التفسير الواضح - ج ٢

دكتور محمّد محمود حجازي

التفسير الواضح - ج ٢

المؤلف:

دكتور محمّد محمود حجازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١٠
الصفحات: ٨٨٤

لبعض شأنها بعيدا عن الجيش ثم عادت وتفقدت عقدا لها فلم تجده ، فعادت إلى مكانها في الخلا. تبحث عنه ، وفي هذه الأثناء رحل القوم ، وأتى الرجال إلى هودجها فحملوه ، وكانت فتاة صغيرة قليلة اللحم فلم يشعروا بفقدها وعند ما عادت ، لم تجد أحدا فنامت في مكانها وكان من عادة الجيش أن رجلا يتخلف ليأخذ ما ترك سهوا وكان هو صفوان بن المعطل السلمى ، فلما أدركها عرفها ، فأخذ يسترجع بعد أن أناخ راحلته بجوارها. فاستيقظت ، وركبت وقاد هو الراحلة ، وكانت آية الحجاب نزلت فلم يرها ، وأدرك القوم في المنزل الثاني ومر على قوم من الجيش فيهم عبد الله ابن أبى ابن سلول زعيم المنافقين فسأل عنها فقيل : إنها عائشة فقال كلمة الإفك وفتن بكلامه نفر من المؤمنين ، وبخاصة حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش.

وكان صفوان هذا من خيار الصحابة ، وشهد غزوات الرسول ، وقتل شهيدا في غزوة أرمينية سنة تسع عشرة في زمن عمر ـ رضي الله عنهم جميعا ـ.

وعقب رجوع الجيش من السفر مرضت عائشة شهرا في منزل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم تدر ما يقول الأفاكون ، وهي تحدث نفسها وتقول : ما رابنى من رسول الله سوى أنى لم أر منه اللطف الذي اعتدته منه إذا كنت أشتكى ، فكان يدخل ويسلم ، ويقول : كيف تيكم (وتى إشارة إلى المؤنث) ثم ينصرف ، فلما برئت عرفت ما قيل فمرضت ثانية بأشد من المرة الأولى ، فلما عادها رسول الله استأذنت منه في الانصراف إلى بيت أبيها فأذن لها ، فأتت أمها ، فاستيقنتها الخبر فقالت أمها : يا بنيّة هوّنى عليك فقلما كانت امرأة وضيئة ولها ضرائر إلا أكثرن عليها ، فقالت عائشة : سبحان الله!! ولقد تحدث الناس بهذا!! وملكها البكاء ليلتها لا يرقأ لها دمع ، ولا ترى النوم.

ولما شاع الخبر وذاع ، قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسجد خطيبا ، وقال : يا معشر المسلمين! من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي؟! يريد بذلك عبد الله ابن أبى بن سلول. فو الله ما علمت على أهلى إلا خيرا.

وروى أنه دخل عليها صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال. يا عائشة ، قد بلغني عنك كذا ، وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه!! قالت عائشة : فلما قضى النبي مقالته تقلص دمعي من شدة الحزن والألم ، ثم قالت لأبيها :

٦٦١

أجب عنى رسول الله قال أبو بكر مقالة المؤمن بالله لا يرهقه ولده طغيانا وكفرا قال. والله ما أدرى ما أقول ، وقالت لأمها كذلك فأجابت بمثل جواب أبيها فقالت عائشة المؤمنة والواثقة في الله الذي يعلم السر وأخفى ، وهو الحكم العادل : والله لقد علمت أنكم سمعتم ذلك القول حتى استقر في نفوسكم ، ولئن قلت لكم إنى بريئة ـ والله يعلم أنى بريئة ـ لا تصدقوني ، وإن اعترفت لكم بما يعلم الله أنى بريئة منه لتصدقننى ، والله لا أجد لكم ولي مثلا إلا قول العبد الصالح أبى يوسف : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) واضطجعت في فراشها وقالت عائشة : وأنا أعلم أن الله سيبرئنى. ولكن ما كنت أظن أن سينزل في شأنى وحيا يتلى.

ولقد نزل الوحى على رسول الله ، وقلوب الناس تضطرب وبخاصة أبويها خوفا على عائشة ولكن عائشة واثقة من نفسها ، ومطمئنة إلى ربها ، نزل الوحى مبرئا عائشة مما رميت به وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبشرى يا عائشة ، أما والله لقد برأك الله فقالت لأمها : لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله الذي برأنى ، ونزلت الآيات العشر (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) إلى آخر الآيات.

كان مسطح قريب أبى بكر ، كانت أمه بنت خالة أبى بكر ، وكان ينفق عليه لفقره ، فلما وقع في حديث الإفك حلف ألا ينفق عليه فنزل قوله تعالى : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى) ـ إلى قوله : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ).

المعنى :

إن الذين جاءوا بالإفك ، واختلقوا هذا الكذب البعيد عن الصدق جماعة صغيرة منكم تآمرت عليه ، واجتمعت حوله ، وأخذت تذيع الأراجيف فيه ، فلم يأت به جمهرة المسلمين وجماعتهم ، على أنهم فيكم ، ومعدودون منكم ، وهذا كله يجعلكم تهونون من شأن الحادثة. ولا تثور نفوسكم عليهم ثورة جامحة. فالمرء عادة عرضة لأن يصاب من أقاربه وأهل بيته وفي هذا سلوى للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآل بيته الكرام.

لا تحسبوا هذا الحدث شرا لكم بل هو خير لكم ، وأى خير؟!

٦٦٢

إذ هو خير لعائشة حيث برئت منه في القرآن الكريم فكانت كمريم البتول وأصبح التصديق ببراءتها جزءا من إيمان كل مؤمن ، وكل من شك فيه كفر.

