سليمان وجنده الكثيف (الكثير) من فوق على وادي النمل والله أعلم. بمكانه ... قالت نملة. لها حق الإمارة على النمل ، قالت : ادخلوا مساكنكم لا يكسرنكم ولا يحطمنكم سليمان وجنده بأرجلهم وهم لا يشعرون بكم لصغر حجمكم ، وسيركم وسط الرمال.

فتبسم سليمان ضاحكا من قولها حيث وصفت جنده بأنهم لا يعمدون إلى الشر ، ولا يشعرون بعملهم له ؛ ولا شك أن هذه النعم ، وخصوصا فهم سليمان عن النملة يقتضى منه الشكر والحمد لله فقال : رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التي أنعمت على

٧٨٧

وعلى والدي ... قال في الكشاف : (وحقيقة أوزعنى اجعلنى أزع شكر نعمتك عندي وأكفه حتى لا ينفلت عنى ، ولا أنفك شاكرا لك) وقال بعضهم : المعنى ألهمنى أن أشكر نعمتك التي أنعمت على ، قال القرطبي : المراد كفني يا رب عما يسخطك ، وامنعني من كفر نعمتك.

وعد سليمان النعمة التي لوالده نعمة له بمعنى أنها تستوجب الشكر منه لله.

وألهمنى يا رب أن أعمل صالحا ترضاه ، وأدخلنى برحمتك في عبادك الصالحين.

أيها الناس هذا هو سليمان يطلب من ربه أن يحبسه على الشكر له والثناء عليه ويطلب من ربه أن يوفقه إلى العمل الصالح الذي يرضاه ، وهو يطلب أن يدخله برحمته وفضله مع عباده الصالحين الداخلين الجنة بإذن الله ـ هذا سليمان لم يغتر بعلمه بل طلب الزيادة والمعونة والفضل حتى يدخل في عداد الصالحين ، ولقد صدق رسول الله حيث يقول «سدّدوا وقاربوا واعلموا أنّه لن يدخل أحد الجنّة بعمله قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلّا أن يتغمّدنى الله برحمته».

قصة الهدهد أو بلقيس

(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ

٧٨٨

فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦) قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ (٢٨) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ (٣٣) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧) قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ

٧٨٩

بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤))

المفردات :

(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) التفقد تطلب ما غاب عنك وتعرف أحواله. والطير اسم جنس لكل طائر (بِسُلْطانٍ) بحجة قوية بينة (أَحَطْتُ) الإحاطة العلم بالشيء من جميع جهاته (مِنْ سَبَإٍ) اسم مدينة في اليمن والمراد أهلها (بِنَبَإٍ) النبأ الخبر المهم (الْخَبْءَ) ما خبأته فاختبأ (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ) ألا تتكبروا (أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) أشيروا على أيها الأشراف ماذا أفعل في هذا الأمر (قاطِعَةً أَمْراً) مبرمة أمرا (لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) لا طاقة لهم بها (بِعَرْشِها) الظاهر أن المراد بالعرش هو سرير الملك (يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) الطرف تحريك الأجفان وفتحها للنظر ، وارتداده انضمامها (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) غيروه (الصَّرْحَ) القصر المشيد (لُجَّةً) اللجة : الماء المجتمع الكثير (مُمَرَّدٌ) الممرد الأملس ومنه الأمرد.

خلاصة القصة : كان لسليمان علم بمنطق الطير كما مر ، فكان يعرف ما تريده الطير ، وكانت الطيور مسخرة له ، يكلفها بما يشاء ، وتفقد سليمان في يوم من الأيام

٧٩٠

الطير فلم يجد الهدهد ، فقال : مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ، تعجب سليمان من حال نفسه حيث لم ير الهدهد ، ولم يأذن له ثم أضرب ثانية وقال : بل أهو من الغائبين! عد سليمان غيابه بلا إذن جريمة اقترفها ، وهدده بالذبح أو التعذيب بنتف ريشه إلا إذا أتاه بعذر بين ، وحجة قوية تبرر هذا التخلف.