وبعد أن بين أن فيه خيرا لا شرا أتبع ذلك بأن لكل امرئ منهم جزاء ما اكتسب من الإثم ، والذي تولى كبره منهم وقاد هذه الحملة ، وهو عبد الله بن أبى بن سلول ، له عذاب عظيم من الله ، وفي هذا تطمين لنفوسهم ، فقد بان خيرهم ، وانتقم لهم ممن آذاهم.

وهذا عتاب للمسلمين ، وتربية لهم وتنبيه ، حيث كان الواجب عليهم وقت أن سمعوا تلك المقالة الشنيعة أن يقيسوا الأمور بمقياس صحيح على أنفسهم فإذا كان مثل هذا بعيدا على المؤمن الذي عمر الإيمان قلبه من رجل وامرأة ، أفلا يكون بعيدا بل مستحيلا على أمثال عائشة وصفوان؟!! فإذا قسنا هذا بقياس الإيمان أنتج هذه النتيجة ، وهذا هو سر قوله تعالى : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ).

وفي هذا بيان لموضع الإيمان من نفوس المؤمنين ، وأنه مقياس صحيح ، وأن المسلمين جميعا سواء ، كان الواجب ألا يكتفوا بالظن الحسن في نفوسهم بل يقولون : هذا إفك وكذب ظاهر بين ، فمن المستحيل أن تكون زوجة النبي زانية فإن الزنى أكبر عارا ، وأشد حقارة من الكفر ، ولقد صدر هذا الإفك من قوم عرفوا بالنفاق والكذب والزور ، وكيف يتصور حصول هذا ، فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله وعند الناس جميعا كاذبون!!

ولو لا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة ، بأن أمهلكم للتوبة في الدنيا وأرشدكم إلى الطريق ، وفي الآخرة حيث قبل منكم التوبة ، وأثابكم على امتثال الأمر.

ولو لا هذا الفضل وتلك الرحمة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم ، وقد أفاضوا في حديث الإفك ، وأكثروا من الكلام فيه حتى فاض من جوانبهم كما يفيض الماء من الإناء والخطاب لجميع المسلمين ، ومنهم ابن أبى ، ولكنه ضيع الفضل والرحمة في الدنيا والآخرة لإصراره على الكلام ، ووقوفه عند دعواه الباطلة لذلك مسه العذاب في الدنيا والآخرة.

٦٦٣

ولو لا فضل الله عليكم وتوفيقه لكم ، ورحمته بكم لمسكم بسبب ما أفضتم فيه من حديث الإفك عذاب عظيم وقت تلقفكم له بألسنتكم ، فقد كانوا يتلاقون مع بعض ، ويستثير أحدهم الآخر بسؤاله : ما وراءك؟ ليتكلم ويفيض في الإفك ، ويتلقى القول منه ، ويجتذبه بلسانه ، لا أنه مجرد سماع عفوا ، ولعل هذا السر في التقييد بقوله :

(بِأَلْسِنَتِكُمْ) نعم وكانوا يقولون هذا بملء أفواههم غير ملقين له بالا ، ولا مقدرين له خطرا ويقولون بأفواههم ما ليس له في قلوبهم حجة ولا برهان ، وتحسبونه هينا سهلا لا جرم فيه ، وهو عند الله عظيم ، وكيف لا يكون كبيرا وعظيما ، وفيه رمى بيت النبوة بالزنى ، وتدنيس فراش النبي بأقبح القاذورات ، ترى أن الله عاتبهم على ثلاثة أمور :

(أ) تلقى ذلك بالسؤال عنه واستثارة المخاطب ليتكلم فيه.

(ب) قالوا بلا علم ولا دليل.

(ج) استهانوا بما صدر منهم ، ولم يتبعوه باستغفار ولا استنكار!! ولو لا قلتم أيها المسلمون حين سمعتم هذا الخبيث من الكلام : ما يكون لنا أن نتكلم بهذا ، ولا ينبغي أن نخوض في عرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلا علم ولا حجة أبدا.

بل وتقولون : سبحانك يا رب وتنزيها لك وتقديسا أن ترضى لأكرم خلقك وأشرف الناس عندك أن يحل بأقرب الخلق إليه وألصقهم به تلك النقيصة وهذه الفاحشة سبحانك!! يا رب سبحانك!! هذا بهتان عظيم واختلاق أثيم يبهت له الإنسان ويدهش!!

وقد روى أن بعض الصحابة قال ذلك حين سمع هذا.

وكل ما مضى من التسلية والتربية والتوجيه ليس الغرض منه التقريع والتوبيخ بل القصد هو أن يعظكم به ويرشدكم حتى لا تعودوا لمثله أبدا ، إن كنتم مؤمنين ، فهذا العمل وأمثاله يتنافى مع أصل الإيمان وحقيقته ، ويبين الله لكم الآيات والله عليم بخلقه وبأحوالهم الخاصة والعامة السرية والجهرية حكيم يضع الأمور في نصابها.

وهذا نوع آخر لبيان جرم الوقوع في الأعراض ، وإشاعة أخبار الزنى والفاحشة

٦٦٤

بين الناس ، والناس يحسبون هذا هينا لأنه كلام باللسان لا أذى باليد والسنان ، وما علموا أن جرح اللسان قد يكون أشد من جرح السيف والسنان. إن الذين يحبون أن تشيع وتنتشر الفاحشة وأخبارها بين الناس ، لهم عذاب مؤلم في الدنيا والآخرة ، وإذا كان الهم بالمعصية ثم تركها لا عقوبة عليه ، فما بال حب ذكر الفاحشة! عليه هذا العقاب!؟ ولعل في ذكر حب الفاحشة إشارة إلى أن هذا داء قلبي يصاب به من يريد التعالي على الناس وهو يحسدهم على ما آتاهم ربهم فتراه يحب من صميم قلبه أن يجرح كرامتهم وأن يقع في أعراضهم ظنّا منه أن هذا شرف له ، وقد كان هذا مع ابن أبى ورسول الله ، وهو كذلك مع كل إنسان يتكلم في الأعراض ؛ ولا تنس أن الآية تشير إلى أن حب إشاعة الفاحشة كاف في لحوق العذاب فما بال من يشيع بالفعل؟! ولعل المراد أن الذين يحبون أن تشيع أخبار الفاحشة ، ولكن الآية تقول : يحبون أن تشيع الفاحشة نفسها لأن إشاعة الخبر يقتضى إشاعة الفاحشة نفسها ألا تراك تمتنع مع ذكر أخبار الفاحشة أمام أولادك لاعتقادك أن في هذا خطرا عليهم ، ومن الحقائق المعلومة أن ذكر الفاحشة وأخبارها مما يقرب الشخص إليها حتى يقع فيها.