ولم يمض غير زمن قليل حتى جاء الهدهد فسأله عن غيبته فأخبره بأنه أحاط بأمر لم يحط سليمان به ، وجاء بنبإ مهم من بلاد سبإ التي هي من بلاد اليمن ، وأخبره بملك عظيم وجاه عريض تملكه امرأة اسمها بلقيس ، وهي الملكة على تلك الديار ، وهذه المرأة أوتيت من كل شيء يتعلق بأسباب الملك واستتباب النظام ، ولها عرش عظيم ، محلى بالجواهر وأفخر الزينات. وهذه الملكة وقومها يعبدون الشمس من دون الله ، ويرتكبون المعاصي ، وقد زين لهم الشيطان أعمالهم السيئة حتى حسبوها خيرة ، فصدهم عن سبيل الله فهم لا يهتدون ، فعل الشيطان بهم هذا لئلا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ، وينزل المطر من السماء ، وهو مخبوء فيها ، وينبت من الأرض ، وقد كان مستورا فيها ، وهو العالم بما تخفون أيها الناس ، وما تظهرون ، إنه عليم بذات الصدور ، هو الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم حقا ، وصاحب التصريف المطلق ، لا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه ، ولكنه الشيطان يزين للناس ، ويغويهم حتى ينحرفوا عن الطريق الصواب إلى طريق المغضوب عليهم أو الضالين.

وفي قراءة : ألا يا اسجدوا ، والمعنى : ألا يا قوم اسجدوا لله الذي يخرج الخبء الآية.

قال سليمان حينما سمع مقالة الهدهد : سننظر في أمرك بعين الرؤية لنعلم أصدقت في مقالتك أم كنت من الكاذبين؟!

يا هدهد : اذهب بكتابي هذا إلى تلك الملكة فألقه إليهم ، ثم أعرض عنهم قليلا ، فانظر بعد هذا ماذا يرجعون من القول ، ويرددون ، وانظر أى رأى يختارون؟

فامتثل الهدهد أمر قائدة ورئيسه ، وحمل الخطاب ، وأوصله إلى بلقيس فقرأته ، وعلمت ما فيه ، وجمعت الملأ من قومها ، وأشراف مملكتها للتشاور في هذا الحدث ، فقالت : يا أيها الملأ : إنى ألقى إلى كتاب كريم لأن مرسله كذلك ، ولأنه مختوم ، وكريم في عباراته ، إنه من سليمان ، وقد كتب فيه :

٧٩١

بسم الله الرحمن الرحيم ... ألا تعلو على ، وأتونى مسلمين : أى منقادين ، غير فاعلين ما تفعله الجبابرة الطغاة ..

لم ترد الملكة أن تستبد بالأمر ، بل جمعت وجوه القوم للمشاورة ، فقالوا ، وقد أخذتهم العزة بالإثم ، واندفعوا وراء العاطفة بدون عقل قالوا : نحن أولوا قوة وأولو بأس شديد ، فعندنا العدد ، والعزم الأكيد ، ونحن طائعون لأمر الرئيس ، فالأمر إليك فانظرى بما ذا تأمرين؟

أما بلقيس فكانت امرأة عاقلة حكيمة استعملت العقل والسياسة ، ولم تغتر بما أبداه جيشها ورجالها من القوة والبأس ، وحسن النظام ، وكمال الطاعة ، وقالت لهم : أيها القوم ، هذا كتاب من ملك ، فإذا عاندناه وحاربناه ربما يغلبنا ، ويدخل ديارنا فيهتك سترنا ، وإن الملوك إذا دخلوا قرية فاتحين غازين أفسدوها ، وجعلوا أعزة أهلها أذلة ، نعم ، ومثل ذلك وأكثر منه يفعلون!! وإنى سأعرض عليكم رأيا آخر ، ربما كان أحكم وأسلم ، ذلك أن نرسل لسليمان هدية نصانعه بها ، وتأتى رسلنا بأخباره الحقيقية ، وسيكون لنا بعد ذلك شأن ، وهذا رأى سديد ... وقد ارتضاه الكل ، وأرسلوا الرسل.

فلما جاءت رسلها سليمان بالهدايا قال سليمان : أتمدونني بمال؟! أنكر عليهم هديتهم قائلا : لست طالبا للدنيا وعرضها الزائل ، إنى أطالبكم بالدخول في دين الله وترك عبادة الشمس ، على أنى لست في حاجة لمالكم ، فما آتاني الله خير وأكثر مما آتاكم ، بل أنتم أيها القوم بهديتكم تفرحون.

ارجع إلى قومك أيها الرسول ـ والخطاب لزعيم الوفد ـ فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ، ولا طاقة لهم على لقائها ، ولنخرجنهم من ديارهم أذلة ، وهم صاغرون.

وصل الخبر إلى بلقيس ، وعلمت حقيقة سليمان وجنده ، وقوة ملكه ، وأشفقت على قومها ، فأجمعت أمرها ، وعزمت على الذهاب إلى سليمان في (أورشليم) بالشام بهدية عظيمة.

ولما علم سليمان بزيارة بلقيس له في عاصمة ملكه شيد لها صرحا عظيما ، وجعل أرضه من زجاج ، وهذا شيء غير معروف باليمن.

٧٩٢

ولما قربت من ديار سليمان أراد أن يظهر لها من دلائل عظمته ، ونعم الله تعالى عليه ما يبهرها ، ويجعلها تؤمن به ، وتصدقه في رسالته ونبوته ، أراد أن يحضر لها عرشها الذي تركته ببلادها لتجلس عليه في ذلك القصر المشيد ، الممرد بالقوارير.

فسأل جنوده عن قوى يأتيه بعرشها ، فقال عفريت من الجان : أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ، وإنى على حمله وحفظه لقوى أمين ، قال الذي عنده علم من الكتاب ـ والله أعلم به ـ أنا آتيك به في لمح البصر قبل أن أن تغمض عينك ، ويرتد إليك طرفك ، وكان كما قال وأحضر العرش الذي هو كرسي الملك على ما يظهر من وصفه الآتي (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) [سورة النمل آية ٤٠] (قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) [سورة النمل آية ٤١] فهذا يدل أن العرش يراد به كرسي الملك.

فلما رآه سليمان ماثلا أمامه قد حضر في أقل من لمح البصر قال : هذا من فضل ربي على ليبلوني أأشكر تلك النعم أم أكفر بها؟!! علما بأن من شكر فإنما يشكر لنفسه ، ومن كفر فإنما وزره على نفسه فقط ، وإن ربي ـ جل شأنه ـ لغنى عن شكر الشاكرين ، كريم يجازى على الحسنة بأضعافها ؛ قال سليمان لجنده : نكروا لها عرشها ، وغيروا فيه بعض التغير لنرى أتهتدي إليه أم تكون من الذين لا يهتدون؟!! وقد يراد بالاهتداء وعدمه الاهتداء إلى الحق فلما جاءت قيل لها : أهكذا عرشك؟ قالت : كأنه هو ....

قيل لها ادخلى القصر الذي أعد لمقامك فيه ، ولما أرادت دخول الصرح والوصول إلى العرش ظنت الزجاج المصنوع منه أرض القصر ظنته ماء فكشفت عن ساقيها لئلا تبتل ثيابها بالماء ، فأخبرت بأنه ليس ماء إنه قصر مشيد قد مرد بالقوارير ، وصنعت أرضه من زجاج.

قال سليمان : وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة منقادة من قبل حضورها ، وكنا منقادين في كل ذلك لله ـ سبحانه وتعالى ـ.

وهذه المملكة ، وعلى رأسها بلقيس صدها ما كانت تعبد من دون الله أى : منعها من إظهار الحق والإيمان بالله ما كانت تعبده وهي الشمس إنها كانت من قوم كافرين.

فلما رأت كل ذلك ، وأراد الله لها الخير والهداية قالت : ربي إنى ظلمت نفسي بما كنت عليه من عبادة غيرك ، وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين.

٧٩٣

وهكذا أيها الناس من يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا مما يطلب منه كأنما يصعد إلى السماء ، وكذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ، إن في ذلك لآية ، وإنما يعتبر

بها أولو الأبصار والعقول ...

صالح مع قومه ثمود

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٣))

٧٩٤

المفردات :

(يَخْتَصِمُونَ) يتنازعون (اطَّيَّرْنا) تطيرنا أى : تشاءمنا والطيرة تعليق الخير أو الشر على طيران الطائر يمينا أو شمالا (تُفْتَنُونَ) تمتحنون (رَهْطٍ) الرهط اسم للجماعة (لِوَلِيِّهِ) من له ولاية عليه (مَهْلِكَ) هلاك.

وهذه قصة أخرى لصالح مع قومه ثمود ، دليل على أن محمدا رسول الله ، وأنه. يتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ، وفيها إنذار وتهديد للكفار والمشركين.