هؤلاء الذين أذاعوا أخبار الفاحشة في بيت النبوة لهم عذاب أليم في الدنيا بالحد والإهانة من الناس ، ألم تعلم أن من يتكلم في أعراض الناس لا بد أن يتكلم الناس في عرضه؟ فمن غربل الناس نخلوه ، ومن لا يتق الشتم يشتم ، ولهم في الآخرة عذاب شديد.

وانظر إلى التعبير بالفاحشة عن الزنى فإنه أفحش الفواحش لما يلحق صاحبه من المهانة وتنكيس الرأس ، والله يعلم هذا وأكثر منه وأنتم لا تعلمون الخطر في أعمالكم فمن الخير لكم أن تمتثلوا أمر الله ، وإن الزمن يثبت هذا.

ولو لا فضل الله عليكم ورحمته حيث أمركم بالخير ، وهداكم إلى الطريق الحق ، ونهاكم عما يقطع أوصالكم ، ويزرع الضغينة في نفوسكم ، وكفى شرّا أنه من دواعي الوقوع في نفس الفاحشة ، والتكلم في العرض وبخاصة مثل هذه الحادثة فإنها تتعلق ببيت النبوة الذين هم أئمة يقلدون ، حقّا لو لا فضل الله ورحمته وأنه رءوف رحيم حيث بين لنا خطر هذا الفعل الشنيع ، لو لا هذا لوقعتم في المهالك ، ولضلت بكم السبل فالحمد لله الذي هدانا لهذا.

٦٦٥

وهذا تحذير من الشيطان ووسوسته بعد تحذيرنا من النفس الأمارة بالسوء التي تحب دائما إذاعة الفاحشة فإن المعاصي تقع دائما من قائد يأمر بالسوء وهو الشيطان ونفس مدفوعة إلى الشر بطبعها.

يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومسالكه فإنه يأمركم بالفحشاء والمنكر ويدعوكم دائما إلى كل ضار في دينكم ودنياكم (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً) [سورة البقرة آية ٢٦٨].

والشيطان يوسوس للنفوس الضعيفة ، ويزين لها الوقوع في المعاصي ، عن طريق التدرج خطوة فخطوة حتى يتم له ما أراد ، وإن خطوات الشيطان تكون فيما نحقر من أعمالنا «ولكنها تجرنا إلى المهالك».

فأعظم حادثة أو أكبر فاحشة لا تقع دفعة واحدة ، ولكن لها خطوات يضعها الشيطان حتى يتم له ما أراد. نظرة ... فكلام ... فموعد ... فلقاء .. فوقوع في المهالك ... وهكذا.

يحكى أن عابدا في صومعته كان بجواره رجلان لهما أخت ، فسافرا لأمر ، وتركا أختهما في حراسة العابد ، فكان كل يوم يضع لها الطعام أمام باب الصومعة لتأخذه فوسوس له الشيطان أن يضع الطعام على باب بيتها بحجة أنها لا تتجشم مشقة التعب والحضور إليه ، ثم انتقل إلى خطوة أخرى ، وهي أن يزيدها إكراما فيطلبها لتأخذ الطعام ، ثم انتقل إلى خطوة ثالثة ورأى من وسوسة الشيطان أن المرأة في طول مقامها منفردة تلقى مشقة وتعبا فقد يكون من الخير لها أن تجلس معه ليسرى عنها بالتحدث إليه فترة وجيزة ففعل ، وهنا ينطبق الحديث «ما اجتمع رجل بامرأة إلّا وكان الشّيطان ثالثهما» ، فلما اجتمعا وقعا في التهلكة ، لأن العابد مهما كان فهو رجل ، والمرأة مهما كانت فهي أنثى ، وفيها الغريزة الجنسية!

فأنت ترى أن الشيطان جاءهما من طريق مؤثر ، وهو في الظاهر خير ، فحقّا لا تتبعوا خطوات الشيطان ، إنه للإنسان عدو مبين.

أبعد هذا يتوانى المسلمون في فهم الحقائق البشرية ، وتطبيق قواعد الدين؟! ومن العجب أن ينادى بعض المسلمين بالاختلاط بين الجنسين ، ويجره الشيطان إلى هذا بحجة أن الاختلاط يمنع الوقوع في المعصية ، وما علم أن الطبيعة البشرية أقوى ، ولا يعدلها

٦٦٦

ويخفف من حدتها ، ويوجهها إلى الوجهة العليا إلا الخوف من الله ، وتلاوة القرآن ومدارسة الحديث ، ومجالسة العلماء ، والانضمام إلى الجمعيات الدينية حتى يشغل فراغه ويصرف وقته في النافع ، وإن أساس الوقوع في المعصية هو الشباب والفراغ والمال فإذا أمكننا صرف الشباب إلى الوجهة النافعة ، وشغل وقتهم وفراغهم بالهوايات الصالحة النافعة كالرياضة البدنية وغيرها توصلنا بهذا إلى التقليل من وقوع الجرائم الجنسية. والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد عالج هذا الموضوع بقوله «يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة ـ أى : النكاح ـ فليتزوّج وإلّا فعليه بالصّوم فإنّه له وجاء» ولا شك أن في الصوم جنة ، ورياضة روحية ، وإضعافا للقوة الجسمية.

يا جماعة المسلمين : لو لا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا وكيف يسير الإنسان على الصراط المستقيم ، وهو بين قائد ضال ودافع أضل؟ ولكن الله يزكى من يشاء ، ويهدى إليه من ينيب ، والله سميع عليم ، ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، وهو يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون.

أليس في هذا خير لنا وهداية؟ نسأله التوفيق والسداد.

ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أى : لا يحلف أصحاب الغنى والجاه أن يؤتوا أولى القربى والمساكين مما أعطاهم الله من خيره جزاء ما اشتركوا في إثم الإفك ، وهذا نهى لأبى بكر حتى لا يمنع مسطحا من النفقة التي كان يجريها ، وهكذا كل مسلم.

وليعفوا عن السيئات ، وليصفحوا عن العصاة والمذنبين ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟ وهذا تمثيل أى كما تحبون أن يغفر الله لكم ، فاغفروا أنتم لمن دونكم «من لا يرحم لا يرحم» والله سبحانه كثير المغفرة والرحمة فاقتدوا به واعملوا بما أمر فهو خير لكم.

نهاية القصة

(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ

٦٦٧

(٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥) الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦))

المفردات :

(لُعِنُوا) طردوا من الرحمة (دِينَهُمُ) المراد جزاءهم (مُبَرَّؤُنَ) منزهون ؛ وهذا بعد الكلام الخاص في العفو والصفح عن بعض من خاض في الإفك كالدليل على أن هذا الجرم شديد وجزاؤه عظيم.

المعنى :

إن الذين يرمون المحصنات العفيفات الغافلات البعيدات عن التفكير في المعاصي والفواحش المؤمنات الصادقات هؤلاء لعنوا في الدنيا ولعنوا في الآخرة ، ولهم عذاب عظيم هوله شديد وقعه.

ومن المعلوم أن هذا الحكم ـ مع من يرمى المحصن الغافل المؤمن ـ كذلك وإنما تخصيصهن بالذكر ، لأنه الكثير الغالب ، وأن رمى النساء بالإفك أكبر إساءة لهن ، وهذا هو الموافق لحديث الإفك.

ولا شك أن القذف بالزنا كالرمى بالحجارة التي تصيب كل من يصادفها بلا تفريق بين أب أو زوج أو أخ أو قريب.

والإحصان والغفلة والإيمان حواجز وموانع كان الواجب أن تمنع القذف وهي كالسبب المقتضى لذلك الجزاء الشديد لمن يقذف المحصنات.

وهؤلاء القذفة وبخاصة من قذف السيدة عائشة ملعونون على لسان الملائكة والمؤمنون إلى يوم القيامة ، ومطرودون من رحمة الله في الدنيا حيث استحق الحد والتعذيب ،

٦٦٨

ولعن في الآخرة حيث استحق العذاب الشديد ؛ وعظم العذاب بقدر عظيم الجرائم ، ومن يقذف بالفاحشة بريئا فقد أقض مضاجع ، ونال من كرامات وثلم من شرف ، وآذى من أبرياء ، فهو يستحق هذا العذاب ، وإن الله لا يظلم الناس شيئا ، ولكن الناس أنفسهم يظلمون ، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون. نعم هم يستحقون ذلك العذاب يوم تشهد عليهم ألسنتهم.

ولعل هؤلاء الناس يوم القيامة يحاولون الإنكار والتنصل فيمنعهم الله من الإنكار ، ثم ينطق ألسنتهم ، وأيديهم ، وأرجلهم بما اقترفوا قطعا لعذرهم. وتنكيلا بهم. كل ذلك بسبب ما كانوا يعملون ، يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ، ويعطيهم جزاءهم كاملا عادلا لا يزيد على جريرتهم ولا ينقص.

ويومئذ يرون أن كل ما وعد به الرسل ، وما وصفوا به من عذاب العصاة وثواب الطائعين كله حق ولا شك فيه ولا مرية (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) وهل هذه الآية عامة في كل محصنة غافلة مؤمنة؟ وإن كان سبب النزول قصة عائشة ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. أم هو خاص بعائشة ـ رضي الله عنها ـ نظرا إلى شدة الوعيد وعدم ذكر التوبة ، وقيل إن الآية خاصة بكفار قريش إذ كانوا يرمون المؤمنات المهاجرات بأنهن هاجرن للفجور.

والظاهر والله أعلم أنها عامة في محصنة غافلة مؤمنة ، والسيدة عائشة وأمهات المؤمنين داخلات فيها دخولا أوليّا ، وعظم الجزاء لعظم الجرم ، وعدم ذكر التوبة لا يمنع من قبولها فبابها مفتوح حتى للكفار.

كيف ترمون بيت النبوة بهذا الإفك؟!! أو ما علمتم أن الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء ، وهذا حكم غالبى فالخبيث يكون للخبيثة ، ولا يصح أن يتخلف هذا الحكم في أشرف بيت ومع أكرم خلق الله على الله.

والطيبات من النساء كالسيدة عائشة وغيرها من أمهات المؤمنين للطيبين من الرجال فالله يختار لكل فئة ما يناسبها ويليق بها ، فلا يمكن أن يختار أخبث الخبيثات لأطيب الطيبين ، وهذا قريب مما سبق في قوله : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) وعند بعضهم أن المراد الخبيثات والطيبات من الكلام

٦٦٩

للخبيثين والطيبين من الرجال والنساء ، على معنى أن خبيث القول إنما يوجه للخبيث من الناس ، والخبيث من الناس هو المستحق للخبيث من الكلام. أولئك المذكورون من الطيبين والطيبات مبرأون مما يقول الخبيثون والخبيثات. وكلا المعنيين مروى عن ابن عباس.