المعنى :

تالله لقد أرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم صالحا فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، فإذا هم فريقان يختصمون أحدهما مؤمن ، والآخر كافر (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ* قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) [سورة الأعراف الآيات ٧٥ ، ٧٦].

قال صالح : يا قومي ويا أهلى ويا عشيرتي لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة؟ أى لم تؤخرون الإيمان الذي يجلب إليكم الثواب ، وتقدمون الكفر وتتعجلون به وهو يوجب العقاب والسوء والعذاب ، هلا تستغفرون الله ، وتتوبون إليه لكي ترحموا قالوا من فرط جهلهم وسوء تفكيرهم : إنا متشائمون بك وبمن اتبعك من الناس فإنا نرى القحط وقلة المطر أصابتنا من يوم أن ظهرت تدعو إلى ما تدعو إليه.

قال لهم صالح : لا يا قوم. إنما طائركم ومصائبكم من عند ربكم بل أنتم قوم تفتنون وتبتلون بما ينزل عليكم من نعمه ، وما يصيبكم من نقمه ، وتشاؤم الناس بأنبيائهم فكرة جالت في رؤوس كل الأمم «فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه ، وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه». «وإن تصبهم حسنة يقولوا هذا من عند الله ، وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك ـ أى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قل كل من عند الله».

وكان في تلك المدينة التي يسكنها ثمود تسعة رجال من أشرافهم ، لهم أثرهم

٧٩٥

وخطرهم في القبيلة حتى كأن الواحد منهم رهط بنفسه ، كانوا يفسدون في الأرض ، ولا يتأتى منهم صلاح بحال من الأحوال.

قال هؤلاء متقاسمين فيما بينهم متعاونين على الإثم والعدوان : لنبيتنه وأهله ، والمعنى تحالفوا وتبايعوا على قتل نبي الله صالح ـ عليه‌السلام ـ ليلا ثم يقولون لوليه : ما شهدنا مهلك أهله ، وما قتلناه ، وإنا لصادقون في دعوانا ، ومكروا ومكر الله ، ولكن لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ، وكان أن أهلكهم الله وهم لا يشعرون.

فانظر كيف كان عاقبة مكرهم؟ فقد أهلكهم ربك بالصاعقة ، ودمرهم بالصحيحة جميعا ، فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ، إن في ذلك لآية وعبرة لقوم يعلمون ، وانظر كيف نجينا القوم الذين آمنوا بالله ورسوله ، وكانوا يتقون ، وهكذا سنة الله مع الجبابرة والطغاة ، فالويل لهم إن لم يتوبوا إلى رشدهم ويؤمنون بربهم ، ويقلعوا عن طغيانهم ...

٧٩٦

قصة لوط مع قومه

(وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (٥٧) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٨))

المفردات :

(الْفاحِشَةَ) الفعلة القبيحة المنكرة ، والمراد بها إتيان الذكور في أدبارهم (قَدَّرْناها) قضينا أنها من الغابرين أى : الباقين في العذاب.

وهذه هي آخر القصص التي تلقاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذه السورة من لدن حكيم عليم.

المعنى :

ولقد أرسلنا لوطا إلى قومه ـ أهل سدوم ـ فقال لهم مؤنبا ، وداعيا : أتأتون الفاحشة ، وأنتم تبصرون؟ أنكر عليهم إتيان الفعلة المتناهية في الفحش حتى كأنها المعروفة به وحدها ، ومن العجيب أنهم يأتونها ، وهم يبصرون ويعلمون أنها فاحشة ، وما كانوا يستترون حين فعلها بل يبصرون وينظر بعضهم لبعض عتوا وتمردا ، واستكبارا في الأرض وفسادا.

٧٩٧

أإنكم لتأتون الرجال في أدبارهم؟ متجاوزين النساء ، وهن محل ذلك العمل وخلقن لأجله ، تأتون ذلك الفعل المنكر للشهوة فقط لا لشيء آخر ، وهذا تفسير للفاحشة التي ذكرت أولا ، بل أنتم قوم تجهلون حقيقة ما خلقت المرأة له ، وتجهلون أنفسكم ومكانكم في المجتمع الإنسانى ، وتجهلون خطر ما أقدمتم عليه ، ومقدار دعوة نبيكم الذي أرسل رحمة لكم.

فما كان جواب قومه على هذا إلا أن قالوا : أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون! يا للعجب يأمرون بإخراج لوط ومن آمن به من القرية لأنهم أناس يتطهرون!! يا للعجب العاجب. من الناس من ينقمون على إخوانهم ، لأنهم آمنوا بربهم ، ودعوا غيرهم إلى الدين الحق!!