والرأى الأول هو الظاهر والله أعلم.

الاستئذان وآدابه

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٢٩))

المفردات :

(بُيُوتاً) جمع بيت وهو المسكن لأن المرء يأوى عادة إلى مسكنه ليلا (تَسْتَأْنِسُوا) المراد تستأذنوا لأن من دخل بيتا غير بيته تلازمه الوحشة حتى يؤذن له (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) أى لا حرج ولا إثم.

وهذا حكم آخر يتعلق بالأسرة والبيوت ، وهو مناسب لأصل الموضوع الأول ، ومن دواعي البعد عن الريبة والظن والوقوع في الزنى ، وأسس الآداب والمدنية والإنسانية.

٦٧٠

المعنى :

يا أيها الذين اتصفتم بالإيمان ، اعلموا أنه يدعوكم إلى الفضيلة والآداب ، ويرشدكم إلى أنكم لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم ، أى ليس لكم فيها حق السكنى والمنفعة «وإن كانت ملكا لكم ، لا تدخلوا حتى تستأنسوا وتستأذنوا ، ولا شك أن الإذن يذهب الوحشة ، ولذا سمى الإذن أنسا ، بدليل قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ).

والاستئذان يكون بقرع الباب ، أو النداء لمن في البيت ، أو التسبيح والتحميد أو صريح الاستئذان وغير ذلك.

ومنع الدخول قبل الاستئذان عام في الرجال والنساء ، مع المحارم وغير المحارم إذ كل إنسان له حالات لا يحب أن يطلع عليها أحد ، ولو كان والدا أو ولدا ، ولقد قال رجل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أأستأذن يا رسول الله على أمى؟ قال النبي «نعم» قال : ليس لها خادم غيرى أأستأذن عليها؟ قال «أتحبّ أن تراها عريانة؟» قال : لا. قال : «فاستأذن عليها».

حتى تستأنسوا ، وتسلموا على أهلها أى : على من فيها ، وظاهر الآية أن الاستئذان يحصل ثم السلام ، وبعضهم يرى العكس ، والبعض يرى أنه إذا رأى أحدا في الدار سلم أولا ثم استأذن : فإن لم ير استأذن أولا.

ذلكم خير لكم وأفضل ، فإنه أغض للبصر ، وأحفظ للسر ، وأدعى إلى احترام البيوت والحرمات ، ولا تظنوا أن في الاستئذان مذلة ، بل هو خير لكم وأزكى ، لعلكم تذكرون ذلك فتعملوا بمقتضاه.

ولا مانع من جعل حجرات الموظفين كالبيوت يحسن الاستئذان عند دخولها فلربما كان الموظف في شغل شاغل ، أو عنده شخص في مصلحة لا يحب أن يطلع عليها أحد ، وهذا بلا شك أحفظ للوقت ، وأدعى إلى العمل والجد.

فإن لم تجدوا فيها أحدا من ساكنيها فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ، وهذا تعبير دقيق يشير إلى معنى أدق ، فربما كان في البيت صاحبه ، ولم يرد عليك ولم يأذن لك فيصدق على المستأذن أنه لم يجد أحدا في البيت.

٦٧١

وإن قيل لكم ارجعوا ، ولا تدخلوا ، فارجعوا وامتثلوا أمر صاحب البيت فهذا حقه وهو حر فيه ، والرجوع أزكى وأطهر ، والله بما تعملون عليم ومحيط.

وقد يكون في البيت ما يدعو إلى الدخول بلا إذن كحريق أو حادث أو استغاثة مثلا وهنا تدخل بلا إذن. ولا حرج عليك.

ليس عليكم جناح ولا إثم في أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة ، وفيها متاع لكم كالحوانيت ومحال البيع والشراء ، وقد روى أن أبا بكر ـ رضى الله عنه ـ لما نزلت آية الاستئذان قال : يا رسول الله فكيف يعمل تجار قريش الذين يختلفون من مكة والمدينة والشام ، ولهم بيوت معلومة على الطريق فكيف يستأذنون ويسلمون؟ وليس فيها سكان؟ فنزل قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) الآية.

والمعنى : أن البيوت العامة كالمقاهى والبيوت التجارية ما دامت مفتوحة فلا استئذان في دخولها.

وهل بيت الإنسان الخاص الذي فيه أهل بيته يستأذن أم يكفى السلام فقط والإشعار بالحضور بأى شيء ، الظاهر أن هذا يكفى.

والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ، فإن إباحة الدخول في الأماكن العامة لغرض ، أو في البيوت الخاصة مثلا قد يتخذه بعض الناس لغرض آخر سيّئ فجاء قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) ليذكرهم بأن الله يعلم ، وأنتم لا تعلمون وهو يعلم السر وأخفى.

ومن الآداب أنك عند زيارتك لإنسان ، ووجدت الباب مفتوحا ، أن تقف بحيث لا تطلع على شيء في البيت ، فقد روى علماؤنا عن عمر بن الخطاب أنه قال : من ملأ عينيه من قاعة بيت فقد فسق وروى في الصحيح عن سهل بن سعد أن رجلا اطلع في حجر في باب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مدرى يرجل به رأسه فقال له الرسول : «لو علمت أنّك تنظر لطعنت به في عينك ، إنّما جعل الله الإذن من أجل البصر».

٦٧٢

آية الحجاب

(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (٣٠) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣١))

المفردات :

(يَغُضُّوا) غض البصر كفه (يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) يظهرن مواضع الزنية (بِخُمُرِهِنَ) جمع خمار وهو ما يستر الرأس (جُيُوبِهِنَ) جمع جيب وهو فتحة في أعلى الجلباب يبدو منها بعض الصدر (لِبُعُولَتِهِنَ) هم الأزواج (الْإِرْبَةِ) الحاجة (يَظْهَرُوا) يعرفوا ويطلعوا على عورات النساء.