ولكن هل يغفل الحق ـ تبارك وتعالى ـ أمر هؤلاء وهؤلاء؟ لا. أبدا .. لن يكون ذلك ، فهذا لوط مع قومه العتاة العصاة المتجبرين. قد نجاه الله وأهله الذين آمنوا معه إلا امرأته فقد قضى عليها أن تكون من الهالكين ، ولم ينفعها قربها من لوط ، ما دامت تستحق الهلاك لكفرها وأمطر الله على العصاة المتكبرين مطر السوء فأبادهم وخسف بهم الأرض ، فساء وقبح مطر المنذرين ، وتلك عاقبة العصاة الفاسقين.

الشواهد الدالة على الوحدانية والقدرة

(قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ

٧٩٨

أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦٤) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦))

المفردات :

(اصْطَفى) اختار (حَدائِقَ) جمع حديقة وهي البستان عليه سور وحائط لأن الحائط أحدق بها (بَهْجَةٍ) البهجة : حسن المنظر (يَعْدِلُونَ) يميلون. يقال : عدل عنه أى مال عنه (قَراراً) مكانا يقر عليه الإنسان وغيره بمعنى يستقر (خِلالَها) أى : بين جهاتها المختلفة (حاجِزاً) مانعا (الْمُضْطَرَّ) الذي أصابه الضر (بُشْراً) مخفف بشرا جمع بشير ، والمراد مبشرات (ادَّارَكَ) أصله تدارك بمعنى تلاحق (عَمُونَ) جمع أعمى.

ولما فرغ من قصص تلك السورة عاد إلى خطاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إذ هو المقصود الأول ، وكأن أمر المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحمد والتسليم صدر خطبة لما يلقى بعد ذلك من البراهين والشواهد الدالة على الوحدانية والعلم والقدرة الكاملة.

٧٩٩

المعنى :

قل يا محمد : الحمد لله ، الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون ، نحمده ـ سبحانه ـ الذي منّ على الأمة المحمدية ، بنور القرآن ، وشرفها بأن منع عنها عذاب الاستئصال وهلاك الأمم السابقة ، وأبقى لها المعجزة الكبرى على مر الأيام والعصور ، وهي معجزة القرآن ، وسلام من الله وتحية من عنده مباركة طيبة ، على عباده المؤمنين ورسله المصطفين الأخيار ، الذين صبروا وصابروا على مشاق الرسالة ، وتكاليف النبوة ، فكان لهم من الله الأجر والثواب الجزيل.

أيها الناس : آلله خير أم ما يشركون؟ آلله خير لمن عبده أم الأصنام لمن عبدها؟ وفي هذا تبكيت للمشركين وتأنيب لهم لأنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الواحد القهار ففي هذا الكلام تنبيه لهم على نهاية الضلال والجهل ، روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان إذا قرأها قال : «بل الله خير وأبقى وأجلّ وأكرم».

ثم إنه ـ تعالى ـ ذكر ما يفيد أنه المستحق للعبادة دون سواه ، إذ هو الخالق للسماء والأرض ، والذي يجيب المضطر إذا دعاه ؛ وهو الهادي في ظلمات البر والبحر ، وهو عالم الغيب والشهادة ، ولا يطلع على علمه أحدا ، وسيعلم الذين ظلموا كل هذا ، يوم لا تنفعهم معذرتهم في شيء ، وفي هذا من دلائل القدرة ، وكمال الوحدانية ، وتمام العلم ما لا يخفى.

(أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ)؟!! ، والمعنى بل من خلق السماء وما فيها والأرض وما عليها ، وأنزل لكم من السماء ماء فأنبت بسببه حدائق وبساتين وزروعا وأشجارا ذات لون بهيج ، ورواء جميل ، ما كان لكم أيها الناس أن تنبتوا شجرها؟ أمن خلق هذا كله كمن لم يخلق شيئا؟ (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ)؟ (أَفَلا تَذَكَّرُونَ)؟ أغير الله يقرن به في العبادة ، ويجعل شريكا له في القداسة؟!! بل هم قوم يعدلون عن هذا الحق الظاهر ، ويجعلون لله عدلا وشريكا (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [سورة الأنعام آية ١].

٨٠٠