وهذا حكم آخر من الأحكام التي تحفظ العرض ، ويصان النسب ، وتمنع الفحشاء ،

٦٧٣

وببعد الزنى ، فالإذن قبل الدخول ، والحجاب وعدم النظر ومنع الاختلاط مما يباعد بلا شك بين الشخص وبين الخطر.

المعنى :

قل يا محمد ، وكذا كل رئيس للمؤمنين أو إمام لهم ، قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ، ويكفوها عن النظر إلى الأجنبيات غير المحارم ، ويحفظوا فروجهم من كل منكر كالنظر واللمس والزنى ، وانظر إلى قوله ـ تعالى ـ وقد قدم تحريم النظر على حفظ الفروج التي هي المقصود الأساسى من الكلام ليعلم الناس جميعا ما للنظر من خطر وأثر ، وأنه رسول الشهوة : وبريد الزنى ، وبذرة الفسق والفجور.

وخص المؤمنين بالذكر لأنهم الممتثلون المنتفعون بهذا. ذلك أزكى لهم وأطهر ، وأبعد عن الشك وأنفى للريبة ، وأبقى للنفس طاهرة زكية بعيدة عن الخطر. واعلموا أيها الناس أن الله خبير بما تصنعون ، فراقبوا الله واتقوا عذابه ، واعلموا أنه يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، والله يعلم ما تبدون وما تكتمون.

وكل أمر في القرآن للمؤمنين فهو كذلك للمؤمنات ، ولكنه أعيد الحكم هنا مع المؤمنات لأن النساء في أشد الحاجة إلى ذلك ، على أن الحكم من أخطر الأحكام التي تقتضي التفصيل والبيان.

وقل : أيها القائد والمربى والمشرف على المؤمنات وتربيتهن والإرعاء عليهن سواء كنت حاكما أو زوجا أو معلما قل لهن يغضضن من أبصارهن ، ويمنعن بعض أبصارهن عن النظر أما النظر جملة فمنعه شاق وعسير ، ولقد صدق رسول الله حيث يقول : «لك الأولى وعليك الثّانية» أى لك النظرة الأولى دون الثانية ، فالمنهى عنه النظر الذي يتجاوز الحد المعروف شرعا.

وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ، ويحفظن فروجهن ، ولا يبدين مواضع الزينة منهن ، وإنما نهى القرآن عن الزينة والمراد مواضعها للمبالغة في المنع ، إلا ما جرت به العادة بكشفه لاقتضاء الضرورة ذلك كالوجه والكفين ، لأنه لا غنى عن كشفهما.

وقد كانت العادة المتفشية في الجاهلية أن تكشف المرأة عن نحرها وصدرها وللأسف

٦٧٤

أصبحت هذه العادة متفشية في مجتمعنا الحاضر ـ ولذا خصها الله بالذكر وإن كان في الحكم السابق يشملهما لاقتلاع تلك العادة السيئة التي يقع فيها كثير من الناس.

وكان قوله تعالى : (وَلْيَضْرِبْنَ) للإشارة إلى معنى الإلصاق والملازمة التي لا تنفك كضرب الخيمة في المكان.

وقوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ) ، زيادة التقرير والتأكيد وتوطئة للاستثناء الآتي ، فليس تكرارا لما مضى.

وها هم أولاء الذين استثناهم الله فجاز أن تكشف المرأة زينتها لهم فيما عدا السرة والركبة فكأن الله يقول : ولا يبدين زينتهن لأحد إلا لبعولتهن الآية.

١ ـ الأزواج لأنهن أحق الناس بألا يستر عنهم شيء ، ولأنه يباح لهم النظر إلى جميع البدن ما عدا الفرج ، وكذلك الاستمتاع بكل أنواعه الحلال ولذا قدمهم على غيرهم.

٢ ـ آباؤهن : وكذا الأجداد ، سواء كانوا لأب أو لأم.

٣ ـ أبناء بعولتهن. سواء كانوا ذكورا. أو إناثا.

٤ ـ الإخوة : الأشقاء أو لأب ، أو لأم.

٥ ـ أبناء الإخوة : كذلك ، ويلحق بهؤلاء المذكورين الأعمام والأخوال وهذا الحكم يجرى في الأقارب من جهة النسب كما تقدم ، وفي الأقارب من جهة الرضاع وهؤلاء يسمون المحارم.

وقوله تعالى : أو نسائهن أى الحرائر من المسلمات ، أما الإماء فسيأتى حكمهن ، وأما المرأة الكافرة فهي من المسلمة كالأجنبى ، وقيل كالمسلمة.

(أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) ظاهر الآية يشمل العبيد والإماء المسلمات والكتابيات ، وهو رأى لبعضهم ، وقال ابن عباس لا بأس أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته ، وقال سعيد بن المسيب : لا تغرنكم هذه الآية (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) إنما عنى بها الإماء ولم يعن بها العبيد ، وكان الشعبي يكره أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته (أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) وقد اختلف العلماء في المراد بهذه الآية فقيل : هم المسنون الضعفة الذين يتبعون الناس ليصيبوا من فضل طعامهم ، أو هم البله الذين لا يفهمون من أمور

٦٧٥

النساء شيئا ، أو هو العنين أو الممسوخ ، وهذا الاختلاف كله متقارب المعنى لا فهم له ولا اتجاه عنده إلى أمر النساء.

(أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) والمراد الأطفال الذين لم يفهموا عورات النساء ، ولم تظهر فيهم الغريزة الجنسية لصغر سنهم ، وإنما يكون هذا دون البلوغ.

وفي النهاية ختم الآية بقوله : وإياكم أيها النساء أن تضربن بأرجلكن ليعلم ما تخفين من الزينة ، والمعنى عليكم ألا تظهروا ما خفى من مواضع الزينة فيكن ، وهذه نصيحة قرآنية للنساء خالصة لهن خاصة بهن ، فإن بروز المرأة من خدرها ، وإظهار ما خفى من زينتها ، وعرضها جمالها وجلالها في السوق والشارع كان له عميق الأثر من انصراف الشباب عن الزواج ، فلقد صدق من يقول : أحب شيء إلى الإنسان ما منع.

ولسنا نقول : إن المرأة يجب أن تكون في السجن ، لا ، بل نقول لها اخرجى وتعلمي ، واقضى حاجتك ، ولكن نطالبها بالعفة ونطالبها بالمحافظة على نفسها ، ونلح عليها في ألا تبرز زينتها ، وألا تعرض نفسها على الناس فيقل طلبها واحترامها والنظر إليها.

وتوبوا أيها الناس جميعا مما تلمون به من نظر أو كلام أو اجتماع ، توبوا إلى الله وارجعوا إليه لعلكم تفلحون ، وهذا ختام جميل ، وتذييل دقيق المعنى.

ويحسن أن نذكر العورة عند الرجل والمرأة باختصار فنقول : عورة الرجل ما بين سرته وركبتيه بالنسبة للرجال والنساء المحرمات عليه ، وهي كذلك في الصلاة ؛ وعورة المرأة في الصلاة كل بدنها إلا وجهها وكفيها ، وهي كلها عورة بالنسبة للرجال الأجانب وبعضهم يقول : كلها إلا الوجه والكفين ما لم تخف للفتنة. أما المحارم فما بين السرة والركبة ، وأما مع الزوج فلا عورة معه أبدا ، ويحرم النظر إلى الفرج خاصة من كل منهما ، والأمة عورتها كالرجل ما بين السرة والركبة.

من علاج أزمة الزواج

(وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ

٦٧٦

يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٣) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٣٤))

المفردات :

(الْأَيامى) جمع أيم وهو من لا زوج له ذكرا كان أو أنثى ، سبق زواج أم لا ، وقيل من فقد زوجه بموت أو طلاق فلا يقال للبكر أيم ، وقيل : هذا اللفظ خاص بالأنثى (الْكِتابَ) والمكاتبة هي عقد بين المالك وعبده على أن يؤدى مالا لسيده فيعتق على هذا المال (الْبِغاءِ) هو زنى النساء خاصة.

المعنى :

ما مضى في حكم الزنى وفظاعته ، وأنه سبة تقتضي عقابا خاصا لمن يسب بها مسلما بدون شهود على فعله ، ثم جاءت قصة الإفك ، وما فيها من آيات ومواعظ وحكم ومنافع ، ثم كان الكلام على الإذن قبل الدخول ، وعلى غض البصر كل ذلك لأجل البعد عن الزنى الذي هو من أكبر الفواحش والآثام ، وبعد ذلك كان العلاج لهذا الداء الوبيل والخطر الجسيم ، وهذا العلاج هو النكاح أى : الزواج الذي هو حرز لنصف

٦٧٧

الدين وتنفيس شرعي اجتماعي للغريزة الجنسية ، وفي هذه الآيات علاج لأزمة الزواج وقطع لعلل بعض الناس.

وأنكحوا أيها الأولياء ، والسادة للعبيد ، أو هو أمر موجه للأمة جميعا بمعنى التعاون وإزالة العقبات حتى يتم على أكمل صورة ، وهل هو أمر للوجوب؟ الظاهر أنه أمر لمطلق الطلب لا للوجوب ، إذا لم يقل أحد أن السيد واجب عليه أن يزوج عبده.

أيها الأولياء والسادة زوجوا من لا زوج له من الأحرار أو الحرائر ، وكذا زوجوا الصالحين من عبيدكم وإمائكم ، والمراد بالصالحين هم القائمون بحقوق الشرع الواجبة عليهم من امتثال الأوامر واجتناب النواهي ولا تنظروا إلى المال.

وإنما خص الصالحين من العبيد دون الأحرار ، لأن الصالح من العبيد هو الذي يستحق أن يطلب من سيده وأن يجاب إلى طلبه.

وأما الأيامى من الأحرار فنفقاتهم على أنفسهم فالترغيب في زواجهم محمول على الإطلاق بدون شرط.

ولكن نرى كثيرا من الشباب يتعلل بالفقر ، ويقول : كيف أتزوج وأنا فقير فيرد الله على هؤلاء بقوله : إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ، فالغنى والفقر بيد الله لا بيد مخلوق ، وكما أعطاكم ورزقكم متفرقين يعطيكم مجتمعين بالزواج.

على أن الزواج قد يكون مدعاة للغنى فالشعور بالمسئولية ، وحث الزوجة زوجها على العمل ، وأنه صار صاحب بيت وأسرة ، وقد تعلق به من هو في حاجة إليه ، وقد يصير ذا أولاد بعد زمن ، كل ذلك يدفع الرجل إلى العمل والجد والاجتهاد ، وهذا يحصل الغنى ، وبهذا يتحقق وعد الله ، والواقع يؤيد ذلك غالبا.

والله واسع الفضل ، عليم بالخلق يعطى كما يشاء ويعلم ، فقد يتزوج الشخص ثم يظل فقيرا فلا يغتر إنسان بأن الزواج باب موصل مضمون للغنى ، وإنما هو مظنة فقط ، أو على الأقل هو إزاحة للتعليل الذي يتعلل به البعض.

(وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً) أى : ليعمل من لا يجد وسائل الزواج الموصلة إليه على العفة وضبط النفس وعدم الاسترسال في طريق الشهوات والبعد عما يثير الغرائز الجنسية كالاختلاط بالنساء والجلوس إليهن ، والتعفف يدخل فيه تقوية الناحية الروحية بقراءة القرآن والصلاة والذكر ومجالسة أهل العلم والجلوس مع الصالحين

٦٧٨

والاشتغال بما يفيد الدين ويغرس الخلق الفاضل ، والتعفف يكون كذلك بإضعاف الناحية البدنية من شغل الجسم بالأعمال الشاقة والرياضة البدنية العنيفة والاشتغال بالهوايات التي يهواها الشخص أيا كانت بشرط أن تكون حلالا.

ولقد جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم العلاج بقوله : «يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج ومن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنّه له وجاء» والصوم علاج روحي وجسمي وحذار أيها المسلمون من الاندفاع مع دعاة الشر وأتباع الشياطين الذين ينادون بأن الكبت ضار وأن التحلل علاج ـ وقانا الله شرهم ـ :

وهذا أمر يتعلق بالنكاح أيضا وخاصة الأرقاء فقد يكون الرقيق كبير النفس واسع العقل كبير الهمة فيريد أن يشترى نفسه من سيده بمال ليكون حرّا وهذا غالبا يكون عند شعوره بالحاجة إلى الزواج ذكرا أو أنثى حتى يكون له بيت أو أولاد ويظهر والله أعلم أن هذا هو السر في وضع تلك الآية هنا.

والشرع لا يدع فرصة تمر إلا وهو يدعو بإلحاح إلى العتق ، وإلى الحرية ؛ والذين يبتغون الكتاب والمكاتبة ، ويتعاقدون مع سيدهم على إعطائه جزءا من مال منجما على أوقات ، فإذا ما وفي صار حرّا ، إن حصل هذا فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ، واستعدادا طيبا للوفاء ، وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ، وأنفقوا عليهم مما جعلكم مستخلفين فيه ، ولا تبخلوا عليهم أبدا ، ولحرص الشارع على الحرية ، وتحرير الرقاب أمر أن يعطى المكاتب ما لا يستعين به على أداء ما عليه من أقساط ، وجعل له حقّا في الصدقات (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ، وَفِي الرِّقابِ) [سورة التوبة آية ٦٠] أى فك الرقاب.

وهذا علاج آخر لمرض كان شائعا مبعثه حب المال والتحكم في الرقيق ، فقد كانوا يؤجرون عبيدهم للزنى.

وجاء النهى عن تلك العادة بأسلوب شديد ، وعبارة قاسية تتناسب مع شناعة الفعلة ، فقال : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً).

ولقد نهاهم عن الإكراه ، والإكراه أشنع من الإباحة وأفظع ، وقال فتياتكم أى في سن المراهقة التي فيها الغرائز على أشد ما تكون ، من الميل إلى الفجور وعدم تقدير الأمور ، ثم أضافهن إليهم ، ومن ذا الذي يقبل أن يكره فتاته المختلطة به وبأهل بيته

٦٧٩

المنسوبة إليه على الزنى؟!! إنه لمجرد من الشهامة والرجولة ، وقد روى أن عبد الله بن أبى كان يفعل هذا!

وكان الإكراه في حال أنهن أردن تحصنا وتعففا ، يا لله من جرم قبيح تكره فتاتك على الزنى وهي تريد الإحصان والعفة!!!

تكرههنّ لأنك تبغى عرض الحياة الدنيا ، يا لله من الناس في هذه الأيام!!! ألسنا نسمع الآن أن مصلحة السياحة تريد أن تؤجر سيدات وفتيات يصاحبن السائحين الأثرياء الأغنياء الوافدين علينا ، تؤجرهن ليقمن معهم ويصاحبنهم في أسفارهم وحلهم ، وخلواتهم .. يا لله من أولئك الرؤساء المتحللين الذين يكرهون الفتيات ويمهدون السبيل إلى البغاء العلنى بحجة الحضارة والمدنية ، وللعجب العجاب قام بعض الكتاب والعلماء يطلبون وقف هذا ومنعه رسميا فلم يسمع لهم ، بل نفذ الأمر وتم ، وقام كاتب فاجر داعر يملك صحيفة وينادى بأن العلماء متأخرون جهلاء ينادون بالرجعية ، وهم العقبة في سبيل التقدم!! إننا والله نسأله أن يأخذنا وألا تطول حياتنا في هذه الأيام السود ، وماذا نعمل وقد عم الفساد والتحلل الخلقي ، بل والدعوة السافرة إلى الاختلاط القبيح في الإذاعة والصحف والكتب والنشرات ، ونرى تأييدا لهم من كل جهة تأييدا خفيا ، حتى إذا تم الأمر وتمكن الحال جاهروا بإماتة الدين والعادات الإسلامية بحجة أننا في عهد الحرية والتقدم ، يا رب أنقذنا من هذا!!! ونحن كالمستجير من الرمضاء بالنار.

والخلاصة : إن إكراه الفتيات على الزنا المباشر أو غير المباشر ، سواء أردن تحصنا وعفة أم لا جرم كبير وذنب فظيع.

ومن يكرههنّ ، وهن غير راغبات ، فإن الله من بعد إكراههنّ غفور رحيم بهن أما من أكرههن فله جهنم ، وبئس المصير ، والله أقوى من الجميع ووعد بهذا ووعده الحق وقوله الصدق ، والعاقبة للمتقين ..

أيها الناس! أيها المسلمون! أيها الشرقيون! لقد أنزل الله لكم آيات تدل على كمال العلم والحكمة ، وأنها من الله العزيز الحكيم ، وهي شاهدة بصدق الرسول ، وتبين لنا الطريق الحق ، والقول الصدق الذي ينجينا من المهالك إذ هي علاج صاحب الوجود الخالق للنفوس العالم بالطوايا ، ولا يغرنكم ما نصاب به من نظريات وتقاليد للأجانب ، فلسنا مثلهم ، وليست أجواؤنا ، وبيئاتنا كبيئاتهم.

٦٨٠